المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
اتقوا الله ويعلمكم الله :: قسم علوم و كتب التصوف :: من كتب الصوفية :: الفتوحات الإلهية فى شرح المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
صفحة 1 من اصل 1
31122023
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفتوحات الإلهية فى شرح المباحث الأصلية للشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
7- الحكمة في سفرهم والمقصود بهمذهبهم في جولة البلدان ..... زيارة الشيوخ والإخوان
ثم اقتباس العلم والآثار ..... أو رد ظلم أو للاعتبار
أو للخمول أو لنفي الجاه ..... أو للرسول أو لبيت الله
قلت من سنة الفقراء في بدايتهم الجولان في البلدان, وعدم التقرر في الأوطان, وذكر الناظم في حكمة ذلك عشرة أوجه:
أولها: زيارة الشيوخ, وهي أعظمها بعد الحج وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم, وذلك لما فيها من زيادة فيض الإمداد واكتساب الأوصاف المحمودة, والتخلص من الأوصاف المذمومة, مع اقتباس العلم والحال, وفي ذلك من الخير ما لا يعلمه إلا الله, وسيأتي بعض ذلك أن شاء الله.
وعن أبي رزين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زر في الله فإن من زار في الله شيعه سبعون ألف ملك, يقولون: اللهم صله كما وصل فيك, وناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك, وتبوأت من الجنة مقعدا".
قلت وهذا الذي ذكره الناظم زيارة الأحياء.
وأما زيارة الأموات, فمن ظفر بشيخ التربية, فلا يحتاج إلى زيارة غيره: حيا كان أو ميتا.
وقد قال التجيبي: إن زيارة الأموات ليس من طريق القوم.
قلت: وهو كذلك, لأن القوم قد أغناهم بالأحياء, فلا يزورون الأموات إلا للدعاء لهم والترحم عليهم, وأما من لم يظفر بشيخ التربية فينبغي له الإكثار من زيارتهم, فإن غاية نفع الميت أن يدله على الحي,
وفي ذلك يقول الشيخ الصالح أبو اسحق سيدي إبراهيم التازي "دفين وهران".
زيارة أرباب التقى مرهم يبري ..... ومفتاح أبواب الهداية والخير
وتحدث في الصدر الخلي إرادة ..... وتشرح صدرا ضاق من سعة الوزر
وتنصر مظلوما, وترفع خاملا ..... وتكسب معدوما, وتجبر ذا كسر
فكم خلصت من لجة الإثم فاتكا ..... فألقته في بحر الإنابة والبر
وكم من مريد أظفرته بمرشد ..... خبير بصير بالبلاء وما يبري
فألقى عليه حلة يمنية ..... مطرزة بالفتح واليمن والنصر
عليك بها, فالقوم باحوا بسرها ..... ووصوا بها يا صاح في السر والجهر
فزر, وتأدب بعد تصحيح نية ..... تأدب مملوك مع المالك الحر
ولا فرق في أحكامها بين سالك ..... مرب ومجذوب وحي وذي قبر
وذي الزهد والعباد فالكل منعم ..... عليه, ولكن ليست الشمس كالبدر
ثانيهما: زيارة الأخوان, ولا شك إن السفر لزيارة الإخوان قربة عظيمة ومنقبة جسيمة وهي من أفضل السياحة قال الله تعالى: "ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون" فالمراد بالذين آمنوا: هم أنصار الدين, الذين ينصحون عباد الله, وهم الفقراء المتوجهون إلى الله, فإن كل من لقيهم نصحوه وذكروه بالله.
وقال عليه الصلاة والسلام: "ويقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في, المتجالسين في, المتزاورين في, المتباذلين في", رواه مالك.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها أعدها الله للمتحابين فيه, والمتزاورين فيه, والمتباذلين فيه", رواه الطبراني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد الله تعالى له على مدرجته ملكا, فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا, غير أني أحببته في الله. قال فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه". رواه مسلم, والمدرجة الطريق.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضا أو زار أخا في الله, ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك".
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد أتى أخاه يزوره في الله, إلا ناداه مناد من السماء أن طبت وطابت لك الجنة, وإلا قال الله في ملكوت عرشه: عبدي زارني وعلي قراه فلم يرض له بثواب دون الجنة".
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه حين قدموا عليه: هل تجالسون؟ قالوا: لا نترك ذلك, قال: فهل تزاورون؟ قالوا: نعم يا أبا عبد الرحمن, إن الرجل منا ليفقد أخاه فيمشي على رجليه إلى آخر الكوفة حتى يلقاه, قال: إنكم لن تزالوا بخير ما فعلتم ذلك.
ثالثها: اقتباس العلم النافع, ولا شك أن السفر لطلب العلم فرض, فقد قال عليه الصلاة والسلام "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وقال أيضا: "اطلبوا العلم ولو بالصين", ذكره في القوت.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت الملائكة له أجنحتها, رضا بما صنع".
وعن قبيصة رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا قبيصة ما جاء بك؟ قلت: كبرت سني ورق عظمي فأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله به قال: يا قبيصة ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا أستغفر لك" الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من غدا يريد العلم يتعلمه لله فتح الله له بابا إلى الجنة, وفرشت له الملائكة أكنافها, وصلت عليه ملائكة السموات, وحيتان البحر, وللعالم من الفضل على العابد كالقمر ليلة البدر على أصغر كوكب في السماء, والعلماء ورثة الأنبياء, إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا, ولكنهم ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر, وموت العالم مصيبة لا تجبر, وثلمة لا تسد, وهو نجم طمس: موت قبيلة أيسر من موت عالم".
والمراد بالعلم في الحديث: "العلم النافع فيصدق بعلم ذات الله وصفاته, وأحكامه, والمراد بالعابد الذي فضل عليه العالم: العابد الجاهل بما يلزمه من أداء فرضه, فلا شك أن عبادة الجاهل في جحره, والعالم شامل للعلم بالله, وهو الولي, والعالم بأحكام الله وهو: العالم العامل المخلص, والله تعالى أعلم.
رابعها: اقتباس الأثر وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم, وفضل السفر إليه كفضل السفر إلى العلم, لأنه عين العلم, وقال صلى الله عليه وسلم "نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع" ومعنى "نضر" بهج وحسن.
خامسها: رد المظالم والسفر لذلك فرض, كما إذا كان على الفقير دين أو قصاص أو حق من حقوق العباد, فيسافر إليه ليرده أو يتحلل منه, هكذا ذكره السلمي, ونصه: ثم لطلب العلم, ثم لزيارة الإخوان والمشايخ, إلى أن قال: ثم لرد المظالم والاستحلال, ثم لطلب الآثار والاعتبار, ثم لرياضة النفوس وخمول الذكر. وهذا نص ما ذكره الشيخ في هذه الأبيات.
وقد تردد الشيخ زروق في تفسيره, فحمله أولا على رد ظلم العباد بعضهم عن بعض, وجعله من تغيير المنكر وقال: هذا على من يمكنه ذلك من غير تقص في دينه كما هو معلوم في باب تغيير المنكر.
قلت: ولو حمله على رده بالشفاعة والإصلاح لكان اقرب, ويكون في حق الكاملين منهم.
وحمله ثانيا على ما قلنا من رد المظالم, ثم قال: وقد يريد الفرار من الظلم, فإن المؤمن لا يذل نفسه, وقد قال تعالى: "يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون" وقال تعالى: "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" وقد يريد الفرار من المحل الذي يجري فيه الظلم على يديه كفرار إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه من أرضه وغيره, وكما في حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم كمل المائة بالعابد, فلما دل على التوبة قال له: "أخرج من أرضك إنها أرض سوء" الحديث.
وهذه كلها احتمالات يقبلها اللفظ, وأما المقصد فهو الأول, لأن عادة الناظم محاذاة ما للسلمي, والله تعالى أعلم.
سادسها: الاعتبار بما يرى في سفره من جبال وأنهار وعيون وبحار وأشجار وثمار وأصناف المخلوقات, وضروب الكائنات, وقد تقدم انه ينوي هذا في أول سفره.
سابعها: قصد الخمول ونفي الجاه إذا لا يتحقق الإخلاص حتى يسقط من عين الناس, ويسقط الناس من عينه, ولا شك انه إذا تغرب في البلدان لا يعرفه أحد, فيأمن من الظهور الذي هو قاصم للظهور, والخمول مقصود عند القوم في البدايات, وملحوظ في النهايات.
ثامنها: نفي الجاه, وهو قريب من الخمول, ويفرق بينهما بأن قصد الخمول هو الذي لم يكن له جاه فأراد أن يبقى على خموله, ونفي الجاه هو الذي كان له جاه وأراد نفيه وزواله فإذا سافر إلى موضع لا يعرفه أحد, فالغالب تحقيق خموله, وينبغي له أن يكتم اسمه ويخفي حاله حتى لا يعرف لأنه إذا عرف رجع إليه ما هرب منه, والمراد بالجاه: المضر أو الجاري على غير وجه مستقيم, أو الذي يخشى منه نقما أو شغلا, أو الذي تميل إليه النفس وتركن إليه فان الركون إلى ظل العز قاطع كبير.
تاسعها: لزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي من أكبر القربات وأعلى الدرجات, فقد قال عليه الصلاة والسلام "من زارني في المدينة وجبت له شفاعتي" أو كما قال. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام, ومسجدي هذا, والمسجد الأقصى".
عاشرها: زيارة بيت الله الحرام, والوقوف بعرفة, وهو فرض للمستطيع, مستحب لغيره إذا سلم من تضييع واجب, قال صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
تنبيه: قال الشيخ زروق رضي الله عنه: كل هذه الوجوه تحتاج لتصحيح النية, وتحقيق القصد, فإن النفس خادعة, وللأمور آفات: واعتبر هذا بحكاية احمد بن أرقم, حيث جنحت نفسه لطلب الجهاد فتعجب منها, وقال: نفس تأمر بالخير, هذا عجب, ثم سأل الله تعالى قائلا: اللهم أني مصدق بقولك: "إن النفس لأمارة بالسوء".
ولها مكذب فأطلعني على حقيقة هذا الأمر, قالت: يا احمد إنك تقتلني كل يوم كذا وكذا قتلة, ولا يشعر بي أحد فأردت موتة واحدة, ويقال: مات شهيدا.
قال الإمام أبو حامد رحمه الله, فانظر كيف رضيت بالرياء بعد الموت انتهى بمعناه.
قلت: وبقي من فوائد السفر صحة البدن والقلب فقد قال عليه الصلاة والسلام: "سافروا تصحوا وتغنموا", وكذلك قصد موت الغربة, فقد قال أيضا عليه الصلاة والسلام: "الغريب شهيد ويفسح له في قبره كبعده من أهله".
ثم ذكر مفهوم ما تقدم فقال:
ولم تكن أسفارهم تنزها ..... لكن لله بها التوجها
ولم تكن أيضا بلا استئذان ..... للشيخ والآباء والإخوان
ولم يكن ذلك للفتوح ..... أو لامرئ مبتذل ممدوح
قلت: إنما لم تكن أسفارهم للتنزه في البلدان: أو لكروب الأوطان, بل في رضا الرحمن, لأن مقاصدهم دائرة على الجد والتحقيق والمناقشة والتدقيق, لا ينقلون أقدامهم إلا حيث يرجون رضا الله, ولا تنزل هممهم العالية إلا على الله, غائبون هما سواه, لا يتوجهون بهممهم إلا نحو الحبيب, ولا يسافرون بقلوبهم إلا إلى حضرة القريب المجيب بخلاف العامة: أنفسهم غالبة عليهم, وشهواتهم حاكمة عليهم, إن تحركوا للطاعة خوضتها عليهم, فأفسدت عليهم نياتهم وأزعجتهم في هوى أنفسهم, تظهر لهم الطاعة وتخفي لهم الخديعة.
روي أن رجلا جاء يودع بشرا الحافي رضي الله عنه عند مشيه للحج, وقال: قد عزمت على الحج أتأمر بشيء, فقال له بشر: كم أعددت للنفقة؟ فقال: ألفي درهم, فقال له بشر: أي شيء تبتغي بحجك نزهة أو اشتياقا إلى البيت وابتغاء مرضاة الله, قال: ابتغاء مرضاة الله, قال فان أصبت رضا الله تعالى, وأنت في منزلك وتنفق ألفي درهم وتكون على يقين من مرضاة الله, أفتفعل ذلك؟ قال: نعم, قال: اذهب فأعطها عشرة أنفس: مدينا يقضي دينه, وفقيرا يرم شعثه, ومعيلا يجبر عياله, ومربي يتيم يفرحه, وإن قوي قلبك أن تعطيها لواحد فافعل, فان إدخالك السرور على قلب امرئ مسلم, وإغاثة لهفان وكشف ضر محتاج, وإعانة رجل ضعيف اليقين أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام, قم فأخرجها كما أمرناك وإلا قل لنا ما في قلبك, قال: يا أبا نصر: سفري أقوى في قلبي, فتبسم بشر وأقبل عليه وقال له: المال إذا جمع من وسخ الشبهات والتجارات اقتضت النفس أن تقضي به وطرا تسرع إليه بظاهر الأعمال الصالحات, وقد آلى الله على نفسه ألا يقبل إلا عمل المتقين.
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: إذا أكرم الله عبدا في حركاته وسكناته نصب له العبودية لله, وستر عنه حظوظ نفسه, وجعله يتقلب في عبوديته, والحظوظ عنه مستورة مع جري ما قدر له, ولا يلتفت إليها كأنه في معزل عنها, وإذا أهان الله عبدا في حركاته وسكناته نصب له حظوظ نفسه, وستر عنه عبوديته فهو يتقلب في شهواته وعبودية الله بمعزل, وإن كان يجري عليه شيء منها من الظاهر, قال: وهذا باب من الولاية والإهانة.
وأما الصديقية العظمى والولاية الكبرى, فالحظوظ والحقوق كلها سواء عند ذوي البصيرة لأنه بالله فيما يأخذ ويترك.
وإنما لم تكن أسفارهم بلا استئذان الشيخ والآباء, لأن السفر من غير إذن الشيخ لا بركة فيه, ولا سير إلى الله فيه, بل فيه نقض للعهد الذي أخذه عنه: ألا يتحرك إلا بإذنه, وقد يكون له نظر في إقامته, وكانت الفقراء في الزمان السالف يستأذنون فيما هو اقل من هذا وقد وجد بعض الفقراء باقلا "أي فولا" فأتى به إلى الشيخ فقال: يا سيدي ما أفعل بهذا الباقلا, فقال له: أفطر عليها, فقال بعض الحاضرين: يا سيدي يشاورك حتى في الباقلا, فقال: نعم لو خالفني في شيء لم يفلح, أو ما هذا معناه, وهذا إن كان السفر بعيدا وأما القريب الذي لا يستغني عنه, فأمره قريب.
وأما استئذان الآباء فهو أيضا من الأمور المؤكدة.
قال الشيخ زروق رضي الله عنه: فإن حق الوالدين واجب شرعا, إلا في واجب لا محيد عنه, ولا تراخي فيه كطلب علم حاله, والجهاد عند تعيينه, والحج عند ضيق وقته, إذا توفر شرطه.
وقال السلمي: ولا يسافر بغير رضا الوالدين والأستاذ, وبغير أذنهم, حتى لا يكون عاقا في سفره, فلا يجد بركة في أسفاره.
قلت: هذا إن تحقق إنهم لا يمنعونه من زيارة الشيخ, وأما إن تحقق أنهم يمنعونه من زيارة شيخ التربية أو من صحبته, فلا فائدة في استئذانهم, ويسقط عنه استئذانهم, حسبما ذكره البلالي في "اختصار الإحياء" ونصه في باب حقيقة علم الباطن, ويسافر عليه ولو منع أبواه في فرضه.
وذكر الشيخ السنوسي في "شرح الجزيري" أن النفس إذا غلبت كانت كالعدو إذا فجأ فتجب مجاهدتها والنهوض إليها بقواه العلمية والعملية, وفي مثل هذا يسقط استئذان الأبوين وغيرهما, الخ كلامه الطويل في المسألة.
وقد يرجع هذا قوله تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما".
فإن الشرك على قسمين: أكبر وأصغر "وما" من ألفاظ العموم, والشرك الأصغر لا ينجو منه في الغالب إلا بصحبة من تخلص منه بشيخ كامل, والقرآن بحر واسع يغرف منه كل أحد على قدر وسعه.
ومما يناسب ما قلناه من مخالفة الأبوين في صحبة الشيخ, قول الشاعر:
ولا أصغي إلى من قد نهاني ..... ولي إذن عن العذال صما
أخاطر بالخواطر في هواكم ..... وأترك في رضاكم أبا وأما
ولقد سمعت من أشياخنا وغيرهم: أن شابا كان يحضر مجلس شيخ شيوخنا "سيدي يوسف الفاسي" وكان أبوه ينهاه عن ذلك ويزجره, حتى كان ربما يأتي لمجلس الشيخ ويقول: أترك لي ولدي, فكان الشيخ يقول للشاب: يا ولدي أطع أباك في كل شيء إلا في القدوم إلينا وحضور مجلسنا, وكأنه تمسك بقول الغزالي: "إن أخذ علم التصوف فرض عين" والله تعالى أعلم.
وقول السلمي: لئلا يكون عاقا لوالديه: أعلم أن عقوق الوالدين لا يكون بمجرد مخالفتهم, فإن الوالدين على ثلاثة أقسام:
قسم: يكونان وافري العقل واسعي الصدر, لا يغضبان بشيء.
وقسم: يكونان ضعيفي العقل ضيقي الصدر, بغضبان بأقل شيء, وقد يغضبان بلا شيء.
وقسم: يكونان معتدلي الحال.
فأما القسم الأول: فقد يعقهما, ولم لم يغضبا.
وأما القسم الثاني: فقد لا يكون عاقا لهما ولو غضبا, والمرجع في ذلك لعرف أهل العقول الكاملة بحيث يشهدون في ذلك ويقولون: إنه عقوق, سواء ظهر غضب أو لا.
وأما الثالث: فغضبهما عقوق, وإذا سمعت هذا التفصيل من بعض العلماء الفاسيين وهو صحيح حسن "نقله بعض شراح الشمايل" والله تعالى أعلم.
وأما استئذان الإخوان, فهو حسن لعله ينهض حالهم للزيارة معه.
وأما كون سفرهم لم يكن للفتوح, وهو ما يقبضه من الهدايا والصدقات, فقد تقدم أن سفرهم إنما كان لرضا الرحمن, أو لتذكير الإخوان, أو لرياضة النفوس, ولم تكون أسفارهم لقصد الدنيا, فإن ذلك من الهمة الدنية, وكل من كان سفره للدنيا, فلا قيمة له عند الله ومن كانت همته ما يدخل بطنه, كانت قيمته ما يخرج منها, وجلوس من كانت هذه همته في بيته أفضل له, نعم أن تخلصت النية ثم أعطاه الله فتوحا أخذه بنية الشيخ أو صرفه فيما يضطر إليه, وكذلك السفر لمن كان مشهورا بالسخاء والعطاء, فهو من قبيل السفر للدنيا إذا لا يخلو من طمع فيه, وما أقبح الطمع, وما أحسن الورع.
دخل سيدنا علي كرم الله وجهه البصرة فوجد الناس يقصون في المسجد, فأقامهم حتى وقف على الحسن البصري, فرأى عليه سمتا وهديا, فقال له: إني سائلك فإن أجبتني تركتك, وإن لم تجبني أقمتك كما أقمت أصحابك, فقال له: سل عما بدا لك, فقال له: ما فساد الدين؟ قال: الطمع, قال: وما صلاح الدين؟ قال: الورع, قال له اجلس فمثلك يتكلم على الناس.
وإلى هذا أشار بقوله "أو لامرئ مبتذل ممدوح, والمبتذل اسم فاعل, ومن أبتذل طعامه أعطاه, وأصل ما ذكره الناظم قول السلمي رحمه الله: ولا يسافر للنزهة والبطر وراء الناس والجولان في البلدان لطلب الدنيا والدؤوب على متابعة الهوى.
قال أبو تراب النخشبي رضي الله عنه: ليس شر أضر على المريدين من أسفارهم على متابعة هواهم, وما فسد من فسد من المريدين إلا بالأسفار البطالة.
قال الله تعالى: "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يحج أغنياء أمتي للنزهة, وأوسطهم للتجارة, وقراؤهم للرياء, وفقراؤهم للمسألة, وقال أيضا قال أبو حفص النيسابوري: ينبغي للمسافر ثلاثة أشياء: ترك تدبير الزاد, وتقدير الطريق, ويعلم أن الله حافظه.
ثم ذكر آداب الوصول, فقال:
فحيث ما حلوا بلدا فبالحرا ..... أن يقصدوا الشيخ وبعد الفقرا
قلت: من آداب الفقراء إذا حلوا بلدا من البلدان, سواء كانت التي فيها شيخهم, أو لا أن يقصدوا شيوخها وكبراءها أولا, ثم يقصدوا فقراءها, لأن التقديم تعظيم, والتعظيم على قدر المقام, ومن لا يعظم لا يعظم, وإذا قصدوا شيوخها فلا يدخلون عليهم إلا معتقدين كمال ولايتهم, ولا يدخلون مختبرين فيحرمون بركتهم, فكل من قصد الأولياء بالميزان, فلا ينال إلا الحرمان, ومن أتاهم بالتعظيم وحسن الاعتقاد نال من الله كمال المحبة وحسن الوداد, وينبغي أن ينعزل من علمه وعمله وحاله, كما يفعل مع شيخه, وكذلك يفعل مع الفقراء, فلا يدخل عليهم إلا معتقدا كمالهم, وينعزل أيضا عن علمه وعمله, فيرجع إلى علمهم فيما يشيرون إليه, ولا يدعي علما, ولا يراه في حضرتهم, بل يرى علمهم أكمل من علمه, وأنه مفتقر إليهم وإن كان أعلى منهم في الظاهر, ويرى عملهم أوفى من عمله, وإن كان أوفى منهم فيه, لأن ذلك معتبر بالحقائق, وهي باطنية قلبية, فيحملها على أكمل الوجوه وأتمها, فيشرب منهم على قدر اعتقاده, ويأخذ من مددهم على قدر صدقه, وهذا الترتيب الذي ذكرنا هو مع الاختيار, فإن تعذر لقاء المشايخ أولا: قدم الفقراء.
وقوله: "فبالحرا" أي فبالأحروية والأولوية أن يقدموا الشيخ, ثم بعد ذلك الفقراء إن أمكن كما قلناه, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر آداب لقاء الأشياخ, والجلوس معهم ومكالماتهم, فقال:
وإن للقوم هنا آدابا ..... إذا جعلوا كلامهم جوابا
فإن تعاطى الشيخ منهم قولا ..... قولوا, وإلا فالسكوت أولى
قلت: للقوم في لقاء المشايخ آداب.
منها: أنهم إذا قربوا المنزل رفعوا أصواتهم بالهيللة والذكر, فلا يزالون كذلك حتى يصلوا إلى الزاوية فهو من تعظيم النسبة ويفعلون ذلك عند قربهم للمداشر, لما فيه من تنبيه الغافلين الشياطين, ومنها انتظار خروج الشيخ من غير نداء عليه, ولا رسول إليه, قال الله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون".
ومنها تقبيل يد الشيخ, ثم رجله أن جرت بذلك عادة الفقراء, فهو من أحسن التعظيم, وهو من تربية الآداب والمهابة.
وفي ذلك قال الشاعر:
يا من يريد خمرة المحبة ..... خذوها عني: هي حلال
ومن يريد يسقى منها غبا ..... خد يضع لأقدام الرجال
راسي حططت لكل شيخ ..... هم الموالى: سقوني زلال
ومنها جلوسهم بين يديه على نعت السكنية الوقار, خافضين أصواتهم, ناكسين رؤوسهم غاضين أبصارهم, فلا يكلمونه حتى يبدأهم بالكلام.
قال الشيخ زروق رضي الله عنه: ثم إن طلب أحدهم بالكلام, فإن كان الكلام عادياً أتى به منخفضا, وإن كان في العلوم والحقائق نظر, فان حضرته نفسه ترك, وإلا تكلم بأقل ما يمكنه الكلام في ذلك, لأن الكلام في حضرة الأستاذين مقت.
ثم قال: ومن أعجب ما شهدته في بعض الناس أنهم يدخلون على رجال من أهل الكمال لقصد الانتفاع بهم, ثم يبسطون ألسنتهم بالكلام في وجوه من صور الحقائق, ويرون أنهم بذلك متقربون لقلوبهم, ومتحببون لهم, ولا أدري هل ذلك لظنهم خلوهم عما يألونه, أو لرؤيتهم أن ذلك مما يقربهم إليهم, أو ليروهم أنهم يفهمون ويذوقون, هذه كلها جهالات أعاذنا الله منها, انتهى الكلام.
قلت: أما في حال المذاكرة فلا بأس أن يتكلم بما عنده من العلم إعانة للشيخ, بانخفاض وتواضع, ولا يعارضه في كلامه, فإن لم يفهم كلام الشيخ, أو رآه مخالفا لرأيه, أو لما عند غيره, يقول: يا سيدي هذا ما فهمته, وقد ظهر لي كذا وكذا, وقال فلان: كذا وكذا على وجه الاستفهام, لا على وجه التعارض, فإن ظهر له خلاف ما ظهر للشيخ فليسكت, وإن وقعت معارضة بين الشيخ وبعض الفقراء أو غيرهم, فلينصر الشيخ ما استطاع, فإن ذلك مما يجلب المودة من الشيخ, ثم إن تعاطي الشيخ من الفقراء كلاما أو من أحدهم: كلمه بخفض وتواضع, وإلا فالسكوت أولى.
وقد أشرت إلى هذه الآداب مع زيادة في قصيدتي العينية التي وضعها في الآداب فقلت بعد الكلام:
مع الشيخ آداب إذا لم تكن له ..... فإنه في واد القطيعة راتع
خضوع, وهيبة, وصدق محبة ..... وعقل كمال فيه: إنه جامع
فلا ترفعن صوتا إذا كان حاضرا ..... ولا تضحكن, فالضحك فيه فجائع
ولا تعترض أصلا عليه فإنه ..... بنور شهود للبصيرة تابع
ولا ترمين عينا إلى ماء غيره ..... فترمى كسيرا في المعاطش ضائع
ولا تخرجن من غش تربية غدت ..... تمدك بالأنوار منها تتابع
إلى أن ترى الترشيد قد حاز وقته ..... وصرت من التمكين أمرك شائع
تمد من الأنوار من كل وجهة ..... وتسقى من الأنام من هو تابع
ثم أشار إلى أدب المُقْدَم عليهم في حق القادمين, فقال:
واجب على أولى الإقامة ..... تفقد الوارد بالكرامة
وهو يزور القوم في الحرام ..... وإنما ذاك للاحترام
ويبدءوا الوارد بالسلام ...‘ وبالطعام ثم بالإكرام
وكلموه بعدها تكليما ..... تأسيا بفعل إبراهيما
وكرهوا سؤال هذا الوارد ..... إلا عن الشيخ أو التلامد
قلت: ذكر في هذه الأبيات ستة آداب في حق المقدم عليهم:
أولها: تفقد الوارد بالكرامة, وهو الذهاب إلى لقائه وإظهار المبرة في وجهه والفرح به وإراحته من شئونه وتعلقاته, وإنزاله في محل يظهر به التعظيم كدار, أو زاوية, والدار أبلغ في تعظيمه, فإن نزل في محل قدم عليه من لم يكن خرج للقائه, فالوارد أحق أن يزار في محله إلا أن يكون بمكة, فان عليه أن يزور المجاورين لبيت الله الحرام, لحرمة بيت الله الحرام, فلا يخرجون منه إلى غيره, وهذا معنى قوله "واجب على أولى الإقامة" الخ. وقوله: "وهو يزور القوم" الخ. على ما في بعض النسخ.
ثانيها: ابتداؤه بالسلام تأنيسا له لقوله عليه الصلاة والسلام: "لكل داخل دهشة" فابدءوه بالسلام, ولكل طاعم وحشة, فابدءوه باليمن.
واليه أشار بقوله "ويبدوا الوارد".
ثالثها: مبادرته بالطعام, ويسمى هذا الطعام "القرى" والمراد ما تيسر ووجد من غير تكلف, وهذه من المسائل التي تطلب المبادرة بها, وقد نظمها بعضهم فقال:
بادر بتوبة قري والدفن ..... نكاح بكسر, وصلاة دين
رابعا: إظهار كرامته بما يقدر عليه من الطعام من غير تكلف مفرط ولا تفريط, كالصوفي لا يتكلف ولا يكلف, فإن كان موسعا عليه بالغ في إكرامه من غير سرف.
قال السلمي: ولما ورد أبو حفص على الجنيد تكلف في خدمته فأنكر عليه فقال: لو دخلت خراسان علمتك كيف الفتوة, فقيل له في ذلك, فقال: صيرت أصحابي مخانيث, تقدم إليهم ألوان الطعام والطيبات كل يوم, وإنما الفتوة عندنا ترك التكلف, ثم قال له: إذا حضرك الفقراء فاخدمهم بلا تكلف, حتى إذا جعت جاعوا معك, وإذا شبعت شبعوا معك, وحتى يكون مقامهم وخروجهم من عندك واحدا.
خامسا: تكليمه تكليما خفيفا, كما فعل إبراهيم عليه السلام حيث بدأ بالسلام, ثم أتى بالطعام, ثم تكلم معهم, قال تعالى: "هل أتاك حديث ضيف إبراهيم" الآية, ثم قال: "فما خطبكم أيها المرسلون" فهذا هو الكلام, واليه أشار بقوله: وكلموه .. الخ, والتأسي هو الاقتداء.
سادسها: ترك سؤاله عن أحوال الدنيا وأحاديثها, فان ذلك مما لا يعنى, ويقسي القلب, واليه أشار بقوله "وكرهوا" الخ.
وأصل ما ذكره الناظم قول السلمي رضي الله عنه: وعلى المقيمين أن يسلموا عليه, أي على الوارد, فحق القادم أن يزار, إلا أن يكون بمكة, فإن عليه زيارة المجاورين لحرمة بيت الله الحرام, ثم يقدم إليه ما حضر من الطعام من غير تكلف, فقد قيل: الأدب مع الضيف أن يبدأ بالسلام, ثم بالإكرام, كصنع الخليل عليه الصلاة والسلام: "إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما, قال سلام, فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" وقد قال عز وجل "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه" ولا يسئل عن أحاديث الدنيا مما لا يعنى, بل عن أخبار المشايخ والأصحاب والإخوان المتعاونين على أعمال الخير.
ثم أشار إلى ملازمة الأوراد في حال السفر, فقال:
وكرهوا تضييعه أوراده ..... كيف, وقد جاء إلى الزيادة
قلت: أوراد الإنسان ما كان وظفه عليه شيخه, أو وظفه على نفسه, والمراد هنا ما كان يعمله في حضره, فإذا سافر بقي على ما كان عليه, لقوله عليه الصلاة والسلام: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".
وذلك بقدر الاستطاعة, وإلا فالسفر محل التعب والنصب, فقد يشق عليه في حال حضره مع أن أجره جار عليه, ولو لم يفعل, ففي الحديث "إذا مرض الإنسان أو سافر أجري عليه ما كان يعمل مقيما صحيحا" أو كما قال عليه الصلاة والسلام "نعم الفكرة والنظرة إن كان من أهلها لا يتركها, وكذلك المذاكرة, وكيف يترك أوراده بالكلية, وهو إنما سافر لطلب الزيادة الباطنية.
كان بعض المشايخ يقول: عليك بالذكر عند البسط, وبالفكر عند القبض, وبالحمد على كل حال, وردك لا تتركه, فان فاتك بالليل أستدركه بالنهار, وإن سافرت فاجعل وردك كله في الذكر, أو اتركه على حاله, إلى آخر كلامه, ثم قال:
ومن يسافر في هوى النفوس ..... فإنما يؤمر بالجلوس
قلت: ما قاله ظاهر, وقد تقدم هذا المعنى مرارا, وتقدم ضابط أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه قريبا, والغالب على من لم يظفر بشيخ التربية هذا الوصف إلا النادر, إذ لا يخرج من حظوظ النفس إلا بصحبة من خرج منها, والله تعالى أعلم.
تتمة: بقي آداب تتعلق بالسفر ذكرها السلمي.
منها: أنه إذا خرج بلدا فيها زوايا قصد أعظمها وأكثرها فقراء.
قلت: هذا إن كانوا كلهم من طريقته, وإلا نزل على من هو متفق معه في النسبة.
ومنها: أنه ينبغي أن ينزل على الموضع الذي فيه المياه الجارية, والمطاهر النقية.
قال: وسمعت أبا طاهر الأشقر يقول: كان يصحبني فقير مليح, كلما نزلنا منزلا تفقد موضع الطهارة, فإذا وجده نظيفا طيبا استطاب المكان وتناول ما قدم إليه من طعام, وإن لم يكن ذلك لم يتناول الطعام, وقال: هذه بلية ليس فيه كنيف.
ومنها: أنه إذا دخل بلدا ليس فيها فقراء نزل على أكثرهم محبة لهذه الطائفة, وأحسنهم إيمانا وميلا إليهم, فإذا دخل دويرة تنحى ناحية ونزع خفيه, يبدأ باليسرى في النزع وباليمنى في اللبس, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تنعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا نزع خفيه, يبدأ باليسرى" ثم يقصد موضع الطهارة فيتوضأ ويصلي ركعتين, فإن كان هناك شيخ قصد زيارته وقبل رأسه, إلا أن يكون الزائر حدثا فيقبل يده.
ومنها: أنه ينبغي لمن أراد السفر أن يتعلم أحكامه كأحكام قصر الصلاة, والتيمم والقبلة, وغير ذلك مما يتوقف عليه في السفر.
قال الشيخ أبو يعقوب السنوسي رحمه الله: يحتاج المسافر إلى أربعة أشياء في سفره, وإلا فلا يسافر: علم يسوسه, وورع يحجزه, وخلق يصونه, ويقين يحمله.
سئل أبو رويم عن أدب المسافر فقال: إلا تسبق همته خطوته, وحيث ما وقف كان منزله.
ومنها أنهم إذا كانوا جماعة وليس فيهم مقدم, ولا شيخ أن يتفقوا على مقدم يرجعون إليه في أمورهم, ففي بعض الآثار "لا خير في قوم ليس فيهم من يعظم في الله, ومعناه ثابت في الحديث عند المنذري, غير أني لم أستحضره".
وقال السلمي في "آداب الصحبة": ومن آدابهم إذا اجتمعوا أن يقدموا أحدهم لتكون مراجعتهم إليه واعتمادهم عليه, ويكون أرجحهم عقلا, ثم أكبرهم همة, ثم أعلاهم حالا ثم أعلمهم بالمذهب, ثم أسنهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن استووا فأفقههم في الدين, فإن استووا فأقدمهم هجرة, ثم أحسنهم خلقا, ثم أتمهم أدبا, ثم أسبقهم بلقاء الشيخ, انتهى المراد منه".
وقال أيضا: ومن آدابهم ألا تجري بينهم في حديثهم: هذا لي وهذا لك, ولو كان كذا لم يكن كذا, ولعل, وعسى, ولم فعلت؟ ولم لم تفعل؟ وما يجري مجراها فإنها من أخلاق العوام.
ثم قال: ولا يجري بينهم الإعارة والاستعارة.
قال بعضهم: الصوفي لا يعير ولا يستعير, ولا تجري بينهم المخاصمة ولا المجادلة, وإلا الاستهزاء ولا الازدراء, ولا المراجعة, ولا المغالبة, ولا الغلبية, والنقيصة لا تكون بينهم, بل يكون كل واحد منهم للكبير كالابن, وللصغير كالأب, وللنظير كالأخ, وللوالدين والأستاذين كالملوك.
وهذا ليس خاصا بالسفر, وإنما هو من آدابهم في الصحبة على الدوام, وفي السفر أكثر لأن السفر يسفر عن المعايب, ولا يبقى على حاله في حال السفر إلا الصديق.
ومنها: أنه إذا أقبل وقرب إلى بلده, قال: "لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, آيبون تائبون عابدون ساجدون, لربنا حامدون صدق الله وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده, لا يزال يقولها حتى يدخل البلد, فإذا دخلها قال: اللهم اجعل لنا بها قرارا, ارزقنا حسنا, فإذا دخل على أهله قال: أوبا أوبا, لربنا توبا, لا يغادر علينا حوبا.
ومنها: أنه ينبغي أن يستصحب هدية لأهله وأقاربه وجيرانه, على قدر وسعه.
ومنها: أنه ينبغي أن يدخل أول النهار, ولا يدخل ليلا فإن تعذر أرسل رسولا يعلم به وقد نهى عليه الصلاة والسلام "أن يطرق أهله ليلا والله تعالى اعلم" وبالله التوفيق.
ثم أشار إلى الحكم الثامن من الأحكام التسعة, وهو السؤال, فقال: الثامن من السؤال: أي الطلب.
قلت: ذكر في هذه الترجمة: حكمه, وآدابه, ومواطنه, فبدأ بحكمه, فقال:
8- في حكم السؤال وأسبابه
حكم السؤال عندهم مشروع ..... طورا, وطورا عندهم ممنوع
قلت: أعلم أن السؤال أصله في الشريعة الجواز, قال تعالى: "وأما السائل فلا تنهر" وقال عليه الصلاة والسلام: "أعط السائل ولو على فرسه".
ثم تعتريه الأحكام الخمسة يكون: واجبا, ومندوبا, ومباحا, ومكروها, وحراما. فأما الواجب فهو سؤال الاضطرار خوفا على البشرية أو الروحانية, وذلك إذا غلبته نفسه للرياسة والكبر.
وقد نص ابن العربي على وجوبه على المريد في بدايته, حسبما ذكره القسطلاني في شرح البخاري في باب الزكاة.
وأما المندوب فهو إذا سأل لغيره عند حاجته, أو لتهذيب نفسه عند الأمن عليها, وأما المباح فهو ما إذا سأل اختبارا لنفسه, هل تقدر عليه أم لا, وإذا طال عهده به اختبرها, هل رجعت لأصلها أو هي باقية على موتها, وأما المكروه فهو سؤاله لنفسه عند الحاجة قبل الضرورة, وقيل: مباح, على ما سيأتي.
وأما الحرام, فهو السؤال تكثرا أو إلحاحا, وسيأتي الكلام على هذه الأقسام في شرح كلام الناظم إن شاء الله.
ثم أشار إلى القسم الواجب أو المندوب, فقال:
وما على السائل من تأويل ..... لأجل قهر النفس والتذليل
فمن أولي الأذواق والأحوال ..... من كان راض النفس بالسؤال
قالوا: ولا خير إذن في العبد ..... ما لم يكن قد ذاق طعم الرد
قلت: السؤال لأجل قهر النفس يصدق بالواجب والمندوب, فالواجب ما إذا كانت نفسه غالبة عليه, وفيها فخفخة وكبر ورياسة, ولا يمكن دواؤها إلا به لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال خردلة من كبر" والمندوب ما إذا كانت مأمونة من ذلك, لكن ثقل عليها وجمحت منه وهو في محل الرياضة, فهذا مستحب في حقه إذ لا يثقل عليها إلا ما يقتلها, ولا شيء أسرع في قتلها منه, فتقرب عليه المسافة, وهذا ما لم يأمره به شيخه, وإلا تعين عليه, وصار من قبيل الواجب "وقيده" الشيخ زروق بما إذا لم يوصله إلى ضرر في دينه ودنياه.
قلت: مثل الضرر في الدين, ما إذا كان يتكشف في الديار على محارم الناس, لأنه عادة النساء لا يستترن من الفقراء في السؤال, ومثل ضرر الدنيا إذا خاف أن يقبض ويؤخذ ماله.
ثم قال الشيخ زروق: ولا يجعله الشيخ منهاجا وقاعدة كلية تعرف بها فقراءه, فإن ذلك يؤدي لنقيض المقصودة لا سيما مع هيئة مقصودة وكيفية معلومة تصير صاحبها علما فيما يوجه له فيزيده تعززا وفسادا, ولذلك قل ما ينجح من استعمله إلا أن يكون ذلك كما كان يفعله بعض الفقراء من أهل مصر: أنه كان إذا أتاه أحد من أبناء الدنيا ألزمه بذلك من غير شهوة حتى يأتي على آخر المدينة ثم يتصدق به, فقد يكون له وجه انتهى.
قلت: وما ذكره الشيخ زروق محمول على ما يفعله بعض الفقراء, يأخذون علما أو راية ويقصدون المداثر والخيم, وهذا حرام, وأما ما يفعله أصحابنا فإنما هو لقتل النفوس, وقوت الأرواح إذ لا يتقدم له الفقير حين يؤمر به, إلا بعد جهد جهيد شديد, بحيث تتمنى النفس الموت الحسي اختيارا, وترضى أن تموت مرارا ولا تتقدم له, إلا أن الصدق وهمة الشيخ تتحمله على الامتثال, فلا شك انه يقرب مسافة بعيدة, ويقتل النفس, ويجهز عليها في مرة واحدة, واصل دخوله في هذه الطائفة على هذا الوجه أن شيخ شيخنا "سيد علي العمراني" كان له جاه ووزارة ورياسة في فاس, فلما دخل في يد الشيخ, ورأى صدقه وجده, قال له: أرى لك خمرة لم يقدر عليها أحد قبلك, ولولا ما رأيت فيك من الصدق والجد ما دللتك عليها, قال: وما هي يا سيدي؟ قال: السؤال, فتقدم إليه.
ورأيت في كتابه أنه قال له: يا ولدي, إنك تطلب هذا العلم, ولا تناول منه ما تريد إلا بالذل, فدخل فيه, وسكن إلى مماته رضي الله عنه.
قوله: "فمن أولى الأذواق" الخ. يعني أن بعض أهل الأذواق والأحوال "كان راض نفسه" أي ريضها وهذبها بالسؤال.
قال السلمي رضي الله عنه: وقد رخص بعضهم في السؤال لمن يقصد بذلك تذليل النفس.
وقال عبد الله بن منازل: لا خير فيمن لم يذق طعم إجابة الرد.
وكان بعض المشايخ يأكل من السؤال, فسئل عن ذلك؟ فقال: اخترته لكراهته نفسي.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري: ولا يزال الفقير بخير ما دام خبزه كسرا, فإذا دارت الخبزة بين يديه دار الشر على رأسه.
وما أحسن حال السائل يقف بكل باب يسمع "يفتح الله" انتهى.
وكان إبراهيم الخواص تعرض عليه الألوف فلا يقبلها, وربما سأل من يعرف من الناس الدرهم والدرهمين, لا يزيد على ذلك, وكان أبو جعفر الحداد, وهو شيخ الجنيد: يسئل باب أو بابين أو ثلاثا بين العشائين, فكانت العامة تتعجب منه أولا, ثم عرف بذلك, فكان لا يعيبه عليه العامة ولا الخاصة مع جلالة قدره وعلو معرفته بربه.
وكان إبراهيم بن أدهم معتكفا بجامع البصرة, ولا يفطر إلا من ثلاثة أيام إلى ثلاثة أيام, يخرج بعد صلاة المغرب يطلب على الأبواب فطره.
وممن راض نفسه بالسؤال شيخ شيوخنا "سيدي عبد الرحمن المجذوب" وكذلك الشيخ العارف أبو الحسن الششتري, وفعله أيضا في أول بدايته أبو الحسن البردعي بأمر شيخه أبي عبد الناودي, وغيرهم ممن لا يعرف.
وقوله: "لا خير إذن في العبد" الخ. يعني أن الفقير, إذا لم يذق طعم الرد حتى يكون الرد عنده أحلى من العطاء, فلا خير فيه, لأن نفسه لم تمت حيث استحسنت العطاء, وثقل عليها المنع, فالواجب عليه الدوام عليه يذوق سره, وذوق سره أن يكون المنع أحب إليها من العطاء والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى القسم الممنوع فقال:
ومنعوا السؤال للتكاثر ..... بل حكموا عليه بالتهاجر
والقوم لما يسألوا إلحافا ..... ولا تكاثرا ولا جزافا
بل ذاك كان منهم اضطرارا ..... فيسألون القوت والإفطارا
قلت: هذا من القسم الممنوع, وهو أن يسئل لقوت البشرية من غير اضطرار, واختلف العلماء في القدر الذي تحرم معه المسألة, فقيل: أربعون درهما, وقيل: قوت يوم وليلة, وهو أقرب, والسؤال للتكاثر وهو لاكتساب المال والتكثر منه, ولو صحبته نية قبل نفسه فلا ينفع, لأن الخبيث يغلب الطيب, لكثرته.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم, والمزعة القطعة".
وقال أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه, فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك, إلا أن يسأل ذا سلطان في أمر لا يجد منه بدا". والكدوح الخموش.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه, فما يكون له عند الله وجه".
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضف جهنم, قالوا: وما ظهر غنى قال عشاء ليلة".
يتبع
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى :: تعاليق
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
تابع 8- في حكم السؤال وأسبابه
قلت: وهذا يرجح القول الثاني في القدر الذي يحرم معه السؤال, وهذا كله مبني على القصد والنية, فمن كان مراده قوت الروحانية فلا كلام معه, ومن كان مراده قوت البشرية خسر وخاب: "قل كل يعمل على شاكلته" ومن عادة القوم إذا عرفوا أحدا يسئل لشهوة نفسه هجروه ولاموه حتى يتوب, ومن عادتهم أنهم لا يسألون إلحافا, أي بحرص وإلحاح حتى يؤذي المسؤول المسؤول.تابع 8- في حكم السؤال وأسبابه
قلت: وقد كان يفعله بعض الإخوان عفا الله عنهم, فإن كان لجذب غلب عليهم فيسلم وإلا فغير صواب, والله تعالى أعلم.
وقيل: الإلحاف السؤال دون احتياج, قال عليه الصلاة والسلام: "من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف ويجمع بين مفهوم هذا والحديث المتقدم عن علي كرم الله وجهه بأن المتقدم في حق من عرف بالزهد والتوكل, واشتهر بسيما الفقر, وهذا في حق العوام الذين لا يعرفوا بذلك كما قال عليه الصلاة والسلام في فقير وجد عنده دينار, فقال: "كية من نار" وقد وجد عند غيره أكثر من ذلك فلم يقل فيه ذلك, والله تعالى أعلم.
والسؤال جزافا بكسر الجيم وفتح الزاء هو من يتخذه حرفة يصطاد به أموال الناس, وذكر في القاموس أن الجزاف بفتح الجيم وشد الزاي, هو: الصياد والمجزفة بكسر الميم شبكة يصطاد بها.
وقال بندار بن الحسن رضي الله عنه: من سأل وله ما يغنيه خفت أن يخاصمه فقراء المسلمين يوم القيامة, ويقولون أخذت ما جعل لنا من المال ولم تكن منا.
وإنما كان سؤال القوم عند الفاقة والاضطرار دون السعة والاختيار, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر الآداب التي تكون عند السؤال فقال:
وأدب الصوفي عند المسألة ..... أن يدخل السوق إليه يسأله
لسانه يشير نحو الخلق ..... وقلبه معلق بالحق
قلت: السؤال الذي يكون لقوت الروحانية له آداب, إذا فعلها استحق بذلك فتح الباب ورفع الحجاب, وإن لم يفعلها لم يفتح له فيه الباب, وربما كان زيادة في الحجاب.
الأول: أن يكون قصده قوت الروحانية فقط, أو قوت الفقراء, أو من تعلق به مع الاضطرار, وأما إن كان قصده قوت بشريته, أو شهوة من شهواته فضرره أكبر من نفعه.
الثاني: أن يكون بإذن من الشيخ, فإن لم يكن إذن فقد خسر فيه, وكل من تبطش نفسه له فلا نفع له فيه, إذ لا تموت النفس إلا بما يثقل عليها.
الثالث: أن يكون متحليا بحلية العبد الفقير, يطلب المدد من العلي الكبير, فيكون حافي الرجل عاري الرأس فقيرا ذليلا ينادي سيده متاع الله: لله. ويحضر قلبه المعرفة حين يقول: الله.
الرابع: أن يكشف عن يده إلى الذراع, ويمدها إلى نحو المسئول, وينظر إلى جهته, لأن ذلك أشد على النفس وأسرع في موتها, إذا الحياء جلة في العين, والمراد إنما هو موت النفوس وحياة الأرواح.
الخامس: أن يكون عارفا أو مستشرفا فتكون يده ولسانه يشيران إلى الخلق حكمة, وقلبه معلق بالملك الحق.
قال في الحكم: لا تمدن يدك إلى الأخذ من الخلائق, إلا أن ترى أن المعطي فيهم مولاك فان كنت كذلك فخذ ما وافقك العلم.
وقيل: من علامة الفقير الصادق أن يأخذ الصدقة ممن يعطيه, لا ممن جرت الصدقة على يديه, وعلامته أن لا يذم مانعا, ولا يمدح معطيا, ومن لم يكن عنده هذا العلم تعلمه قبل الخروج إلى السؤال, فان كثر عليه العطاء فينبغي أن يقصر في السؤال, لأن النفس مجبولة على حب العطاء, وأما أن ظهر عليه المنع فينبغي أن يزيد فيه, لأن ذلك حينئذ تمحض لحياة الروح, فان قبض شيئا ولم يجد أحدا من الأخوان فليتصدق بذلك ليلا, بحيث لا يشعر به أحد, أو يرميها في موضع خال, والأحسن أن ينزل ذلك في موضع ينتفع به الناس ولا يشعر به.
السادس: ألا يسأل من النساء ولا من الصبيان, وهو من لم يحتلم, ولا من أهل الذمة ولا ممن لا يتحاشى من الحرام, وهذا إن كان معه شيء من السلوك, فان كان مجذوبا محضا, فلا كلام عليه, وهذا معنى قوله في الحكم: "فخذ ما وافقك العلم" وقد حرر المسألة الشيخ ابن عباد علما وتصوفا, وذكرنا من ذلك في الشرح نبذة صالحة, فلينظر من أراده والله تعالى أعلم.
ثم ذكر القسم المكروه والمباح والمندوب, فقال:
وكرهوا سؤاله لنفسه ..... ثم أباحوه لأهل جنسه
ولم يعدوه من السؤال ..... لكن من العون على الأعمال
إذ كان خير الخلق في أترابه ..... يسأل أحيانا إلى أصحابه
قلت: اتفقت الصوفية على كراهية سؤال الفقير لقوت بشريته عند الحاجة, ما لم يبلغ حالة الاضطرار, وحالة الاضطرار أن يضعف عن العمل أو تضعف فكرته, أو إن كان مسافرا ضعفت قوته على المسير, فهذا يباح له أن يندب, فإن خاف على نفسه وجب, فإن لم يبلغ الفقير إلى الحال الذي وصفنا فالأفضل في حقه الصبر والاكتفاء بعلم الله حتى يأتيه الله برزقه إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ويعطي بلا أسباب, فقد قيل: "ما نزلت فاقة بمؤمن فأنزلها الله, فدامت عليه أكثر من ثلاثة أيام قط".
وفي حكاية بشر الحافي رضي الله عنه, قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم, فقلت: يا أمير المؤمنين ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء, طلبا للثواب, فقال رضي الله عنه: وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله.
ولله در القائل:
إذا ما مددت الكف التمس الغنى ..... إلى غير من قال اسألوني فشلت
سأصبر جهدي في صيانة غرتي ..... وأرض بدنياي, وإن هي قلَّتِ
وقال بعض الحكماء: عز النزاهة أشراف من سرور الفائدة.
وفي الحكم: ربما استحيا العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاء بمشيئته, فكيف لا يستحي أن يرفعها لخليقته.
وقوله: "ثم أباحوا لأهل جنسه, يعني أنهم أباحوا السؤال لإخوانه المحتاجين, وهم أهل جنسه, لأن الفقراء جنس, والعوام جنس, وهذا مندوب, ولم يعدوا هذا من السؤال وإنما هو من التعاون على البر والتقوى, وقد فعله عليه الصلاة والسلام لأصحابه حين قدموا عليه عراة فخطب على الناس, وقال: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" الآية, ثم قال تصدق رجل من ديناره, من درهمه, من صاع بره, ثم من صاع تمره, اتقوا النار ولو بشق تمرة.
وكقوله للنساء يا معشر النساء تصدقن, ولو من حليكن.
والكل منه عليه الصلاة والسلام للتشريع, وتحصيل الخير للسائل والمعطي, وليس على معنى المسألة "قاله الشيخ زروق رضي الله عنه" واليه أشار بقوله: "إذا كان خير الخلق في أترابه, والأتراب بالتاء المثناة من فوق الأقران, فإن أراد به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلعله اطلع على نقل, وأن الأنبياء كانوا يسألون لأصحابهم, وإن أراد به غير ذلك, فلا تحمله اللغة, إذا الأتراب لا يطلق إلا على الأقران, والأقران هم المشاركون في الوصف, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر ضابط صحة السؤال, فقال:
ولا تصف بصحة السؤال ..... من يؤثر الأخذ على الإبذال
قلت: لا يسلم حال السؤال للفقير ويوصف بصحة قصده فيه, حتى يكون البذل والإخراج من يده أحسن عنده من القبض من الناس.
قال الجنيد رضي الله عنه: لا يصح السؤال إلا لمن العطاء أحب إليه من الأخذ.
وكذلك السلف الصالح: كان العدم أحب إليهم من التحصيل, والمنع أحب إليهم من العطاء, إذا أقبلت الدنيا, قالوا: ذنب عجلت عقوبته, وإذا أقبل الفقر, قالوا: مرحبا بشعار الصالحين, إلى غير ذلك من حكاياتهم رضي الله عنهم.
ثم ختم الباب بمسألة التجريد, فقال:
والشغل دون الكسب بالعبادة ..... محض التوكل, ورأي السادة
ثم السؤال آخر المكاسب ..... وهو بشرط الاضطرار واجب
قلت: الاشتغال بالعبادة والتجريد عن الأسباب من أعظم القرب عند ذوي الألباب, إذا لا يصفو الباطن من الأغيار ويملأ بالمعارف والأسرار, إلا إذا تخلص الظاهر من كثرة الأكدار, ولا يتخلص من الأكدار إلا إذا تجرد من الأسباب, واتكل على الملك الوهاب, قال تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" وقال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا, ويرزقه من حيث لا يحتسب" وقال صلى الله عليه وسلم: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير, تغدو خماصا وتروح بطانا", فصفاء الباطن من صفاء الظاهر, وتنشب الباطن من تنشب الظاهر, فالاشتغال بالعبادة دون الاكتساب هو محض التوكل على مسبب الأسباب عند السادات أولي الألباب.
وقد تكلم الناس على درجات التوكل, وأحسن ما في ذلك ما قاله أبو حامد الغزالي, رضي الله عنه, قال في "الإحياء" التوكل مشتق من الوكالة, يقال وكل أمره إلى فلان أي فوضه إليه واعتمد عليه, ويسمى الموكل إليه وكيلا, ثم قال: فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده, ثم قال: فإن ثبت في نفسك بكشف أو اعتقاد جازم أنه لا فاعل إلا الله, واعتقدت مع ذلك تمام العلم والقدرة على كفاية العباد, ثم تمام العطف والعناية والرحمة بجمله العباد, وأنه ليس وراء قدرته قدرة, ولا وراء منتهى علمه علم, ولا وراء منتهى عنايته بك ورحمته لك عناية ورحمة, أتكل لا محالة قلبك عليه وحده, ولم يلتفت إلى غيره بوجه, ولا إلى نفسه وحوله وقوته, فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله, فإن الحول عبارة عن القدرة, فان كنت لا تجد هذه الحالة من نفسك, فسببها أحد أمرين: إما ضعف اليقين, وإما ضعف القلب ومرضه, باستيلاء الجبن عليه, ثم قال: فإذن لا يتم التوكل إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعا, إذا بهما يحصل سكون القلب وطمأنينته, ثم قال: وإذا انكشف لك معنى التوكل, وعلمت الحالة التي سميت توكلا, فاعلم أن تلك الحالة لها في القوة والضعف ثلاثة درجات:
الأولى: ما ذكرناه, وهو أن يكون حاله في حق الله تعالى والثقة بكفالته وعنايته كحاله بالثقة بالوكيل.
الدرجة الثانية: وهو أقوى: أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل مع أمه, فإنه لا يعرف غيرها, ولا يفزع إلى سواها, ولا يعتمد إلا إياها, فان رآها تعلق بكل حال بذيلها, وإن نابه أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه: يا أماه, وأول خاطر يخطر على قلبه أمه فإنها مفزعة, لأنه قد وثق بكفالتها وشفقتها ثقة منه أنها ليست بتاركته, ثم قال: والفرق بين هذا وبين الأول, أن هذا قد فني في توكله عن توكله, إذ ليس يلتفت فيه إلى التوكل وحقيقته, بل إلى المتوكل عليه فقط, فلا مجال في قلبه لغير المتوكل عليه, وأما الأول فمتوكل بالتكلف والكسب, وليس فانيا عن توكله, ثم قال.
الدرجة الثالثة: وهي أعلاها أن يكون بين يدي الله تعالى مثل الميت بين يدي الغاسل لا يفارقه إلا في انه يرى نفسه ميتا تحركه, القدرة الأزلية كما تحرك يد الغاسل الميت, وهو الذي قوي يقينه بأنه مجرى الحركة والقدرة, والإرادة وسائر الصفات, فيكون عند الانتظار لما يجري عليه كالمبهوت, ويفارق الصبي بأن الصبي يفزع إلى أمه ويصيح ويتعلق بذيلها ويعدو خلفها صياحا, وهذا المقام في التوكل يصحح منه ترك الدعاء والسؤال ثقة منه بكرمه وعنايته فإنه يعطى ابتداء أفضل مما يسئل, والمقام الثاني لا يقتضي ترك الدعاء والسؤال, إنما يقتضي ترك السؤال من غيره.
فان قلت: هل يبقى مع العبد تدبير وتعلق بالأسباب في هذه الأحوال, فاعلم أن المقام الثالث ينفي التدبير رأسا ما دامت الحالة باقية, بل يكون صاحبها كالمبهوت والمقام الثاني ينفي كل تدبير من الآن حيث الفزع إلى الله, لكن بالدعاء والابتهال, كتدبير الطفل في التعلق بأمه فقط, والمقام الأول لا ينفي أصل التدبير والاختيار, ولكن ينفي بعض التدبيرات, كالمتوكل على وكيله في الخصومة, فإنه يترك تدبيره من جهة غير الوكيل, ولكن لا يترك التدبير الذي أشار إليه وكيله به, أو التدبير الذي عرفه من عادته وسنته, دون صريح إشارته. انتهى المقصود منه مختصرا.
والمختار في مسألة التجريد: ما أشار إليه ابن عطاء الله بقوله: "إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية, وإرادتك الأسباب مع إقامة إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العالية" وقال في موضع آخر: "من علامة إقامة الله إياك في الشيء تيسره لك مع حصول النتائج".
وهذا كله مع عدم الشيخ, وأما من ظفر بالشيخ فهو الذي يقوم به تجريدا وأسبابا.
وقوله: "ثم السؤال" الخ أشار به إلى الحديث: "... والمسألة أخر كسب الرجل" وقال أيضا صلى الله عليه وسلم في ذم كثرة السؤال: "إن الله ينهاكم عن وأد البنات, وعقوق الأمهات, ومنع وهات, وكره لكم: قيل وقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال" انتهى.
وهذا آخر الفصل الثامن, وهذه الفصول الثمانية كلها مقدمة لما يذكره في هذا الفصل التاسع الذي أشار إليه بقوله: التاسع في "حكم المريد ومعنى الإرادة, وفائدة الشيخ, وتدريج المريد إلى أن يصير شيخا".
قال الشيخ زروق رضي الله عنه: وهذا الفصل هو لباب الكتاب, وسر الطريق ومدارها, وكل ما قبله أو بعده دائر عليه, وذكر فيه أربعة مواقف, لكل موقف معاقل ومعاهد يطول شرحها.
قلت: أما حكم المريد, فالمراد ما يلزمه في بدايته من العلم الضروري, ثم المجاهدة في الأعمال الظاهرة, والاستقامة الكاملة, وما يلزمه في وسطه من الرياضات الباطنية, ومقاساة الأحوال السنية, ثم ما يلزمه في نهايته من الاستغراق في الشهود, والفناء في ذات المعبود, ثم الرجوع إلى البقاء بنظره إلى الحكمة والقدرة, وسيأتي تفسير المريد, ولماذا سمي المريد مريدا.
وأما معنى الإرادة فهو: طلب السلوك إلى ملك الملوك, أو تقول: هي صدق الوجهة إلى الله بإفراد القصد إلى حضرة مولاه, فالمريد سالك, والمراد مجذوب, المريد محب, والمراد محبوب.
وأما فائدة الشيخ, فهو جمع القلب لحضرة الرب, أو رفع حجاب الوهم بتحصيل حقيقة العلم, أو تدريج المريد في مقامات الإنزال وتبعيده عن القواطع والأشغال.
وأما تدريج المريد فهو: نقله من شهود الحكمة إلى شهود القدرة, ومن شهود القدرة إلى شهود الحضرة, وهي شهود الذات, أو تقول: تدريجه هو نقله من شهود الأسماء إلى شهود الصفات, ومن شهود الصفات إلى شهود الذات, ثم من شهود الذات يرد إلى اثر الصفات, هذه طريقة السلوك.
وأما طريق الجذب فهو: شهود الذات أولا, ثم شهود الصفات, ثم شهود الحكمة عين القدرة, والله تعالى أعلم.
ثم أعلم أن الناس على ثلاثة أقسام: طالبون, ومريدون, ومرادون,
فالطالبون هم الذين يطلبون الشيخ ويتعطشون إليه, أو هم الذين يطلبون الطريق إلى علم التحقيق, ولا يعرف الطريق إلا من سلكها, فإن علم الله صدقهم وصلهم إليه,
والمريدون هم الذين اتصلوا بالشيخ واشتغلوا بالسير, وهو السلوك,
والمرادون هم: الذين انجذبوا إلى الحضرة إما بعد السلوك وهم الكمل, أو قبله.
فأشار الناظم إلى القسم الأول, وهو الطالب فقال:
9- في حكم التربية وتدريج المريد
فإن أتى القوم أخو فتون ..... وقال: يا قوم أتقبلون؟
تقبلوه صادقا أو كاذبا ..... إذ كان محتوما عليهم واجبا
قلت: الفتون: جمع فتنة, وهي ما يقطع عن الله: ويشغل القلب عن الحضور مع مولاه وأخوها هو: الملتبس بها, والمنهك فيها سواء كانت هذه الفنون ذنوبا أو عيوبا أو أشغالا أو أموالا أو أغيارا أو أكدارا, فإذا أراد الله أن يلخصه من تلك الفتن, سواء كانت ظاهرة أو باطنة, ألقي في قلبه الاضطرار إلى الله, وحسن الظن بعباد الله, فإذا أطلعه على سر ولي من أوليائه وأتى إليه, وقال له: جئتك لتقبلني وتأخذ بيدي, وجب عليه قبوله والأخذ بيده, لأن رده نوع من كتم العلم, وقد قال الله تعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب, أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" الآية.
وأيضا رده إلى ما كان عليه فيه إعانة له على الدوام فيما هو فيه, والإعانة على المعصية معصية, هذا إن كان صادقا في إرادته, وأما إن كان كاذبا فلما فيه من تقليل المفاسد, وتعريضه لنفحة رحمة الله بالوقوف ببابه ومخالطة أوليائه, وهم قوم لا يشقى جليسهم, ولعل الله أن يفتح عليه بمثل ما فتح عليهم, إذ كل من تحلى بحالة لا يخلوا حاضروه منها فمن جالس العطار طاب بطيبه, ولله رجال من نظر إليهم نظرة سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا, ولله رجال إذا نظروا أغنوا غنى لا فقر بعده أبدا, رضي الله عنهم, وخرطنا في سلكهم أمين.
ثم ذكر ما يؤمر به بعد الدخول, فقال:
وحذروه من ركوب الإثم ..... وأمروه باقتباس العلم
وأمروه بلزوم الطاعة ..... والماء والقبلة والجماعة
وقرروا فيه شروط التوبة ..... وأمروه بلزوم الصحبة
ثم أمدوه بعلم الظاهر ..... حتى استقامت عنده السرائر
قلت: إذا أتى الفقير إلى الشيخ ليأخذ بيده, فأول من يلقنه الورد, فإن التلقين فيه بركة عظيمة, وقل أن ينهض الإنسان قبل التلقين, والتلقين سلسلة مروية عن السادات إلى سيدنا علي كرم الله وجهه, إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأمره بالتوبة ورد المظالم, وقضاء الدين بقدر الاستطاعة, ويحذره من الرجوع إلى ما كان عليه.
ثم يعلمه ما يلزمه في دينه من طهارة وصلاة وما يتعلق بذلك إن كان جاهلا, وما تيسر من علم التوحيد خاليا عن الدليل, فأن كان الشيخ ليس من شأنه ذلك دفعه إلى من يعلمه.
ثم يأمره بلزوم الطاعة من: صلاة, وصيام, وذكر, وغير ذلك, كل واحد ما يليق به, لأن الشيخ تقدم أنه يكون طبيبا ماهرا.
ثم يأمره بالصحبة ولزوم مجالسة الشيخ, والاجتماع مع الإخوان, فطريق التربية ليست طريقة الإنفراد, وإنما هي طريق الاجتماع والاستماع والاتباع, فمهما انفرد المريد عن الإخوان, لم يكن منه شيء, فان تعذر إقامته مع الشيخ أمره بالزيارة والوصول, فمدد الشيخ جار إلى المريد, كالساقية أو القادوس, فإن كان يتعاهدها ويمشي معها بقي الماء جاريا وإن غفل عنها تخرم الماء وانقلب مع غيره.
وأيضا: الوصول إلى الشيخ يدل على المحبة, والانقطاع يدل على نقضها, كما قال المجذوب رضي الله عنه:
لا محب إلا بوصول ..... ولا وصول إلا غالي
لا شراب إلا محتوم ..... ولا مقام إلا عالي
ثم يذكره أولا بما يصلح جوارحه الظاهرة, وهي: التقوى, والاستقامة, فإذا صلحت جوارحه الظاهرة, أمره بالعزلة والصمت والجوع المتوسط, وفراغ القلب والفناء في الاسم المفرد, فإذا رآه تحقق فناؤه وكثر تعطشه, فتح له شيئا من علم الحقائق, وأمره بالتفرغ التام وقطع العلائق والزهد في الكونين, فإذا رآه أخذته حيرة أو دهشة دفع له علم الحقيقة, وأمره بتقليل ذكر اللسان وعمل الجوارح, وشغله بالفكرة, فإذا رآه لم يقدر على علم الحقيقة, أو رآه قنع بالعلم دون الذوق, أمره بتخريب الظاهر والتجريد التام, فإذا تمكن من الحقيقة, رسخت فيه ذوقا وتحقيقا, أمره بإرشاد الناس إن رآه أهلا, هذا الذي أخذنا به وفهمناه من طريق أشياخنا.
والناظم رحمه الله قدم وأخر في هذا الترتيب, فذكر أنه أول ما يأمره بترك الآثام, ويحذره من ركوب الجرائم, وهذا هو المقصود من صحبة المشايخ وأخذ العهد عنهم, إذ لم يلتجئ لصحبة الأشياخ إلا بقصد الحفظ ببركة صحبتهم, وذلك محقق بفضل الله لمن صح صدقه وقويت نورانية شيخه.
وأصل هذه العهد من السنة حديث عبادة بن الصامت قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة: "بايعوني على: ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم, ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم, ولا تعصوني في معروف" الحديث.
ثم يأمره باقتباس العلم, فإن كان هو أهلا أمره بلزوم صحبته ليعلمه, وإلا دفعه إلى غيره كما تقدم, فلا بد للمريد بعد عقد التوبة من طلب العلم, إذ لا يجوز لأحد أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه, لقوله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم" وقال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
ولا يجب عليه التوسع في العلم لما فوق حاله, لأن ذلك فرض كفاية, ومتى نزلت به نازلة لزمه طلب علمها.
ثم يأمره بلزوم الطاعة والقبلة والجماعة, يعني: الصلاة مع الجماعة, لأن الأمر الخاص لا يصح إلا بعد أحكام الأمر العام, لأن من لا يصلح أن يكون من عوام المتقين, لا يصلح أن يكون من خواص المقربين, فالشريعة باب, والحقيقة دخول مع الأحباب, قال تعالى: "وأتوا البيوت من أبوابها".
ثم يأمره بالتوبة وتحقيق شروطها.
قال الشيخ زروق رضي الله عنه: شروط التوبة ثلاثة أقسام: شروط صحة, وهي ثلاثة: الندم على ما فات, والإقلاع في الحال والنية إلا يعود أبدا.
وشروط تحقيق: وهي ثلاثة: تصميم القصد, لأن التوبة وإن صحت من بعض الذنب مع البقاء على ذنب آخر فصاحبها ناقص, وقل أن يسلم من العودة لما عنده من أصل المخالفة وأداء الحقوق الواجبة له من: الصلاة, والصيام, والزكاة, والكفارات, وغيرها, ورد المظالم المالية باتفاق, والعرضية على المشهور.
وشروط كمال, وهي ثلاثة: التشمير في المستأنف, بدلا من التقصير في السالف, والفرار من موارد الفتن بكل وجه أمكن, والحرص على تحصيل الكمال له بأي وجه كان, فمن فاتته شروط الصحة فلا توبة له, ومن فاتته شروط التحقيق فهو عاص, وقل أن يسلم من آفات الانقلاب, ومن فاتته شروط الكمال لم يجد لتوبته لذة, ولا يدرك لها نتيجة, وكل واحدة لا تصح إلا بعد تحقيق ما قبلها.
وقوله: "وقرروا فيه شروط التوبة" والمراد بالتقرير هو الأمر بها والحض عليها: المرة بعد المرة, والتنبيه عليها تفصيلا وإجمالا.
ثم يأمره بلزوم الصحبة, يعني إن تأتي له ذلك, وإلا أمره بالوصول المرة بعد المرة كما تقدم, وفائدة الصحبة ثلاثة أمور:
أحدها: أنها حصن من الانقلاب والرجوع, فإن رؤية الشيخ والجلوس معه ترياق مجرب, فلا تميل نفسه إلى الفضول أبدا ما دام مع الشيخ.
وقال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه: الجلوس مع العارفين أفضل من العزلة, والعزلة أفضل من الجلوس مع العوام, والجلوس مع العوام أفضل من الجلوس مع المتفقره الجاهلين.
قلت: والجلوس مع علماء الظاهر أقبح في حق الفقير من جميع ما تقدم, والله ما رأيت فقيرا صحبهم فأفلح في طريق القوم أبدا, فلا قاطع أعظم منهم, إلا من عرف بالتسليم لأهل النسبة, وقليل ما هم.
الثاني: أن علم القلوب إنما يقوي مدده بالصحبة, فمن تحقق بحالة لا يخلو حاضروه منها, والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يعلم, "والمرء على دين خليله", و"المؤمن مرآة أخيه" وما كان في المرآة انطبع في المرآة المقابلة لها.
الثالث:إن الإنسان مبتلي بنفسه, فإذا انفرد وحده ظهر له أنه على شيء, وليس كذلك, وقد تقدم هذا في فائدة الاجتماع, وربما ظفر به الشيطان, لأن الشاة المنفردة من سهم الذئاب، وفي الحديث "الشيطان يهم بالواحد والاثنين ولا يهم بالجماعة" "أو كما قال عليه الصلاة والسلام: فلا بد من صحبة أخ صالح أو شيخ ناصح لتحصل السلامة من الرعونات وغيرها ولا يتأدب الفقير وحده أبدا, وإنما يتأدب إذا صحب أهل الأدب فإن صحبهم تأدب أحب أم كره, وأيضا النفس الحية لا تموت ما دامت مع الأحياء, وإنما تموت إذا صحبت الأموات كما قال شيخنا البوزيدي رضي الله عنه.ض
ثم يمده بالعلم الظاهر, ومعناه أنه يذكره بعلم الشريعة علم الطريقة دون علم الحقيقة حتى إذا تهذب ظاهره وباطنه صلح لعلم الحقائق, ولا بد من الترتيب, فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته, ومن لا بداية له لا نهاية له.
وقد قالوا: "من قدم الباطن على الظاهر فاته الباطن والظاهر, ومن طلب الباطن بالظاهر حصل له الباطن والظاهر, ومن طلب الباطن والظاهر تحير في الباطن والظاهر, والظاهر رأس مال, وما عداه ربح", ولذلك أمر به أئمة العلم والدين مجردا.
وقد قال عليه الصلاة والسلام لمن سأله أن يعمله من غرائب العلم: "ما فعلت في كذا وفي كذا" في أمور في أحكام الظواهر, ثم قال عليه الصلاة والسلام: "أذهب فأحكم ما هنالك وتعال أعلمك غرائب العلم".
ثم من أصلح ظاهره على لسان الصدق فتح الله بصيرته برؤية الحق.
قاله الشيخ زروق رضي الله عنه: ولما ذكر ما يتعلق بالبداية,
ذكر ما يتعلق بالوسط من المجاهدات والرياضات, فقال:
حتى إذا أنقاد مع الإفادة ..... وكاد أن يصلح للإرادة
إذا للمريد عندهم حدود ..... لأجلها قيل له مريد
فعندها رد إلى الأوراد ..... كالصمت والصوم مع السهاد
وعاملوه بالمعاملات ..... إذا علموا مختلف العلات
قلت: أما الانقياد إلى طلب الإفادة, فيكون بثلاثة أمور: بالزهد في نفسه, وفلسه, وجنسه.
فالزهد في النفس بالإطلاق منها والغيبة عنها وإسلامها إسلاما كليا حتى يكون كالميت بين يدي الغاسل, والزهد في الفلس بالبذل والإيثار في الحاصل, وعدم التشوق إلى غير حاصل.
والزهد في الجنس بالإنكار لمن يعرف, وعدم التعرف لمن لا يعرف.
فإذا حصل هذه الثلاث استحق الإفادة وصلح للإرادة, والمراد بالإفادة إفادة العلوم الباطنية والأسرار الربانية, لكن بعد تحقيق التخلية والتحلية, وسيأتي عند قوله: ألقوا إليها من صفات النفس. الخ.
وأما حدود المريد فثلاثة: مجاهدة, ثم مكابدة, ثم مشاهدة.
فالمجاهدة في تقديم الظاهر, والمكابدة في تقديم الباطن, والمشاهدة ثمرة المكابدة.
أو تقول: حدود الإرادة: قطع العلائق, وخرق العوائد, واكتساب الفوائد.
فإذا تحققت فيه هذه الأمور سمي مريدا لتحقيق إرادته بمعرفة سيده, لأنه لما حصر الإرادة في إرادة واحدة, ولم يبق له مراد إلا محبة سيده سمي لذلك مريدا, وقيل غير ذلك فجواب "إذا" الذي هو عامل فيها هو قوله "رد إلى الأوراد" وما بينها معترض, والتقدير إذا صلح للإفادة والإرادة رد عند ذلك إلى الأوراد, وباعتبار السبك رد وقت صلاحيته للإفادة إلى الأوراد, ثم فسر تلك الأوراد التي يرد إليها بعد إصلاح ظاهره, فقال: كالصمت, وفيه سبعة آلاف حكمه, جمعت في سبعة: 1. عبادة من غير تعب 2. حصن من غير حائط 3. هيبة من غير سلطان 4. راحة الكرام الكاتبين 5. ستر الجاهل 6. زين العالم 7. قلة الاعتذار.
ومن خواصه أنه يلقح الفكرة ويجلب الحكمة إذا كان مع الفكرة, وإلا فهو سهو, كما قال بعضهم: كل كلام بغير ذكر فهو لغو, وكل صمت بغير فكر فهو سهو, وكل نظر بغير عبرة فهو لهو, فالصمت الذي يصحبه الخواطر والوساوس هو بمنزلة الكلام, وأما الصوم فهو يعين على الجوع, وقد تقدم فوائد الجوع وأسراره, إلا انه لا ينبغي الإفراط فيه, "فخير الأمور أوسطها".
و"السهاد" هو: السهر والمراد, قلة النوم, حتى لا يزيد على القدر المحتاج.
قال أحمد بن عامر رضي الله عنه:أعداؤك أربعة: الشيطان وسلاحه الشبع, وسجنه الجوع, والهوى, وسلاحه الكلام, وسجنه الصمت, والدنيا, وسلاحها لقاء الخلق, وسجنها الخلوة, والنفس, وسلاحها النوم وسجنها السهر.
ثم المطلوب من هذه الأربع الوسط والأخذ بالأهم, فمن كان الجوع أحب إليه من الشبع لم يأكل فوق حاجته, ومن كان الصمت أهم إليه من الكلام لم يتكلم إلا فيما يعنيه, ومن كان الخلوة أهم إليه من الخلطة لم يرتح للقاء الناس, بل يستوحش منهم, ومن كان السهر أحب إليه من النوم لم ينم فوق الحاجة, والإفراط مضر في كل شيء, فمن الجوع مضر بالفكرة ومن الصمت مضر بالحكمة, ومن السهر يؤدي إلى الحمق, ومن الخلوة يؤدي إلى الملل, قال الشيخ زروق رضي الله عنه.
وقوله "وعاملوه بالمعاملات" أي بالمعاملات التي فيها دواؤه, فمن تليق به العزلة عاملوه بها ودلوه عليها, ومن تليق به الخلطة دلوه عليها, وهكذا, إذا ليست معاملة أهل البداية كمعاملة أهل النهاية, وليست معاملة السائرين كمعاملة الواصلين.
وقوله: "إذ علموا" الخ يعني أنهم إنما عاملوا المريدين بمعاملات مختلفة, لأجل ما علموا فيهم من العلات المختلفة فعاملوا كل واحد بما فيه دواؤه.
وفي بعض النسخ "كقرب نفسه من الفلات" وهو إشارة إلى العزلة.
وفي الحكم: ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.
وقد أشبعنا الكلام عليها في شرح الحكم, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر سر دلالته على الأعمال دون الحقائق, فقال:
ولم يحيلوه على الحقيقة ..... إذ لم يكن مستوفي الطريقة
لكن أحالوه على الأعمال ..... لأجل ما فيها من النوال
إذ الطريق إلى العلم ثم العمل ..... ثم هبات بعدها تؤمل
قلت: الحقيقة شهود القدس وإنما لم يحيلوه على الحقيقة, أي لم يطلعوه عليها قبل استيفاء الطريقة, لأن الحقيقة أمرها هائل لا ينالها إلا الشجاع الصائل,
وفي ذلك يقول الشيخ الجيلاني "كذا في عينته".
وإياك جزعا لا يهولك أمرها ..... فما نالها إلا الشجاع المقارع
فلا تطاق إلا بعد موت النفوس وحط الرؤوس وتصفية البواطن من الأغيار وتحليتها بالأنوار, فمن أطلع عليها قبل ذلك خيف عليه التزندق, لأن الحقيقة لا تدرك بالعلم, وإنما هي أذواق ووجدان, نعم: قد تكون علما, ثم تصير ذوقا, لمن راض نفسه بالشريعة, وعظم صدقه, فإنه يأخذها علما وتصير ذوقا.
وأيضا اطلاعه على الحقيقة قبل كمال الطريقة توجب له التقصير في الأعمال والتفتر في الخدمة, فإن الحقيقة حلوة قد يشتغل بها ويهمل الشريعة, ولذلك قيل: من تصوف ولم يتشرع فقد تزندق لتعرية الحقيقة عن الشريعة, وهذا معنى قوله "ولم يحيلوه على الحقيقة إذ لم يكن شيء" أي حيث لم يكن مستوفيا لعمل الطريقة, لكن أحالوه على الأعمال,
والمراد بالأعمال هنا: العمل الظاهر, كالصلاة والصوم والصمت والعزلة وذكر الله, ويكون ذكرا واحدا, وهو الاسم المفرد الذي هو اسم الله الأعظم, وسلطان الأسماء.
هذه طريقة الشاذلية, وسيأتي للناظم التنبيه عليه,
وإنما أحالوه على الأعمال لما فيها من النوال, أي العطاء, والمراد به نتائجه, فكل ذكر له نتيجة وثمرة تخصه, كما ذكره ابن جزي في تفسيره عند قوله تعالى "فاذكروني أذكركم" قال: واسم الجلالة وهو "الله" جامع لتلك الثمرات كلها.
وفي بعض النسخ "لأجل ما فيها من المنال" أي نيل ما يقصده الذاكر ويتمناه, ثم يذكر علة تقديم العمل على التحقيق, فقال: "إذ الطريق العلم, ثم العمل, ثم هبات, وهي مواهب الأسرار, فبعد العلم العمل, ثم الحال, ثم الذوق, ثم الشرب, ثم الري, ثم السكر, ثم الصحو, ثم شهود وعيان, والعمل حينئذ فكرة ونظرة وآداب مع الحضرة, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر كيفية انتقال العلم إلى الباطن, فقال:
حتى إذا أحكم علم الظاهر ..... وأبصروا القبول فيه ظاهر
ألقوا إليه من صفات النفس ..... ما كان فيها قبل ذا من لبس
وهي إذا أنكرتها فلتعرف ..... إحدى وتسعين, وقيل نيف
قلت: ثم لا يزال الشيخ بأمر المريد بعمل الظاهر, كصلاة وصيام وعزلة وصمت وذكر لسان, حتى إذا رآه أتقن علم الظاهر وذاق سره وحلاوته, فيكون قد ذاق حلاوة الصلاة والصيام, وحلاوة العزلة والصمت, حتى تكون العزلة عنده أشهى من الخلطة, والصمت عنده أحلى من الكلام, وذكر الله قد امتزج معه, حتى لو أراد أن يسكت ما سكت, فهذا علامة إتقان أحكام الظاهر, وصار قبوله لعلم الباطن ظاهرا, فحينئذ يلقى إليه من صفات نفسه ما كان ملتبسا عليه, كحب الجاه أو الرياسة, أو حب المال, أو الغضب أو القلق أو غير ذلك من أوصاف النفس التي يتعذر حصرها, حتى قال بعضهم: "للنفس من النقائض ما لله من الكمالات", وقال الناظم: أنها تزيد على تسعين, بتقديم التاء.
وقد ذكر السلمي نبذة صالحة, فلنذكره بنصه, لأن عادة الناظم النسج على منواله,
فقال رضي الله عنه:
وأما أخلاق النفس, فمنها: الكبر, والعجب, والفخر, والخيلاء, والغل, والغش, والبغض, والحرص, والأمل, والحقد, والحسد, والضجر, والجزع, والهلع, والطمع, والجمع, والمنع, والجبن, والجهل, والكسل, والبذاء والجفا, واتباع الهوى والازدراء, والاستهزاء, والتمني, والترفع, والحدة, والسفه, والطيش, والمراء, والتحكم, والظلم, والعداوة, والمنازعة, والمعاندة, والمخالفة, والمغالبة, والمزاحمة, والغيبة, والبهتان, والكذب, والنميمة, والتهويس, وسوء الظن, والمهاجرة, واللؤم, والوقاحة, والغدر, والخيانة, والفجور, والشماتة, إلى غير ذلك مما يكثر تعداده.
فيجب على المريد معرفتها ومجانبتها, والمجاهدة في تبديلها بأحسن منها, فمن لم يعرف ذلك لم يزدد مع مرور الأيام إلا إدبارا, فيبدل الكبر بالتواضع, والحدة بالتؤدة, والكذب بالصدق, وبالله التوفيق, انتهى.
قال الشيخ زروق رضي الله عنه: وأصول الأخلاق المذمومة ثلاثة: الرضا عن النفس, وخوف الخلق, وهم الرزق,
فيتولد من الأول: الشهوة, والغفلة, والمعصية.
ومن الثاني: الغضب, والحقد, والحسد.
ومن الثالث: الحرص, والطمع والبخل.
ثم قال: لكن التزام أصل واحد ينفي جميعها, وهم عدم الرضا عن النفس في جميع الأحوال, والحذر منها في كل الأوقات.
قال في الحكم: أصل كل معصية وشهوة وغفلة: الرضا عن النفس, وأصل كل طاعة ويقظة وعفة, عدم الرضا منك عنها, ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه.
فأي علم لعالم يرضى عن نفسه, وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه.
قوله: "حتى إذا أحكم علم الظاهر" هو على حذف مضاف, أي أتقن عمل علم الظاهر لأن الإتقان إنما هو العمل, إذ هو الذي أمره به, وهي فائدة صحبة الشيخ كما تقدم في الاجتماع, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر كيفية موت النفس, فقال:
فجرعوها كؤوس المنون ..... وهي تنادي: كيف تقتلوني
قلت: التجرع هو تكلف الشرب, يعني أن المريدين إذا أراد الشيخ أن ينقلهم إلى عمل الباطن, أمرهم بقتل نفوسهم ليكون ذلك سببا في حياة أرواحهم,
كما قال ابن الفارض:
فالموت فيه حياتي ..... وفي حياتي قتلي
"فجرعوها" أي سقوها كرها "كؤوس المنون" جمع كأس, على وزن فعل, والمنون: الموت, يعني أنهم تجرعوا في قتل نفوسهم مرارة الموت, وذلك بخرق عوائدها وردها عن شهواتها, وأعظم العوائد: العز, والجاه, فلا تنتقل إلى الذل والهوان والخمول إلا بعد جهد جهيد, وقتل شديد, فإذا صار عندها الذل والعز والخمول والظهور سواء, فقد تحقق موتها.
قال محمد بن خفيف رضي الله عنه: لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في أربعة أشياء: في المنع, والعطاء, والعز, والذل.
وقال الشيخ أبو مدين: من لم يمت لم ير الحق تعالى.
قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: لا دخول على الله إلا من بابين: إما بالفناء الأكبر الذي هو الموت الطبيعي, أو بالفناء الأصغر الذي تعنيه هذه الطائفة.
وقال بعضهم: لا يدخل على الله حتى يموت أربع موتات: الموت الأحمر, وهو: مخالفة النفس, والموت الأسود, وهو احتمال الأذى من الخلق, والموت الأبيض وهو الجوع, والموت الأخضر وهو لبس المرقعات.
وفي رواية وهو: طرح الرقع بعضها على بعض.
وقال الشيخ زروق رضي الله عنه: موت النفس لا يكون إلا بثلاث: عزلها عن مواردها, بحيث لا يتحرك ولا يسكن إلا بتحقيق نية توافق العلم من غير هوى, ثم الإعراض عن كل ما تلتذ به في عالم الأجسام والطباع والعلوم والأعمال والمعاني والمباني والحقائق, ثم ترك الإنسان ما تميل إليه من ذلك أو من غيره, ولذلك قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: ولن يصل الولي إلى الله تعالى حتى تنقطع عن نفسه شهوة الوصول, يعني انقطاع أدب واستسلام, لا انقطاع ملل, وكذا قال ابن عطاء الله رحمه الله, ومن هذا القبيل دعاء الشيخ أبي محمد عبد السلام بين مشيش حيث قال: "اللهم أني أعوذ بك من برد الرضا والتسليم, كما يستعيذ بك أقوام من حر المعصية والتدبير".
ومنه قول الواسطي رحمه الله: استحلاء الطاعة سم قاتل.
وقوله: "وهي تنادي" الخ نداؤها بلسان حالها القريب من لسان المقال, وقد يسمع ذلك الإنسان من باطن النفس كأنه حسي مقالي, وقد تتمنى الموت الحسي اختيارا, فلا تزال كذلك حتى ترتاض وتتهذب, وهي علامة موتها, والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى عمل أهل الاستشراف فقال:
فعندما مالت إلى الزوال ..... أدخل في خلوة الاعتزال
وقيل: قل على الدوام: الله ..... وأحذر كطرف العين أن تنساه
قلت: ميل النفس إلى الزوال هو: إعطاؤها الطوع من نفسها, بحيث يتصرف فيها صاحبها بلا نزاع منها, فهي حينئذ قريبة للموت, مشرفة على الزوال, فعند ذلك يدخله الخلوة, أي يأمره بها, ويحضه على ذكر الاسم المفرد, حتى لا يفتر عنه ساعة.
قلت: وهذا التدريج الذي ذكره الناظم ليس بلازم لكل الشيوخ, ولا لكل المريدين أن يسلكوه, بل من الشيوخ من يلقن الاسم من أول مرة إذا رأى الفقير أهلا له, ويأمره بقتل نفسه مع ذكر ربه, بحيث يجعل له وقتا يذكر فيه ربه, ووقتا يقتل فيه نفسه, وهذا الذي أدركنا عليه أشياخنا بأمر الفقير بالخلوة في أول النهار إلى وقت العصر, ثم يخرج إلى السوق ويعمل في الأحوال الصافية ما تموت به نفسه, فيكمل فناؤه في الاسم مع موت نفسه, فيقرب وقت فتحه, ومن المريدين من لا يحتاج إلى خلوة, بل يأمره بالخلطة من أول مرة, والناس معادن وطبائع, والعلل متفاوتة, والفتح من الله من غير توقف على الأسباب, إلا أن الحكمة جارية مع القدرة, والله تعالى أعلم.
قال الشيخ أبو حامد الغزالي رضي الله: ولقد أردت في بداية أمري سلوك هذا الطريق بكثرة الأوراد والصوم والصلاة فلما علم الله صدق نيتي فيض لي وليا من أوليائه, قال لي: يا بني اقطع من قلبك كل علاقة إلا الله وحده, وأخل بنفسك, واجمع همتك وقل "الله, الله, الله" ولا تزد على ما فرض الله عليك شيئا إلا الرواتب, وقل هذا الإسلام بلسانك وقلبك وسرك, وأحضر قلبك, واجمع خاطرك, ومهما قالت نفسك: ما معنى هذا, فقل لها: لست مطلوبا بمعناه, وإنما قال تعالى: "واذكر اسم ربك وتبتل إليك تبتيلا".
ثم ذكر ما يفعل في حال خلوته مع الذكر, فقال:
ووكل الشيخ به خديما ..... يلقى إليه القول والتعليما
وقيل: إن تكتم من الأحوال ..... شيئا سلكت سبل الضلال
فليس عند القوم باللبيب ..... من لم يصف شكواه للطبيب
قلت: أما توكيل الشيخ بالفقير الخديم, فلعله كان في الزمان القديم, فكان الشيخ إذا أتى إليه الفقير وعلمه ما يلزمه في حال نفسه أدخله الخلوة وأمره بالذكر, ووكل به الخديم يلقى إليه القول الذي يأمره به الشيخ من الأذكار التي تليق به, ويعلمه ما يحتاج إليه في سيره ويشترط في الخديم أن يكون أعلى منه علما وحالا وذوقا.
قلت: وهذه الكيفية قد انقطعت اليوم, ولعلها هي التي قصد الشيخ الحضرمي: نعم بقي اليوم عوض الخديم: تذكير الفقراء بعضهم بعضا, فيأمر الشيخ من يراه أهلا للتذكير, فيدور على الفقراء أينما كانوا يذكرهم وينبههم ويزيد بهم إلى الله كما يزيدون به,
ولذلك كانت السياحة للفقير في بدايته أمرا كبيرا, وزيارة الشيوخ: سبب في التمكين والرسوخ فهذه الحالة اليوم أغنت عن الخديم والخلوة, ولا ينبغي للفقير أن يكتم شيئا من أحواله عن الشيخ, قلت أو جلت, لأن الشيء اليسير يورث الشيء الكثير, فليس باللبيب من لم يصف دواءه للطبيب, فإن تعذر عليه الوصول إلى الشيخ وقد عرض له مرض أو أمر فليشخص شيخه بين عينيه بصفته وهيئته, ويشكو له فإنه يبرأ منه بإذن الله, وإن كان مع جماعة واستحيا فليشتك إليه في قلبه وإن كتم ذلك فهو حسن, والله تعالى أعلم.
يتبع
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
تابع 9- في حكم التربية وتدريج المريدثم ذكر نتائج الذكر ونهايته, فقال:
فلم يزل مستعملا للذكر ..... فيصمت اللسان وهو يجري
وقدر ما تجوهر اللسان ..... بالاسم يستثبته الجنان
ثم جرى معناه في الفؤاد ..... جري الغذا في جملة الأجساد
فعندها حاذي مرآة القلب ..... لوح الغيوب وهو غير مخب
فأدرك المعلوم والمجهولا ..... حيث اقتضى لتركها قبولا
قلت: فإذا دخل الفقير الخلوة فينبغي أن يستعمل معها العزلة, وهي عزلة القلب فالخلوة للأشباح, والعزلة للقلوب, فلا بد فيها من التفرغ الكلي, وإلا لم ينتفع بها.
وفي الحكم: ما نفع اللب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.
فالمقصود من الخلوة هو دواء القلب, ولا يشفى القلب إلا إذا تفرغ من الأخلاط الردية فإن القلب كالمعدة كلما كثر عليه الأخلاط مرض, وهي الخواطر والشواغب, فإذا تفرغ القلب نفعه الذكر, وإلا فلا, ثم لا يزال مستعملا للذكر لهجا به, حتى يصمت اللسان, ويبقى الجنان ذاكرا, وينبغي أن يستثبت الجنان ما يذكره اللسان, فان ذكر اللسان بلا جنان قليل النهوض إلى حضرة العيان, ثم لا يزال يذكر بلسانه ويستثبه بجنانه حتى يجري معناه في فؤاده, ويتمكن نوره في قلبه, ثم يجري ذلك في جميع أعضائه كما يجري الدم في سائر جسده, وكما يجري الماء في الأغصان الرطبة, فيكون البدن كله يتحرك بذكر الله.
ولقد سمعت شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول: بقيت أربع سنين نذكر الاسم المفرد, حتى كان البدن كله يتحرك بالذكر, فكنت إذا وضعت يدي على فخذي لنسكنه تحرك الفخذ الآخر, وإذا وضعت يدي على الفخذ الآخر تحرك الفخذ الآخر.
فإذا صفت مرآة القلوب وتجوهرت, فعند ذلك يحاذيها لوائح الغيوب, وهي أنوار المواجهة تقدمة لأنوار المشاهدة, لأن المشاهدة تكون لوائح, ثم طوالع, ثم تشرع شمس العرفان, فما لها غروب عن العيان, فعند ذلك يكاشف بحقائق الأشياء, فيدرك سر كل موجود, ويعلم حقيقة كل معلوم, وكل مجهول, يعني ما كان مجهولا صار عنده معلوما, وما كان معلوما أدرك سره وحكمته, وهنا يطلع على سر المتشابهات وحقائق المشكلات, فتتسع عليه دائرة العلوم, وتخرق له مخازن الفهوم, ويخرج إلى فضاء الشهود ويصير حاكما بسره على الوجود, فلا تقله أرض, ولا تظله سماء, قد فتحت له ميادين الغيوب, وتطهر من جميع المساوئ والعيوب: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".
فقوله: "فيصمت اللسان وهو يجري" يعني أنه ينطبع الذكر في القلب انطباعا كليا, حتى يجري الذكر على القلب, ولو سكت اللسان, وهذا هو المقصود من الذكر, وقوله: "وقدر ما تجوهر" الخ. يحتمل أن يكون إنشاء, ومعناه الأمر باستثبات القلب عند ذكر اللسان أي ويستثبت الجنان ما ذكره اللسان, فيكون بقدر ما تجوهر اللسان يستثبته, ويحتمل أن يكون إخبارا, ومعناه: وبقدر ما يتجوهر اللسان بالذكر يدخل في القلب فيستثبته فيكون فيه الحض على ذكر اللسان, لعله يدخل الجنان, والاحتمال الأول فيه الحض على الحضور عند ذكر اللسان, وهو أولى, لأن ذكر اللسان إذ لم تصحبه مجاهدة لا يفضي إلى القلب, ولو كثر.
وقوله: "ثم جرى معناه في الفؤاد" يعني أنه ينصبغ القلب بمعنى الذكر حتى لا ينفك عنه, وهي الطمأنينة بذكر الله.
وقوله: "فعندما حاذي مرآة القلب" أي فعند انصباغ القلب بالذكر وطمأنينته به, يحاذي مرآة قلبه الصافية المجلوة بأنوار الغيوب, وهو الذي أراد بقوله: "لوح الغيوب" وتسمى اللوائح, وإنما قصره الوزن, فإذا اطلعت له لوائح الغيوب ظهر ما كان مختبئا, أي خفيا من أنوار الشهود, فانطوى عند ذلك وجود كل موجود, وفي ذلك يقول الششتري:
لقد تجلى ما كان مخبي ..... والكون كل طويت طي
مني علي دارت كؤوسي ..... من بعد موتي تراني حي
وفي بعض النسخ "فعندما حاذي أمير القلب" أي وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي فعند جرى الذكر في الفؤاد حاذي القلب الذي هو سلطان الجسد, لوائح الغيوب, وفي بعض النسخ بلفظ "ما" المصدرية بعد "عند" والعامل في الظرف "فأدرك" أي: فأدرك عند محاذاة لوح الغيوب سلطان القلب المعلوم والمجهول.
وقوله: فأدرك المعلوم والمجهول, يعني: أنه لما طلعت عليه شمس المعارف أدرك سر ما كان مجهولا, حيث عرف سر وجوده, وغاب عن شهوده بشهود معبوده.
وقوله: "حيث أقتنى لدركه قبولا" يعني أنه لا يدرك سر المعلومات والمجهولات, إذا اقتنى, أي ادخر لذلك قوة باستعداده لذلك, وهو التفرغ التام, فبقدر تفرغه من الأشياء يكشف لك عن شهود المكون, أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون, فإذا شهدته كانت الأكوان معك, ومحل أن ترتبط مع الأكوان وتطلع على أسرار مكونها فيها, والله تعالى أعلم.
ذكر مخاطبات الحق له على ألسنة الهواتف, فقال:
حتى إذا جاء بطور القلب ..... خوطب إذ ذاك بكل خطب
فقيل لو عرفتني بكوني ..... قيل: إذن فاخلع نعال الكون
قلت: إذا وصل النور من ناحية المذكور إلى جبل الطور, وهو قلبك المستور, بحجاب هيبة المذكور, رفع عنه الستور, وخاطبه حينئذ بكل أمر جميل, فلم تعلم نفس ما خصص به من المساررة والمصافاة والمكللة والمناجاة, فيناديه لسان الملكوت مترجما عن عالم الجبروت, يا أيها العبد الشائق إلى حضرتي لتعاين سر قدرتي, هلا عرفتني بكوني, وقنعت بذلك مني, فيقول العبد المشتاق إلى حضرة التلاق لا أريد إلا وجهك الكريم, ومشاهدة سرك العظيم, فيقول له الحق جل جلاله: إذا أردت هذا الخطب الجسيم, والأمر العظيم فاخلع عنك نعال الكونين, وتخط بقدم همتك نعيم الدارين, فإذا خلعت عنك الحظوظ والهوى, فأنت بالوادي المقدس طوى, وأنشدوا:
واخلع النعلين أن جئت إلي ..... ذلك الحي ففيه قدسنا
وعن الكونين كن منخلعا ..... وأزل ما بيننا من بيننا
وإذا قيل: من تهوى؟ فقل ..... أنا من أهوى, ومن أهوى أنا
فهذه مسايرة كلام الناظم, ولنرجع إلى تفسير ألفاظه, فنقول "حتى إذا جاء ذلك اللائح الذي عبر عنه بلوح الغيوب, وهو النور الذي أثمره الذكر, حاذي مرآة القلب, أي وصل لطور القلب الذي هو محل المناجاة, ومعدن المصافاة, فهو كجبل الطور الذي وقعت عليه مناجاة الكليم عليه السلام, فإذا وصل إليه ذلك النور, ورفعت عنه الحجب والستور, "خوطب إذ ذاك" أي حين وصل النور إلى القلب "بكل خطب" له أمر جليل, وهذه المخاطبات تكون هواتف من ناحية القلب, فيجب تصديقها حيث انقطعت الخواطر الردية عنه, وتكون أيضا مخاطبات على السنة الهواتف الكونية, فيسمع العارف منها كل ما يحتاج إليه, وهذا أمر مجرب لمن ذاق الفهم عن الله,
وفي ذلك يقول الششتري:
أنا بالله أنطق ..... ومن الله أسمع
وقال أيضا:
أسمع كلامي وأنتبه ..... إذ أنت تفهم
لأن كنزك قد عري ..... عن كل طلسم
من هو المكلم والكليم ..... على طور الإفهام
والحاصل أن هذه الخطابات الهواتفية والكونية لا تكون إلا لمن صفت مرآة قلبه من الأغيار, ولم يشاهد إلا الأنوار والأسرار, فحينئذ يخاطب من كل ناحية, ويسمع التأييدات من كل جانب.
ولقد كنا في بعض أسفارنا لا نسافر من موضع إلا بإذن من الله ولا نقيم إلا كذلك, وما ذلك إلا ببركة صحبة العارفين بالله.
وقوله: "فقيل لو عرفتني بكوني" يعني أن السالك إذا أشرقت عليه لوائح الوصول, وهب عليه نسيم القبول, وجد في طلب بلوغ المأمول, يقول له الحق تعالى اختبارا لصدقه: يا عبدي هلا قنعت بمعرفة الدليل فتعرفني بنظرك لكوني, فيقول العبد: يا رب لا أريد إلا معرفة ذاتك, فإذا قال له ذلك يقول له الحق جل جلاله: إن أردت ذلك فاخلع عنك نعال الكونين, وتحقق بالزهد في الدارين, تحصل لك مِنّا قُرّةُ العين.
قال بعض العارفين: قيل أول ما يقول الله للعبد: اطلب العافية والجنة والأعمال وغير ذلك, فإن قال: لا, ما أريد إلا أنت, قال له: من دخل هذا معي, فإنما يدخل بإسقاط الحظوظ, ورفع الحدوث, وإثبات القدم, وذلك يوجب لك العدم, وأنشدوا:
من لك يكن بك فانيا عن حظه ..... وعن العنا والأنس بالأحباب
فلأنه بين المنازل واقف ..... لمنال حظ أو لحسن مآب
والله تعالى أعلم.
ثم ذكر ثمرة الزهد وخلع النعل, فقال:
ثم فني عن رؤية العوالم ..... ولم ير في الكون غير العالم
ثم انتهى لفلك الحقيقة ..... فقيل: هذا غاية الطريقة
قلت: إذا تحقق زهد المريد في الكونين, وغاب عن حظه في الدارين, أشرق عليه نور الإيقان, فغطى وجود الأكوان, فما حجب العباد عن الله إلا تعلق القلب بالحظوظ والعمل على الحروف, فلو تحرروا من رق الحظوظ, وعملوا على نعت العبودية والقيام بوظائف الربوبية, لأشرقت عليهم الأنوار, وغابوا عن شهود الآثار, فتلعق القلب بالحظوظ النفسانية, يمنع من مقام المراقبة, وتعلقه بالحروف الروحانية يمنع من مقام المشاهدة فالحروف الروحانية تمنع من مقام المشاهدة, والحروف الظلمانية تمنع القرب من القريب, والحروف الروحانية تمنع شهود الحبيب, فالحروف الظلمانية هي الشهوات الحسية, والحروف الروحانية هي الشهوات المعنوية, كطلب الخصوصية والكرامة والمعرفة فلا تدرك المقامات إلا بالزهد فيها.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: "ولن يصل الولي إلى الله ومعه شهوة من شهواته أو تدبير من تدبيراته, أو اختيار من اختياراته".
وتقدم قول الشيخ أبي العباس رضي الله عنه: لن يصل الولي إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول, أي حتى يزهد فيه أدبا واكتفاء بعلم الله.
وأعلم أن هذه الحظوظ القاطعة عن الله هي التي يسميها شعراء الصوفية في تغزلاتهم: "عواذل ورقباء"
كما قال الششتري رضي الله عنه:
يا أخي افن تشهد ..... كل سر عجيب
وتجول في المشاهد ..... حين قرب الحبيب
حيث لاثم حاسد ..... أو عذول أو رقيب
قوله: ثم فني عن رؤية العوالم, أي ثم بعد تحقيق الخلع عن الكونين يفنى عن رؤية العوالم حين تتلطف وتصير معاني.
أو تقول حين تنقلب أنوارا ملكوتية بعد أن كانت ظلمات ملكية, فإذا غابت العوالم بقي الخبير العالم.
أو تقول: فإذا غابت الأواني بقيت المعاني.
أو تقول: فإذا غاب الكون بقي المكوّن,
وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه:
جميع العوالم رفعت عني ..... وضوء قلبي قد استفاق
تراني غائبا عن كل أين ..... كاس المعاني حلو المذاق
وقوله: "ثم انتهى لفلك الحقيقة" وهو مرتب على ما قبله, فمهما غاب عن العوالم انتهى لفلك الحقيقة, والحقيقة هي شهود العظمة بالعظمة, أو شهود حق بحق, وتقدم قريبا تفسيرها أيضا بتفسير آخر, وفلكها أنوارها المحيطة بالأكوان المغيبة لها.
قال في الحكم: "محقت الآثار بالآثار, ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار".
وفلك الحقيقة هو عالم الجبروت الأصلي, فإذا انتهى المريد إلى ذلك, وتمكن فيه, فقد انتهى سيره, وذلك غاية الطريق إلى عين التحقيق, قال تعالى: "وأن إلى ربك المنتهى" وبالله التوفيق.
ثم ذكر مقام الشهود, فقال:
ثم أمتحى في غيبة الشهود ..... فأطلق القول: أنا معبودي
حتى إذا رد عليه منه ..... أثبت فرقا حيث لم يكنه
قلت: العبد في حال غفلته يكون مبتلي برؤية نفسه, واقفا مع شهود حسه, مسجونا بمحيطاته, محصورا في هيكل ذاته, فإذا أراد الله تعالى أن يرفع عنه الحجاب, ويدخله في حضرة الأحباب, ألقاه إلى ولي من أوليائه, وعرفه سر خصوصيته واصطفائه, فلا يزال يسير به ويحاذيه, ويخرق عليه عوائد نفسه ويغيبه عنها, ويزهده في فلسه وجنسه، فإذا رآه الشيخ قد رق في حقه الحجاب, واستحق الانخراط في سلك الأحباب, فتح له الباب, وقال له: ها أنت وربك, فإذا زج في حضرة النور, ورفعت عنه الستور, أنكر الوجود بأسره, وأنكر وجود نفسه, فامتحق وجوده في وجود محبوبه, وانطوى شهوده في شهود معبوده, فأنشأ يقول: أنا من أهوى ومن أهوى أنا, وأنا المحب والحبيب, ليس ثم ثاني. فإذا تمكن في الشهود, وتحقق برؤية نور الملك المعبود رد عليه صحوه ورجع إليه سلوكه, فأثبت فرقا في عين الجمع قياما بوظائف الحكمة في عين شهود القدرة, فيكون الجمع في باطنه مشهودا, والفرق على ظاهره موجودا, فرقا لفظيا لا حقيقيا, أدبا مع الربوبية, وقياما بوظائف العبودية, فلا تبتهج رياض الملكوت إلا بزهر جمال الشريعة المحمدية.
وقد قلت: في قصيدة سايرت بها تصلية ابن مشيش رضي الله عنه في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
رياض بساتين المعارف بهجت ..... بزهر جمال من شريعة احمد
كذاك بحار الجبروت تدفقت ..... بأنواره في كل غيث ومشهد
قوله: "ثم أمتحى في غيبة الشهود" أي أمتحى وجوده في وجود الحق.
قال في الحكم: الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته.
وقال أيضا في الكلام على الإشارة بل العارف من لا إشارة له, لفنائه في وجوده وانطوائه في شهوده.
وقوله: فأطلق القول أنا معبودي, إطلاق هذا القول لا يسلم له, إلا في حالة القوة والجذب, وإلا فقد علمت ما وقع للحلاج, وهو لي الله حقا, وفي معنى ذلك قيل:
ومن شهد الحقيقة فليصنها ..... وإلا سوف يقتل بالسنان
كحلاج المحبة إذا تبدت ..... له شمس الحقيقة بالتدان
وقال آخر:
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ..... وكذا دماء البائحين تباح
قال ابن خلدون: قتل الحلاج بفتوى أهل الظاهر, وأهل الباطن: أهل الشريعة وأهل الحقيقة, لأنه باح السر, فوجبت عقوبته.
ومنن أفتى بقتله: الجنيد, والشبلي, غيرة على السر أن يفشى لغير أهله, فالواجب كتم الأسرار, وإظهار شريعة النبي المختار,
ولله در الششتري حيث يقول:
شق ثوب الوهم شقه ..... ترتفع عنك المشقة
إن منك اليوم شوقا ..... فافن عن ذاتك ترقى
فإذا حققت ذاتك, وانتهى بادي صفاتك, قف على طور سينائك, واجعل الوجد حياتك, وأفن به حتى تكن, إياك أن تقولك أناه.
وأحذر أن تكون سواه.
وقوله: "حتى إذا رد عليه منه" هو على حذف المضاف, أي حتى إذا رد عليه من شهود نفسه, أي بربه, فحينئذ أثبت فرقا لتظهر العبودية في مظهر الربوبية, سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية, وظهر بعظمة الربوبية في مظاهر العبودية, فربوبية بلا عبودية نقص, وعبودية بلا ربوبية محال, وبهذا الفرق ثبت التكليف.
قال شيخ شيوخنا سيدي علي العمراني رضي الله عنه في كتابه: أعلم أن الكف صفة من أوصاف الفرق, وعدم الكلف صفة من أوصاف الجمع, والفرق عبودية, وهو حق, والجمع ربوبية وهو حق أيضا, صار الحق هو القائل وهو المستمع لما قال, لأجل هذا المعنى تجد هؤلاء المتوجهين إلى الله تعالى: من غلب عليه شهود الجمع, تجده في غاية البسط والراحة من الكلف, ومن غلب عليه شهود الفرق, تجده في غاية القبض والتعب والكلف ويرحم الله القائل:
الرب حق, والعبد حق ..... يا ليت شعري: من المكلف؟
إن قيل: عبد, فالعبد ميت ..... أو قيل رب: أنى يكلف؟
وقد أجابه سيدي عبد الرحمن الفاسي, نفعنا الله بالجميع بقوله:
نعم بحق إثبات عبد ..... بنعت فرق به يكلف
والعبد ميت بغير رب ..... لسر عون منه يكلف
وقوله: "أدرك فرقا حيث لم يكنه, ومعناه أي فرقا حيث لم يكن فرق, وإنما أثبتته الحكمة, فوجب إثباته بالله, فالشريعة أدب منه إليه, والطريقة سير منه إليه, والحقيقة: وصول منه إليه, واليه يرجع الأمر كله, فاعبده وتوكل عليه.
سمع بعض العارفين هاتف الحق يقول: أنا الله سبحاني ما أعظم شأني, ظهرت لخفائها صفاتي, وخفيت لظهورها ذاتي, فشهدت صفاتي بوحدانية ذاتي, وأحاطت ذاتي بجميع صفاتي, فاضمحلت الصفات في الذات, وغابت الذات في الصفات, فمنى إلي قربي تنزيها وتقديسا عن مثلي, لا اله إلا أنا الملك الحق المبين, كل شيء هالك إلا وجهي "آلم كهيعص طسم حم عسق" لمن الملك اليوم, لله الواحد القهار, والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى مقام البقاء فقال:
فرد نحو عالم التحويل ..... وعبروا عن ذاك بالنزول
ورده بالحق نحو الخلق ..... كي ما يؤدي واجبات الرق
قلت: إذا تمكن المريد في الجذب, وتحقق من شهود الرب, وأتقن صناعة السباحة في البحر, رد إلى شهود جزيرة البر, ليكون ماشيا بين بر وبحر, وهو مقام الكمال, كما قال ابن عطاء الله بعد الكلام على مقام الجذب والخمرة: "وأكمل منه عبد شرب فازداد صحوا, وغاب فازداد حضورا, فلا جمعه بحجبه عن فرقه, ولا فرقه يحجبه عن جمعه, يعطي كل ذي حق حقه, ويوفي كل ذي قسط قسطه, انتهى.
ويسمى هذا مقام البقاء, لأنه أبقى ما كان نفاه مرة في حال جذبه, فلما صحا من سكرته وجد ما كان نفاه باقيا على حاله, وإنما بقي الوهم فقط, وفي ذلك يقول الجيلي في عينيته:
فأفنيتها حتى فنت, وهي لم تكن ..... ولكنني بالوهم كنت أطالع
وقال الششتري:
افن من لم يكن ..... يبق من لم يزل
فمقام البقاء مقام شريف, وحال منيف, وهو مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام, وهو معنى قول الشيخ أبي يزيد: وخضنا بحرا وقفت الأنبياء بساحله لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما خاضوا البحر من القدم الأول, رجعوا إلى ساحل البحر ليسيروا الناس في البر والبحر, ولو بقوا في البحر ما أمكنهم أن يسيروا أحدا في البر, فتبطل حكمة الإله إرساله لهم, ولعل الشيخ أبا يزيد قال هذه المقالة قبل رجوعه للبقاء والسكر غالب عليه.
قوله: "فرد" أي رده الشيخ "نحو عالم التحويل" بالحاء المهملة, أي التصديق, وهو محل ظهور تصرفات الأسماء والصفات, وهو عالم الخلق, وقد كان في حالة الجذب في عالم الأمر.
وفي بعض النسخ بالمعجمة أي محل ظهور إنعام الله على خلقه, وما خولهم به من كرمه وجوده.
وقوله: "وعبروا عن ذاك بالنزول" لأن الحرية ارتفاع, والعبودية نزول.
وقال في الحكم بعد ما تكلم على الحضرة فإن نزلوا إلى أسماء الحقوق, أو أرض الحظوظ, فبالإذن والتمكين, والرسوخ في اليقين.
وقوله: "ورده بالحق نحو الخلق, أي رده بالله نحو عالم الخلق, لأجل أن يؤدي ما وجب عليه من حقوق الرق, وهي العبودية, وهي عند الله اشرف المقامات وأسنا الكرامات, وما خاطب الله أنبياءه ورسله إلا بالعبودية, قال تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا", وقال تعالى: "واذكر عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب" وقال تعالى: "واذكر عبدنا أيوب" إلى غير ذلك.
وقد قلت في قصيدتي العينية في هذا المعنى:
تمسك بمنهاج الشريعة أنها ..... أمان من كل هول للظهر قاطع
فشد لها يد الضنين فمنتهى ..... كمال الكمال منك هو الشرائع
وقال سيدي علي رضي الله عنه في كتابه: أعلم أن مقام البقاء هو مقام الملك بالله, وهو مقام خاصة الخاصة, وهو مقام الراحة بعد الشقاء, والربح بعد الخسران, وهو مقام العبودية لله بلا علة, والنظر إليه بلا واسطة, وهو مقام التفريق بعد الاجتماع, والتواضع بعد الارتفاع, والعجز بعد القدرة, والأدب لله بالله بعد التمكن في الحضرة الإلهية, صاحب هذا المقام راسخ في العلم والعمل, راتع في شهود الحق في الجلال والجمال, لتحقيق المقامات والأحوال.
قال أبو المواهب التونسي في قوانينه: من وصل البقاء أمن الشقاء.
ثم أشار إلى ما يفعل بعد ترشيده وإطلاق يده من التحجير, فقال:
فكلم الناس بكل رمز ..... وألغز التعبير أي لغز
وعندما أسلكه المسالك ..... أقامه شيخنا لكل سالك
قلت: الفقير إذا كان في مقام الاستشراف, ولم يتمكن من علم التحقيق, تجده يعبر عن الحقيقة بعبارة واضحة عارية من الكسوة, وذلك لضيق عطنه وعدم فروسيته, فإذا تمكن في العرفان, ورسخ في الشهود والعيان, استحق حينئذ دخول الميدان, وجال مع الفرسان, فإذا جال بفرسه بين الناس لا يسبق ولا يضر أحد من الخلق.
أو تقول: كل من لم يتحقق بالوصول لا يقدر أن يرقق الغزول ولله در الغزالي حيث قال:
غزلت لهم غزلا رقيقا فلم أجد ..... لغزلي نساجا فكسرت مغزلي
فإذا رد المريد إلى مقام البقاء وسلك تلك المسالك المتقدمة من جذب وفناء وتخلية وتحلية أمره الشيخ بتذكير الناس وإرشادهم إلى ربهم, فاستحق أن يكون شيخا مربيا, وهذا حاصل البيتين, والرمز أدق وأخفى من اللغز, لأن الرمز إشارات وتلويحات, واللغز كلام يراد به غير ظاهره, يفهمه من عرف اصطلاحه أو قرينته.
وكان حق الناظم أن يقدم البيت الثاني على الأول, لأن تعبير المريد ناشئ عن تذكيره, وتذكيره ناشئ عن تقديمه لذلك, وتقديمه هو إقامته للشيخوخة, فإذا أقامه لذلك أمكن أن يأتي الرمز أو باللغز, والأمر في ذلك قريب, والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى أن هذا العلم ليس هو أقوالا باللسان, وإنما هو أذواق بالجنان, فقال:
فهذه أحوال ذي الأحوال ..... تدرك بالأفعال لا الأقوال
قلت: الإشارة تعود إلى ما قدمه من أول الباب إلى هنا, وأن تدريج السالك في هذه الأحوال والمقامات هي أحوال أهل الأذواق والوجدان من أرباب الأحوال, وهي إنما تدرك بالأعمال: مجاهدة ومكابدة, ثم مشاهدة.
قال الجنيد رضي الله عنه: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال, والمراء والجدال, وإنما أخذناه عن الجوع والسهر, وكثرة الأعمال.
وأنشدوا في معنى ذلك:
يا من يريد منازل الأبدال ..... من غير قصد منه للأعمال
لا تطمعن فيها فلست من أهلها ..... ما لم تزاحمهم على الأعمال
بيت الولاية قسمت أركانه ..... ساداتنا فيه من الأبدال
ما بين صمت واعتزال دائم ..... والجوع والسهر النزيه العالي
ثم بين أن ما ذكره هو طريق السلف المتقدمين من الجهابذة المتمكنين, وأنه لا يزال الخصام في وجودها أبدا, فقال:
فكذا كان طريق القوم ..... ولم يزل يخصم كل خصم
قلت: الإنكار على الأولياء سنة ماضية, "ولن تجد لسنة الله تبديلا" قال تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين" وما قيل في النبي يقال في الولي, لأنه على قدمه, لكن حجة الأنبياء غالبة واضحة, وحجة المنكرين عليهم واهية داحضة, وكذلك حجة الأولياء على الأغوياء, لا تزال قائمة غالبة, لأنها هي الطائفة الظاهرة إلى يوم القيامة, وهذا معنى قوله: "ولم يزل يخصم كل خصم" أي يغلب كل من يخاصمه "والله متم نوره ولو كره الكافرون".
تنبيه: قوله "فهكذا" الإشارة تعود على تدريج المريد وتربيته بالكيفية التي تقدمت, وهل هذه التربية تجري في كل زمان؟ أو لكل زمان تربية مخصوصة؟ الظاهر أن كل زمان تحدث له تربية مخصوصة, لأن الأولياء على قدم الرسل, فكما أن الحق تعالى لم يكتف برسول واحد لجميع بني آدم لاختلاف المصالح والعوائد, فكل زمان بعث الله فيه رسولا يخرج أهله من عوائدهم التي حجبتهم عن الله, وكذلك الأولياء يبعثهم الله في كل زمان بخرق عوائده.
وقد قال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
ويقال في قياسه: تحدث للناس تربية بقدر ما تعودوا من الأمور, والله تعالى أعلم.
ثم أن هذه الطريق ميراث نبوي, أخذه وارث عن وارث إلى خير وارث, وهي مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين,
وإلى ذلك أشار بقوله:
وهي إذا ما حققت موارث ..... عن خير مبعوث وخير وارث
قلت: هذه الطريقة موروثة, أخذها عارف عن عارف إلى سيد العارفين صلى الله عليه وسلم ولنذكر سلسلتنا تبركا واقتداء بمن ذكر ذلك, فنقول:
أخذنا الطريق وعلم التحقيق عن شيخنا الواصل المحقق الكامل مربي السالكين ومرشد الطالبين سيدي: محمد اليزيدي الحسني, عن شيخه القطب العارف شيخ المشايخ مولاي العري الدرقاوي الحسني, عن شيخه سيدي علي, عن شيخه سيدي العربي, عن شيخه سيدي احمد بن عبد الله, عن شيخه سيدي قاسم الخصاصي, عن شيخه سيدي: محمد بن عبد الله الكبير, عن شيخه سيدي: عبد الرحمن الفاسي, عن شيخه سيدي: يوسف الفاسي, عن شيخه سيدي احمد زروق, عن شيخه سيدي احمد بن عقبة الحضرمي: عبد الرحمن المجذوب, عن شيخه سيدي علي الصنهاجي المشهور "بالدوار" عن شيخه سيدي إبراهيم أفحام, عن شيخه سيدي يحيى القادري, عن شيخه سيدي علي بن وفا, عن أبيه سيدي: محمد بحر الصفا, عن شيخه سيدي داوود الباخلي, عن شيخه سيدي احمد بن عطاء الله, عن شيخه سيدي أبي العباس المرسى, عن شيخه سيدي: أبي الحسن الشاذلي عن شيخه القطب سيدي: عبد السلام بن مشيش, عن شيخه سيدي: عبد الرحمن المدني, عن شيخه القطب: تقي الدين الفقير "بالنصير فيهما". عن شيخه القطب: فخر الدين, عن شيخه القطب: نور الدين عن شيخه القطب: تاج الدين, عن شيخه القطب: شمس الدين, عن شيخه القطب زين الدين القزويني, عن شيخه القطب سيدي إبراهيم البصري, عن شيخه القطب سيدي احمد المرواني, عن شيخه القطب سيدي: سعيد, عن شيخه القطب سيدي: سعد, عن شيخه القطب: فتح السعود, عن شيخه القطب سيدي:سعيد الغزواني, عن شيخه القطب أبي محمد: جابر, عن أول الأقطاب سيدنا: الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن والده أمير المؤمنين سيدنا علي كرم الله وجهه الذي هو "باب مدينة العلم" "عن نخبة الوجود" ومادة عين الرحمة والجود, سيد المرسلين وخاتم النبيين, سيدنا ومولانا: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا جبريل, عن الرب الجليل جل جلاله وتقدست صفاته وأسماؤه.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: طريقتنا هذه مروية مسلسلة, قطب عن قطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن لم يكن له سلسلة أشياخه فهو مقطوع, لا يصح الاقتداء به, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر أن ما سلكه التلميذ المتقدم من المقامات والأحوال هكذا يكون سلكها شيخه, فقال:
وهكذا الشيخ على التحقيق ..... إذا كان مثل سالك الطريق
قلت: الإشارة تعود إلى التربية المتقدمة, يعني أن الشيخ المحقق كان سلك الطريق مثل ما سلكها المريد, وهذا إخبار بمعلوم, إذ لو لم يسلكها شيخه قبله ما سلكها هو, وقد تقدم في شروط الشيخ ذلك كله, والله تعالى أعلم.
ثم قال:
فمن يكن بهذه الأوصاف ..... شيخا وتلميذا فعن إنصاف
قلت: يريد أن من اتصف بهذه الأوصاف المتقدمة, بأن كان جامعا بين حقيقة وشريعة, بين جذب وسلوك, زاهدا في الدنيا, رافعا همته عن الأكوان بأسرها, فهو مستحق بأن يكون شيخا, ومن كان على قدمه من أتباعه, استحق أن يكون تلميذا علة نعت الحق والإنصاف, وإلا فلا.
ثم ختم الفصل بفذلكة ليس تحتها حكم يتعلق بالفن, فقال:
فهذه لوازم الأحكام ..... جئنا بها تترى على نظام
وما ذكرنا فهو كالقليل ..... إذا اختصرنا خشية التطويل
قلت: يعني أن هذه الأحكام التي ذكرها في هذا الفصل في تدريج المريد إلى أن يصير شيخا, وهي الأحكام التي تلزم المريد الذي يطلب الوصول, ولوازم الأحكام, من إضافة الصفة إلى الموصوف, أي فهذه الأحكام اللوازم, أي اللازمة للمريد الصديق جئنا بها تترى, أي يتبع بعضها بعضا, وإنما ذكر القليل دون الكثير, لأن كثرة التطويل موجب للملل, ومقلل للتحصيل.
وقد قالوا: التحبر مفتاح التحير.
وكان الزهري يقول: إذا طال المجلس حضره الشيطان, لأنه موجب لكثرة الكلام فيوقع في التحير, والله تعالى أعلم.
خاتمة: قال الشيخ زروق رضي الله عنه: فإن قلت: هل يصح دخول الخلوة والسلوك على هذا الأسلوب بغير شيخ؟ قلنا: نعم, ولكن يتعذر النجاح لقوة العوارض وكثرتها, فلذلك قيل: إن الشيخ واجب في هذه المجاهدة دون مجاهدة التقوى والاستقامة, وقد تقوي همة مريد في ذلك ولا يجد شيخا, فيهجم على ذلك ويتوقف في الثبات والترك على رأي أخ صالح ذي بصيرة سليمة, ثم يقوم مستعينا بالله, فإن الله سبحانه يمنحه على قدر همته بفضله, وأما الرياضيات والخلوات الاصطلاحية التي يذكرها أبو العباس البوني وغيره, فأسلمها ما يتعلق بالذكر المجرد, وقد قربه في كتابه "القبس" وذكره من غير تقييد بأكل ولا صوم ولا كيفية ولا سبب, فأعمل به إن شئت بعد تحقيق علم, وبالله التوفيق, انتهى.
قلت: طريقة الأسماء لا تخلو من حروف وحظوظ, الفتح فيها بعيد, والإخلاص فيها معدوم,
وطريق الذكر المجرد إن كان بالشيخ نهض من ساعته, وإن كان بغير شيخ, فإن كان مراده الأجور أخذه وافرا, وان كان مراده الوصول فغاية ما يصل إليه الفناء في الصفات,
وأما الفناء في الذات فلا يمكن بغير شيخ, هذا ما جرت به العادة, وإن خرقت العادة في فرد فلا يقاس عليه, والله تعالى أعلم, وبالله التوفيق, ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ثم شرع في الفصل الرابع, فقال:
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (2) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (3) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الأول في أصل التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الرابع في الرد على من رد التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (3) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الأول في أصل التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الرابع في الرد على من رد التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله