المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان الشيخ الاكبر محيي الدين ابن العربى الحاتمى الطائى قدس الله روحه :: موسوعة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي :: موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
صفحة 1 من اصل 2
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
25092018
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية :
الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية عطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين وعن سؤال غير معين.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه وغير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.
والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال.
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
ولو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وأنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد.
وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية وإذا اقتضى التفويض والسكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم.
والتعجيل بالمسئول فيه والإبطاء للقدر المعين له عند الله.
فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، وإذا تأخر الوقت إما في الدنيا وإما إلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا.
وأما القسم الثاني وهو قولنا: «ومنها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء.
فهم قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم .
ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر وهم على قسمين:
منهم من يعلم ذلك مجملا، ومنهم من يعلمه مفصلا، والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى: فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك، أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم.
ومن هنا يقول الله تعالى: «حتى نعلم» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود.
ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له وغير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:
كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها.
فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه.
وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، و ما بعده إلا العدم المحض.
فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها وليست سوى عينه.
فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: "والعجز عن درك الإدراك إدراك"، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز.
وهذا هو أعلى عالم بالله.
وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.
وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم.
وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة.
غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها كما قال لبنة واحدة.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة.
فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة.
فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط.
والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي ء.
فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر
وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، و هو قوله صلى الله عليه و سلم: «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين".
وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث.
وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى «بالولي الحميد.
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي.
وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى الله عليه و سلم مقدم الجماعة و سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعين حالا خاصا ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين.
ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص.
فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي كلها من الأسماء.
فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحماني.
وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، وهو عطاء إلهي، فإن العطاء الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض وما أشبه ذلك.
وتارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل و ما هو عليه.
فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما ومعتنى به ومحفوظا وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.
والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر.
"فأعطى كل شي ء خلقه" على يدي العدل وإخوانه.
وأسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناه- وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.
وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية.
والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، و سبب ذلك تميز الأسماء.
فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي ء يتكرر أصلا. هذا هو الحق الذي يعول عليه.
وهذا العلم كان علم شيث عليه السلام، وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف بذلك، كالجليل والجميل وكالظاهر و الباطن والأول والآخر و هو عينه ليس غير.
فيعلم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد.
وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله.
فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها، فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه:
وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه.
فمنه خرج وإليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله.
وكل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شيء، و ما في أحد من سوى نفسه شي ء و إن تنوعت عليه الصور.
وما كل أحد يعرف هذا، وأن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله.
فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى.
فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا، والمتحركة متحركا.
وقد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة، و قد تعطيه عين ما يظهر منها فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، و قد يقابل اليمين اليسار و هو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: و بخرق العادة يقابل اليمين اليمين و يظهر الانتكاس.
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا.
فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول، وإن كان يعرفه مجملا.
إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه.
ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكن ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.
ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة.
وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني .
وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد.
وتولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل بلده.
ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.
متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ:
02 . نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : اعلم أن عطيات الحق على أقسام : منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه الوهاب وهي على قسمين : هبة ذاتية ، وهبة أسمائية . فالذاتية لا تكون إلا بتجلٍ للأسماء، وأما الذاتية فتكون مع الحجاب.
ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد وهو قوله: " أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه: 50] .
فمن ذلك الاستعداد يكون العطاء عن سؤال امتثال للأمر اإلهي، وسؤال بما تقتضيه الحكمة والمعرفة لأنه أميرٌ مالك يجب عليه أن يسعى في إيضال كل ذي حقٍ حقه.
مثل قوله عليه السلام: " إن لبدنك عليك حقاً ولنفسك ولعينك .. الحديث ".
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
02 - فك ختم الفص الشيثي
1 - لما سبق ذكر سر الفص والحكمة والكلمة وسر الحروف والكلمات وسر اختصاص كلمة آدمية بنسبته الى الحضرة الالوهية، لم يبق ما يجب التنبيه عليه بموجب الالتزام إلا بيان سر اختصاص كل كلمة بالصفة والنبي المذكور بعد آدم.
2- فأقول: وأما الحكمة النفثية واختصاصها بالكلمة الشيثية: فمعرفة سرها موقوفة على استحضار مقدمة قد سبق الكلام فيها - مع وجوب التنبيه عليها هاهنا - وهو أن الحق لما ثبت أنه من حيث صرافة ذاته وإطلاقه لا يوصف بالمبدئية ولا أنه مصدر لشيء، وإن أول المراتب المتعلقة: التعين الجامع للتعينات كلها، وان له أحدية الجمع وأنه خصيص بالإنسان الحقيقي الذي آدم صورته، وجب ان يكون المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية الموصوفة بالفياضية والمقتضية للإيجاد فلزم أن يكون فص الحكمة النفثية مخصوصة بالكلمة الشيثية.
معنى لفظة شيث
3- لان معنى لفظة شيث في الأصل عطاء الله ولان النفث عبارة عن انفثاث للنفس الواحد وانبثاثه، وانه عبارة عن الوجود المنبسط على الماهيات القابلة له والظاهرة به، وهذا الفيض إذا اعتبر من حيث مشرعه ومحتده كان واحدا ويسمى بهذا الاعتبار العطاء الذاتي، لأنه صادر عن الحق بمقتضى ذاته لا موجب له سواه، وإذا اعتبر تعدد صور ذلك العطاء في القوابل وتنوعه بحسبها، سمى عطاء اسمائيا هو فك ختام سر الترجمة.
سر الختمية
4- ولما كان العطاء الاسمائى متعقل الاندراج في ضمن العطاء الذاتي لقبوله بالذات التعدد والظهور المتنوع في القوابل وبها، وجب ذكر سر الختمية في هذا الفص، لان في المقام الإنساني تنختم الدائرة الوجودية ويتحد الآخرية بالأولية.
المراتب الختمية
5- وللمراتب الختمية كمال الحيطة والاستيعاب، لان لآخريتها كمال الاستيعاب معنى وصورة وصفة وحكما وقد نبه شيخنا رضى الله عنه على ذلك بالماع لطيف وهو قوله في آخر هذا الفص: ان آخر مولود يولد في النوع الإنساني يكون على قدم شيث وأنه يولد توأما مع أخت له فأخبر بعموم الحكم الدوري صورة، كما هو الأمر في المعنى والصفة، وعين الحكم وانتهاء مقدار العطاء في الماهيات والاستعدادات المتناهية القبول، بخلاف القوابل التامة الاستعداد، فان قابليتها غير متناهية، فلها البقاء السرمدي.
6- موجب عدم صعق بعض الموجودات من الملائكة والأناسي ما ذكرناه من كمال الاستعداد القابل للفيض الذاتي على سبيل الاستمرار، ولمن هذا شأنه الرفعة عن مقام النفخ الإسرافيلى، فان النفخ لا يؤثر في من علا عنه ، بل في من نزل عن درجته .
7 - وهاهنا علوم غريبة جدا، ينبو عنها أكثر الأفهام، قل من يطلع عليها من أهل الله، أضربت عن التنبيه عليها لفرط غموضها، وشكرت الله على ما منح في الدنيا "وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى والْآخِرَة وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" 70 سورة القصص.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 11 يوليو 2019 - 18:31 عدل 1 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي :: تعاليق
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
هذا فص الحكمة الشيثية
ذكره بعد حكمة آدم عليه السلام، لأن شيث أول مولود كامل من بني آدم وهو أول الأنبياء عليه السلام قال الشيخ رضي الله عنه: (ومن ذلك)، أي من بعض تلك الحكم والكلم المذكورة.(فص حكمة نفثية) كما سبق (في كلمة شيثية).
إنما اختصت كلمة شيث عليه السلام بالنفثية، لأن الروح لها في كل جسد مسوي نفخ أمري يستعد له ذلك الجسد كما مر، وهذا عام، ثم إذا كان الجسد المسؤى المنفوخ فيه قابلا لظهور الاستواء الرحماني فيه على الوجه التام نفث فيه ذلك الروح الأمري، وهذا خاص بالأنبياء عليهم السلام والورثة من الأمة لهم نصيب من ذلك من مقام ولا يأتهم على وجه خاص غير الوجه الذي تنال الأنبياء عليهم السلام من مقام نبواتهم.
وهذا النفث نوع من أنواع الوحي، وهو نفخ مع زيادة بلل يخرج معه من النافخ بخلاف النفخ كما تقدم والبلل رطوبة منبعثة من فم النافخ إن كان له فم.
والنفخ هواء منبعث من جوف النافخ تدفعه حرارة قلبه إلى الخارج، ونفخ الروح الأمري الإلهي مشبه بذلك على التنزيه التام.
لأن الحضرة العلمية باطن الحق تعالی وفيها جميع الأشياء ملكا وملكوتا .
فلما تجلى الله تعالى باسمه الباعث بث ما في علمه في حضرة الإمكان إجمالا، فسمي هذا المبثوث الإجمالي روحا كلية وعالم الأمر، ثم تفصل منه ذلك الإجمال بتجلي آخر رحماني فسمي خلقا .
و قال الله تعالى: "ألا له الخلق والأمر" 54 سورة الأعراف. فإذا ظهر للإنسان وانكشف لعلمه الحادث التجلي الأول الأمري يسمى وحيا ولا بد معه من رطوبة جديدة .
فيقال عنه بسببها إنه نفث، وجميع الأنبياء عليهم السلام لا ينطقون عن الهوى "إن هو إلا وحي يوحى " كما قال في نبينا عليه السلام : "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" 3-4 سورة النجم. والضمير إما إلى النطق أو إلى فاعل النطق وهو نبينا عليه السلام، وكونه هو وحي يوحى على معنى ما ذكرنا، فإن روحه
المنفوخة فيه هي حقيقة نفث روح القدس في روعه كما قال صلى الله عليه وسلم عليه السلام :"نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته» الحديث.
والنطق على قسمين نطق اللسان وهو منبعث عن القلب ونطق القلب .
فنطق القلب منبعث عن الروح الأمري فهو في أصحاب القلوب وحي يوحى، وفي أصحاب النفوس وسوسة.
ثم إن آدم عليه السلام لما توجه على حواء في وقت إيداع نطفته في رحمها نطق قلبه ، بما نفث في روعه من الوحي الأمري.
فكانت نطفته بمنزلة العبادة اللفظية فترجمت معنى الوحي النفثي، وكان هذا أول ما صدر في النوع الإنساني.
ولهذا سماه شيث عليه السلام، وشيث معناه العطية ، يعني عطية الله تعالی.
ولما ظهر روح القدس في صورة بشر لمريم عليهما السلام، ونفخ فيها، خرج مع نفخه رطوبة من فم الصورة البشرية كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالی فكان عیسی مخلوق عن نفث أمري .
نظير شيث عليه السلام إلا أن شيث عليه السلام كان عن نفث في نبي نفثة باطنية. وعيسى عليه السلام عن نفث في ولي نفثة ظاهرية ، فعیسی كلمة الله الظاهرة وشيث كلمة الله الباطنة.
ولهذا قال في كلمة شيئية فنسب شیث عليه السلام إليها .
قال الشيخ رضي الله عنه : اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد و على غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية، عطايا أسمائية
وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه , و غير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين , لكل جزء من ذاتي من لطيف و كثيف.
(اعلم) أيها المريد السالك (أن العطايا والمنح) القليلة والكثيرة (الظاهرة في) هذا (الكون) الحادث (على أيدي العباد) من بني آدم وغيره من سائر الأشياء ولو جمادة يعطي خاصية أو زمانا.
كذلك (أو على غير أيديهم) كالعطايا والمنح الصادرة من الحق تعالى بلا واسطة أحد، وكل هذه عطايا إلهية ومنح ربانية وهي (على قسمين):
قسم (منها ما)، أي عطايا ومنح (تكون)، أي تلك العطايا والمنح (عطايا) ومنحة (ذاتية) منسوبة إلى ذات الحق تعالی كأحوال الذاتيين من أهل الله تعالى، فإن جميع أمورهم يأخذونها عن ذات الحق تعالى من غير واسطة اسم ولا رسم، وهي أعلى العطايا على الإطلاق، وتسميتها عطايا عندهم باعتبار تنزلها إلى حضرة الأسماء، لأن المعطي من الأسماء وإلا فهي لا اسم لها يخصها عندهم، وإن كانت عند غيرهم من الأسمائيين مسماة بأسماء على حسب رؤيتهم في مقامهم.
(و) قسم منها (عطايا) ومنحة (أسمائية) منسوبة إلى الأسماء الإلهية كأحوال الاسمائيين من أهل الله تعالى. وهذان القسمان يحصران جميع العطايا والمنح الواقعة في هذا العالم للمؤمن والكافر والعارف والمحجوب سواء علمت أو لم تعلم
(وتتميز عند أهل الأذواق العارفين) بالله تعالی خاصة، فلا يميز بينها غيرهم سواء كانوا ذاتيين أو اسمائيين.
واعلم أن الذوق حالة فوق العلم، والفرق بينهما أن العلم هو الإحاطة بأوصاف الشيء تصورا وتخيلا.
وأما الذوق فهو معرفة ذات الشيء مخالطة وامتزاجا، والممتزجان شيئان لا شيء واحد لكن بينهما غاية القرب، وقد غلط بعضهم فسمي ذلك اتحاد ولا يصح الاتحاد عندنا أبدا، لأن أحد الممتزجين إن زال وبقي الآخر فهو واحد لا اثنان اتحدا.
وإن بقيا فهما اثنان فأين الاتحاد؟
والعبد والرب لا يفترقان أبدا إذ لا وجود لعبد بلا رب ولا ظهور لرب بلا عبد، فإن زالت الوسائط الوهمية بينهما وتحقق العبد بكمال القرب فهو الامتزاج عندنا، ومعلوم أن الممتزجين لهما صورة مخصوصة في حالة الامتزاج ليست لكل واحد منهما في حالة انفراده ولا امتزاج في الحقيقة إذ لا مساواة بين العبد والرب.
فالعبد معدوم والرب موجود ولكن المعدوم إذا اقترن بالموجود اكتسب منه الوجود المناسب له.
أرأيت أن النور إذا قابل الظلمة اكسبها نورا يليق بها فيزول سوادها في عين الناظر ببياض النور المشرق عليها.
وهي في ذاتها ظلمة على ما هي عليه ثم الكشف عن هذا الامتزاج هو حقيقة الذوق المراد هنا (كما أن منها)، أي من تلك العطايا والمنح (ما يكون)، أي يوجد عند المعطي والممنوح (عن سؤال) صدر منه (في) أمر (معين) عنده (و) منها ما يكون (عن سؤال) صدر منه (في) أمر (غیر معین) عنده (ومنها ما لا يكون)، أي يوجد (عن سؤال) ملفوظ به أصلا فهذه ثلاثة أنواع (سواء كانت العطية) والمنح فيها (ذاتية أو أسمائية) كما سبق (فالمعين) الذي يقع السؤال فيه (كمن يقول) في دعائه (یا رب أعطني كذا فيعين) بإشارته (أمرا ما)، أي ذكر شيئا معينا يطلبه من الله تعالى دنيويا أو أخرويا.
(لا يخطر له) في وقت دعائه (سواه).
(و) أما (غير المعين) الذي يقع السؤال فيه فهو كمن يقول في دعائه : (یا رب أعطني ما)، أي شيئا (تعلم فيه مصلحتي) في الدنيا والآخرة (من غير تعيين) منه (لكل جزء) مما فيه مصلحة (ذاتي) له، أي متعلق بكماله الذاتي (من لطيف) روحاني كالمعرفة والشهود (وكثيف) جسمانی كالمأكل والمشرب والمنكح .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
بسكون الفاء وهي علوم الوهبية الملقاة في قلب هذا النبي عليه السلام قال الشيخ رضي الله عنه: (في كلمة شيثية) وهو لغة العبري هبة الله تعالى (اعلم ان العطايا والمنح الظاهرة) الموجودة (في الكون) أي في العالم (على أيدي العياد) كالعلم الحاصل للأنبياء والأولياء على يدي خاتم الرسل وختم الأولياء.
(وعلى غير ايديهم) كالعلم الحاصل لخاتم الرسل و خاتم الأولياء فإنه من الذات كما سيذكر وكيف كان .
وهي (على قسمين) قسم (منها ما يكون عطايا ذاتية) أي يكون منشأها التجلي الذاتي من غير اعتبار الصفة وإن كان لا يخلو عن الصفات .
(وعطايا اسمائية) أي يكون منشأها التجلي الصفاتي (ويتميز) كل منهما عن الآخر (عند أهل الأذواق) عند وصول العطايا إليه.
فيه إشارة إلى أن الفرق بينهما لطیف و دقیق بحيث لا يتميز إلا عند أهل الأذواق .
ولما بين العطايا من جانب المعطي شرع إلى بيان باعثها من طرف المعطى له وهو السؤال إذ بهما يتحقق العطايا.
فقال (كما أن منها) أي كما أن بعض العطايا (ما) الذي (يكون) يحصل بإعطاء الله تعالى (عن سؤال) أي عن سؤال العبد لفظا ربه ذلك العطايا .
وكان ذلك السؤال (في) حق عطاء (معین) بفتح الياء وإن شئت قلت عن سؤال معين بحذف في يدل عليه قوله : (وعن سؤال غير معين) فتعيين السؤال وعدم تعيينه يوجب تعيين العطاء وعدم تعيينه.
(ومنها ما لا يكون عن سؤال) بل يكون بدون سؤال لفظي سواء (كانت الأعطية ذاتية أو اسمائية) وسواء كانت على أيدي العباد و معنى غير أيديهم يعني أن القسمة من جانب المعطي لا يمنع القسمة من طرف القابل.
(فالمعين) بفتح الباء أي فالسؤال المعين (كمن يقول : يا رب أعطني كذا) .
كقولك : أعطني ولدا صالحا أو رزقا طيبا ولم يذكر أجزاء ذاته .
و كدعاء الرسول عليه السلام: "اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي سمعي نورا" الحديث فيذكر أجزاء ذاته على التعيين فقوله : أعطني كذا كناية عنهما جميعا (فیعین) هذا السائل أمرا (ما) من الأعطية (لا يخطر له) أي للسائل (سواه) أي غير ذلك الأمر.
(وغير المعين) أي السؤال العالم الشامل لجميع أنواع الأعطية وأفرادها التي فيه مصلحة السائل (كمن بقول: يا رب أعطني ما تعلم) أي العطاء الذي حصل (فيه مصلحتي) أي حاجتي (من غیر تعین العطاء لكل جزء ذاتي) للسائل سواء لم يذكر أجزاء ذاته (من لطيف) روحاني (وكثيف) جسماني .
كما قال العالم بين لطيف وكثيف أي مركب منهما كالمثال المذكور أو يذكر لكن لا على وجه التعيين بل على وجه كلي شامل لجميع أجزاء ذاته من اللطافة والكثافة.
كمن يقول: أعطني لكل جزء ذاتي من لطيف وكثيف باضافة جزء إلى الذات المضافة إلى ياء المتكلم أو بزيادة من وعلى هذا التقدير فالباء متكلم مضاف إليه ولم يذكر المصنف هذا القسم صريحا .
بل ادرج في قوله : أعطني ما فيه مصلحتي وجعله شاملا لهذا القسم لكون كل منهما غير معين وأشار إليه ثانية بقوله من غير تعيين لكل جزء ذاتي من لطيف وكثيف وإلا فالمناسب أن يقول بعد قوله : أعطني ما فيه مصلحني فلا يعين أمرأ ما .
كما قال بعد قوله : أعطني كذا فيعين أمرا ما من غير تعيين متعلق بيقول فتم السؤال الغير المعين بقوله : أي أعطني ما فيه مصلحتي .
كما تم المعين بقوله : أعطني كذا فحينئذ لا يصلح تعلق قوله : لكل جزء ذاتي بأعطني بل يتعلق بقوله : من غير تعيين
فقوله : ذاتي بتشديد الياء صفة لكل جزء سواء كان بزيادة من كما وقع في بعض النسخ أو بدونه وأما في المثال الذي أوردناه.
فكما قلناه فقوله : من غير تعيين لكل جزء ذاتى من لطيف وكثيف ليس من تتمة السؤال بل بيان للغير المعين الذي هو المثال المذكور كما أن قوله فيعين أمر ما ولا يخطر له سواه بيان للمعين.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
قوله: اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين وعن سؤال غير معين.ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه وغير المعين كمن يقول أعطني كذا ما تعلم فيه مصلحتى من غير تعيين لكل جزء من ذاتی من لطيف وكثيف.
قلت: النفث هو النفخ فكأنه يقول: إن روح القدس نفث في روعي.
والمراد بالكلمة شيث، عليه السلام، أضاف الكلمة إليه إضافة المسمى إلى اسمه عند من يريد بيان المسمى من الاسم.
والمنح هي العطايا ويجوز عطف الشيء على نفسه إذا اختلفت الألفاظ
ومثال العطايا التي على أيدي العباد: ما يهبه الناس بعضهم لبعض.
ومثال ما هو على غير أيديهم: ما يهبه الله تعالى عباده من معرفة أو علم أو غير ذلك بلا واسطة أو بواسطة ملك من الملائكة.
ومثال العطايا الذاتية: أن يكشف الله تعالی لولي من أوليائه فيحصل له الشهود الذاتي الذي فوق مراتب الأسماء والصفات والأفعال.
ومثال العطايا الأسمائية: أن يحصل للولي شهود من حضرة اسم إلهي مثل القيوم مثلا فيشهد قيومية الحق تعالى التي بها قام كل شيء ولولا قيام العالم بالقيومية الإلهية لانعدم دفعة واحدة، ولولا القيومية لما وجد.
واعلم أن الصفات والأفعال ترجع إلى الأسماء الإلهية.
قال: وتتميز هذه العطايا والمنح عند أهل الأذواق، فيعرفون العطايا الذاتية من العطايا الأسمائية، ويتميزون أيضا عطايا بعض الأسماء عن بعض وذلك لا يعرفه إلا أهل الأذواق.
والذوق عبارة عن نور عرفاني يقذفه الحق تعالی بتجليه في قلوب أوليائه يفرقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب ولا غيره. وباقي الكلام ظاهر.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
قال الشيخ رضي الله عنه: " ومن ذلك فصّ حكمة نفثيّة في كلمة شيثية " .قد ذكرنا حكمة استناد كلّ حكمة من هذه الحكم إلى الكلمة التي نسبت إليها ، فلا نعيدها إلَّا في مواضع مسيس الحاجة إليها .
وأمّا « الحكمة » فقد قال فيها الشيخ رضي الله عنه :
قال الشيخ رضي الله عنه: " اعلم : أنّ العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين :
ومنها عطايا ذاتية وعطايا أسمائية ، وتتميّز عند أهل الأذواق " .
قال العبد : الهبات والعطايا الإلهية سواء كان وصولها إلى العباد على أيدي العباد بواسطتهم أو لا بواسطة فهي إمّا ذاتية أعني ذوات الألوهية ، وهي تجليات اختصاصية من الله ، أحدية جمع جميع الأسماء الإلهية.
خصيصة بالكمّل المقرّبين وندّر الأفراد الكاملين إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلَّى تجلَّيا ، لا ذاتية ولا أسمائية من حيث حضرة حضرة بحسب قبول المتجلَّى له وخصوص قابليته ومقامه ، وهذه العطايا والتجلَّيات والأذواق والعلوم والأحوال والأخلاق متميّزة عند أهلها الذين هم أهلها يعرفونها ذوقا وكشفا .
قال رضي الله عنه : ( كما أنّ منها ما يكون عن سؤال معيّن وعن سؤال غير معيّن . ومنها ما لا يكون عن سؤال ، سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية).
يعني رضي الله عنه : أنّ هذه الأعطيات والمنح سواء كانت ذاتية أو أسمائية فإمّا أن تكون عن سؤال سائل ، أو لا عن سؤاله ، فإنّها قد تصل إلى العبد بلا سؤال لفظي ، وقد يكون بسؤال لفظي .
قال رضي الله عنه : ( فالمعيّن كمن يقول : يا ربّ أعطني كذا ، فيعيّن أمرا ما لا يخطر له سواه ) . يعني حال التلفّظ بالسؤال .
( وغير المعيّن ) بكسر الياء اسم فاعل ( كمن يقول : يا ربّ أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي ، لطيف وكثيف ) .يعني ما يناسبه ويلائمه.
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
إنما سميت الحكمة المنسوبة إلى شيث نفثية ، لأن الحق تعالى باعتبار تعينه الذاتي الجامع للتعينات كلها الذي هو علمه بذاته.
له أحدية الجمع المخصوصة بالإنسان الحقيقي المعبر عنه بآدم ، لأنه صورته وهو الوالد الأكبر الأول ،فلزم أن يكون المولود الأول من مرتبة المفيضة التي تليه.
فهو الإيجاد المسمى بالنفث الرحمانى والنفث بث النفس الواحد.
وذلك هو الوجود الخارج المنبسط على الماهيات القابلة له الظاهرة به وهو إذا اعتبر من حيث أنه واحد أي من حيث حقيقته كان اسم النور من أسماء الله المخبر عنه في التنزيل
بقوله تعالى :" الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ ".
- وباعتبار وقوعه على القوابل والمحال وعروضه للماهيات ، سمى الظل الممدود في قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ".
وبهذا الاعتبار يسمى العطاء الذاتي ، لأن هذا الفيض من حيث حقيقة الواحدية اسم الله تعالى ليس بينه وبين الذات واسطة .
وباعتبار تعدده وتنوعه في القوابل وتعينه بها كان عطايا اسميا ومعنى لفظة شيث : عطاء الله ، ولما كان حصول الوجود في الأشياء إنما يكون بالإيجاد الذي هو انبثاث النفس الرحمانى . سميت حكمته حكمة نفثية ، وهو العلم بالأعطية الحاصلة بالنفث .
ومن هذا ظهر انقسام العطايا إلى القسمين المذكورين ، كما قال الشيخ قدس الله روحه:
قال الشيخ رضي الله عنه: " اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدى العباد وعلى غير أيديهم على قسمين ،منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية ويتميز عند أهل الأذواق ، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين وعن سؤال في غير معين ، ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية وأسمائية ، فالمعين كمن يقول : يا رب أعطنى كذا ، فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه ، وغير المعين كمن يقول : أعطني ما تعلم فيه مصلحتى "
لأن كل ما لم يكن بينه وبين الذات واسطة أو وسائط كان إعطاء ذاتية .
وكل ما كان بينه وبين الذات واسطة أو وسائط كان إعطاء أسمائية .
والذوق يحكم بالامتياز ويدرك العطاء الأسمائى في ضمن العطايا الذاتي والعقل يعقل العطاء الذاتي في ضمن الأعطية الأسمائية .
قوله فالمعين بكسر الياء أي السائل المعين ، كمن يقول أو بفتحه أي السؤال المعين ، كسؤال من يقول على الإضمار .
ولما قسمها إلى الذاتية والأسمائية وأحال التمييز إلى الذوق قسمها باعتبار آخر إلى أقسام مدركة بالحس ، وشبه التقسيم المذكور في امتياز الأقسام به لا باعتبار آخر .
أي يتميز القسمان المذكوران بالذوق كما تتميز هذه الأقسام بالعقل بل بالحس وكلامه ظاهر إلى قوله: ( من غير تعيين لكل جزء ذاتى من لطيف وكثيف ) أي من غير تفصيل لما أجمله في قوله أعطنى ما تعلم فيه مصلحتى.
فإن ما تعلم مجمل يحتمل اللطيف أي الروحاني كالعلم والحكمة ، والكثيف أي الجسماني كالمال والولد أو مجموعهما لا يخطر شيئا من الأشياء المعينة بباله .
وفي بعض النسخ :
لكل جزء من ذاتى لطيف وكثيف ومن بيانية والمراد بالذاتي ما تحقق حقيقة المطلوب وذاته ، فإن ما تعلم فيه مصلحتى أمر عارض لكل عطاء مطلوب.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
قال رضي الله عنه : "النفث" لغة إرسال النفس رخوا. ويستعمله أرباب العزائم عقيب الدعاء لزوال المرض.
وهنا استعارة عن إلقاء الحق العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في روع هذا النبي وقلبه.
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها. ألا، فأجملوا في الطلب". - الحديث.
ومعنى "شيث" في اللغة العبرانية، "هبة الله" تعالى. وهو أول من وهبه الله
تعالى آدم بعد تفجعه. وهو أول من وهبه الله تعالى على فقد هابيل فعوضه الله تعالى عن هابيل شيث.
ولما كان آدم تعينا أوليا إجماليا مشتملا مرتبته على جميع مراتب العالم وأراد الله أن يبين ويفصل ذلك الإجمال بحسب "النفس الرحماني" الذي هو عبارة عن انبساط الوجود على الأعيان الثابتة من حضرة "الوهاب" و "الجواد" الذين عليهما يتفرع "المبدئ" و "الخالق" وكان يعد المرتبة الإلهية المرتبة المبدئية والموجودية وهي لا تحصل إلا بنفث النفس الرحماني في الوجود الأعياني ليكون ظاهرا كما كان باطنا، أورد الحكمة الإلهية وخصصها بالكلمة "الشيثية"التي هي بعد التعين الأولى ومظهر التجلي الجودي، فطابق اسمه مسماه.
ولما كان تعينه بحسب الفيض الجودي والمنح الوهبي، شرع (رض) في تحقيق العطايا وبيان أقسامها:
فقال رضي الله عنه : "اعلم، أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون" أي، الحاصلة في الوجود الخارجي. (على أيدي العباد) أي، بواسطتهم، كالعلم الحاصل
للمتعلم والمريد من المعلم والشيخ، وكالحاصل للكمل بواسطة الملائكة وأرواح الأنبياء، عليهم السلام، والأقطاب بعدهم. (وعلى غير أيديهم) كالعلم الحاصل لهما من باطنهما من غير تعليم المعلم وإرشاد الشيخ، بل من الوجه الخاص الذي يلي الحق المتجلى به لكل موجود.
ويجوز أن يراد بقوله رضي الله عنه :: (على أيدي العباد وعلى غير أيديهم) الأسباب الظاهرة فقط.
(على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية، وتتميز عند أهل الأذواق) أي، ينقسم على قسمين: عطايا ذاتية، وعطايا أسمائية.
والمراد بالعطايا الذاتية ما يكون مبدأه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات معها، وإن كان لا يحصل ذلك إلا بواسطة الأسماء والصفات، إذ لا يتجلى الحق من حيث ذاته على الموجودات إلا من وراء حجاب من الحجب الأسمائية. وبالأسمائية ما يكون مبدأه صفة من الصفات من تعينها وامتيازها عن الذات.
وللأول مراتب:
أولها، (الفيض الأقدس) الذي يفيض من ذاته على ذاته، فيحصل منه الأعيان واستعداداتها وثانيها، ما يفيض على الطبائع الكلية الخارجية من تلك الأعيان.
وثالثها، ما يفيض منها على أشخاصها الموجودة بحسب مراتبها.
وهذه العطايا الذاتية لا يزال يكون إحدى النعث كقوله تعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".
وبحسب الأسماء والصفات ومظاهرها، التي هي القوابل، يتكثر ويتعدد.
والعطايا الأسمائية بخلافها، إذ الصادر من الاسم (الرحيم) يضاد ما يصدر من (المنتقم) لتقيد كل منهما بمرتبة معينة. ومصدر العطايا الذاتية من حيث الأسماء هو الاسم (الله) و (الرحمن) و (الرب) وغيرها من أسماء الذات. وقد تقدم بيانها في فصل الأسماء.
وأهل الكشف والشهود يفرق بينهما عند حصول الفيض والتجلي، ويعرف منبع فيضانه بميزانه الخاص له الحاصل من كشفه.
والمراد بأهل الذوق من يكون حكم تجلياته نازلا من مقام روحه وقلبه إلى مقام نفسه وقواه، كأنه يجد ذلك حسا فيدركه ذوقا، بل يلوح ذلك من وجوهم.
قال تعالى: "يعرف في وجوههم نضرة النعيم". وهذا مقام الكمل والأفراد، ولا يتجلى الحق بالأسماء الذاتية إلا لهم.
(كما أن منها) أي، من العطايا.
(ما يكون عن سؤال) أي لفظي. (في معين وعن سؤال في غير معين) شبه إنقسام العطايا بالذاتية والأسمائية من جهة الفاعل بانقسامها بالقسمين من جهة القابل:
أحدهما ما يكون عن سؤال، أي عن طلب العبد، إما في أمر معين كطلب العلم واليقين، أو غير معين كما يقول:
اللهم أعطني ما فيه مصلحتي، فإنك أعلم بحالي وما فيه صلاحي.
وثانيهما قوله: (ومنها ما لا يكون عن سؤال) أي، سؤال لفظي.
فإن السؤال لا بد منه إما بلسان القال أو الحال أو الاستعداد.
قال رضي الله عنه : (سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.) (الأعطية) جمع (عطاء)، كالأغطية جمع (غطاء.)
قال الشيخ رضي الله عنه: (فالمعين كمن يقول: يا رب أعطني كذا. فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه) أي،سوى ذلك الأمر. (وغير المعين كمن يقول: يا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي المعين) بفتح الياء.
أي، فالسؤال المعين كسؤال من يقول: يا رب أعطني كذا. وبالكسر، على أنه اسم فاعل، لا يناسب ما ذكره في التقسيم وهو قوله: (ما يكون عن سؤال في معين) .
وإن كان مناسبا لقوله: (كمن يقول يا رب أعطني) ولايحتاج إلى تقدير السؤال.
(من غير تعيين لكل جزء ذاتي من لطيف وكثيف) أي، بلا تعيين للأجزاء المنسوبة إلى الذات، اللطيفة الروحانية، كالروح والقلب والعقل وقواها، أو للأجزاء الكثيفة البدنية، كالقلب والدماغ والعين.
كما عين النبي، صلى الله عليه وسلم، في دعائه بقوله: (اللهم، اجعل لي في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا...) - الحديث.
وفي بعض النسخ: (لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف).
أي، كمن يقول: أعطني لكل جزء من ذاتي ما فيه مصلحتي من غير تعين المطلوب من لطيف وكثيف ففيه تقديم وتأخير.
وقوله رضي الله عنه: (لكل جزء) متعلق بـ (أعطني). وعلى الأول متعلق ب (تعيين). وقوله: (من غير تعيين) أي، للمطلوب.
وقوله رضي الله عنه: (من ذاتي) هو بتخفيف الياء، على الإضافة، لا بتشديدها الذي هو مرادف لجزء الماهية، لأنالجزء أظهر منه ولا يبين الأظهر بالأخفى.
وليس المراد بالذاتي هنا جزء الماهية ولا الأعراض الذاتية التي لها.
فقوله: (من ذاتي) صفة (لكل جزء). فـ (من) في قوله: (من ذاتي) للتبعيض.
وفي قوله رضي الله عنه : "من لطيف وكثيف" للبيان. والمبين يجوز أن يكون (ما) في قوله: (ما فيه مصلحتي) ومعناه: أعطني لكل جزء منذ اتي ما فيه مصلحتي من لطيف، كالعلوم والمعارف والأرزاق الروحانية، وكثيف، كالمال والولد والأرزاق الجسمانية.
ويجوز أن يكون المبين (لكل جزء) أي، لكل جزء من لطيف كالروح والقلب، وكثيف كأعضاء البدن. كما مر أولا. والظاهر أن تشديد (الياء) وحذف (من) تصرف ممن لا يعرف معنى كلامه.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 11 يوليو 2019 - 18:44 عدل 4 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
أي: ما يتزين به، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالنفث الإلهي المسمى بالنفس الرحماني الذي به ظهرت آثار الأسماء الإلهية بطريق التنفس عنها لكونها حينئذ في تلك الأسماء بالقوة، فكانت كالكرب.
"النفث: بسكون الفاء والثاء المثلثة إرسال النفس وجوامع رتق، فلا يكون النفث إلا ريحا لا بد من ذلك، حتى يعم: أي يشمل المادة والصورة فكما أعطاه من روحه بريحه، أعطاه من نشأته الطبيعية من ريقه، فجمع له الكل في النفث بخلاف النفخ، فإنه ريح مجردة.
فالنفث هنا عبارة عن إفاضة النفس الرحماني الذي يحيي به كل موجود وعلى قلب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم."
فأخرجها بطريق التنفس ونسب النفس إلى الرحمن؛ لأنه الاسم الكلي الذي به ظهرت تلك الآثار المسماة بالعطايا والمنح والهبات، ولم يكن ظهور الأسماء بذلك؛ لأنها لم تكن كالكرب في الذات لظهورها لها أزلا وأبدا .
بخلاف آثارها المتوقفة على وجود الحوادث، ظهر ذلك العلم بزینتیه وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى شيث عليه السلام ؛ لأنه أول من ظهر بهذا العلم، وهو الممد لكل من يتكلم فيه بعده غير الخاتم، وكان عطاء کاملا لأدم عليه السلام ؛ لأنه أول نبي في ذريته.
ولهذا سمي شيثا؛ لأن معناه بالعبرية هبة الله، وكان خروجه من آدم كخروج النفس؛ لأنه أول من ظهر سره فتم فيه هذا المعنى من حيث ذاته وعلمه واسمه وإمداده وحصوله من أبيه.
قال رضى الله عنه : "اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد و على غير أيديهم على قسمين:منها ما يكون عطايا ذاتية عطايا أسمائية
و تتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه و غير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف و كثيف."
(اعلم أن العطايا والمنح) الفرق بينهما أن العطايا تختص بما يوهب فيه الأصل، والمنافع والمنح تعم ما يوهب فيه المنفعة وحدها، إذ يقال: المنحة للناقة التي يباح لبنها سنة ثم يرد إلى مالكها.
(الظاهرة في الكون) أي: الزائدة على أصل الوجود ولوازمه، فإنها من صور الأسماء، والمراد هنا آثارها (على أيدي العباد وعلى غير أيديهم)، ذكر ذلك ليشعر من أول الأمر أن العطايا الذاتية يجوز كونها بالواسطة إذ لا تأثير لها، وإن كانت السنة الإلهية جارية بفعل المسببات عند تحقق أسبابها، لكن ليس فعله بها.
قال الشيخ رضي الله عنه: (على قسمين: عطايا ذاتية) أي: منسوبة إلى الذات لعدم الاسم الذي هو الواسطة، أو لانتسابها إلى اسم تارة وإلى آخر أخرى فتنسب إلى الأصل، وليس المراد ما يكون بلا واسطة أصلا، لأن الذات من حيث هي غنية عن العالمين.
(وعطايا أسمائية) منسوبة إلى اسم معين؛ فلا تنسب إلى الذات، وإن كانت أصلا ليظهر بذلك جهة نسبتها إلى الذات لتيسير تحصيلها بتلك الجهة بدعوة ذلك الاسم.
(وتتميز) هذه العطايا (عند أهل الأذواق) لعسر إقامة البرهان العقلي على بيان انتساب كل عطاء إلى ما نسب إليه من اسم أو غيره، بل إنما يعرف ذلك بالذوق والوحيد إن ثم شبه هذا التغيير وعدمه من جهة الفاعل القابل من جهة القبول، فقال: (كما أن منها ما يكون عن سؤال في) أمر (معين) .
ومنها ما يكون (وعن سؤال في) أمر (غیر معین) لكن لم يصرح بقوله: ومنها؛ لأنهما كقسم واحد، فإن ما ينسب إلى اسم غير معين حقه ويجعل من العطايا الأسمائية إلا أن المقصود من تلك النسبة وهو تيسر تحصيل ذلك المطلوب عن دعوة ذلك لما تعذر ها هنا نسب إلى الذات من حيث أنها الأصل.
فالذاتي الحقيقي ما لا ينتسب لاسم لخفائه، وهو المشار إلى ما شبه به هو بقوله: (ومنها ما لا يكون عن سؤال) في معين، ولا في غير معين، وسيصرح بكونه هو القسم الثاني.
ثم أشار إلى أنه وإن شبه الأسماء شبه بما يكون عن سؤال في معين، والذاتي بما يكون عن سؤال في غير معين أولا عن سؤال فالمشبه به إذا كان عن سؤال في معين لا يلزم وإن يكون عطاء أسمائنا.
وكذا ما يكون عن سؤال في غير معين أو عن سؤال إن يكون عطاء ذاتيا بل السؤال في معين وغيره وعدمه يعم الكل.
فقال: (سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية) فإن كون الحاصل عن السؤال في معين مشبها به للعطاء الاسم لا يستلزم كونه عطاء اسميا.
وكذا كون الحاصل عن السؤال في غير معين أولا عن السؤال مشبها به للعطاء الذاتي لا يستلزم كونه عطاء ذاتيا.
ثم مثل المشبه به بعد الإشارة إلى أنه لا يمكن تمثيل المشبه، بل إنما يتميز عند أهل الأذواق.
فقال: (فالمعين) أي: فالمسئول فيه المعين (كمن) أي: كمسئول من (يقول: يا رب أعطني كذا، فيعين أمرا ما) بشخصه ويستلزم ذلك جميع ذاتياته وأعراضه المشخصة وغيرها.
ثم بالغ في تعيينيه بقوله: (لا يخطر له سواه) مما دل عليه لفظه بالتضمن أو الالتزام مما يدخل تحت كليات هذه هي المفهومات التضمنية أو الالتزامية، (وغير المعين كمن يقول: يا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي) ، فيذكر عرضا عاما للمسئول عنه
(من غير تعيين لكل جزء)، أي: لشيء من أجزائه (من ذاتي) فضلا عن الأعراض فضلا عن مشخصاتها (من كثيف) کالأجزاء العقلية مثل الحيوان الناطق للإنسان (ولطيف) کالأجزاء الحسية كالوجه والرأس والرقبة له، وهذا مبالغة في عدم التعيين، إذ هو بالأعراض المشخصة الكائنة بعد الأعراض اللاحقة للأجزاء الذاتية، فإن لم يتعرض للأسبق لم يتعرض لما بعده أصلا، ولما فرغ عن بيان حرية قبول المسئول فيه؛ شرع في بيان جهة السؤال تنبيها على أنه لابد من جهة الفاعل هي أسماؤه حتى في العطايا الذاتية على ما تأتي الإشارة إليه في أنه لا بد من سؤال الاستعداد وجهة في القابل في القبول، وهي سؤاله وجهة توجب ذلك السؤال فيه.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن. ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية. فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
و وجه اختصاص هذه الحكمة بشيث هو أنها كاشفة عن وجوه امتیاز قوالب القوابل بحسب ما تطلبه ألسنة استعداداتهم من عطايا الحقائق الشهودية وعوارف المعارف الوجودية ، فهو أول ما يتولد من الوالد الأكبر .وأيضا الشيث : هبة الله - لغة - وهي التي فتح بها أبواب خزائن الكمالات ، شهودية كانت أو وجودية .
وهاهنا تلويح من الرقوم : وهو أن الحرفين (ش ث) الذين قد استكمل فيهما سائر الكمالات الشهودية والثبوتية ، قد اشتمل عليها « شیث »، وهي الكلمة الجامعة لخصوصيات بني آدم ، الفاصلة لأحكامها الامتيازية ، الحاصلة من النفث الوجودي والنفس الرحماني ؛ ولذلك بين في هذا الفص أمر الخاتمين ، وانساق الكلام فيه إلى من انختم به باب هذا النوع من الظهور - ولا تغفل عن العقدين أيضا .
وإذا كان المقصد الأقصى في هذا الفص إنما هو الفحص عن مراقي كمالات بني آدم ، والاستقصاء في مواقف معارفهم ومواطن أذواقهم ومشاربهم من مبادئ أصل شجرة ظهور تلك الكلمة إلى نهاية استواء ثمرتها ، وذلك هو الذي لوح إليه الحرفان الظاهر بهما ياء الجمعية ، أعني شين الشجرة وثاء الثمرة .
على ما أفصح عنه الكلمة الشيثية الكاشفة عن القابل ، الذي جمع في ياء نسبته الأصلية الجمعية خصوصيتي شين الشجرة وثاء الثمرة .
وكأنك وقفت عليه عند الكلام في القبضتين - أشار إلى تقسيم يخرج صنفا صنفا منهم ، و يبين وجوها يتمايز بها بعضهم عن البعض ، تمايزا ذاتيا .
فإن أسئلة السائلين هي الأصل المقوم لخصوصيتها المترتبة عليها ، مبتدءا من الأصل الأنزل ، متدرجا في تلك المواقف ، و مترقيا في مدارج كمالها إلى الحضرة الختمية - بقوله :
( اعلم ان العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم ) - أي سواء كان بواسطة أو بغير واسطة - ( على قسمين : منها مایکون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية) فتكون القسمة مربعة.
"وتتميز" الأقسام كلها " عند أهل الأذواق "، ضرورة أن ذوي العقول وأرباب الأنظار الفكرية إنما يستوهبون المطالب من الأسباب المعدة ، و يسلكون مسالك الأقيسة الموصلة إليها ، فهم محجوبون عن العطايا الذاتية والمواهب المقدسة عن التوسل بالوسائط .
وأيضا قولهم بالعلية ينافي ما يكون من أيدي العباد أن يروه من العطايا الذاتية ، وهو أحد الأقسام المذكورة .
قال رضي الله عنه : ( كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين ، وعن سؤال غير معين، و منها ما لا يكون عن سؤال ) فهذه ثلاثة أقسام في الأربعة ، يحصل منها اثنا عشر صنفا، وإلى ذلك أشار بقوله : (سواء كانت الأعطية ذاتية ، أو أسمائية) .
" فالمعين" من السائلين "كمن يقول : يا رب أعطني كذا ، فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه ".
( وغير المعين ) منهم ( كمن يقول : يارب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء ذاتي) روحانيا كان ذلك الجزء الذاتي من الغذاء المقوم له أو جسمانيا ، ( من لطيف ) العلوم والمعارف ، والأعمال المصفية للقلب ، المنورة للروح ، الهادية إليها.
( وكثيف ) کالمشتهيات و المستلذات ، وسائر الأغذية والأفعال المكدرة للقلب ، المظلمة للروح ، المظلة عن نحوها ؛ فلا يعين شيئا من ذلك في دعائه .
كما قيل :
وكلت إلى المحبوب أمري كله …. فإن شاء أحياني وان شاء أتلفا
وهذا مقام الواصلين إلى جماء الحب ولواء الولاء ، كما قيل :
ما بين ضال المنحني وظلاله …. ضل المتيم واهتدى بضلاله
وهذه الأقسام كلها باعتبار المعطى والمسؤول ، وباعتبار السائلين له تقسیم أخر إليه أشار بقوله:
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية. فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.)
النفث : لغة إرسال النفس رخوا. وههنا عبارة عن إرسال النفس الرحماني
أعني : فاضة الموجود على الماهيات القابلة له والظاهرة به ، أو عن إلقاء العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في نوع من أستعد لها. أي: قلبه.
فالحاصل : أن خلاصة العلوم المتعلقة بالعطايا الحاصلة من مرتبة الغياضية والمبدئية و محل انتقاشها وهو القلب.
أو خلاصة العلوم الحاصلة على سبيل الوهب والتفضل لا على سبيل الكسب والتعمل.
أو محل انتقاشها متحققة في كلمة شيثية أحدية جمع روحه ويديه.
وإنما خصت الحكمة نفثية بالكلمة الشيثية، لأن ثبث عليه السلام كان أول إنسان حصل له العلم بالأعطيات الحاصلة من مرتبة المصدرية والمفيضية ونزلت عليه العلوم الوهبية.
ولما كانت أول المراتب المتعلقة التعيين الجامع للتعينات كلها وله أحدية الجمع وكانت المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية والفیضانية التي هي عبارة عن نفث النفس الرحماني في الماهيات القابلة.
وكان آدم عليه السلام صورة المرتبة الأولى كما كان شيث عليه السلام عالما بالعناية الحاصلة من المرتبة الثانية علما وهبيا قدم المعنی الآدمي في الذكر وجعل الفص الشيثي يتلوه موافقا للوجود الخارجي بتقسيم تلك العطايا.
قال رضي الله عنه : "اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد و على غير أيديهم على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية عطايا أسمائية و تتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين. و منها ما لا يكون عن"
فقال رضي الله عنه مبتدئا : (اعلم أن العطايا) جمع عطية (والمنح) جمع منحة وهي العطية (الظاهرة في الكون ) مطلقة بل في الكون الجامع كما تدل عليه التقسيمات الآتية وغيرها الواصلة إلى مستعديها (على أيدي العباد).
أي بواسطة العباد المنفقين مما رزقهم الله تعالى من البشر كانوا أو من غيره .
كالعلم الحاصل للمتعلم من المعلم وللكمل بواسطة الملائكة والأرواح البشرية الكاملة (أو على غير أيديهم وهي على قسمين) أي بغير واسطتهم كما إذا تجلى الحق سبحانه بالوجه الخاص وأورث ذلك التجلي علما ومعرفة .
ويجوز أن يقال : معناه الظاهر مطلقا وعبر واسطتها.
(منها ما يكون عطايا ذانية) منسوبة إلى ذات أحدية جمع جميع الأسماء الإلهية من غير خصوصية صفة دون صفة إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلى تجليا (و) منها ما يكون (عطايا اسمائية) يكون مبدؤها خصوصية صفة من الصفات من حيث تعينها وتميزها عن الذات وسائر الصفات.
(وتتميز) العطايا الذاتية والأسمائية كل واحدة من الأخرى (عند أهل الأذواق) الذين دأبهم معرفة الحقائق ذوقة وكشفا لا نظرة وكسبأ .
و بهذين القسمين صارت القسمة مربعة .
قال رضي الله عنه : " كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية. فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه . و غير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي لطيف و كثيف. "
ثم أشار إلى تقسيم آخر وقال (كما أن منها)، أي من العطايا (ما يكون عن سؤال) صوري (في) مسؤول (معین و) عن (سؤال غير معین) بإضافة السؤال إلى غير أو بنوصيفه به على أن يكون وصفة حال المتعلق أي سؤال غير معين مسؤوله.
وفي بعض النسخ:
وعن سؤال غير معین (ومنها ما لا يكون عن سؤال) صوري فإن العطاء لا بد له من سؤال.
إما بلسان المقال أو الحال أو الاستعداد (سواء كانت العطية) الحاصلة على الوجوه الثلاثة أي على كل واحد منها (ذاتية أو أسمائية) .
وإنما أعاد ذلك تنبيها على أن هذين القسمين يجريان في كل من الوجوه الثلاثة، وبضرب الأقسام الأربعة السابقة في هذه الوجوه الثلاثة يحصل اثني عشر قسما (فالمعين كمن يقول)، أي فالمسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني كذا فيعين أمرأ ما) من الأمور كالعلم والمعرفة وغيرهما.
قال الشيخ رضي الله عنه: (لا يخطر له) بالقلب عند السؤال (سواه)، أي سوى ذلك الأمر .
(وغير المعين كمن يقول)، أي وغير المسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي).
وقوله : (من غير تعيين)، أي من غير تعيين مسؤول معين من كلام الشيخ لا من كلام السائل .
كما كان قوله : فيعين أمر ما في المسؤول المعين من كلامه لا من كلام السائل.
وقوله : (لكل جزء ذاتي)، أي أحدية جسمي و روحي من كلام السائل والمراد به الإشارة الإجمالية إلى ما فصله النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه.
حيث قال : "اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا " حديث البخاري، ولا وجه تتعلق اللام في لكل جزء إلى التعيين وإن فرض أنها من كلام متكلم واحد.
إذ المراد ههنا تعيين المسؤول لا المسؤول له وقوله : (من لطيف) روحاني (وكثيف) جسمانی بیان الجزء ولو جعل بيانا لما تعلم فيه مصلحتي.
فاللطيف هو الأغذية الروحانية كالعلوم والمعارف والكثيف هو الأغذية الجسمانية كالأطعمة والأشربة.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف. )
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
كان النص الأول في بيان مراتب الوجود حقّا و خلقا . و هذا النص في بيان مراتب العلم خلقا و خلقا .( النفث) بسكون الفاء و الثاء المثلثة إرسال النفس و جوامع رتق، فلا يكون النفث إلا ريحا لا بد من ذلك، حتى يعم: أي يشمل المادة و الصورة فكما أعطاه من روحه بريحه، أعطاه من نشأته الطبيعية من ريقه، فجمع له الكل في النفث بخلاف النفخ، فإنه ريح مجردة .
فالنفث هنا عبارة عن إفاضة النفس الرحماني الذي يحيي به كل موجود و على قلب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
""أضاف المحقق : هم این صفوة الله آدم أبي البشر عليه السلام من غير واسطة وهو وصيه.
حكى أن بعض الصلحاء رآه في المنام، فأراه الموضع الذي هو مشهور عندنا بأنه قبره، فحفر عليه فيخرج له قبر قديم، فبني عنده مشهدا و مسجدا، وهو قريب من السور جنوبي الموصل في طريق الواردين إلى دجلة.
روی مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: هو بالسريانية: شات، و بالعبرانية : شیث.
و روی میمون بن مهران عن ابن عباس قال: لما مضى من عمر آدم عليه السلام مائة وثلاثون سنة ، وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين، ولدت له حواء شيثا، وتفسيره هبة الله يعني أنه خلف من هابیل.
علمه الله ساعات الليل والنهار، وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منها، وأنزل عليه خمسين صحيفة، وصار وصي آدم، وولي عهده.
وذكر أبو الحسن أحمد البلاذري قال:
لما قتل هابيل ولدت حواء لآدم شيثا، فقال آدم عليه السلام : هذا هبة الله، وخلف صدق من هابيل، ولما وضعته حواء أخذته الملائكة، فمكث عندهم أربعين يوما، فعلموه ثم ردوه إليها.
وقال مقاتل: أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة، وإليه ينتهي أنساب بني آدم؛ لأن جميع النسل انقرض ولم يبق إلا نسله.
وأنزل الله تعالى مائة كتاب، وأربع كتب أنزل منها على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة عليهم السلام أجمعين، وأنزل التوراة، والزبور، والإنجيل، والفرقان، وكان شيث أفضل أولاد آدم وأشبههم بأبيه وولي عهده، وهو أبو البشر كلهم. وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة يعني أنه رث فجدده.
ولما مات آدم عليه السلام جاء إلى مكة زيدت شرفا، فأقام يحج ويعتمر ، في أيام شيث عليه السلام توفيت حواء بعد آدم عليهما السلام بسنة، فدفنتها معه في غار الكنز.
فلما جاء الطوفان حملهما نوح عليه السلام في السفينة، ثم ردهما إلى مكانهما .
قال علماء السير : أقام يعمر الأرض، ويقيم الحدود على المفسدين، كما كان يفعل والده، حتى توفي وهو ابن سبعمائة واثني عشر سنة، واختلفوا في أي مكان توفي فيه على أقوال:
أحدهما: بالهند قاله مجاهد.
والثاني: بمكة شرفها الله تعالى؛ لأنه لم يفارقها بعد وفاة أبيه قاله مقاتل.
قال: وكان له يوم مات آدم عليه السلام مائتان وخمسون سنة، ودفن بغار الكنز مع أبيه.
وببلد بعلبك مزار يقال أنه قبره. وفي بلدتنا هذا المرقد الشريف، يقال أنه قبره والله أعلم بحقيقة الحال، والواجب على المسلمين احترام قبور الأنبياء عليهم السلام في أي مكان كانت.
وانظر في تفسير القرطبي (1/180)، و تاريخ الطبري (1/96)، والانتصار (ص 511) بتحقيقنا.أهـ ""
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه وسلم : " إنّ روح القدس نفث في روعي" الحديث رواه البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية.
وأمّا الشيث بلسان العربي و لحنه هبة الله، لما أراد الله تفصيل إجمال آدم بمقتضى النفس الرحماني بسط الوهّاب الجود على الأعيان، و أظهر مرتبة المبدئية و الموجدية بأكمل العيان، و هي: نتيجة النفس بالهبة منه و الامتنان .
و إنما اختصّ النفس في روع شيث للمناسبة لأنه هبة الله و لا يحملها إلا هبة الله كما قيل لا يحمل عطاياهم إلا مطاياهم، فهو مثاني التعيين الكمالي أوّل التفصيل .
فلما كانت العطايا التي ظهرت في الوجود على مقتضيات متعددة منها : ذاتي و غير ذاتي.
أشار رضي الله عنه إلى تفصيلها و قال الشيخ المصنف :
[اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد، و على غير أيديهم على قسمين: منها ما تكون عطايا ذاتية، و عطايا أسمائية، و تتميز عند أهل الأذواق . كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال في غير معين . و منها ما لا يكون عن سؤال . سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية . فالمعين كمن يقول: يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه، و غير المعين كمن يقول: يا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي من لطيف و كثيف] .
( اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون ): أي العالم فدخل فيه عالم الغيب الإضافي كعالم الأرواح و الشهادة .
إنما خصص رضي الله عنه المنح بالظاهرة في الكون لأن المنح التي هي مقتضى الأسماء المستأثرة يكون بحكمها مستأثرة في الذات، و هي مظاهر تلك الأسماء لو ظهرت و لها البطون بدوام الباطن، فالمنح و العطايا التي نحن بصدد بيانها بحكم الاسم الظاهر على أيدي العباد: أي الظاهرة على أيديهم، كالأرواح و الملائكة و الأنبياء عليهم السلام و المشايخ والأئمة رضي الله عنهم، وغير ذلك كالشجرة لموسى عليه السلام.
( و على غير أيديهم) كالمنح و العطايا التي تحصل بلا واسطة منه تعالى من الوجه الخاص .
و قد أخبر أبو يزيد الأكبر قدّس الله سره نفسه بهذا عن المقام أعني: الأخذ عن الله بلا واسطة أنه ناله .
و قال فيما روي عنه أنه يخاطب علماء زمانه:
أخذتم علمكم ميتا عن ميت و أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت بل قد أشار الشرع في التعريف بهذا .
فقال: ما من أحد من المؤمنين إلا و لا بد أن يناجي ربه وحده ليس بينه و بينه ترجمان فيضع كتفه عليه و هو عموم رحمته به.
ذكره الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر و خمسمائة من الفتوحات: و لكن هنا نكتة أخرى سأظهرها لك إن شاء الله تعالى .
فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه: اعلم أيدنا الله وإياك بِرُوحٍ مِنْهُ أن الله يعطي عباده منه إليهم وعلى أيدي الرسل فما جاءك على يد الرسول فخذه من غير ميزان وما جاءك من يد الله فخذه بميزان فإن الله عين كل معط وقد نهاك أن تأخذ كل عطاء وهو قوله وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فصار أخذك من الرسول أنفع لك وأحصل لسعادتك .
فأخذك من الرسول على الإطلاق ومن الله على التقييد .
فالرسول مقيد والأخذ مطلق منه والله مطلق عن التقييد والأخذ منه مقيد .
فانظر في هذا الأمر ما أعجبه فهذا مثل الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ فظهر التقييد والإطلاق في الجانبين.أهـ
و هو قوله تعالى: "و ما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ و ما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا" [ الحشر: 7]، فصار بالنسبة إلى العموم الآخذ من الرسول و أولى لأنه سبحانه أخبر عن نفسه سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، فمن أراد له السلامة من مكر الله فلا يضع ميزان الشرع من يده .
منها: (ما يكون عطايا ذاتية) و هي إذا نسبت إلى الوهاب الحق سمّيت ذاتية لأنها تقتضي الذات لا موجب لها غيرها فهي و تريد لا تعدّد فيها و لا تفصيل و لا تميز. و إنما يتميز و يتعدد من نسبتها .
( و عطايا أسمائية) و إن كانت كلها أسمائية لأن مقتضاها الأسماء و تعدّدت بتعدّد القوابل، و من تعدّد القوابل ظهرت الكثرة في الأسماء و العطايا .
فالعطاء و تري أحدي في الأصل، و الاختلاف من قبل القابل كما ترى الشمس نورها أحدي و تري، و الاختلاف بحسب القوابل صاف، و أصفى لطيف و ألطف، و كالقصار فإن الشمس تبيض شعثه، و تسوّد وجهه .
و كما ترى في النفخة الواحدة تشعل الحشيش الذي فيه النار، و تطفئ المصابيح مع أن الإمداد من الممد واحد .
( و يتميز عند أهل الأذواق ): أي تتميز تلك العطايا الذاتية بعضها عن بعض عندهم فإنهم يفرقون بينها من عند فيضان الوجود بالعلوم و المعارف لأنهم على كشف منه، يرون مصدره و منبعه مع الذوق في نفسهم قدّس سرهم .
و إنما قال رضي الله عنه: أهل الأذواق إشارة إلى أنه في هذا التميز لا يكفي مجرد الكشف .
فإن بالذوق تعرف الذاتيات و المرضيات لا بالكشف و الرؤية، فإذا فهمت هذا، فاعلم أن هذا التقسيم المذكور باعتبار نفس المنح و العطايا .
كما أن (للعطايا) تقسيما آخر باعتبار القابل، و هو أن مهما ما يكون عن سؤال: أي لفظي، فإذا كانت عن سؤال لفظي فإما أن تكون في مسئول معين .
كما تقول: إعطني الجنة قد تكون عن سؤال غير معين .
كما تقول: اللهم خير لي و اختر لي، فلمّا أخبر تعالى عن نفسه الكريمة أنه قريب مجيب، فليحتفظ السائل و يراقب ما يسأل فيه لأنه لا بد من الإجابة .
قال تعالى: "و قال ربُّكُمُ ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ "[ غافر: 60] .
ورد في الخبر الصحيح :
" إن القلوب أوعية و بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوا و أنتم موقنون بالإجابة، فإن الله تعالى لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل"
و يشير إليه قوله تعالى: "قلْ ما يعْبؤُا بكُمْ ربِّي لولا دُعاؤكُمْ" [ الفرقان: 77] .
فأخبر تعالى إنه لا يعبأ بنا إلا بالدعاء فإنه يحب الملحين فيه لهذا الدعاء مخ العبادة فالسؤال و الدعاء لا بد منه و لكن لا يدرك ذلك كل أحد لغموضه و إخفائه غالبا .
فإن السؤال و الدعاء قد يكون بلسان الظاهر .
و قد يكون بلسان الروح و بلسان الحال و بلسان المقال و بلسان الاستعداد الكلي الذاتي الغيبي العيني الساري الحكم من حيث الاستعدادات الجزئية الوجودية التي هي تفاصيله فحكم هذه التقاسيم باعتبار القابلين سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية .
وبالجملة: إن الأعطيات تنقسم أولا من حيث ذاتها و نفسها إلى: ذاتية و أسمائية .
و (الذاتية) تنقسم باعتبار القابل إلى: الحاصلة بسؤال لفظي معين، و بسؤال لفظي غير معين وبلا سؤال .
فـ (المعين ): أي الذي بالسؤال اللفظي المعين من يقول: يا رب أعطني كذا، فيعين له أمرا ما لا يخطر له سواه فإن خطر سواه تشتت بناء في الجمعية المؤثرة فلا بد أن يكون في أحدية التصوّر و حسم التفرق و الشتات، فإنه يجمع القلب بالحضور مع الله، فيكون أبهج و أنهج و أنجح، فافهم.
و (غير المعين ): أي الذي بالسؤال اللفظي بلا تعين على الله كمن يقول :
يا رب أعطني ما تعلم و مصلحة من غير تعيين لكلّ جزء من ذاتي من لطيف كالقوي و الأرواح و كثيف كالأعضاء .
ثم يرجع رضي الله عنه إلى تفصيل التفصيل يريد أن يبين بواعث الأسوء له سواء كانت لفظية أم حالية أم استعدادية .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:16 عدل 1 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : و السائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال ،
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله و لا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
و لو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل.
(والسائلون)، أي الذين يطلبون من الله تعالى حوائجهم ومصالحهم (صنفان) :
الصنف الأول : (صنف بعثه)، أي إهاجة وأثاره (على السؤال)، أي الطلب من الله تعالى (الاستعجال) بحاجته من غير تأخير لها (الطبيعي)، أي المركوز في طبيعة الآدمي من أصل خلقته بأن جرى على مقتضى عادته وجبلته من غير تكلف وصاحب هذا القسم من العامة (فإن الإنسان) من بني آدم ذكرا أو أنثى (خلق)، أي خلقة الله تعالی (عجولا)..
أي كثير العجلة في الأمور لما أنه منفوخ فيه من روح دون غيره من الحيوان، وروح الله من أمر الله وأمر الله كلمح البصر، فاقتضى العجلة.
لذلك قال تعالى : " وما أعجلك عن قومك يا موسى "83 سورة طه .
قال :"قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربي لترضى " 84 سورة طه.
فقد عجل عن قومه إلى ربه فأسرع مفارقتهم وهو لمح البصر الذي شبه به أمر الله تعالى : "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " 50 سورة القمر .
والتحق بأمر الله تعالى زيادة كشف له عما هو فيه، فلزم من ذلك أن قومه عبدوا العجل المشتق من العجلة التي كانت له عليه السلام في مفارقتهم.
وزعموا أن ما عجل إليه وهو ربه عين ما عبدوه هم لالتباس الأمر عليهم بالخلق حيث كان تعالى له الخلق والأمر: "فقالوا هذا إلهكم وإله موسى" 88 سورة طه.
وقال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم : "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه "114 سورة طه.
والقرآن أمره تعالى الذي ظهرت عنه خلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو التفاته إلى عالم الأمر في وقت التبليغ، فنهى عن ذلك لئلا يقع الإجمال في تفصيله فيخرج عن كونه عربيا مبينا .
(والصنف الآخر) : من السائلين (بعثه على السؤال)، أي طلب حاجته من ربه (لما علم) يقينا بطريق الإجمال (أن ثمة)، أي هناك يعني في عالم القضاء والقدر (أمورا) غير معلومة بالتفصيل (عند الله) تعالی بيان لقوله ثمة (قد سبق العلم) الإلهي (بأنها)، أي تلك الأمور (لا تنال)، أي لا تحصل لأحد (إلا بعد سؤال) منه لها بأن يدعو الله تعالى بحصولها فتحصل له لما أن ذلك السؤال من جملة ما سبق به العلم القديم.
فكون تلك الأمور لا تحصل إلا بالسؤال كونها مرتبة عليه في حضرة علم الله تعالى، فإذا حصل السؤال حصلت تلك الأمور، ولا بد أن يحصل السؤال فلا بد أن تحصل تلك الأمور.
وليس توقفها على ذلك السؤال توقف مشروط على شرط إلا بحسب ما يظهر للعقول إن الله غني في إيجاد كل شيء عن الاحتياج إلى شيء، بل توقفها على السؤال توقف أحد المترتبات على ما قبله .
قال الشيخ رضي الله عنه: (فيقول) ذلك الصنف الآخر من السائلين (لعل ما)، أي الذي (نسأله)، أي نطلبه منه (سبحانه) وتعالى من الأمور (یكون)، أي يوجد في علم الله تعالى (من هذا القبيل) قد سبق العلم الإلهي بأنه لا يحصل إلا بعد سؤال (فسؤاله) ذلك (احتياط)، أي قبوله واعتباره لما يجده فيه من السؤال الذي قدره الله تعالى عليه وخلقه فيه غير مذموم عنده لاحتمال أن يكون ذلك المطلوب له مترتبا في علم الله تعالى على ذلك السؤال فهو يحتاط (لما هو الأمر عليه) في نفسه (من الإمكان) السائغ عنده في بعض الأمور التي يعطيها الله تعالى لعباده .
(وهو)، أي ذلك الصنف من السائلين (لا يعلم ما في علم الله) تعالى من خصوص الأمر الذي لا يحصل إلا بعد سؤال.
أو يحصل من غير سؤال إذ علم الله تعالى قديم لا يحل في حادث ولا يحل فيه حادث ، فيوجد فيه المعلوم الحادث على حسب ما يليق بقدمه، فهو قديم ومعلومه قدیم، ويوجد في الحادث بما شاء الله تعالى.
كما قال : "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " 255 سورة البقرة.
وإذا وجد في الحادث كان على حسب ما يليق بحدوثه، فهو حادث ومعلومه حادث، فصح أنه لا يعلم ما في علم الله تعالى أحد لا ملك ولا نبي ولا ولي .
وأما بالوحي والإلهام فهو إعلام بما يليق بالحادث لا بما يليق بالقديم، وهذا المقدار إذا وجد عند الحادث يصح أن يكون علم من علم الله تعالى وصل إليه وحيا أو إلها ما فيكون سؤاله حينئذ لذلك الأمر الذي علم أنه لا يحصل إلا بعد السؤال.
مبنيا على ما وجده من الوحي أو الإلهام، والوحي يفيد اليقين، والإلهام يفيد غالب الظن.
ويجوز بنیان مثل ذلك على غالب الظن، فيصير ذلك باعث على السؤال عنده (و) هو (لا) يعلم أيضا (ما)، أي الذي (يعطيه استعداده)، أي تهيؤه بنفسه (من القبول) لذلك الأمر الذي طلبه من الله تعالى و لسؤاله قبله أو لسؤاله فقط أو لحصوله فقط (لأنه من أغمض)، أي أدق وأخفى (المعلومات عند العباد الوقوف)، أي الاطلاع والكشف (في كل زمان فرد)، وهو الجزء الذي لا يتجزأ من الزمان وهو یوم الله الذي قال تعالى عنه : "كل يوم هو في شأن" 29 سورة الرحمن.
وقال لموسى عليه السلام: "وذكرهم بأيام الله" 5 سورة إبراهيم.
في كل يوم من أيامه هذه، أمر هو شأنه في ذلك اليوم وهو اليوم الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار.
كما قال تعالى في وصف العارفين به: "يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)" سورة النور.
(على استعداد الشخص) لما استعد له (في ذلك الزمان) القليل من الأمور التي قدرها الله تعالى وقضى بها عليه في الأزل.
فإن لله تعالى على كل شخص بخصوصه قضاء وقدرا أزليين بأمور أرادها الله تعالى له من الأزل في كل لمحة بصر.
فالله تعالى : "كل يوم هو في شأن" 29 سورة الرحمن.
بالنسبة إلى خصوص كل إنسان، ولم يسبق قضاء الله تعالى وقدره على ذلك الشخص بخصوصيته بتلك الأمور التي أرادها الله تعالى له إلا على حسب ما استعد له ذلك الشخص في تلك اللمحة البصرية.
فوقوف ذلك الشخص على استعداده لتلك الأمور في تلك اللمحة البصرية من أصعب العلوم وأخفاها.
فسؤاله حينئذ مبني على عدم اطلاعه على استعداده ما هو، فهل هو استعداد للسؤال فقط من غير حصول المطلوب؟
أو استعداد الحصول المطلوب من غير سؤال، أو للسؤال و لحصول المطلوب معين فيسأل احتياطا لذلك.
قال رضي الله عنه : (ولولا ما أعطاه الاستعداد) الذي له في ذلك الزمان الذي سئل فيه (السؤال) الذي صدر منه (ما سأل) فسؤاله إنما كان منه على حسب استعداده فإن حصل مطلوبه في وقت سؤاله كان استعداده في ذلك الوقت السؤال و لحصول المطلوب معا، لهذا أعطاه الله تعالى ذلك على حسب استعداده له كما قال تعالى : "الذي أعطى كل شيء خلقه" 50 سورة طه.
فقبل ما استعد له من السؤال وحصول المطلوب .
وإن تأخر مطلوبه إلى وقت آخر وحصل له في وقت آخر من غير سؤال كان استعداده في ذلك الوقت الذي سئل فيه للسؤال فقط من غير حصول المطلوب، فأعطاه الله تعالى ما استعد له من ذلك.
كان استعداده في الوقت الآخر لحصول المطلوب فقط من غير سؤال، فأعطاه الله تعالى ذلك أيضا فحصل مطلوبه في ذلك الوقت الآخر من غير سؤال.
وإن لم يحصل مطلوبه لا في وقت سؤاله ولا بعده كان استعداده في وقت سؤال لسؤاله فقط.
فأعطاه الله تعالی ما استعد له من ذلك وهو سؤاله فقط.
ولم يستعد لحصول مطلوبه لا في وقت سؤاله ولا بعده، فلم يعطه الله تعالى ذلك. لأن العطاء على حسب الاستعداد ولا استعداد فيه إلا للسؤال فأعطاه السؤال فقط.
وإن حصل مطلوبه في وقت آخر لسؤال كان استعداده في ذلك الوقت للسؤال فقط من غير حصول المطلوب، فأعطاه الله تعالى السؤال بلا حصول المطلوب.
ثم إن كان استعداده في الوقت الآخر للسؤال أيضا ولحصول المطلوب فأعطاه الله تعالى ذلك فسأل وحصل مطلوبه.
وقد يكون استعداده في أوقات متعددة للسؤال فقط من غير حصول المطلوب، فيتكرر السؤال في تلك الأوقات كلها من غير حصول المطلوب ويكون حصول المطلوب في وقت آخر من غير سؤال.
فيحصل في ذلك الوقت بلا سؤال، وقد يكون بسؤال فيحصل بسؤال وهكذا أحكام السائلين والحاصلين على مطلوبهم إلى يوم القيامة .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
ولما فرغ عن بيان السؤال شرع في بيان مراتب السائلين فقال رضي الله عنه : (والسائلون) بلسان القال (صنفان صنف بعثه على السؤال) أي سبب طلبه العطایا قبل حلول أوانه (الاستعجال الطبيعي) أي الخلفي (فإن الإنسان خلق عجولا) وهو داخل تحت حكومة طبعه ومحجوب بأمر طبيعية وليس على علم بشيء على ما هو عليه.
(والصنف الآخر) مبتدأ (بعثه على السؤال) جواب (لما علم) وهو مع جوابه خبر المبتدأ (أن ثمة) أي في مقام العطاء (امورا) عطايا حاصلة (عند الله) تعالى (قد سبق العلم) أي علم الله تعالى (بانها لا تنال) أي لا ينال العبد إليها (إلا بعد سؤال) العبد من الله تعالى (فيقول) أي فيتفكر في قلبه.
(فلعل ما نسأله سبحانه يكون من هذا القبيل) فبعثه هذا العلم على سؤاله فأضمر فاعل بعثه وهو العلم لدلالة المقام عليه (فسؤاله) هذا (احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان) لئلا يفوت الأمر وهو العطاء لفوات شرطه وهو السؤال.
(وهو) أي هذا السائل وإن كان يعلم هذا لكن (لا يعلم ما في علم الله) تعالى ولكن لعل أن ما يسأله من قبيل ما عين له في علم الله.
(ولا ما يعطيه استعداده في القبول) أي لا يعلم قبول استعداده ولكن يساله لعله يقبل (لأنه) أي الشان (من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد) أي معين (على استعداد الشخص في ذلك الزمان) فإن ذلك أي العلم بما في علم الله تعالى والوقوف على الاستعداد في كل زمان لا يكون إلا للكمل.
فقوله : لأنه تعليل لهما (و) هو وإن كان لا يعلم هذا لكنه يعلم في ذلك الزمان أنه (لولا ما أعطاه الاستعداد للسؤال ما سأل) ولكن لا يعلم ما أعطاه الحق في الزمان الذي يكون فيه ولا يعلم في ذلك الزمان ما يقبل استعداده لعدم حضوره .
فبهذا القدر من العلم بالاستعداد يكون من أهل الحضور والمراقبة حتى خلص عن قيد سؤال الاحتياط وهو من أهل الطلب لأن همته متعلقة في حصول مطلوبه لا في امتثال أوامر سيده.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
وقوله رضي الله عنه : "والسائلون صنفان صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. والصنف الأخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان، وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده."
قلت: هذا كله ظاهر من تمثيل الشيخ، رضي الله عنه.
قوله رضي الله عنه: "ولا ما يعطيه استعداده في القبول لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل."
قلت: يعني بالاستعداد، التهيؤ للأمر ومن جملة الأمور السؤال، فلو لا أن السائل مستعد للسؤال ما سأل.
لكن من الناس من يعلم الاستعدادات ويعلم ما يقتضيه ومنهم من لا يعلم ذلك وهم الأكثرون.
فأما الذين يعلمون مقتضیات الاستعدادات تماما فهم الذين قطعوا السفر الثاني.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
قال رضي الله عنه : ( والسائلون صنفان : صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي ، فإنّ الإنسان خلق عجولا . والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أنّ ثمّ أمورا عند الله قد سبق العلم بأنّها لا تنال إلَّا بعد السؤال ، فيقول : فلعلّ ما يسأله يكون من هذا القبيل فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان ، وهو لا يعلم ما في علم الله ، ولا ما يعطيه استعداده في القبول ، لأنّه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان . ولولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل) .
قال العبد : السائلون للعطايا الإلهية سواء كانت ذاتية أو أسمائية ، أو كانوا معيّنين لسؤالاتهم أو غير معيّنين كما ذكر الأمثلة إمّا أن يكونوا غير عالمين بما في علم الله وتقديره من وقوع المسؤول وعدم وقوعه ، وبما هم مستعدّون له في كل زمان فرد من الأزمنة وفي كل آن من الآنات ، أو عالمين بذلك وبما يعطيه استعدادهم .
فغير العالمين إمّا أن يكون الباعث لهم على الطلب والسؤال الاستعجال الطبيعيّ أو الاستعداد الحاليّ أو الاحتياط ، مع مجمل العلم بأنّ من الأعطيات الإلهية ما سبق علم الله وقدره أن لا ينال إلَّا بالدعاء إمّا بالنسبة إلى هذا السائل أو بالنسبة إليها في كل سائل.
فإن كان الاستعجال الطبيعيّ ، فهو إمّا أن يوافقه الاستعداد الحالي أو لم يوافق ذلك ، فإن وافق ، فلا بدّ من وقوع المسؤول ، وإن لم يوافق ،فقد لا يقع في الحال.
وإن كان الباعث الاستعداد الحاليّ والحال الاستعدادي ، فإنّ المسؤول يقع وينال ، سواء تلفّظ بالسؤال أو لا ، فإنّ السنّة الاستعدادات في السؤال لا تتأخّر عنها الإجابة .
وإن كان الباعث على الطلب والتلفّظ بالسؤال هو العلم بأنّ من المسؤولات والمطالب ما لا يدرك ولا يعطى إلَّا بعد السؤال ، فهو يسأل ويطلب احتياطا ، فقد يقع عين المسؤول إن كان الاستعداد تامّا ، وإن لم يوافق السؤال الاستعداد .
فيلبّي الله له في حال السؤال ، وتتأخّر الإجابة في عين المسؤول ، فإنّ التقدير عدم علم السائل بما في التقدير والاستعداد ، لكنّ الإمكان باق ، فيمكن بالنظر إلى السائل ومبلغ علمه أن يقع ، ويمكن أن لا يقع .
وباقتران الاستعداد للسؤال لا يبقى تأخّر ولا إمكان ، بل يجب وقوع عين المسؤول .
والوقوف في كل آن من الزمان على استعداد الشخص لا يكون إلَّا للكمّل والندّر من الأفراد فليس لكلّ أحد إدراك استعداده في كل آن ، حتى يسأل ما يستعدّ له في الحال ،فيقع.
وقد يكون على حال مستعدّ في زعمه لأمور فيسألها ولا يعلم حقيقة ، بل على وجه الإمكان ، فقد يقع وقد لا يقع ، كما ذكرنا ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( ولولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل ) .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ السؤال يدلّ على مطلق استعداد للسائل كامن فيه هو الباعث ، فلو اقترن الحال بالاستعداد ، لظهر ، وعدم الاقتران يوجب التأخّر إلى وقت الاقتران .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
قال رضي الله عنه : ( والسائلون صنفان : صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا ، والصنف الآخر : بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال ، فيقول فلعل ما نسأله سبحانه يكون من هذا القبيل فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان ، فهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداد في القبول )
علمه فاعل بعثه الثاني لدلالة لما علم عليه أي بعثه على السؤال علمه بأن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال .
وفي الكلام تقديم وتأخير كان التقدير والصنف الآخر لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق
العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال بعثه علمه على السؤال . والباقي ظاهر .
قال الشيخ رضي الله عنه: " لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان " أي قد يقف الإنسان على استعداده لقبول شيء على الإجمال كما يقف أنه مستعد لقبول علم الفقه أو الطب وأمثال ذلك .
وأما وقوفه على استعداده لكل جزئى زمانى كوقوفه على أن الله يرزقه اليوم كذا وغدا كذا فلا سبيل له لقوله تعالى : " وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً " اللهم إلا أن يطلعه الله على بعضها .
قال الشيخ رضي الله عنه:: ( ولو لا ما أعطاه على الاستعداد السؤال ما سأل ) إشارة إلى أن كل ما يجرى على العبد في كل ساعة فهو باستعداد منه يقتضي ذلك الشيء له في ذلك الوقت.
حتى أن السؤال أيضا إنما يكون باستعداد منه اقتضى ذلك السؤال في ذلك الوقت وإلا لما أمكنه أن يسأله.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
فقال رضي الله عنه : "والسائلون صنفان" أي، السائلون بلسان القال مع صرف الهمة إلى
المسؤول عنه صنفان.
وإنما قلت: (مع صرف الهمة إلى المسؤول عنه) لأن السائل الذي سئل امتثالا لأمر الله، لا طلبا لشئ من الكمالات لعلمه بحصول ما هو مستعد له في كل حين، سائل بلسان القال أيضا، لكن إتيانا بحكم (أدعوني أستجب لكم).
ولأنه تعالى يجب أن يسأل منه، كما قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله وسليل آدم حين يسأله يغضب ولما لم يكن همته متعلقة فيما سأل، فكأنه ليس من السائلين في الحقيقة.
لذلك قال: (صنفان).
وأورد الصنف الثالث بعد الفراغ من ذكر صنفين آخرين، كما يأتي بيانه (صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا)
أي، يسأل ويطلب الكمال قبل حلول أو انه.
(والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثمة أمورا عند الله قد سبق العلم) أي، الإلهي.
(بأنها لا تنال إلا بعد سؤال) فيقول، فلعل ما نسأله سبحانه يكون من هذا القبيل.
فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان) أي، بعثه على السؤال علمه بأن حصول بعض المطالب مشروط بالسؤال والدعاء وإن كان البعض الآخر غير مشروط به، فيقول يمكن أن يكونالمطلوب من قبيل المشروط بالدعاء فيحتاط ويسأل.
وإنما أضمر فاعل (بعثه) لأن قوله: (لما علم) يدل عليه.
(وبعثه) جواب (لما) تقديره: والصنف الآخر لما علم أن ثمة أمورا عند الله قد سبقالعلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال، بعثه علمه عليه، أي، بعثه على السؤال علمه.
فالشرط مع الجزاء خبر المبتدأ. ويجوز أن يقال: لما علم، بكسر اللام على أنهللتعليل. أي، والصنف الآخر بعثه على السؤال علمه لكونه علم أن ثمة أموراعند الله لا تنال إلا بالسؤال.
(وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده في القبول) أي، لا يعلمما عين له في علم الله من الكمال، ولا يعلم ما يعطيه استعداده الجزئي في كلوقت، ولا ما هو قابل له فيه.
(لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد) أي معين.
قال الشيخ رضي الله عنه: (على استعداد الشخص في ذلك الزمان). أي، لأن الشأن أن الوقوف على ما يعطيه استعداد الشخص في كل زمان معين من أغمض
المعلومات، إذ الاطلاع عليه موقوف على الاطلاع بما في علم الله تعالى، أو كتبه التي هي نسخ علمه:
كالعقل الأول الذي هو (اللوح المحفوظ)
والنفس الكلية التي هي (الكتاب المبين)
والنفس المنطبعة التي هي (كتاب المحو والإثبات) وإلا لا يمكن أن يقف عليه.
كما قال تعالى: "وما تدرى نفس ما ذا تكسب غدا".
(ولو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال، ما سأل) أي، وإن كان يعلم إجمالا أنه لو لا طلب استعداده السؤال، ما سأل.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
قال رضى الله عنه : "والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال،
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
ولولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل."
فقال: (والسائلون) في مبدأ سؤالهم في أمر معين أو غير معين (صنفان): (صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي) أي: الذي من طبعه الذي خلق عليه، (فإن الإنسان ځلق عجولا)، وقد بقي هذا السائل على ذلك فهو صاحب النفس الأمارة فلا يكون من أهل الحضور، ومع ذلك قد يكون عطاؤه ذاتيا، فلا وجه لتخصيصه بالكمل.
(والصنف الآخر) قد تزكت نفسه عن هذه الرذيلة فيكون من أهل الحضور، (بعثه على السؤال) علمه بأن بعض المطالب تتوقف على السؤال: (لما علم أن ثمة) أي: في التقدير الأزلي (أمورا) جليلة (عند الله، قد سبق العلم) الإلهي (بأنها) لجلالتها عند الله (لا تنال إلا بعد السؤال) المتضمن مزيد التذلل.
وقد يكون ذلك في الأمور الخسيسة أيضا؛ لكن السؤال بذلك لا يكون من أهل الحضور وتوقفها على سؤالهم ليظهر خستهم، فإذا كان سؤال أهل الحضور من هذا القبيل.
قال الشيخ رضي الله عنه: (فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل) فيه إشارة إلى أنه ليس من شأن الكامل ترك السؤال؛ لأنه كالاعتراض على الله تعالى، والاختيار عليه، وترك الرضا بما عنده.
بل إنهم يسألون لما علموا من رضاه في ذلك المزيد التذلل عنده، وتوقيفه المسئول عليه فليس فيه اعتراض عليه، ولا اختيار، ولا ترك رضا.
وإنما قال : لعل؛ لأنه يخاف من نفسه أن يكون بدعة للطمأنينة قبل الاتصاف بها كما قال يوسف الي عن نفسه: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء" [يوسف: 53]، وفيه تنبيه للمريدين؛ فإنهم لا يسوغ لهم الحزم في أمثال هذه المواضع.
ثم أشار إلى وجه كونه ليس باعتراض، ولا اختيار، ولا ترك رضا بقوله: (فسؤاله احتياط لما هو الأمر) أي: أمر المسئول أي: التقدير الأزلي (عليه من الإمكان) أي: من إمكان توقفه على السؤال، فإن توقف فلا يفوته بترك السؤال مع أنه أمر جليل عند الله، وإن لم يتوقف حصل بكل حال مع ما في السؤال من مزيد التذلل.
ولما توهم من قوله فسؤاله احتياط أنه يناقض قوله، لما علم أشار إلى دفعه بقوله: (وهو) أي: هذا السائل بطريق الاحتياط (لا يعلم ما في علم الله) هل هو متوقف على السؤال أم لا، وحضوره مع الله تعالى، وتزكية نفسه عن رذيلة الاستعجال لا يستلزم كونه مطلقا على العلم الأزلي تفصية.
وإن صار مكاشفا به إجمالا كيف وهو لا يعلم ما هو أقرب من ذلك، إذ (لا) يعلم (ما يعطيه استعداده في القبول ) قيد بذلك؛ لأنه قد علم بالكشف الحاصل عن تزكية نفسه أنه قد حصل له استعداد السؤال لا محالة على ما سيصرح به؛ (لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد) قيد بذلك؛ لأنه قد يتيسر لأمل الحضور الوقوف على استعداده لأمر ما في بعض الأزمنة.
لكونه مكاشفا قد تزكت نفسه مع أنه يعسر عليه الوقوف في كل زمان فرد (على استعداد الشخص) لما يقبله (في ذلك الزمان) ؛ لأن غاية ما يحصل بالتزكية في حق الأكثرين الوقوف الإجمالي دون التفصيلي حتى قال أكمل الخلائق: "ولا أعلم الغيب" [الأنعام: 50]، أي: كله.
وقال تعالى: "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" [الأعراف: 88].
بل لا يمكن معرفة الغيب على الوجه الكلى الأكمل إلا للرسل لقوله تعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " [الجن: 26، 27]
ثم أشار إلى فائدة التقييد بقوله: «في القبول»، وهو الاحتراز عن الوقوف على استعداد السؤال؛ فإنه لا يمتنع عليه غالبا بقوله: (ولولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل) ضرورة أنه لو لم يتوقف الفيض على الاستعداد لوجب أن يحصل لكل أحد كل شيء؛ لعموم الجود الإلهي.
وفيه إشارة إلى أن استعداد السؤال لا يستلزم استعداد القبول أيضا سؤالا لكنه سؤال خفي غير لفظي ولا حالي، وإذا كان كل ما يجري على العبد متوقفا على استعداده مع أنه يعسر عليه الوقوف في كل زمان فرد على ذلك، وإن بلغ رتبة الحضور والكشف
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولولا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
وهذه الأقسام كلها باعتبار المعطى والمسؤول ، وباعتبار السائلين له تقسیم أخر إليه أشار بقوله: (و السائلون ) منهم أيضا (صنفان : صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان ځلق عجولا ) وذلك لأن من شأن الطبيعة وطين قابليتها اللازب أن يلتصق بما يستشعر فيه كماله عاجلا.
المبين ( والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن تم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال ) وفي الكلام تقديم وتأخير ، أي " لما علم أن ثم أمورا ، بعثه علمه " .
وهذا الصنف أعلى السائلين المحجوبين مرتبة ، حيث أن الباعث لسؤاله هو العلم ، فلذلك تراه مترقيا من العلم إلى القول.
حيث قال : ( فيقول : « فلعل ما نسأله سبحانه يكون من هذا القبيل » ، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان ) أي إمكان أن يكون مطلوبه مما علق بالسؤال ، وإن لم يعلم ذلك يقينا ، فإن ذلك موقوف على الاطلاع بما في علم الله .
(وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده في القبول) إذ لو علم ذلك لعلم ما في علم الله أيضا ، لأنه تابع له .
ولا يبعد الاطلاع على خصوصيات كل استعداد بما يناسبه من الأمور إجمالا للمفترسين ، كالوقوف على قابلية واحد للطب ، والآخر للفقه ، والآخر للحساب وغير ذلك من الصنائع والحرف، إنما الكلام في تفاصيل خصوصیات تلك الاستعدادات بحسب الأزمنة والأوقات ، ومايصلح له في كل حين منها
(لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان).
كما للسائل إذا كان من أهل الحضور ، فإنه يعرف مقتضى حاله ( و) أنه ( لولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل ، فغاية أهل الحضور)- يعني القاطعين منازل فيافي العلل وبيداء الأسباب ، القادمين من مسالك أهل البعد وأقاصي المقامات.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:39 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثالثة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
قال رضي الله عنه : " و السائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال ،
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل. فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله و لا ما ".
ولما فرغ من هذه التقسيمات أشار إلى تقسيم آخر باعتبار السائلين
فقال : (والسائلون) بالقول : الذين ليسوا من أهل الحضور ومراقبة الأوقات، وإنما قيدنا بذلك لئلا يرد على السائل لمحض امتثال الأمر كما سيجيء.
فهؤلاء السائلون (صنفان صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا) فهو إما أن يوافقه الاستعداد الحالي فيقع، وإما أن لا برافقه فلا يتع.
(والصنف الآخر بعثه على السؤال) علمه (لما علم) بتشديد اللام وحينئذ يكون قوله : بعثه جوابا له بحسب المعنى في حكم المتأخر عنه فيصح إضمار الفاعل فيه وإرجاعه إلى العلم المفهوم من علم.
ويكون تقدير الكلام: والصنف الآخر لما علم أن ثمة عند الله أمورة كذا بعثه علمه على سؤال، فلما مع جوابه خبر المبتدأ .
وقيل : يحتمل أن يكون بكسر اللام على أنه للتعليل، أي بعثه علمه على السؤال لم علم (أن ثمة أمورا) وفيه إضمار قبل الذكر.
قوله : (عند الله) بدل من ثمة ، أي لما علم أن عند الله أمورة (قد سبق العلم) الإلهي بأنها، أي تلك الأمور (لا تنال إلا بعد سؤال) .
فولی: (فيقول) هذا الصنف (فلعل ما نسأله) على غير المنصوب.
إما للموصول وإما للحق ويدل عليه إردافه بقوله (سبحانه) في كثير من النسخ. وضمير الموصوف محذوف أو ما مصدرية (يكون من هذا القبيل)، أي من قبيل ما لا ينال إلا بعد السؤال.
قال رضي الله عنه : (فسؤاله احتياط لما هو) ضمير مبهم يفسره قوله: (الأمر)، أي المسؤول . أمورا لا تنال إلا بعد سؤال (لا يعلم) تفصيلا (ما) عين (في علم الله) له من تلك الأمور المسؤولة ومن أوقات حصولها
وضمير (عليه) للموصول و(من الإمكان) بيان للموصول، أي سؤاله احتیاط الإمكان أن يكون المسؤول مما لا ينال إلا بعد سؤال.
(وهو) من علم إجمالا أن عند الله
قال رضي الله عنه : " يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل."
قال رضي الله عنه : " (ولا) بعلم أيضا (ما يعطيه) ويقتضيه من المسؤولات (استعداده في القبول).
أي في قبول تلك الأمور، أي لا يعلم مقتضی استعداده في قبولها بأنه، أي أمر من الأمور يقتضي وفي أي زمان يقتضي (لأنه) هذا بحسب الظاهر تعليل للدعوى الثانية .
لكنه لما كان العلم بما يعطيه الاستعداد و هو من جملة ما في علم الله متعذرة يلزم منه تعذير العلم بما في علم الله (من أغمض المعلومات)، أي من أغمض العلم بالمعلومات، ومن العلم بأغمض المعلومات.
(الوقوف في كل زمان فرد)، أي معين (على استعداد الشخص في ذلك الزمان الفرد)، أي في كل زمان فرد بأن يكون واقفا في كل زمان على ما تحرى عليه في جميع الأزمنة.
وذلك لا يتيسر للسائل احتياطا وإلا لم يكن الأمر مبهما عنده بل هو من خواص الكمل الندر من أهل الله ، وذلك السائل المحتاط وإن كان لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده إنما يسأل الإعطاء لإعطاء استعداده السؤال.
(ولولا ما أعطاه الاستعداد للسؤال ما سأل) ولكن لم يكن له علم بذلك الاستعداد قبل السؤال كسائر المسؤولات.
فحكم السؤال معه حکم سائر المسؤولات ما في قوله ما أعطاه مصدرية ، أي لولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل .
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.)
قال رضي الله عنه : " و السائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال ،
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل. فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله و لا ما ".
ولما فرغ من هذه التقسيمات أشار إلى تقسيم آخر باعتبار السائلين
فقال : (والسائلون) بالقول : الذين ليسوا من أهل الحضور ومراقبة الأوقات، وإنما قيدنا بذلك لئلا يرد على السائل لمحض امتثال الأمر كما سيجيء.
فهؤلاء السائلون (صنفان صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا) فهو إما أن يوافقه الاستعداد الحالي فيقع، وإما أن لا برافقه فلا يتع.
(والصنف الآخر بعثه على السؤال) علمه (لما علم) بتشديد اللام وحينئذ يكون قوله : بعثه جوابا له بحسب المعنى في حكم المتأخر عنه فيصح إضمار الفاعل فيه وإرجاعه إلى العلم المفهوم من علم.
ويكون تقدير الكلام: والصنف الآخر لما علم أن ثمة عند الله أمورة كذا بعثه علمه على سؤال، فلما مع جوابه خبر المبتدأ .
وقيل : يحتمل أن يكون بكسر اللام على أنه للتعليل، أي بعثه علمه على السؤال لم علم (أن ثمة أمورا) وفيه إضمار قبل الذكر.
قوله : (عند الله) بدل من ثمة ، أي لما علم أن عند الله أمورة (قد سبق العلم) الإلهي بأنها، أي تلك الأمور (لا تنال إلا بعد سؤال) .
فولی: (فيقول) هذا الصنف (فلعل ما نسأله) على غير المنصوب.
إما للموصول وإما للحق ويدل عليه إردافه بقوله (سبحانه) في كثير من النسخ. وضمير الموصوف محذوف أو ما مصدرية (يكون من هذا القبيل)، أي من قبيل ما لا ينال إلا بعد السؤال.
قال رضي الله عنه : (فسؤاله احتياط لما هو) ضمير مبهم يفسره قوله: (الأمر)، أي المسؤول . أمورا لا تنال إلا بعد سؤال (لا يعلم) تفصيلا (ما) عين (في علم الله) له من تلك الأمور المسؤولة ومن أوقات حصولها
وضمير (عليه) للموصول و(من الإمكان) بيان للموصول، أي سؤاله احتیاط الإمكان أن يكون المسؤول مما لا ينال إلا بعد سؤال.
(وهو) من علم إجمالا أن عند الله
قال رضي الله عنه : " يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. ولو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل."
قال رضي الله عنه : " (ولا) بعلم أيضا (ما يعطيه) ويقتضيه من المسؤولات (استعداده في القبول).
أي في قبول تلك الأمور، أي لا يعلم مقتضی استعداده في قبولها بأنه، أي أمر من الأمور يقتضي وفي أي زمان يقتضي (لأنه) هذا بحسب الظاهر تعليل للدعوى الثانية .
لكنه لما كان العلم بما يعطيه الاستعداد و هو من جملة ما في علم الله متعذرة يلزم منه تعذير العلم بما في علم الله (من أغمض المعلومات)، أي من أغمض العلم بالمعلومات، ومن العلم بأغمض المعلومات.
(الوقوف في كل زمان فرد)، أي معين (على استعداد الشخص في ذلك الزمان الفرد)، أي في كل زمان فرد بأن يكون واقفا في كل زمان على ما تحرى عليه في جميع الأزمنة.
وذلك لا يتيسر للسائل احتياطا وإلا لم يكن الأمر مبهما عنده بل هو من خواص الكمل الندر من أهل الله ، وذلك السائل المحتاط وإن كان لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده إنما يسأل الإعطاء لإعطاء استعداده السؤال.
(ولولا ما أعطاه الاستعداد للسؤال ما سأل) ولكن لم يكن له علم بذلك الاستعداد قبل السؤال كسائر المسؤولات.
فحكم السؤال معه حکم سائر المسؤولات ما في قوله ما أعطاه مصدرية ، أي لولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل .
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [و السائلون صنفان: صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا . و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثمة أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال فيقول: فلعل ما نسأله منه سبحانه يكون من هذا القبيل فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان و هو لا يعلم ما في علم الله و لا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان،]
قال الشارح رضي الله عنه :
فقال: (و السائلون صنفان) و ما تم إلا السائلون كما فهمته سابقا من أن الحق لا يعطي شيئا بلا سؤال، فإذا علمت أن الأعطيات في الخزائن، و مفتاحها السؤال و لا بد منه .
فاعلم أنه رضي الله عنه لما أراد أن يفصل مراتب السائلين من حيث البواعث، لأن التمييز بين السائلين ما يمكن إلا بمعرفة البواعث لأنه قد يسترك الكامل و العامي في صورة السؤال و الرغبة فيما يتميز إلا الباعث إنه يتميز به كل أحد عن صاحبه .
فقال رضي الله عنه: (صنف بعثه) و (البعث) إنما يكون من الاسم الباعث، فهو الذي يبعث إلى البواطن رسل الخواطر بما نطقوا به أو طلبوا في بواطنهم كما يبعث في أميين رسولا، فإذا وفق الرسول الرسول فلنحمد الله على ذلك .
و قد يكون البعث على السؤال الاستعمال الطبيعي، فإن باعثهم الشوق .
قال تعالى: "وما أعْجلك عنْ قوْمِك يا موسى قال هُمْ أولاءِ على أثري وعجِلْتُ إليْك رب لترْضى" [ طه: 83، 84] .
نعوت على قوله: "قال فِإنّا قدْ فتنّا قوْمك مِنْ بعْدِك وأضلّهُمُ السّامِري" [ طه: 85] .
و حكي الشيخ رضي الله عنه في الباب الخامس و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات فقال:
" فاعلم إن نية العبد خير من عمله والنية إرادة أي تعلق خاص في الإرادة كالمحبة والشهوة والكرة فالعبد تحت إرادته فلا يخلو في إرادته إما أن يكون على علم بالمراد أو لا يكون فإن كان على علم فيها فلا يريد إلا ما يلائم طبعه ويحصل غرضه وإن كان غير عالم بمراده فقد يتضرر به إذا حصل له...
فإن الله تعالى وصف نفسه بأنه لا يبخس أحدا في مراده كان المراد ما كان ومعلوم أن الإرادة الطبيعية ما قلناه وهي الأصل وأرجو من الله مراعاة الأصل لنا ولبعض الخلق ابتداء وأما الانتهاء فإليه مصير الكل...
فإنه إذا تألم مثلا بقرصة برغوث إلى ما فوق ذلك من أكبر أو أصغر فإن كان مؤمنا فله عليه ثواب في الآخرة فيكون لهذا المريد الحياة الدنيا يعطيه الله ذلك الثواب في الدنيا معجلا فينعم به كما كان يفعل الله تعالى بأبي العباس السبتي بمراكش من بلاد الغرب رأيته وفاوضته في شأنه فأخبرني عن نفسه أنه استعجل من الله في الحياة الدنيا ذلك كله فعجله الله له فكان يمرض ويشفي ويحيي ويميت ويولي ويعزل ويفعل ما يريد كل ذلك بالصدقة وكان ميزانه في ذلك سباعيا إلا أنه ذكر لي قال خبأت لي عنده سبحانه ربع درهم لآخرتي خاصة فشكرت الله على إيمانه وسررت به وكان شأنه من أعجب الأشياء لا يعرف ذلك الأصل منه كل أحد إلا من ذاقه أو من سأله عن ذلك من الأجانب أولي الفهم فأخبرهم غير هذين الصنفين لا يعرف ذلك وقد يعطي الله ما أعطى السبتي المذكور لا من كونه أراد ذلك ولكن الله عجل له ذلك زيادة على ما ادخره له في الآخرة .أهـ فافهم .
ثم أراد رضي الله عنه أن يعتذر عنهم في استعجالهم فقال: فإن الإنسان خلق عجولا يطلب الأمور قبل أوانها و إلا .
قال تعالى: "منْ كان يرجُوا لقاء اللّهِ فِإنّ أجل اللّهِ لآتٍ وهُو السّمِيعُ العليمُ" [ العنكبوت: 5]:
أي لا تستعجل هذا من أحسن تأديب أدب الله به حبيبه حيث أنه ذكر له ما جرى قبله، و منهم قصصنا عليك . فافهم .
و (الصنف الآخر: بعثه على السؤال) رجم بالغيب لأنه لما علم أن ثمة أمورا عند الله في غيبه قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال، فيقول هل ما يسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل؟ فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان .
فـ (الأول) صاحب استعجال، و (الثاني) راجم بالغيب بمجرد الاحتمال .
و لكن صاحب هذا السؤال إذا تصوّر المنادي المسئول عنه تصوّرا صحيحا عن علم و رؤية سابقين أو حاضرين حال الدعاء، ثم سأله و دعاه عسى أن يستجاب له .
و أما من يقصد مناداة زيد و يطلب منه و هو يستحضر عمروا و يتوجّه إليه، ثم لم يجد الإجابة فلا يلومنّ إلا نفسه، فإنه ما نادى القادر على الإجابة والإسعاف لأنه توجّه إلى ما استحضره في ذهنه و خياله، و هو مثله عاجز عن الإجابة، و إن أثمر سؤاله على هذا فإنما أثمر بشفاعة حسن ظنه بالله، و شفاعته المعية الإلهية فإنه مع كل شي ء .
ورد في الخبر : " ما كان الله ليفتح لعبد الدعاء فيغلق عنه بال الإجابة الله أكرم من ذلك"
و هو لا يعلم ما في علم الله و العلم بما في علم الله من أعلى العلم بالله، و لا يكون إلا بسبق العناية .
قال الله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، و ما شاء الله كان و لا ما يعطيه استعداده في القبول، فإذا لم يعلم ما في نفسه من الاستعداد فهو بغيره أجهل .
قال تعالى عن عيسى عليه السلام يخاطب ربه و يناجيه: "تعلمُ ما في نفْسِي ولا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 116] .
أشار عليه السلام إلى نفسه فإنها ملك له تعالى، قال تعالى:"تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك "[ المائدة: 116] .
( فيها) لأن من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان و لا يكون ذلك العلم إلا لمن أشرف على الأعيان الثابتة أو أحاط بكل شيء علما .
أما من مقام ما ورد في الخبر : "من عرف نفسه فقد عرف ربه و من عرف علم ما في نفسه فعلم العالم بعلمه بنفسه"
قال رضي الله عنه في الوصل الخامس عشر من الخزائن من الفتوحات:
من أدرك الحق علما لم يفته من العلم الإلهي مسألة، كما أنه رأى الحق ببصره رأى كل شيء من العالم لا يفوته من أنواعه شيء: أي إذا رأى الحق في غير مادة، فافهم .
و أما من مقام قرب النوافل، فإنه علم الحق بالحق، فإنه عين قواه، و من كان هويته عين قواه لا يعزب عنه مثقال ذرة .
قوله رضي الله عنه: (في كل زمان فرد ): أي غير منقسم، و هو الآن الذي لا يتجزأ .
و من كان بهذا الكشف أدخل السؤال الاستعجال و الاحتمال في الكمال، لأنه
علم أنه لو لا ما أعطاه لاستعداد السؤال ما سأل، لأن كل طلب في العالم من كل طالب إنما هو طلبيّ و أتي ما به طلب عارض لا يكون بالذات، فإن هذا لا يكون أبدا بل إنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده .
فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب و انحجب الناس من قام به ذلك الأمر العارض بحيث يسمونه طالبا، و ليس الطالب إلا ذلك الأمر .
فالطلب له ذاتي، و الشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم في أمر ما أوجبه عليه هذا الأمر الذي حلّ به .
فالطلب ذاتي لذلك الأمر، و قد استخدم في تحصيله هذا الشخص الذي نزل به و لا شعور للناس بذلك.
ذكره رضي الله عنه في الباب السبعون وثلثمائة في معرفة منزل المريد وسر وسرين
من أسرار الوجود والتبدل وهو من الحضرة المحمدية من الفتوحات :
وإن كل طلب في العالم أو من كل طالب إنما هو طلب ذاتي ما ثم طلب عارض لا يكون بالذات هذا لا يكون وإنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب وانحجب الناس بمن قام به ذلك الأمر العارض وهو الذي يسمونه طالبا وليس الطالب إلا ذلك الأمر فالطلب له ذاتي والشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم له إذ قد كان موجودا وهو فاقد لهذا الطلب فعلمنا أنه طلب مستخدم في أمر ما أوجب عليه هذا الأمر الذي حل به فالطلب ذاتي لذلك الأمر الملكية ومن الملك الذي يسدده ومن الوجه الخاص الإلهي بارتفاع الوسائط وأن يكون الحق عين قوله. أهـ
فإذا كان الأمر هكذا، فما ثم سؤال و طلب إلا عن اقتضاء ذاتي، فما يقع الاستعجال و لا الطلب و السؤال بمحض الاحتمال بل كل سؤال في وقته و هو مبذول، و لكن تميز مراتب الأسئلة و الأجوبة و معرفتها على قدر العلم بالله، و معرفة حقيقة نفسه نهاية أهل الحضور .
قال رضي الله عنه : (والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [و السائلون صنفان: صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا . و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثمة أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال فيقول: فلعل ما نسأله منه سبحانه يكون من هذا القبيل فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان و هو لا يعلم ما في علم الله و لا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان،]
قال الشارح رضي الله عنه :
فقال: (و السائلون صنفان) و ما تم إلا السائلون كما فهمته سابقا من أن الحق لا يعطي شيئا بلا سؤال، فإذا علمت أن الأعطيات في الخزائن، و مفتاحها السؤال و لا بد منه .
فاعلم أنه رضي الله عنه لما أراد أن يفصل مراتب السائلين من حيث البواعث، لأن التمييز بين السائلين ما يمكن إلا بمعرفة البواعث لأنه قد يسترك الكامل و العامي في صورة السؤال و الرغبة فيما يتميز إلا الباعث إنه يتميز به كل أحد عن صاحبه .
فقال رضي الله عنه: (صنف بعثه) و (البعث) إنما يكون من الاسم الباعث، فهو الذي يبعث إلى البواطن رسل الخواطر بما نطقوا به أو طلبوا في بواطنهم كما يبعث في أميين رسولا، فإذا وفق الرسول الرسول فلنحمد الله على ذلك .
و قد يكون البعث على السؤال الاستعمال الطبيعي، فإن باعثهم الشوق .
قال تعالى: "وما أعْجلك عنْ قوْمِك يا موسى قال هُمْ أولاءِ على أثري وعجِلْتُ إليْك رب لترْضى" [ طه: 83، 84] .
نعوت على قوله: "قال فِإنّا قدْ فتنّا قوْمك مِنْ بعْدِك وأضلّهُمُ السّامِري" [ طه: 85] .
و حكي الشيخ رضي الله عنه في الباب الخامس و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات فقال:
" فاعلم إن نية العبد خير من عمله والنية إرادة أي تعلق خاص في الإرادة كالمحبة والشهوة والكرة فالعبد تحت إرادته فلا يخلو في إرادته إما أن يكون على علم بالمراد أو لا يكون فإن كان على علم فيها فلا يريد إلا ما يلائم طبعه ويحصل غرضه وإن كان غير عالم بمراده فقد يتضرر به إذا حصل له...
فإن الله تعالى وصف نفسه بأنه لا يبخس أحدا في مراده كان المراد ما كان ومعلوم أن الإرادة الطبيعية ما قلناه وهي الأصل وأرجو من الله مراعاة الأصل لنا ولبعض الخلق ابتداء وأما الانتهاء فإليه مصير الكل...
فإنه إذا تألم مثلا بقرصة برغوث إلى ما فوق ذلك من أكبر أو أصغر فإن كان مؤمنا فله عليه ثواب في الآخرة فيكون لهذا المريد الحياة الدنيا يعطيه الله ذلك الثواب في الدنيا معجلا فينعم به كما كان يفعل الله تعالى بأبي العباس السبتي بمراكش من بلاد الغرب رأيته وفاوضته في شأنه فأخبرني عن نفسه أنه استعجل من الله في الحياة الدنيا ذلك كله فعجله الله له فكان يمرض ويشفي ويحيي ويميت ويولي ويعزل ويفعل ما يريد كل ذلك بالصدقة وكان ميزانه في ذلك سباعيا إلا أنه ذكر لي قال خبأت لي عنده سبحانه ربع درهم لآخرتي خاصة فشكرت الله على إيمانه وسررت به وكان شأنه من أعجب الأشياء لا يعرف ذلك الأصل منه كل أحد إلا من ذاقه أو من سأله عن ذلك من الأجانب أولي الفهم فأخبرهم غير هذين الصنفين لا يعرف ذلك وقد يعطي الله ما أعطى السبتي المذكور لا من كونه أراد ذلك ولكن الله عجل له ذلك زيادة على ما ادخره له في الآخرة .أهـ فافهم .
ثم أراد رضي الله عنه أن يعتذر عنهم في استعجالهم فقال: فإن الإنسان خلق عجولا يطلب الأمور قبل أوانها و إلا .
قال تعالى: "منْ كان يرجُوا لقاء اللّهِ فِإنّ أجل اللّهِ لآتٍ وهُو السّمِيعُ العليمُ" [ العنكبوت: 5]:
أي لا تستعجل هذا من أحسن تأديب أدب الله به حبيبه حيث أنه ذكر له ما جرى قبله، و منهم قصصنا عليك . فافهم .
و (الصنف الآخر: بعثه على السؤال) رجم بالغيب لأنه لما علم أن ثمة أمورا عند الله في غيبه قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد سؤال، فيقول هل ما يسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل؟ فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان .
فـ (الأول) صاحب استعجال، و (الثاني) راجم بالغيب بمجرد الاحتمال .
و لكن صاحب هذا السؤال إذا تصوّر المنادي المسئول عنه تصوّرا صحيحا عن علم و رؤية سابقين أو حاضرين حال الدعاء، ثم سأله و دعاه عسى أن يستجاب له .
و أما من يقصد مناداة زيد و يطلب منه و هو يستحضر عمروا و يتوجّه إليه، ثم لم يجد الإجابة فلا يلومنّ إلا نفسه، فإنه ما نادى القادر على الإجابة والإسعاف لأنه توجّه إلى ما استحضره في ذهنه و خياله، و هو مثله عاجز عن الإجابة، و إن أثمر سؤاله على هذا فإنما أثمر بشفاعة حسن ظنه بالله، و شفاعته المعية الإلهية فإنه مع كل شي ء .
ورد في الخبر : " ما كان الله ليفتح لعبد الدعاء فيغلق عنه بال الإجابة الله أكرم من ذلك"
و هو لا يعلم ما في علم الله و العلم بما في علم الله من أعلى العلم بالله، و لا يكون إلا بسبق العناية .
قال الله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، و ما شاء الله كان و لا ما يعطيه استعداده في القبول، فإذا لم يعلم ما في نفسه من الاستعداد فهو بغيره أجهل .
قال تعالى عن عيسى عليه السلام يخاطب ربه و يناجيه: "تعلمُ ما في نفْسِي ولا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 116] .
أشار عليه السلام إلى نفسه فإنها ملك له تعالى، قال تعالى:"تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك "[ المائدة: 116] .
( فيها) لأن من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان و لا يكون ذلك العلم إلا لمن أشرف على الأعيان الثابتة أو أحاط بكل شيء علما .
أما من مقام ما ورد في الخبر : "من عرف نفسه فقد عرف ربه و من عرف علم ما في نفسه فعلم العالم بعلمه بنفسه"
قال رضي الله عنه في الوصل الخامس عشر من الخزائن من الفتوحات:
من أدرك الحق علما لم يفته من العلم الإلهي مسألة، كما أنه رأى الحق ببصره رأى كل شيء من العالم لا يفوته من أنواعه شيء: أي إذا رأى الحق في غير مادة، فافهم .
و أما من مقام قرب النوافل، فإنه علم الحق بالحق، فإنه عين قواه، و من كان هويته عين قواه لا يعزب عنه مثقال ذرة .
قوله رضي الله عنه: (في كل زمان فرد ): أي غير منقسم، و هو الآن الذي لا يتجزأ .
و من كان بهذا الكشف أدخل السؤال الاستعجال و الاحتمال في الكمال، لأنه
علم أنه لو لا ما أعطاه لاستعداد السؤال ما سأل، لأن كل طلب في العالم من كل طالب إنما هو طلبيّ و أتي ما به طلب عارض لا يكون بالذات، فإن هذا لا يكون أبدا بل إنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده .
فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب و انحجب الناس من قام به ذلك الأمر العارض بحيث يسمونه طالبا، و ليس الطالب إلا ذلك الأمر .
فالطلب له ذاتي، و الشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم في أمر ما أوجبه عليه هذا الأمر الذي حلّ به .
فالطلب ذاتي لذلك الأمر، و قد استخدم في تحصيله هذا الشخص الذي نزل به و لا شعور للناس بذلك.
ذكره رضي الله عنه في الباب السبعون وثلثمائة في معرفة منزل المريد وسر وسرين
من أسرار الوجود والتبدل وهو من الحضرة المحمدية من الفتوحات :
وإن كل طلب في العالم أو من كل طالب إنما هو طلب ذاتي ما ثم طلب عارض لا يكون بالذات هذا لا يكون وإنما يعرض للشخص أمر ما لم يكن عنده فهذا الأمر الذي حصل عنده هو الذي يكون له الطلب الذاتي للمطلوب وانحجب الناس بمن قام به ذلك الأمر العارض وهو الذي يسمونه طالبا وليس الطالب إلا ذلك الأمر فالطلب له ذاتي والشخص الذي قام به هذا الأمر مستخدم له إذ قد كان موجودا وهو فاقد لهذا الطلب فعلمنا أنه طلب مستخدم في أمر ما أوجب عليه هذا الأمر الذي حل به فالطلب ذاتي لذلك الأمر الملكية ومن الملك الذي يسدده ومن الوجه الخاص الإلهي بارتفاع الوسائط وأن يكون الحق عين قوله. أهـ
فإذا كان الأمر هكذا، فما ثم سؤال و طلب إلا عن اقتضاء ذاتي، فما يقع الاستعجال و لا الطلب و السؤال بمحض الاحتمال بل كل سؤال في وقته و هو مبذول، و لكن تميز مراتب الأسئلة و الأجوبة و معرفتها على قدر العلم بالله، و معرفة حقيقة نفسه نهاية أهل الحضور .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:20 عدل 2 مرات
الفقرة الرابعة الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم. وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، و صنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
(فغاية) أمر (أهل الحضور) مع الله تعالى (الذين لا يعلمون) من قبل حصول ما استعدوا له فيهم (مثل هذا) الاستعداد الذي فيهم أو في غيرهم:
لحصول السؤال والحصول معا.
أو السؤال فقط.
أو الحصول فقط.
أو السؤال فقط في وقت والحصول فقط في وقت آخر.
أو السؤال فقط في وقت والحصول مع السؤال في وقت آخر.
أو السؤال فقط بلا حصول مطلقا.
أو السؤال مكررا.
أو الحصول بعده فقط من غير سؤال.
أو بسؤال (أن يعلموه)، أي الاستعداد على ما ذكرنا (في الزمان الذي يكونون)، أي يوجدون فيه) سبب قبولهم لما أعطاهم الله تعالى من السؤال والحصول معا أو شيء مما ذكرنا فيطلعون على استعدادهم بقبولهم ذلك .
(فإنهم)، أي أهل الحضور (لحضورهم) مع الله تعالى في جميع أحوالهم مراقبين له تعالی به لا بأنفسهم يعلمون من أنفسهم جميع (ما)، أي الذي (أعطاهم الحق) تعالى (في ذلك الزمان) الفرد من المنح الربانية والمواهب الرحمانية (و) يعلمون أيضا (أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد) الذي فيهم لقبوله في ذلك الزمان، ولولا ذلك الاستعداد في ذلك الزمان ما قبلوه سواء سبق علمهم به على علمهم بالاستعداد القبوله، أو سبق علمهم بالاستعداد لقبوله على العلم به ولهذا قال :
(وهم)، أي أهل الحضور المذكورون (صنفان: صنف يعلمون من قبولهم) لما أعطاهم الحق تعالی استعدادهم لذلك فعلمهم بالاستعداد مأخوذ من القبول، لأنه فرع الاستعداد ووجود الفرع دليل على وجود الأصل (وصنف) آخر (يعلمون من استعدادهم) الذي يجدونه فيهم ويكشفون عنه ببصائرهم المنورة (ما) أي الذي (يقبلون) مما يعطيهم الحق تعالی، فعلمهم بالقبول مأخوذ من الاستعداد استدلالا بالأصل على الفرع.
وهذا الصنف الثاني (أتم ما)، أي شيء (يكون في معرفة الاستعداد) الذي هو في هذا الصنف الثاني، فإن الصنف الأول استدلوا بوجود قبولهم لما أعطاهم الحق تعالى على وجود استعدادهم لذلك، فقد تأخر علمهم باستعدادهم إلى أن ظهر قبولهم لما استعدوا له، فعلموا استعدادهم من قبولهم، فهم أنقص مرتبة في معرفة استعدادهم.
والصنف الثاني اطلعوا على استعدادهم أولا لما يعطيهم الحق تعالی باطلاع الله تعالى لهم على ذلك، فلما عرفوا استعدادهم عرفوا قبولهم لما استعدوا الله، فقد تقدم علمهم بالاستعداد على علمهم بالقبول، فعلموا قبولهم من استعدادهم وهي أكمل مرتبة في معرفة استعدادهم.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم. وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
فليس له نصيب في معرفة الاستعداد الأعلى الإجمال (فغاية أهل الحضور) في نهاية علمهم في الاستعداد (الذين لا يعلمون) استعدادهم (مثل هذا) أي في كل فرد وكان عطاؤهم من سؤال وإنما فيدنا به فإن أهل الحضور الذي كان عطاؤهم لا عن سؤال.
يذكر أحوالهم و مراتبهم في القسم الثاني (أن يعلموه) أي استعدادهم (في الزمان الذي يكونون فيه) ويعلمون أيضا في ذلك الزمان قبول استعدادهم (فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان) الذي يكونون فيه (وإنهم) لحضورهم يعلمون (ما قبلوه) أي لم يقبلوا ذلك الأمر الواصل إليهم.
قال الشيخ رضي الله عنه: (إلا بالاستعداد) الجزئي الخاص بذلك الزمان (وهم) أي أهل الحضور الذين وصفناهم بقولنا أن يعلموه.
(صنفان صنف يعلمون من قبولهم) ذلك الأمر (استعدادهم) أي قابلية ذواتهم واستحقاق أو هم بذاك الأمر (وصنف يعلمون من استعدادهم ما) أي الذي (يقبلونه وهذا) أي الصنف الذين يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه (أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف) أي من الصنف الذين يعلمون من قبولهم استعدادهم
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم. وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
و قوله رضي الله عنه : "فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق تعالى في ذلك الزمان وأنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد."
قلت: يعني بالاستعداد، التهيؤ للأمر ومن جملة الأمور السؤال، فلو لا أن السائل مستعد للسؤال ما سأل.
لكن من الناس من يعلم الاستعدادات ويعلم ما يقتضيه ومنهم من لا يعلم ذلك وهم الأكثرون.
فأما الذين يعلمون مقتضیات الاستعدادات تماما فهم الذين قطعوا السفر الثاني.
وذلك هو تفصيل التوحيد، و أكملهم معرفة في ذلك قطب الأقطاب وهو الذي شهد الشهود الذاتي المحيط وهذا الشخص هو الخليفة في الأرض عند الله تعالى سواء عرف أو لم يعرف لأنه
لا يعرف حقيقة أصلا، إذ لا يعرفه إلا من هو مثله فيجمعهم المرتبة، فيكونان واحدا في المرتبة وإن كانا إثنين في العدد بل لو كانوا آلافا. وأما من دون هذا المقام، فلا يعرفون من الاستعدادات إلا بقدر قرب مراتبهم من هذ الكامل وهذا الكامل هو الذي يصلح أن يكون رسولا فيما كان من الزمان قبل مبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وأما من بعده، فهم المشايخ الذين وردت الآية بالإخبار عنهم في قوله تعالى: "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " (يوسف: 108).
وهم الكمل أو من كان تابعا بالتقليد بخلاف الكامل، إذ هو من يلقي السمع وهو شهيد.
وأما الذين لا يعلمون الاستعدادات، فلا يصلح لهم أن يكون مشايخ يرشدون طالبي الحق تعالی.
وأما طالبوا ثواب الله تعالى، فيجوز أن يكون المرشد لهم من لا يعرف الاستعدادات لكن يجب أن يكون عالما بالشرع الشريف أعني ما يخص العبادات إذ هي المهم.
وقوله: "في كل زمان فرد"، إشارة إلى تنقل الاستعدادات في الزيادة والنقص الواقع في الأزمنة فإن لم يميز الانتقال المذكور فما يتهيأ له أن يعرف الاستعدادات تماما.
وقوله: "أنه يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه."
قلت: يعني حالة وصول العطاء إليهم يعلمون أنهم كانوا مستعدين لذلك العطاء.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.
وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
قال رضي الله عنه : "فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا" أي لا يعلمون بعلم الله وباستعداد السائل للمسئول.
" أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه ، فإنّهم بحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وأنّهم ما قبلوه إلَّا بالاستعداد
وهم صنفان : صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم ، وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه ، هذا أتمّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف " .
قال العبد : من السائلين الذين لا علم لهم بالاستعداد إذ كانوا أهل حضور ومراقبة ، فغايتهم إذا بالغوا في المراقبة واستكملوا مراتب الحضور أن يعلموا في كل آن من الزمان أحوالهم وما يعطيهم الحق من الواردات والتجلَّيات والعلوم والأخلاق ، فإذا تجدّد لهم حال ، وتحقّقوا الحقيقة أخلق إلهي أو أمر كونيّ ؟ أو ورد عليهم وارد ، علموا ذلك ، وعلموا مجملا أنّهم ما قبلوها إلَّا بالاستعداد .
وأهل الحضور والمراقبة على صنفين أيضا : صنف لم يكشفوا عن عالم المعاني والأعيان الثابتة ، فهم لا يعلمون استعداداتهم على التفصيل ، بل يعلمونها مجملا من أحوالهم ووارداتهم ، وصنف اقترن بحضورهم ومراقبتهم الكشف عن عوالم الغيب والحضرات العالية ، فعلموا أعيانهم الثابتة في العلم الأزلي الإلهي القائم بذات الحق ، فعلموا استعداداتهم من خصوصياتهم وقابلياتهم الأصلية الأزلية على وجه الإجمال ، ثم بتعيّن الحال يعلمون اقتران ألسنة استعداداتهم بالحضور والسؤال في الحال ، فيقع ما يسألون في الحال أو بعد تأخّر ، والصنف الثاني أكشف من الأوّل .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : ( فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم. وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
قال رضي الله عنه : " فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه ، فإنهم بحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان ، وأنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد وهم صنفان : صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم ، وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه ، هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف " .
أهل الحضور مع الله هم الذين يرون كل ما يصل إليهم سواء كان على أيدى العباد أو لا على أيديهم من الله ، ولا يرون غير الله في التأثير ولا في الوجود الذين يعلمون مثل هذا أي أن استعدادهم في كل وقت أي شيء يقبل فإنه لا يسعه إلا علم الله المحيط بكل شيء فغاية علمهم في حضورهم أن يعلموا ما أعطاهم الحق في الزمان الحاضر الذين يكونون فيه ، وإنهم ما قبلوه إلا باستعدادهم الفطري العيني .
وهؤلاء صنفان :
صنف يعلمون من قبولهم العطاء أنهم كانوا يستعدون له وهم كثير.
وصنف يعلمون الاستعداد قبل القبول فيعلمون من استعدادهم أنهم أي شيء يقبلون .
وهذا أتم معرفة الاستعداد وهم قليل .
ولما قسم العطايا إلى ما يكون عن سؤال وإلى ما يكون عن غير سؤال .
وقسم القسم الأول إلى ما يكون عن سؤال في أمر معين
وإلى ما يكون عن سؤال في غير معين .
ثم قسم السائلين بحسب الباعث على السؤال على قسمين .
وفرغ من بيان القسمين قال:
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : ( فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
قال رضي الله عنه : "فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا" أي، في كل وقت معين.
"أن يعلمون في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان" أي، غاية أهل الحضور والمراقبة الذين لا يعلمون استعدادهم في كل زمان من الأزمنة، أن يعلموااستعدادهم في زمان حضورهم بما أعطاهم الحق من الأحوال.
(وأنهم ما قبلوهإلا بالاستعداد). أي، ويعلمون أنهم ما قبلوا ذلك إلا بالاستعداد الجزئي فيذلك الزمان.
(وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم) وهم كالمستدلين من الأثر على المؤثر إلى الأثر. (وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه) كالمستدلين من المؤثر.
(وهذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف) لأنهم طلع بعينه الثابتة وبأحوالها في كل زمان، بل بأعيان غيره أيضا وأحوالهم.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم. وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
قال رضى الله عنه : "فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وأنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد.
وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف."
(فغاية أهل الحضور) أي: الذين يحضرون مع الله تعالى بتزكية أنفسهم، فيكاشفون بما يجري عليهم من الله من أين هو (الذين لا يعلمون مثل هذا) أي: استعدادهم لما يقبلونه في كل زمان فرد.
(أن يعلموه) أي: ذلك الاستعداد (فإنهم لحضورهم) الكائن بعد التزكية (يعلمون ما أعطاهم الحق) بجوده العام (في ذلك الزمان، وإنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد) الحاصل لهم في ذلك الزمان.
وإلا لوجب أن يحصل لكل أحد كل شيء؛ لعموم الجود فإن رأوا في ذلك نقصا أحالوه على قصور استعدادهم الذي هو مقتضى أعيانهم الثابتة.
وإن رأوا كمالا أحالوه على عموم الجود، وكمال الفضل الإلهي إذ لا يجب عليه شيء.
فلذلك ورد: "من وجد خيرا؛ فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك؛ فلا يلومن إلا نفسه".
(وهم) أي أهل الحضور الذين يعلمون بالكشف أن كل ما يجري على العبد بحسب استعداده (صنفان: صنف يعلمون من قبولهم) عند حصوله (استعدادهم) له، وهم الذين ذكر غايتهم فيما بعد، (وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه) قبل أن يقبلوه؛ لكنه في بعض الأحيان وبعض الأمور، (وهذا أتم في معرفة الاستعداد في هذا الصنف) أي: الذين لا يعلمون ما يستعد له الشخص في كل زمان فرد.
وإنما قال في هذا الصنف؛ لأن معرفة ما يذكرهم في القسم الثاني من العطايا التي لا تكون عن سؤال بالاستعداد أتم؛ لاطلاعهم على أحوال الأعيان الثابتة تفصيلا.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
القادمين من مسالك أهل البعد وأقاصي المقامات (فغاية أهل الحضور ,الذين لا يعلمون مثل هذا) قبل ورود وقته - فإن من أهل الحضور من يعلم ذلك على غاية موضه - ( أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه ، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وأنهم ما قبلوه الا بالاستعداد ) لأن موطن الاستعداد و موقف القابلية أقدس من أن يكون هناك لحجاب البعد حكم ، أو القهرمان الغيبة نفاذ أمر .
(وهم صنفان ) أي الواقفون من السائلين الحاضرين : ( صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم ، و صنف يعلمون من استعدادهم مايقبلونه ) فإن الاستعداد معدن نفائس العلوم والمعارف وسائر ما يستخرج من القوة إلى الفعل .
(هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف ) يعني صنف السائلين الحاضرين ، لأنه قادر على استعلام ما يؤول إليه كل استعداد وما ينتهي إليه مال كماله .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.)
قال رضي الله عنه : " فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وأنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، و صنف يعلمون من"
قال رضي الله عنه : (فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا)، أي مثل العلم الذي يحصل للكمل الندر.
بما في علم الله وبما يعطيه الاستعداد في جميع الأزمنة والأوقات على أن يكون مفعولا مطلقا.
ومثل ما في علم الله وما يعطيه الاستعداد فيكون مفعولا به ويكون لفظ المثل مقحمة (أن يعلموه في الزمان الذي يكون فيه) ويرد عليهم فيه ما يعطيهم الحق (فإنهم الحضورهم) مع ما يرد في كل زمان و مراقبتهم ذلك الزمان.
(یعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان) الذين هم فيه (و) يعلمون أيضا (أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد) لما أعطاهم (وهم)، أي أهل الحضور الذين يعلمون ما أعطاهم الحق في الزمان الذي يكون فيه.
(صنفان : صنف يعلمون من قبولهم) لما أعطاهم (استعدادهم) له فإنهم إذا وقفوا على ما أعطاهم الحق رجعوا إلى أنفسهم فوجدوا فيها استعداده الخاص و عرفوه حق المعرفة لأنهم يعلمون أن لهم أستعداد ما لذلك فإن أهل الحضور وغيرهم في هذا العلم سواء.
قال رضي الله عنه : "استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف. ".
(وصنف يعلمون من معرفة خصوص استعدادهم ما يقبلون) العطايا فإنهم إذا علموا حصول كمال استعدادهم الخاص لأمر ما حصل نهم يحصل من ذلك الأمر والتيقن بوجوده.
(هذا)، أي كون العلم بالاستعداد سابقا على العلم بما يقبلون (أتم ما يكون)، أي أكمل ما يكون (في معرفة الاستعداد في هذا الصنف). أي أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا فإنه بمنزلة الاستدلال من المؤثر الى الأثر أو بمنزلة الاستدلال من الأثر إلى المؤثر.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:40 عدل 2 مرات
الفقرة الرابعة الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل. فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد. و هم صنفان:
صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم. وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و لو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد . وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم و صنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف .)
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( الحضور) عبارة عن استجلاء المعلوم الذي هو عبارة عن صور تعقّلات العالم نفسه في علمه بحسب كل حالة من أحواله الذاتية، و استجلاء ذاته من حيث هي.
أعني: من حيث أحواله، و هو المعرف المعين بالعلم صور البواعث و حكمه: أي حكم الاستجلاء الثاني استجلاء المعلوم .
ذكره الشيخ صدر الملة و الدين القونوي قدّس سره في شرح الفاتحة، فنهاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا: أي العلم الذي من نتائج الإشراف على الأعيان الثابتة، الذي هو علم النفس أو إحاطة العلم بالعلم أن يعلموه: أي هذا العلم الغامض و هو كشف كل شي ء بالمقتضيات الطبيعية المسماة بالقابلية و الاستعداد في الزمان الذي يكون فيه: أي في الحضور .
فإنهم كحضورهم بالله أو بأنفسهم، فـ (الحاضر بالله) يعلم ما في نفسه، و (الحاضر بنفسه) يعلم ما في نفسه، يعلمون ما أعطاهم الحق من استعدادات الظهور و القبول في ذلك الزمان: أي في زمان الحضور و يعلمون أنهم ما قبلوه إلا باستعداد :
أي بطلبه و سؤاله من خيره و شره، ذكره رضي الله عنه في : إنه كثيرا ما كان الصديق الأكبر يتمثل بهذا البيت :
لو لم ترد نيل ما أرجو ...... من جود كفّك ما علمتني
قال تعالى: "فألهمها فجُورها و تقْواها" [ الشمس: 8] و ذلك الحضور لأرباب الحضور و الأحوال، حال زائل و ضيفه أحلّ .
و هذا الصنف من أهل الحضور (هم صنفان ): صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم كما يعلمون المؤثر بالأثر و هذا: أي صنف الأخير أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
أي صنف أهل الحضور لأنه علم الاستعداد القبول و عرف الأمر الواقع قبل الوقوع .
( ومن هذا الصنف ): أي الصنف الأخير وهو الذي يعلم من الاستعداد القبول وعرف، من يسأل سؤال طاعة و انقيادحيث رأى أنه أمر بالمسارعة إلى الخيرات، فسارع إلى العبودية .
قال تعالى: "ثمّ جِئْت على قدرٍ يا موسى" [ طه: 40]: أي في وقت الحاجة المجيء، وما سأل ما سأل إلا بالعلم والكشف والشهود لا كاستعجال المذموم، و لا للإمكان الذي كان رجما بالغيب و إنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله سبحانه : "ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ"[ غافر: 60].
.
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الخامسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "و من هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده. فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم. و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقدر المعين له عند الله. فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، و إذا تأخر الوقت إما في الدنيا و إما إلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا."
ومن هذا الصنف الثاني (من يسأل) ربه حاجة (لا للاستعجال) الذي خلق عليه العبد كما في الصنف الأول من أصناف السائلين (ولا للإمكان)، أي إمكان أن يكون حصول حاجته موقوفا على السؤال لعلمه أن ثمة أمورة لا تنال إلا بعد سؤال، فيحتاط في حاجته لاحتمال أن تكون من هذه الأمور، وهو الصنف الثاني من أصناف السائلين (وإنما يسأل) من ربه حاجته (امتثالا)، أي لأجل الامتثال اللازم عليه (لأمر الله) تعالى (في قوله تعالى: "أدعوني") أي اسألوا مني حوائجكم (" أستجب لكم") 60 سورة غافر .
أي أعطيكم ما سألتموه مني (فهو)، أي هذا السائل الذي إنما يسأل امتثالا لأمر الله تعالى (العبد) لله تعالى (المحض)، أي الخالص من شائبة الغرض النفساني حيث كان سؤاله قياما بما أمره الله تعالى به لا استعجالا بحاجته، ولا لاحتمال أن تكون حاجته موقوفة على السؤال لعلمه أن بعض الأمور كذلك، فغرضه في الحقيقة امتثال للأمر لا حصول حاجته.
ولهذا قال: (وليس لهذا الداعی) المذكور (همة متعلقة فيما يسأل) الله تعالى (فيه من أمر معین) عنده من الحاجة الفلانية أو الغرض الفلاني دنيوية أو أخروية (أو غیر معین) من ذلك (وإنما همته في امتثال أوامر سيده) التي أمره بها من جميع العبادات ، الدعاء بحوائجه وغير ذلك، فإن الأمر بالدعاء أمر غير موقت بوقت فهو موكول إلى الداعي.
(فإذا اقتضى الحال) الذي يكون فيه ذلك السائل بحسب ما يجده في قلبه من الإقبال على السؤال بطريق الإلهام من الله تعالى (السؤال)، أي الدعاء بحاجته يكون ذلك الاقتضاء الحالي إذنا من الله تعالى له بالسؤال وتعيينا منه تعالى لوقته المطلق
(فسأل) حينئذ من ربه حاجته ولا يصبر على فقدها (عبودية) منه لله تعالى (وإذا اقتضى الحال) في وقت آخر (التفويض) إلى الله تعالى والصبر على فقد حاجته
بالوجدان القلبي إلهاما له من الله تعالى بذلك (والسكوت) عن السؤال بحاجته (سكت) عنها ولم يسأل الله تعالى فيها .
(فقد ابتلي) أي ابتلاء الله تعالى (أيوب) النبي عليه السلام بما ابتلاه به (و) كذلك (غيره) من الأنبياء عليهم السلام وغيرهم (وما سألوا) الله تعالى (رفع)، أي إزالة (ما ابتلاهم الله) تعالى (به) عنهم بل اقتضاها لهم في الغالب التفويض.
التفويض إلى الله تعالى والسكوت عن السؤال في رفع ذلك عنهم اشتغالا منهم بالله تعالى عن التفرغ لذلك (ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر) إذا التفتوا إلى ذلك البلاء، فوجوده يقتضي إظهار الذل والافتقار والطلب من الله تعالی برفعه ومعاناتهم من (أن يسألوا) منه تعالى (رفع ذلك البلاء عنهم فسألوه) وهو قول أيوب عليه السلام: رب "أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)" سورة الأنبياء.
وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد هذا اليوم».
ودعاؤه عليه السلام على رعل وذكوان بعد احتمال أذاهم ودعائه على بعض المنافقين.
وكذلك قول نوح عليه السلام في قومه بعد احتمالهم مدة طويلة: "وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)" سورة نوح. (فرفعه)، أي أزال ذلك (الله) تعالى (عنهم) إجابة لدعائهم.
(والتعجيل)، أي الإسراع من الله تعالى (بالمسؤول فيه) من حاجات العبد (والإبطاء)، أي التأخير في ذلك إنما هو موكول (للقدر)، أي التقدير الإلهي المعين من الأزل (له)، أي لذلك الأمر المسؤول فيه من حاجات العبد (عند الله) تعالى فإنه تعالى يقول: " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)" سورة الحجر.
فالسؤال لذلك الشيء من جملة ذلك الشيء عند الله، فإذا تزل الله تعالى السؤال على عبد نزل من ذلك الشيء المسؤول فيه جزء بقدر معلوم، والباقي منه له قدر معلوم آخر ينزل فيه، وذلك القدر المعلوم قد يكون قريبا وقد يكون بعيدا، والذي قدره يعلمه ولهذا سماه قدرا معلوما، وقال تعالى: "قد جعل الله لكل شيء قدرا " 3 سورة الطلاق
أي مقدارة يكون فيه لا يزيد منه ولا ينقص وقال تعالى: "إنا كل شئ خلقناه بقدر" 49 سورة القمر. وقال : "وخلق كل شيء فقدره تقديرا"2 سورة الفرقان.
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ظهور الشيء بقدره الذي قدر له من الأزل لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه زمانا ولا مكانا ولا جسمانا.
(فإذا وافق السؤال) الصادر من العبد ذلك (الوقت) المعين له عند الله تعالی (أسرع) الله تعالى (بالإجابة) لذلك العبد في قضاء حاجته فقضيت من غير تأخير، وقلوب الصالحين قد تحس بوقت الإجابة المعين في علم الله تعالى إحساسا مستندة إلى إلهام أو غيره من نطق حرف قرآني أو إشارة كونية ونحو ذلك.
فلا يدعون الله تعالى إلا في ذلك الوقت المعين فتسرع لهم الإجابة من الله تعالی لعين ما سألوه، فيقال: فلان مستجاب الدعوة، وإذا أحس ببعد ذلك الوقت المعين لا يدعو الله تعالی فيقال عنه : لو دعا الله تعالى، لأجيب ولكنه ما دعا فلم يجب، والأمر على ما ذكرنا في نفس العارف به دون الجاهل.
(وإذا تأخر الوقت) المعين عند الله تعالی لوجود المسؤول فيه (إما في الدنيا) بأن تأخر عن وقت السؤال بسنة أو أقل أو أكثر ثم وجد فوجد المسؤول فيه (وإما في الآخرة) بأن تأخر عن الدنيا فكان وقت السؤال في الدنيا ووقت الإجابة في الآخرة
تأخرت الإجابة الفعلية من الله تعالى عن ذلك السؤال لتأخر وقتها المقدر لها من الأزل.
فإن كل شيء له وقت معلوم عند الله تعالى لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه، ولا بد أن يكون ذلك الشيء فيه حكمة إلهية أزلية.
قال تعالى: "ما يبدل القول لدى"29 سورة ق.
وذلك لأن قوله قديم، والقديم لا يتغير إذ لو تغیر كان حادثة (أي) تفسير للإجابة التي تتأخر حصول (المسؤول فيه) الذي هو مراد السائل (لا) تتأخر
(الإجابة) القولية (التي هي) قول (لبيك) تثنية لب يقال : لباه إذا أجابه يلبيه لبأ وتلبية ، يعني إجابة بعد إجابة .
وهي الإجابة القولية ثم الإجابة الفعلية (من الله) تعالی لذلك العبد السائل، بل هي حاصلة منه تعالى بعد كل السؤال من غير تأخير البتة كما وردت به الأخبار (فافهم) يا أيها المريد (هذا الكلام)، ولا يشكل عليك بعده معنى الإجابة الموجود بها كل سائل في قوله تعالى:" أدعوني أستجب لكم " 60 سورة غافر. وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا).
ففي بمعنی من (ومن هذا الصنف) أي ومن الصنف الثاني من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان وإنما بسال امتثالا لأمر الله .
في قوله: " ادعوني أستجب لكم " فهو (العبد المحض) التام في العبودية .
(وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما بسأل فيه من معين أو غير معين) حتى يسأل للاستعجال وللإمكان (وإنما همته) بسؤاله لفظة (في امتثال أوامر سیده).
و هيهات بين السائل للإمكان وبينه في رتبة العلم.
(فإذا اقتضى الحال) أي التجلي الإلهي الحاكم عليه في ذلك وقت (السؤال) اللفظي (سأل) أي طلب المأمور به (عبودية) لا لغرض من أغراضه النفسية .
وإذا اقتضى الحال (التفويض) أمره إلى الله فوض (و) إن اقتضى الحال (السكوت) عن طلب ما يحتاج إليه (سكت فقد ابتلى أيوب وغيره وما سئلوا رفع ما ابتلاهم الله به) مع شدة احتياجهم في ذلك الزمان رفع ما ابتلاهم الله تعالی به لاقتضاء حالهم السكون في ذلك الزمان .
(ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا) من الله (رفع ذلك) فيما ابتلي نسألوا امتثالا لأمر الله (فرفعه الله تعالى عنهم) أي أجاب الله عنهم سؤالهم .
فكانوا داخلين تحت حكومة الحال في الوقت وتابعون إليه في السؤال وعدمه .
فكان سكوتهم وسؤالهم لفظة امتثالا لأمر الله لعلمهم بالحال وبما يقتضيه من أمر الله منهم .
فهم سائلون بالسؤال اللفظي وقتا وغير سائلين وقتا .
فدل ذلك على أن أيوب ومن كان على حاله من هذا الصنف من أهل الحضور لا من الصنف الذي سيذكر .
وأما دعاء نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بقوله: "اللهم اجعل لي في قلبي نورا" الحديث وهو من دخول جميع العوالم فلا اختصاص له بصنف دون صنف.
كما قال : "أفلا أكون عبدا شكورا" (والتعجيل بالمسؤول فيه والابطاء) سواء سال استعجالا أو احتياطا أو امتثالا وسواء كان سؤالا معينا أو غير معين للقدر
(المعين له عند الله) أي لأجل تقدير الله بالمسؤول فيه بوقت معين من الأوقات. الأمور مرهونة بأوقاتها : (فإذا وافق السؤال الوقت) المعين للمسؤول فيه (أسرع بالإجابة) أي وقع مسؤول فيه في الحال.
(وإذا تأخر الوقت إما في الدنيا وإما في الآخرة تأخرت الإجابة أي المسؤول فيه إلى) وقت معين (لا) تأخرت (الإجابة التي هي لبيك من الله) إذا دعا العبد ربه شيئا فقال الله تعالی: لبيك يا عبدي فإن هذه الإجابة تقع في الحال قوله : (فافهم هذا) إشارة إلى أن من دعي من الله شيئا
فقال الله : لبيك يدل على قبول مراده من الله وأن عدم مسألته الآن لعدم حصول وقته.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قوله رضي الله عنه : "وهم صنفان صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف."
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: "ادعوني أستجب لكم" (غافر: 60).
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعی همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سیده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل سؤال عبودية وإذا اقتضى التفويض والسكوت سكت فقد ابتلى أيوب، عليه السلام، وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك، فسألوا فرفعه الله تعالی عنهم.
والتعجيل بالمسئول فيه والابطاء للقدر المعين له عند الله.
وإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، وإذا تأخر الوقت إما في الدنيا وإما في الآخرة، تأخرت الإجابة أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله تعالى فافهم هذا."
قلت: يعني أن قوما يستدلون بالأثر على المؤثر وقوما بالعكس.
قوله: "فهو العبد المحض."
قلت: يعني أن السؤال عبادة لكن على أهل الحجاب وأما أهل الشهود، فلا يسئلون أصلا .
وقد ورد في بعض المناجاة: «یا عبد طلبك مني وأنت لا تراني عبادة، وطلبك مني وأنت ترانی استهزاء» وما بعد هذا فهو مفهوم إلى قوله وأما القسم الثاني.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال رضي الله عنه : ( ومن هذا الصنف ) أي الذين لا يعلمون حال السؤال استعدادهم ولا علم الحق فيهم
من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان ، وإنّما يسأل امتثالا لأمر الله
في قوله : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم" ، فهو العبد المحض .
وليس لهذا الداعي همّة متعلَّقة فيما يسأل فيه من معيّن أو غير معيّن ، وإنّما همّته في امتثال أوامر سيّده ، فإذا اقتضى الحال السؤال ، سأل عبودية ، وإذا اقتضى التفويض والسكوت ، سكت .
فقد ابتلي أيّوب عليه السّلام وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به ، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك ، فرفعه الله عنهم ) .
قال العبد : هؤلاء عبيد الله الصدّيقون لا يسألون إذا سألوا معيّنا أو غيره استعجالا طبيعيا ، ولا احتياطا رغبة فيما رغبوا به أعني أهل الاحتياط أن يعطيهم الله ذلك لعلمهم بأن لا ينال ذلك إلَّا بالسؤال .
بل سؤالهم امتثال لأمر الله إيّاهم في قوله : "ادْعُونِي " ،حتى أنّ همّتهم غير متعلَّقة بالاستجابة إلَّا إذا كان مراد الله إجابتهم والسؤال.
لكنّهم يدعون الله لمّا أمرهم أن يدعوه لا غير ، فإن أجاب يلقوه بالشكر وبما يجب أن يتلقّوه به ، وإن لم يجبهم علموا أنّ المراد هو الدعاء .
فإن حصلت الإجابة ، علموا بالحال استعدادهم ، وإن لم يجابوا علموا تأخّر لسان الاستعداد إلى وقت آخر ، فأخّروا السؤال إلى ذلك الوقت وقدمّوه كذلك لوقته في الحال الحاضر.
وإن كان القسم الثاني من أهل الاستعداد والعلم به والعلم بالحال من استعداده قد يسأل الله مع علمه باستعداده لما هو أهل له في كل حال امتثالا مع علمه بوقوع المسؤول واقتران الاستعداد الحالي للسؤال .
ولكن لا يقصد الإجابة ، ولا يعلَّق همّته بالوقوع ، بل همّته امتثال أوامر الله ونواهيه ، فهو العبد المحض وهذا الصنف أكمل ممّن تقدّمه ، فافهم .
وإذا اقتضى الحال السؤال ، وأحسّ أنّ المراد الإلهي هو الدعاء والسؤال ، دعا وسأل عبودية ورقّا وامتثالا ، وإن عرف من استعداده الحالي أنّ الابتلاء تمحيص وتكميل ورضوان من الله ، صبر وفوّض إلى الله وسكت عالما بأنّ الله لا يبقى عليه حكم حضرة القهر والجلال دائما .
بل لا بدّ من اضمحلال آثار القهر العرضي في اللطف والرحمة الذاتيين من قوله : « سبقت رحمتي غضبي » فيمن يغضب عليه ، ولا سيّما في حق من سبقت رحمة الله به أزلا بكمال القيام في حقّه ، مثل أيّوب عليه السّلام صبر ولم يسأل رفع الضير عنه ابتداء ، لعلمه بالحال والاستعداد الحالي.
وكذلك كلّ محنة وابتلاء يبتلي به الله عباده ليس من باب القهر المحض فإنّها رحمة خاصّة ونعمة في صورة محنة ونقمة ، لا يرغب فيها إلَّا العلماء بمراد الله وعلمه والمطَّلعون على سرّ القدر .
فإذا علموا وصول أوان انفصال الضرّاء والبأساء ، وحصول زمان اتّصال الرخاء والسرّاء ، دعووا الله تعالى ، فرفع عنهم الضرّ ، وبدّل لهم باليسر العسر .
تبرّيا عن توهّم المقاومة والمقاواة للقهر الإلهي في عدم السؤال والمداواة ، فكانوا في حالتي السؤال وعدم السؤال عباد الله الأدباء الناظرين إلى أمر الله وحكمه بموجب إرادته وعلمه .
قال الشيخ رضي الله عنه : " والتعجيل بالمسؤول فيه والإبطاء للقدر المعيّن له عند الله ، فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة ، وإذا تأخّر الوقت إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة ، تأخّرت الإجابة أي المسؤول فيه ، لا الإجابة التي هي لبّيك من الله .فافهم هذا».
قال العبد : اعلم : أنّ كل سؤال يسأله العبد من الله فلا بدّ وأن يجيبه فيه لا محالة وقد أوجب على نفسه الإجابة بقوله : “ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ “ وأنّه لا أوفى من الله بعهده ووعده ، فإذا دعاه العبد ، أجابه في الحال بلبّيك ، وذلك في مقابلة ما يلبّى العبد إذا دعاه .
ولكنّ الله تعالى إذا علم من العبد تأخّر ظهور الاستعداد الحالي عن حصول المسؤول ، بادره الله في الحال بما يعينه على كمال القابلية والاستعداد ، وبعده لقبول تجلَّي الإجابة في عين المسؤول وذلك لعدم موافقة الاستعداد وقت السؤال .
فإذا جاء الوقت المقدّر لحصول عين المسؤول ، ووافقه السؤال ، أجيب في الحال ، فالإجابة إذن من أوّل وقت السؤال أيّ سؤال كان ، ومن أيّ سائل كان واجبة الوقوع من الله ، ولكن ظهور حكمها عند السائل بقدر استعداده وقابليّته ، وأوان ظهور حكم الإجابة إنّما هو في إعداده وإمداده تكميل استعداده لظهور المسؤول المأمول .
وإذا علم الله من العبد كمال الاستعداد في السؤال بلسانه الحالي والذاتي والاستعدادي قبل سؤاله بلسانه الشخصي ، بعثه على السؤال ، وأجابه في الحال ، فمن لم يعثر على هذا السرّ ظنّ أنّ سؤال بعض العبيد لا تتأخّر عنه الإجابة والبعض غير مجاب.
وليس الأمر كما ظنّ ، بل كان دعاء كلّ داع يدعو الله في شيء فإنّه مجاب ، ولكنّ الأمر كما أمر الله تعالى " وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله " 38 سورة الرعد .
وهو الكمال الثاني والقابلية والاستعداد ، " فَإِذا جاءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ " 78 سورة غافر.
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام وغيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، وإِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا وإِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال الشيخ رضي الله عنه: " ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " فهو العبد المحض وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل فيه من معين أو غير معين ، وإنما همته في امتثال أوامر سيده ، فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية وإذا اقتضى التفويض والسكوت سكت ، فقد ابتلى أيوب وغيره وما سألوه رفع ما ابتلاهم الله به ، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم ".
أي ومن القسم الأول الذي عطاؤه عن السؤال صنف ثالث يسأل لا للاستعجال الطبيعي أي للعجلة التي هي مقتضى الطبيعة البشرية وداعية الهوى النفساني .
ولا للإمكان أي لأنه يمكن أن يكون المسئول موقوفا على السؤال بأن الله علقه بسؤال بل سأل الله امتثالا لأمره ، فإن العبد مأمور بالسؤال والدعاء.
كما قال تعالى : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ".
فغرض هذا العبد من السؤال ليس إلا العبادة لا المسئول ولا الإجابة .
فلا يتمنى الإجابة فهو عبد محض ، إذ ليست همته في دعائه متعلقة بشيء معين يطلبه أو غير معين بل امتثال أوامر سيده ، والباقي ظاهر .
إلى قوله: ( والتعجيل بالمسئول فيه والإبطاء للقدر المعين له عند الله ) أي التعجيل في الإجابة وإنجاح المطلوب والتأخير فيه إنما يكون للقدر المعين ، أي للأجل المسمى الذي عين وجود ذلك المطلوب عند الله فيه .
فالتعجيل مبتدأ والإبطاء عطف عليه وخبره للقدر ، أي التعجيل والإبطاء ثابت للقدر المعين والوقت المسمى عند الله .
فإن لكل حادث وقتا معينا عند الله يقارنه في اللوح القدري ، لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه
( فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة وإذا تأخر الوقت ) أي وقته المقدر الذي هو فيه.
( إما في الدنيا وإما في الآخرة ، تأخرت الإجابة ) أي المسئول فيه إلى ذلك الوقت ( لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا ) .
والمراد بالإجابة الإجابة بالفعل وهو حصول المسئول ، لا الإجابة بالقول الذي هو لبيك .
فقد يكون العبد محبوبا إلى الله ويجيب سؤاله بلبيك .
ولا يجيبه بإعطاء ما سأل لما يرى له من المصلحة في التأخير كما قدر مع أنه يحب سؤاله ودعاءه ويزيد في قربه وكرامته ويسمع إليه ويرضاه .
ولهذا قال فافهم هذا فقد يحب الله العبد ويجيب سؤاله ، ولا يعطيه المسئول لحبه له .
وقد يعطيه ولا يحبه بل يستدرجه.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، وإِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا وإِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال رضي الله عنه : "في كتاب مرقوم يشهده المقربون". وهذا الكامل هو الذي يقدر على تكميل غيره من المريدين والطالبين.
(ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان، و إنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: "أدعوني أستجب لكم".
فهو العبد المحض أي، هو العبد التام في العبودية الممتثلين لأوامره كلها من غير شوب من الحظوظ، لأنه بحضوره دائما يعرف استعداده وما يفيض من الحق من التجليات بحسب استعداده عليه، فيكون سؤاله لفظا امتثالا لأمره تعالى كما مر.
(وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل منه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده) لأنه منزه عن طلب غير الحق من المطالب الدنياوية والأخراوية، بل نظره على الحق جمعا في مقام وحدته، وتفصيلا في مظاهره.
(فإذا اقتضى الحال السؤال) أي اللفظي. (يسأل عبودية، وإذا اقتضى) أي الحال.
(التفويض والسكوت، سكت. فقد ابتلى أيوب وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به. ثم اقتضى لهم الحال) أي اقتضى حالهم.
(في زمان آخر أن يسألوه رفع ذلك، فسألوا، فرفعه الله عنهم). ظاهر.
(والتعجيل بالمسؤول فيه والإبطاء للقدر المعين له) أي، للمسؤول فيه.
(عند الله). أي، التعجيل في الإجابة والإبطاء فيها إنما هو للقدر، أي، لأجل القدر المعين وقته في علم الله وتقديره كذلك.
فقوله: (للقدر) خبر المبتدأ وهو (التعجيل.)
(فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة) أي، حصول المسؤول في الحال.
(وإذا تأخر الوقت) أي، وقت حصول المسؤول.
(إما في الدنيا) كالمطالب الدنياوية إذا تأخرت إجابتها.
(وإما في الآخرة) كالمطالب الأخراوية.
(تأخرت الإجابة، أي المسؤول فيه) إلى حصول وقتها. (لا الإجابة التي هي لبيكمن الله، فافهم هذا). إشارة إلى ما جاء في الحديث الصحيح: (إن العبد إذا دعاربه، يقول الله : لبيك يا عبدي). في الحال من غير تأخر عن وقت الدعاء. ومعنى (لبيك) من الله ليس إلا إجابة المسؤول في الحال، لكن ظهوره موقوف إلى الوقت المقدر له.
بل الحق تعالى ما يلقى في قلب العبد الدعاء والطلب إلا للإجابة، لذلك قال: (لا الإجابة التي هي لبيك من الله.).
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، وإِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا وإِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال الشيخ رضي الله عنه: "ومن هذا الصنف" أي: صنف أهل الحضور الذين يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه يدل على هذا التقييد مع قرب الإشارة قوله: فيما بعد فإذا اقتضى الحال السؤال سأل ووجه التخصيص بهم أن سؤالهم لما كان بالعبودية.
فلا بد أن يعلموا ما يتعبدون به في كل حال (من يسأل لا للاستعجال) لكونه من أهل التركية والحضور (ولا للإمكان) أي: إمكان توقف المسئول على السؤال؛ لأنه وافق ما يقبله من استعداده، (وإنما يسأل امتثالا لأمر الله) المخصوص بذلك الوقت باعتبار ما علم من استعداده الخاص أنه متعبد به في ذلك الوقت، وذلك الأمر هو المذكور في قوله: " ادعوني أستجب لكم " [غافر:60]).
وإنما خصصناه مع عمومه لما يذكر بعد (فهو العبد المحض) "أي الخالص عن شوب الربوبية، وليس لهذا الداعي همة داعية متعلقة فيما يسأل فيه من معين أو غير معين وإنما همته في امتثال أوامر سیده."، أما كونه عبدا؛ فلان الدعاء مخ العبادة، وأما كونه محضا؛ فلانه (ليس هذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل فيه) سواء كان مسئولة (من معين أو غير معين) بخلاف من تقدم.
فإنه يقصد في المعين ذلك المعين من حيث هو، وفي غيره إعانة مصلحة نفسه فهو عبد لذلك المعين ولمصالح نفسه، وهذا ليس كذلك؛ لأنه (إنما همته) في المعين وغيره (في امتثال أوامر سيده)، وإنما جمع لأوامر؛ ليشير إلى وجه تخصيص الأمر بالدعاء بوقت خاص إذ لا بد من ذلك عند ازدحام الأوامر الكثيرة، ويعرف ذلك التخصيص من يعلم القبول من الاستعداد.
فلذلك قال: (فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية)، وإن علم حصوله باستعداده مع أنه لا قصد له في الحصول أيضا، (وإن اقتضى التفويض والسكوت) عن السؤال (سكت).
قال رضي الله عنه : "فقد ابتلي أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به،ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم.
والتعجيل بالمسئول فيه والإبطاء للقدر المعين له عند الله.
فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، وإذا تأخر الوقت إما في الدنيا وإما إلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا."
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:41 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الخامسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده. فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، وإِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا وإِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال رضي الله عنه : (ومن هذا الصنف) أي السائلين الحاضرين (من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان ، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله: " أدعوني أستجب لكم" فهو العبد المحض) الذي لايشوب صرافة عبودته بنسبة اختيار ، ولا إرادة مطلوب أو طلب مراد.
كما قيل :
سقط اختياري مذ فني بحبكم …. عني ، فلا أرجو ولا أتطلب
ليس المحب حقيقة من يشتهي …. أو يشتكي ، أو يرتجي ، أو يرهب
قال رضي الله عنه : (وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه - من معين أو غير معين وإنما همته في امتثال أوامر سیده ، فإذا اقتضى الحال السؤال ، سأل عبودية ، وإذا اقتضى التفويض والسكوت ، سکت) لأن أحوال هذا العبد إنما يجري على مقتضى إرادة مولاه ، فكل ما يقتضيه حاله فهو مراد مولاه و مأموره.
ولذلك يستلذ به ، وإن كان مما ينافر طبعه ويؤلم نفسه كما قيل :
حسب المحب تلذذا بغرامه …. من كل ما يهوى وما يتطلب
خمر المحبة لا يشم نسيمها …. من كان في شيء سواها يرغب
وهذه المرتبة الامتثالية للسائلين تناسب طور النبوة ، فإنها كمال مرتبة العبودية التي هي أصل تلك المرتبة - على ما سيجيء تحقيقه - كما أن المرتبة الإمكانية لهم تناسب طور الولاية ، لأن أصله وباعثه العلم . "" أصله الأعلي النور الأزلي الساري بالحب لله فى الله و الصدق و الإخلاص لوجه لله ""
ولذلك قال: (فقد ابتلي أيوب وغيره ، وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به ، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك ، فرفعه الله عنهم) .
قال رضي الله عنه : ( والتعجيل بالمسؤول فيه و الإبطاء) ليس إلا (للقدر المعين له عند الله ). لادخل لدعاء العبد فيه أصلا ( فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة ، وإذا تأخر الوقت - إما في الدنيا وإما إلى الآخرة - تأخرت الإجابة - أي المسؤول فيه ، لا الإجابة التي هي « لبيك » من الله - فافهم هنا).
فإنها لاتتخلف عن السؤال أصلا ، لأنه موعود بقوله :
" أجيب دعوة الداع إذا دعان». وقوله: "ادعوني أستجب لكم ". وقوله: " فاذكروني أذكركم ".
ولا يمكن له أن يخلف الوعد ، فإنه لا يقبل الحلف بالنسبة إليه - بخلاف الوعيد .
وأيضا فإن الوجود الكلامي و الصور الحرفية هي أقرب ما ينسب إليه صدور الآثار المسؤول عنها ، فلذلك ترى الحق إذا أراد الظهور بصورة الأثر قال : «کن» ، وبه ظهر العوالم والآثار ، فهي صاحب الأثر بالذات ، لايمكن أن يتخلف عنها ، وكأن قوله : « فافهم » إشارة إلى هذه الدقيقة .
فعلم أن أصناف السائلين - أقل ما يحصل من هذا التقسيم - خمسة ، وهم في التقسيم الأول الحاصل من قوله :
"منها ما يكون عن سؤال " ثمانية أقسام ، فالحاصل من المجموع یکون أربعين صنفا ، لكن الكتل منهم ثلاثة :
السائل بالإمكان .
والعبد الممتثل والمطلع على مؤدي الاستعدادات .
العارف من نفس الاستعداد ما يقبله من الكمال .
هذا تمام الكلام في القسم الأول يعني السائلين .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، وإِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا وإِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال رضي الله عنه : "و من هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية وإذا اقتضى التفويض والسكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم. والتعجيل بالمسئول فيه والإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه."
قال رضي الله عنه : (ومن هذا الصنف)، أي أهل الحضور المذكورين أو من الصنف الثاني منهم.وهو من يعلم من استعداده القبول.
فإن الصنف الأول لا سؤال له, فإن بعد العلم بقبوله المسؤول لا معقولية للسؤال (من يسأل لا للاستعجال) الطبيعي .
فإنه لا حكم للطبيعة على أهل الحضور (ولا للإمكان)، لأنه على يقين في حصول السؤال في الزمان الذي هو فيه وإنما يسأل امتثالا لأمر الله .
في قوله تعالى: "أدعوني أستجب لكم " (فهو العبد المحض) لله سبحانه ليس فيه شوب ربوبية ولا شائبة رقيه الأمر سواه.
(وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل فيه من) مسؤول (معين أو غير معين وإنما همته مصروفة في امتثال أوامر سيده) غير متجاوزة إلى مطلوب غيره.
فإنه لا مطلوب له سواه، ولا يطلب في الدارين إلا إياه .
قال رضي الله عنه : (فإذا اقتضى الحال السؤال) اللفظي (سال عبودية وإذا اقتضى التفويض)، أوكله الأمر إليه سبحانه.
(والسكوت) عن السؤال (سكت) عنه (فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره) من الأنبياء والأولياء (وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به) أولا (ثم اقتضى لهم الحال) ثانيا .
(في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك)، أي رفع ما ابتلاهم به (فسألوا رفعه فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسؤول فيه)، أي الشيء الذي وقع السؤال في شأنه (والابطاء) إنما هو (للقدر المعين له).
قال رضي الله عنه : "فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا."
أي: تئوقت المقدر المعين المسؤول فيه (عند الله) لا دخل لدعاء العبد ربه أصلا (فإذا وافق السؤال)، أي وقته (الوقت) المقدر عند الله للإجابة بإعطاء السؤال فيه بأن يكون واحدة (أسرع) الله (سبحانه بالإجابة إذا تأخر الوقت).
أي حصل الوقت المقدر للإجابة متأخرة عن وقت السؤال (إما في الدنيا) كما إذا حصل الأمر المسؤول فيه في الدنيا (وإما في الآخرة) كما إذا حصل الأمر فيه في الآخرة.
(تأخرت الإجابة أي المسؤول فيه) يعين إجابة (لا الإجابة التي هي لبيك من الله سبحانه).
فإنها لا تتأخر عن السؤال لما جاء في الخبر الصحيح:
"إذا أحب الله عبدا أو أراد أن يصافيه؛ صب عليه البلاء صبا، وثجه عليه ثجا، فإذا دعا العبد قال: يا رباه!
قال الله: لبيك عبدي، لا تسألني شيئا إلا أعطيتك، إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك".أورده المنذري في الترغيب والترهيب وما بين الإجابتين من الالتباس، أردفه بقوله: (فافهم).
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر اللّه تعالى في قوله: ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ [ غافر: 60] فهو العبد المحض.
و ليس لهذا الداعي همة متعلقة في ما يسأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده .بل نظره على الحق جمعا في مقام وحدته و تفصيلا في مظاهره، فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت .
فقد ابتلى أيوب وغيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فسألوا فرفعه الله عنهم. و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقدر المعين له عند الله .)
قال الشارح رحمة الله :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده. فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، وإِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا وإِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال رضي الله عنه : (ومن هذا الصنف) أي السائلين الحاضرين (من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان ، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله: " أدعوني أستجب لكم" فهو العبد المحض) الذي لايشوب صرافة عبودته بنسبة اختيار ، ولا إرادة مطلوب أو طلب مراد.
كما قيل :
سقط اختياري مذ فني بحبكم …. عني ، فلا أرجو ولا أتطلب
ليس المحب حقيقة من يشتهي …. أو يشتكي ، أو يرتجي ، أو يرهب
قال رضي الله عنه : (وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه - من معين أو غير معين وإنما همته في امتثال أوامر سیده ، فإذا اقتضى الحال السؤال ، سأل عبودية ، وإذا اقتضى التفويض والسكوت ، سکت) لأن أحوال هذا العبد إنما يجري على مقتضى إرادة مولاه ، فكل ما يقتضيه حاله فهو مراد مولاه و مأموره.
ولذلك يستلذ به ، وإن كان مما ينافر طبعه ويؤلم نفسه كما قيل :
حسب المحب تلذذا بغرامه …. من كل ما يهوى وما يتطلب
خمر المحبة لا يشم نسيمها …. من كان في شيء سواها يرغب
وهذه المرتبة الامتثالية للسائلين تناسب طور النبوة ، فإنها كمال مرتبة العبودية التي هي أصل تلك المرتبة - على ما سيجيء تحقيقه - كما أن المرتبة الإمكانية لهم تناسب طور الولاية ، لأن أصله وباعثه العلم . "" أصله الأعلي النور الأزلي الساري بالحب لله فى الله و الصدق و الإخلاص لوجه لله ""
ولذلك قال: (فقد ابتلي أيوب وغيره ، وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به ، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك ، فرفعه الله عنهم) .
قال رضي الله عنه : ( والتعجيل بالمسؤول فيه و الإبطاء) ليس إلا (للقدر المعين له عند الله ). لادخل لدعاء العبد فيه أصلا ( فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة ، وإذا تأخر الوقت - إما في الدنيا وإما إلى الآخرة - تأخرت الإجابة - أي المسؤول فيه ، لا الإجابة التي هي « لبيك » من الله - فافهم هنا).
فإنها لاتتخلف عن السؤال أصلا ، لأنه موعود بقوله :
" أجيب دعوة الداع إذا دعان». وقوله: "ادعوني أستجب لكم ". وقوله: " فاذكروني أذكركم ".
ولا يمكن له أن يخلف الوعد ، فإنه لا يقبل الحلف بالنسبة إليه - بخلاف الوعيد .
وأيضا فإن الوجود الكلامي و الصور الحرفية هي أقرب ما ينسب إليه صدور الآثار المسؤول عنها ، فلذلك ترى الحق إذا أراد الظهور بصورة الأثر قال : «کن» ، وبه ظهر العوالم والآثار ، فهي صاحب الأثر بالذات ، لايمكن أن يتخلف عنها ، وكأن قوله : « فافهم » إشارة إلى هذه الدقيقة .
فعلم أن أصناف السائلين - أقل ما يحصل من هذا التقسيم - خمسة ، وهم في التقسيم الأول الحاصل من قوله :
"منها ما يكون عن سؤال " ثمانية أقسام ، فالحاصل من المجموع یکون أربعين صنفا ، لكن الكتل منهم ثلاثة :
السائل بالإمكان .
والعبد الممتثل والمطلع على مؤدي الاستعدادات .
العارف من نفس الاستعداد ما يقبله من الكمال .
هذا تمام الكلام في القسم الأول يعني السائلين .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، وإِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا وإِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.)
قال رضي الله عنه : "و من هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية وإذا اقتضى التفويض والسكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم. والتعجيل بالمسئول فيه والإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه."
قال رضي الله عنه : (ومن هذا الصنف)، أي أهل الحضور المذكورين أو من الصنف الثاني منهم.وهو من يعلم من استعداده القبول.
فإن الصنف الأول لا سؤال له, فإن بعد العلم بقبوله المسؤول لا معقولية للسؤال (من يسأل لا للاستعجال) الطبيعي .
فإنه لا حكم للطبيعة على أهل الحضور (ولا للإمكان)، لأنه على يقين في حصول السؤال في الزمان الذي هو فيه وإنما يسأل امتثالا لأمر الله .
في قوله تعالى: "أدعوني أستجب لكم " (فهو العبد المحض) لله سبحانه ليس فيه شوب ربوبية ولا شائبة رقيه الأمر سواه.
(وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل فيه من) مسؤول (معين أو غير معين وإنما همته مصروفة في امتثال أوامر سيده) غير متجاوزة إلى مطلوب غيره.
فإنه لا مطلوب له سواه، ولا يطلب في الدارين إلا إياه .
قال رضي الله عنه : (فإذا اقتضى الحال السؤال) اللفظي (سال عبودية وإذا اقتضى التفويض)، أوكله الأمر إليه سبحانه.
(والسكوت) عن السؤال (سكت) عنه (فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره) من الأنبياء والأولياء (وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به) أولا (ثم اقتضى لهم الحال) ثانيا .
(في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك)، أي رفع ما ابتلاهم به (فسألوا رفعه فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسؤول فيه)، أي الشيء الذي وقع السؤال في شأنه (والابطاء) إنما هو (للقدر المعين له).
قال رضي الله عنه : "فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا."
أي: تئوقت المقدر المعين المسؤول فيه (عند الله) لا دخل لدعاء العبد ربه أصلا (فإذا وافق السؤال)، أي وقته (الوقت) المقدر عند الله للإجابة بإعطاء السؤال فيه بأن يكون واحدة (أسرع) الله (سبحانه بالإجابة إذا تأخر الوقت).
أي حصل الوقت المقدر للإجابة متأخرة عن وقت السؤال (إما في الدنيا) كما إذا حصل الأمر المسؤول فيه في الدنيا (وإما في الآخرة) كما إذا حصل الأمر فيه في الآخرة.
(تأخرت الإجابة أي المسؤول فيه) يعين إجابة (لا الإجابة التي هي لبيك من الله سبحانه).
فإنها لا تتأخر عن السؤال لما جاء في الخبر الصحيح:
"إذا أحب الله عبدا أو أراد أن يصافيه؛ صب عليه البلاء صبا، وثجه عليه ثجا، فإذا دعا العبد قال: يا رباه!
قال الله: لبيك عبدي، لا تسألني شيئا إلا أعطيتك، إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك".أورده المنذري في الترغيب والترهيب وما بين الإجابتين من الالتباس، أردفه بقوله: (فافهم).
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر اللّه تعالى في قوله: ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ [ غافر: 60] فهو العبد المحض.
و ليس لهذا الداعي همة متعلقة في ما يسأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده .بل نظره على الحق جمعا في مقام وحدته و تفصيلا في مظاهره، فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت .
فقد ابتلى أيوب وغيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فسألوا فرفعه الله عنهم. و التعجيل بالمسئول فيه و الإبطاء للقدر المعين له عند الله .)
قال الشارح رحمة الله :
( فهو العبد المحض ): أي الخالص عن شرب الربوبية، و ليس لهذا الداعي همة داعية متعلقة فيما يسأل فيه من معين أو غير معين و إنما همته في امتثال أوامر سيده .
و رأى إنه تعالى مدح طائفة بأنهم كانوا يدعونه رغبا و رهبا، و شكرهم على ذلك و خاطب نبيه و صفيه صلى الله عليه و سلم بقوله : " قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعائكم".
فإذا اقتضى الحال و الوقت و السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض والسكوت سكت .
قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون: "وأفوضُ أمْري إلى اللّهِ " [ غافر: 44] .
والتفويض ردّ الأمر إلى صاحبه المدبر عند شهوده أن الحركة والسكون صادرة عن الحق بلا واسطة، فيرى الحركة من اسمه الباسط و يشهد السكون من اسمه القابض، فافهم .
( فقد ابتلى أيوب عليه السلام و غيره) و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى فهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفع الله عنهم .
و هنا تفصيل آخر من حيث إجابة السؤال، فإن الإجابة على ضروب شتى إجابة في عين المسئول فيه و بذله على التعيين دون تأخير و تراخ أو بعد مدة .
و إجابة ثمرتها التفكر، و قد نبهت الشريعة على ذلك، و إجابة بلبيك أو ما يقوم مقامه و كل دعاء و سؤال يصدر من الداعي بلسان من الألسنة المذكورة في تقاسيم الأسئلة حسّب علم الداعي بالمسئول منه و المسئول فيه .
ولصحة التصور وجودة الاستحضار في القبول أثر عظيم اعتبره صلى الله عليه و سلم حيث حرض عليه عليا رضي الله عنه و كرم وجهه، لما علمه الدعاء و فيه: "اللهم اهدني و سدّدني."
فقال له: اذكر بهدايتك هداية الطريق، و بالسداد سداد السهم، فأمره باستحضار هذين الأمرين حال الدعاء، فافهم .
(قل يا علي اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم) قال القاضي : أمره بأن يسأل الله الهداية والسداد وأن يكون في ذلك مخطرا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم وسدادا كسداد السهم نحو الغرض والمعنى أن يكون في سؤاله طالبا غاية الهدى ونهاية السداد اهـ. فتح القدير للمناوي
فلما كانت إجابة السؤال على أنحاء شتى، فقال: و التعجيل بالمسئول فيه: أي سرعة حصوله، و الإبطاء بالمسئول فيه يكون للقدر المعين: أي بحسب القدر أو بحسب الوقت له: أي للمسئول فيه.
قال تعالى: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائِنهُ وما ننِّزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21] و هو وقته، و كذلك مقداره عند الله و لكن من حضرة المقيت فإنه سار به: أي خادم الحق و خادمه في القدر و أحكامه، و هي حضرة تعين الأوقات و الأقوات و موازينها .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( فإذن وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، و إذا تأخر الوقت إما في الدنيا و إما في الآخرة تأخرت الإجابة، أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا .)
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فإذا وفق السؤال الوقت أسرع بالإجابة) كما إذا وفق الدواء الداء يرى بإذن الله، و لا يعلم تلك الموافقة إلا من أشرف على الحقائق في موطنها و الأعيان في عدمها ثابتة في العلم، و لا أعيان لها في الوجود فمن يكون بهذا الكشف و الحال فلا يسأل المحال.
(و إذا تأخر الوقت ): أي وقت الإجابة بتقدم السؤال قبل الوقت إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة تأخرت الإجابة لفوات شرط الإجابة، و هو المقابلة: أي مقابلة السؤال .
قال الشيخ صدر الدين قدّس سره في شرح الفاتحة:
و رأى إنه تعالى مدح طائفة بأنهم كانوا يدعونه رغبا و رهبا، و شكرهم على ذلك و خاطب نبيه و صفيه صلى الله عليه و سلم بقوله : " قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعائكم".
فإذا اقتضى الحال و الوقت و السؤال سأل عبودية، و إذا اقتضى التفويض والسكوت سكت .
قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون: "وأفوضُ أمْري إلى اللّهِ " [ غافر: 44] .
والتفويض ردّ الأمر إلى صاحبه المدبر عند شهوده أن الحركة والسكون صادرة عن الحق بلا واسطة، فيرى الحركة من اسمه الباسط و يشهد السكون من اسمه القابض، فافهم .
( فقد ابتلى أيوب عليه السلام و غيره) و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به، ثم اقتضى فهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفع الله عنهم .
و هنا تفصيل آخر من حيث إجابة السؤال، فإن الإجابة على ضروب شتى إجابة في عين المسئول فيه و بذله على التعيين دون تأخير و تراخ أو بعد مدة .
و إجابة ثمرتها التفكر، و قد نبهت الشريعة على ذلك، و إجابة بلبيك أو ما يقوم مقامه و كل دعاء و سؤال يصدر من الداعي بلسان من الألسنة المذكورة في تقاسيم الأسئلة حسّب علم الداعي بالمسئول منه و المسئول فيه .
ولصحة التصور وجودة الاستحضار في القبول أثر عظيم اعتبره صلى الله عليه و سلم حيث حرض عليه عليا رضي الله عنه و كرم وجهه، لما علمه الدعاء و فيه: "اللهم اهدني و سدّدني."
فقال له: اذكر بهدايتك هداية الطريق، و بالسداد سداد السهم، فأمره باستحضار هذين الأمرين حال الدعاء، فافهم .
(قل يا علي اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم) قال القاضي : أمره بأن يسأل الله الهداية والسداد وأن يكون في ذلك مخطرا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم وسدادا كسداد السهم نحو الغرض والمعنى أن يكون في سؤاله طالبا غاية الهدى ونهاية السداد اهـ. فتح القدير للمناوي
فلما كانت إجابة السؤال على أنحاء شتى، فقال: و التعجيل بالمسئول فيه: أي سرعة حصوله، و الإبطاء بالمسئول فيه يكون للقدر المعين: أي بحسب القدر أو بحسب الوقت له: أي للمسئول فيه.
قال تعالى: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائِنهُ وما ننِّزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21] و هو وقته، و كذلك مقداره عند الله و لكن من حضرة المقيت فإنه سار به: أي خادم الحق و خادمه في القدر و أحكامه، و هي حضرة تعين الأوقات و الأقوات و موازينها .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( فإذن وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، و إذا تأخر الوقت إما في الدنيا و إما في الآخرة تأخرت الإجابة، أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا .)
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فإذا وفق السؤال الوقت أسرع بالإجابة) كما إذا وفق الدواء الداء يرى بإذن الله، و لا يعلم تلك الموافقة إلا من أشرف على الحقائق في موطنها و الأعيان في عدمها ثابتة في العلم، و لا أعيان لها في الوجود فمن يكون بهذا الكشف و الحال فلا يسأل المحال.
(و إذا تأخر الوقت ): أي وقت الإجابة بتقدم السؤال قبل الوقت إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة تأخرت الإجابة لفوات شرط الإجابة، و هو المقابلة: أي مقابلة السؤال .
قال الشيخ صدر الدين قدّس سره في شرح الفاتحة:
إنّ صحة التصور واستقامة التوجه حال الطلب، وهذا عند الدعاء شرط قوي في الإجابة .
و مما ورد مما يؤيد ما ذكر قوله صلى الله عليه و سلم : "لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال".
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس معه به جهل ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت الجبال بدعائكم , وما أوتي أحد من اليقين شيئا إلا ما لم يؤت منه أكثر مما أوتي , فقال معاذ بن جبل ولا أنت يا رسول الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا أنا» قال معاذ: فقد بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يمشي على الماء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو ازداد يقينا لمشى على الهواء " رواه ابونعيم والسيوطي الجامع الكبير
"لو خفتم الله تعالى حق خيفته، لعلمتم العلم الذي لا جهل معه، ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال". " الجامع الصغير ""
أي (المسئول فيه ): أي تأخرت الإجابة في السؤال فيه فإنه لم يضمن له إجابة في عين المسئول فيه شفقة عليه و رحمة .
قال تعالى: "فيكْشِفُ ما تدْعون إليْهِ إنْ شاء "[الأنعام: 41] لأنه قد يسأل العبد فيما لاخير له فيه.
قال تعالى: "ويدعُ الِإنسانُ بالشِّر دُعاءهُ بالخيْر"ِ [ الإسراء: 11] .
و ورد في الحديث القدسي عن الله تعالى أنه قال : " إنّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة لو أعطيته إياه لداخله العجب فأفسده ذلك"
وهكذا إلى أن قال : "و إني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إني عليم خبير"
الإجابة التي هي لفظة لبيك من الله تعالى فإنها ما يتأخر عن الدعاء بالنسبة إلى كل عبد داع .
ورد في الخبر ما قال:" قط يا رب ثلاثا إلا قال الله لبيك عبدي فيعجل الله تعالى ما يشاء و يؤخر ما يشاء". رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه. أورده السيوطي في الكبير و الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس لابن حجر العسقلاني.
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أحب عبدا وأراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا ، فإذا دعا العبد قال يا رباه قال الله لبيك عبدي لا تسألني شيئا إلا أعطيتك إما أن أعجله لك وإما أن أدخره لك. رواه أبو دنيا والبزار والسيوطي في الكبير والناوي في فتح القدير وغيرهم .""
قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ هذه التلبية لا بد منها من الله تعالى في حق كل سائل إن قضى مراده، أو لم يقض، فافهم هذا: أي أنّ شرط الإجابة المقابلة بين السؤال و وقت الإجابة .
فالإجابة بلبيك ما يفارق السؤال. و أمّا الإجابة بالمسئول فيه فبالمشيئة كما ذكره.
و مما ورد مما يؤيد ما ذكر قوله صلى الله عليه و سلم : "لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال".
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس معه به جهل ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت الجبال بدعائكم , وما أوتي أحد من اليقين شيئا إلا ما لم يؤت منه أكثر مما أوتي , فقال معاذ بن جبل ولا أنت يا رسول الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا أنا» قال معاذ: فقد بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يمشي على الماء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو ازداد يقينا لمشى على الهواء " رواه ابونعيم والسيوطي الجامع الكبير
"لو خفتم الله تعالى حق خيفته، لعلمتم العلم الذي لا جهل معه، ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال". " الجامع الصغير ""
أي (المسئول فيه ): أي تأخرت الإجابة في السؤال فيه فإنه لم يضمن له إجابة في عين المسئول فيه شفقة عليه و رحمة .
قال تعالى: "فيكْشِفُ ما تدْعون إليْهِ إنْ شاء "[الأنعام: 41] لأنه قد يسأل العبد فيما لاخير له فيه.
قال تعالى: "ويدعُ الِإنسانُ بالشِّر دُعاءهُ بالخيْر"ِ [ الإسراء: 11] .
و ورد في الحديث القدسي عن الله تعالى أنه قال : " إنّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة لو أعطيته إياه لداخله العجب فأفسده ذلك"
وهكذا إلى أن قال : "و إني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إني عليم خبير"
الإجابة التي هي لفظة لبيك من الله تعالى فإنها ما يتأخر عن الدعاء بالنسبة إلى كل عبد داع .
ورد في الخبر ما قال:" قط يا رب ثلاثا إلا قال الله لبيك عبدي فيعجل الله تعالى ما يشاء و يؤخر ما يشاء". رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه. أورده السيوطي في الكبير و الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس لابن حجر العسقلاني.
"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أحب عبدا وأراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا ، فإذا دعا العبد قال يا رباه قال الله لبيك عبدي لا تسألني شيئا إلا أعطيتك إما أن أعجله لك وإما أن أدخره لك. رواه أبو دنيا والبزار والسيوطي في الكبير والناوي في فتح القدير وغيرهم .""
قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ هذه التلبية لا بد منها من الله تعالى في حق كل سائل إن قضى مراده، أو لم يقض، فافهم هذا: أي أنّ شرط الإجابة المقابلة بين السؤال و وقت الإجابة .
فالإجابة بلبيك ما يفارق السؤال. و أمّا الإجابة بالمسئول فيه فبالمشيئة كما ذكره.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:26 عدل 2 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة السادسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة السادسة: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه. والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.)
قال الشيخ رضي الله عنه : و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه.
و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال.
و إنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء.
(وأما القسم الثاني) من قسمي العطايا والمنح الظاهرة في الكون على حسب ما سبق ذكره (وهو)، أي هذا القسم الثاني (قولنا ومنها)، أي من العطايا والمنح (ما لا يكون)، أي يوجد (عن سؤال) أصلا (فالذي لا يكون صادرا عن سؤال) من العبد (فإنما أريد بالسؤال التلفظ) من السائل (به) بأن يسأل بلسانه أمرا من الأمور وإلا (فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال) يصدر من العبد حتى تحصل الإجابة ، وذلك السؤال المطلق (إما باللفظ) وهو معلوم (أو بالحال) بأن يكون لسان حاله سائلا ذلك الشيء كالنبات إذا قل عنه الماء، فإن لسان حاله طالب للماء.
قال الأعرابي:
صوح النبت فاسقه نهلة من سحائبك … وأغثنا فإننا في ترجي مواهبك
(أو بالاستعداد) بأن تهيأ للإجابة بحسب العادة، كالحبة إذا دفنت تحت الأرض فإنها مستعدة للإنبات لخروج السنبلة منها، والنواة كذلك مستعدة للإنبات لخروج النخلة منها، فهي سائلة بلسان استعدادها و مجلوبة من الله تعالى فيما سألت .
واعلم أن الله تعالي غني عن العالمين، ومن غناه عنهم كانت عطاياه لا بد لها من سابقة السؤال من الغير، فيعطي الماهيات المعلومة التي هي ليست بأشياء وجودة بسبب سؤالها ذلك منه باستعداد حالها.
حتى لو لم تستعد للموجود ولم تسأله ذلك باستعدادها له لم يعطيها وجودها وبعد وجودها، متى استعدت لحالة فقد سألت منه تلك الحالة باستعدادها لها فيعطيها ذلك أو بلسان حالها أو بلسان قالها . سواء كانت تلك الحالة خيرا لها أو شرا.
فإن الله تعالى يعطيها ذلك على حسب سؤالها، ولهذا جاءت نسبة الشرع جميع ما يصدر من المكلف إليه نسبة حقيقية.
لأنه وإن لم يفعل ذلك حقيقة فقد فعله الله تعالى له بطلبه هو لذلك استعدادا أو حالا أو قالا.
كما أوجده الله تعالى على هذه الكيفية، وهذه الصورة والحالة التي هو فيها بطلبه ذلك من الله تعالى طلبا استعداديا.
فأعطاه الله تعالى ذلك له على حسب طلبه، وإن كان استعداده ذلك بوضع الله تعالى على مقتضى ما سبقت به الإرادة القديمة وإلى الله ترجع الأمور.
فهو الذي أفقر إليه كل شيء وهو الذي أغنى بعطائه كل شيء.
(كما)، أي مثل ما سبق من كون العطايا لا بد لها من سؤال (أنه)، أي الشأن (لا يصح حمد) الله تعالى (مطلق) عن قيود الأسباب ليس في مقابلة سبب داعی إليه (قط إلا في اللفظ) .
فنقول: الحمد لله وأنت نافي جميع الأغراض لك عن هذا الحمد، فالحمد المطلق عن ذلك إنما هو في لفظك فقط.
وإذا تأملت في معنى ذلك وجدت الحامل لك عليه استحقاق الله تعالى الحمد لا في مقابلة لشيء مطلقا، بل استحقاق ذاتي لأنه الكامل المطلق، فقد حملك عليه التنزيه الذي قام عندك لله سبحانه وتعالى، والتنزيه قيد فلم يخلو الحمد من قيد كما قال.
(وأما في المعنی) باعتبار قصد الحامد (فلا بد أن يقيده الحال) الذي هو قائم بالحامد وإن لم يشعر به الحامد (فالذي يبعثك) أيها الحامد (على حمد الله ) تعالى في كل حمد صدر منك.
(هو المقيد لك باسم فعل) من أفعال الله تعالى كالرزاق، والمعطي، والفاتح، والراحم، واللطيف، والحافظ ونحو ذلك.
فإذا فعل الله تعالی معك فعلا يلائمك أو لا يلائمك فحمدته على السراء والضراء فقد تقيد حمدك بالاسم المأخوذ من ذلك الفعل لله تعالى (أو باسم تنزيه) لله تعالی كالواحد والأحد والقديم الذي لم يتخذ ولدا ولا شريك في الملك ونحو ذلك.
فإذا نزهت الله تعالى بمقتضى اسم من هذه الأسماء ثم حمدته أثر ذلك فقد تقيد حمدك به فليس حمدا مطلقا إلا في لفظك فقط دون المعنى.
وكذلك العطايا الإلهية لا بد لها من سؤال يصدر من العبد سابق عليها ، فإذا كانت من غير سؤال فهى من غير سؤال ملفوظ به، وإلا فلا بد لها من سؤال ولو بالحال أو بالاستعداد على ما بيناه.
والغنى عز وجل أعظم من أن يلتفت إلى إيجاد شيء أو إمداده من غير افتقار وسؤال وطلب من ذلك الشيء و "الله غني عن العلمين"97 سورة آل عمران.
(والاستعداد) الذي هو أخفى سؤال صادر (من العبد)، أي عبد كان (لا) يمكن أن يشعر به صاحبه من قبل نفسه لكونه خفيا، وإنما يكشف الله له عنه إن كان من أهل الإلهام والفيض كما ذكرناه فيما مر (و) يمكن أن (يشعر بالحال) الذي هو سؤال صادر منه (لأنه)، أي العبد (یعلم الباعث)، أي السؤال الذي في خلقته مقتضية لإجابته (وهو)، أي الباعث المذكور (الحال) القائم به في نفسه أو في بدنه (فالاستعداد) حينئذ (أخفي سؤال) يصدر من العبد للرب بما يقتضيه ذلك العبد مما هو مستعد له وليس هو حالة قائمة بالعبد حتى يمكن أن يشعر بها من نفسه وإنما هو مناسبة خفية جعلها الله تعالى في ذلك العبد لشيء آخر خفي في غيب السموات والأرض.
(وإنما) السبب الذي (يمنع هؤلاء)، أي أهل هذا القسم الذين عطاياهم من سؤال صدر منهم فيها (من السؤال) ويحملهم على تركه (علمهم بأن الله) تعالى "حكمة الله وقدره سر ساري" (فيهم) من الأزل (سابقة قضاء)، أي حكم وتقدير بما أراد سبحانه وتعالى أن يصيبهم من العطايا والمنح وما قضاه الله تعالى وقدره لا بد أن يكون سواء سأل العبد أو لم يسأل.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.)
قال رضي الله عنه : (وأما القسم الثاني وهو قولنا ومنها ما لا يكون عن سؤال) (فإنما أريد بالسؤال اللفظة به) أي التلفظ به (فإنه) أي الشأن (في نفس الأمر) أي في الواقع (لا بد) لكل وارد (من) وجود (سؤال إما باللفظ) كما بين.
(او بالحال أو بالاستعداد كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ وأما في المعنى فلا بد أن يقيده) أي الحمد (الحال فالذي يبعثك على حمد الله هو المفيد لك باسم فعل) كحمدك على الله بالوهاب والرزاق ( أو باسم تنزیه) مثل سبوح قدوس. فإن قلت قد ثبت من قبل أن معرفة الاستعداد حاصل لصاحبه وقوله : (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) ينافي ذلك قلت: إن الشعور يستعمل في المحسوس المشاهد من غير توقف علمه على شيء آخر والاستعداد ليس كذلك بل توقف على الاطلاع بالأعيان الثابتة في علم الله تعالی فمعنى قوله : لا يشعر به صاحبه لا يعلمه بالشعور وإن كان يعلم بوجه آخر الشعور نوع من أنواع العلم وهو العلم بالحس فإن الشعور يتعلق بأجل المعلومات والاستعداد من أغمض المعلومات وأخفاها فلا يمكن تعلق العلم من حيث الشعور إليه بخلاف الحال فإنه أجل المعلومات لذلك قال : (ويشعر بالحال) أي وصاحب الحال يشعر بحاله (لأنه) أي صاحب الحال (یعلم الباعث) على السؤال بالحال بالبداهة وليس ذلك الباعث إلا (وهو الحال فإذا كان لا يشعر العبد استعداده (فالاستعداد) أي فسؤال الاستعداد (أخفى سؤال) لا يطلع عليه إلا من اطلع بعالم الأسماء والأعيان الثابتة.
فإن السؤال بلسان الاستعداد ما هو إلا سؤال الأسماء ظهور كمالاتها وسؤال الأعيان وجوداتها فكان هنا صنف من أهل الحضور لا يسألون باللفظ .
ويرجع قوله : (وإنما يمنع هؤلاء من السؤال) أي المذكور حكما لأنه لما قال : ومنها ما لا يكون عن سؤال فقد ذكر حكمة غير السائلين وإنما منع غير السائلين عن السؤال اللفظي (وعلمهم بأن الله فيهم) أي في حقهم (سابقة قضاء) أي حكمة سابقة عليهم في علمه الأزلي.
فلا بد أن يصل إليهم هذا الحكم السابق عليهم فهم بذلك قد خلصوا عن قيد الطلب والامتثال وحجابه
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.)
قوله رضي الله عنه : "وأما القسم الثاني وهو قولنا: ومنها ما لا يكون عن سؤال فالذي لا يكون عن سؤال، فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه."
قلت: يعني أن السؤال إن كان باللفظ فظاهر وإن لم يكن باللفظ، فبالحال وذلك لأن الإنسان بل الأشياء كلها لا بد من افتقارها إلى أمر ما، فحالها ذلك يستدعي باستعداده ويسأل وهو أقوى من لسان المقال وكذلك الاستعداد هو سؤال وهو أقوى في الإجابة من سؤال الحال، فإن الحال إذا سأل ولا يكون هناك استعداد للإجابة فلا تحصل إجابة أصلا.
قوله: "كما أنه لا يصح حمد، إلى قوله: باسم تنزيه."
قلت: المراد بالحمد هنا هو حمد الله تعالى فإن المخلوق إذا أصبته محمودا فحمدته، فالمقتضي لحمده هو حال المحمود وأما حمدنا الله تعالى، فإنا متی أطلقنا لفظتي الحمد لله، فلا بد أن يكون عندنا مقتضى ذلك الحمد ويكون أمرا مقيدا.
فإن من أكل مثلا فشبع، فقال الحمد لله، فإنما أراد الحمد الذي هو بمعنی الشكر، فالحمد مقيد بمعنی الشكر.
إذا كان الشكر إنما يكون في مقابلة إحسان، وأيضا فما حمد الله إلا من حضرة الاسم الرازق، فإنه هو الذي رزقه ذلك الطعام وإذا كان حمده له من مرتبة الاسم الرازق يستحيل أن يكون ذلك الحمد بعينه من حضرة الاسم المانع.
وأما من لقي مثلا مخوفا فنجا منه، فقال: الحمد لله، فإنما حمده تعالى من مرتبة اسم الواقي، تبارك وتعالى، لا من حضرة الاسم المنتقم.
وكذلك كل حمد يصدر من العبد لربه، تبارك وتعالى، فلا بد وأن يكون مقيدا في نفس الأمر وإن أطلق اللفظ به ولم يقيده، فإن الحال قد قيده.
وأما قوله: باسم فعل، فمثل الرازق والمعطي والمنعم وبالجملة كل مصدر يمكن أن يشتق منه فعل ، فاسم الفاعل المشتق من ذلك المصدر " هو عنده اسم فعل
وأما قوله: اسم تنزيه، فمثل ما إذا هداه الله تعالى إلى معرفة أن الله تعالی لا يتصف بصفات خلقه فقال وهو فرح بتلك الهداية: "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي" (الأعراف: 43).
فإنما أشار بالحمد إلى اسمه السبوح القدوس، إذ كلاهما من أسماء التنزيه وكان الاسم الهادي موصلا لحضرة التنزيه وله نصيب من هذا الحمد أيضا.
و قوله رضي الله عنه : "والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال، فالاستعداد أخفى سؤال وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء. "
فهم قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم
قلت: يعني أن الشعور بالاستعداد يتعذر على الضعفاء وعلى الأكثرين غالبا وأما الحال، فللعبد به شعور لأنه" يشعر بما بعثه على الحمد إذ لا يحمد عبثا بل لا بد أن يكون عنده معلوما ما بعثه على الحمد. وباقي الكلام واضح.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " وأمّا القسم الثاني وهو قولنا : « ومنها ما لا يكون عن سؤال » فالذي لا يكون عن سؤال فإنّما أريد بالسؤال التلفّظ به ، فإنّه في نفس الأمر لا بدّ من سؤال إمّا باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد ، كما أنّه لا يصحّ حمد مطلق قطَّ إلَّا في اللفظ ، وأمّا في المعنى فلا بدّ أن يقيّده الحال ، فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيّد لك باسم فعل أو باسم تنزيه . والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ، ويشعر بالحال لأنّه يعلم الباعث وهو الحال " .
يريد : أنّ عطاء الله لمّا كان فيضا ذاتيا دائميا لا انقطاع له ، ولكن حصوله لأحد ووصوله بالحال من يد أحد إذ وغير ذلك إنّما هو بسؤال لسان الاستعداد .
أو بلسان الحال وإن لم يسأل يعني لفظا لأنّ السؤال بلسان الاستعداد.
والحال والمرتبة والذات غير دائم الوقوع ، ولهذا تتأخّر الإجابة ، فإذا وافق لسان القول لسان الاستعداد ، سرعت الإجابة ، ولذلك تحصل الأعطيات والمسؤولات بلا سؤال لفظي ، فيظنّ أنّه ليس عن سؤال أصلا ، وليس ذلك كذلك ، فتذكَّر .
فالسؤال الذاتي هو أنّ الذوات في ذاتياتها سائلة من الله ، وقابلة منه قيامها بذاته وبقاؤها منه .
وأمّا سؤالات ألسنة الاستعدادات فكالذي تتكامل أهليّته وقابليّته لحصول أمر من الله وفيض ، فإنّ ذلك لا يتأخّر أصلا .
وسؤال المرتبة كالنبوّة تسأل من الله بما به وفيه قيامها وقوامها من النبيّ الذي بوجوده دوامها .
وأمّا سؤال لسان الحال فكالجائع يطلب بجوعه الشبع والعطشان يطلب بعطشه الريّ .
وكما أنّ الحمد المطلق غير واقع لتقييد حال الحامد ووصفه ومقامه له حال الحمد
وإن أطلق لفظا ، فكذلك العطاء بلا سؤال غير واقع ، فإن لم يكن سؤال لفظي ، ووقعت الإجابة ، ووصلت الصلات والهبات ، وشملت الرحمة والبركة ، فاعلم أنّ الألسنة المذكورة هي التي استدعتها واقتضتها .
ولكنّ الاستعداد لا يشعر به صاحبه ، لغموضه ، ويشعر بالحال ، لكون الحال باعثا له على الطلب والسؤال ، فيعلم أنّ لسان حاله هو الباعث له على السؤال باللسان ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " والاستعداد أخفى سؤال " .
يعني رضي الله عنه : لهذا لا يشعر به صاحبه ، لخفائه وكونه موقوفا على علم القدر المعلوم لأهل الكشف من العلم الإلهي القائم بالحق ، وهو أصعب العلوم وأعزّها منالا ، وأعلاها مثالا ، وأنفعها مآلا ، وأرفعها مقاما وحالا .
قال رضي الله عنه : " وإنّما يمنع هؤلاء " يعني الذين لا يسألون :" عن السؤال علمهم بأنّ لله فيهم سابقة قضاء ، فهم قد هيّأوا محلَّهم لقبول ما يرد منه ، وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم " .
يعني : أوجب عليهم علمهم وتحقّقهم بأنّه لا بدّ من وقوع ما قدّر الله لهم وعليهم بلا تخلَّف بموجب علمه .
ومن العلماء بسابق علم الله وقضائه وقدره بجميع ما يجري عليهم صنف هم أكشفهم شهودا وأكملهم علما ووجودا بأنّ جميع أحواله وأفعاله وما يصل إليه من العطايا والمواهب الإلهية.
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : " وأما القسم الثاني : وهو قولنا ومنها ما لا يكون عن سؤال ، فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد ، كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه ، والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال ، فالاستعداد أخفى سؤال".
وأما القسم الثاني : هو الذي لا يكون عن سؤال ، ومنه تبين أن الأصناف الثلاثة كلها من القسم الأول كما ذكر ، وقد صرح بأن المراد بالسؤال في الأقسام كلها هو السؤال اللفظي.
فإنه على ثلاثة أقسام : لفظى كما مر - وحالى - واستعدادى
ولا بد في العطاء من سؤال الاستعداد ولا يتخلف عنه العطاء ، لأنه مقتضى الاستعداد في نفس الأمر ، أي ما قدر له حال عينه الثابتة قبل الوجود .
وأما الحال فهو الباعث على الطلب وهو أيضا من الاستعداد ، فلو لم يكن في الاستعداد الطلب لم تحصل الداعية .
ولكن لا يقتضي حصول المطلوب حال الطلب وإن اقتضاه في الجملة ، ثم شبه تقيد العطاء بالسؤال بتقيد الحمد بالسؤال .
فإن الحمد لا يكون مطلقا إلا في اللفظ كقولك الحمد لله .
وأما في المعنى فلا بد لك من باعث يبعثك على الحمد ، كما تتصور صحتك وسلامة بيتك فتحمد مطلقا .
وأنت تعلم أنت تحمده على حفظه إياك وخلقه لك بريئا من العاهات .
فقد قيد حمدك الباعث الذي هو تصور معنى صحتك وخلقتك السليمة ، باسم الباري الحافظ وهما اسما الفعل .
وكما تدرك ديموميته تعالى فتحمده ، فقد قيد الحال حمدك بالاسم الذي لم يزل ولا يزال وهو اسم تنزيه .
فكذلك العطاء فقد تستشرف نفسك إلى شيء فيرزقك ربك فذلك الاستشراف ، والطلب في النفس هو السؤال الحالي.
وقد يصل إليك العطايا من غير شعور منك به ولا استشراف في النفس ، كمن تصادف كنزا بغتة فذلك منى اقتضاء استعدادك.
ولذلك قال والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال ، والاستعداد أخفى سؤال وهو المشار إليه بقوله : " يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفى ".
فإن الحال لا يعلمه غير صاحبه إلا الله ، والاستعداد هو الأخفى الذي لا يعلمه صاحبه أيضا فهو من غيب الغيوب ، الذي لا يعلمه إلا الله .
قوله: " وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن لله فيهم سابقة قضاء" ظاهر وهم أهل الرضا المريدون بإرادة الله ، لا يريدون إلا ما أراد الله .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : "وأما القسم الثاني وهو قولنا: ومنها ما لا يكون عن سؤال، فالذي لا يكون عن سؤال، فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال، إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد".
القسم الثاني وهو السؤال بلسان الحال والاستعداد، والأول كقيام الفقير بين يدي الغنى لطلب الدنيا، وسؤال الحيوان ما يحتاج إليه. لذلك قيل لسان الحال أفصح من لسان القال. وقال الشاعر:
وفي النفس حاجات وفيك فطانة ..... سكوتي بيان عندكم وخطاب
والسؤال بلسان الاستعداد، كسؤال الأسماء الإلهية ظهور كمالاتها و
سؤال الأعيان الثابتة وجوداتها الخارجية. ولو لا ذلك السؤال، ما كان يوجدموجود قط، لأن ذاته تعالى غنية عن العالمين.
قال رضي الله عنه : "كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه". أي، لا بدفي نفس الأمر من سؤال، وذلك السؤال لا يصح أن يكون مطلقا إلا في اللفظ، ﻛﻤﺎﻻ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺇﻻ ﻓﻴﻪ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻳﻘﻴﺪ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺹ ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻣﻘﻴﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﻴﻦ.
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺑﺄﻥ ﻳﺘﻘﻴﺪ ﻭﻳﺤﻤﺪ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﺳﻢ ﻓﻌﻞ ﻙ "ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ" ﻭ "ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ" ﻭ "ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ"، ﺃﻭ ﺑﺎﺳﻢ ﺻﻔﺔ ﺗﻨﺰﻳﻬﻴﺔ ﻙ "ﺍﻟﻘﺪﻭﺱ" ﻭ "ﺍﻟﻐﻨﻰ" ﻭ "ﺍﻟﺼﻤﺪ"، ﺃﻭ ﺑﺎﺳﻢ ﺻﻔﺔ ﺇﺿﺎﻓﻴﺔ ﻙ "ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ" ﻭ "ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ" ﻭ "ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ"، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ، ﻟﻴﻘﻴﺪﻫﺎ ﺑﺄﺯﻣﻨﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ.
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ "ﺍﻟﺤﻤﺪ"، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﻫﻲ، ﻻ ﻟﺴﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﻻ ﺣﻜﻢ، ﻭ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻃﻼﻗﻬﺎ ﻭﻋﻤﻮﻣﻬﺎ، ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﻤﻮﺩﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻧﺒﺴﺎﻃﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ.
ﻭﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﻗﻮﻟﻨﺎ: "ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ". ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻴﺪﻫﺎ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ، ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﺩ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻘﻴﺪ ﺑﺎﺳﻢ ﻓﻌﻞ ﺃﻭ ﺻﻔﺔ ﺃﻭ ﺗﻨﺰﻳﻪ. "
ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﺬﻟﻚ.
قال رضي الله عنه : "ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ، ﻭﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺎﻝ، ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ. ﻓﺎﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺃﺧﻔﻰ ﺳﺆﺍﻝ".
ﺃﻱ، ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﻟﻔﻴﻀﺎﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺟﺰﺋﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺨﻔﺎﺋﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻻﻃﻼﻉ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻜﻤﻞ، ﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ، ﻭﻻ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻄﻮﻥ ﻓﻴﻪ.
ﻭﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺤﺎﻟﻪ ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﻣﻨﻪ ﻳﺴﺘﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ، ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺃﻣﺮﺍ ﺧﻔﻴﺎ، ﻓﺴﺆﺍﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﺧﻔﻰ ﻣﺜﻠﻪ. ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻣﺸﻌﻮﺭﺍ ﺑﻪ ﻟﻐﻴﺮ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ، ﻛﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﻐﻨﻰ ﺑﻔﻘﺮ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺝ.
ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻟﻼﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺇﻻ ﻟﻠﻜﻤﻞ ﻭﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻌﻴﻦ ﺑﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
قال رضي الله عنه : "ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﻨﻊ ﻫﺆﻻﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﻟﻠﻪ ﻓﻴﻬﻢ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻗﻀﺎﺀ".
ﺃﻱ، ﻟﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻫﺆﻻﺀ ﺃﻥ ﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﻢ ﺣﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ، ﻭﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﻘﺼﺎﻥ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺪﺭ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻝ، ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺐ، ﻭﻣﻨﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻟﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﻴﺌﺎ، ﻭﺍﺷﺘﻐﻠﻮﺍ ﺑﺘﻄﻬﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﻞ ﻋﻦ ﺩﺭﻥ ﺍﻟﺘﻌﻠﻘﺎﺕ ﺑﺎﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﻭﻗﻄﻊ ﺍﻟﻌﻼﺋﻖ، ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺮﺁﺓ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻃﺎﻫﺮﺓ ﻣﺠﻠﻮﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﻳﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ، ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﻃﻬﺎﺭﺗﻪ ﻭﻻ ﻳﻨﺼﺒﻎ ﺑﺼﺒﻎ ﺍﻟﻤﺤﻞ، ﻓﻴﻔﻴﺪ ﻏﻴﺒﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻭﺃﻏﺮﺍﺿﻬﻢ، ﻓﻴﻔﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻳﺒﻘﻮﺍ ﺑﺒﻘﺎﺋﻪ.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:41 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة السادسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة السادسة : الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : "و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه."
ثم أشار إلى دليل لتخصيص الأمر المطلق أقوى مما تقدم، وهو وجوب متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم المأمور بمتابعة من تقدم من الأنبياء فيما لم ينسخ في شريعته الي بقوله: (فقد ابتلي أيوب وغيره، وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به)؛ لأن حالهم اقتضى أولا السكوت عنه؛ ليتحقق
منهم الصبر، (ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر) رفقا لما يتوهم من أنفسهم من إظهار التجلد في مقاومة القهر الإلهي (أن يسألوا رفع ذلك) البلاء، (فسألوا) عبودية لا عن عدم الصبر (فرفعه الله عنهم)، وإن كان في إبقاء ذلك البلاء زيادة في مراتبهم تحقيقا لوعد الإجابة عند الأمر بالدعاء.
ثم استشعر سؤالا بأنه تعالى أمر كل واحد بالدعاء، ووعدهم بالإجابة من غير شرط آخر، ومقتضاه إجابة كل واحد في كل دعاء، ونحن نرى أن دعوات البعض لا تستجاب أصلا، ودعوات البعض تستجاب تارة دون أخرى، فأشار إلى جوابه بأن كل من دعا الحق حاضر القلب صحيح المعرفة، فلا بد أن يستجاب دعاؤه بقوله تعالى: "لبيك عبدي".
وبإعطاء المسئول في وقته المقدر له فقال: (والتعجيل بالمسئول فيه) في حق بعض الأدعية (والابطاء) به في البعض الآخر (للقدر)، أي: الوقت (المعين له عند الله) فإن الحوادث مقدرة بأوقاتها.
والسؤال قد يقع عن الاستعجال الطبيعي قبل الوقت، ووعد الإجابة لم يقع على سبيل التعجيل بل في الجملة.
قال رضي الله عنه : (فإذا وافق السؤال الوقت) اتفاقا، أو لكون السائل واقفا من استعداده على القبول (أسرع بالإجابة) أي: بـ «لبيك» وبحصول المسئول فيه جميعا.
(وإذا تأخر الوقت) أي: وقت المسئول فيه عن وقت السؤال لوقوعه عن الاستعجال، (ما) كائنا ذلك الوقت (في الدنيا) بعد مدة مديدة، (وإما في الآخرة) إذا لم يكن للسائل استعداد القبول في أوقات الدنيا، وإنما ذكر ذلك؛ لأن بعض السائلين قد يموتون من غير حصول المسئول فيه فيتوهم أن النص منتقض به.
(تأخرت الإجابة) أي ، إجابة حصول (المسئول فيه) إلى ذلك الوقت في الدنيا، أو الأخرة.
(لا الإجابة التي هي: لبيك من الله) فإنها لا تتأخر عن وقت السؤال أصلا إذا صدر عن حاضر القلب صحيح المعرفة لما ورد في الحديث: "إن العبد إذا دعا ربه، يقول الله: لبيك عبدي".
وذلك لأن تأخيرها كالإعراض عن مثل ذلك العبد في وقت توجهه إليه (فافهم هذا) من وعد الإجابة في القرآن.
فإنها لا نهاية لشرفها بالقياس إلى إجابة حصول المسئول فيه مع أنها لا بد من حصولها، وإن تأخرت إلى الأخرة.
(وأما القسم الثاني، وهو قولنا: ومنها ما لا يكون عن سؤال) بينه لئلا يتوهم أنه ما يكون عن سؤال في غير معين، وقد أشار أولا إلى رفع هذا الوهم بعدم إعادة لفظة، ومنها هناك مع إعادتها في هذا القسم.
ولما كان ظاهره أنه لا سؤال شمة أصلا مع أنه لا بد منه؛ لتتحقق جهة القبول في القابل، كما لا بد من تحقق جهة الفعل في الفاعل.
وهو الاسم الإلهي قال: فالذي لا يكون عن سؤال ليس المراد به أنه لا يكون ثمة سؤال أصلا، كما أنه لا يراد بالعطاء الذاتي ما لا يكون بواسطة اسم الهي أصلا.
قال رضي الله عنه : (فإنما أريد بالسؤال) في قولنا، ومنها ما لا يكون عن سؤال (التلفظ به)، فهو المنفي دون سؤال الحال أو الاستعداد.
فإنه في نفس الأمر لا بد لكل عطاء (من سؤال إما باللفظ، أو بالحال، أو بالاستعداد) ضرورة أنه لو كان العطاء بدونه لوجب أن يحصل لكل شيء ما أمكن له في نظر العقل؛ لعموم الجود الإلهي: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" [الملك: 3].
ثم استدل على ذلك بأن الله تعالى إنما فعل ما فعل لاستیجاب الحمد، وهو لا بد وأن يتقيد، فلو جاز العطاء من غير تقيد سؤال؛ لجاز الحمد من غير تقيد إذ هو مرتب عليه.
فقال: (كما أنه لا يصح حمد مطلق) غير مقيد باسم تنزيه أو اسم فعل (إلا في اللفظ) بأن يقول: الحمد لله فلا يصف اسم الله باسم آخر من أسماء التنزيه أو أسماء الأفعال، ولا يعلق الحمد بأحدهما.
""قال رضي الله عنه فى الفتوحات الباب 379 :اعلم أن الثناء على الله على نوعين مطلق ومقيد فالمطلق لا يكون إلا مع العجز مثل:
قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
قال قائلهم:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ..... فأنت الذي نثني وفوق الذي نثني
ولا يمكن أن يحيط مخلوق بما يجب لله تعالى من الثناء عليه.
وأما الثناء المقيد فالحكماء يقيدونه بصفة التنزيه لا غير
وإن أثنوا عليه بصفة الفعل فبحكم الكل أو الأصالة لا يحكم لشخص
وما عدا الحكماء فيقيدون الثناء على الله بصفة الفعل وصفة التنزيه معا وهؤلاء هم الكمل لأنهم شاركوا الحكماء فيما علموا وزادوا عليهم بما جهله الحكماء ولم يعلموه لقصور همهم ""
قال رضي الله عنه : (وأما في المعنى، فلا بد أن يقيده الحال) أي: حال الحامد، وهو الداعي إلى حمده؛ لأنه من الأفعال الاختيارية التي لا تقع بدون الداعي.
(فالذي يبعثك على حمد الله) من نظرك في كماله التنزيهي أو الفعلي (هو المقيد لك) أي: لحمدك المطلق في اللفظ يقيده في المعنى (باسم فعل، وباسم تنزيه) على أن يجعلهما في المعنى صفتين لاسم الله، أو متعلقين بحمده، والعطاء الإلهي يقتضي ذلك.
قال رضي الله عنه : "و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال.
وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء."
ثم أشار إلى الفرق بين سؤال الحال، وسؤال الاستعداد؛ ليبني عليه ما يذكره بعد من فضيلة الواقف على الاستعداد، فقال: (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) في حق الأكثر، (ويشعر بالحال) صاحبها لا محالة.
""لأنه يعلم بالباعث وهو الحال فالاستعداد أخفى سؤال لأن العلم بكل استعداد جزئي في وقت جزئي صعب لمن لا يشرف على الأعيان ولا يكون هذا النوع من العلم إلا للأفراد خاصة.
وكمال ذلك كختم الختم فإنه من مقام باطن النبوة وهو الشعرة التي من الخاتم رضي الله عنه في الخاتم صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقع الميراث الكامل.
وأما أرباب الأحوال فيعرفون ذلك من البواعث فإنها من الأحوال، فهو هين الخطب من هذه الحيثية. ""
(لأنه يعلم الباعث) على السؤال سواء سأل لفظا أو لا والباعث: (هو الحال) فهو معلوم له لا محالة، فهو وإن خفي بالنسبة إلى سؤال اللفظ جلي بالنسبة إلى سؤال الاستعداد، (فالاستعداد أخفى سؤال) لا يعلمه إلا من أطلعه الله على سر القدر.
ثم أشار إلى الأسباب المانعة من السؤال اللفظي مع إدراج ما ذكر من وقف على الاستعداد في ذلك فقال(وإنما يمنع هؤلاء) التاركين للسؤال (من السؤال) اللفظي مع إدراج ما ذكر من وقف على الاستعداد في ذلك، فقال: وإنما يمنع هؤلاء التاركين للسؤال من السؤال اللفظي (علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء) مشتمل على علم تام، وجود کامل فوجب أن يكون على أحسن الوجوه.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : (وأما القسم الثاني - وهو قولنا : « ومنها ما لا يكون عن سؤال » فالذي لا يكون عن سؤال ، فإنما أريد بالسؤال : التلفظ به ؛ فإنه في نفس الأمر لابد من سؤال) ضرورة أن الفيض تابع للعلم ، والعلم تابع لما يستدعي القابل السائل مما يقتضيه ذاته .
وذلك السؤال (إما باللفظ، أو بالحال ، أوبالاستعداد) إلا أن الحال والاستعداد يقيدان السؤال ويسري حكمهما فيه لشدة ارتباطهما بلسانيهما دون اللفظ ، فإنه لا يسرى أحكام تقييد اللافظ منه إليه ، وذلك لاستقلال مرتبة الكلام في مراتب الوجود ، وكمال جمعيته وإحاطته في الظهور ، فيمكن أن يؤدي بإطلاقه .
(كما أنه لايصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ ، وأما في المعنى فلابد أن يقيده الحال) ويسري حكمها فيه لصفاء عالمها ( فالذي يبعثك على حمد الله ) من الأحوال التي تمدك وتخليك بالمعدات المقومة لك في مراتب الوجود ، أو تفنيك وتخليك عن الموانع العائقة لك في مراتب الشهود ( هو المقيد لك باسم فعل ) - کالكريم والودود في الأول. ( أو باسم تنزيه ) - كالقدوس والسلام في الثاني .
(والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) لأنه من الفيض الأقدس والسر الأخفى الذي لا يطأ وادي طواه إلا من خلع نعلي الاثنينية والمغايرة ؛ فصاحب الاستعداد مادام صاحبا له لا يصل إليه ولا يشعر به (ويشعر بالحال ، لأنه يعلم الباعث - وهو الحال - فالاستعداد أخفي سؤال ) .
(وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء) بتفريغه عن شواغل الدعاء والسؤال وشوائب أعراض الأغراض
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : "و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه."
وأما القسم الثاني من التقسيم الثالث للعطايا وهو قولنا: (ومنها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال اللفظ به)، أي السؤال اللفظي لا السؤال مطلقا (فإنه في نفس الأمر لا بد) في حصول المسؤول (من سؤال إما باللفظ) كما إذا قال : اللهم أعطني عطية أو مقيدة كما قال : اللهم أعطني علما نافعا.
(أو بالحال أو الاستعداد) ولا بد أن يكون السؤال الواقع بلسانهما مقيدة، فإن لسان الحالي أو الاستعداد لا يسأل إلا مقيدة لعدم اقتضاء الحال المعين أو الاستعداد إلا أمر معينة فلا يصح سؤال عطاء معلقة إلا في اللفظ .
وأما في نفس الأمر فلا بد أن يقيده الحالي أو الاستعداد (كما أنه لا يصح حمد مطلق إلا في اللفظ وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال فالذي يبعثك على حمد الله سبحانه هو القيد لك باسم فعل) كما إذا كنت مريضة مثلا ويشفيك الله تعالى، فقلت:
الحمد لله، نحمدك وإن وقع على اسم الله المطلق.
لكن حالك الذي هو الشفاء بعد المرض يفيد حمدك بالاسم الشافي.
فكأنك قلت : الحمد للشافي (أو باسم تنزيه) كما إذا تجلى عليك الحق سبحانه بالأسماء التنزيهية ، فتنزه من الشرك عن ملاحظة الأغيار.
فقلت : الحمد لله نحمدك وإن وقع على الله لكن حالك يقيده بالأسماء التنزيهية التي بها وقع التجلي عليك
قال رضي الله عنه : "و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. و إِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء."
قال رضي الله عنه : (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه). إلا إذا كان من الكمل لكونه موقوفا على العلم بعينه الثابتة وأحوالها وهو أصعب الأمور وأعزها لا يظفر به إلا الندر من الكامل.
(ويشعر بالحال) صاحبه (فإنه يعلم الباعث) له على الطلب (وهو)، أي الباعث هو (الحال فإن الاستعداد أخفى سؤال) بالنسبة إلى اللفظي والحالي.
(وإنما يمنع هؤلاء) السائلين بلسان الحال والاستعداد (من السؤال) اللفظي (علمهم بأن الله سبحانه فيهم)، أي في شأنهم.
(سابقة قضاء)، أي قضاء سابقا على حال الطلب بل على وجودهم بوقوع ما قدر لهم وعليهم بلا تخلف فاستراحوا من تعب الطلب.
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : "و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه."
ثم أشار إلى دليل لتخصيص الأمر المطلق أقوى مما تقدم، وهو وجوب متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم المأمور بمتابعة من تقدم من الأنبياء فيما لم ينسخ في شريعته الي بقوله: (فقد ابتلي أيوب وغيره، وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به)؛ لأن حالهم اقتضى أولا السكوت عنه؛ ليتحقق
منهم الصبر، (ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر) رفقا لما يتوهم من أنفسهم من إظهار التجلد في مقاومة القهر الإلهي (أن يسألوا رفع ذلك) البلاء، (فسألوا) عبودية لا عن عدم الصبر (فرفعه الله عنهم)، وإن كان في إبقاء ذلك البلاء زيادة في مراتبهم تحقيقا لوعد الإجابة عند الأمر بالدعاء.
ثم استشعر سؤالا بأنه تعالى أمر كل واحد بالدعاء، ووعدهم بالإجابة من غير شرط آخر، ومقتضاه إجابة كل واحد في كل دعاء، ونحن نرى أن دعوات البعض لا تستجاب أصلا، ودعوات البعض تستجاب تارة دون أخرى، فأشار إلى جوابه بأن كل من دعا الحق حاضر القلب صحيح المعرفة، فلا بد أن يستجاب دعاؤه بقوله تعالى: "لبيك عبدي".
وبإعطاء المسئول في وقته المقدر له فقال: (والتعجيل بالمسئول فيه) في حق بعض الأدعية (والابطاء) به في البعض الآخر (للقدر)، أي: الوقت (المعين له عند الله) فإن الحوادث مقدرة بأوقاتها.
والسؤال قد يقع عن الاستعجال الطبيعي قبل الوقت، ووعد الإجابة لم يقع على سبيل التعجيل بل في الجملة.
قال رضي الله عنه : (فإذا وافق السؤال الوقت) اتفاقا، أو لكون السائل واقفا من استعداده على القبول (أسرع بالإجابة) أي: بـ «لبيك» وبحصول المسئول فيه جميعا.
(وإذا تأخر الوقت) أي: وقت المسئول فيه عن وقت السؤال لوقوعه عن الاستعجال، (ما) كائنا ذلك الوقت (في الدنيا) بعد مدة مديدة، (وإما في الآخرة) إذا لم يكن للسائل استعداد القبول في أوقات الدنيا، وإنما ذكر ذلك؛ لأن بعض السائلين قد يموتون من غير حصول المسئول فيه فيتوهم أن النص منتقض به.
(تأخرت الإجابة) أي ، إجابة حصول (المسئول فيه) إلى ذلك الوقت في الدنيا، أو الأخرة.
(لا الإجابة التي هي: لبيك من الله) فإنها لا تتأخر عن وقت السؤال أصلا إذا صدر عن حاضر القلب صحيح المعرفة لما ورد في الحديث: "إن العبد إذا دعا ربه، يقول الله: لبيك عبدي".
وذلك لأن تأخيرها كالإعراض عن مثل ذلك العبد في وقت توجهه إليه (فافهم هذا) من وعد الإجابة في القرآن.
فإنها لا نهاية لشرفها بالقياس إلى إجابة حصول المسئول فيه مع أنها لا بد من حصولها، وإن تأخرت إلى الأخرة.
(وأما القسم الثاني، وهو قولنا: ومنها ما لا يكون عن سؤال) بينه لئلا يتوهم أنه ما يكون عن سؤال في غير معين، وقد أشار أولا إلى رفع هذا الوهم بعدم إعادة لفظة، ومنها هناك مع إعادتها في هذا القسم.
ولما كان ظاهره أنه لا سؤال شمة أصلا مع أنه لا بد منه؛ لتتحقق جهة القبول في القابل، كما لا بد من تحقق جهة الفعل في الفاعل.
وهو الاسم الإلهي قال: فالذي لا يكون عن سؤال ليس المراد به أنه لا يكون ثمة سؤال أصلا، كما أنه لا يراد بالعطاء الذاتي ما لا يكون بواسطة اسم الهي أصلا.
قال رضي الله عنه : (فإنما أريد بالسؤال) في قولنا، ومنها ما لا يكون عن سؤال (التلفظ به)، فهو المنفي دون سؤال الحال أو الاستعداد.
فإنه في نفس الأمر لا بد لكل عطاء (من سؤال إما باللفظ، أو بالحال، أو بالاستعداد) ضرورة أنه لو كان العطاء بدونه لوجب أن يحصل لكل شيء ما أمكن له في نظر العقل؛ لعموم الجود الإلهي: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" [الملك: 3].
ثم استدل على ذلك بأن الله تعالى إنما فعل ما فعل لاستیجاب الحمد، وهو لا بد وأن يتقيد، فلو جاز العطاء من غير تقيد سؤال؛ لجاز الحمد من غير تقيد إذ هو مرتب عليه.
فقال: (كما أنه لا يصح حمد مطلق) غير مقيد باسم تنزيه أو اسم فعل (إلا في اللفظ) بأن يقول: الحمد لله فلا يصف اسم الله باسم آخر من أسماء التنزيه أو أسماء الأفعال، ولا يعلق الحمد بأحدهما.
""قال رضي الله عنه فى الفتوحات الباب 379 :اعلم أن الثناء على الله على نوعين مطلق ومقيد فالمطلق لا يكون إلا مع العجز مثل:
قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
قال قائلهم:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ..... فأنت الذي نثني وفوق الذي نثني
ولا يمكن أن يحيط مخلوق بما يجب لله تعالى من الثناء عليه.
وأما الثناء المقيد فالحكماء يقيدونه بصفة التنزيه لا غير
وإن أثنوا عليه بصفة الفعل فبحكم الكل أو الأصالة لا يحكم لشخص
وما عدا الحكماء فيقيدون الثناء على الله بصفة الفعل وصفة التنزيه معا وهؤلاء هم الكمل لأنهم شاركوا الحكماء فيما علموا وزادوا عليهم بما جهله الحكماء ولم يعلموه لقصور همهم ""
قال رضي الله عنه : (وأما في المعنى، فلا بد أن يقيده الحال) أي: حال الحامد، وهو الداعي إلى حمده؛ لأنه من الأفعال الاختيارية التي لا تقع بدون الداعي.
(فالذي يبعثك على حمد الله) من نظرك في كماله التنزيهي أو الفعلي (هو المقيد لك) أي: لحمدك المطلق في اللفظ يقيده في المعنى (باسم فعل، وباسم تنزيه) على أن يجعلهما في المعنى صفتين لاسم الله، أو متعلقين بحمده، والعطاء الإلهي يقتضي ذلك.
قال رضي الله عنه : "و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال.
وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء."
ثم أشار إلى الفرق بين سؤال الحال، وسؤال الاستعداد؛ ليبني عليه ما يذكره بعد من فضيلة الواقف على الاستعداد، فقال: (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) في حق الأكثر، (ويشعر بالحال) صاحبها لا محالة.
""لأنه يعلم بالباعث وهو الحال فالاستعداد أخفى سؤال لأن العلم بكل استعداد جزئي في وقت جزئي صعب لمن لا يشرف على الأعيان ولا يكون هذا النوع من العلم إلا للأفراد خاصة.
وكمال ذلك كختم الختم فإنه من مقام باطن النبوة وهو الشعرة التي من الخاتم رضي الله عنه في الخاتم صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقع الميراث الكامل.
وأما أرباب الأحوال فيعرفون ذلك من البواعث فإنها من الأحوال، فهو هين الخطب من هذه الحيثية. ""
(لأنه يعلم الباعث) على السؤال سواء سأل لفظا أو لا والباعث: (هو الحال) فهو معلوم له لا محالة، فهو وإن خفي بالنسبة إلى سؤال اللفظ جلي بالنسبة إلى سؤال الاستعداد، (فالاستعداد أخفى سؤال) لا يعلمه إلا من أطلعه الله على سر القدر.
ثم أشار إلى الأسباب المانعة من السؤال اللفظي مع إدراج ما ذكر من وقف على الاستعداد في ذلك فقال(وإنما يمنع هؤلاء) التاركين للسؤال (من السؤال) اللفظي مع إدراج ما ذكر من وقف على الاستعداد في ذلك، فقال: وإنما يمنع هؤلاء التاركين للسؤال من السؤال اللفظي (علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء) مشتمل على علم تام، وجود کامل فوجب أن يكون على أحسن الوجوه.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : (وأما القسم الثاني - وهو قولنا : « ومنها ما لا يكون عن سؤال » فالذي لا يكون عن سؤال ، فإنما أريد بالسؤال : التلفظ به ؛ فإنه في نفس الأمر لابد من سؤال) ضرورة أن الفيض تابع للعلم ، والعلم تابع لما يستدعي القابل السائل مما يقتضيه ذاته .
وذلك السؤال (إما باللفظ، أو بالحال ، أوبالاستعداد) إلا أن الحال والاستعداد يقيدان السؤال ويسري حكمهما فيه لشدة ارتباطهما بلسانيهما دون اللفظ ، فإنه لا يسرى أحكام تقييد اللافظ منه إليه ، وذلك لاستقلال مرتبة الكلام في مراتب الوجود ، وكمال جمعيته وإحاطته في الظهور ، فيمكن أن يؤدي بإطلاقه .
(كما أنه لايصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ ، وأما في المعنى فلابد أن يقيده الحال) ويسري حكمها فيه لصفاء عالمها ( فالذي يبعثك على حمد الله ) من الأحوال التي تمدك وتخليك بالمعدات المقومة لك في مراتب الوجود ، أو تفنيك وتخليك عن الموانع العائقة لك في مراتب الشهود ( هو المقيد لك باسم فعل ) - کالكريم والودود في الأول. ( أو باسم تنزيه ) - كالقدوس والسلام في الثاني .
(والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) لأنه من الفيض الأقدس والسر الأخفى الذي لا يطأ وادي طواه إلا من خلع نعلي الاثنينية والمغايرة ؛ فصاحب الاستعداد مادام صاحبا له لا يصل إليه ولا يشعر به (ويشعر بالحال ، لأنه يعلم الباعث - وهو الحال - فالاستعداد أخفي سؤال ) .
(وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء) بتفريغه عن شواغل الدعاء والسؤال وشوائب أعراض الأغراض
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال رضي الله عنه : "و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه."
وأما القسم الثاني من التقسيم الثالث للعطايا وهو قولنا: (ومنها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال اللفظ به)، أي السؤال اللفظي لا السؤال مطلقا (فإنه في نفس الأمر لا بد) في حصول المسؤول (من سؤال إما باللفظ) كما إذا قال : اللهم أعطني عطية أو مقيدة كما قال : اللهم أعطني علما نافعا.
(أو بالحال أو الاستعداد) ولا بد أن يكون السؤال الواقع بلسانهما مقيدة، فإن لسان الحالي أو الاستعداد لا يسأل إلا مقيدة لعدم اقتضاء الحال المعين أو الاستعداد إلا أمر معينة فلا يصح سؤال عطاء معلقة إلا في اللفظ .
وأما في نفس الأمر فلا بد أن يقيده الحالي أو الاستعداد (كما أنه لا يصح حمد مطلق إلا في اللفظ وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال فالذي يبعثك على حمد الله سبحانه هو القيد لك باسم فعل) كما إذا كنت مريضة مثلا ويشفيك الله تعالى، فقلت:
الحمد لله، نحمدك وإن وقع على اسم الله المطلق.
لكن حالك الذي هو الشفاء بعد المرض يفيد حمدك بالاسم الشافي.
فكأنك قلت : الحمد للشافي (أو باسم تنزيه) كما إذا تجلى عليك الحق سبحانه بالأسماء التنزيهية ، فتنزه من الشرك عن ملاحظة الأغيار.
فقلت : الحمد لله نحمدك وإن وقع على الله لكن حالك يقيده بالأسماء التنزيهية التي بها وقع التجلي عليك
قال رضي الله عنه : "و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. و إِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء."
قال رضي الله عنه : (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه). إلا إذا كان من الكمل لكونه موقوفا على العلم بعينه الثابتة وأحوالها وهو أصعب الأمور وأعزها لا يظفر به إلا الندر من الكامل.
(ويشعر بالحال) صاحبه (فإنه يعلم الباعث) له على الطلب (وهو)، أي الباعث هو (الحال فإن الاستعداد أخفى سؤال) بالنسبة إلى اللفظي والحالي.
(وإنما يمنع هؤلاء) السائلين بلسان الحال والاستعداد (من السؤال) اللفظي (علمهم بأن الله سبحانه فيهم)، أي في شأنهم.
(سابقة قضاء)، أي قضاء سابقا على حال الطلب بل على وجودهم بوقوع ما قدر لهم وعليهم بلا تخلف فاستراحوا من تعب الطلب.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( وأما القسم الثاني وهو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال. وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( و أما القسم الثاني و هو قولنا: "ومنها ما لا يكون عن سؤال" فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ، أو بالحال، أو بالاستعداد . كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه .
و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال فالاستعداد أخفى سؤال . و إنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله تعالى فيهم سابقة قضاء، فهم قد هيأوا محلهم لقبول ما يرد منه، و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم) .
قال الشارح رحمه الله :
( و أما القسم الثاني) و هو قولنا: و منها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال المتلفظ به فإنه في بعض الأمر لا بد من سؤال، إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد .
فالسؤال بالحال كسلام الفقير على الغني، و التملق له و السؤال، بالاستعداد كسؤال الأعيان في ظهورها، فأول سؤال كانمن الكون استعداده من حيث إمكانه بحسب اختلاف أعيانه المنددة حيث ثبوتها في العدم، ثم الاستعداد و القبول أيضا عطاء .
و هو استجابة الدعاء: الذي هو الاستعداد و القبول للاستعداد و القبول لكل عطاء هو سؤال العطاء، و أول ظهوره من الله الطالب، فافهم .
( كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إلا في اللفظ) نقول الحمد لله، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال، فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو اسم تنزيه كالمعطي و الوهاب و كالمغني و القدوس .
إنما خص رضي الله عنه باسم الفعل و اسم التنزيه، لأنه تعالى أظهر أسماؤه لنا إلا للثناء بها عليه، فمن المحال أن يكون فيها اسم علمي أصلا لأنّ الأسماء الأعلام لا يقع بها ثناء على المسمّى .
مع أنه ما وجدنا لله أسماء تدل على ذاته، خاصة من غير تعقل معنى زائد على الذات .
إنه ما سم اسما إلا على أحد الأمرين، من إما ما يدل على الفعل، و إما ما يدل على التنزيه،
و ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و السبعين و ثلاثمائة من الفتوحات.
فلمّا قرر رضي الله عنه أنه لا بد من سؤال و هو منحصر في ثلاثة: لفظ و حال و استعداد.
ثم ذكر أحكام السؤال اللفظي، فأراد أن يذكر أحكام السؤال الحالي و الاستعدادي .
فقال رضي الله عنه: (و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه) الذي لم يبلغ الإشراف على الأعيان و يشعر بالحال لأنه يعلم بالباعث و هو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال لأنّ العلم بكل استعداد جزئي في وقت جزئي صعب لمن لا يشرف على الأعيان و لا يكون هذا النوع من العلم إلا للأفراد خاصة .
وكمال ذلك كختم الختم فإنه من مقام باطن النبوة و هو الشعرة التي من الخاتم في الخاتم صلى الله عليه و سلم، و في ذلك يقع الميراث الكامل .
و أما أرباب الأحوال فيعرفون ذلك من البواعث فإنها من الأحوال، فهو هين الخطب من هذه الحيثية .
( و إنما يمنع هؤلاء من السؤال ): أي الذين يسألون سؤالا لفظيا .
( علمهم بأن لله فيهم) فكل مقدرات بلا سؤال، و يرون أن السؤال مطلقا إلحاف .
قال الله تعالى في حق طائفة مدحا لهم: " لا يسْئلون النّاس إلحافاً " [ البقرة : 273] فإن كل سؤال إلحاف .
قيل عن إبراهيم عليه السلام من هذا المقام أنه قال: علمه بحالي أغناني عن سؤالي .
فهم قد هيئوا محلهم بعد ما علموا القبول ما يرد منه، و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم هذه الغيبة هي التمني لحضرة القبول .
"" أضاف الجامع عن سر الرابطة بين الإستعداد في العبد والإذن الإلهي :
تقول د. سعاد الحكيم عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
أولا: الإذن الإلهي هو التمكين الإلهي الذي يحفظ على المحل المرتبة أو الصفة الفاعلة، أو تمكين المؤثر من التأثير في مرتبته، فالعلة لا تستقل بالفعل بل يمكنها الله من الفعل، وهذا التمكين يعبر عنه بالإذن الإلهي.
فالإذن الإلهي مرتبط ارتباطا مباشرا بمفهوم السبب وفعاليته، فالسبب أو العلة ليسا كافيين لوجود المسبب أو المعلول، بل إن الله يخلق الفعل عندهما، فيخيل للناظر أن السبب هو الذي فعل فعله بالمسبب، وفي الواقع إن الله هو الفاعل عند وجود السبب.
فالمشاهد يؤخذ بالتوالي شبه الحتمي للمسبب عن السبب، فيظن أن الأثر للسبب، وما هذا التوالي الذي يحفظه الله للسبب سوى الإذن الإلهي.
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي:
" اعلم أن العالم لا تأثير له من ذاته، إنما الحق سبحانه جعل لكل شيء منه مرتبة في التأثير والتأثر على حد معلوم .
ومكن سبحانه كل ذي مرتبة من مرتبته وجعلهم فيها على مقامات معلومة، تمكينا يبقيه عليهم ما شاء ويعزلهم عنه إذا شاء، وعبر سبحانه عن هذا التمكين بالإذن .
فمعنى الإذن تمكين المؤثر من التأثير في مرتبته لا الإباحة والتخيير.
ولو كان معناه التخيير لما قال:" وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ".
فتبين بما ذكرناه أن أفعال الخلق كلها بإذنه، الذي هو تمكينه لهم إبقاء مرتبة التأثير عليهم ، إنه لا فاعل إلا الله، وإن تأثير الأكوان من حيث إبقاؤه عليها مرتبة التأثير التي وهبها لها ".
ثانيا: الإذن الإلهي هو الأمر الإلهي الظاهر بالاستعداد في المسبب.
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي في تفسير الآية:" ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ".
الإذن: الأمر الإلهي، أمر بعض الشجر أن تقوم فقامت، وأمر بعض الشجر أن تنقطع فانقطعت بإذن الله لا بقطعهم.
فإن إذن الله لها في هذه الصورة كالاستعداد في الشيء، فالشجرة مستعدة للقطع فقبلته من القاطع فقوله: فبإذن الله، يعني للشجرة كقوله: " فيكون طيرا بإذن الله" .
ثالثا: الإذن الإلهي هو صنو المشيئة في تكوين القدر.
فالشيخ الأكبر يجعل القدر وجهين: مشيئة وإذن، فالقدر هو ما شاء الله وأذن به فكان.
يقول الشيخ: " حذر أن تهلك أمته كما هلكت الأمم قبلها بنسيان القدر الذي هو المشيئة والإذن، إذ النفوس شديدة التعلق والأنس بالأسباب ". أهـ
ويرى الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه:
أن الأولياء في بداياتهم لا يتحركون ولا يسكنون إلا بالإذن الإلهي الصريح في قلوبهم .
حتى إذا وصلوا إلى مرتبة الأمناء التي ينفرد فيها كل واحد منهم بحاله، أعطوا التمكين في أمورهم فلا يعودون بحاجة إلى الإذن الإلهي، لأنهم فنوا في الله فأصبحوا بالله يسمعون وبه يبصرون وبه يتحركون وبه يسكنون.
ويقول سيدي عبد القادر الجيلاني:
1. " أولياء الله عز وجل متأدبون بين يديه، لا يتحركون حركة، ولا يخطون خطوة إلا بإذن صريح منه لقلوبهم" .
2. "وقد ينقلون إلى حالة بعد أن جعلوا الأمناء وخوطب كل واحد منهم بالانفراد في حالته" إنك اليوم لدينا مكين أمين ".
فلا يحتاجوا فيها إلى إذن، لأنهم صاروا كالمفوض إليهم أمرهم فهم في قبضته حيث ما ذهبوا في شيء من أمورهم ". أهـ ""
"" أضاف الجامع عن سر الرابطة بين الإستعداد في العبد والإذن الإلهي :
تقول د. سعاد الحكيم عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
أولا: الإذن الإلهي هو التمكين الإلهي الذي يحفظ على المحل المرتبة أو الصفة الفاعلة، أو تمكين المؤثر من التأثير في مرتبته، فالعلة لا تستقل بالفعل بل يمكنها الله من الفعل، وهذا التمكين يعبر عنه بالإذن الإلهي.
فالإذن الإلهي مرتبط ارتباطا مباشرا بمفهوم السبب وفعاليته، فالسبب أو العلة ليسا كافيين لوجود المسبب أو المعلول، بل إن الله يخلق الفعل عندهما، فيخيل للناظر أن السبب هو الذي فعل فعله بالمسبب، وفي الواقع إن الله هو الفاعل عند وجود السبب.
فالمشاهد يؤخذ بالتوالي شبه الحتمي للمسبب عن السبب، فيظن أن الأثر للسبب، وما هذا التوالي الذي يحفظه الله للسبب سوى الإذن الإلهي.
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي:
" اعلم أن العالم لا تأثير له من ذاته، إنما الحق سبحانه جعل لكل شيء منه مرتبة في التأثير والتأثر على حد معلوم .
ومكن سبحانه كل ذي مرتبة من مرتبته وجعلهم فيها على مقامات معلومة، تمكينا يبقيه عليهم ما شاء ويعزلهم عنه إذا شاء، وعبر سبحانه عن هذا التمكين بالإذن .
فمعنى الإذن تمكين المؤثر من التأثير في مرتبته لا الإباحة والتخيير.
ولو كان معناه التخيير لما قال:" وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ".
فتبين بما ذكرناه أن أفعال الخلق كلها بإذنه، الذي هو تمكينه لهم إبقاء مرتبة التأثير عليهم ، إنه لا فاعل إلا الله، وإن تأثير الأكوان من حيث إبقاؤه عليها مرتبة التأثير التي وهبها لها ".
ثانيا: الإذن الإلهي هو الأمر الإلهي الظاهر بالاستعداد في المسبب.
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي في تفسير الآية:" ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ".
الإذن: الأمر الإلهي، أمر بعض الشجر أن تقوم فقامت، وأمر بعض الشجر أن تنقطع فانقطعت بإذن الله لا بقطعهم.
فإن إذن الله لها في هذه الصورة كالاستعداد في الشيء، فالشجرة مستعدة للقطع فقبلته من القاطع فقوله: فبإذن الله، يعني للشجرة كقوله: " فيكون طيرا بإذن الله" .
ثالثا: الإذن الإلهي هو صنو المشيئة في تكوين القدر.
فالشيخ الأكبر يجعل القدر وجهين: مشيئة وإذن، فالقدر هو ما شاء الله وأذن به فكان.
يقول الشيخ: " حذر أن تهلك أمته كما هلكت الأمم قبلها بنسيان القدر الذي هو المشيئة والإذن، إذ النفوس شديدة التعلق والأنس بالأسباب ". أهـ
ويرى الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه:
أن الأولياء في بداياتهم لا يتحركون ولا يسكنون إلا بالإذن الإلهي الصريح في قلوبهم .
حتى إذا وصلوا إلى مرتبة الأمناء التي ينفرد فيها كل واحد منهم بحاله، أعطوا التمكين في أمورهم فلا يعودون بحاجة إلى الإذن الإلهي، لأنهم فنوا في الله فأصبحوا بالله يسمعون وبه يبصرون وبه يتحركون وبه يسكنون.
ويقول سيدي عبد القادر الجيلاني:
1. " أولياء الله عز وجل متأدبون بين يديه، لا يتحركون حركة، ولا يخطون خطوة إلا بإذن صريح منه لقلوبهم" .
2. "وقد ينقلون إلى حالة بعد أن جعلوا الأمناء وخوطب كل واحد منهم بالانفراد في حالته" إنك اليوم لدينا مكين أمين ".
فلا يحتاجوا فيها إلى إذن، لأنهم صاروا كالمفوض إليهم أمرهم فهم في قبضته حيث ما ذهبوا في شيء من أمورهم ". أهـ ""
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:30 عدل 1 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة السابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة السابعة: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر .)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فهم قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم. "ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل. وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر"
(فهم قد هيئوا محلهم) الذي هو ذاتهم (لقبول ما يرد) عليهم (منه) تعالى فيحل فيها مما قضاه عليهم وقدره (وقد غابوا عن) شهود (نفوسهم) في شهود ربهم عز وجل (و) عن طلب (أغراضهم) في تنفيذ إرادة ربهم تعالى فيهم فلم يتفرغوا للسؤال منه تعالى فلم يسألوا.
(ومن هؤلاء) الطائفة أهل التفويض والتسليم والاعتصام بالله تعالى (من يعلم) بتعليم الله تعالى له (أن علم الله) تعالى (به في جميع أحواله) التي هو متقلب فيها من حين كان نطفة إلى أن يخرج من الدنيا مثلا (هو)، أي في ذلك العلم بعينه (ما)، أي الذي (كان)، أي وجد (عليه) من الأحوال المترتبة (في حال ثبوت).
أي استحضار (عينه)، أي ذاته مع جميع أحواله في حضرة الله تعالى القديم (قبل وجودها)، أي ظهور تلك العين من علم الله إلى هذا الكون الحادث، فكلما شعر بحالة من أحواله وجدت فيه علم إنما هي التي يعلمها الله تعالى منه في الأزل أخرجها له الآن بقدرته .
ورتبتها إرادته تعالى على حسب ما هي مترتبة في حضرة علم الله تعالى، فهو مطمئن الذاته ولجميع أحوالها على حسب ما كشف عنها سبحانه وتعالى بعلمه من الأزل، ثم قدرته فوجدت على ذلك المنوال السابق لا زادت عليه ولا نقصت .
(ويعلم من ذلك أن الحق) تعالى (لا يعطيه) شيئا ما مطلقة (إلا ما أعطاه)، أي أعطى الحق تعالی (عينه)، أي عين ذلك العبد (من) بيان لما (العلم به)، أي بذلك العبد (وهو)، أي العلم بذلك العبد (ما كان عليه) ذلك العبد (في حال ثبوته)، أي استحضار العالم به فقط قبل وجوده في ذاته .
فقد أعطى الله تعالى بعينه الثابتة في الاستحضار قبل وجودها ما علمه الله تعالى منه، ثم إن الله تعالى أعطاه ما أخذ منه بعلمه سبحانه لا زاده ولا نقصه.
فيعلم هذا العبد حينئذ (علم الله) تعالى (به) الذي هو أصل لتعلق الإرادة والقدرة الأزليتين بإيجاده حتى وجد على هذا الترتيب الذي هو فيه (من أين حصل الله تعالى) ذلك العلم في الأزل بذلك العبد وبأحواله حصولا رتبيا تقتضيه رتبة العلم لا حصولا حدوثيا ترتيبيا إذ هو محال.
واعلم أن الثبوت غير الوجود كما أن النفي غير العدم، فالثبوت والنفي متناقضان كالوجود والعدم.
أما الثبوت: فهو عبارة عن إمكان الشيء وقابليته للوجود وطلبه لذلك طلبا استعداديا، وجميع ما أوجد وهو موجود وسيوجد من الكائنات كانت ثابتة "في علم الله" قبل وجودها في هذا العالم الحادث من غير وجود لها.
ومعنی ثبوتها أنها ممكنة للوجود قابلة له طالبة له طلبا استعداديا، وهذا الثبوت الذي لها قبل وجودها ثبوت أزلي ليس بجعل جاعل، لأنه عدم صرف لا وجود فيه، والعدم ليس بجعل جاعل.
وسيأتي من الشيخ قدس الله سره قريبا بيان ما في هذه الكائنات الثابتة قبل وجودها، ثم إن الله تعالى بعلمه القديم كشف عن هذه الكائنات الثابتة في إمكانها وقابليتها للوجود وطلبها له باستعدادها كشفة ليس متأخرة عنها ولا هي متقدمة عليه.
بل تسميته بالعلم في لسان الشرع يقتضي هذا التأخر عنها من حيث الرتبة التي هو فيها من كونه مسمی علما لا من حيث هو قديم، إذ لو تأخر القديم لكان حادثة وهو محال.
ولهذا لما عرفوا العلم الإلهي قالوا : هو صفة تكشف لمن قامت به عن المعلوم كشفا حقيقيا لا يحتمل النقيض.
وتأخر صفة العالم من حيث الرتبة لا يمنع المقارنة من حيث القدم، فجميع الكائنات الثابتة قبل وجودها قائمة بالاستحضار الإلهي لها قبل تسميته لنا علما بها، فتسميته علما بيان إلهي لنا على السنة الأنبياء عليهم السلام.
وهو المسمى بالشرع وهو أحكام الله تعالى، والله يحكم لا معقب لحكمه.
ومن جملة أحكامه أن حكم بأن له علما كاشفة من الأزل عن حقائق الكائنات الثابتة قبل وجودها.
وكلام الشيخ قدس الله سره من حيثية هذا البيان الإلهي المسمى باسم الشرع الذي هو أحكام الله تعالى، حيث ورد فيه أن الله موصوف بصفة العلم لكل شيء المقتضي ذلك تأخر هذه الصفة عما تعلقت به، وتقدم ما تعلقت به عليها وهو التنزل الإلهي .
وأما من حيث ما الأمر عليه في نفسه فلا يعلم الله إلا الله، ولولا الإذن من الله بالتكلم على ذلك من هذه الحيثية مما وصف الله تعالى نفسه بصفة العلم في لسان الشرع لا سيما وقد قال رسول الله عليه السلام :"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
أي يفهمه فيه والدين هو الشرع الذي شرعه الله تعالى لعباده، أي بينه لهم على حسبهم لا على حسبه هو في ذاته .
ثم حيث تقرر أن صفة العلم تقتضي التأخر عن المعلوم لأنها تابعة له حيث كانت كاشفة عنه لا مؤثرة فيه، كانت جميع الكائنات الثابتة قبل وجودها معطية الله تعالى علمه تعالى بها على الترتيب والإجمال والتفصيل.
ثم إن إرادة الله تعالی القديمة تعلقت بتخصيص جميع ما علمه الله تعالى على منوال ما علمه من غير تأخر عن العلم أيضا تأخرا زمانيا بل تأخر تقتضيه رتبة الإرادة، إذ لا إرادة لغير معلوم فهو تعالی علم فأراد، ثم إن قدرة الله تعالى القديمة تعلقت بإيجاد ما أراده تعالى من غير
تأخر عن الإرادة أيضا، ولكن البيان الإلهي اقتضى هذا الترتيب فجرى حكم الفقه في الدين على هذا البيان.
فكما أن الكائنات الثابتة قبل وجودها أعطت الحق تعالی علمه بها أعطاها هو تعالی أيضا جميع ما علمه منها، فأوجدها على منوال ما أخذ منها من الذوات والأحوال.
فوجدت في عينها بقدرته تعالى وتخصصت بما هي فيه من الأحوال بإرادته، وكانت ثابتة قبل وجودها مكشوفا عنها بعلمه تعالی، فهذا الفرق بين الثبوت والوجود.
فالنفي نقيض الثبوت، وهو عبارة عن عدم إمكان الشيء وعدم قابليته للوجود وهو المستحيل.
وعن عدم طلبه للوجود طلبا استعداديا وهو الممكن القابل للوجود من غير مانع عن ذلك، إلا أنه لم يستعد للوجود فلم يطلب الوجود استعداده ، كالشمس الثانية والثالثة والقمر الثاني والثالث ونحو ذلك من الممكنات الغير الطالبة اللوجود باستعدادها، والعدم نقيض الوجود وهو شامل للثبوت و للنفي بنوعيه المستحيل والممكن.
(وما ثم)، أي هناك بين أهل الله تعالى (صنف من أهل الله) تعالى العارفين به أعلى مرتبة (وأكشف) بصيرة (من هذا الصنف) الذين يعلمون أن علم الله تعالى بهم هو ما هم عليه في حال ثبوت أعيانهم قبل خروجها إلى هذا الوجود.
فقد أعطوا الله تعالى علمه بهم، فهو يعطيهم ما أخذه منهم من غير زيادة ولا نقصان.
(فهم الواقفون)، أي المطلعون (على سر القدر) الإلهي والقضاء الأزلي، فإن الله تعالى ما قدر وقضى على أحد إلا ما علمه منه من خير أو شر.
وما علم منه إلا ما هو عليه في حال ثبوته قبل وجوده، ولهذا ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في زمن خلافته أنه قال لسارق ما حملك على ما فعلت؟
قال : حملني قضاء الله وقدره
فقال له : كذبت ثم أمر بحده
ثم عذره لكذبه على الله تعالى في قوله: إن قضاء الله تعالى وقدره حمله على السرقة.
وبيان ذلك أن القضاء والقدر على منوال ما في علم الله تعالى من ذلك السارق وعلم الله تعالى كاشف عن ذات ذلك السارق.
وجميع أحواله في عالم الثبوت قبل الوجود، فلم يحمل القضاء والقدر ولا العلم القديم ذلك السارق على فعل السرقة.
بل ذلك السارق هكذا في حال ثبوت عينه المكشوف عنها بعلم الله تعالی قبل وجودها.
ولابن كمال باشا زاده رحمه الله تعالى رسالة في تحقيق معنى القضاء والقدر بناهما على مسألة أن العلم تابع للمعلوم، وبسط الكلام على ذلك، وقد تكلمنا على هذه المسألة بما يشفي العليل ويبرد الغليل في كتابنا «المطالب الوفية»
ولنا على مسألة تبعية العلم للمعلوم كلام آخر في كتابنا «الفتح الرباني».
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر.)
قال رضي الله عنه : (فهم قد هيئوا محلهم) أي اشتغلوا بتطهير قلوبهم عن التعلقات بالأمور الدينية (لقبول ما برد منه) حتى يبقى الوارد على ما كان عليه من الطهارة (وقد غابوا) بذلك عن (نفوسهم وأغراضهم) .
فكيف عن السؤال والطلب ولا سبيل عليهم حكومة الحال وهم صنف واحد ينقسم إلى صنفين واقفين على سر القدر .
وهو ما سيذكره المصنف وغير الواقفين عليه ولم يذكره المصنف لوضوحه غاية الإيضاح ببيان الواقفين .
وتقسيمه إلى قسمين و ما منع كلا منهم عن السؤال إلا علمهم الخاص بهم لكنهم لما اتحدوا في حد المنع الكلي .
وهو العلم بالقضاء السابق عليهم وكان بعضهم فوق بعض درجات من العلم لم يفرد بالمنع واقتصر على بيان مراتبهم في رتبة العلم بالله فقال : (ومن هؤلاء) أي من العلماء بالقضاء السابق عليهم أو من الصنف الذي منعهم علمهم هذا عن السؤال أر من عباد الله الذين من هذا الصنف (من) أي العبد الذي (يعلم أن علم الله به) .
أي بذلك العبد (في جميع أحواله) ظرف للعلم أي في إضافة جميع الأحوال اللازمة لوجوده الخارجي (هو ما) أي علم الله بوجوده في اتصافه بجميع أحواله هو العلم الذي كان ذلك العبد (عليه) أي على ذلك العلم.
قال رضي الله عنه : (في حال ثبوت عينه قبل وجودها) أي قبل وجود العين أو قبل وجود الأحوال (ويعلم أن الحق لا يعطيه) أي العبد من الواردات (إلا ما أعطاه عينه) أي أعطى عين العبد الحق (من العلم به) أي بالعبد .
(وهو ما) أي الذي أعطاه العبد (كان) العبد (عليه) أي على ذلك العلم (في حال ثبوته) قبل وجوده.
(فيعلم علم الله به من أين حصل) أي يعلم أن علم الله به سواء كان بعد الوجود أو قبله يحمل للحق من العبد ويعلم أن العلم الذي كان عليه العبد بعد الوجود هو عين العلم الذي كان عليه في حال ثبوته ووجوده وجميع أحواله فعلى كل حال العلم تابع لعين العبد (وما ثمة).
أي في صنف العالمين بالقضاء السابق (صنف من أهل الله أعلى واكشف من هذا الصنف) المعين بالعلم المذكور (فهم واقفون على سر القدر) دون غيرهم فإن غيرهم من أهل الله يعلم القضاء بأنه حكم الله والقدر بأنه تقدير ذلك الحكم ويعلم أن التقدير تابع الحكم والحكم تابع للعلم وهذا هو علم القدر والقضاء ولا يعلم أن علم الله تابع لعین العبد وهو سر القدر.
فعلم سر القدر أن يعلم أن علم الله به من أين حصل فلا يلزم من العلم بالقدر والعلم بسر القدر بخلاف سر القدر.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر.)
قوله رضي الله عنه : "ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق تعالى لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل. وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف فهم الواقفون على سر القدر."
قلت: يعني ومن هؤلاء من تحقق أن العالم كان قبل إيجاده أعيانا ثابتة لا موجودة ولا معدومة من العلم الإلهي، مثل تحققه أنه كان في علم الله لا بد أن يكون إنسانا وأن يجري عليه ومنه وبه أحوال الأناسي لا مطلقا.
بل أن يكون إما فقيها مثلا أو عاميا إما ذا حرفة كالخياطة أو غيرها وأحواله مفصلة من رزق وغنی أو فقر وعمر وبالجملة جميع أحواله.
وعينه الثابتة التي هي في العلم الإلهي بجميع أحوالها لا يمكن أن تكون في الوجود إلا على حد ما كانت عليه في العلم الإلهي.
وقوله: "فيعلم علم الله به من أين حصل".
یعنی به أن علم الله تعالى تابع للمعلومات التي هي الأعيان الثابتة على حد ما هي عليه فحصول العلم بعين من الأعيان إنما حصل من تلك العين المذكورة، فإن العلم لا يعطي المعلوم زيادة في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أحواله كلها.
فقوله: "من أين حصل"، يعني إنما حصل من معلومه.
وأما قوله: "فهم الواقفون على سر القدر". فمعناه أن أحوال تلك الأعيان الثابتة لا تتبدل عما علمت عليه فهذا هو سر القدر.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر.)
قال رضي الله عنه : " ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها ، ويعلم أنّ الحق لا يعطيه إلَّا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته ، فيعلم علم الله به من أين حصل ، وما ثمّ صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف ، فهم الواقفون على سرّ القدر " .
قال العبد أيّده الله به : ومن العلماء بسابق علم الله وقضائه وقدره بجميع ما يجري عليهم صنف هم أكشفهم شهودا وأكملهم علما ووجودا بأنّ جميع أحواله وأفعاله وما يصل إليه من العطايا والمواهب الإلهية.
إنّما يكون بحسب ما أعطته عينه الثابتة التي هي عبارة عن صور معلوميّته لله تعالى أزلا قبل وجوده العيني ، وأنّ العلم الإلهي إنّما تعلَّق بالمعلوم بحسب المعلوم .
ولا تأثير للعلم في المعلوم بما ليس فيه إذ العلم عبارة عن تعيّن العلم في نفس العالم على ما هو عليه ، وكشف العالم للمعلوم كشفا إحاطيا يميّزه عن معلوم آخر بخصوصياته ، فليس للحقيقة العلمية إلَّا الكشف والتمييز على وجه الإحاطة بالمعلوم.
والمعلوم هو يعطي بكونه معلوما صورة تعيّنية ارتساميّة في نفس العالم هي صورة معلوميّته لله تعالى أزلا ، وهي أزليّة أبدية قائمة بقيام العلم الذاتي بالذات الديموميّة القيّوميّة وعلى هذا لا تحكم المشيّة الإلهية بقضاء وقدر على موجود إلَّا بموجب ما سبق به العلم الأزلي .
ولم يتعلَّق العلم الأزلي بكل معلوم إلَّا بحسب ما أعطى المعلوم من عينه الثابتة ، فإنّ لكلّ معلوم قدرا تقدّر وتعيّن وتميّز به في خصوصيته عن معلوم آخر ، ولم يتعيّن المعلوم في حضرة العلم الذاتي الإلهي إلَّا بقدره عند الله وقدره الذي يخصّص به .
ومن حصّل هذا الكشف ، علم المأخذ والمعدن الذي لعلم الله بالمعلوم ، فافهم ، فهذا أعلى الكشوف والعلوم والشهود ، وأهله هم الواقفون على سرّ القدر ، جعلنا الله وإيّاك منهم ، إنّه عليم قدير .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر.)
قال رضي الله عنه : "فهم قد هيأوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم " ظاهر وهم أهل الرضا المريدون بإرادة الله ، لا يريدون إلا ما أراد الله .
قوله: ( ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله تعالى في جميع أحواله ، هو ما كان عليه في حال
ثبوت عينه قبل وجودها ) موقوف على العلم بالأعيان الثابتة .
وهو أن الروح الأول الذي هو أول ما خلق الله تعالى المسمى بلسان أهل الحكمة.
العقل الأول هو أول متعين في ذات الله وأول مرتبة من مراتب الممكنات متعين بسبب تعين أحديته تعالى بعلمه بذاته محيط بحقائق الأشياء كلها .
وهي المسماة بالأعيان الثابتة وهو نوع متشعب إلى أرواح فائتة الحصر ، منها الملائكة المقربون ومنها أرواح الكمل من نوع الإنسان .
وهي حقائق روحانية متمايزة كل روح منها منتقش بكل ما يجرى عليه من الأزل إلى الأبد ، وهو الصف الأول من صفوف الأرواح الإنسية ، وهي المسماة بالأعيان ، وأول تجل من تجليات الحق وهو التجلي الذاتي في صورة هذا المعلول الأول .
فإن الذات الأحدية قبل الظهور في الحضرة الأسمائية في عماء كما ذكر في المقدمة .
وفي هذه الحضرة تتعدد الأسماء وهو يعلم هذا المعلول بذاته أي بعين ذلك المعلول ، كما هو منتقشا بجميع ما فيه لا بصورة زائدة على ذاته .
وعلمه عين ذاته ليس إلا حضوره لذاته في صورة هذا المعلول .
فعلمه بالأعيان إنما هو من جملة علمه بذاته ، والأعيان وكل ما فيها من جملة معلوماته ، ومعلوماته عين ذاته من حيث الحقيقة غير ذاته من حيث تعيناتها .
ولكل عين من الأعيان الإنسانية صورة نفسانية مثالية ينفصل ما فيها من الحقائق العلمية ، التي هي أحوالها في هذه الصورة ، إلى جزئيات مقدرة بمقادير زمانية يقارن كل منها وقتا معينا من أوقات وجوده قبل وجوده والله من ورائهم محيط فسر القدر هذه الأمور المقدرة المتقارنة لآجالها وحضور الحق تعالى لها في ذاته علمه بها على ما هي عليها .
وهذا معنى قوله : (ومن هؤلاء )، أي ومن الذين يعلمون أن الله فيهم سابقة قضاء ، من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت يتفرق عينه قبل وجودها.
قال رضي الله عنه : ( ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به ) وكيف لا وتلك العين هو الكتاب الذي فيه أعماله وأحواله وأرزاقه " لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ".
والروح الكلى المنقسم إلى الأرواح كلها هو أم الكتاب الذي عنده تعالى ، وهو يحكم على كل أحد بما فيه في عينه من النقش وهو الاستعداد الفطري الأول للعبد ولا يعلم الحق من هذا العبد إلا ما في عينه .
( وهو ما كان عليه في حال ثبوته ، فيعلم ) هذا العبد ( علم الله به من أين حصل ).
قوله: ( وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكثف من هذا الصنف ، فهم الواقفون على سر القدر ) ظاهر .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر.)
قال رضي الله عنه : "ﻓﻬﻢ ﻗﺪ ﻫﻴﺌﻮﺍ ﻣﺤﻠﻬﻢ ﻟﻘﺒﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﺮﺩ ﻣﻨﻪ ﻭﻗﺪ ﻏﺎﺑﻮﺍ ﻋﻦ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻭﺃﻏﺮﺍﺿﻬﻢ".
ﺃﻱ، ﻟﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻫﺆﻻﺀ ﺃﻥ ﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﻢ ﺣﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ، ﻭﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﻘﺼﺎﻥ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺪﺭ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻝ، ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻠﺐ، ﻭﻣﻨﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻟﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﻴﺌﺎ، ﻭﺍﺷﺘﻐﻠﻮﺍ ﺑﺘﻄﻬﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﻞ ﻋﻦ ﺩﺭﻥ ﺍﻟﺘﻌﻠﻘﺎﺕ ﺑﺎﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ ﻭﻗﻄﻊ ﺍﻟﻌﻼﺋﻖ، ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺮﺁﺓ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻃﺎﻫﺮﺓ ﻣﺠﻠﻮﺓ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﻳﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ، ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﻃﻬﺎﺭﺗﻪ ﻭﻻ ﻳﻨﺼﺒﻎ ﺑﺼﺒﻎ ﺍﻟﻤﺤﻞ، ﻓﻴﻔﻴﺪ ﻏﻴﺒﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻭﺃﻏﺮﺍﺿﻬﻢ، ﻓﻴﻔﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻳﺒﻘﻮﺍ ﺑﺒﻘﺎﺋﻪ.
قال رضي الله عنه : "ﻭﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺛﺒﻮﺕ ﻋﻴﻨﻪ ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ" ﺃﻱ، ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻴﻦ.
قال رضي الله عنه : "ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻻ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﺘﻪ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺛﺒﻮﺗﻪ، ﻓﻴﻌﻠﻢ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺣﺼﻞ. ﻭﻣﺎ ﺛﻢ ﺻﻨﻒ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺃﻛﺸﻒ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﻨﻒ، ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻔﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺳﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭ".
ﻗﻴﻞ: ﺇﻥ ﺣﻀﺮﺓ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﻫﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻭﻝ، ﻭﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻨﺸﻌﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﻓﺎﺋﺘﺔ ﻟﻠﺤﺼﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻜﻤﻞ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻣﺘﻤﺎﻳﺰﺓ ﻛﻞ ﺭﻭﺡ ﻣﻨﻬﺎ، ﻣﻨﺘﻘﺶ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ بـ "ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ".
ﻫﺬﺍ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻧﺘﻘﺎﺵ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﺣﻘﺎ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻭﻝ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻴﻦ ﻣﺘﺼﻔﺔ ﺑﺎﻟﺜﺒﻮﺕ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻓﺎﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ، ﻷﻥ ﺍﻟﻜﻞ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﻮﺻﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻭﺍﻟﺜﺒﻮﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﺸﺘﺮﻙ.
ﻭﺍﻟﺤﻖ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ: ﺇﻥ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻫﻲ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﻟﻬﺎ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ. ﻭﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺐ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺣﻀﺮﺗﻪ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺇﻻ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ. ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﻢ ﻟﻴﺘﺼﻔﻮﺍ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ، ﻛﻤﺎ ﺍﺗﺼﻔﻮﺍ ﺑﺎﻟﺜﺒﻮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﺃﻭﺟﺪ ﻫﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.
ﻭﺃﻭﻝ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﻢ ﺇﺟﻤﺎﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻴﺪﺧﻠﻮﺍ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻧﻮﺍﺭﻩ، ﻓﻬﻮ ﻣﻈﻬﺮ ﻟﻠﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﻈﻬﺮ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ. ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ، ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ، ﻓﻴﺪﺭﻛﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻟﻮﺍﺯﻣﻬﺎ ﻭﺃﺣﻜﺎﻣﻬﺎ.
ﻭﻗﺪ ﺑﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ "ﺍﻷﺣﺪﻳﺔ" ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻭﻓﻲ "ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ" ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺣﻀﺮﺓ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻭ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ ﻟﻠﺬﺍﺕ، ﻓﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻧﺴﺒﺔ، ﺇﻻ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﺘﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻋﺮﻓﺖ ﺫﻟﻚ، ﻓﻨﻘﻮﻝ: ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ، ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻨﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻨﻌﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻠﻤﻬﻢ، ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﻫﻮ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺣﺎﻝ ﺛﺒﻮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ، ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ.
ﺃﻱ ﺑﺎﻟﻌﺒﺪ، ﻓﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻪ ﺣﺎﺻﻞ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺇﺫﺍ ﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﻫﻮ "ﻣﻨﻪ" ﻭ "ﻋﻠﻴﻪ" ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻌﻴﻨﻪ، ﻻ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺷﻴﺌﺎ.
ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻄﺢ: "ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﻣﻔﺼﻼ".
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر .)
قال رضي الله عنه : "فهم قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم.
ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به و هو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر ".
قال رضي الله عنه : (فهم هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه) أي: من الله الجواد العلام المحبوب (وقد غابوا عن نفوسهم، وأغراضهم) الداعية إلى السؤال في المعين وغيره، ولغنائهم ليس لهم سؤال العبودية وهؤلاء، وإن عز شأنهم فلا اطلاع لهم على سر القدر لا إجمالا ولا تفصيلا.
ثم أشار إلى من له ذلك فقال: (ومن هؤلاء) أي: الممتنعين عن السؤال؛ لعلمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء (من يعلم أن علم الله به) الموجب لعطائه (في جميع أحواله) المتجددة عليه ذكر ذلك ليشير إلى أن اختلاف العطايا منوط باختلاف الأحوال، وهو إنما يطلب عطاء متجددا مخالفا لما تقدم .
(هو) مقتضى (ما كان) الشخص (عليه في حال ثبوت عينه) في العلم الإلهي، ولما كان عرف المتكلمين أن الثبوت: هو الوجود ربما أوهم أن المراد ذلك رفعه بقوله: (قبل وجودها) وذلك لأن الثبوت المذكور أزلي، والوجود لها
حادث، والمقصود بيان أن تجدد الأقوال الوجودية عليه من مقتضيات عينه الثابتة قبل وجودها فلا يتغير عن ذلك.
ومن هنا (يعلم أن الحق لا يعطيه) شيئا سواء سأله باللفظ، أو الحال، أو لم يسأل (إلا ما أعطته) أي: الحق (عينه من العلم به) أي: بما تقتضيه عينه، وهو لا يقبل التغير لكونه أزليا، إذ (هو ما كان عليه في حال ثبوته) في العلم الإلهي الأزلي الذي لا يكون محلا للحوادث.
(فيعلم) هذا العبد أن علم الله به، وإن كان أزلا؛ فهو (من أين حصل) ليس المراد: أنه انفعل عن عينه، بل إنه لما كانت معرفة الشيء على ما هو عليه، وكأنه أخذ منه فيترك السؤال من علمه أنه لا بد، وأن يصل إليه مقتضی عينه بكل حال.
وهذا وإن كمل فقد خفي عليه أن عينه قد تقتضي أن يكون عطاؤها بعد سؤال منه بذلك، وأنه قد يطالب بالسؤال عبودية، ومع هذا (ما ثمة) أي: في تاركي السؤال (صنف من أهل الله) أشار بذلك إلى أنهم، وإن تركوا العبودية بترك السؤال فلا يخرجون بذلك عن كونهم من أهل الله
(أعلى وأكشف من هذا الصنف)، وإن كان في غيرهم أعلى منهم، وهو ممن يعمل بمقتضى الحال في السؤال، وتركه أو يسأل للعبودية (فهم الواقفون) من بينهم (على سر القدر)، وإن كان غيرهم أكثر وقوفا منهم.
""سر القدر: توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد من حضرة المقيت؛ فإنه يقدر أوقات الأوقات صورية ومعنوية.
فما حكم القضاء قدره هذا الاسم تقدير العزيز الحكيم وهذا هو عين سر القدر.
فهم الواقفون الحاضرون لهذا التوقيت على مقتضى الاستعداد، والمطلعون على أصله وفرعه، ولهذا المقام إجمال وتفصيل، منهم من يعلم ذلك تفصيلا.""
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر .)
قال رضي الله عنه : (فهم قد هیوا محلهم لقبول ما يرد منه، وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم ) لاشتغالهم بما يرد منه واستغراقهم فيه .
قال رضي الله عنه : ( ومن هؤلاء) الساكتين عن السؤال (من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه ، قبل وجودها ، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العالم به) لما سبق أن العطاء على وفق الإرادة ، والإرادة تابعة للعلم ، والعلم ما أعطاه العين المعلوم مما يقتضيه ذاته ويعبر عنه السا استعداده ( وهو ما كان عليه في حال ثبوته ؛ فيعلم ) هذا العبد ( علم الله به من أين حصل ) و أن الكل من عينه ظهر عليه ، أخذ منه فرد إليه " هذه بضاعتنا ردت إلينا " .
(وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف فهم الواقفون على سر القدر) المطلعون على مبادئ تفاصيل جزئيات أوضاع العالم ومصادر وقوع أحكامها وأفعالها ، أنه من نفس عينه الثابتة في حال عدمه ، الكاشفة عن كل أحوالها بمقاديرها وأزمانها ، "لا يغادر صغيرة " من تلك الأوضاع "ولا كبيرة إلا أحصاها" إحصاء تفصيل وإيقان، فالعارف بسر الارتباط المذكور هو الواقف على سر القدر.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:42 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة السابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة السابعة : الجزء الثاني
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر .)
قال رضي الله عنه : "فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم. و من هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به و هو ما كان عليه"
قال رضي الله عنه : (فهم قد هيئوا محلهم) بتطهيره عن درن التعلقات الفانية أو تحليته عن الانتقاش بالصور الكونية وتفريغه عن شواغل السؤال والدعاء (لقبول ما يرد عليه).
أي على ذلك المحل من الواردات والتجليات والحال أنهم (قد غابوا عن) حظوظ (نفوسهم وأغراضهم) في هذه الهيئة بل فعلوها ترقيقة عشقية تقتضي إعراضهم عن الأعراض النفسية والتوجه إليه بالكلية.
(ومن هؤلاء) الذين منعهم عن السؤال عليهم بسابق قضاء الله وقدره بجميع ما يجري عليهم (من بعلم) من عباد الله (أن علم الله به في جميع أحواله) بل متعلق علمه بالعبد.
(هو ما كان) العبد (عليه) من الأحوال (في حال ثبوت عينه) في مرتبة العلم (قبل وجودها).
أي وجود عينه الثابتة في مرتبة العين وحاصله أن علمه سبحانه تابع لعينه الثابتة التي هي المعلوم.
قال الشيخ رضي الله عنه: (ويعلم) أيضا ذلك العبد (ان الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه)، أي إلا مقتضى من أعطاه.
أي الحق سبحانه و ضمير الموصرف محذوف، أو الضمير عائد إلى الموصول والمفعول الأول.
أي الحق محذوف (عينه) فاعل أعلاه (من العلم به)، أي بالعبد بيان للموصول (وهو)، أي العلم به بل متعلق ذلك العلم (ما كان) العبد (عليه) من الأحوال
قال رضي الله عنه : " في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
و ما ثم صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر."
(في حال ثبوته) في مرتبة العلم قبل خروجه إلى العين. (فيعلم) أن (علم الله به) وبأحواله الجارية عليه إلى الأبد (من أين حصل).
أي من عينه الثابتة وأن كل ما يجري عليه إنما هو بمقتضى عينه الثابتة وطلبها إياه بلسان الاستعداد والمطلوب بلسان الاستعداد يعطيه الله الجواد المطلق سبحانه لا محالة .
فلا يحتاجون إلى السؤال اللفظي أصلا (وما ثم صنف من أهل الله أعلى) علما (وأكشف) للأمور على ما هي عليه (من هذا الصنف إنهم الواقفون على سر القدر "
أي سر القدر (مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا والذي بعلمه مفصلا أعلى) کشفا (وأتم) معرفة من الذي يعلمه مجملا .
(فإنه)، أي الذي يعلمه مفصلا (يعلم ما تعين في علم الله فيه)، أي في شأنه من أحوال عينه الثابتة على سبيل التفصيل بخلاف من يعلمه مجملا، وذلك العلم التفصيلي (إما بإعلام الله إياه)، أي الذي يعلمه مفصلا (بما أعطاه عنه من العلم به) بأن يلقى في قلبه بواسطة أو بغير واسطة أن عينه الثابتة تقتضي هذه الأحوال العينية من غير أن يطلعه على عينه کشفة.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و من هؤلاء من يعلم أن يعلم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به و هو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل، و ما ثمة صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف فهم الواقفون على سرّ القدر .)
قال الشارح رحمة الله :
ومن هؤلاء من للتبعيض، و يظهر بالقدرة ما قضي و رفعت الدواوين و جف القلم من يعلم (أنّ علم الله به في جميع أحواله) و هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و هو من أهل الحضور بالعلم و الشعور و تفصيل الأمور مع نوع من الإجمال و يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه.
أي بالاستعداد الذاتي من العلم به بنفسه، و هو ما كان عليه في حال ثبوته: أي في عدمه لا زائدا و لا ناقصا، فإذا علم نفسه و عرفها كما هى هى، فيعلم علم الله به: أي بالعلم بنفسه .
و قد ورد في الخبر : " و من عرف نفسه فقد عرف ربه"
فيعلم تعلق علم الله به من أين حصل، و هذا غاية العلم بالله و بالنفس .
ذكر الشيخ رضي الله عنه في كتابه المسمّى بالمشاهد أنه تعالى قال له في بعض المنازلات :
أنت الأصل و أنا الفرع، انتهى كلامه .
و هو محتمل لوجوه شتى منها أن يعلّمه بنا منا لا منه، وعند أكثر النظار منه لامنا، و الكشف يعطي كما قلنا .
"" أضافة الجامع :
ذكر رضي الله عنه في الفتوحات في الباب الثامن وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ من الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:
فولاية العبد ربه وولاية الرب عبده في قوله: "إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ " .
وبين الولايتين فرق دقيق فجعل تعالى نصره جزاء وجعل مرتبة الإنشاء إليك كما قدمك في العلم بك على العلم به .
وذلك لتعلم من أين علمك فتعلم علمه بك كيف كان لأنه قال : "ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ " وقد ذكرنا في كتاب المشاهد القدسية أنه قال لي: "أنت الأصل وأنا الفرع" . على وجوه منها علمه بنا منا لا منه .
فانظر فإن هنا سرا غامضا جدا وهو عند أكثر النظار منه لا منا أوقعهم في ذلك حدوثنا والكشف يعطي ما ذكرناه وهو الحق الذي لا يسعنا جهله .
ولما سألني عن هذه اللفظة مفتي الحجاز أبو عبد الله محمد بن أبي الصيف اليمني نزيل مكة ذكرت له أن علمنا به فرع عن علمنا بنا إذ نحن عين الدليل يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم : "من عرف نفسه عرف ربه". كما إن وجودنا فرع عنه ووجوده أصل .
فهو أصل في وجودنا فرع في علمنا به .
وهو من مدلول هذه اللفظة فسر بذلك وابتهج رحمه الله وهذا الوجه الآخر من مدلولها أيضا .
وهو أعلى ولكن ما ذكرناه له رحمه الله في ذلك المجلس لأنه ما يحتمله ولا يقدر أن ينكره .
وما ثم ذلك الايمان القوي عنده ولا العلم ولا النظر السليم .
فكان يحار فأبرزنا له من الوجوه ما يلائم مزاج عقله وهو صحيح .
فإنه ما ثم وجه إلا وهو صحيح في الحق وليس الفضل إلا العثور على ذلك فالله ولي المؤمن والمؤمن ولي الله .
سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقيل له من أولياء الله؟ فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم : "الذين إذا رأوا ذكر الله" .
فذكر وعلم وشهد برؤيتنا إياهم فجعلهم أولياء الله كما جاء عن الله أنه "وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا".
فالمؤمن من أعطى الأمان في الحق أن منه يضيف إليه ما لا يستحق جلاله أن يوصف به مما ذكر تعالى أن ذلك ليس له بصفة كالذلة والافتقار.
وهذه أرفع الدرجات أن نصف العبد بأنه مؤمن فإن المؤمن أيضا من يعطي الأمان نفوس العالم بإيصال حقوقهم إليهم فهم في أمان منه من تعديه فيها ومتى لم يكن كذا فليس بمؤمن فالولاية مشتركة بين الله وبين المؤمنين. والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.أهـ "" فافهم .
و (ما ثم صنف من أهل الله أعلى و اكشف من هذا الصنف) لأنهم أحاطوا بالعلم الإلهي بعلمهم بأنفسهم .
قال تعالى: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، علق الإحاطة بالمشيئة ما شاء الله، كان قد أحاط الله بكل شيء علما.
( و هم الواقفون على سر القدّر) و القدّر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد من حضرة المقيت فأنه يقدر أوقات الأوقات صورية و معنوية، فما حكم القضاء قدره هذا الاسم تقدير العزيز الحكيم و هذا هو عين سر القدر .
فهمّ الواقفون الحاضرون لهذا التوقيت على مقتضى الاستعداد، و المطلعون على أصله و فرعه، و لهذا المقام إجمال و تفصيل، منهم من يعلم ذلك تفصيلا .
"" أضافة الجامع :
يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه : " أهل الحضور ... هم الواقفون على سر القدر" .
ويقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه فى الحكم :" التعلق هو افتقارك إليه ليوقفك على سر القدر وتحكمه في الخلائق" .
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر .)
قال رضي الله عنه : "فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم. و من هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به و هو ما كان عليه"
قال رضي الله عنه : (فهم قد هيئوا محلهم) بتطهيره عن درن التعلقات الفانية أو تحليته عن الانتقاش بالصور الكونية وتفريغه عن شواغل السؤال والدعاء (لقبول ما يرد عليه).
أي على ذلك المحل من الواردات والتجليات والحال أنهم (قد غابوا عن) حظوظ (نفوسهم وأغراضهم) في هذه الهيئة بل فعلوها ترقيقة عشقية تقتضي إعراضهم عن الأعراض النفسية والتوجه إليه بالكلية.
(ومن هؤلاء) الذين منعهم عن السؤال عليهم بسابق قضاء الله وقدره بجميع ما يجري عليهم (من بعلم) من عباد الله (أن علم الله به في جميع أحواله) بل متعلق علمه بالعبد.
(هو ما كان) العبد (عليه) من الأحوال (في حال ثبوت عينه) في مرتبة العلم (قبل وجودها).
أي وجود عينه الثابتة في مرتبة العين وحاصله أن علمه سبحانه تابع لعينه الثابتة التي هي المعلوم.
قال الشيخ رضي الله عنه: (ويعلم) أيضا ذلك العبد (ان الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه)، أي إلا مقتضى من أعطاه.
أي الحق سبحانه و ضمير الموصرف محذوف، أو الضمير عائد إلى الموصول والمفعول الأول.
أي الحق محذوف (عينه) فاعل أعلاه (من العلم به)، أي بالعبد بيان للموصول (وهو)، أي العلم به بل متعلق ذلك العلم (ما كان) العبد (عليه) من الأحوال
قال رضي الله عنه : " في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
و ما ثم صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر."
(في حال ثبوته) في مرتبة العلم قبل خروجه إلى العين. (فيعلم) أن (علم الله به) وبأحواله الجارية عليه إلى الأبد (من أين حصل).
أي من عينه الثابتة وأن كل ما يجري عليه إنما هو بمقتضى عينه الثابتة وطلبها إياه بلسان الاستعداد والمطلوب بلسان الاستعداد يعطيه الله الجواد المطلق سبحانه لا محالة .
فلا يحتاجون إلى السؤال اللفظي أصلا (وما ثم صنف من أهل الله أعلى) علما (وأكشف) للأمور على ما هي عليه (من هذا الصنف إنهم الواقفون على سر القدر "
أي سر القدر (مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا والذي بعلمه مفصلا أعلى) کشفا (وأتم) معرفة من الذي يعلمه مجملا .
(فإنه)، أي الذي يعلمه مفصلا (يعلم ما تعين في علم الله فيه)، أي في شأنه من أحوال عينه الثابتة على سبيل التفصيل بخلاف من يعلمه مجملا، وذلك العلم التفصيلي (إما بإعلام الله إياه)، أي الذي يعلمه مفصلا (بما أعطاه عنه من العلم به) بأن يلقى في قلبه بواسطة أو بغير واسطة أن عينه الثابتة تقتضي هذه الأحوال العينية من غير أن يطلعه على عينه کشفة.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم. ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم اللَّه به من أين حصل. وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و من هؤلاء من يعلم أن يعلم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به و هو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل، و ما ثمة صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف فهم الواقفون على سرّ القدر .)
قال الشارح رحمة الله :
ومن هؤلاء من للتبعيض، و يظهر بالقدرة ما قضي و رفعت الدواوين و جف القلم من يعلم (أنّ علم الله به في جميع أحواله) و هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و هو من أهل الحضور بالعلم و الشعور و تفصيل الأمور مع نوع من الإجمال و يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه.
أي بالاستعداد الذاتي من العلم به بنفسه، و هو ما كان عليه في حال ثبوته: أي في عدمه لا زائدا و لا ناقصا، فإذا علم نفسه و عرفها كما هى هى، فيعلم علم الله به: أي بالعلم بنفسه .
و قد ورد في الخبر : " و من عرف نفسه فقد عرف ربه"
فيعلم تعلق علم الله به من أين حصل، و هذا غاية العلم بالله و بالنفس .
ذكر الشيخ رضي الله عنه في كتابه المسمّى بالمشاهد أنه تعالى قال له في بعض المنازلات :
أنت الأصل و أنا الفرع، انتهى كلامه .
و هو محتمل لوجوه شتى منها أن يعلّمه بنا منا لا منه، وعند أكثر النظار منه لامنا، و الكشف يعطي كما قلنا .
"" أضافة الجامع :
ذكر رضي الله عنه في الفتوحات في الباب الثامن وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ من الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:
فولاية العبد ربه وولاية الرب عبده في قوله: "إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ " .
وبين الولايتين فرق دقيق فجعل تعالى نصره جزاء وجعل مرتبة الإنشاء إليك كما قدمك في العلم بك على العلم به .
وذلك لتعلم من أين علمك فتعلم علمه بك كيف كان لأنه قال : "ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ " وقد ذكرنا في كتاب المشاهد القدسية أنه قال لي: "أنت الأصل وأنا الفرع" . على وجوه منها علمه بنا منا لا منه .
فانظر فإن هنا سرا غامضا جدا وهو عند أكثر النظار منه لا منا أوقعهم في ذلك حدوثنا والكشف يعطي ما ذكرناه وهو الحق الذي لا يسعنا جهله .
ولما سألني عن هذه اللفظة مفتي الحجاز أبو عبد الله محمد بن أبي الصيف اليمني نزيل مكة ذكرت له أن علمنا به فرع عن علمنا بنا إذ نحن عين الدليل يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم : "من عرف نفسه عرف ربه". كما إن وجودنا فرع عنه ووجوده أصل .
فهو أصل في وجودنا فرع في علمنا به .
وهو من مدلول هذه اللفظة فسر بذلك وابتهج رحمه الله وهذا الوجه الآخر من مدلولها أيضا .
وهو أعلى ولكن ما ذكرناه له رحمه الله في ذلك المجلس لأنه ما يحتمله ولا يقدر أن ينكره .
وما ثم ذلك الايمان القوي عنده ولا العلم ولا النظر السليم .
فكان يحار فأبرزنا له من الوجوه ما يلائم مزاج عقله وهو صحيح .
فإنه ما ثم وجه إلا وهو صحيح في الحق وليس الفضل إلا العثور على ذلك فالله ولي المؤمن والمؤمن ولي الله .
سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقيل له من أولياء الله؟ فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم : "الذين إذا رأوا ذكر الله" .
فذكر وعلم وشهد برؤيتنا إياهم فجعلهم أولياء الله كما جاء عن الله أنه "وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا".
فالمؤمن من أعطى الأمان في الحق أن منه يضيف إليه ما لا يستحق جلاله أن يوصف به مما ذكر تعالى أن ذلك ليس له بصفة كالذلة والافتقار.
وهذه أرفع الدرجات أن نصف العبد بأنه مؤمن فإن المؤمن أيضا من يعطي الأمان نفوس العالم بإيصال حقوقهم إليهم فهم في أمان منه من تعديه فيها ومتى لم يكن كذا فليس بمؤمن فالولاية مشتركة بين الله وبين المؤمنين. والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.أهـ "" فافهم .
و (ما ثم صنف من أهل الله أعلى و اكشف من هذا الصنف) لأنهم أحاطوا بالعلم الإلهي بعلمهم بأنفسهم .
قال تعالى: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، علق الإحاطة بالمشيئة ما شاء الله، كان قد أحاط الله بكل شيء علما.
( و هم الواقفون على سر القدّر) و القدّر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد من حضرة المقيت فأنه يقدر أوقات الأوقات صورية و معنوية، فما حكم القضاء قدره هذا الاسم تقدير العزيز الحكيم و هذا هو عين سر القدر .
فهمّ الواقفون الحاضرون لهذا التوقيت على مقتضى الاستعداد، و المطلعون على أصله و فرعه، و لهذا المقام إجمال و تفصيل، منهم من يعلم ذلك تفصيلا .
"" أضافة الجامع :
يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه : " أهل الحضور ... هم الواقفون على سر القدر" .
ويقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه فى الحكم :" التعلق هو افتقارك إليه ليوقفك على سر القدر وتحكمه في الخلائق" .
يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه : " سر الإخلاص هو سر القدر الذي أخفى الله علمه عن العالم لا بل عن أكثر العالم ، فميز الأشياء بحدودها.
فهذا معنى سر القدر ، فإنه التوقيف عينه ، وبه تميزت الأشياء وبه تميز الخالق من المخلوق والمحدث من القديم .
يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
" الخضر عليه السلام دخل في الظلمة الأولى ، ووجد فيها ماء الحياة وأخرج به علما سويا يستوي فيه الغيب والشهادة .
وذو القرنين دخل في الظلمة الثانية ، وأخرج بنور سواه الله تعالى فيه حتى استوى فيه الليل والنهار .
ودخل خاتم الأولياء في الظلمة الأخيرة ، وأخرج بسر القدر الذي صار العلم والنور به علما ونورا في الخلق ". أهـ ""
فقال رضي الله عنه: مريدا لإظهار مراتبهم (و هم على قسمين) منهم من يعلم ذلك مجملا: أي يعلم سر القدر على الإجمال، و منهم من يعلمه مفصّلا و الذي يعلمه مفصّلا أعلى و أتم من الذي بعلمه مجملا فإنه يعلم: أي بذلك العلمي التفصيلي ما في علم الله فيه: أي في نفسه و ذاته .
وذو القرنين دخل في الظلمة الثانية ، وأخرج بنور سواه الله تعالى فيه حتى استوى فيه الليل والنهار .
ودخل خاتم الأولياء في الظلمة الأخيرة ، وأخرج بسر القدر الذي صار العلم والنور به علما ونورا في الخلق ". أهـ ""
فقال رضي الله عنه: مريدا لإظهار مراتبهم (و هم على قسمين) منهم من يعلم ذلك مجملا: أي يعلم سر القدر على الإجمال، و منهم من يعلمه مفصّلا و الذي يعلمه مفصّلا أعلى و أتم من الذي بعلمه مجملا فإنه يعلم: أي بذلك العلمي التفصيلي ما في علم الله فيه: أي في نفسه و ذاته .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:34 عدل 1 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثامنة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي: (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، ومنهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى و هو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا.
و منهم من يعلمه مفصلا.
و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به .
و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى و هو أعلى:
فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد)
(وهم)، أي الواقفون على سر القدر (على قسمين منهم من يعلم ذلك)، أي سر القدر علما (مجملا) بأن يعلم أن ثم أمور ثابتة قبل وجودها كشف الله تعالى بعلمه القديم عنها وحكم بها فقضاها وقدرها على منوال ما كشف عنها .
ولكن لا يعلم ذلك العبد ما هي بعينها ولا يعرف تفاصيلها .
(ومنهم من يعلمه)، أي سر القدر (مفصلا) بأن يعلم كل شيء بعينه في حال ثبوته قبل وجوده بتعليم الله تعالى ذلك (والذي يعلمه)، أي سر القدر مفصلا على هذا المنوال (أعلى) درجة (وأتم معرفة من الذي يعلمه مجملا) .
وعلم الله تعالی ليس علما مجملا بل علما مفصلا، والذي يعلم مفصلا هو الذي يعلم علم الله تعالى (فإنه يعلم ما)، أي الذي (في علم الله) تعالى (فيه)، أي في نفسه من الأحوال المختلفة الماضية والمستقبلة (إما بإعلام الله) تعالى (إياه) بطريق الوحي الإلهامي والتعليم الرباني والإلقاء في القلب.
(بما)، أي بالذي (أعطاه)، أي أعطى الله تعالى (عينه) الثابتة قبل وجودها (من العلم به) كله على ما هو عليه في حال ثبوته قبل وجوده .
(وإما بأن يكشف) الله تعالى (له)، أي لذلك العبد (عن عينه الثابتة) قبل وجودها (و) عن (انتقالات) جميع (الأحوال عليها إلى ما لا يتناهی) في الدنيا والآخرة.
(وهو)، أي هذا الوجه الثاني (أعلى) رتبة من الوجه الأول، لأن الأول بطريق الإخبار من الله تعالى له، وليس علم الله تعالى بالكائنات الثابتة قبل وجودها بهذا الطريق فهو أدنى.
والثاني بطريق الكشف عنها، وعلم الله تعالى بها كذلك بطريق الكشف .
فهو أعلى من الأول لموافقته لعلم الله تعالى من حيث كونه بطريق الكشف عن تلك الكائنات الثابتة قبل وجودها (فإنه)، أي هذا الذي كشف له عن عينه الثابتة وانتقالات أحواله (یكون) حينئذ (في علمه بنفسه) علم كشف عن حقيقته الثابتة أيضا وانتقالات أحوالها .
(بمنزلة علم الله) تعالى (به) علم كشف عن حقيقته الثابتة وانتقالات أحوالها (لأن الأخذ)، أي أخذ الله تعالى علمه في الأزل بنفس هذا العبد وبانتقالات أحواله، وأخذ هذا العبد علمه في عالم وجوده الحادث بنفسه وبانتقالات أحواله كل الآخذين بطريق الكشف عن نفس هذا العبد وانتقالات أحواله في الثابت ذلك كله قبل وجوده.
(من معدن واحد هو العين المعلومة)، وهو نفس ذلك العبد وانتقالات أحواله في ثبوتها قبل وجودها.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى وهو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد. )
قال رضي الله عنه : (وهم) أي الواقفون على سير القدر أو العلماء بأن علم الله به من أين حصل على قسمين منهم):
أي بعض منهم خبر مقدم (من يعلم ذلك) مبتدأ أي سر القدر أو العلم المذكور (مجملا ومنهم من يعلمه).
أي يعلم علم الله به او سر القدر (مفصلا والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا فإنه).
أي فإن الذي يعلم سر القدر مفصلا (يعلم ما في علم الله فيه) أي في حقه .
وذلك العلم يحصل له (إما بإعلام الله إياه بما) أي بسبب الذي (أعطاه عينه من العلم به وأما بان يكشف به) أي للعبد (عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى) وهذا هو العلم التفصيلي.
قال رضي الله عنه : (وهو) أي كشف العلم عن العين الثابتة أو بالإعلام (أعلى) من العلم بالإجمال (فإنه) أي فإن الذي يعلم نفسه بالانكشاف عن عينه الثابتة أو بالإعلام (يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد) وهو العين الثابتة المعلومة.
ولما بين اتحاد علمي الحق والخلق أراد أن يبين الفرق بينهما وإن هذه المساواة من أي جهة كانت.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى وهو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد.)
و قوله رضي الله عنه : "وهم على قسمين منهم من يعلم ذلك مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا، والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه مما أعطاه عينه من العلم به، وإما بأن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى، فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد."
قلت: هذا كله واضح من عبارة الشيخ، رضي الله عنه، إلا قوله: من معدن واحد، فإنه يحتاج أن يبين المعدن المذكور ويعني بالمعدن الواحد أن الحق تعالی يأخذ علمه بالأعيان منها، لأن علمه تابع لمعلومه.
وكذلك هذا المشار إليه إنما يأخذ ذلك العلم المفصل من المعلوم وكل من علمه صحيح فإنما يأخذ علمه من معلومه، فالمعدن هو المعلوم والتقدير أنه هو تلك الأعيان الثابتة فيأخذ علمه منها.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى وهو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " وهم على قسمين : منهم من يعلم ذلك مجملا ، ومنهم من يعلمه مفصّلا ، والذي يعلمه مفصّلا أعلى وأتمّ من الذي يعلمه مجملا ، فإنّه يعلم ما في علم الله فيه أنّ علم الله به وبأحواله الظاهرة والباطنة بحسبه فيه ، ولكنّ علمه جملي لا تفصيلي ، وكلَّي لا تعيّني ، فلا يعلم تفاصيل أحواله الوجودية قبل وقوعها على التفصيل" .
والتفصيل على هذا الصنف لمن يعلم تفاصيل أحواله الوجودية ظاهرها وباطنها ، كما رويت عن سيدي وسندي وقدوتي إلى الله ، الشيخ الكامل المكمّل ، أكمل ورثة المحمديين ، صدر الحق والدين ، محيي الإسلام والمسلمين ، أبي المعالي ، محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف رضي الله عنه وكان يتكلَّم معي في هذا المقام من سرّ القدر ، أنّ شيخنا الأكمل ، خاتم الولاية الخاصّة المحمدية .
قال له : « لمّا وصلت إلى بحر الروم من بلاد أندلس ، عزمت على نفسي أن لا أركب البحر إلَّا بعد أن أشهد تفاصيل أحوالي الظاهرة والباطنة الوجودية ممّا قدّر الله عليّ ولي ومنّي إلى آخر عمري » .
قال رضي الله عنه : « فتوجّهت إلى الله في ذلك بحضور تامّ وشهود عامّ ومراقبة كاملة ، فأشهدني الله جميع أحوالي ممّا يجري ظاهرا وباطنا إلى آخر عمري ، حتى صحبة أبيك « إسحاق بن محمد » وصحبتك وأحوالك وعلومك وأذواقك ومقاماتك وتجلياتك ومكاشفاتك وجميع حظوظك من الله ، ثم ركبت البحر على بصيرة ويقين ، فكان ما كان ويكون من غير إخلال ولا اختلال " .
وكيفيّة هذا الكشف أنّ المكاشف يتحقّق بعينه الثابتة الأزلية ، ويشهدها كشفا ، ويشهد أحوالها في المواطن والمراتب الوجودية والأطوار الشهودية مع أعيان ماهيّاتها ولوازمها ولوازم لوازمها وعوارضها ولواحقها ولواحق اللواحق ، دنيا وآخرة وعند الله ، فيعلم من عينه الثابتة التي هي ماخذ العلم الإلهي من حيث إنّها فيه سبحانه عينه وليست غيره ، فيعلم ما في علم الله في الكوائن والحوادث في حقّه وفي حق غيره . وهذا النوع من علم سرّ القدر وكشفه أكمل وأتمّ وأكشف وأعمّ جعلنا الله وإيّاك من عبيده الاختصاصيّين ، إنّه أرحم الراحمين .
قال رضي الله عنه : « إمّا بإعلام الله تعالى إيّاه بما أعطاه عينه من العلم به ، وإمّا بأن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى ، وهو أعلى ، فإنّه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به ، لأنّ الأخذ من معدن واحد " .
قال العبد : لمّا قرّر رضي الله عنه مراتب حصول العلم بالأعيان الثابتة وسرّ القدر ، وبأحوال عينه الثابتة ، احتمل أن يكون حصول هذا العلم لهذا الصنف الأكشف الأعلم ، بإعلام الله وإلهامه إيّاهم ، واحتمل أيضا أن يكون طريق حصول ذلك من عين الطريق والمأخذ الذي تعلَّق العلم الإلهي بذلك ، وذلك لأنّ الله يلقي إلى أسرار ربّة عبيده المصطفين ما شاء من العلوم والحقائق ، فيحصل الاطَّلاع على سرّ القدر ، وأحوال العين الثابتة من جملة ذلك .
وأعلى من هذا أن يكشف الله تعالى بعنايته الكاملة الذاتية لهذا العبد عن حضرة العلم وعالم المعاني ، فيشاهد الأعيان الثابتة ثابتة في عين الذات الغيبيّة والحقيقة المطلقة الكلَّية ، وثابتة في أرض المظهريات المحقّقة العلَّية ، ثبوتا أحديا علميّا وتعيّنا ذاتيّا غيبيا ، وإذا شاهد عينه الثابتة وأحوالها حواليها في أطوار الوجود وأقطار الشهود إلى ما لا يتناهى ، كان أخذ العلم بعينه الثابتة من المعدن الذي أحاط فيه به العلم الذاتي ، وهذا أكمل شهود في هذا المقام ، جعلنا الله وإيّاكم من أهله .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى وهو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد.)
ثم قسم هذا الصنف فقال رضي الله عنه : ( وهم على قسمين : منهم من يعلم ذلك مجملا ) وهو العالم بالبرهان أو الإيمان ( ومنهم من يعلمه مفصلا فالذي يعلمه مفصلا على وأتم من الذي يعلمه مجملا ) وهو العالم بالكشف والعيان.
( فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله تعالى إياه بما أعطاه عينه من العلم به ) بالإلقاء السبوحى ما في عينه وهو محجوب عن عينه.
( وإما بأن يكشف له عن عينه الثابتة ، وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى ) فإن معدن علمه هو بعينه معدن علم الله تعالى به . فعين علمه بذاته علم الحق به فيرى هذا العبد القدر المقدور في حقه .
وهو معنى قوله: ( فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به ، لأن الأخذ من معدن واحد ) ثم بين الفرق بين علم هذا العبد .
وعلم الحق به بعد ما بين اتحادهما بالحقيقة وأخذهما من معدن واحد.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى وهو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد.)
قال رضي الله عنه : (ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ) ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ.
ﻭﺫﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ (ﺇﻣﺎ ﺑﺈﻋﻼﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻳﺎﻩ ﺑﻤﺎ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ ) ﺃﻱ، ﺑﺄﻥ ﻳﻠﻘﻴﻪ ﻓﻲ ﺭﻭﺣﻪ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻭﻳﻌﻠﻤﻪ ﺑﺄﻥ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻪ ﻛﺸﻔﺎ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﺇﻣﺎ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﻋﻦ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﻻﺕ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﻫﻰ) ﻓﻴﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﻭﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﻟﻮﺍﺯﻣﻬﺎ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻠﺤﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻘﺎﻡ ﻭﻣﺮﺗﺒﺔ.
ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﻺﺳﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﻛﻌﻴﻦ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻭﻋﻴﻦ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺻﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻛﺎﻥ ﻣﻄﻠﻌﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﻴﻦ ﺍﻃﻼﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻪ ﻹﺣﺎﻃﺔ ﻋﻴﻨﻪ ﺑﻬﺎ، ﻛﺈﺣﺎﻃﺔ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻈﻬﺮﻩ ﺑﺎﻷﺳﻤﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ.
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻹﺣﺎﻃﺔ، ﻛﺎﻥ ﻣﻄﻠﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺒﻪ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﺃﺻﻼ، ﻻ ﻳﻄﻠﻊ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻪ ﻓﻘﻂ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ، ﻷﻥ ﺍﻷﺧﺬ ﻣﻦ ﻣﻌﺪﻥ ﻭﺍﺣﺪ) ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ.
ﺃﻱ، ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻓﻴﻌﻠﻤﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻋﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺑﻪ ﻓﻴﻌﻠﻤﻪ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺣﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﻦ: ﺑﺄﻥ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﻟﺬﺍﺗﻪ ﻻ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺃﻣﺮ ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ ﺫﺍﺗﻪ، ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻭ ﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻘﻪ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى و هو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد.)
قال الشيخ رضي الله عنه: "وهم على قسمين:
منهم من يعلم ذلك مجملا، ومنهم من يعلمه مفصلا، والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى و هو أعلى: فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد" .
ولذلك قسم الواقفين على سير القدر مطلقا ، فقال : (وهم على قسمين):
(منهم: من يعلم ذلك مجملا)، وهو أن كل ما يجري في العالم تابع للعلم الإلهي، وتابع لمقتضيات أعيان الموجودات؛ ولكن لا اطلاع له على تفاصيل ذلك لا من عين نفسه ولا غيره.
(ومنهم: من يعلمه مفصلا) يطلع على تفاصيل ذلك من نفسه في كل الأحوال، أو بعضها، وقد يكون فيهم من يطلع على تفاصيل كل الأعيان في بعض الأحوال، وهو نادر جدا، (والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا)، وإن كان أعلم ممن لا يطلع على سير القدر، وإن آمن به، وإنما لم يقل.
وهذا أعلى دون الأول مع أنه أخص؛ لأنه يوهم أن المراد أن الواقف على سر القدر أعلى من غيره، وهو غير مقصود هنا، وقد فهم مما تقدم، وبين وجه علوه بقوله: (فإنه يعلم ما في علم الله فيه) قيد بذلك.
لأنه الغالب في حق من يطلع إذ لا إطلاع على الغيب المطلق، ولو في بعض الأقوال نادر جدا،"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول" [الجن: 26، 27].
(إما بإعلام الله إياه) بالوحي، أو الإلهام، أو الكشف الضروري في اليقظة أو المنام (بما أعطاه) أي: الحق عينه (من العلم به)، مع أنه محجوب عن عينه.
وفيه تنبيه بأن كل إعلام إلهي ليس موجبا للوقوف على سر القدر بل الإعلام على هذا الوجه، ومعنى إعطاء العين الثابتة العلم للحق أنه لما كان معرفة الشيء على ما هو به فكأنه أعطاه إياه.
(وإما بأن يكشف له) الكشف المعنوي (عن عينه الثابتة)، وإن كانت عدمية بأن يكشف له عن علمه الأزلي الذي ثبتت عينه فيه، ويكشف له عن (انتقالات الأحوال عليها) في الأزمنة الآتية إلى ما يتناهى من حيث ثبوتها أيضا في العلم الأزلي، وإنما ذكرها؛ لأن الكشف عن عينه الثابتة يجوز أن يكون بدون الكشف عن أحوالها، كمن يرى الشيء من بعد لا يطلع على تفاصيل أعراضه وأجزائه وهو أي: من يكشف له عن عينه الثابتة، و انتقالات الأحوال عليها (إلى ما لا يتناهى أعلى) من صاحب الإعلام.
وإن كان أعلى ممن يعلم القدر إجمالا، ثم بين وجه كونه أعلى بقوله: (فإنه يكون في علمه بنفسه) فيه إشعار بأنه.
وإن كوشف عن العلم الأزلي، يجوز أن يخفى عليه أحوال أعيان غيره (بمنزلة علم الله به) في الإحاطة بتفاصيل أحواله الغير المتناهية من غير ليس وخفاء.
(لأن الأخذ) أي: أخذ علم الله، وعلم هذا العبد (من معدن واحد هو) عينه الثابتة؛ فإن علم الله، وإن كان قديما إلا أنه من حيث المطابقة للمعلوم كالمأخوذ منه؛ فلا فرق من هذه الجهة بين العلمين .
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى وهو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد.)
(وهم على قسمين) - فالساكتون عن السؤال ثلاثة أصناف :
(منهم من يعلم ذلك مجملا ، و منهم من يعلمه مفصلا ، والذي يعلمه مفضلا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملا ، فإنه يعلم ما في علم الله فيه) أي يعلم
ما في ذلك العبد العالم من تفاصيل أحواله ، حال كونه في علم الله .
هذا إذا جعل أحد الطرفين حالا ، ويمكن أن يجعل بدلا، ومعناه على ذلك أظهر .
والعالمون بهذا الوجه أيضا صنفان : فإن ذلك العلم (إما بإعلام الله إياه ، بما أعطاه عينه من العلم به) بدون اطلاعهم على العين نفسه - وهو بمنزلة قرب النوافل .
( وإما بأن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها ) فيشاهد العين بأحوالها وما ينطوي تحتها من جزئيات الأعيان المنتسبة إليها بأحكامها و أحوالها (إلى ما لايتناهي) ضرورة أن الفائز بهذه المرتبة العليا والذروة القصوى لا يكون إلا حقيقة كلية ، له نسبة العلو والإحاطة ، كالخاتمين ومن يرثهما من الأقطاب والكتل .
ثم إن هذه الأصناف الثلاثة من الساكتين إذا ضرب في الأربعة منهم المستخرجة من التقسيم الأول ، الذي لنفس الأعطيات ، تصير إثني عشر صنفا ، فيكون مجموع الأصناف المعدودة هاهنا إثنين وخمسين .
لأن هذا العدد على قاعدة العقود راجع إلى السبعة التي عليها مدار دائرة الوجود والشهود ، إلى غير ذلك من الخصوصيات التي لهذا العدد ، كما يتبين في غير هذا المجال إن شاء الله تعالى ، وقد لاحظ في عد هذه الأصناف رابطة الترتيب ، حيث ابتدأ من المحجوبين متدرجا ، مترقيا إلى هذا الصنف ، الذي هو أكمل الأصناف .
( وهو أعلى ) كشفا من الكل ( فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به ، لأن الأخذ من معدن واحد ) وهو العين الثابتة حال ثبوتها ، فيكون هذا المكاشف مثل الحق في ذلك ، لكن لما كان للحق طرف الإحاطة والعلو ، يكون العلمان وإن كانا متساويين.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا. والذي يعلمه مفصلًا أعلى وأتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، وإما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى وهو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد.)
قال الشيخ رضي الله عنه: "و هم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، و منهم من يعلمه مفصلا، و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى:
فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد هو العين المعلومة "
قال رضي الله عنه : "وهم على قسمين منهم من يعلم ذلك". أي سر القدر (مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا والذي بعلمه مفصلا أعلى) كشفا (وأتم) معرفة من الذي يعلمه مجملا .
(فإنه)، أي الذي يعلمه مفصلا (يعلم ما تعين في علم الله فيه)، أي في شأنه من أحوال عينه الثابتة على سبيل التفصيل بخلاف من يعلمه مجملا، وذلك العلم التفصيلي (إما بإعلام الله إياه)، أي الذي يعلمه مفصلا (بما أعطاه عنه من العلم به) بأن يلقى في قلبه بواسطة أو بغير واسطة أن عينه الثابتة تقتضي هذه الأحوال العينية من غير أن يطلعه على عينه كشفة.
قال رضي الله عنه : (وإما بأن يكشف له)، أي لأجله الحجاب (عن عينه الثابتة وعن انتقالات الأحوال عليها)، أي عن الأحوال المنتقلة عليها ذاهبة (إلى ما لا يتناهى) فيشاهدها ويطلع عليها وعلى أحوالها التي يلحقها في كل حين.
نقل الشيخ مؤید الجندي في شرحه لهذا الكتاب عن شيخه الكامل صدر الدين أبي المعالي محمد بن إسحاق القونوي عن شيخه الأكمل محيي الدين بن العربي قدس الله أسرارهم أنه قال:
لما وصلت إلى بحر الروم من بلاد الأندلس عزمت على نفسي أن لا أرى البحر إلا بعد أن أشهد تفاصيل أحوالي الظاهرة والباطنة الوجودية مما قدر الله سبحانه علي وإلى متى إلى آخر عمري.
فتوجهت إلى الله تعالى بحضور تام وشهود عام ومراقبة كاملة.
فأشهدني الله جميع أحوالي مما يجري ظاهرا أو باطنا إلى آخر عمري حتى صحبة ابنك إسحاق بن محمد وصحبتك وأحوالك وعلومك وأذواقك ومقاماتك وتجلياتك ومكاشفاتك وجميع حظوظك من الله.
ثم ركبت البحر على بصيرة ويمين وكان ما كان ويكون من غير خلال واختلال (وهو)، أي الذي يكشف له عن عينه الثابتة (أعلا) رتبة (فإنه)، أي الذي يكشف له عن عينه (يكون في علمه بنفسه)، وأحوال بينة (بمنزلة علم الله به).
أي بمنزلة الله في علمه به (لأن الأخذ)، أي أخذ العلم لكل منهما.
قال رضي الله عنه : (من معدن واحد). وهو العين الثابتة فكما يتعلق علم الله بعينه الثابتة فيعلم أحوالها به كذلك يتعلق علم هذا الكامل بها وعلم أحوالها به فلا فرق بين العالمين.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:42 عدل 4 مرات
الفقرة الثامنة الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثامنة : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا.
و الذي يعلمه مفصلًا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إِلى ما لا يتناهى و هو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد . )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و هم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، و منهم من يعلمه مفصلا، و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه من العلم به . و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى . و هو أعلى فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد )
قال الشارح رضي الله عنه :
( إما بإعلام الله تعالى إياه بما أعطاه عينه من العلم ): أي بنفسه فهذا العلم: أي الذي يكون بالإعلام يسمّى: العلم التعليمي فإنه من تعريف الله إياه بإلقاء روحي أو قلبي أو كلاهما هذا دون الكشف في النتيجة و الشرف .
""قال الشريف الجرجاني : الفرقان هو العلم التفصيلي الفارق بين الحق والباطل.
يقول الشيخ أحمد السرهندي: مرتبة العلم الإجمالي هي مرتبة الوحدة والشأن التفصيلي ، وهو الواحدية والأعيان الثابتة """"ذكر الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب السادس والعشرون ومائة في معرفة مقام الحكمة والحكماء فقال :
" أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ" من اسمه الحكيم ، فبالإعطاء الذي تعطيه الحكمة يسمى حكيما.
فهو علم تفصيلي عملي ، والعلم بالمجمل علم تفصيلي فإنه فصله عن العلم التفصيلي .
ولو لا ذلك لم يتميز المجمل من المفصل فمن الحكمة العلم بالمجمل والتجميل والمفصل والتفصيل .
قال تعالى :" وآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ عملا وفَصْلَ الْخِطابِ" في المقال . أهـ ""
(وإما بأن يكشف له عن عينيه الثاقبة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما يتناهى) هذا علم التجلي بكشف الساق يعني: كشف الغيوب على القلوب، وهو أعلى: أي الذي بالكشف أعلى من الذي بالإعلام و التعريف .
كما قال تعالى: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ " [ يوسف: 76] .
فإنه: أي العلم بالكشف يكون في علمه (بنفسه منزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد) و المعدن هو العين الثابتة لأنّ الحق سبحانه يأخذ منها و هي تعطي العلم على ما هو عليه، فإذا رجع العبد إلى عقبه فقهري بالتجليات التحليلية المعروفة عند أرباب السبك و التحليل برجعته إلى أصله و إطلاقه، فيكشف له عن ساق فيرى أحواله على ما هو عليه بلا زيادة و نقصان فيجاري علمه علم الحق لهذا الوجه، و لكن هنا فرق آخر لطيف أشار إليه الحديث أيضا و هو"و من عرف نفسه فقد عرف ربه".
أنه اتبع العلم به تعالى بالعلم بالنفس، فجعل العلم بالنفس هو الأصل في المعرفة و هو أصل معروف غير متكرر .
كما ذكر الشيخ رضي الله عنه في المشاهد و قد نقلته سابقا بعبارته رضي الله عنه التي ذكرها في بعض المنازلات، و ذلك لأنه و إن كان الأخذ من معدن واحد و لكن للعبد ذاتي أصلي لأنه عينه ما جاء من خارج بل قرة عين أخفيت له فيها .
"" عن العقل الأول والعلم المجمل يقول الشيخ كمال الدين القاشاني : العقل الأول له ثلاثة وجوه معنوية كلية :
فالوجه الأول : أخذه الوجود والعلم مجملا بلا واسطة وإدراكه وضبطه ما يصل إليه من حضرة غيب موجده ، فباعتبار هذا الوجه ، يسمى بالعقل الأول ، لأنه أول من عقل عن ربه وأول قابل لفيض وجوده .
والوجه الثاني : هو تفصيله لما أخذه مجملا في اللوح المحفوظ بحكم : أكتب علمي في خلقي ، واكتب ما هو كائن ويسمى بهذا الوجه القلم الأعلى ، الذي به يحصل نقش
العلوم في الواح الذوات القابلة قال تعالى : " الذي علم بالقلم "
وبهذا الوجه هو نفس محمد المشار إليه بقوله : " والذي نفس محمد بيده " ولهذا نطق بجوامع الكلم "
والوجه الثالث : كونه حاملا حكم التجلي الأول ومنسوبا إلى مظهريته في نفسه لغلبة حكم الوحدة والبساطة عليه ، وبهذا الاعتبار هو حقيقة الروح الأعظم المحمدي ونوره ، لكونه جامعا لجميع التجليات ، الإلهيات منها والكونيات ومنشأ لجميع أرواح الكائنات .أهـ ""
"" يقول الشيخ الأكبر : رأس الديوان الإلهي هو الملك من الكروبيين اسمه ( نون ) ، اتخذه الله تعالى حاجبا وأعطاه علمه في خلقه ، وهو علم مفصل في إجمال ، فعلمه كان مجلى له ، فلا يزال معتكفا في حضرة علمه عز وجل .
وتضيف د.سعاد الحكيم الديوان الوجودي الإلهي عند ابن العربي الطائي الحاتمي: هو الوجود من القلم الأعلى أو العقل الأول إلى آخر الموجودات ، ليس بأشخاصها إنما بماهياتها وهكذا.أهـ""
"" ذكر الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الستون في معرفة العناصر:
ولكن من العلم الإجمالي. ومما يحوي عليه العلم الإجمالي علم التفصيل وهو من بعض علوم الإجمال .
لأن العلوم لها مراتب من جملتها علم التفصيل .
فما عند القلم الإلهي من مراتب العلوم المجملة إلا علم التفصيل مطلقا وبعض العلوم المفصلة لا غير .""السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك.
أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها. فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم."
(إلا أنه)، أي الأخذ المذكور (من جهة العبد) محض (عناية من الله) تعالى (سبقت له)، أي لهذا العبد (هي)، أي تلك العناية الإلهية التي أنتجت علم العبد بنفسه وبانتقالات أحواله بطريق الكشف المذكور.
(من جملة أحوال عينه الثابتة)، أي عين ذلك العبد بمعنی ذاته التي كشف الله تعالی عنها بعلمه (يعرفها)، أي يعرف تلك العناية (صاحب هذا الكشف) أيضا وهو العبد المذكور (إذا أطلعه الله) تعالى (على ذلك)، أي على أحوال عينه، أي ذاته الثابتة من قبل وجودها المكشوف عنها بعلم الله تعالى.
فإن من جملة أحوال عينه التي يطلعه الله تعالى عليها تلك العناية التي سبقت له المنتجة لعلمه بنفسه وبانتقالات أحواله بطريق الكشف عن ذلك وهو ثابت له قبل وجوده .
قال رضي الله عنه : (فإنه)، أي الشأن وهو بيان لقوله : عناية من الله سبقت له (ليس في وسع)، أي قدرة (المخلوق إذا أطلعه الله) تعالى (على أحوال عينه الثابتة) قبل وجودها كما ذكر (التي تقع صورة الوجود) بعد ذلك الثبوت (عليها).
وأما حقيقة الوجود فليست لها مطلقا بل ذلك مخصوص بالحق تعالى (أن يطلع) ذلك المخلوق قال رضي الله عنه : (في هذا الحال) المذكورة (على اطلاع الحق) تعالی اطلاع ذوقيا تفصيليا لا تخييليا إجماليا.
(على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها) قبل الوجود فيبقى المخلوق حينئذ لما يطلعه الله تعالى على جميع أحوال عينه الثابتة قبل أن تقع عليها صورة الوجود على هذا الاطلاع.
الذي هو من جملة أحوال عينه مشتغلا بما أطلعه الله تعالى من ذلك غير متفرغ للاطلاع على أن الله تعالى مطلع على ذلك كله وإن كان غير مكذب به بل هو مصدق بكل ذلك بطريق التخيل والإجمال لا الذوق والتفصيل .
(لأنها)، أي لأن تلك الأعيان الثابتة في عدمها قبل وجودها تعليل لاطلاع الحق تعالى عليها (نسب) جمع نسبة وهي اعتبار محض لا حقيقة ثابتة في أمر محقق.
بحيث لو زالت تلك النسبة أو لم تزل فذلك الأمر محقق على ما هو عليه من غير تغيير، كالقدام والخلف مثلا بالنظر إلى الكعبة .
فإذا استقبلتها بوجهك كانت قدامك، وإذا استدبرتها زالت تلك النسبة وخلفتها نسبة أخرى وهي كونها خلفك.
والكعبة لم تتغير عما هي عليه بزوال نسبة وطرو نسبة أخرى عليها ونحو ذلك من نسبة الفوق والتحت وما أشبهه.
(ذاتية)، أي منسوبة تلك النسب إلى ذات الله تعالى على معنى أن ذاته تعالی المطلقة المنزهة عن جميع القيود والكيفيات والتصورات تظهر بسبب إرادتها للشيء وتوجهها عليه في صورة ذلك الشيء، من غير أن تتغير هي في نفسها.
فيبقى ذلك الشيء موجودة ما دامت مريدة له متوجهة على إيجاده، فحقيقته نسبة فقط بین ذات الحق تعالى وبین ذلك الشيء المراد لها الذي هو عدم صرف.
ظهرت تلك النسبة من توجه الذات نحو ذلك الشيء الذي لا وجد ولا يوجد ولا هو موجود البتة، فإذا زالت تلك النسبة بقيت ذات الحق تعالى على ما هي عليه من قبل ظهور تلك النسبة.
فلولا ذات الحق تعالى الموجودة وجودا حقيقيا، ولولا ذلك الشيء المعدوم عدم صرفا، الذي أرادته وتوجهت عليه ذات الحق تعالى، ما ظهرت هذه النسبة المسماة باسم الشيء الموجود باسم العالم الحادث ثم باسم السماء والأرض ونحو ذلك.
فهي نسب اعتبارية لا وجود لها حقيقة.
وإنما الوجود الحقيقي لقيومها الذي هو ذات الحق تعالى، وإلى هذا المعنى يشير الشيخ قدس سره فيما سيأتي من أبياته بقوله :
فلولاه و لولانا لما …. كان الذي كانا
فالموجود المحقق هو الله تعالى والكائنات كلها عدم صرف.
وهذه المخلوقات الظاهرة كلها نسب وإضافات حقيقتها ذات الحق تعالى بالنسبة إلى تلك الكائنات المعدومة والإضافة إليها لا مطلقة.
وهذه النسبة والإضافة لم تغير ذات الله تعالى ولا أعدمت منها ما كان لها ولا أحدثت فيها ما لم يكن لها، كما أن الكعبة في المثال السابق ما حدث لها وصف بظهور نسبة القدامية لها باستقبال أحد.
ولازال عنها وصف بزوال نسبة القدامية عنها باستدبارها، وحدوث نسبة الخلفية كما أن المرآة لم تتغير بظهور الصور فيها لا زادت ولا نقصت .
فجميع ما ظهر فيها نسب عدمية بين ما قابلها وبينها هي، فلولا وجودها وفروض ما يقابلها ما ظهرت فيها هذه الصور النسبية التي لا حقيقة لها في المرآة أبدا، وإنما الموجود المرآة فقط كما سيذكره الشيخ قدس سره قريبا .
(لا صورة لها)، أي بتلك النسب الذاتية، وإنما صورتها المدركة لها مجرد نسبة عدمية بين أمر موجود وهو ذات الحق تعالى وأمر معدوم وهو تلك الصورة المفروضة المقدرة المعدومة، يعني أن الحق تعالى مطلع على جميع هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها، لأنها نسب ذاتية له لا صورة لها في نفسها، و علمه تعالى بذاته هو علمه بهذه النسب المنسوبة إلى ذاته تعالى.
وذلك لأن ذاته تعالی مطلقة عن الانحصار لعلم أو غيره، والمطلق إذا علم إنما يعلم نسبه الذاتية وإضافاتها، ويبقى مطلقا على ما هو عليه ولا يصير محاطا به محصورة البتة وإلا انقلب المطلق مقيدة وهو محال، لأنه يصير ممكنة بعد وجوبه.
وهذا معنى قول الشيخ قدس الله سره في كتابه «عقلة المستوفز» إن الله تعالی علم ذاته فعلم العالم، يعني لزم من علمه بذاته علمه بالعالم، وليس علمه بذاته شيئا وعلمه بالعالم شيئا آخر.
(فبهذا القدر) الذي هو كشف الله تعالى للعبد عن عينه الثابتة في حال عدمها وعن انتقالات الأحوال عليها (نقول إن العناية الإلهية سبقت) من الله تعالى في الأزل (لهذا العبد) المذكور (بهذه المساواة) بين علمه وبين علم الله تعالى (في) مجرد (إفادة العلم) بعينه الثابتة في حال عدمها وبانتقالات الأحوال عليها حيث كان علم الله تعالى بالكشف أيضا عن عين هذا العبد الثابتة في حال عدمها وعن انتقالات الأحوال عليها.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قال الشيخ رضي الله عنه: (إلا أنه) أي العلم من جهة العبد عناية من الله تعالى (سبقت له هي) أي العناية .
(من جملة أحوال عينه الثابتة يعرفها) أي العناية (صاحب هذا الكشف إذا) أي وقت (أطلعه الله تعالى على ذلك) أي على أحوال عينه (فإنه) إثبات لقوله : إلا أنه من جهة العبد عناية أي الشأن (ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله) أي وفت اطلاع الله إياه (علی أحوال عينه الثابتة) وهي الوجود العلمي (التي يقطع صورة الوجود) أي صورة الوجود الخارجي (عليها) أي على عينه الثابتة
قال رضي الله عنه : (أن يطلع) ذلك المخلوق (في هذه الحال) أي حال اطلاعه على أحوال عينه المعروضة لوجوده الخارجي (على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها) أي في حال ثبوتها في علم الله تعالى قبل وقوع صورة الموجود عليها، يعني أن يطلع بعين اطلاع الحق.
(لأنها) أي اطلاع الحق تأنيث الضمير باعتبار وقوع الاطلاع على الأعيان الثابتة لذلك جمع (نسب ذاتية لا صورة لها) في الخارج إذ لم يكن موجودة فيه بخلاف العبد فإنه مخلوق على الصورة (فليس في وسع المخلوق) على الصورة أن يطلع على ما لا صورة له ويجوز أن يعود إلى الأعيان الثابتة باعتبار كونها في حال عدمها إلا أن الأنسب حينئذ أن يقول على أن يطلع على هذه الأعيان بدون قوله على اطلاع الحق ولا بد من ذكره إثبات للمساواة فلما لم يطلع العبد على ما ليس في وسعه قال : (فبهذا القدر) من المساواة : (نقول إن العناية الإلهية قد سبقت لهذا العبد بهذه المساواة) مع الحق (في إفادة) العين الثابتة (العلم) بالحق والعبد
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قوله رضي الله عنه :" إلا أنه من جهة العبد عناية من الله تعالی سبقت له من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك، أي على أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق تعالى على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها. "
فبهذا القدر نقول: إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم
قلت: في قوة كلامه، رضي الله عنه، هنا قوة جواب عن سؤال مقدر.
تقريره أن يقال: إذا حصل لعبد من العبيد علم عينه الثابتة وعلم ما يكون عليه في حال الوجود والحق تعالى هو يعلم الأعيان الثابتة أيضا مثل هذا العلم بعينه فما الفرق بين علم الله تعالی و بین علم هذا العبد؟
فأجاب: بأن عناية الله تعالی سابقة لهذا العبد بأن يعلم هذا العلم فهو علم مستفاد، بخلاف علم الله تعالى فإنه ذاتي أزلي أبدي فافترق علم الله تعالی عن علم هذا المكاشف. والعناية أيضا مستفادة من تلك العين.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قال الشيخ رضي الله عنه: « إلَّا أنّه من جهة العبد عناية من الله سبقت له ، هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف ، إذا أطلعه الله على ذلك ، أي على أحوال عينه الثابتة ، فإنّه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على ذلك أي على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذا الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها ، لأنّها نسب ذاتية لا صورة لها ، فبهذا القدر نقول : إنّ العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم " .
قال العبد أيّده الله به : لمّا بيّن رضي الله عنه أنّ هذا العبد الأكشف الأكمل الذي حصل علمه بنفسه وبعينه الثابتة بمنزلة المساواة لعلم الله بعينه الثابتة وأحوالها كذلك ، إنّما حصل عناية إلهية بهذا العبد وصدق قدم في علم قدم ، وهذه العناية الإلهية به أيضا من جملة أحوال عينه الثابتة التي اقتضتها بخصوص استعدادها وقابليتها الخاصّة أن يعلم ذلك كذلك .
فإنّ تعلَّق العناية إنّما يكون بحسب تعلَّق الإرادة الإلهية والمشيّة الربّانيّة ، والعناية إرادة حبّيّة بالمعتنى به لتكميله وتوصيله ، ثم تعلَّق المشيّة والإرادة أيضا بموجب تعلق العلم بعينه الثابتة له أزلا وأبدا ، فالخصوصيّات العينية والقابليات الذاتية هي أصل العناية الأزلية وهي قدم الصدق .
قال الشيخ رضي الله عنه: « فإنّه ليس في وسع المخلوق » تعقيب لكلامه الأوّل : « إمّا بإعلام الله . . . وإمّا بأن يكشف »
يعني : لا يجمع لأحد بين الاطَّلاع على الأعيان الثابتة وأحوالها وبين الاطَّلاع على اطلاع الله بعلمه على هذه الأعيان ، لأنّه تعلَّق الشهود بأمرين في حالة واحدة و"ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ من قَلْبَيْنِ في جَوْفِه".
ولأنّ هذه الأعيان نسب ذاتية ، فهي بالنسبة إليها معدومة الأعيان وإن كانت ثابتة للحق ، فلا صورة لها في أعيانها فما هي فيه ، بل هي فيه هو كما قلنا نحن فيه هو ، فاعرفنا به وهو فينا نحن ، فافهم ما نقول .
وهوية الوجود الواحد في أعيان القوابل وإن كانت بحسبها متعدّدة ، فهي أيضا في الهوية الواحدة الوجودية الذاتية كذلك بحسبها أحدية .
فلمّا كانت هذه النسب في العلم الإلهي ثابتة للذات بأنّها شؤونه وأحواله الذاتية ومن حسبها "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ ".
لم يكن للممكن أن يطَّلع على اطلاع الحق على هذه النسب الكلية الذاتية التي هي مفاتيح الغيب حال عدميّتها في أعيانها تحت قهر الأحدية الذاتية ، فإنّ هذا الاطلاع أحديّ لم يظهر بعد للمشاهد ، والمشاهدة والمشاهد الثابتة عين وجوديّ ، فإنّه إنّما يتأتّى للمكاشف أن يطَّلع عليها من حيث إنّها ثابتة في العلم وجودا علميا ، وحينئذ يتمكَّن المشاهد من شهودها .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قال رضي الله عنه : ( إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له ) قبل أن يوجد عينه .
قال الشيخ رضي الله عنه: (هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف) ولم يعلمها قبل وجوده بل علم (إذا أطلعه الله تعالى على ذلك أي إلى أحوال عينه) بعد وجوده لا قبله.
كما علم الله تعالى منه قبل وجوده (فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله تعالى على أحوال عينه الثابتة التي يقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها، لأنها نسب ذاتية لا صورة لها).
أي نسبة الذات الأحدية إلى كل عين نسبة ذاتية ، وهي حضور الذات لها ولما فيها من الأحوال والنقوش .
وهذا حضورها لذاتها قبل أن توجد هذه الأعيان في الخارج ، فلا صورة لها في الخارج والضمير في لأنها يرجع إلى الاطلاع أنث لمطابقة الخبر .
ولأن الاطلاع نسبة الذات إلى الأعيان ( فبهذا القدر نقول : إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم )
وهو أن تعلم أن علمه تعالى وعلم العبد واحد من معدن واحد ، إلا أن علم العبد لم يكن إلا بعد وجوده وحصول صورته .
وعلمه تعالى كان قبل وجوده وبعده ، وعلمه عناية من الله سبقت ، وعلم الله ليس بعناية من غيره سابق ، وظهر الفرق.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ رضي الله عنه : "ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﻘﺖ ﻟﻪ، ﻫﻲ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ، ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﺇﺫﺍ ﺃﻃﻠﻌﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﺃﻱ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻋﻴﻨﻪ" ﻭﻫﺬﺍ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ.
ﺑﻴﻦ ﺃﻭﻻ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺴﺎﺋﻠﻴﻦ ﻣﺒﺘﺪﺀﺍ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻴﻦ ﻣﺘﺪﺭﺟﺎ ﺇﻟﻰ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﻜﺎﺷﻔﻴﻦ.
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ:
ﻗﺴﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﺎﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﺎ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻬﺎ،
ﻭﻗﺴﻢ ﻳﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻜﻞ ﺭﺍﺟﻌﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻷﻭﻝ، ﻓﻬﻮ ﺑﺤﺴﺐ ﻓﻴﻀﻪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻓﻬﻮ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍﻷﻗﺪﺱ ﺍﻟﺠﺎﻋﻞ ﻟﻬﺎ ﻭﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ.
ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﺘﺒﻮﻋﺔ، ﺇﺫ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍﻷﻗﺪﺱ ﺃﻳﻀﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضي الله عنه ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭﻝ، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ.
(ﻓﺈﻧﻪ) ﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﻟﻠﺸﺄﻥ.
قال رضي الله عنه : "ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻭﺳﻊ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ، ﺇﺫﺍ ﺃﻃﻠﻌﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺃﻥ ﻳﻄﻠﻊ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺇﻃﻼﻉ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻋﺪﻣﻬﺎ، ﻷﻧﻬﺎ ﻧﺴﺐ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻻ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﺎ".
ﻫﺬﺍ ﺗﻌﻠﻴﻞ ﻟﻘﻮﻟﻪ: (ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ) ﺃﻱ، ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻭﺳﻊ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﻃﻠﻌﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺎﻝ ﺍﻃﻼﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﻛﺸﻔﺎ ﻭﺷﻬﻮﺩﺍ ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﻊ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻬﻮﺩﺍ، ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ.
ﻛﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻣﺜﻼ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻧﻨﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﻛﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻟﻠﺸﺊ، ﻧﺴﺐ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻻ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﺎ، ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﻖ.
ﻭﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﻔﻰ ﺍﻻﻃﻼﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻋﺪﻣﻬﺎ، ﻷﻧﻪ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ: (ﺇﻥ ﺍﻟﺴﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ).
ﻭﻗﺎﻝ: (ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻘﻄﺒﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺮﺍﺗﺒﻬﻢ ﺃﻳﻀﺎ). ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﻃﻼﻉ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻ ﺑﺎﻻﻃﻼﻉ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻴﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ، ﻓﻬﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﺮﻕ ﺁﺧﺮ ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﻭﺑﻴﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ.
ﻭﺿﻤﻴﺮ (ﻷﻧﻬﺎ) ﻋﺎﺋﺪ ﺇﻟﻰ (ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ). ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺭﺍﺟﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻧﺴﺐ ﺫﺍﺗﻴﺔ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻷﻭﻝ: (ﺑﻞ ﻫﻮ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﻻ ﻏﻴﺮﻫﺎ). ﺃﻋﻨﻲ، ﺃﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ. ﻓﺴﻠﺐ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻭﺇﻻ ﻓﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﻌﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﻭ ﺃﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺃﻳﻀﺎ ﻟﻬﺎ ﺻﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ، ﻓﻼ ﻳﺼﺪﻕ ﺳﻠﺐ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻋﻨﻬﺎ ﺧﺎﺭﺟﺎ ﻭﻋﻠﻤﺎ.
ﻭﻗﻴﻞ ﺿﻤﻴﺮ (ﻷﻧﻬﺎ) ﻋﺎﺋﺪ ﺇﻟﻰ (ﺍﻻﻃﻼﻉ)، ﻭﺗﺄﻧﻴﺜﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﻭﻫﻮ (ﺍﻟﻨﺴﺐ). ﻭﻓﻴﻪ ﻧﻈﺮ. ﺇﺫ ﻻ ﻳﺼﺪﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻃﻼﻉ ﺃﻧﻪ ﻧﺴﺐ ﺫﺍﺗﻴﺔ، ﻷﻧﻪ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻻ ﻛﻠﻬﺎ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺒﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻧﻘﻮﻝ، ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺳﺒﻘﺖ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻓﻲ ﺇﻓﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻠﻢ) ﻇﺎﻫﺮ ﻣﻤﺎ ﻣﺮ. )
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قال الشيخ رضي الله عنه: "إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك، أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم."
(إلا أنه) أي: العلم بالعين الثابتة، وانتقالات الأحوال عليها إلى غير النهاية (من جهة العبد)؛ لحدوثه (عناية من الله سبقت له)، وعلم الله لقدمه ليس عن عناية أحد؛ لكن العناية الإلهية أيضا (هي من جملة أحوال عينه)، فهي أيضا من العبد من هذا الوجه، وإذا كانت العناية الإلهية من جملة أحوال عينه.
قال رضي الله عنه : (فيعرفها) أي: العناية من حيث كونها من جملة أحوال عينه معرفة كشفية (صاحب هذا الكشف) الذي كوشف عن أحوال عينه الثابتة؛ (إذا أطلعه الله على ذلك).
ولما أمكن كون الإشارة إلى العناية، وهو باطل؛ لأن الاطلاع عليها لا يستلزم الاطلاع على كونها من أحوال عينه.
وكذا إلى أحوال عينه مطلقا أي: سواء اعتبرت من حيث هي، أو من حيث وقوع صورة الوجود عليها، وهو أيضا باطل لما يذكره بعد بين بقوله أي: على أحوال عينه .
من حيث هي لا من حيث كونها مواقع صور الوجود والأحوال الأولى، هي التي لا تتوقف على الوجود بخلاف الثانية.
وإنما قلنا: إنما يعرف العبد كون العناية الإلهية من جملة أحوال عينه، إذا أطلعه الله عليها من حيث هي لا من حيث كونها مواقع صور الوجود، وإن كان حال وقوعها عليها (فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه) لا من حيث هي.
بل من حيث إنها (التي تقع صورة الوجود عليها) المانعة من رؤية الأعيان كمنع وقوع الصورة الحسية على المرأة المحسوسة عن رؤية تلك المرأة (أن يطلع في هذا الحال) أي: حال اطلاعه على الأعيان من حيث تقع صورة الوجود على الأعيان نفسها فضلا عن أن يطلع على أحوالها التي لها من حيث هي، وهي التي من جملتها العناية الإلهية التي هي اطلاع الحق عليها.
فلذلك قلنا: لا وسع لمخلوق حال اطلاعه على الأعيان من حيث يقع عليها صورة الوجود أن يطلع في هذا الحال (على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة) من حيث هي أي: (في حال عدمها).
وفيه إشارة إلى إن العناية من جملة أحوال العين إذا كانت من حيث هي، وإنما كان هذا الاطلاع من الحق عليها عناية؛ (لأنها) أي: الأعيان باعتبار تلك الأقوال.
(نسب ذاتية) أي: نسب ذات الحق إلى تعیناته في المظاهر، فهو يعتني بها.
""مجردة عن الأسماء والصفات لا صورة لها فى علم الله سبحانه ، يدرك غير الذات ولا تمييز ولا فرق بينها وبين الذات بل هي نسب و خصوصيات لحضرة الذات تسمى باصطلاحهم شئون ذاتية، وهي عين ذاتها فإذا اطلع العبد المعتني به على الأعيان الذاتية من حيث إنها شئون، فيرى شئونا ذاتية لا صورة لها في ذاتها، بل يرى أنها عين الذات. ""
وإنما قلنا: هي نسب ذاتية؛ لأنها (لا صورة لها) حال ثبوتها في العلم الإلهي، إذ ليس عبارة عن حصول صور الأشياء فيه، والإلزام إما كونه محلا للصور المتبدلة الحادثة، أو جهله بالحوادث، وما وقع في كلام بعضهم من أن الأعيان صور عمله تعالى.
فالمراد: أنها متميزة عنده تميز الصور الذهنية، فلما كان اطلاع العبد على أحوال عينه الثابتة من حيث هي؛ بعد وقوع الصور الوجودية، وهي مانعة عن رؤية المرآة الحسية فضلا عن العدمية.
لم یكن بد من العناية في رفع حجابيتها؛ حتى لا يكون اطلاعه عليها من حيث هي مواقع صور الوجود، فإن ذلك مانع من رؤيتها من حيث بكل حال.
(فبهذا القدر نقول: إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد)، وإلا فهذا الاطلاع ورفع حجابتها أيضا من مقتضی عينه الثابتة، ثم إن كل ما في العالم، وإن كان بالعناية الإلهية؛ فهي في هذا العبد أتم من حيث إنها وقعت (بهذه المساواة) بين العبد وربه (في أخذ العلم) من معدن واحد.
(ومن هنا) أي: ومن كون العناية الإلهية اطلاع الحق على أحوال الأعيان من حيث هي، وهي باقية فيها مع تبدل الأحوال الوجودية عليها؛ فالعلم أيضا يتعلق بها فتحدث له نسبة متجددة باعتبار تبدل الأحوال الوجودية مع ثبوت تعلقه بأحوالها من حيث هي (يقول الله: "حتى نعلم" [محمد: 31]) .
أي: حتى يقع علمنا على الأمر المتجدد بعد تعلقه بأحوال الأعيان الثابتة من حيث هي، وهو مع ثبوته مطابق هذا الأمر المتجدد، فكأنه متجدد أيضا.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
(إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت لها، هي من جملة أحوال عينه ، يعرفها صاحب ذلك الكشف ، إذا أطلعه الله على ذلك ) العين وأحواله (أي على أحوال عينه) ضرورة أن هذه العناية من جملة أحوال العين التي هي سابقة على الكل ولذلك أنتج هذه الخاتمة التي هي محيطة بالكل .
أما بيان أنه لابد للعبد في علمه هذا من سابقة عناية من الله (فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها) بأن يكشف له عن تلك العين في حال وجودها ، ويعلم منه سائر ما انطوت عليه من الأحكام والأحوال ، بعد أن تقع صورة الوجود الكاشفة السائر الصور عليها ( أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها ، لأنها )- أي الأعيان في حال عدم ها - ( يسب ذاتية إلا صورة لها) في نفسها ، فإنه لايخفى على الواقف بأصولهم أن الكثرة حينما كانت وبأي اسم سمیت - فإنها يسب عدمية واعتبارات خالصة عن شائبة الوجود مطلقا، وهذه النسبة الإطلاقية التي للأعيان قال إنها ذاتية ، فالضمير راجع إلى الأعيان - لاغيرا .
وإذا تقرر أن الأعيان لاحظ لها من الوجود، فلا يكون لها حكم ولا حال ولا علم أصلا، بل الكل مستهلك في الذات، استهلاك صورتها فيها، فالحكم حينئذ للذات بإطلاقها، وليس للعبد المحصور تحت أحكام عينه حالة الوجود سعة الإحاطة الذاتية، فلا يمكن له الاطلاع المذكور إلا بسابقة من العناية.
والحاصل أن العبد له طرف ضيق تخلف به عن الحق في ذلك ، وطرف سعة به يماثله ويساويه ، (فهذا القدر) من التخلف والضيق الذي للعبد ( يقول : إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم ) .
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:42 عدل 4 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة التاسعة : الجزء الثاني
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قال الشيخ رضي الله عنه: "إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك.
أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم."
قال رضي الله عنه : (إلا أنه)، أي العلم بالعين الثابتة أو أخذ العلم منها (من جهة العبد عنابة من الله سبحانه سبقت له)، أي للعبد قبل وجوده.
(هي)، أي هذه العناية (من جملة أحوال عينه) الثابتة التي تقتضي جریان تلك الأحوال عليها فحبيت اقتضت تعلق العناية بها تعلقت.
(يعرفها)، أي تلك العناية السابقة وكونها من أحوال عينه (صاحب الكشف إذا أطلعه الله على ذلك)، أي على المذكور من أحوال عينه، فإنه إذا اطلع عليها باطلاع الحق سبحانه عرف تلك العناية التي من جملتها .
وإنما قلنا: العلم بالعين الثابتة من جانب العبد مسبوق بعناية من الله سبحانه (فإنه) الضمير للشأن. قال رضي الله عنه : (ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله)، أي أراد اطلاعه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود العيني لهذا المخلوق (عليها).
أي على تلك الأحوال (أن يطلع في هذه) الأحوال اطلاع راقية (على) طريقة (اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها) علما و عينة .
فقوله : على هذه الأعيان الثابتة يحتمل أن يكون متعلق بقوله : يطلع.
وبالاطلاع أيضا يمكن أن يقال : المراد باطلاع الحق ما يطلع عليه الحق من هذه الأعيان وحينئذ لفظة على الأولى متعلقة بيطلع والثانية بالاطلاع .
وإنما قلنا: ليس في وسع المخلوق اطلاع مثل اطلاع الحق (لأنها) أي تلك الأعيان يعني الحقائق التي تلك الأعيان صورة معلوميتها (نسب ذاتية) وشؤون عينية مستجنة في عين الذات قبل العلم بها.
(لا صورة لها) تتميز بها لا في العلم ولا في العين ليصح تعتق علم المخلوق بها.
فإذا تعلق علم الحق سبحانه بها وحصل لها تمیز وتعين في العلم صح تعلق علم المخلوق بها .
علما مفيدة للعلم بأحوالها مساوية لعلم الحق سبحانه في تنك الإفادة (فبهذا القدر) من سبق علم الحق بالأعيان على علم العبد بها.
(نقول إن العناية) من الحق سبحانه (سبقت لهذا العبد بهذه المساوات)، أي بمساراته للحق والباء متعلقة بالعناية (في إفادة العلم)، أي إفادة العلم بالأعيان الثابتة العلم بأحوالها الجارية
عليها في وجوده العيني إلى ما لا يتناهى وتحقيق ذلك أن للحق سبحانه بالنسبة إلى العبد عنایتین.
أحدهما : بحسب فيضه الأقدس ، وهي تقتضي تعين عينه الثابتة في مرتبة العلم بحيث يصلح لأن يتعلق به علم المخلوق و استعدادها الكلي لفيضان الوجود عليها .
وأحدهما بحسب فيضه المقدس وهي تقتضي فيضان الوجود عليها في العين واستعداداتها الجزئية ليترتب عليها أحوالها التي من جملتها صلاحية انکشاف عينة الثابتة وأحوالها عليه.
ولا شك أنه إذا كاشف العبد بعينه الثابتة وعلم بهذا الكشف أحوالها أنه يأخذ العلم بتلك الأحوال من عينه الثابتة .
كما يأخذ الحق سبحانه عنها نكن أخذه منها من رزق بهاتين العنايتين من جانب الحق سبحانه وإلى العناية الأولى أشار الشيخ رضي الله عنه .
واعلم أنه قد وقع في مواضع من القرآن ما يوهم أن علمه سبحانه ببعض الأشياء حادث كقوله سبحانه : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "آية 31 سورة محمد .
وقوله تعالى : " ثم بعثهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" آية 12 سورة الكهف.
وأمثال ذلك والتقصي عن هذه الأشكال، إما بما ذهب إليه المتكلمون من أن علمه سبحانه قدیم وتعلقه حادث .
فمعنى قوله : "حتى نعلم" حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم والصابرين.
وإما بأن المراد بالعلم الشهود فإن الأشياء قبل وجودها العيني معلومة للحق سبحانه وبعده مشهودة له فالشهود خصوص نسبة العلم.
فإنه قد يلحق العلم بواسطة وجود متعلقه نسبة باعتبارها نسميه شهود و حضورا لا أنه حدث هناك علم.
فمعنى حتی نعلم حتى نشاهد، وإما بأن يقال المسند إليه في قوله: نعلم ليس هو الحق باعتبار مرتبة الجمع بل باعتبار مرتبة الفرق .
فكأنه يقول : حتى نعلم من حيث ظهورنا في المظاهر الكونية الخلفية فتكون الخلقية وقاية له عن نسبة الحدوث إليه .
وإما بان يقال : المراد بالتأخر المفهوم من كلمة حتى التأخر الذاتي لا الزماني حتى يلزم الحدوث الزماني وحيث انجر الكلام ههنا إلى أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها بالذات.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (هو العين المعلومة . إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه الثابتة يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك .
فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على إطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها . فبهذا القدر نقول: إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم .)
قال الشارح رحمة الله :
( إلا أنه من جهة العبد ): أي ذلك الأخذ من جهة العبد يسمّي عناية من الله سبقت له الحسنى من الفيض الأقدس، فلما قال رضي الله عنه: إن أخذ العبد من عينه كأخذ الله من عينه و أنّ الآخذين من المعدن الواحد و هم المساواة، فاعتذر بأن أخذ العبد بالعناية، وهي أنّ تلك العناية أيضا.
( من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف ): أي الذي كشف له عن عينه الثابتة رأى العناية ذاتية له بلا جعل الجاعل .
( إذا أطلعه الله تعالى على ذلك ): أي على أحوال عينه أنه يشاهد أنّ العناية ذاتية له من جملة أحوال عينه، و أمّا إطلاعه و علمه ما في علم الله فيه من حيث أنها شئون ذاتية لا من حيث أنها أعيان لا يكون إلا بالعناية كقوله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255] .
و تلك المشيئة عين العناية التي سبقت، (فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة ): أي من حيث أنه عين ثابتة لا من حيث أنه حق و إنما قلنا ذلك لأن الأعيان لها اعتباران .
اعتبار كونه عينا من الأعيان الممكنة و حقيقة من حقائقها.
و اعتبار آخر من حيث أنها صور علمية بلا شئون ذاتية، و هي بهذا الاعتبار عين الذات لا صورة لها في الوجود و لا في العلم بخلاف الأول، فإنها صورة علمية و لها في الخارج صور خارجية يتعين بها في الخارج إذا ظهرت في الخارج .
( و هي التي تقع صورة الوجود عليها) و ذلك لا يكون إلا من حيث أنها أعيان ثابتة لا من حيث أنها شئون ذاتية للحق سبحانه .
فإنها عين الذات فليس في وسع العبد (أن يطلع في هذا الحال ): أي حال كونه مطلعا على عينه و مقيدا بهذا الاطلاع الجزئي أن يطلع كليا على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها: أي لأنّ الأعيان الثابتة في حال عدمها .
( نسب ذاتية) مجردة عن الأسماء و الصفات لا صورة لها، يدرك غير الذات و لا تميز و لا فرق بينها و بين الذات بل هي نسب و خصوصيات لحضرة الذات تسمى باصطلاحهم شئون ذاتية، و هي عين ذاتها فإذا اطلع العبد المعتني به على الأعيان الذاتية من حيث أنها شئون، فيرى شئونا ذاتية لا صورة لها في ذاتها، بل يرى أنها عين الذات .
( فبهذا القدر ): أي بقدر هذا الاطلاع على الذات و ما فيها (نقول: العناية الإلهية سبقت في الأزل) لهذا العبد الفرد كاشف عينه الثابتة و أخذ العلم بنفسه في نفسه بهذه المساواة في إفادة العلم أنه يفيد من حيث أفاد الحق سبحانه و يفيض من عين ما أفاضه تقدّس و تعالى .
و إنما قلنا سبقت له بسبب هذه المساواة التي هي الأخذ من المعدن الواحد في الإفادة و هي العلم بما في علم الله فيه، و هي العناية المختصة بالفرد لأنه فوق مقام عينه بل هو في إطلاق الذات و لا عين له في الأعيان كالحق تعالى .
و من هذا المقام و المشهد من يشهد الحكم و يراها قبل أن يكون الحق فيها، و هو الذي يشاهدها في حال عدمها كما يشهدها الحق، و هو أعلى المدارك و أسناها و أشرفها .
قال الشيخ رضي الله عنه الصديق الأكبر رضي الله عنه أشار في قوله:
ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله إلى هذا التجلي: أي التجلي في لا شيء و ما فيه أحد فيما وصل إلينا على هذا الوجه، و ما يتكون منه في قلب المعتكف على شهوده إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب السادس و التسعين و ثلاثمائة من الفتوحات:
وذلك لأنّ الإدراك بهذا النمط للممكن ممكن .
وهو إدراك في حال عدمها فإذا جاء الأمر الإلهي بالتكوين لم يجد إلا وجود الحق فظهر فيه لنفسه، فرأى الحق قبل رؤية نفسه فلما ألبسه وجوده تعالى رأى نفسه عند ذلك.
فقال: ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله: أي قبل أن يتكون فيه فيقبل الحق صورة ذلك الشيء وهذا من مقام التجلي لأنه رأى الحق قبل الكون فيرى صدور ذلك منه تعالى و تقدّس .
(و من هنا يقول الله): أي من أنه يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به فإن الأعيان عالمه مفيدة معطية والأسماء مستفيدة، فالله تعالى العالم أزلا و أبدا لأنه تعالى عين الكل.
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم.)
قال الشيخ رضي الله عنه: "إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك.
أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم."
قال رضي الله عنه : (إلا أنه)، أي العلم بالعين الثابتة أو أخذ العلم منها (من جهة العبد عنابة من الله سبحانه سبقت له)، أي للعبد قبل وجوده.
(هي)، أي هذه العناية (من جملة أحوال عينه) الثابتة التي تقتضي جریان تلك الأحوال عليها فحبيت اقتضت تعلق العناية بها تعلقت.
(يعرفها)، أي تلك العناية السابقة وكونها من أحوال عينه (صاحب الكشف إذا أطلعه الله على ذلك)، أي على المذكور من أحوال عينه، فإنه إذا اطلع عليها باطلاع الحق سبحانه عرف تلك العناية التي من جملتها .
وإنما قلنا: العلم بالعين الثابتة من جانب العبد مسبوق بعناية من الله سبحانه (فإنه) الضمير للشأن. قال رضي الله عنه : (ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله)، أي أراد اطلاعه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود العيني لهذا المخلوق (عليها).
أي على تلك الأحوال (أن يطلع في هذه) الأحوال اطلاع راقية (على) طريقة (اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها) علما و عينة .
فقوله : على هذه الأعيان الثابتة يحتمل أن يكون متعلق بقوله : يطلع.
وبالاطلاع أيضا يمكن أن يقال : المراد باطلاع الحق ما يطلع عليه الحق من هذه الأعيان وحينئذ لفظة على الأولى متعلقة بيطلع والثانية بالاطلاع .
وإنما قلنا: ليس في وسع المخلوق اطلاع مثل اطلاع الحق (لأنها) أي تلك الأعيان يعني الحقائق التي تلك الأعيان صورة معلوميتها (نسب ذاتية) وشؤون عينية مستجنة في عين الذات قبل العلم بها.
(لا صورة لها) تتميز بها لا في العلم ولا في العين ليصح تعتق علم المخلوق بها.
فإذا تعلق علم الحق سبحانه بها وحصل لها تمیز وتعين في العلم صح تعلق علم المخلوق بها .
علما مفيدة للعلم بأحوالها مساوية لعلم الحق سبحانه في تنك الإفادة (فبهذا القدر) من سبق علم الحق بالأعيان على علم العبد بها.
(نقول إن العناية) من الحق سبحانه (سبقت لهذا العبد بهذه المساوات)، أي بمساراته للحق والباء متعلقة بالعناية (في إفادة العلم)، أي إفادة العلم بالأعيان الثابتة العلم بأحوالها الجارية
عليها في وجوده العيني إلى ما لا يتناهى وتحقيق ذلك أن للحق سبحانه بالنسبة إلى العبد عنایتین.
أحدهما : بحسب فيضه الأقدس ، وهي تقتضي تعين عينه الثابتة في مرتبة العلم بحيث يصلح لأن يتعلق به علم المخلوق و استعدادها الكلي لفيضان الوجود عليها .
وأحدهما بحسب فيضه المقدس وهي تقتضي فيضان الوجود عليها في العين واستعداداتها الجزئية ليترتب عليها أحوالها التي من جملتها صلاحية انکشاف عينة الثابتة وأحوالها عليه.
ولا شك أنه إذا كاشف العبد بعينه الثابتة وعلم بهذا الكشف أحوالها أنه يأخذ العلم بتلك الأحوال من عينه الثابتة .
كما يأخذ الحق سبحانه عنها نكن أخذه منها من رزق بهاتين العنايتين من جانب الحق سبحانه وإلى العناية الأولى أشار الشيخ رضي الله عنه .
واعلم أنه قد وقع في مواضع من القرآن ما يوهم أن علمه سبحانه ببعض الأشياء حادث كقوله سبحانه : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "آية 31 سورة محمد .
وقوله تعالى : " ثم بعثهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" آية 12 سورة الكهف.
وأمثال ذلك والتقصي عن هذه الأشكال، إما بما ذهب إليه المتكلمون من أن علمه سبحانه قدیم وتعلقه حادث .
فمعنى قوله : "حتى نعلم" حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم والصابرين.
وإما بأن المراد بالعلم الشهود فإن الأشياء قبل وجودها العيني معلومة للحق سبحانه وبعده مشهودة له فالشهود خصوص نسبة العلم.
فإنه قد يلحق العلم بواسطة وجود متعلقه نسبة باعتبارها نسميه شهود و حضورا لا أنه حدث هناك علم.
فمعنى حتی نعلم حتى نشاهد، وإما بأن يقال المسند إليه في قوله: نعلم ليس هو الحق باعتبار مرتبة الجمع بل باعتبار مرتبة الفرق .
فكأنه يقول : حتى نعلم من حيث ظهورنا في المظاهر الكونية الخلفية فتكون الخلقية وقاية له عن نسبة الحدوث إليه .
وإما بان يقال : المراد بالتأخر المفهوم من كلمة حتى التأخر الذاتي لا الزماني حتى يلزم الحدوث الزماني وحيث انجر الكلام ههنا إلى أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها بالذات.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إِفادة العلم. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (هو العين المعلومة . إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه الثابتة يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك .
فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على إطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها . فبهذا القدر نقول: إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم .)
قال الشارح رحمة الله :
( إلا أنه من جهة العبد ): أي ذلك الأخذ من جهة العبد يسمّي عناية من الله سبقت له الحسنى من الفيض الأقدس، فلما قال رضي الله عنه: إن أخذ العبد من عينه كأخذ الله من عينه و أنّ الآخذين من المعدن الواحد و هم المساواة، فاعتذر بأن أخذ العبد بالعناية، وهي أنّ تلك العناية أيضا.
( من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف ): أي الذي كشف له عن عينه الثابتة رأى العناية ذاتية له بلا جعل الجاعل .
( إذا أطلعه الله تعالى على ذلك ): أي على أحوال عينه أنه يشاهد أنّ العناية ذاتية له من جملة أحوال عينه، و أمّا إطلاعه و علمه ما في علم الله فيه من حيث أنها شئون ذاتية لا من حيث أنها أعيان لا يكون إلا بالعناية كقوله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255] .
و تلك المشيئة عين العناية التي سبقت، (فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة ): أي من حيث أنه عين ثابتة لا من حيث أنه حق و إنما قلنا ذلك لأن الأعيان لها اعتباران .
اعتبار كونه عينا من الأعيان الممكنة و حقيقة من حقائقها.
و اعتبار آخر من حيث أنها صور علمية بلا شئون ذاتية، و هي بهذا الاعتبار عين الذات لا صورة لها في الوجود و لا في العلم بخلاف الأول، فإنها صورة علمية و لها في الخارج صور خارجية يتعين بها في الخارج إذا ظهرت في الخارج .
( و هي التي تقع صورة الوجود عليها) و ذلك لا يكون إلا من حيث أنها أعيان ثابتة لا من حيث أنها شئون ذاتية للحق سبحانه .
فإنها عين الذات فليس في وسع العبد (أن يطلع في هذا الحال ): أي حال كونه مطلعا على عينه و مقيدا بهذا الاطلاع الجزئي أن يطلع كليا على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها: أي لأنّ الأعيان الثابتة في حال عدمها .
( نسب ذاتية) مجردة عن الأسماء و الصفات لا صورة لها، يدرك غير الذات و لا تميز و لا فرق بينها و بين الذات بل هي نسب و خصوصيات لحضرة الذات تسمى باصطلاحهم شئون ذاتية، و هي عين ذاتها فإذا اطلع العبد المعتني به على الأعيان الذاتية من حيث أنها شئون، فيرى شئونا ذاتية لا صورة لها في ذاتها، بل يرى أنها عين الذات .
( فبهذا القدر ): أي بقدر هذا الاطلاع على الذات و ما فيها (نقول: العناية الإلهية سبقت في الأزل) لهذا العبد الفرد كاشف عينه الثابتة و أخذ العلم بنفسه في نفسه بهذه المساواة في إفادة العلم أنه يفيد من حيث أفاد الحق سبحانه و يفيض من عين ما أفاضه تقدّس و تعالى .
و إنما قلنا سبقت له بسبب هذه المساواة التي هي الأخذ من المعدن الواحد في الإفادة و هي العلم بما في علم الله فيه، و هي العناية المختصة بالفرد لأنه فوق مقام عينه بل هو في إطلاق الذات و لا عين له في الأعيان كالحق تعالى .
و من هذا المقام و المشهد من يشهد الحكم و يراها قبل أن يكون الحق فيها، و هو الذي يشاهدها في حال عدمها كما يشهدها الحق، و هو أعلى المدارك و أسناها و أشرفها .
قال الشيخ رضي الله عنه الصديق الأكبر رضي الله عنه أشار في قوله:
ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله إلى هذا التجلي: أي التجلي في لا شيء و ما فيه أحد فيما وصل إلينا على هذا الوجه، و ما يتكون منه في قلب المعتكف على شهوده إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب السادس و التسعين و ثلاثمائة من الفتوحات:
وذلك لأنّ الإدراك بهذا النمط للممكن ممكن .
وهو إدراك في حال عدمها فإذا جاء الأمر الإلهي بالتكوين لم يجد إلا وجود الحق فظهر فيه لنفسه، فرأى الحق قبل رؤية نفسه فلما ألبسه وجوده تعالى رأى نفسه عند ذلك.
فقال: ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله: أي قبل أن يتكون فيه فيقبل الحق صورة ذلك الشيء وهذا من مقام التجلي لأنه رأى الحق قبل الكون فيرى صدور ذلك منه تعالى و تقدّس .
(و من هنا يقول الله): أي من أنه يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به فإن الأعيان عالمه مفيدة معطية والأسماء مستفيدة، فالله تعالى العالم أزلا و أبدا لأنه تعالى عين الكل.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:38 عدل 2 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة العاشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة العاشرة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "و من هنا يقول الله تعالى: «حتى نعلم» و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود."
فالعلمان من معدن واحد كما تقدم، ولكن ليس في وسع العبد إذا وافق علم الله بعينه الثابتة في حال عدمها وبانتقالات الأحوال عليها باطلاع الله تعالى له على ذلك أن يطلع أن ذلك موافق لعلم الله به.
فإذا اطلع على الموافقة المذكورة علم، علم الله تعالی به (ومن هنا)، أي من هذا المعنى حيث علم علم الله تعالى به (يقول الله) تعالى في القرآن العظيم :" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)" سورة محمد. ، يعني حتى نكشف عندكم بعلمنا عن " المجاهدين منكم " والصابرين [محمد: 31]..
وذلك الكشف هو كشفنا لكم عن ذلك حيث توافق علمنا وعلمكم في هذا المقدار المذكور (وهی)، أي قوله تعالى: نعلم (كلمة محققة المعنی)، أي معناها ما يظهر منها حقيقة على حسب ما ذكر (ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب) من العلم بالله الموافق للعلم بالله حیث هما من معدن واحد.
(وغاية المنزه)، أي العالم بالله على وجه التنزيه من علماء الظاهر (أن يجعل ذلك الحدوث) المفهوم من ظاهر قوله تعالى: "حتى نعلم" ، أي حتى يحدث لنا علم
حدوثة (في العلم للتعلق) بالمعلوم لا لنفس العلم الإلهي القديم.
قال رضي الله عنه : (وهو)، أي هذا القول بالحدوث في العلم للتعلق لا لنفس العلم (أعلى وجه یكون)، أي يوجد (للمتكلم بعقله) كعلماء الظاهر (في هذه المسألة) التي هي مسألة نسبة حدوث العلم الله تعالى.
(لولا أنه)، أي هذا المتكلم بعقله (أثبت العلم) معنى (زائدة على الذات فجعل التعلق) بالمعلوم (له لا للذات) وقد نسب علماء الظاهر هذا القول للأشعري رحمه الله تعالى.
حيث سموا العلم صفة معنى من جملة صفات المعاني السبعة ، وعللوا التسمية بأن هذه الصفات السبعة التي منها العلم لها معان في نفسها زائدة على قيامها بالذات، وأنا أقول إن هذا ليس مذهب الأشعري ولا غيره من السلف ، بل مذهبه أن هذه الصفات السبعة ليست عين الذات ولا غيرها.
فقوله: ليست عين الذات، يفيد أنها غيرها وقوله : ولا غيرها، يفيد أنها عين الذات، فالمفهوم من مذهبه أنه غير قاطع بواحد منهما.
فكيف ينسب إليه أنها غير الذات، وهي معان زائدة على الذات، والحاصل أن مذهب الأشعري رحمه الله تعالى في الصفات السبعة نفي النقيضين معا وعدم القطع بواحد منهما بل تسليم ذلك إلى الله تعالى.
كما هو مذهب السلف في التفويض إلى الله تعالى كل ما ورد في الدين، لأن ذات الله تعالى لا تشابه الذوات، وصفاته لا تشابه الصفات، فيلزم من ذلك أن یكون قيام صفات الله تعالى بذاته لا يشابه أيضا قيام الصفات بالذوات.
وانحصر القول بالفهم والإمكان في صفات الحوادث أنها عين الذات كالوجود، وأما غير الذات كلون الجرم مثلا فانتفى عن الله تعالى أن تكون صفاته عین ذاته أو غير ذاته.
ومراده أن ذلك غير مفهوم ولا معقول ولا محسوس، بل هو غیب مطلق يجب الإيمان به على ما هو عليه.
لا أن مراده أن لذلك مفهوما عقليا كالواحد من العشرة لا هو عين العشرة ولا غيرها كما زعمه بعضهم.
ولا كما قال الشيخ قدس الله سره في أوائل كتابه : «الفتوحات المكية» في عقائد أهل الاختصاص.
وأما قول القائل : لا هي ولا هو أغيار له، فكلام في غاية البعد، فإنه دل صاحب هذا المذهب
على إثبات الزائد وهو الغير بلا شك إلا أنه أنكر هذا الإطلاق لا غير، انتهى .
نعم هو كلام في غاية البعد إن أريد له مفهوم عقلي غير مجرد التنزيه ، وأما حيث أريد به التنزيه الله تعالى كما ذكرنا، فلا يكون صاحبه دل على إثبات الزائد وهو الغير.
والذي نعتقده في الأشعري رحمه الله تعالى أنه إمام أهل السنة وأن مذهبه هو مذهب الصالحين، وكذلك مذهب الإمام الماتريدي وأتباعهما رحمهم الله تعالى، وهو مجرد التفويض إلى الله تعالى في جميع الدين.
والإيمان بالأمر على ما هو عليه من غير خوض فيه بالآراء العقلية، وهذه الفرقة الناجية التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما عداها من الفرق كلهم في النار كما ورد صريح الحديث الشريف بذلك.
وأما جميع الأبحاث الواردة عن الأشعري والماتريدي واتباعهما رضي الله عنهم المفضية أن تكون مذهب مستقلا جاريا على القوانين العقلية مخالفة لجميع مذاهب الفرق الضالة، فليس ذلك كما يزعمه الجهال من المقلدين للأشعري والماتريدي رحمهما الله تعالى، بل كلما تكلم به الأشعري والماتريدي إنما ذلك رد على المخالفين الفرق الناجية، وتشتيت للآراء المبتدعة الخائضين في الدين من قبيل معارضة الفاسد بالفاسد.
ومرجع الأشعري والماتريدي رحمهما الله تعالى إلى مذهب السلف كما ذكرنا، وليس شيء من أبحاثهما مفهوم عقلي عندهما يزيل مذهب السلف من البصائر غير الرد على جميع الفرق الضالة.
الذين خرجوا في حدود الثلاثمائة يتكلمون في الدين بالآراء العقلية والاحتجاج بالمفاهيم الفكرية، ليبطلوا مذهب السلف الصالحين في التسليم في الدين، وقد زخرفوا مذاهبهم بالأبحاث العقلية التي ينقاد إليها كل عاقل، وأضعفوا الإيمان بالغيب في قلوب المؤمنين، وطمسوا أنوار التسليم والتفويض الله تعالى بظلمات الأفكار وعصارات العقول الزائغة عن الصراط المستقيم، وغالطوا أهل الإسلام بقولهم: لا فرق بين الإنسان والحيوان إلا بالعقل.
والعاقل إذا لم يستعمل عقله في أهم أموره وهو الدين فأي فرق بينه وبين الحيوان حيث عطل عقله في أهم أموره وأبطل الحكمة الإلهية في خلق العقول.
وكلامهم هذا الذي ابتدعوا به في الدين ما ليس فيه مأخوذ من أصول مذاهب الفلاسفة وحكماء الطبيعية، وسائر أهل الضلال.
وأما مذاهب السلف الصالحين رضي الله عنهم أجمعين فهو مبني على أن الدين أعظم من أن يدرك بالعقول أو يفهم بالأفكار، سواء كان اعتقادا أو عملا، بل ذلك خدمة إلهية كلف الله تعالى بها أرباب العقول امتحانا لهم وابتلاء لا غير، وحكمة خلق العقول في المكلفين لقبول ذلك الغيب، وهو الدين والإذعان له بالقبول والإيمان به على ما هو عليه، لا ليفهم بها وتتخرج أحكامه على القوانين العقلية، والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء الطريق .
قال رضي الله عنه : (وبهذا) أي بإثبات العلم زائدة على الذات حيث جعل التعلق له لا للذات (انفصل) القائل بذلك من الخلف المتأخرين (عن) مذهب (المحقق من أهل الله) تعالى الذي يقول: إن العلم الإلهي ليس زائدا على الذات الإلهية على معنى أنه حضرة من حضراتها .
فإذا نسب حدوث التعلق له كان منسوبا إلى الذات العلية على معنى الظهور للعبد لا الوجود من العدم.
وقد بينا القول بأن الصفات عين الذات عند المحققين من أهل الله وعند المبطلين من أهل الضلال.
وذكرنا الفرق بين قول المحققين وقول المبطلين في كتابنا "المطالب الوفية شرح الفرائد السنية".
(صاحب) نعت للمحقق (الكشف) عن الأمر على ما هو عليه حيث كان علمه بتعليم الله تعالى له لا بحدسه ولا بدرسه ولا بواسطة أبناء جنسه (والوجود) المحض الخالي من تلبيسات الأوهام وتحريفات الأفهام.
فإن الصفات الإلهية عنده عين الذات، والذات غیب مطلق فكذلك الصفات، لأنها الذات مع خصوص ظهور بآثار مخصوصة، وتعین حضور بأنوار منصوصة.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال رضي الله عنه : (ومن هنا) أي ومن إفادة العين العلم للحق (يقول الله تعالى "حتى نعلم" وهي كلمة محققة المعنى) وذلك المعنی كون ما قبل حتى سببا لما بعدها .
فاختبر تعالى عباده بالتكاليف الشاقة ليعلم الصابرين على هذه التكاليف (ما هي) أي ليس حتى (كما) أي مثل الذي (يتوهمه من ليس له هذا المشرب) وهو المشرب الصوفي المحقق المنزه في مقام التنزيه .
وهو غناؤه تعالى عن العالمين وهو قوله تعالى: "والله الغنى وأنتم الفقراء" 38 سورة محمد.
وغير ذلك من الآيات الدالة على التقديس والمشبه في مقام التشبيه وهو ظهوره تعالى بصفات المحدثات .
وهو قوله تعالى: " حتى نعلم"31 سورة محمد. وقوله : " لنعلم من يتبع الرسول" 143 سورة البقرة . وقوله : "مرضت فلم تعدني" وغير ذلك من التشبيهات .
وأما من لم يكن له هذا المشرب فمنزه فقط من كان الوجوه عن الحدوث والنقصان (وغاية المنزه إذا نزه أن يجعل ذلك الحدوث) الحاصل من المعلوم الحادث (في العلم للتعلق) لا للعلم.
قال الشيخ رضي الله عنه: (وهو) أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم (أعلى وجه بكون للمتكلم بعقله) أي بنظره الفكري كما كان للمتكلم بمشاهدته ووجد أنه (في هذه المسالة) أي في مسألة علم الله بالأشياء فيجعله الحدوث للتعلق.
اتصل بأهل الله من هذا الوجه في هذه المسألة (لولا أنه) أي لولا أن المتكلم بعقله (أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له) أي للعالم (لا للذات) لم ينفصل عن المحقق من أهل الله حذف جواب لولا وهو قولنا لم ينفصل بقرينة قوله :
(وبهذا) أي وبإثبات العلم زائدا على الذات (انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود) أي صاحب الوجدان.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
وبهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
و قوله رضي الله عته : "ومن هنا يقول الله تعالى: "حتى نعلم" (محمد: 31) وهي كلمة محققة المعني ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
وبهذا انفصل عن المحقق من أهل الله، صاحب الكشف والوجود."
قلت: الشيخ، رضي الله عنه، قد ألغز ها هنا لغزا وهو أنه قد قدم في الحكمة الأولى التي هي في كلمة آدمية أن الإنسان جامع لحضرة الأسماء الحسنى، فهو حق من وجه، خلق من وجهه.
فمن الوجه الذي هو منه حق ثبت للحق تعالی منه أحكام لولا هذا الإنسان الكامل ما جاز نسبتها إليه تعالى.
فمن ذلك أن هذا الإنسان يتجدد له العلم، فيصح من هذه المرتبة أن يقول الحق تعالی: "حتى نعلم" لأن الحق تعالی من حضرة إطلاقه لا علاقة بينه وبين شيء وإنما العلاقة تكون في مراتب الإنسان.
فما خاطبه الحق تعالی من حضرة إطلاقه بل من حضرة تقييده.
ألا ترى أنه لو لم يكن في الوجود عین ثابتة يقال له: أبو لهب، لم يرد في الكتاب العزيز "تبت يدا أبي لهب وتب" سورة المسد آية 1. فمن مرتبة العين الثابتة التي هي أبو لهب نزلت هذه الآية.
والمراتب كلها في علمه تعالی فإذن هي نازلة من عند الله تعالى لأن العندية الإلهية عامة لكل عندية جزئية أزلا وأبدا.
فإذن هناك علاقة بين الحق تعالی وبين الإنسان وهي كون الإنسان جامعة الأسماء الله الحسنى.
فإذا قال الحق تعالی: "حتى نعلم" فمعناه حتى يعلم الإنسان، فيكون نفس تجدد العلم هو للإنسان لكن للإنسان حضرة الإلهية أيضا، فيرجع إليه تعالى من حقيقة "حتى نعلم" حكم ما به صح .
قولنا: إن الله تعالى قال في كتابه العزيز: "حتى نعلم" ولما كانت هذه الحضرة المقتضية لتحقق حقيقة "حتى نعلم" هي من الحضرات الذاتية الإلهية من جهة ما للأعيان الثابتة هي معلومات الذات والمعلوم مع العلم في الذات ويشملها أن علم الله تعالى لا يغادر ذاته.
فثبت معنی "حتى نعلم" ولم يلحق الذات المقدسة منها تجدد علم إذ كان الإنسان في هذه الحقيقية وقاية لربه تعالی عن نقص هذا الحدوث.
ثم إن الشيخ، رضي الله عنه، أردف هذا بذكر ما قاله المتكلمون من قولهم:" إن الله تعالى يعلم الأشياء بعلم زائد على ذاته". وقصدهم أن ينسبوا تجدد العلم إلى التعلق الحاصل" للعلم .
كأنهم قالوا: تجدد التعلق لغير الحق تعالى وهو العلم لا له تعالى وهذا يرون أن به بيحصل الانفصال عن هذا الاشكال.
فقال الشيخ رضى الله عنه : "إن الصحيح هو الذي اقتضاه الكشف والشهود وهو ما أشير إليه من أن تجدد العلم إنما هو للإنسان وأن الذي ذكره المتكلم باطل.
فحصل الفرق بين المتكلمين وبين أهل الله تعالى في هذه المسألة .
ووصف أهل الكشف بأنهم أهل الوجود أي أهل شهود وجود الله تعالى .
أو أنه أراد بالوجود الوجدان فإن شهودات أهل الله تعالى هي وجدانية لا فكرية."
*"*يعني بالوجود :أهل الوجود هم أهل التحقيق العارفين شهودهم بنور الله الأزلي الوجود الحقيقي والوجود المستعار ويفرقون بينهم شهودا ووجودا بعد أن اماتهم الله ثم أحياهم فهم من الوجود . وليسوا كغيرهم ممن لم يفتح الله بصيرهم وبصرهم يرون الوجود المستعار انه هو كل الوجود او الوجود الحقيقي على الإطلاق.*"*
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال الشيخ رضي الله عنه: « ومن هاهنا يقول الله : " حَتَّى نَعْلَمَ " . وهي كلمة محقّقة المعنى ، ما هي كما يتوهّمه من ليس له هذا المشرب " .
قال العبد : هو يشير رضي الله عنه إلى توقّف تحقّق النسبة العلميّة من كونها كذلك على حقائق المعلومات وتحقّقها بأعيانها في الوجود ، لأنّ العلم المضاف إلى الحق من حيث الجمعية الإلهية إنّما يتحقّق بتحقّق العلم بجميع الحقائق العينية والشؤون الغيبية .
فإنّ للحق ظهورا في كلّ شأن شأن ، فالعلم المضاف إلى الحق من حيث ذلك الظهور بذلك الشأن لا يكون إلَّا بعد تحقّق الشأن بعينه في الوجود ، بخلاف العلم الذاتي الإلهي .
فإنّ توقّف العلم على المعلومات ليس من حيث أحديّة الذات ، فإنّ الأحدية الذاتية تقهر الكثرة النسبية العلمية والوجودية العينية ، فلا تظهر لها أعيان أصلا .
والعلم والعالم والمعلوم في أحدية الذات أحدية ، وكذلك في الوجود واحد وحدة حقيقة غير زائدة على ذاتية الذات ، ولكن توقّف تحقّق العلم على المعلوم من حيث إنّ العلم نسبة متعلَّقة بالنسب المعلومية المظهرية من حيث هذه الشؤون والحقائق الأسمائيّة التي تحقّقها بحقائق هذه الشؤون.
فقوله : " حَتَّى نَعْلَمَ " إشارة إلى توقّف العلم المضاف إلى الحق من حيث أسمائه الحسنى وشئونه ونسبه الذاتية العليا بأحوالها وأحكامها وآثارها وتعلَّقاتها ونسبها وإضافاتها ولوازمها وعوارضها ولواحقها ولواحق اللواحق .
من حيث المرتبة والمحلّ والمقام والموطن والحال في الوجود العيني والشهود العياني الكوني ، فهو إذن كلمة محقّقة المعنى ليست كما يتأوّلها بالوهم أهل التنزيه الوهمي .
فإنّ الحق لا يستحقّ من الحق ولا يتنزّه عن مقتضيات ذاته ، ومقتضاها من حيث هذه النسب الذاتية أن لا يظهر كلّ منها إلَّا بكلّ منها في كل منها ، فتوقّف تحقّق الحقيقة العلمية على حقيقة المعلوم كذلك كتوقّفه على حقيقة الوجود ، فالتوقّف إذن بين النسب بعضها على البعض .
وذلك غير قادح في الغنى الذاتي ، ووجوب الوجود للذات بالذات ، وكون هذه النسب أعني العالميّة والمعلومية والعلم كلَّها ذاتية ، فافهم إن شاء الله تعالى .
فإنّ العلم والمعلوم والعالم في أحدية الذات عينها لا غيرها ، والمعلومية كالعالميّة والمظهرية كالظاهرية نسب ذاتية للذات كسائر النسب الذاتية الوجوبية التي العلم من جملتها .
فتوقّف العلم على المعلوم إنّما هو من حيث هذه النسبة العلمية من وجه يغاير ذاتية الذات بالخصوصية وفي التعقّل ، ثم التغاير والتمايز بين الحقائق بالخصوصيات وفي تعقّل المتعقّل لها منّا لا يوجب الكثرة والتعدّد والتوقّف والتجدّد والتغيّر ، في الذات الواحدة التي [ هي ] عينها ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : « وغاية المنزّه » أي بوهمه « أن يجعل ذلك الحدوث في العلم المتعلَّق ، وهو أعلى وجه للمتكلَّم بعقله في هذه المسألة ، لولا أنّه أثبت العلم زائدا على الذات ، فجعل التعلَّق له لا للذات وبهذا انفصل عن المحقّق من أهل الله صاحب الكشف والوجود " .
قال العبد اعلم : أنّه غاية أهل التنزيه الوهمي أن ينسبوا الحدوث في قوله تعالى :
" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ ". إلى التعلَّق العلمي ، فتكون الكثرة والحدوث والتوقّف والتغيّر والتجدّد في التعلَّق ، لا في حقيقة العلم التي هي عين الذات .
ولا يرتفع الإشكال بذلك أيضا ، لكون العلم هو المتعلَّق بذلك التعلَّق الحادث ، ولكون التعلَّق من وجه عين المتعلَّق ، ولا سيّما وقد أثبت العلم زائدا على الذات ولا مخلص له في هذا النظر إلَّا أن يعلم أنّ الحدوث والكثرة في المعلوم المتكثّر المتجدّد المتغيّر الحادث ، والتجدّد في التعيّن والمتعلَّق به من حيث هو كذلك .
أمّا من حيث العلم الذي هو عين العالم الأزلي فتعلَّق وحدانيّ ، لكون ارتباط النسب المتوقّفة التحقّق على الطرفين في كل واحد منهما بحسبه ، فالكثرة والتغيّر والتجدّد في التعلَّق العلمي الوحداني من حيث ما يرتبط به وهو المعلوم المتكثّر المتغيّر المتجدّد ، والوحدة في التعلَّق أيضا من حيث العلم الذاتي الوحداني كهو ، فافهم .
وثمّ نظر آخر وهو أنّ العلم ، له اعتباران :
أحدهما من جهة الحق ، وبهذا الاعتبار هو عين الذات كما تقرّر آنفا .
والثاني من حيث إنّه نسبة متميّزة عن ذاتيّة الذات بخصوصيتها وعن غيرها من النسب ، وهذه النسبة حقيقة كلَّية أحدية التعلَّق بالمعلومات من شأنه تميّز المعلومات بعضها عن البعض وكشف حقائقها وحقائق أحوالها على سبيل الإحاطة ، فهي من حيث كونها نسبة كليّة لا تحقّق لها إلَّا بين عالم ومعلوم ، فتكون متوقّفة التعيّن على المعلومات .
وتعيّن المعلومات في عرصة العلم من حيث هذا الوجه يكون بحسب المعلومات ، ومن حيث إنّ العلم عين الذات يكون تعيّن المعلومات فيه بحسب العلم كذلك أحدية ، فافهم .
ولمّا كان المعلوم نسبة والعلم أيضا نسبة ، لم يقدح توقّف النسبة على النسبة من كونها كذلك في العلم الأحدي الذاتي الذي هو عين الذات ، فافهم .
ثم اعلم : أنّ الحضرة العلمية تشتمل على حضرات كلَّية كثيرة وهي : حضرة العلم ، وحضرة المعرفة ، وحضرة الحكمة ، وحضرة الخبرة ، وحضرة التقدير .
فالعلم كما مرّ هو الكشف الإحاطي التمييزي للمعلومات على ما هي عليه من كل وجه للوازمها ولوازم لوازمها .
والمعرفة هي العلم بحقائق المعلومات من حيث حقائقها مجرّدة عن خلقيّاتها وعن اللوازم ولوازم اللوازم وترتّبها في مراتبها لا غير .
والحكمة عبارة عن العلم بالمراتب والحقائق المترتّبة فيها وبالترتيب الواقع بين حقائقها ، أي حقائق المعلومات واللوازم والعوارض واللواحق وبالمواطن والأحوال .
وحضرة الخبرة هي حضرة العلم بظهور آثار الحقائق وأحكامها بموجب الترتيب الحقيقي المذكور بأسبابه وعلله .
وحضرة التقدير هي حضرة العلم بتعيّن أقدار الحقائق وخصوصياتها في العلم بحسبها وعلى أقدارها ، فالتقدير من المقدّر القديم بحسب قدر المقدور وقدره في العلم ، ومن كوشف له بهذه الحضرات كلَّها وأحاط بحقائقها بما به الامتياز وبما به الاشتراك ، كان أكشف المكاشفين ، جعلنا الله وإيّاك منهم ، إنّه قدير .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال رضي الله عنه : ( ومن هنا يقول الله " حَتَّى نَعْلَمَ " وهي كلمة محققة المعنى ، ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ) يقصد الآية" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)" سورة محمد.
فإنه ينزه علمه تعالى من سمة الحدوث ، ويجعله صفة زائدة على ذاته قديمة يتعلق بالمعدوم تعلقا حادثا فيجعل الحدوث صفة التعلق لا صفة العلم .
وهو معنى قوله:
قال رضي الله عنه : ( وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم يعقله في هذه المسألة ، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات ، فجعل التعلق له لا للذات ) أي لو لا إثباته العلم زائدا على الذات ليجعل التعلق للعلم لا للذات ، لكان أعلى وجه يكون له ولكان محققا
قال رضي الله عنه : ( وبهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود ) يرى العلم عين الذات ولا يقول بالتعلق بل يقول معنى حتى يظهر علمنا .
فإن العلم الظاهر في الأعيان بعد الوجود هو عين علمه ، على ما علمت أن علمه بالأعيان هو الثابت حال عدمها فيها.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ: ("ﺣﺘﻰ ﻧﻌﻠﻢ" ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺤﻘﻘﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻮﻫﻤﻪ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ) ﺃﻱ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ.
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ: "ﺣﺘﻰ ﻧﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ﻭﻧﺒﻠﻮ ﺃﺧﺒﺎﺭﻛﻢ". ﺃﻱ، ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻠﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ، ﻓﻴﺤﺼﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺠﺎﻫﺪ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﺻﺎﺑﺮ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ.
ﻻ ﻳﻘﺎﻝ: ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ ﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﻴﻨﺌﺬ. ﻷﻧﺎ ﻧﻘﻮﻝ: ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﺯﻟﻲ ﻭﺃﺑﺪﻯ، ﻓﻼ ﻳﻠﺰﻡ ﺫﻟﻚ.
ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺃﻧﻪ ﻳﻠﺰﻡ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻳﻀﺎ، ﺗﻘﺪﻣﺎ ﺫﺍﺗﻴﺎ ﻻ ﺯﻣﺎﻧﻴﺎ ﻟﻴﻠﺰﻡ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ ﺍﻟﺰﻣﺎﻧﻲ. ﻭﻫﻮ ﺣﻖ. ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻣﻐﺎﺋﺮ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﻧﺴﺒﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ، ﻓﻴﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ، ﻭﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻘﺪﻣﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻣﺮ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺤﻘﻘﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ) ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻷﻣﺮ، ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻨﻪ ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﺏ.
ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ: (ﺣﺘﻰ ﻧﻌﻠﻢ...) ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺗﺠﺪﺩ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻭﻗﺎﻳﺔ ﻟﺮﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﺳﻤﺔ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ ﻭﻧﻘﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺣﻴﻨﺌﺬ. (ﻭﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻩ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻟﻠﺘﻌﻠﻖ، ﻭﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻤﺘﻜﻠﻢ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ.
ﻟﻮ ﻻ ﺃﻧﻪ ﺃﺛﺒﺖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺯﺍﺋﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ، ﻓﺠﻌﻞ ﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﻟﻪ ﻻ ﻟﻠﺬﺍﺕ.
ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻧﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ( ﺃﻱ، ﻏﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻭﻳﻨﺰﻩ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻦ ﺳﻤﺔ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ ﻭﻧﻘﺎﺋﺼﻪ، ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ ﻟﻠﺘﻌﻠﻖ، ﺑﺄﻥ ﻳﻘﻮﻝ، ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﺯﻟﻲ ﻭﺗﻌﻠﻘﻪ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎﺀ ﺣﺎﺩﺙ ﺣﺪﻭﺛﺎ ﺯﻣﺎﻧﻴﺎ، ﻟﺌﻼ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﺙ ﺻﻔﺔ ﻟﻠﻮﺍﺟﺐ. ﻭﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻟﻠﻤﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﻨﻈﺮﻩ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ.
ﻭﺟﻮﺍﺏ (ﻟﻮ ﻻ) ﻣﺤﺬﻭﻑ، ﺗﻘﺪﻳﺮﻩ: ﻟﻮ ﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺃﺛﺒﺖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺯﺍﺋﺪﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ، ﻓﺠﻌﻞ ﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﻟﻪ ﻻ ﻟﻠﺬﺍﺕ، ﻟﻜﺎﻥ ﻣﻤﻦ ﻓﺎﺯ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭﺍﺗﺼﻞ ﺑﺄﻫﻠﻪ.
(ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻧﻔﺼﻞ) ﺃﻱ، ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺯﺍﺋﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻋﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ، ﺇﺫ ﺍﻟﻤﺤﻘﻖ ﻗﺎﺋﻞ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻭﻓﻲ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ، ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺁﺧﺮ، ﻭﻫﻲ ﻋﻨﺪ ﻛﻮﻧﻪ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﻤﺤﻘﻖ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺳﺮﻳﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﺒﺔ ﻟﻠﺘﻌﺪﺩ ﻭﺍﻟﺘﻜﺜﺮ ﺍﻟﻤﻮﻫﻤﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻷﻏﻴﺎﺭ ﻭﺷﺎﻫﺪ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺬﻭﻕ، ﻗﺎﻝ رضي الله عنه : (ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩ).
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻫﻨﺎ (ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ). ﻭﻣﻦ ﺃﻣﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺎﺕ ﻭﺗﺤﻘﻖ ﺑﺄﺳﺮﺍﺭﻩ، ﻻ ﻳﺰﺍﺣﻤﻪ ﺍﻟﺸﻜﻮﻙ ﻭﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:43 عدل 4 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة العاشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى اللهخصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال رضي الله عنه : "و من هنا يقول الله تعالى: «حتى نعلم» و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود."
(وهی) أي: حتى نعلم على هذا التقدير (كلمة محققة المعنی) أي: محمولة على حقيقة التجدد في العلم بحسب تعلقه بالأحوال الوجودية مع بقائه على حاله باعتبار تعلقه بأحوال الأعيان من حيث هي (ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب) فيحملها على المحاز بأنه جعل التجدد في المعلوم كالتجدد في العلم، أو أراد حتى يظهر ما علمناه.
(وغاية) المتكلم (المنزه) ذات الحق وصفاته عن الحدوث وعن نقيضه الجهل بالحوادث (أن يجعل ذلك الحدوث) المفهوم من قوله: "حتى نعلم"، (في العلم المتعلق) أي: من حيث تعلقه بالأحوال المتجددة مع بقائه بحاله باعتبار تعلقه بأحوال الأعيان الثابتة من حيث هي.
(وهذا) ، أي: جعل الحدوث في تعلق العلم. (أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة) أي: مسألة علم الله بالحوادث (لولا أنه أثبت العلم زائدا على الذات) يجعله حصول صور الأشياء أمرا ليس من الذات ولا غيرها،(فجعل التعلق) لنفس العلم (لا للذات) مع أنه إنما يصح لو كان العلم مغايرا للذات.
(وبهذا) أي: بجعله العلم زائد على الذات بجعله إياه عبارة عن حصول صور الأشياء، (انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود)، فرأى الوجود غير الذات، ورأى الصفات لا عيئا، ولا غيرا لها، والقول بزيادتها يستلزم القول بمغایرتها؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
( ومن هنا ) - أي من تحقق المساواة - ( يقول الله : "حتى نعلم" وهي كلمة محققة المعنى ) أي مطلق على الحقيقة - ( ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ) من المجازات البعيدة ، على ما ارتكبها الظاهريون من المفسرين، فإن العلمين إذا كانا متساويين في الظهور يكون كل منهما متجددا حسب تجدد الآخر ، فلذلك تجدد " كل يوم هو في شأن" حسب تجدد الأعيان في الأزمان .
ثم إن المنزهة الرسمية لما لم يكن لهم حظ من هذا الذوق ، اشمأزوا عن سماعه ، حاسبين أنه من التنزيه ، وهو بمرمى بعید منه ، فلذلك نبه إلى مآلهم فيه بقوله : (وغاية المنتزه أن جعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق) بالحوادث على ما ذهب إليه المتكلمون من أهل السنة ، من أن الأوصاف والأحكام القديمة إنما يعرض لها لوازم الحدوث من جهة تعلقها بالحوادث (وهو أعلى وجه يكون للمتكلم ، يعقله في هذه المسألة) ، فإنه ليس للعقل بحسب قوته النظرية فيما وراءه مد خل- وفي قوله : «يعقله» إشارة إلى هذه الدقيقة - فهو غير بعيد عن التحقيق ( لولا أنه أثبت العلم زائدا على الذات ، فجعل التعلق له ، لا اللذات ؛ وبهذا انفصل عن المحقق من أهل الله ، صاحب الكشف والوجود ) فإنه يرى العلم عين الذات .
لا يقال : فيلزم انتساب الحوادث إلى الذات بضرب من النسبة تعالى عن ذلك ؟
لأن تنزهها عن القدم المقابل للحدوث كتنزهها عن الحدوث عن سائر المتقابلات - على ما مر غير مرة - فلا تغفل عنه فإنه مفتاح لمقفلات كنوز الرموز الختمية ، فإنه مايعرف ذلك التنزيه غير المتحقق بالتوحيد الذاتي المختص بالوراثة الختمية .
ومما لابد منه هاهنا أن تعلم أن استفاضة الحقائق لها طريقان :
أحدهما نظري عقلي وراء الحجب الكونية والدلائل النظرية ، والحاصل من هذا الطريق إنما هو حصر عقلي على ما لذوي المذاهب الجعلية من الصور الاعتقادية ، وهذا مسلك أهل العقل ، كما يلوح عليه لفظ العقل و العقد .
والثاني كشفي قلبي ، إنما يدل عليه الصور الوجودية الأصلية التي لاجعل فيها أصلا ، والحاصل منه إنما هو انشراح علمي وكشف وجودي ، وهو مسلك أهل الله صاحب الكشف والوجود ؛ تحفظ هذا الاصطلاح فإنه له مواضع نفع في هذا الكتاب .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال رضي الله عنه : "و من هنا يقول الله تعالى: « حَتَّى نَعْلَمَ »آية 31 سورة محمد .
و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب."
واعلم أنه قد وقع في مواضع من القرآن ما يوهم أن علمه سبحانه ببعض الأشياء حادث كقوله سبحانه : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "آية 31 سورة محمد .
وقوله تعالى : " ثم بعثهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" آية 12 سورة الكهف.
وأمثال ذلك والتقصي عن هذه الأشكال، إما بما ذهب إليه المتكلمون من أن علمه سبحانه قدیم وتعلقه حادث .
فمعنى قوله : "حتى نعلم" حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم والصابرين.
وإما بأن المراد بالعلم الشهود فإن الأشياء قبل وجودها العيني معلومة للحق سبحانه وبعده مشهودة له فالشهود خصوص نسبة العلم.
فإنه قد يلحق العلم بواسطة وجود متعلقه نسبة باعتبارها نسميه شهود و حضورا لا أنه حدث هناك علم.
فمعنى حتی نعلم حتى نشاهد، وإما بأن يقال المسند إليه في قوله: نعلم ليس هو الحق باعتبار مرتبة الجمع بل باعتبار مرتبة الفرق .
فكأنه يقول : حتى نعلم من حيث ظهورنا في المظاهر الكونية الخلفية فتكون الخلقية وقاية له عن نسبة الحدوث إليه .
وإما بان يقال : المراد بالتأخر المفهوم من كلمة حتى التأخر الذاتي لا الزماني حتى يلزم الحدوث الزماني وحيث انجر الكلام ههنا إلى أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها بالذات.
أشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن هذا التأخر هو المصحح لما جاء في القرآن
فقال :(ومن هنا)، أي من جهة أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها (يقول الله) سبحانه : ("حتى نعلم" وهي):
أي قوله : حتى نعلم (كلمة محققة المعنی)، أي معناه الذي هو تأخر العلم وحدوثه أمر محقق واقع. أو معنى حقيقي لا مجازي فإن ذلك التأخر والحدوث هو الذاتي لا الزماني (ما هي)، أي هذه الكلمة لغير هذا المعنى المحقق أو الحقيقي (كما يتوهمه).
أي كمعنى يتوهمه (من ليس له هذا المشرب) من المتكلمين وهو أن هذا التأخر والحدوث إنما هو لنسبة تعلق العلم إلى قال رضي الله عنه : "و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات. و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود."
المعلوم لا نفس العلم ولا فساد في تغير النسب وتجددها بالنسبة إلى ذات الحق و صفاتها .
وإلى هذا أشار رضي الله عنه بقوله : (وغاية) المتكلم (المنزه) للحق سبحانه تعقله عن سمات الحدوث والنقصان (أن يجعل ذلك الحدوث) الزماني المتوهم من ظاهر مفهوم هذه الكلمة (في العلم للتعلق) لا لنفس العلم.
فقال : العلم أزلي وتعلقه بالأشياء حادثة حدوث زمانية (وهو)، أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم (أعلا وجه يكون للمتكلم) .
المنصرف (بعقله في هذه المسألة لولا أنه)، أي المتكلم (أثبت العلم زائدا) في الوجود الخارجي (على الذات) لا عينها (فجعل التعلق له)، أي العلم (لا للذات).
إذ لو لم يكن العلم عین الذات لا معنى لتعلق الذات بالمعلومات لا لأنه يلزم أن تكون الذات محل الحوادث، لأن تجدد النسب لا نستلزمه كما عرفت .
فقوله : وهو على وجه جواب لولا قدم عليه ، ويحتمل أن يكون جوابه مقدرة هكذا لولا أنه أثبت العلم زائدة على الذات.
فجعل التعلق له لا للذات لكان كلامه قريبا من التحقق (وبهذا)، أي بإثبات العلم زائد على الذات وجعل التعلق حادثا بالحدوث الزماني.
(انفصل) المتكلم (عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود) الذي انكشف له الحقائق كما هي عليه وجدها بحسب ذوقه ووجدانه من غير نظر فكري.
فإن هذا المحقق لا يثبت العلم زائدة على الذات إلا في العقل ويجعله بحسب الخارج عن الذات ويقول حدوث التعلق بذلك الحدوث الذاتي لا الزماني مبالغة في التنزيه.
فإنهم لو جعلوا الحدوث زمانية لا فساد فيه أيضا إذ لا يلزم التجدد إلا في النسبة فإن قيل : إذا كان العلم من قوله : "حتى نعلم " ولنعلم مرتبا على حادث زماني كالفعل المفهوم من قوله : "ولنبلونكم" و"ثم بعثناكم " آية 56 سورة البقرة.
كيف يصح الحكم بأن حدوثه ذاتي لا زمانی .
قلنا: من جعل العلم المرتب حادثة ذاتية لا زمانية لا بد له أن يجعل العقل الذي يترتب عليه العلم أيضا كذلك نقول مثلا قوله : "ولنبلونكم" .
معناه : ولنبلونكم أيها النسب الذاتية والشؤون الغيبية المستجنة في غيب الذات بإظهار كم في المرتبة العلمية .
حتى نعلم بسبب العلم بكم في هذه المرتبة ما يجري عليكم بحسب الخارج من المجاهدة والصبر فنعلم المجاهدين منكم والصابرين.
وقوله: "ثم بعثناهم". معناه: بعثناه من مرتبة الاستحسان في غيب الذات إلى مرتبة التميز العلمي ليعلم بذلك التمييز ما يجري عليكم من الأحوال التي من حملها أحصى مدة اللبث.
على أنه لا يلزم إذا حمل بعض الآية على معنى إشاري أن يجري ذلك المعنى في البعض الآخر منها.
إذ كثيرا ما يشير أهل الإشارة في أنه إلى معنى لا يساعد عليه تمام الآية.
فإن قيل : ما ذكرتم من بعض بطون الآية وهؤلاء المحققون لا يردون معنى من المعاني الظاهرة والباطنة فما معناها عندهم إذا حملوها على الظاهر؟
قلنا : يمكن أن يكون حينئذ نسبة العلم الحادث إليه بنا على ظهوره في المظاهر الخلقية كما سبقت إليه الإشارة.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب. وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و من هنا يقول الله تعالى: "حتّى نعْلم" [ محمد: 31] و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ) .
قال الشارح رحمة الله :
(حتى نعلم و هي كلمة محققة المعنى) . كما ورد في الخبر: " إنه ينزل إلى سماء الدنيا ويقول هل من مستغفر". وهذا عين ما قررناه في هذا المقام، وكيف لا؟
ومن أسمائه المؤمن ومن معقوليته المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب.
فنبه تعالى عليه في قوله: "حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ" [ محمد: 31] .
و أيضا ورد في الخبر حديث: "المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب مرآة المؤمن". رواه ابن أبي عاصم، و الطبراني في الأوسط، و الضياء المقدسي عن أنس ذكره في جمع الجوامع .
فالمؤمن الحق مرآة المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه وذاته بحكم المرآة، وكذلك صفاته كالعلم في القديم قديم.
و كذلك المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه و ذاته بحكم المرآة و كذلك صفاته كالعلم، فظهر من هنا حكم حتى نعلم، فافهم.
فإنّ من أعجب العجاب في الوجود أن يكون من أعطاك العلم بنفسه لا يعلم نفسه إلا بك لأنّ الممكنات أعطت العلم بأنفسها الحق، ولا يعلم شيء منها نفسه إلا بالحق، فإنه يعلم بك كما تعلم به فهو حسبك، لأنه الغاية و أنت حسبه، لأنه ما تم بعده إلا أنت و منك عملك وما بقى إلا الحال، وهو عين العدم المحض، فافهم.
( ما هي كما يتوهمه) أنه لو جعلنا حتى نعلم على ما به بصرافته، فيلزم الحدوث في العلم بحصول علمه بعد إن لم يكن، و ذلك ذوق (من ليس له هذا المشرب) و لم يعلم صاحب هذا المشرب أنّ العلم و لو كان إحدى الصفة و لكن من حيث هو هو .
فإنه نسبة من النسب الاعتباري، فلا معدوم ولا موجود ولا قديم ولا حادث، وأمّا بحكم المتعلق فيحدث له أحكام، حتى يقول فيه أنه في القديم قديم، و في الحادث حادث، كالوجود .
فلهذا قيل: إنّ التعلق حادث و حدوث التعلق ما جاءه إلا من حدوث المتعلق لأنه لو كان المتعلق قديما فتعلق العلم بهقديما فلا يكون صفة القدم للعلم إلا بقدم المتعلق كالعلم بالذاتيات و الأسماء الإلهية و صفة الحدوث لها بحدوث تعلقه وحدوثه بحدوث المتعلق، كما أنّ في القديم قدم التعلق لقدم المتعلق، فافهم .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات . و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود .)
قال الشارح رضي الله عنه :
( وغاية المنزه) الذي ينزه الحق بنظره و فكره، رأى في هذه المسألة أن يجعل ذلك الحدوث في العلم: أي الحدوث المفهوم .
(من اللفظ المتعلق): أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم من قولهم: إنّ العلم قديم و التعلق حادث، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة.
ومع هذا ليس بمرضي لأرباب العقول السليمة سيما أهل الحقائق قدّس سرهم لأنّ الأمر على خلاف ذلك.
قال جلال الملة و الدين الدواني رحمه الله في شرح العقائد العضوية في قوله: و هو عالم بجميع المعلومات، إنّ القول بأنّ العلم قديم و التعلق حادث لا يسمن و لا يغني من جوع إذ العلم ما لم يتعلق بالمعلوم لا يصير عالما و لا ذلك المعلوم معلوما، فهو يقضي إلى نفي كونه عالما بالحوادث في الأزل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، انتهى كلامه .
قالوا: لو تعلق العلم بما من شأنه أن سيكون كائنا أو قد كان فقد علم الشي ء على خلاف ما هو به وعليه، وكذلك لو علم ماهر كائن أنّ قد كان أو سيكون لكان هذا جهلا كله و الله تعالى منزه عن ذلك .
فادخلوا على الله الزمان، من حيث لا يشعرون، و إنما التقدم و التأخر في الأشياء لا في العلم، و علموا أنّ الله يشهد الأشياء و يعلمها على ما هي عليه في أنفسها، و الأزمنة التي لها من جملة معلوماتها مستلزمة لها و أحوالها و أمكنتها، إن كانت لها و محالها ، إن كانت مما يطلب المحال و إخبارها، كل ذلك مشهود و للحق في غير زمان لا يتصف بالقدم و التأخر و لا بالآن، فافهم .
فإنّ هذا من شؤم التفكر و فضول العقل الذي منعوه عنه و ما امتنع، فإنه حريص على ما منع و تحقيق ذلك أنّ الأشياء ليست إلا صورا تعقبت صورا، و العلم بها يسترسل عليها بقوله حتى يعلم مع علمه بها قبل تفصيلها إجمالا، فلو علمها مفصّلا في حال إجمالها، ما علمها مجملة، فالعلم لا يكون علما بل يكون جهلا، حتى يكون تعلقه بما هو المعلوم هو الذي يعطي العلم بذاته .
و المعلوم هنا غير مفصّل إلا أنه تعالى يعلم التفضيل في الإجمال، و مثل هذا لا يدل على أن المجمل مفصّل بل إنما يدل على أنه مجمل يقبل التفصيل، إذا فصل بالفعل .
""قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الرد على السؤال الثالث والثلاثون فما سبب علم القدر الذي طوى عن الرسل فمن دونهم؟:
ولما جعل الظلمة ظرفا للخلق كذلك قال هناك فأتى بما يدل على الظرف فهم قابلون للتقدير وإن كان قوله في ظلمة في موضع الحال من الخالق فيكون المراد به العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء .
الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة للحق تعالى حين قيل له :
أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء
فنزه أن يكون تصريفه للأشياء على الأهواء فإنه لما كنى عن ذلك الوجود بما هو اسم للسحاب محل تصريف الأهواء نفى أن يكون فوق ذلك العماء هواء أو تحته هواء فله الثبوت الدائم لا على هواء ولا في هواء .
فإن السؤال وقع بالاسم الرب ومعناه الثابت يقال رب بالمكان إذا أقام فيه وثبت فطابق الجواب العماء كالوجود: قديم في القديم حادث في المحدث
وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) سورة الحديد
ولم يصف الحق نفسه في مخلوقاته إلا بقوله " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ "
وقال "كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ " . فتخيل من لا فهم له تغير الأحوال عليه وهو يتعالى ويتقدس عن التغيير بل الحالات هي متغيرة ما هو يتغير بها .
فإنه الحاكم ولا حكم عليه فجاء الشارع بصفة الثبوت الذي لا تقبل التغيير فلا تصرف آياته يد الأهواء لأن عماءه لا يقبل الأهواء .
وذلك العماء هو الأمر الذي ذكرنا أنه يكون في القديم قديما وفي المحدث محدثا .
وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت قديم وإذا نسبته إلى الخلق قلت محدث.
فالعماء من حيث هو وصف للحق هو وصف إلهي ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني. فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين
الكلام القديم والذكر المحدث :
قال تعالى في كلامه القديم الأزلي "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .
فهو الذي أيضا أوجب له صفة القدم إذ لو ارتفع الحدوث من المخلوق لم يصح نسبة القدم ولم تعقل فلا تعقل النسب التي لها أضداد إلا بأضدادها فقصة الخلق في الظلمة التهيؤ والقبول في الأعيان لظهور الحق في صور الوجود لهذه الأعيان. ""
"" قال الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
"العماء حيرة ، وأعظمه الحيرة في العلم بالله".
وقال : " العماء هو بخار رحماني ، فيه الرحمة ، بل هو عين الرحمة ، فكان ذلك أول ظرف قبله وجود الحق " .
وقال " العماء هو الأمر الذي يكون في القديم قديما ، وفي المحدث محدثا ، وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت : قديم ، وإذا نسبته إلى الخلق ، قلت : محدث .
فالعماء من حيث هو ، وصف للحق هو وصف إلهي ، ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني ، فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين " .
ويقول : "العماء هو مستوى الاسم الرب كما كان العرش مستوى الرحمن ".
والعماء " هو أول الأينيات ، ومنه ظهرت الظروف المكانيات ، والمراتب فيمن لم يقبل المكان وقبل المكانة ، ومنه ظهرت المحال القابلة للمعاني الجسمانية حسا وخيالا ، وهو موجود شريف ، الحق معناه وهو الحق المخلوق به كل موجود سوى الله ، وهو المعنى الذي ثبتت فيه واستقرت أعيان الممكنات ، ويقبل حقيقة الأين وظرفية المكان ورتبة المكانة واسم المحل ".
والعماء : هو البرزخ والحقيقة الإنسانية الكاملة ، ومرتبة أهل الكمال ، وموقف الأعراف ، ومنزل الإشراف على الأطراف ، ومقام المطلع.
قال الشيخ صدر الدين القونوي :"العماء هي مرتبة التنزل الرباني ليتصف الرب فيها بالصفات العبدانية ، ومرتبة الارتقاء العبداني ليتصف العبد فيها بالصفات الربانية ، فهي البرزخ . أهـ""
"" قال تعالى في كلامه القديم الأزلي: "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث ، فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .أهـ ""
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات :
إنّ هذا الذي ذكرناه هو معنى حتى نعلم فخلاصة، الكلام كما قلنا آنفا أنّ العلم في القديم قديم و في الحادث حادث، كالوجود و هما الله تعالى و ليس موجودا سواه، فافهم .
كما ورد في الخبر :" لا تخف إن الله معنا"
لو لا أنه: أي المتكلم بذلك: أي قدم العلم و حدوث التعلق .
( أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا بالذات): أي لو لا كذلك ما أمكنه ذلك لأنّ الذات من حيث هي هيفي حجاب العزة و حمى الكبرياء، لا تعلق لها و لا نسبة لها مع العالم أصلا، و هي في غناء ذاتي، فأثبت المتكلم بذلكالعلم الزائد و علقه بالمعلومات .
قال رضي الله عنه: من قال بزيادة الصفة على الذات؟ قال: ما قاله اليهود بحسن العبارة، و هو قولهم بأفواههم أنّ الله فقير و نحن أغنياء، و الله هو الغني الحميد، فافهم .
إنّ هذا سر الحقيقة، و هو أن يعلم أنّ العلم ليس بأمر زائد على العالم، و أنه يعلم الأشياء بذاته.
ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و التسعين و مائة من الفتوحات:
وأما سر الحقيقة فهو إن تعلم أن العلم ليس بأمر زائد على ذات العالم وأنه يعلم الأشياء بذاته لابما هو مغاير لذاته أو زائد على ذاته.
فـ سر الحقيقة يعطي أن العين والحكم مختلف
و سر الحال يلبس فيقول القائل بسر الحال " أنا الله" "وسبحاني" "وأنا من أهوى ومن أهوى أنا"
و سر العلم يفرق بين العلم والعالم .
فـ بسر العلم تعلم أن الحق سمعك وبصرك ويدك ورجلك مع نفوذ كل واحد من ذلك وقصوره وأنك لست هو عينه .
و بسر الحال ينفذ سمعك في كل مسموع في الكون إذا كان الحق سمعك حالا وكذلك سائر قواك.
و بسر الحقيقة تعلم أن الكائنات لا تكون إلا لله وإن الحال لا أثر له فإن الحقيقة تأباه.
فإن السبب وإن كان ثابت العين وهو الحال فما هو ثابت الأثر .
فللحقيقة عين تشهد بها ما لا يشهد بعين الحال . وتشهده عين الحال وعين العلم .
وللعلم عين يشهد بها ما لا يشهده بعين الحال وتشهد ما يشهده عين الحال .
فعين الحال أبدا تنقص عن درجة عين العلم وعين الحقيقة .
ولهذا لا تتصف الأحوال بالثبوت فإن العلم يزيلها والحقيقة تأباها .
ولذلك الأحوال لا تتصف بالوجود ولا بالعدم فهي صفات لموجود لا تتصف بالعدم ولا بالوجود
فبالحال يقع التلبيس في العالم . وبالعلم يرتفع التلبيس . وكذلك بالحقيقة
فهذا سر العلم وسر الحال وسر الحقيقة قد علمت الفرقان بينهم في الحكم هذا معنى السر عند الطائفة. فافهم .
( وبهذا انفصل ): أي بإثبات العلم زائد على الذات، أو يجعل الحدوث في العلم للتعلق انفصل صاحب النظر و الفكر بالجهل و التخمين عن المحقق بالتحقيق و اليقين .
قال تعالى: "و خسِر هُنالك المُبْطِلون" [ غافر: 78] حيث فاز المحقّق بالحق .
( من أصل الله صاحب الكشف والوجود) و المتحقق بالعين و الشهود المحقق .
ورد في الخبر الصحيح : " إنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب" رواه ابن سعد عن علي رضي الله عنه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
لا يقال أنّ القائل زيادة الصفة غير الأشعري، و لا تعبأ بهم و بكلامهم لأننا نقول إما قد قيل، و أيضا من قال: إنها لا عينه، يلزم عليه أن يكون غيره و إن لم يصرّح بذلك.
بل بقوله: لا غيره و لا عينه يلزم عليه إما جمع النقيضين، أو رفعهما،
و أمّا الاحتمال الثالث الذي أريد منه لا يشفي عليلا و لا يشفي غليلا .
قال رضي الله عنه في الفتوحات : إنه كلام لا روح له، فافهم .
فلما قسّم رضي الله عنه الأعطيات من حيث الذات ذاتية و أسمائية.
ثم أدخل تقاسيم العطايا من حيث السائلين استطرادا، فأراد الرجوع إلى أصل التقسيم للعطايا من حيث ذواتها و أنفسها .
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال رضي الله عنه : "و من هنا يقول الله تعالى: «حتى نعلم» و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود."
(وهی) أي: حتى نعلم على هذا التقدير (كلمة محققة المعنی) أي: محمولة على حقيقة التجدد في العلم بحسب تعلقه بالأحوال الوجودية مع بقائه على حاله باعتبار تعلقه بأحوال الأعيان من حيث هي (ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب) فيحملها على المحاز بأنه جعل التجدد في المعلوم كالتجدد في العلم، أو أراد حتى يظهر ما علمناه.
(وغاية) المتكلم (المنزه) ذات الحق وصفاته عن الحدوث وعن نقيضه الجهل بالحوادث (أن يجعل ذلك الحدوث) المفهوم من قوله: "حتى نعلم"، (في العلم المتعلق) أي: من حيث تعلقه بالأحوال المتجددة مع بقائه بحاله باعتبار تعلقه بأحوال الأعيان الثابتة من حيث هي.
(وهذا) ، أي: جعل الحدوث في تعلق العلم. (أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة) أي: مسألة علم الله بالحوادث (لولا أنه أثبت العلم زائدا على الذات) يجعله حصول صور الأشياء أمرا ليس من الذات ولا غيرها،(فجعل التعلق) لنفس العلم (لا للذات) مع أنه إنما يصح لو كان العلم مغايرا للذات.
(وبهذا) أي: بجعله العلم زائد على الذات بجعله إياه عبارة عن حصول صور الأشياء، (انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود)، فرأى الوجود غير الذات، ورأى الصفات لا عيئا، ولا غيرا لها، والقول بزيادتها يستلزم القول بمغایرتها؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
( ومن هنا ) - أي من تحقق المساواة - ( يقول الله : "حتى نعلم" وهي كلمة محققة المعنى ) أي مطلق على الحقيقة - ( ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ) من المجازات البعيدة ، على ما ارتكبها الظاهريون من المفسرين، فإن العلمين إذا كانا متساويين في الظهور يكون كل منهما متجددا حسب تجدد الآخر ، فلذلك تجدد " كل يوم هو في شأن" حسب تجدد الأعيان في الأزمان .
ثم إن المنزهة الرسمية لما لم يكن لهم حظ من هذا الذوق ، اشمأزوا عن سماعه ، حاسبين أنه من التنزيه ، وهو بمرمى بعید منه ، فلذلك نبه إلى مآلهم فيه بقوله : (وغاية المنتزه أن جعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق) بالحوادث على ما ذهب إليه المتكلمون من أهل السنة ، من أن الأوصاف والأحكام القديمة إنما يعرض لها لوازم الحدوث من جهة تعلقها بالحوادث (وهو أعلى وجه يكون للمتكلم ، يعقله في هذه المسألة) ، فإنه ليس للعقل بحسب قوته النظرية فيما وراءه مد خل- وفي قوله : «يعقله» إشارة إلى هذه الدقيقة - فهو غير بعيد عن التحقيق ( لولا أنه أثبت العلم زائدا على الذات ، فجعل التعلق له ، لا اللذات ؛ وبهذا انفصل عن المحقق من أهل الله ، صاحب الكشف والوجود ) فإنه يرى العلم عين الذات .
لا يقال : فيلزم انتساب الحوادث إلى الذات بضرب من النسبة تعالى عن ذلك ؟
لأن تنزهها عن القدم المقابل للحدوث كتنزهها عن الحدوث عن سائر المتقابلات - على ما مر غير مرة - فلا تغفل عنه فإنه مفتاح لمقفلات كنوز الرموز الختمية ، فإنه مايعرف ذلك التنزيه غير المتحقق بالتوحيد الذاتي المختص بالوراثة الختمية .
ومما لابد منه هاهنا أن تعلم أن استفاضة الحقائق لها طريقان :
أحدهما نظري عقلي وراء الحجب الكونية والدلائل النظرية ، والحاصل من هذا الطريق إنما هو حصر عقلي على ما لذوي المذاهب الجعلية من الصور الاعتقادية ، وهذا مسلك أهل العقل ، كما يلوح عليه لفظ العقل و العقد .
والثاني كشفي قلبي ، إنما يدل عليه الصور الوجودية الأصلية التي لاجعل فيها أصلا ، والحاصل منه إنما هو انشراح علمي وكشف وجودي ، وهو مسلك أهل الله صاحب الكشف والوجود ؛ تحفظ هذا الاصطلاح فإنه له مواضع نفع في هذا الكتاب .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب.
وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.)
قال رضي الله عنه : "و من هنا يقول الله تعالى: « حَتَّى نَعْلَمَ »آية 31 سورة محمد .
و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب."
واعلم أنه قد وقع في مواضع من القرآن ما يوهم أن علمه سبحانه ببعض الأشياء حادث كقوله سبحانه : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "آية 31 سورة محمد .
وقوله تعالى : " ثم بعثهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" آية 12 سورة الكهف.
وأمثال ذلك والتقصي عن هذه الأشكال، إما بما ذهب إليه المتكلمون من أن علمه سبحانه قدیم وتعلقه حادث .
فمعنى قوله : "حتى نعلم" حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم والصابرين.
وإما بأن المراد بالعلم الشهود فإن الأشياء قبل وجودها العيني معلومة للحق سبحانه وبعده مشهودة له فالشهود خصوص نسبة العلم.
فإنه قد يلحق العلم بواسطة وجود متعلقه نسبة باعتبارها نسميه شهود و حضورا لا أنه حدث هناك علم.
فمعنى حتی نعلم حتى نشاهد، وإما بأن يقال المسند إليه في قوله: نعلم ليس هو الحق باعتبار مرتبة الجمع بل باعتبار مرتبة الفرق .
فكأنه يقول : حتى نعلم من حيث ظهورنا في المظاهر الكونية الخلفية فتكون الخلقية وقاية له عن نسبة الحدوث إليه .
وإما بان يقال : المراد بالتأخر المفهوم من كلمة حتى التأخر الذاتي لا الزماني حتى يلزم الحدوث الزماني وحيث انجر الكلام ههنا إلى أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها بالذات.
أشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن هذا التأخر هو المصحح لما جاء في القرآن
فقال :(ومن هنا)، أي من جهة أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها (يقول الله) سبحانه : ("حتى نعلم" وهي):
أي قوله : حتى نعلم (كلمة محققة المعنی)، أي معناه الذي هو تأخر العلم وحدوثه أمر محقق واقع. أو معنى حقيقي لا مجازي فإن ذلك التأخر والحدوث هو الذاتي لا الزماني (ما هي)، أي هذه الكلمة لغير هذا المعنى المحقق أو الحقيقي (كما يتوهمه).
أي كمعنى يتوهمه (من ليس له هذا المشرب) من المتكلمين وهو أن هذا التأخر والحدوث إنما هو لنسبة تعلق العلم إلى قال رضي الله عنه : "و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات. و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود."
المعلوم لا نفس العلم ولا فساد في تغير النسب وتجددها بالنسبة إلى ذات الحق و صفاتها .
وإلى هذا أشار رضي الله عنه بقوله : (وغاية) المتكلم (المنزه) للحق سبحانه تعقله عن سمات الحدوث والنقصان (أن يجعل ذلك الحدوث) الزماني المتوهم من ظاهر مفهوم هذه الكلمة (في العلم للتعلق) لا لنفس العلم.
فقال : العلم أزلي وتعلقه بالأشياء حادثة حدوث زمانية (وهو)، أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم (أعلا وجه يكون للمتكلم) .
المنصرف (بعقله في هذه المسألة لولا أنه)، أي المتكلم (أثبت العلم زائدا) في الوجود الخارجي (على الذات) لا عينها (فجعل التعلق له)، أي العلم (لا للذات).
إذ لو لم يكن العلم عین الذات لا معنى لتعلق الذات بالمعلومات لا لأنه يلزم أن تكون الذات محل الحوادث، لأن تجدد النسب لا نستلزمه كما عرفت .
فقوله : وهو على وجه جواب لولا قدم عليه ، ويحتمل أن يكون جوابه مقدرة هكذا لولا أنه أثبت العلم زائدة على الذات.
فجعل التعلق له لا للذات لكان كلامه قريبا من التحقق (وبهذا)، أي بإثبات العلم زائد على الذات وجعل التعلق حادثا بالحدوث الزماني.
(انفصل) المتكلم (عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود) الذي انكشف له الحقائق كما هي عليه وجدها بحسب ذوقه ووجدانه من غير نظر فكري.
فإن هذا المحقق لا يثبت العلم زائدة على الذات إلا في العقل ويجعله بحسب الخارج عن الذات ويقول حدوث التعلق بذلك الحدوث الذاتي لا الزماني مبالغة في التنزيه.
فإنهم لو جعلوا الحدوث زمانية لا فساد فيه أيضا إذ لا يلزم التجدد إلا في النسبة فإن قيل : إذا كان العلم من قوله : "حتى نعلم " ولنعلم مرتبا على حادث زماني كالفعل المفهوم من قوله : "ولنبلونكم" و"ثم بعثناكم " آية 56 سورة البقرة.
كيف يصح الحكم بأن حدوثه ذاتي لا زمانی .
قلنا: من جعل العلم المرتب حادثة ذاتية لا زمانية لا بد له أن يجعل العقل الذي يترتب عليه العلم أيضا كذلك نقول مثلا قوله : "ولنبلونكم" .
معناه : ولنبلونكم أيها النسب الذاتية والشؤون الغيبية المستجنة في غيب الذات بإظهار كم في المرتبة العلمية .
حتى نعلم بسبب العلم بكم في هذه المرتبة ما يجري عليكم بحسب الخارج من المجاهدة والصبر فنعلم المجاهدين منكم والصابرين.
وقوله: "ثم بعثناهم". معناه: بعثناه من مرتبة الاستحسان في غيب الذات إلى مرتبة التميز العلمي ليعلم بذلك التمييز ما يجري عليكم من الأحوال التي من حملها أحصى مدة اللبث.
على أنه لا يلزم إذا حمل بعض الآية على معنى إشاري أن يجري ذلك المعنى في البعض الآخر منها.
إذ كثيرا ما يشير أهل الإشارة في أنه إلى معنى لا يساعد عليه تمام الآية.
فإن قيل : ما ذكرتم من بعض بطون الآية وهؤلاء المحققون لا يردون معنى من المعاني الظاهرة والباطنة فما معناها عندهم إذا حملوها على الظاهر؟
قلنا : يمكن أن يكون حينئذ نسبة العلم الحادث إليه بنا على ظهوره في المظاهر الخلقية كما سبقت إليه الإشارة.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب. وغاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و من هنا يقول الله تعالى: "حتّى نعْلم" [ محمد: 31] و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ) .
قال الشارح رحمة الله :
(حتى نعلم و هي كلمة محققة المعنى) . كما ورد في الخبر: " إنه ينزل إلى سماء الدنيا ويقول هل من مستغفر". وهذا عين ما قررناه في هذا المقام، وكيف لا؟
ومن أسمائه المؤمن ومن معقوليته المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب.
فنبه تعالى عليه في قوله: "حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ" [ محمد: 31] .
و أيضا ورد في الخبر حديث: "المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب مرآة المؤمن". رواه ابن أبي عاصم، و الطبراني في الأوسط، و الضياء المقدسي عن أنس ذكره في جمع الجوامع .
فالمؤمن الحق مرآة المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه وذاته بحكم المرآة، وكذلك صفاته كالعلم في القديم قديم.
و كذلك المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه و ذاته بحكم المرآة و كذلك صفاته كالعلم، فظهر من هنا حكم حتى نعلم، فافهم.
فإنّ من أعجب العجاب في الوجود أن يكون من أعطاك العلم بنفسه لا يعلم نفسه إلا بك لأنّ الممكنات أعطت العلم بأنفسها الحق، ولا يعلم شيء منها نفسه إلا بالحق، فإنه يعلم بك كما تعلم به فهو حسبك، لأنه الغاية و أنت حسبه، لأنه ما تم بعده إلا أنت و منك عملك وما بقى إلا الحال، وهو عين العدم المحض، فافهم.
( ما هي كما يتوهمه) أنه لو جعلنا حتى نعلم على ما به بصرافته، فيلزم الحدوث في العلم بحصول علمه بعد إن لم يكن، و ذلك ذوق (من ليس له هذا المشرب) و لم يعلم صاحب هذا المشرب أنّ العلم و لو كان إحدى الصفة و لكن من حيث هو هو .
فإنه نسبة من النسب الاعتباري، فلا معدوم ولا موجود ولا قديم ولا حادث، وأمّا بحكم المتعلق فيحدث له أحكام، حتى يقول فيه أنه في القديم قديم، و في الحادث حادث، كالوجود .
فلهذا قيل: إنّ التعلق حادث و حدوث التعلق ما جاءه إلا من حدوث المتعلق لأنه لو كان المتعلق قديما فتعلق العلم بهقديما فلا يكون صفة القدم للعلم إلا بقدم المتعلق كالعلم بالذاتيات و الأسماء الإلهية و صفة الحدوث لها بحدوث تعلقه وحدوثه بحدوث المتعلق، كما أنّ في القديم قدم التعلق لقدم المتعلق، فافهم .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات . و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود .)
قال الشارح رضي الله عنه :
( وغاية المنزه) الذي ينزه الحق بنظره و فكره، رأى في هذه المسألة أن يجعل ذلك الحدوث في العلم: أي الحدوث المفهوم .
(من اللفظ المتعلق): أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم من قولهم: إنّ العلم قديم و التعلق حادث، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة.
ومع هذا ليس بمرضي لأرباب العقول السليمة سيما أهل الحقائق قدّس سرهم لأنّ الأمر على خلاف ذلك.
قال جلال الملة و الدين الدواني رحمه الله في شرح العقائد العضوية في قوله: و هو عالم بجميع المعلومات، إنّ القول بأنّ العلم قديم و التعلق حادث لا يسمن و لا يغني من جوع إذ العلم ما لم يتعلق بالمعلوم لا يصير عالما و لا ذلك المعلوم معلوما، فهو يقضي إلى نفي كونه عالما بالحوادث في الأزل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، انتهى كلامه .
قالوا: لو تعلق العلم بما من شأنه أن سيكون كائنا أو قد كان فقد علم الشي ء على خلاف ما هو به وعليه، وكذلك لو علم ماهر كائن أنّ قد كان أو سيكون لكان هذا جهلا كله و الله تعالى منزه عن ذلك .
فادخلوا على الله الزمان، من حيث لا يشعرون، و إنما التقدم و التأخر في الأشياء لا في العلم، و علموا أنّ الله يشهد الأشياء و يعلمها على ما هي عليه في أنفسها، و الأزمنة التي لها من جملة معلوماتها مستلزمة لها و أحوالها و أمكنتها، إن كانت لها و محالها ، إن كانت مما يطلب المحال و إخبارها، كل ذلك مشهود و للحق في غير زمان لا يتصف بالقدم و التأخر و لا بالآن، فافهم .
فإنّ هذا من شؤم التفكر و فضول العقل الذي منعوه عنه و ما امتنع، فإنه حريص على ما منع و تحقيق ذلك أنّ الأشياء ليست إلا صورا تعقبت صورا، و العلم بها يسترسل عليها بقوله حتى يعلم مع علمه بها قبل تفصيلها إجمالا، فلو علمها مفصّلا في حال إجمالها، ما علمها مجملة، فالعلم لا يكون علما بل يكون جهلا، حتى يكون تعلقه بما هو المعلوم هو الذي يعطي العلم بذاته .
و المعلوم هنا غير مفصّل إلا أنه تعالى يعلم التفضيل في الإجمال، و مثل هذا لا يدل على أن المجمل مفصّل بل إنما يدل على أنه مجمل يقبل التفصيل، إذا فصل بالفعل .
""قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الرد على السؤال الثالث والثلاثون فما سبب علم القدر الذي طوى عن الرسل فمن دونهم؟:
ولما جعل الظلمة ظرفا للخلق كذلك قال هناك فأتى بما يدل على الظرف فهم قابلون للتقدير وإن كان قوله في ظلمة في موضع الحال من الخالق فيكون المراد به العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء .
الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة للحق تعالى حين قيل له :
أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء
فنزه أن يكون تصريفه للأشياء على الأهواء فإنه لما كنى عن ذلك الوجود بما هو اسم للسحاب محل تصريف الأهواء نفى أن يكون فوق ذلك العماء هواء أو تحته هواء فله الثبوت الدائم لا على هواء ولا في هواء .
فإن السؤال وقع بالاسم الرب ومعناه الثابت يقال رب بالمكان إذا أقام فيه وثبت فطابق الجواب العماء كالوجود: قديم في القديم حادث في المحدث
وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) سورة الحديد
ولم يصف الحق نفسه في مخلوقاته إلا بقوله " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ "
وقال "كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ " . فتخيل من لا فهم له تغير الأحوال عليه وهو يتعالى ويتقدس عن التغيير بل الحالات هي متغيرة ما هو يتغير بها .
فإنه الحاكم ولا حكم عليه فجاء الشارع بصفة الثبوت الذي لا تقبل التغيير فلا تصرف آياته يد الأهواء لأن عماءه لا يقبل الأهواء .
وذلك العماء هو الأمر الذي ذكرنا أنه يكون في القديم قديما وفي المحدث محدثا .
وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت قديم وإذا نسبته إلى الخلق قلت محدث.
فالعماء من حيث هو وصف للحق هو وصف إلهي ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني. فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين
الكلام القديم والذكر المحدث :
قال تعالى في كلامه القديم الأزلي "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .
فهو الذي أيضا أوجب له صفة القدم إذ لو ارتفع الحدوث من المخلوق لم يصح نسبة القدم ولم تعقل فلا تعقل النسب التي لها أضداد إلا بأضدادها فقصة الخلق في الظلمة التهيؤ والقبول في الأعيان لظهور الحق في صور الوجود لهذه الأعيان. ""
"" قال الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
"العماء حيرة ، وأعظمه الحيرة في العلم بالله".
وقال : " العماء هو بخار رحماني ، فيه الرحمة ، بل هو عين الرحمة ، فكان ذلك أول ظرف قبله وجود الحق " .
وقال " العماء هو الأمر الذي يكون في القديم قديما ، وفي المحدث محدثا ، وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت : قديم ، وإذا نسبته إلى الخلق ، قلت : محدث .
فالعماء من حيث هو ، وصف للحق هو وصف إلهي ، ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني ، فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين " .
ويقول : "العماء هو مستوى الاسم الرب كما كان العرش مستوى الرحمن ".
والعماء " هو أول الأينيات ، ومنه ظهرت الظروف المكانيات ، والمراتب فيمن لم يقبل المكان وقبل المكانة ، ومنه ظهرت المحال القابلة للمعاني الجسمانية حسا وخيالا ، وهو موجود شريف ، الحق معناه وهو الحق المخلوق به كل موجود سوى الله ، وهو المعنى الذي ثبتت فيه واستقرت أعيان الممكنات ، ويقبل حقيقة الأين وظرفية المكان ورتبة المكانة واسم المحل ".
والعماء : هو البرزخ والحقيقة الإنسانية الكاملة ، ومرتبة أهل الكمال ، وموقف الأعراف ، ومنزل الإشراف على الأطراف ، ومقام المطلع.
قال الشيخ صدر الدين القونوي :"العماء هي مرتبة التنزل الرباني ليتصف الرب فيها بالصفات العبدانية ، ومرتبة الارتقاء العبداني ليتصف العبد فيها بالصفات الربانية ، فهي البرزخ . أهـ""
"" قال تعالى في كلامه القديم الأزلي: "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث ، فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .أهـ ""
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات :
إنّ هذا الذي ذكرناه هو معنى حتى نعلم فخلاصة، الكلام كما قلنا آنفا أنّ العلم في القديم قديم و في الحادث حادث، كالوجود و هما الله تعالى و ليس موجودا سواه، فافهم .
كما ورد في الخبر :" لا تخف إن الله معنا"
لو لا أنه: أي المتكلم بذلك: أي قدم العلم و حدوث التعلق .
( أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا بالذات): أي لو لا كذلك ما أمكنه ذلك لأنّ الذات من حيث هي هيفي حجاب العزة و حمى الكبرياء، لا تعلق لها و لا نسبة لها مع العالم أصلا، و هي في غناء ذاتي، فأثبت المتكلم بذلكالعلم الزائد و علقه بالمعلومات .
قال رضي الله عنه: من قال بزيادة الصفة على الذات؟ قال: ما قاله اليهود بحسن العبارة، و هو قولهم بأفواههم أنّ الله فقير و نحن أغنياء، و الله هو الغني الحميد، فافهم .
إنّ هذا سر الحقيقة، و هو أن يعلم أنّ العلم ليس بأمر زائد على العالم، و أنه يعلم الأشياء بذاته.
ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و التسعين و مائة من الفتوحات:
وأما سر الحقيقة فهو إن تعلم أن العلم ليس بأمر زائد على ذات العالم وأنه يعلم الأشياء بذاته لابما هو مغاير لذاته أو زائد على ذاته.
فـ سر الحقيقة يعطي أن العين والحكم مختلف
و سر الحال يلبس فيقول القائل بسر الحال " أنا الله" "وسبحاني" "وأنا من أهوى ومن أهوى أنا"
و سر العلم يفرق بين العلم والعالم .
فـ بسر العلم تعلم أن الحق سمعك وبصرك ويدك ورجلك مع نفوذ كل واحد من ذلك وقصوره وأنك لست هو عينه .
و بسر الحال ينفذ سمعك في كل مسموع في الكون إذا كان الحق سمعك حالا وكذلك سائر قواك.
و بسر الحقيقة تعلم أن الكائنات لا تكون إلا لله وإن الحال لا أثر له فإن الحقيقة تأباه.
فإن السبب وإن كان ثابت العين وهو الحال فما هو ثابت الأثر .
فللحقيقة عين تشهد بها ما لا يشهد بعين الحال . وتشهده عين الحال وعين العلم .
وللعلم عين يشهد بها ما لا يشهده بعين الحال وتشهد ما يشهده عين الحال .
فعين الحال أبدا تنقص عن درجة عين العلم وعين الحقيقة .
ولهذا لا تتصف الأحوال بالثبوت فإن العلم يزيلها والحقيقة تأباها .
ولذلك الأحوال لا تتصف بالوجود ولا بالعدم فهي صفات لموجود لا تتصف بالعدم ولا بالوجود
فبالحال يقع التلبيس في العالم . وبالعلم يرتفع التلبيس . وكذلك بالحقيقة
فهذا سر العلم وسر الحال وسر الحقيقة قد علمت الفرقان بينهم في الحكم هذا معنى السر عند الطائفة. فافهم .
( وبهذا انفصل ): أي بإثبات العلم زائد على الذات، أو يجعل الحدوث في العلم للتعلق انفصل صاحب النظر و الفكر بالجهل و التخمين عن المحقق بالتحقيق و اليقين .
قال تعالى: "و خسِر هُنالك المُبْطِلون" [ غافر: 78] حيث فاز المحقّق بالحق .
( من أصل الله صاحب الكشف والوجود) و المتحقق بالعين و الشهود المحقق .
ورد في الخبر الصحيح : " إنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب" رواه ابن سعد عن علي رضي الله عنه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
لا يقال أنّ القائل زيادة الصفة غير الأشعري، و لا تعبأ بهم و بكلامهم لأننا نقول إما قد قيل، و أيضا من قال: إنها لا عينه، يلزم عليه أن يكون غيره و إن لم يصرّح بذلك.
بل بقوله: لا غيره و لا عينه يلزم عليه إما جمع النقيضين، أو رفعهما،
و أمّا الاحتمال الثالث الذي أريد منه لا يشفي عليلا و لا يشفي غليلا .
قال رضي الله عنه في الفتوحات : إنه كلام لا روح له، فافهم .
فلما قسّم رضي الله عنه الأعطيات من حيث الذات ذاتية و أسمائية.
ثم أدخل تقاسيم العطايا من حيث السائلين استطرادا، فأراد الرجوع إلى أصل التقسيم للعطايا من حيث ذواتها و أنفسها .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:43 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الحادية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الحادية عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له و غير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه."
(ثم نرجع) من الكلام على أصناف السائلين وعلى مسألة العلم الإلهي (إلى) الكلام على (الأعطيات) الإلهية للعبد وبيانها .
(فنقول) بمعونة الله تعالى (إن الأعطيات) كما تقدم (إما ذاتية وإما أسمائية)، فهي منسوبة إلى ما صدرت عنه من الذات أو الأسماء.
قال رضي الله عنه : (فأما المنح) جمع منحة (والهبات) جمع هبة (والعطايا) جمع عطية (الذاتية)، أي المنسوبة إلى ذات الله تعالى (فلا تكون أبدا) من ذات الله تعالى للعبد (إلا عن تجلي)، أي ظهور (إلهي) خاص.
وذلك التجلي الإلهي الخاص هو الاسم من أسماء الله تعالى، فالفرق بين العطايا الذاتية والأسمائية من جهة العبد في التلقي والعطايا الذاتية تفيد معرفة بذات الحق تعالى والأسمائية تفيد معرفة بأسمائه تعالى والتجلي من الذات الإلهية على العبد.
(لا يكون) ذلك التجلي (أبدأ إلا بصورة استعداد)، أي تهييء (العبد المتجلى له)، فعلى حسب قوة استعداده لقبول فهم أنوار التجلي الغيبية يكون انكشاف المتجلي الحق عنده ولهذا تختلف التجليات لاختلاف الاستعدادات (غير ذلك) المذكور (لا يكون) أبدا.
قال رضي الله عنه : (فإذن)، أي حينئذ (المتجلى له) وهو العبد (ما رأى) من الحق تعالى الذي تجلى له (سوى صورته) وهي استعداده لقبول إدراك مقدار ما أدرك من المتجلي علیه الذي هو الحق تعالى (في مرآة الحق) تعالى التي تعطي كل من تجلت عليه صورته فتظهر له بصورته ويرى منها صورته فقط في حال تجليها عليه.
(وما رأى) ذلك العبد المتجلى له (الحق) تعالی أبدا من حيث ما هو في ذاته سبحانه وتعالى، وإنما تجلی عليه فما قدر أن يرى إلا قدر استعداده فرأى قدر استعداده هو صورة هذا الرائی، فرأى صورته فقط لا الحق تعالى.
ولا يمكن هذا الرائي لصورته في مرآة الحق تعالى (أن يراه)، أي يرى الحق تعالى المتجلي عليه بصورته أبدا (مع علمه)، أي علم ذلك الرائي (أنه ما رأي صورته)، الظاهرة له (إلا فيه)، أي في الحق تعالى المتجلي عليه بها
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال رضي الله عنه : (ثم نرجع إلى) تفصيل (الأعطيات) التي ذكرت أولا إجمالا (لنقول إن الأعطيات إما ذاتية أو اسمائية فاما المنح والهبات والعطايا الذائية) الظاهرة في الوجود الخارجي (فلا تكون أبدا إلا عن نجلي إلهي) أي عن التجلي الذي يحصل من حضرة الاسم الجامع من حيث الاسم الظاهر .
فالمراد به تجلي الفيض المقدس لا الأقدس يدل عليه قوله : (والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له) فإن التجلي بصورة استعداد المتجلي له لا يكون إلا في الفيض المقدس.
فإذا كان المتجلي له قابة لتجلي الذات من حضرة الاسم الجامع تجلي الذات من حضرة الجامعة.
فذلك هو المسمى بالتجلي الإلهي الحاصل عنه العطايا الذاتية .
وهو قوله : فلا يكون أبدا إلا عن تجلي إلهي وإذا كان قابلا لتجلي الذات من حضرة من حضرات الأسماء .
تجلي عن تلك الحضرة فذلك هو المسمى بـ التجلي الصفاتي والأسمائي التي يحصل منه العطايا الأسمائية.
قال رضي الله عنه : (غير ذلك لا يكون) تأكيد (فإذن المنجلي له ما رأی سوی صورته في مرآة الحق) أي فعلی تقدیر كون التجلي بصورة استعداد المتجلي له ما رأى المتجلي له في أي تجلي كان إلا صورة نفسه في وجه مرآتية الحق له في رؤية صورة نفسه فإضافة المرآة إلى الحق بيانية لذلك قال: (وما رأى الحق) ولم يقل وما رأی مرآة الحق (ولا يمكن أن يراه) لاختفائه واستتاره بصورة استعداد الرائي فاحتجب نظر الرائي عن الحق بصورة نفسه.
(مع علمه أنه ما رأی صورته إلا فيه) لعلمه أن صورته لا يقوم بذاته بل يقوم بذات الحق فكان عالما بالحق برؤية صورته فيه فلا يحجب صورته عن علمه بالحق كما يحجب عن رؤية الحق.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قوله رضي الله عنه : "ثم نرجع إلى الأعطيات" فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
قوله رضي الله عنه : "فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له وغير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلى له ما رأي سوى صورته في مرآة الحق تعالى، وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه."
قلت: الأعطيات والعطايا والهبات والمنح كلها بمعنى واحد هنا، فالشيخ ذكر أن هذه الهبات إما ذاتية وإما أسمائية، فشرع في ذكر الهبات الذاتية فنسبها إلى ذات العبد في الحقيقة لا إلى ذاته تعالى
وذلك في قوله: "والتجلي من الذات المقدسة لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد العبد المتجلى له"، فرد الأمر إلى العبد و استعداد العبد هو من جملة ذاته.
فكأنه قال: إن تجلی الحق تعالی يكون مطلقا غیر مقید ولا يرى العبد منه إلا ما قيده له استعداده.
فإذن ما يمكن للعبد أن يرى إطلاق الحق تعالى من جهة أن العبد لا يكون إلا مقيدا ولا يرى المقيد إلا ما هو مقيد باستعداده فما رأى الحق تعالی أحد ولا يمكن أن يراه في حضرة إطلاقه.
أما كون نور التجلي يصير العبد كالمرآة، فيرى فيه ذاته، فهو أمر قد صح عند أهل الله
ولذلك قالوا: "انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بنفوسهم".
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال رضي الله عنه : " ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول : إنّ الأعطيات إمّا ذاتية أو أسمائية . وأمّا المنح والهبات والعطايا الذاتيّة فلا تكون أبدا إلَّا عن تجلّ إلهي .
والتجلَّي من الذات لا يكون أبدا إلَّا بصورة استعداد المتجلَّي له ،وغير ذلك لا يكون".
قال العبد أيّده الله به : إنّ العطايا والمنح والهبات سواء كانت معاني وحقائق وعلوما ومشاهدات وتجلَّيات إلهيّة كانت أو ربانية أو روحية أو عقلية أو نفسية أو طبيعية أو عنصرية أو مثالية على اختلاف طبقاتها ودرجاتها فإنّها إمّا ذاتية أو أسمائية ، ونعني بالذاتية بحت الوجود ومحض الوجود والجود ، وبالأسمائية ما تكون مخصوصة بصورة حضرة من الحضرات الإلهية .
ثم الأسمائية لا تكون إلَّا بحجاب وهو حجابيّة التعيّن الاسمي بما به يمتاز عن الآخر ويغايره لا غير .
وأمّا الذاتية فإنّها لا تكون إلَّا عن تجلّ إلهي .
ولا تكون أبدا عن الذات الأحدية ، لما عرفت أن لا حكم ولا رسم ولا تجلَّي ولا غير ذلك في الأحدية الذاتية ، فيكون تعيّن التجلَّي الذاتي من حضرة الألوهية ، فيضاف التجلَّي لهذا السرّ إلى ذات الألوهة ، لا إلى مطلق الذات ، فافهم هذا الفرق ، حتى لا يشتبه عليك الحقائق .
ثم إنّ هذه العطايا والمنح الحاصلة بالتجلَّي لا تتعيّن أبدا إلَّا بصورة استعداد المتجلَّي له لأنّ الاستعدادات والقابليّات في الأعيان هي المستدعية للتجلَّيات الذاتية والأسمائية ، والمتجلَّي ، له صورة علمية أزلية على هيئة معنوية مخصوصة بتخصّص التجلَّي الوجودي وبتخصّص الفيض الجودي بموجب ما تعيّن وتخصّص في النور العلمي الأزلي الشهودي بحسب خصوص المتجلَّى له ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول : إنّ الأعطيات إمّا ذاتية أو أسمائية . وأمّا المنح والهبات والعطايا الذاتيّة فلا تكون أبدا إلَّا عن تجلّ إلهي .
والتجلَّي من الذات لا يكون أبدا إلَّا بصورة استعداد المتجلَّي له ،وغير ذلك لا يكون".
قال العبد أيّده الله به : إنّ العطايا والمنح والهبات سواء كانت معاني وحقائق وعلوما ومشاهدات وتجلَّيات إلهيّة كانت أو ربانية أو روحية أو عقلية أو نفسية أو طبيعية أو عنصرية أو مثالية على اختلاف طبقاتها ودرجاتها فإنّها إمّا ذاتية أو أسمائية ، ونعني بالذاتية بحت الوجود ومحض الوجود والجود ، وبالأسمائية ما تكون مخصوصة بصورة حضرة من الحضرات الإلهية .
ثم الأسمائية لا تكون إلَّا بحجاب وهو حجابيّة التعيّن الاسمي بما به يمتاز عن الآخر ويغايره لا غير .
وأمّا الذاتية فإنّها لا تكون إلَّا عن تجلّ إلهي .
ولا تكون أبدا عن الذات الأحدية ، لما عرفت أن لا حكم ولا رسم ولا تجلَّي ولا غير ذلك في الأحدية الذاتية ، فيكون تعيّن التجلَّي الذاتي من حضرة الألوهية ، فيضاف التجلَّي لهذا السرّ إلى ذات الألوهة ، لا إلى مطلق الذات ، فافهم هذا الفرق ، حتى لا يشتبه عليك الحقائق .
ثم إنّ هذه العطايا والمنح الحاصلة بالتجلَّي لا تتعيّن أبدا إلَّا بصورة استعداد المتجلَّي له لأنّ الاستعدادات والقابليّات في الأعيان هي المستدعية للتجلَّيات الذاتية والأسمائية ، والمتجلَّي ، له صورة علمية أزلية على هيئة معنوية مخصوصة بتخصّص التجلَّي الوجودي وبتخصّص الفيض الجودي بموجب ما تعيّن وتخصّص في النور العلمي الأزلي الشهودي بحسب خصوص المتجلَّى له ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " فإذن المتجلَّى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق ، وما رأى الحقّ ، ولا يمكن أن يراه مع علمه أنّه ما رأى صورته إلَّا فيه)
فلن ترى الحق الذي هو عين الكلّ المطلق عن قيد التعيّن في الكلّ وبالكلّ ، وعن الجمع بين القيد والإطلاق ، فكيف أنت تعلم أنّك متعيّن بصورتك الأزلية الأصلية العلمية في عين صورتك العينية الفصليّة الوصلية الأبدية في مرآتية الوجود الحق والحقّ المطلق ، فكما أنّ الرائي صورته أو صورة غيره في المرآة لا يرى سوى صورة الناظر .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال رضي الله عنه : ( ثم نرجع إلى الأعطيات ) لما قسم العطايا بحسب السؤال انجر الكلام إلى بحث الاستعداد والأعيان .
فبحث عن ذلك بقدر ما احتاج إليه هاهنا ، ثم رجع إلى المقصود من بيان القسمين الأولين واستأنف القسمة لطول الكلام بقوله:
( فنقول : إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية ، فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية ، فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهى ) أي ذاتى مطلق لا من الذات وحدها بلا صفة .
فإنها لا تتجلى وحدها لشيء بل الذات باعتبار الرحمانية لأن الله اسم الذات المطلقة .
وتجلى الذات من حيث هي هي لا يكون إلا لذاته ، أما للعبد فلا يكون إلا بصورة استعداد من تجلى له لا غير .
كما قال رضي الله عنه : ( والتجلي من الذات لا يكون إلا بصورة استعداد المتجلى له غير ذلك لا يكون ، فإذا المتجلى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى سوى صورته إلا فيه ) ومثله بالمرآة في قوله
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال رضي الله عنه : (ﺛﻢ ﻧﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻋﻄﻴﺎﺕ، ﻓﻨﻘﻮﻝ، ﺇﻥ ﺍﻷﻋﻄﻴﺎﺕ ﺇﻣﺎ ﺫﺍﺗﻴﺔ، ﺃﻭ ﺃﺳﻤﺎﺋﻴﺔ) ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻤﻨﺢ ﻭﺍﻟﻬﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺑﺪﺍ ﺇﻻ ﻋﻦ ﺗﺠﻠﻰ ﺇﻟﻬﻲ، ﻭﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺑﺪﺍ ﺇﻻ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ. ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺳﻮﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺮﺃﺓ ﺍﻟﺤﻖ).
(ﺍﻷﻋﻄﻴﺎﺕ) ﺟﻤﻊ (ﺃﻋﻄﻴﺔ) ﻭﻫﻲ ﺟﻤﻊ (ﻋﻄﺎﺀ)، ﻓﻬﻲ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﺠﻤﻊ. ﻭ (ﺍﻟﻤﻨﺢ) ﺟﻤﻊ (ﻣﻨﺤﺔ) ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ. ﻭﻟﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻔﺺ: (ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺃﺳﻤﺎﺋﻴﺔ) ﻭﺷﺒﻪ ﺍﻧﻘﺴﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻘﺴﻤﻴﻦ ﺑﺎﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﻘﺴﻤﻴﻦ ﻭﻓﺮﻉ ﻋﻦ ﺗﻘﺮﻳﺮﻩ، ﺷﺮﻉ ﺑﺬﻛﺮ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ،
ﻓﻘﺎﻝ: (ﺇﻣﺎ... ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﻜﻮﻥ... ﺇﻻ ﻋﻦ ﺗﺠﻠﻰ ﺇﻟﻬﻲ) ﺃﻱ، ﻋﻦ ﺣﻀﺮﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﻢ ﺇﻻ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺑﺎﻗﻴﺎ ﻻ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﺑﻞ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺎ ﺑﻪ ﺗﻌﻴﻨﻪ، ﻓﻼ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﻭﺷﻬﻮﺩﻩ، ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺼﻘﻴﻠﺔ، ﻓﺈﻧﻚ ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﺻﻮﺭﺗﻚ ﻓﻴﻬﺎ، ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﺃﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺻﻮﺭﺗﻚ ﻣﺎ ﻇﻬﺮﺕ ﺇﻻ ﻓﻴﻬﺎ.
ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻓﻘﻂ، ﻭﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺁﺧﺮ ﺍﺳﻢ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻙ (ﺍﻟﻐﻨﻰ) ﻭ (ﺍﻟﻘﺪﻭﺱ) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻤﺎ.
ﻭﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ، ﻷﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﺎ ﻣﺘﻌﻴﻨﺔ ﻟﻴﻈﻬﺮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺑﻬﺎ، ﻭﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ، ﻓﺘﻈﻬﺮ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺑﺤﺴﺐ ﺇﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻭﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﻈﻬﻮﺭ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ، ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ، ﺇﺫ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻲ ﻭﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻲ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﻴﺪ ﺑﺎﺳﻢ ﺟﺰﺋﻲ ﻭﺻﻔﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ.
ﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻋﻦ ﺭﻕ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﻤﺸﺨﺼﺔ ﻭ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺇﻻ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻪ ﺗﻤﻴﺰﺕ ﺫﺍﺗﻪ ﻋﻦ ﺭﺑﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺊ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﻨﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺋﻪ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﻴﺪ ﻻ ﻳﻘﺪﺡ ﻓﻲ ﺇﻃﻼﻗﻪ، ﺇﺫ ﺑﻪ ﻫﻮ ﻫﻮ.
ﻓﺈﺫﺍ ﺧﻠﺺ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﺣﺼﻠﺖ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺜﻴﺔ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺭﺑﻪ، ﺣﺼﻞ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﻭﻻ ﻳﺮﻯ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺳﻮﻯ ﺻﻮﺭﺓ ﻋﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺤﻖ.
ﻭﻣﺎ ﺍﺷﺘﻬﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻹﺛﻨﻴﻨﻴﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺑﺼﻔﺔ (ﺍﻟﻘﻬﺮ) ﻭ (ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ) ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺔ ﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ ﻭ ﺍﻧﻘﻬﺎﺭﻫﺎ،
ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺟﺎﺀ: (ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ) ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻟﻤﻦ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ).
ﺃﻭ ﻧﻘﻮﻝ، ﺇﻥ ﻛﻼﻣﻪ ضي الله عنه ﻣﺤﻤﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ. ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ بـ (ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ) ﻫﻨﺎ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﺨﻠﺼﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻃﻬﺎﺭﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﺪﻭﺭﺍﺗﻬﺎ، ﻻ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ، ﻭﺇﻻ ﻳﺸﺘﺒﻪ ﺍﻷﻣﺮ.
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻗﺪ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻋﻦ ﺭﻕ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺎ ﻻ ﺭﺣﻤﺎﻧﻴﺎ، ﻭﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺪﻋﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻛﺎﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺇﻻ ﻓﻴﻪ، ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ: ﻻ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻚ ﺃﻧﻚ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺃﻭ ﺻﻮﺭﺗﻚ) ﻭﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻛﻤﻞ، ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﺼﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﻏﻴﺮ، ﻓﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻞ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺓ ﻋﻴﻨﻪ، ﻓﻼ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ، ﻷﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﺎ ﻣﺘﻌﻴﻨﺔ ﻟﻴﻈﻬﺮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺑﻬﺎ، ﻭﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ.
ﻓﺘﻈﻬﺮ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺑﺤﺴﺐ ﺇﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻭﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﻈﻬﻮﺭ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ، ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ، ﺇﺫ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻲ ﻭﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻲ ﻭﺟﻮﺩﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﻴﺪ ﺑﺎﺳﻢ ﺟﺰﺋﻲ ﻭﺻﻔﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﻣﺨﻠﺼﺎ ﻋﻦ ﺭﻕ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﻤﺸﺨﺼﺔ ﻭ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺇﻻ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻪ ﺗﻤﻴﺰﺕ ﺫﺍﺗﻪ ﻋﻦ ﺭﺑﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﺸﺊ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﻨﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺋﻪ.
ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﻴﺪ ﻻ ﻳﻘﺪﺡ ﻓﻲ ﺇﻃﻼﻗﻪ، ﺇﺫ ﺑﻪ ﻫﻮ ﻫﻮ. ﻓﺈﺫﺍ ﺧﻠﺺ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﺣﺼﻠﺖ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺜﻴﺔ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺭﺑﻪ، ﺣﺼﻞ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﻭﻻ ﻳﺮﻯ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺳﻮﻯ ﺻﻮﺭﺓ ﻋﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺤﻖ. ﻭﻣﺎ ﺍﺷﺘﻬﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻹﺛﻨﻴﻨﻴﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺑﺼﻔﺔ (ﺍﻟﻘﻬﺮ) ﻭ (ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ) ﺍﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺔ ﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ ﻭ ﺍﻧﻘﻬﺎﺭﻫﺎ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺟﺎﺀ: (ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ) ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻟﻤﻦ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍﻟﻘﻬﺎﺭ". ﺃﻭ ﻧﻘﻮﻝ، ﺇﻥ ﻛﻼﻣﻪ رضي الله عنه ﻣﺤﻤﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ.
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺏ (ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ) ﻫﻨﺎ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻌﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﺨﻠﺼﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻃﻬﺎﺭﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﺪﻭﺭﺍﺗﻬﺎ، ﻻ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ، ﻭﺇﻻ ﻳﺸﺘﺒﻪ ﺍﻷﻣﺮ.
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻗﺪ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻋﻦ ﺭﻕ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺎ ﻻ ﺭﺣﻤﺎﻧﻴﺎ، ﻭﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺪﻋﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻛﺎﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ.
(ﻭﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺇﻻ ﻓﻴﻪ،)
ﻭﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻛﻤﻞ، ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﺼﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﻏﻴﺮ، ﻓﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻞ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺓ ﻋﻴﻨﻪ، ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻟﺘﻘﻴﺪﻩ ﻭﺇﻃﻼﻕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﻟﻪ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال رضي الله عنه : "ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له و غير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:"
(ثم) أي: بعد الفراغ مما عرض من بحث المشبه به أي: كون العطايا عن سؤال أو عن غير سؤال؛ (نرجع إلى) بحث ما كنا بصدده، وهو المشبه أعني: تقسيم (الأعطيات) أي: الذاتية والأسمائية (فنقول: الأعطيات إما ذاتية، أو أسمائية).
ثم أشار إلى أن الذاتيات أيضا من الأسماء؛ فقال: (وأما المنح) أراد بها إعطاء المنافع وحدها، (والهبات) أراد بها إعطاء الأعيان مع المنافع، بحيث لا يطلب معه شكرا، ولا عبادة، (والعطايا الذاتية) أراد بها أعم من ذلك، وإنما أورد ذلك يشير إلى أنها ليست على نهج واحد، وقد مر ما يشير إلى ذلك من كونها على أيدي العباد، وعلى غير أيديهم، فيستدل بذلك على أنها ليست من الذات وحدها.
ولذلك قال: (فلا تكون إلا عن تجلي إلهي) أي: عن حضرة الأسماء؛ لأن الذات من حيث هي غنية عن العالمين؛ فلذلك لم يفسر العطايا الذاتية بما يكون بلا واسطة أصلا؛ بل بما لا يكون عن واسطة اسم معين، أو مما يغلب فيه نور الذات على الاسم.
ثم استشعر سؤالا بأن من العطايا الجليلة تجلي الذات الإلهية في الدنيا والآخرة، وقد اشتهر القول بذلك عن القوم والغني الذاتي لا ينافي ذلك.
فقال: (والتجلي من الذات) موجب لسير الذات بما يظهر في مرآتها من صورة الرائي، فيصير حجابا عن رؤية المرأة، وذلك لأن التجلي من الذات (لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له)، وهو أن يشرق النور الذاتي على العين الثابتة من المتجلى له، وعلى روحه وقلبه؛ فليستنير بقدر استعداده؛ فيصير صورة مقيدة باستعداد المتجلى له.
ثم تنعكس هذه الصورة إلى مرآة الحق فيحجب عن رؤية المرأة (غير ذلك لا يكون)؛ إذ الرؤية للحق لا تكون بدون تجليه للرائي بإشراقه على عينه الثابتة، أو روحه، أو قلبه وإشراقه على كل شيء بقدر استعداده على ما يقدر.
ولكن ذلك لا يوجب رؤيته ما لم ير في أمر آخر؛ فإن العين لا تبصر نفسها إلا في مرآة.
وأتم ما يكون ذلك في مرآة الذات؛ فتنعكس الصورة من أحد هذه الثلاثة إلى مرآة الحق، (فإذن المتجلى له ما رأي) في تجلی الذات (سوى صورته) التي فاضت عليه من الحق حال الرؤية، انعكست منه إلى مرآة الحق، ولا يمكن أنه يرى بصورة استعداد غيره، وإن انعكست إلى مرآة الحق، ما لم تحصل تلك الصورة في أحد الثلاثة من الرائي.
فهو إذن صورة استعداد الرائي، وإذا رأى صورته (في مرآة الحق، ما رأى الحق الذي هو المرأة من حيث ذاته؛ وذلك لأنه لا يمكن أن يراه) أي: الحق من حيث ذاته (مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه)؛ لأن رؤية الصورة في المرأة المعقولة يمنع من دونه المرآة.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:44 عدل 4 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الحادية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
وإذ قد ابتني هذه التقسيمات كلها على تقسيم الأعطيات أولا ، و انشعب هذه التفاريع من ذلك الأصل ، لابد أن يسترجع إلى تحقيقه حتى يتبين منه جميع الأقسام ، فلذلك قال : (ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول : إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية)
وإذ قد عرفت أن العطايا قد تكون بلا واسطة و قد تكون بواسطة ، و الواسطة إما صفة أو فعل .
فصلها بقوله : ( فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا يكون أبدا إلا عن تجل إلهي).
حتى يمكن أن يظهر الأثر المسمى بالمنح و الهبة والعطاء بصرافة أحدية جمعيته الذاتية .
فإن التجلي في كل اسم إنما يظهر بحسب حكمه الخاص و خصوصيته الامتيازية الفارقة ، بخلاف الاسم « الإله » فإن خصوصيته إنما هو الإطلاق وأحدية الجمع الإحاطي ؛ وعبارة « الألوهي » منها مشعرة بهذا الطرف من الجمعية .
ثم لما بين حكم التجلي الذاتي وما يقتضيه باعتبار المتجلي ، أراد أن يبين أمره باعتبار المتجلى له بقوله : ( والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له ؛ غير ذلك فلا يكون ) ضرورة أنه لو كان له ما يزيد على تلك الصورة لم يكن التجلي بصرافته الذاتية .
( فإذن المتجلى له ما رأي سوى صورته في مرآة الحق ) إذ ما تصور فيها شيء غيره (وما رأى الحق ، ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه) فيلزم أن يكون مرئيا ، ضرورة أن رؤية الصورة تستلزم رؤية ما ترى فيه و هذا من مقتضيات الذات وأحكام هويتها الجامعة للأضداد والأطراف المتعانقة كلها فيها ، أنها يرى ولا يرى ، وعلمت وما علمت ، كما سيشير إليه الشيخ .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال رضي الله عنه : "ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له و غير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:
كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها."
قال رضي الله عنه : (ثم نرجع) فيما انجر الكلام في قسم العطايا باعتبار السؤال وعدمه إليه من بحث الأعيان واستعداداتها وبيان حكمها (إلى) بحث (الأعطيات) المقصود بالبيان ولطول ما وقع في البين استأنف القسمة عليه.
(فنقول إن الأعطيات) بفتح الهمزة وتخفيف الياء جمع أعطية جمع عطاء كأغطية وغطاء أو بضم الهمزة وتشديد الياء جمع أعطية كأمنية (إما ذاتية وإما اسمائية) وقد عرفتهما.
فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية من الواردات والأذواق والمواجيد والعلوم والمعارف (فلا تكون ابدأ) واردة على القائلين الذين هيئوا محلها (إلا عن تجلي إلهي).
أي من تجلي حضرة الاسم الجامع جميع الصفات والأسماء من الذات إلا به .
فإنه لا اسم ولا رسم ولا حكم ولا تجلي ولا غير ذلك في الذات الأحذية فيكون تعين التجلي الذاتي من الحضرة الإلهية .
فلهذا أضيف التجلي إليها لا إلى مطلق الذات ، فإذا وقع التجلي من هذه الحضرة أستتبع تلك العطايا الذاتية (والتجلي من الذات) الإلهية (لا يكون أبدأ إلا بصورة استعداد العبد المنجلي له)، أي بصورة يقتضيها استعداده .
(غير ذلك)، أي غير كون التجلي بصورة استعداد لنعبد المتجلى له (لا يكون) أبدا (فإذن) العبد (المتجلى له ما رأی سوی صورته في مرآة) الوجود (الحق).
وسوى الوجود المتعين في هذه الصورة بحسبها ، لأن الذات الإلهية ليس لها في حد نفسها صورة متعينة تظهر بها وهي مرآة الأعيان فتظهر صورة المتجلى له فيها بقدر استعداده .
كما أن الحق يظهر في مرايا الأعيان بحسب استعداداتها وقابليتها لظهور أحكامه (وما رأى) العبد المجتلى له (الحق) من حيث إطلاقه.
(ولا يمكن أن يراه) من تلك الحيثية (مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه)، فهو سبحانه (كالمرأة في الشاهد) فإنك (إذا رأيت الصور).
أو صورتك (فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت) تلك الصور أو صورتك إلا فيها.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية . فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي . و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له، غير ذلك لا يكون، فإذا المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق . و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه )
قال الشارح رضي الله عنه :
فقال: (ثم نرجع إلى الأعطيات) بفتح الهمزة و تخفيف الياء جمع الأعطية جمع عطاء، فيكون جمع الجمع كأغطية و غطاء، أو بضم الهمزة و تشديد الياء المثناة التحتانية جمع أعطية كأمنية.
( فنقول أنّ الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية، فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون إلا عن تجل إلهي ): أي لا يكون إلا عن تعريف و لا عن نظر و فكر .
فإذا كانت منحصرة في التجلي فقط، و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له لأنّ تجليه تابع مشيئته، و مشيئته تابع عمله، و عمله تابع استعداد المعلوم المتجلي له، و ذلك لأرباب المقامات و المقيدين بها .
فأمّا الوارث المحمدي الذي أتاه الله جوامع الكلم، و علم الأسماء كلها، و علم علم الأولين و الآخرين، فكل الصيد في جوف الفراء فقد خلص من حكم المقامات عليه، فهو يحكم بها بحسّب ما تعطيه الأحوال، فإنه العليم الحكيم، و هذا مقام من لا مقام له و هو قابل التجلي الذاتي لا يتبع الاستعداد أو يتبعه، فافهم .
ذكر رضي الله عنه هذه المسألة في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات:
وقد قال بعضهم شهود الحق فناء ما فيه لذة لا في الدنيا ولا في الآخرة فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلي له من الاستعداد وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون كوجه الدليل في الدليل سواء بل هذا أتم وأسرع في الحكم وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل وإلا لالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ومن لم ير غيره ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد والذي ذاق الأمرين فرق ولا بد.
وبلغني عن الشيخ المسن شهاب الدين السهروردي ابن أخي أبي النجيب أنه يقول بالجمع بين الشهود والكلام فعلمت مقامه وذوقه عند ذلك.
فما أدري هل ارتقى بعد ذلك أم لا وعلمنا أنه في مرتبة التخيل وهو المقام العام الساري في العموم.
وأما الخواص فيعلمونه ويزيدون بأمر ما هو ذوق العامة وهو ما أشار إليه السياري ونحن ومن جرى مجرانا في التحقيق من الرجال.أهـ
أشار إلى هذا الفناء أبو العباس قدّس سره حيث قال:
ما التذّ عاقل بمشاهدة قط لأنها فناء . و أمّا من قال بجمع الكلام و الشهود كأنه أشار إلى الأول الذي نحن بصدد بيانه الآن كما نقل عن الشيخ شهاب الدين السهروردي فإنه قال بجمعهما غير ذلك لا يكون لأنّ الحكمة أعطت الحكيم ذلك .
قال الله تعالى لموسى عليه السلام: "لنْ تراني" [ الأعراف: 143].
أي أبدا لأنّ الرائي ما يرى منه إلا قدر منزلته و رتبته فما رآه بل ما رأى إلا نفسه، و لو لا كذلك ما وقع التفاضل في الرؤية أصلا، و قد وقع التفاضل فيها كالرؤية المحمدية و هي أكمل رؤية يرى فيها الحق و بها، فيرفعه بها منزلا لا يناله إلا المحمديون، و هو منزلة الهوية .
( فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق) و هو مجلي رؤيته نفسه، و ما رأى الحق اشتغل الرامي برؤية نفسه عن رؤية المجلي .
الذي هو المجلي الحق، فلو لم تبد للرأي صورته أو صورة كون ربما كان يراه فما حجبنا عنه إلا نفوسنا فيه فلو زلنا عنه أيضا ما رأيناه لأنه ما كان يبقى ثمة بزوالنا من يراه .
فنحن لم نزل ما نراه بل نرى فيه نفوسنا، و لا يمكن أن يراه لأننا مقيدون بعدة قيود و الله تعالى مطلق لا يتقيد، فلا مناسبة بل لا يرى المطلق إلا المطلق و لكن المطلق قد يتقيد بحسب الاعتقاد، فلا يكون مطلقا فما رأيته مطلقا بل رأيت نفسك .
فإذا رأيت نفسك عرفت من أنت فتعلم عند ذلك هل أنت هو أو لست هو ؟
فإنه هنا يحصل لك العلم الصحيح فإنّ الدليل قد يكون خلاف المدلول و قد يكون عين المدلول، فلا شيء أول على الشيء من نفسه. " من عرف نفسه فقد عرف ربه" ، ثم تبعد الدلالة بقدر المناسبة و أقرب الشيء إلى الشيء نفسه .
قال تعالى: "تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 117] .
لأنها لك ولا أعلم ما فيها مما أخفيت من قرة أعين لأنه غيب عنه صلى الله عليه و سلم وذلك من بعد المناسبة بين العبد وبين ربه مع علمه .
( بأنها رأى صورته إلا فيه) و الذي رأى فيه صورته لا غير و ذلك لأنه رأى الوجود كالمرآة لم يكد يراه و رأى عينه فيه محصورة بحكم .
كما قال الله تعالى: "وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] .
فالحصر عمّ الوجود و محصور يحصر ما، مع أنه يعلم أنه عينه من حيث كونه عدما له إطلاق صرف، و لكن يحكم الاتصاف بالوجود و الظهور فيه، أعطي للعين الحصر و انحصرت فيه لأنّ الحصر من لوازم أحكام الوجود، فيعلم أن التي رآها ليست صورته، فيحكم الأمر أنّ المتناقضان المتضادان في آن واحد .
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
وإذ قد ابتني هذه التقسيمات كلها على تقسيم الأعطيات أولا ، و انشعب هذه التفاريع من ذلك الأصل ، لابد أن يسترجع إلى تحقيقه حتى يتبين منه جميع الأقسام ، فلذلك قال : (ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول : إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية)
وإذ قد عرفت أن العطايا قد تكون بلا واسطة و قد تكون بواسطة ، و الواسطة إما صفة أو فعل .
فصلها بقوله : ( فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا يكون أبدا إلا عن تجل إلهي).
حتى يمكن أن يظهر الأثر المسمى بالمنح و الهبة والعطاء بصرافة أحدية جمعيته الذاتية .
فإن التجلي في كل اسم إنما يظهر بحسب حكمه الخاص و خصوصيته الامتيازية الفارقة ، بخلاف الاسم « الإله » فإن خصوصيته إنما هو الإطلاق وأحدية الجمع الإحاطي ؛ وعبارة « الألوهي » منها مشعرة بهذا الطرف من الجمعية .
ثم لما بين حكم التجلي الذاتي وما يقتضيه باعتبار المتجلي ، أراد أن يبين أمره باعتبار المتجلى له بقوله : ( والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له ؛ غير ذلك فلا يكون ) ضرورة أنه لو كان له ما يزيد على تلك الصورة لم يكن التجلي بصرافته الذاتية .
( فإذن المتجلى له ما رأي سوى صورته في مرآة الحق ) إذ ما تصور فيها شيء غيره (وما رأى الحق ، ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه) فيلزم أن يكون مرئيا ، ضرورة أن رؤية الصورة تستلزم رؤية ما ترى فيه و هذا من مقتضيات الذات وأحكام هويتها الجامعة للأضداد والأطراف المتعانقة كلها فيها ، أنها يرى ولا يرى ، وعلمت وما علمت ، كما سيشير إليه الشيخ .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال رضي الله عنه : "ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له و غير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:
كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها."
قال رضي الله عنه : (ثم نرجع) فيما انجر الكلام في قسم العطايا باعتبار السؤال وعدمه إليه من بحث الأعيان واستعداداتها وبيان حكمها (إلى) بحث (الأعطيات) المقصود بالبيان ولطول ما وقع في البين استأنف القسمة عليه.
(فنقول إن الأعطيات) بفتح الهمزة وتخفيف الياء جمع أعطية جمع عطاء كأغطية وغطاء أو بضم الهمزة وتشديد الياء جمع أعطية كأمنية (إما ذاتية وإما اسمائية) وقد عرفتهما.
فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية من الواردات والأذواق والمواجيد والعلوم والمعارف (فلا تكون ابدأ) واردة على القائلين الذين هيئوا محلها (إلا عن تجلي إلهي).
أي من تجلي حضرة الاسم الجامع جميع الصفات والأسماء من الذات إلا به .
فإنه لا اسم ولا رسم ولا حكم ولا تجلي ولا غير ذلك في الذات الأحذية فيكون تعين التجلي الذاتي من الحضرة الإلهية .
فلهذا أضيف التجلي إليها لا إلى مطلق الذات ، فإذا وقع التجلي من هذه الحضرة أستتبع تلك العطايا الذاتية (والتجلي من الذات) الإلهية (لا يكون أبدأ إلا بصورة استعداد العبد المنجلي له)، أي بصورة يقتضيها استعداده .
(غير ذلك)، أي غير كون التجلي بصورة استعداد لنعبد المتجلى له (لا يكون) أبدا (فإذن) العبد (المتجلى له ما رأی سوی صورته في مرآة) الوجود (الحق).
وسوى الوجود المتعين في هذه الصورة بحسبها ، لأن الذات الإلهية ليس لها في حد نفسها صورة متعينة تظهر بها وهي مرآة الأعيان فتظهر صورة المتجلى له فيها بقدر استعداده .
كما أن الحق يظهر في مرايا الأعيان بحسب استعداداتها وقابليتها لظهور أحكامه (وما رأى) العبد المجتلى له (الحق) من حيث إطلاقه.
(ولا يمكن أن يراه) من تلك الحيثية (مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه)، فهو سبحانه (كالمرأة في الشاهد) فإنك (إذا رأيت الصور).
أو صورتك (فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت) تلك الصور أو صورتك إلا فيها.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي. والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.)
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية . فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي . و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له، غير ذلك لا يكون، فإذا المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق . و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه )
قال الشارح رضي الله عنه :
فقال: (ثم نرجع إلى الأعطيات) بفتح الهمزة و تخفيف الياء جمع الأعطية جمع عطاء، فيكون جمع الجمع كأغطية و غطاء، أو بضم الهمزة و تشديد الياء المثناة التحتانية جمع أعطية كأمنية.
( فنقول أنّ الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية، فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون إلا عن تجل إلهي ): أي لا يكون إلا عن تعريف و لا عن نظر و فكر .
فإذا كانت منحصرة في التجلي فقط، و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له لأنّ تجليه تابع مشيئته، و مشيئته تابع عمله، و عمله تابع استعداد المعلوم المتجلي له، و ذلك لأرباب المقامات و المقيدين بها .
فأمّا الوارث المحمدي الذي أتاه الله جوامع الكلم، و علم الأسماء كلها، و علم علم الأولين و الآخرين، فكل الصيد في جوف الفراء فقد خلص من حكم المقامات عليه، فهو يحكم بها بحسّب ما تعطيه الأحوال، فإنه العليم الحكيم، و هذا مقام من لا مقام له و هو قابل التجلي الذاتي لا يتبع الاستعداد أو يتبعه، فافهم .
ذكر رضي الله عنه هذه المسألة في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات:
وقد قال بعضهم شهود الحق فناء ما فيه لذة لا في الدنيا ولا في الآخرة فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلي له من الاستعداد وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون كوجه الدليل في الدليل سواء بل هذا أتم وأسرع في الحكم وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل وإلا لالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ومن لم ير غيره ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد والذي ذاق الأمرين فرق ولا بد.
وبلغني عن الشيخ المسن شهاب الدين السهروردي ابن أخي أبي النجيب أنه يقول بالجمع بين الشهود والكلام فعلمت مقامه وذوقه عند ذلك.
فما أدري هل ارتقى بعد ذلك أم لا وعلمنا أنه في مرتبة التخيل وهو المقام العام الساري في العموم.
وأما الخواص فيعلمونه ويزيدون بأمر ما هو ذوق العامة وهو ما أشار إليه السياري ونحن ومن جرى مجرانا في التحقيق من الرجال.أهـ
أشار إلى هذا الفناء أبو العباس قدّس سره حيث قال:
ما التذّ عاقل بمشاهدة قط لأنها فناء . و أمّا من قال بجمع الكلام و الشهود كأنه أشار إلى الأول الذي نحن بصدد بيانه الآن كما نقل عن الشيخ شهاب الدين السهروردي فإنه قال بجمعهما غير ذلك لا يكون لأنّ الحكمة أعطت الحكيم ذلك .
قال الله تعالى لموسى عليه السلام: "لنْ تراني" [ الأعراف: 143].
أي أبدا لأنّ الرائي ما يرى منه إلا قدر منزلته و رتبته فما رآه بل ما رأى إلا نفسه، و لو لا كذلك ما وقع التفاضل في الرؤية أصلا، و قد وقع التفاضل فيها كالرؤية المحمدية و هي أكمل رؤية يرى فيها الحق و بها، فيرفعه بها منزلا لا يناله إلا المحمديون، و هو منزلة الهوية .
( فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق) و هو مجلي رؤيته نفسه، و ما رأى الحق اشتغل الرامي برؤية نفسه عن رؤية المجلي .
الذي هو المجلي الحق، فلو لم تبد للرأي صورته أو صورة كون ربما كان يراه فما حجبنا عنه إلا نفوسنا فيه فلو زلنا عنه أيضا ما رأيناه لأنه ما كان يبقى ثمة بزوالنا من يراه .
فنحن لم نزل ما نراه بل نرى فيه نفوسنا، و لا يمكن أن يراه لأننا مقيدون بعدة قيود و الله تعالى مطلق لا يتقيد، فلا مناسبة بل لا يرى المطلق إلا المطلق و لكن المطلق قد يتقيد بحسب الاعتقاد، فلا يكون مطلقا فما رأيته مطلقا بل رأيت نفسك .
فإذا رأيت نفسك عرفت من أنت فتعلم عند ذلك هل أنت هو أو لست هو ؟
فإنه هنا يحصل لك العلم الصحيح فإنّ الدليل قد يكون خلاف المدلول و قد يكون عين المدلول، فلا شيء أول على الشيء من نفسه. " من عرف نفسه فقد عرف ربه" ، ثم تبعد الدلالة بقدر المناسبة و أقرب الشيء إلى الشيء نفسه .
قال تعالى: "تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 117] .
لأنها لك ولا أعلم ما فيها مما أخفيت من قرة أعين لأنه غيب عنه صلى الله عليه و سلم وذلك من بعد المناسبة بين العبد وبين ربه مع علمه .
( بأنها رأى صورته إلا فيه) و الذي رأى فيه صورته لا غير و ذلك لأنه رأى الوجود كالمرآة لم يكد يراه و رأى عينه فيه محصورة بحكم .
كما قال الله تعالى: "وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] .
فالحصر عمّ الوجود و محصور يحصر ما، مع أنه يعلم أنه عينه من حيث كونه عدما له إطلاق صرف، و لكن يحكم الاتصاف بالوجود و الظهور فيه، أعطي للعين الحصر و انحصرت فيه لأنّ الحصر من لوازم أحكام الوجود، فيعلم أن التي رآها ليست صورته، فيحكم الأمر أنّ المتناقضان المتضادان في آن واحد .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:47 عدل 2 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثانية عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه. و ما ثم مثال أقرب و لا أشبه بالرؤية و التجلي من هذا.
و أجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة.)
(كالمرآة) من الفولاذ والزجاج (في الشاهد) المحسوس. (إذا رأيت) أيها الإنسان (الصور فيها) سواء كانت صورتك أو صورة غيرك فإنك (لا تراها)، أي لا ترى ذات المرآة لاحتجابها عنك بالصور التي ظهرت لك فيها (مع علمك) من غير شبهة (أنك ما رأيت)، تلك الصور أو صورتك أنت (إلا فيها)، أي في تلك المرآة .
(فأبرز)، أي أظهر (الله) تعالى (ذلك) الذي هو والمرآة والصور التي فيها (مثالا نصبه) سبحانه وتعالى لك (لتجليه)، أي ظهوره (الذاتي)، أي المنسوب إلى الذات العلية (ليعلم المتجلى له) وهو العبد (أنه ما رآه)، أي ما رأى الله تعالى، وإنما رأى صورته التي هي مقدار استعداده لإدراك ذات الحق المتجلية عليه .
رآها في مرآة الذات العلية وما رأى الذات العلية.
(وما ثم)، أي هناك في عالم الخلق (مثال) لهذا التجلي الذاتي (أقرب) للفهم (ولا أشبه بالرؤية) للذات العلية.
قال رضي الله عنه : (و) أشبه بنفس (التجلي)، أي الظهور (من هذا) المثال المذكور (واجهد في نفسك) أيها الإنسان (عندما ترى الصورة)، التي ظهرت لك (في المرأة أن ترى) بعينك (جرم المرآة) الذي هو نفس الفولاذ أو الزجاج فإنك (لا تراه أبدأ البتة).
أي قطعة من غير شك ولا شبهة، وذلك لأن الصورة الظاهرة في المرآة تحجب المرأة عنك برؤيتك لها، فلا تری جرم المرأة إلا إذا محيت تلك الصورة منها .
مع أن جرم المرأة أقرب إليك من الصورة الظاهرة فيها، على قول من يجعل ذلك انطباعا في صقالة وجه المرآة، لا في نفس جرم المرآة .
ومن يجعل شعاع البصر يصك وجه المرآة ثم ينعكس على حقيقة الشيء الذي ظهرت صورته بالمرآة، فالصورة التي في المرآة ليست فيها بل في ذات ذلك الشيء، وإنما انعكس شعاع البصر بسبب صقالة وجه المرآة (حتى أن بعض من أدرك) بنفسه (مثل هذا الأمر المذكور في صور المري) جمع مرآة "المرايا"حيث استتر جرم المرآة عن بصر الرائي بسبب ظهور تلك الصورة في المرآة (ذهب) اجتهاده منه (إلى أن الصورة المرئية) في المرآة ليست منطبعة في صقالة وجه المرآة ولا انعكس شعاع البصر بصقالة وجه المرآة إلى نفس تلك الصورة والمقابلة للمرآة ، بل تلك الصورة منطبعة في الهواء الكائن (بین بصر الرائي وبين) جرم (المرآة هذا) الأمر المذكور.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب ولا أشبَه بالرؤية والتجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها لا تراها) لمنع رؤية الصورة عن رؤية المرآة (من علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها) وذلك ظاهر.
(فابرز الله) أي أظهر الله (ذلك) الموجود المشاهد (مثالا نصبه) أي أقامه حجة (لتجليه الذاتي ليعلم المتجلي له أنه ما رآه) أي الحق كما لم ير المرأة إذ كل ما في الشهادة دليل على ما في الغيب (وما ثمة) أي وليس في عالم الشهادة مثال أقرب ولا أشبه مثالا (بالرؤية والتجلي من هذا) المثال (واجهد في نفسك) بكليتك (عندما نرى) .
أي عند رؤيتك (الصورة في المرأة أن نرى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا) أي أدرك عدم رؤية المرايا (في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية) حاصلة (بين بصر الرائي وبين المرآة) لا في المرآة.
لذلك حاجبة عن رؤية المرآة فقد أصاب هذا البعض في إدراك عدم رؤية المرآة عند رؤية الصورة لكن أخطأ فيما ذهب إليه.لأنه لم يدرك أنه مثال لتجليه الذاتي.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قوله: "مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه كالمرأة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجلية الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه. وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا. وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرأة أن ترى جرم المرأة لا تراه أبدا ألبتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين نظر الرآئی و بین المرآة. "
قلت: يعني به علم العبد المتجلي له، أنه ما رأى صورته إلا في الحق تعالی وشبه ذلك بالمرآة فإن الإنسان إذا شاهد الشكل الذي في المرآة لا يكون مشاهدا الجرم المرآة وكأنه يقول إن ذلك قد جرب وهو أن جرم المرآة وهو الصيقل
منها الذي يرى الشكل لا يراه أحد حين مشاهدته للشكل لكن يعلم أن الشكل ما ظهر لك إلا في المرآة وبها
قوله: واجهد أنك إذا رأيت الشكل في المرآة أن ترى جرم المرآة فهو إرشاد منه، تعالی و تقدس، إلى أدب أهل الله تعالى في الشهود، فإنهم يجتهدون أن يروا المرآة أكثر من اجتهادهم أن يروا الشكل الذي فيها أي يرون الحق تعالی أقرب إلى شهودهم من رؤية نفوسهم التي ظهرت في مرآة تجليه تعالى وأما جرم المرآة فقد قال: "إنك لا تراه أبدا مع جواز إرادته"،
رضي الله عنه أن يقول لك: جرب أنت ما قلناه، هل ترى جرم المرآة في تلك الحالة؟
فإنك تعلم أنك لا تراه أصلا.
قال: ومن جملة ما ألجأ بعض الناس أن يقول: إن الشكل الظاهر في المرآة هو بين البصر وبين الجرم الصيقل من المرآة، ما جربوه من أن جرم المرآة المذكور لا يرى، فتوهموا أن الشكل المذكور هو الذي حجب أبصارنا عن إدراك جرم المرآة لما عجزوا عن رؤيته.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : " كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنّك ما رأيت الصورة أو صورتك إلَّا فيها ، فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجلَّيه الذاتيّ ليعلم المتجلَّى له أنّه ما رآه ، وما ثمّ مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلَّي من هذا .
وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة ، لا تراه أبدا البتّة " .
قال العبد أيّده الله به : اعلم : أنّ أهل التجلَّيات من أصحاب النبوّات وأرباب الولايات إنّما ترد عليهم بحسب استعداداتهم وخصوصية قابلياتهم الوجودية ، وكذلك استعداداتهم في عرصة الوجود العيني إنّما تكون بموجب استعداداتهم الغيبيّة غير المجعولة في حضرة العلم الذاتي .
وقد أسلفنا لك من قبل أنّ صورة معلوميّة كلّ أحد لله تعالى أزلا قبل وجوده العيني هي حقيقته وعينه الثابتة وأنّها من حيث هي كذلك ليست أمورا وجودية مغايرة للعلم مغايرة حقيقية ، ولا زائدة على ذات العالم زيادة توجب الكثرة في وحدته العلمية .
بل هي صورة نسبه ومتعلَّقاته المظهرية وأحواله الغيبيّة وشئونه العينية ، إذ لا معيّة لغيره معه أزلا وأبدا دائما وسرمدا « كان الله ولم يكن معه شيء » وهو الآن على ما هو عليه كان .
والعلم الذاتي أوجب تعيّن المعلومات في حضرة العلم على ما هي عليها ، فهي إذن نسبة ونسب نسبة : كالعلم والعالمية والمعلومية ، والربوبية والمربوبية ، والظاهرية والمظهرية ، والظهور والبطون ، والقيد والإطلاق ، والتعيّن واللا تعين وغير ذلك .
جميع هذه الحقائق نسبه وأحواله النفسيّة ولا توجب كثرة في عين الأحدية ، كما لا توجب النصفيّة والثلثية والربعيّة والخمسية وغيرها من النسب كثرة قادحة في وحدة الواحد .
وإنّما الكثرة في عرصة العلم والتعقّل عندنا لا غير ، فمهما حصل تجلَّي المتجلَّي له في حضرة الوجود العيني ، فإنّما يحصل على صورة استعداد العين الثابتة الأزلية التي لهذا المتجلَّى له أزلا لتعيّن التجلَّي من الشأن الذاتي الذي هو عينه .
وذلك استعداد ذاتي لهذا القابل الأزلي ، غير مجعول ، لأنّ الفرض قبل الإيجاد وقبل الوجود في حضرة الغيب ، فالتجلَّي الغيبي يتعيّن في الذات في غيب قابلية المتجلَّى له أزلا أوّلا بحسب صورة ذلك الاستعداد الغيبيّ غير المجعول .
ثم يظهر في كل وقت وحال للمتجلَّى له في عرصة الوجود العيني على تلك الصورة التي هي صورة الحق في عينه العينّية أو صورة عينه الغيبية في الحق كيف قلت فإنّك في الكلّ مرآته من وجه وباعتبار .
وهو مرآة الكلّ من وجه وباعتبار ، فمهما تجلَّى لك فما رأيت في تجلَّي الحقّ لك إلَّا صورتك الغيبيّة الأزلية إن كان تجلّ ذاتي أو صورة نسبية ذاتية من النسب ، فما رأيت الله من كونه عين الكلّ ظاهرا بصورة الجمع والإطلاق الذاتي أبدا ، وإذا لم تره كذلك ، فما رأيته ، وما دمت أنت أنت ، ولم تكن عين الكلّ.
فلن ترى الحق الذي هو عين الكلّ المطلق عن قيد التعيّن في الكلّ وبالكلّ ، وعن الجمع بين القيد والإطلاق ، فكيف أنت تعلم أنّك متعيّن بصورتك الأزلية الأصلية العلمية في عين صورتك العينية الفصليّة الوصلية الأبدية في مرآتية الوجود الحق والحقّ المطلق ، فكما أنّ الرائي صورته أو صورة غيره في المرآة لا يرى سوى صورة الناظر .
ولا يمكن أن يرى جرم المرآة حال استغراق الشهود والرؤية بالصورة المثالية المرئيّة ، إذ الشهود التعيّني والإبصار الشخصي التشخّصي لا يسع في كل وقت واحد معيّن إلَّا مشهودا واحدا معيّنا كذلك وصورة واحدة شخصية ، مع علمه بأنّ تعيّن الصورة المشهودة وحصول الرؤية وتعلَّق الشهود بما ليس إلَّا في المرآة ، ولهذا تكسب الصورة صفتها ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " حتى أنّ بعض من أدرك مثل هذا في صور المرئيّ ذهب إلى أنّ الصور المرئيّة بين بصر الرائي وبين المرآة:
بيان الأقوال في الإبصار
قال العبد : اختلفت الأقوال في كيفيّة تعلَّق الرؤية بالصورة المرئيّة في المرآة :
فمن قائل : إنّ مثال الصورة منطبع في المرآة ، ويتعلَّق به الشهود والرؤية في المرآة .
ومن قائل : إنّ الجسم الصقيل الصلب يوجب انعكاس النظر إلى ما يحاذي المرآة ، فيدركه البصر خارجا عن المرآة .
وقيل له : لو كان ذلك كذلك ، لما أدرك اليمين شمالا ، ولا الصورة على شكل المرآة ، بل أدركها كما هي خارجة عن المرآة .
وأجيب عن هذا : أنّ انعكاس النظر والقوّة الباصرة عن الجسم الصلب الصقيل يوجب ذلك في مرآة البصر ، لأنّه انعكس بحسب المرآة فأدّى الصورة منصبغة بموجب محلّ انعكاس النظر أوّلا .
وقال بعضهم : الصورة غير منطبعة في المرآة ، ولكنّها بين بصر الرائي وبين المرئيّ.
وذلك مبلغه من العلم .
وقيل : إنّ الصورة مدركة بعد انعكاس النظر عن الجسم الصقيل في عالم المثال .
والحق أنّ الصورة لو لم تكن منطبعة في المرآة ، لما تكيّفت بكيفيّتها من الاستدارة والاستطالة ، ولم تنعكس أيضا على قول القائلين بالانعكاس كذلك أيضا فإنّها إن انعكست إنّما تنعكس بعد الانطباع .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : ( كالمرآة في الشاهد في أنه إذا رأيت الصور أو صورتك فيها لا تراها ) أي جرم المرآة حيث ترى الصورة.
( مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها ) ثم ذكر أن مشاهدة الصور في المرآة مثال نصبه الله تعالى لتجليه الذاتي ليعلم المحقق أنه ما رأى ذاته تعالى بل رأى عينه فيه .
فقال رضي الله عنه : "فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا واجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صورة المرآة ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة".
يعنى أن المرئي في مرآة الحق هو صورة الرائي لا صورة الحق .
وإن تجلى له ذات الحق بصورته لا بصورتها ، وليس الصورة المرئية في ذاته تعالى حجابا بين الرائي وبينه سبحانه .
بل هي الذات الأحدية المتجلية له بصورته لا كما زعم من ذهب في المرآة إلى أن الصورة حجاب بينها وبين الرائي فإنه وهم.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : "ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ: ﻻ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻚ ﺃﻧﻚ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺃﻭ ﺻﻮﺭﺗﻚ" ﻭﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻛﻤﻞ، ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﺼﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﻏﻴﺮ، ﻓﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻞ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺓ ﻋﻴﻨﻪ، ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻟﺘﻘﻴﺪﻩ ﻭﺇﻃﻼﻕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﻟﻪ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺄﺑﺮﺯ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﺜﺎﻻ ﻧﺼﺒﻪ ﻟﺘﺠﻠﻴﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﺭﺁﻩ). ﺫﻟﻚ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﺫﻛﺮﻩ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻫﻮ (ﻣﺜﺎﻻ) ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ: ﺫﻟﻚ ﻣﺜﺎﻝ ﺃﺑﺮﺯﻩ ﺍﻟﻠﻪ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ: (ﻧﺼﺒﻪ) ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ: ﻧﺼﺒﻬﺎ. ﺃﻭ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﺮﻡ. ﻭ (ﻣﺎ) ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ. ﺃﻱ، ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺁﻩ. ﻭﻫﻮ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﻳﻌﻠﻢ. ﺃﻭ ﺃﻱ ﺷﺊ ﺭﺁﻩ. ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﺘﻔﻬﺎﻣﻴﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻣﺎ ﺛﻤﺔ ﻣﺜﺎﻝ ﺃﻗﺮﺏ ﻭﻻ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺮﺅﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﻠﻲ) ﺃﻱ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ. (ﻣﻦ ﻫﺬﺍ) ﺃﻱ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ. (ﻭﺃﺟﻬﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻨﺪ ﻣﺎ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ). (ﻣﺎ) ﻣﺼﺪﺭﻳﺔ. ﺃﻱ، ﻋﻨﺪ ﺭﺅﻳﺘﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻴﻬﺎ. (ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﺟﺮﻡ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻻ ﺗﺮﺍﻩ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻟﺒﺘﺔ، ﺣﺘﻰ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﻙ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ) ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ. (ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﺼﺮ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﻭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ).
ﺃﻱ، ﻫﻲ ﺣﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﺼﺮ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻭﻫﻲ ﺣﺎﺟﺒﺔ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : "كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه. وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. "
قال رضي الله عنه : (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة)، أي: صورة شيء (فيها لا تراها) أي: نفس المرأة (مع علمك بأنك ما رأيت الصور، أو صورتك إلا فيها) فالمرآة من حيث هذا العلم متجلية ظاهرة، ومن حيث ستر الصورة لها إياها باطنة.
وإذا كانت رؤية الصورة في المرأة مانعة من رؤية المرأة نفسها، (فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجلية الذاتي) رؤية الذات في الدار الآخرة أو الدنيا .
كما قيل في حق نبينا صلى الله عليه وسلم للتنبيه على أنها لا تكون إلا بانعكاس صورة استعداد المتجلى له في مرآة الحق.
قال رضي الله عنه : (ليعلم المتجلى له أنه ما رآه) حين تجلى له، فهذا هو الحكمة في خلق المرايا في الشاهد؛ لأنه (ما ثمة) أي: في الواقع (مثال أقرب) لحقيقة رؤية الذات، (ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا المثال.
ثم بالغ في شأن كمال هذا المثال لما يتوهم بعض الجهال من رؤية المرأة عند رؤية الصورة فيها، فقال: (واجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرأة أن ترى جرم المرآة) من المحل الذي ترى فيه الصورة (لا تراه البتة) لحجب الصورة عن رؤيته كأنها متوسطة بين الرائي والمرآة (حتى أن بعض من أدرك مثل هذا) المنع من رؤية الجرم (في صور المرايا، ذهب إلى أن الصورة المرئية) في المرأة ثابتة (بين بصر الرائي، وبين المرآة) ليست في جرم المرآة، وإلا لم تحجب عن رؤية ظاهر الجرم هذا البيان.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
مثال المرآة:
وأمر هذا التجلي ورؤية الصورة فيه وخفائه بعينه (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها ، لاتراها) أي المرآة ضرورة أنه من شأنها أن يختفي بنفسها في الصورة المرئية .
ثم إنه يمكن أن يقال هاهنا بحسب الأنظار السخيفة وقواعدها : «إن ذلك لعدم إمكان توجه العقل بآلته الواحدة في حالة واحدة نحو أمرين متغائرین ».
فقال : عدم رؤية المرآة (مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلآ فيها) دفعا لذلك الوهم أولا إذ لو كان المانع ذلك لما أمكن له رؤية الصور فيها أصلا۔
وتحقيقا لوجه المماثلة ثانيا ، فإن المرأة بهذا الوجه صارت مماثلة للحق .
( فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ) في عالم المثال ( ليعلم المتجلى له ما رآه ؛ وما ثم مثال أقرب ) نسبة ( ولا أشبه ) حكما ( بالرؤية والتجلي من هذا ) ؛ فإنها أظهرت صورة الرائي كما هي له مختفيا فيها ، بحيث لايرى منها صورة أصلا ، مع علمه أنه لا يرى الصورة إلآ فيها .
وهكذا سبيل الحقائق بالنسبة إلى الوجود عند أرباب النظر ، فإن بديهة العقول شاهدة بأن سائر الماهيات بديهية كانت أو مكتسبة إنما يتحقق ويعلم في الوجود مع عجزهم عن إدراك الوجود ، حتى ذهب بعضهم إلى أنه من الاعتبارات العقلية التي لا وجود لها في الخارج .
(واجهد نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة ، لا تراه أبدا ألبتة ) إلا عند إعراضك وصرف النظر عن الصورة الظاهرة والتفاتك نحوها وتحديق النظر فيها .
فعلم من هذا أن الظاهر لدى الحش هاهنا هي الصورة، والجرم مختف فيها فهو كالباطن لها، ولا يخفى أن الصورة لوكانت ظاهرة في الجرم أو به لكان الأمر بالعكس.
ومن ثمة وقع التحير لأرباب العقول (حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة) بناء على ما ذهبوا إليه من أن الصور المتجسدة إنما يتكون في عالم المثال، لكن شرط ظهورها للحواس الظاهرة حضور الأجسام الهيولانية ذوي السطوح الصقيلة عندها والتفاتها لها.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : "أبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه.
و ما ثم مثال أقرب و لا أشبه بالرؤية و التجلي من هذا.
و أجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة. "
قال رضي الله عنه : (فأبرز الله ذلك)، أي ظهور الصورة في المرآة (مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له انه ما رآه)، أي الذي رآه أو أي شيء راه على أن تكون "ما" موصولة أو استفهامية .
والذي رأى صورته في الحق والحق في صورته .
(وما ثم مثال أقرب) من الممثل به (ولا أشبه بالرؤية والتجلي) الذاتي (من هذا) المثال، وهو ظهور صورتك في المرأة ورؤيتك إياها فيها (واجهد في نفسك عندما ترى) ما مصدرية.
أي عند رؤيتك (الصورة في المرآة) واستغراق الشهود والرؤية بالصورة المثالية المرئية (أن تری جرم المرأة لا تراه أبدأ البتة) إلا عند صرفك النظر إلى الصورة و إعراضك عنها والتفاتك حق المرأة وتحديق النظر فيها إذ الشهود الواحد والإبصار المتعين لا يسع في وقت واحد إلا مشهودة واحدة معينة.
وإنما قال : جرم المرأة لأن بعض أحكام المرأة كالصقالة والكدورة والاستواء والانحناء قد يرى ولكن في الصورة.
فالصورة مرآة الأحكام للمرآة كما أن المرأة مرآة لذات الصورة.
(حتى أن بعض من أدرك مثل هذا) الذي ذكرنا (في صورة المری)، أي في الصورة المرئية فيها من أن الرائي هو الصورة لا المرآة.
(ذهب إلى أن الصورة) المرئية حائلة (بين بصر الرائي و بين المرآة) حاجبة عن رؤيته إياها.
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه. و ما ثم مثال أقرب و لا أشبه بالرؤية و التجلي من هذا.
و أجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة.)
(كالمرآة) من الفولاذ والزجاج (في الشاهد) المحسوس. (إذا رأيت) أيها الإنسان (الصور فيها) سواء كانت صورتك أو صورة غيرك فإنك (لا تراها)، أي لا ترى ذات المرآة لاحتجابها عنك بالصور التي ظهرت لك فيها (مع علمك) من غير شبهة (أنك ما رأيت)، تلك الصور أو صورتك أنت (إلا فيها)، أي في تلك المرآة .
(فأبرز)، أي أظهر (الله) تعالى (ذلك) الذي هو والمرآة والصور التي فيها (مثالا نصبه) سبحانه وتعالى لك (لتجليه)، أي ظهوره (الذاتي)، أي المنسوب إلى الذات العلية (ليعلم المتجلى له) وهو العبد (أنه ما رآه)، أي ما رأى الله تعالى، وإنما رأى صورته التي هي مقدار استعداده لإدراك ذات الحق المتجلية عليه .
رآها في مرآة الذات العلية وما رأى الذات العلية.
(وما ثم)، أي هناك في عالم الخلق (مثال) لهذا التجلي الذاتي (أقرب) للفهم (ولا أشبه بالرؤية) للذات العلية.
قال رضي الله عنه : (و) أشبه بنفس (التجلي)، أي الظهور (من هذا) المثال المذكور (واجهد في نفسك) أيها الإنسان (عندما ترى الصورة)، التي ظهرت لك (في المرأة أن ترى) بعينك (جرم المرآة) الذي هو نفس الفولاذ أو الزجاج فإنك (لا تراه أبدأ البتة).
أي قطعة من غير شك ولا شبهة، وذلك لأن الصورة الظاهرة في المرآة تحجب المرأة عنك برؤيتك لها، فلا تری جرم المرأة إلا إذا محيت تلك الصورة منها .
مع أن جرم المرأة أقرب إليك من الصورة الظاهرة فيها، على قول من يجعل ذلك انطباعا في صقالة وجه المرآة، لا في نفس جرم المرآة .
ومن يجعل شعاع البصر يصك وجه المرآة ثم ينعكس على حقيقة الشيء الذي ظهرت صورته بالمرآة، فالصورة التي في المرآة ليست فيها بل في ذات ذلك الشيء، وإنما انعكس شعاع البصر بسبب صقالة وجه المرآة (حتى أن بعض من أدرك) بنفسه (مثل هذا الأمر المذكور في صور المري) جمع مرآة "المرايا"حيث استتر جرم المرآة عن بصر الرائي بسبب ظهور تلك الصورة في المرآة (ذهب) اجتهاده منه (إلى أن الصورة المرئية) في المرآة ليست منطبعة في صقالة وجه المرآة ولا انعكس شعاع البصر بصقالة وجه المرآة إلى نفس تلك الصورة والمقابلة للمرآة ، بل تلك الصورة منطبعة في الهواء الكائن (بین بصر الرائي وبين) جرم (المرآة هذا) الأمر المذكور.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب ولا أشبَه بالرؤية والتجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها لا تراها) لمنع رؤية الصورة عن رؤية المرآة (من علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها) وذلك ظاهر.
(فابرز الله) أي أظهر الله (ذلك) الموجود المشاهد (مثالا نصبه) أي أقامه حجة (لتجليه الذاتي ليعلم المتجلي له أنه ما رآه) أي الحق كما لم ير المرأة إذ كل ما في الشهادة دليل على ما في الغيب (وما ثمة) أي وليس في عالم الشهادة مثال أقرب ولا أشبه مثالا (بالرؤية والتجلي من هذا) المثال (واجهد في نفسك) بكليتك (عندما نرى) .
أي عند رؤيتك (الصورة في المرأة أن نرى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا) أي أدرك عدم رؤية المرايا (في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية) حاصلة (بين بصر الرائي وبين المرآة) لا في المرآة.
لذلك حاجبة عن رؤية المرآة فقد أصاب هذا البعض في إدراك عدم رؤية المرآة عند رؤية الصورة لكن أخطأ فيما ذهب إليه.لأنه لم يدرك أنه مثال لتجليه الذاتي.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قوله: "مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه كالمرأة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجلية الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه. وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا. وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرأة أن ترى جرم المرأة لا تراه أبدا ألبتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين نظر الرآئی و بین المرآة. "
قلت: يعني به علم العبد المتجلي له، أنه ما رأى صورته إلا في الحق تعالی وشبه ذلك بالمرآة فإن الإنسان إذا شاهد الشكل الذي في المرآة لا يكون مشاهدا الجرم المرآة وكأنه يقول إن ذلك قد جرب وهو أن جرم المرآة وهو الصيقل
منها الذي يرى الشكل لا يراه أحد حين مشاهدته للشكل لكن يعلم أن الشكل ما ظهر لك إلا في المرآة وبها
قوله: واجهد أنك إذا رأيت الشكل في المرآة أن ترى جرم المرآة فهو إرشاد منه، تعالی و تقدس، إلى أدب أهل الله تعالى في الشهود، فإنهم يجتهدون أن يروا المرآة أكثر من اجتهادهم أن يروا الشكل الذي فيها أي يرون الحق تعالی أقرب إلى شهودهم من رؤية نفوسهم التي ظهرت في مرآة تجليه تعالى وأما جرم المرآة فقد قال: "إنك لا تراه أبدا مع جواز إرادته"،
رضي الله عنه أن يقول لك: جرب أنت ما قلناه، هل ترى جرم المرآة في تلك الحالة؟
فإنك تعلم أنك لا تراه أصلا.
قال: ومن جملة ما ألجأ بعض الناس أن يقول: إن الشكل الظاهر في المرآة هو بين البصر وبين الجرم الصيقل من المرآة، ما جربوه من أن جرم المرآة المذكور لا يرى، فتوهموا أن الشكل المذكور هو الذي حجب أبصارنا عن إدراك جرم المرآة لما عجزوا عن رؤيته.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : " كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنّك ما رأيت الصورة أو صورتك إلَّا فيها ، فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجلَّيه الذاتيّ ليعلم المتجلَّى له أنّه ما رآه ، وما ثمّ مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلَّي من هذا .
وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة ، لا تراه أبدا البتّة " .
قال العبد أيّده الله به : اعلم : أنّ أهل التجلَّيات من أصحاب النبوّات وأرباب الولايات إنّما ترد عليهم بحسب استعداداتهم وخصوصية قابلياتهم الوجودية ، وكذلك استعداداتهم في عرصة الوجود العيني إنّما تكون بموجب استعداداتهم الغيبيّة غير المجعولة في حضرة العلم الذاتي .
وقد أسلفنا لك من قبل أنّ صورة معلوميّة كلّ أحد لله تعالى أزلا قبل وجوده العيني هي حقيقته وعينه الثابتة وأنّها من حيث هي كذلك ليست أمورا وجودية مغايرة للعلم مغايرة حقيقية ، ولا زائدة على ذات العالم زيادة توجب الكثرة في وحدته العلمية .
بل هي صورة نسبه ومتعلَّقاته المظهرية وأحواله الغيبيّة وشئونه العينية ، إذ لا معيّة لغيره معه أزلا وأبدا دائما وسرمدا « كان الله ولم يكن معه شيء » وهو الآن على ما هو عليه كان .
والعلم الذاتي أوجب تعيّن المعلومات في حضرة العلم على ما هي عليها ، فهي إذن نسبة ونسب نسبة : كالعلم والعالمية والمعلومية ، والربوبية والمربوبية ، والظاهرية والمظهرية ، والظهور والبطون ، والقيد والإطلاق ، والتعيّن واللا تعين وغير ذلك .
جميع هذه الحقائق نسبه وأحواله النفسيّة ولا توجب كثرة في عين الأحدية ، كما لا توجب النصفيّة والثلثية والربعيّة والخمسية وغيرها من النسب كثرة قادحة في وحدة الواحد .
وإنّما الكثرة في عرصة العلم والتعقّل عندنا لا غير ، فمهما حصل تجلَّي المتجلَّي له في حضرة الوجود العيني ، فإنّما يحصل على صورة استعداد العين الثابتة الأزلية التي لهذا المتجلَّى له أزلا لتعيّن التجلَّي من الشأن الذاتي الذي هو عينه .
وذلك استعداد ذاتي لهذا القابل الأزلي ، غير مجعول ، لأنّ الفرض قبل الإيجاد وقبل الوجود في حضرة الغيب ، فالتجلَّي الغيبي يتعيّن في الذات في غيب قابلية المتجلَّى له أزلا أوّلا بحسب صورة ذلك الاستعداد الغيبيّ غير المجعول .
ثم يظهر في كل وقت وحال للمتجلَّى له في عرصة الوجود العيني على تلك الصورة التي هي صورة الحق في عينه العينّية أو صورة عينه الغيبية في الحق كيف قلت فإنّك في الكلّ مرآته من وجه وباعتبار .
وهو مرآة الكلّ من وجه وباعتبار ، فمهما تجلَّى لك فما رأيت في تجلَّي الحقّ لك إلَّا صورتك الغيبيّة الأزلية إن كان تجلّ ذاتي أو صورة نسبية ذاتية من النسب ، فما رأيت الله من كونه عين الكلّ ظاهرا بصورة الجمع والإطلاق الذاتي أبدا ، وإذا لم تره كذلك ، فما رأيته ، وما دمت أنت أنت ، ولم تكن عين الكلّ.
فلن ترى الحق الذي هو عين الكلّ المطلق عن قيد التعيّن في الكلّ وبالكلّ ، وعن الجمع بين القيد والإطلاق ، فكيف أنت تعلم أنّك متعيّن بصورتك الأزلية الأصلية العلمية في عين صورتك العينية الفصليّة الوصلية الأبدية في مرآتية الوجود الحق والحقّ المطلق ، فكما أنّ الرائي صورته أو صورة غيره في المرآة لا يرى سوى صورة الناظر .
ولا يمكن أن يرى جرم المرآة حال استغراق الشهود والرؤية بالصورة المثالية المرئيّة ، إذ الشهود التعيّني والإبصار الشخصي التشخّصي لا يسع في كل وقت واحد معيّن إلَّا مشهودا واحدا معيّنا كذلك وصورة واحدة شخصية ، مع علمه بأنّ تعيّن الصورة المشهودة وحصول الرؤية وتعلَّق الشهود بما ليس إلَّا في المرآة ، ولهذا تكسب الصورة صفتها ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " حتى أنّ بعض من أدرك مثل هذا في صور المرئيّ ذهب إلى أنّ الصور المرئيّة بين بصر الرائي وبين المرآة:
بيان الأقوال في الإبصار
قال العبد : اختلفت الأقوال في كيفيّة تعلَّق الرؤية بالصورة المرئيّة في المرآة :
فمن قائل : إنّ مثال الصورة منطبع في المرآة ، ويتعلَّق به الشهود والرؤية في المرآة .
ومن قائل : إنّ الجسم الصقيل الصلب يوجب انعكاس النظر إلى ما يحاذي المرآة ، فيدركه البصر خارجا عن المرآة .
وقيل له : لو كان ذلك كذلك ، لما أدرك اليمين شمالا ، ولا الصورة على شكل المرآة ، بل أدركها كما هي خارجة عن المرآة .
وأجيب عن هذا : أنّ انعكاس النظر والقوّة الباصرة عن الجسم الصلب الصقيل يوجب ذلك في مرآة البصر ، لأنّه انعكس بحسب المرآة فأدّى الصورة منصبغة بموجب محلّ انعكاس النظر أوّلا .
وقال بعضهم : الصورة غير منطبعة في المرآة ، ولكنّها بين بصر الرائي وبين المرئيّ.
وذلك مبلغه من العلم .
وقيل : إنّ الصورة مدركة بعد انعكاس النظر عن الجسم الصقيل في عالم المثال .
والحق أنّ الصورة لو لم تكن منطبعة في المرآة ، لما تكيّفت بكيفيّتها من الاستدارة والاستطالة ، ولم تنعكس أيضا على قول القائلين بالانعكاس كذلك أيضا فإنّها إن انعكست إنّما تنعكس بعد الانطباع .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : ( كالمرآة في الشاهد في أنه إذا رأيت الصور أو صورتك فيها لا تراها ) أي جرم المرآة حيث ترى الصورة.
( مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها ) ثم ذكر أن مشاهدة الصور في المرآة مثال نصبه الله تعالى لتجليه الذاتي ليعلم المحقق أنه ما رأى ذاته تعالى بل رأى عينه فيه .
فقال رضي الله عنه : "فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا واجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صورة المرآة ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة".
يعنى أن المرئي في مرآة الحق هو صورة الرائي لا صورة الحق .
وإن تجلى له ذات الحق بصورته لا بصورتها ، وليس الصورة المرئية في ذاته تعالى حجابا بين الرائي وبينه سبحانه .
بل هي الذات الأحدية المتجلية له بصورته لا كما زعم من ذهب في المرآة إلى أن الصورة حجاب بينها وبين الرائي فإنه وهم.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : "ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ: ﻻ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻚ ﺃﻧﻚ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺃﻭ ﺻﻮﺭﺗﻚ" ﻭﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﻛﻤﻞ، ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﺼﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﻏﻴﺮ، ﻓﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻞ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺓ ﻋﻴﻨﻪ، ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻟﺘﻘﻴﺪﻩ ﻭﺇﻃﻼﻕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﻌﺎﻟﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﻟﻪ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺄﺑﺮﺯ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﺜﺎﻻ ﻧﺼﺒﻪ ﻟﺘﺠﻠﻴﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ، ﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﺭﺁﻩ). ﺫﻟﻚ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﺫﻛﺮﻩ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻫﻮ (ﻣﺜﺎﻻ) ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ: ﺫﻟﻚ ﻣﺜﺎﻝ ﺃﺑﺮﺯﻩ ﺍﻟﻠﻪ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ: (ﻧﺼﺒﻪ) ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ: ﻧﺼﺒﻬﺎ. ﺃﻭ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﺮﻡ. ﻭ (ﻣﺎ) ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ. ﺃﻱ، ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺁﻩ. ﻭﻫﻮ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﻳﻌﻠﻢ. ﺃﻭ ﺃﻱ ﺷﺊ ﺭﺁﻩ. ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﺘﻔﻬﺎﻣﻴﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻣﺎ ﺛﻤﺔ ﻣﺜﺎﻝ ﺃﻗﺮﺏ ﻭﻻ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺮﺅﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺠﻠﻲ) ﺃﻱ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ. (ﻣﻦ ﻫﺬﺍ) ﺃﻱ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ. (ﻭﺃﺟﻬﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ ﻋﻨﺪ ﻣﺎ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ). (ﻣﺎ) ﻣﺼﺪﺭﻳﺔ. ﺃﻱ، ﻋﻨﺪ ﺭﺅﻳﺘﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻴﻬﺎ. (ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﺟﺮﻡ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻻ ﺗﺮﺍﻩ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻟﺒﺘﺔ، ﺣﺘﻰ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﻙ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ) ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ. (ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﺼﺮ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﻭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ).
ﺃﻱ، ﻫﻲ ﺣﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﺼﺮ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻭﻫﻲ ﺣﺎﺟﺒﺔ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : "كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه. وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. "
قال رضي الله عنه : (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة)، أي: صورة شيء (فيها لا تراها) أي: نفس المرأة (مع علمك بأنك ما رأيت الصور، أو صورتك إلا فيها) فالمرآة من حيث هذا العلم متجلية ظاهرة، ومن حيث ستر الصورة لها إياها باطنة.
وإذا كانت رؤية الصورة في المرأة مانعة من رؤية المرأة نفسها، (فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجلية الذاتي) رؤية الذات في الدار الآخرة أو الدنيا .
كما قيل في حق نبينا صلى الله عليه وسلم للتنبيه على أنها لا تكون إلا بانعكاس صورة استعداد المتجلى له في مرآة الحق.
قال رضي الله عنه : (ليعلم المتجلى له أنه ما رآه) حين تجلى له، فهذا هو الحكمة في خلق المرايا في الشاهد؛ لأنه (ما ثمة) أي: في الواقع (مثال أقرب) لحقيقة رؤية الذات، (ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا المثال.
ثم بالغ في شأن كمال هذا المثال لما يتوهم بعض الجهال من رؤية المرأة عند رؤية الصورة فيها، فقال: (واجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرأة أن ترى جرم المرآة) من المحل الذي ترى فيه الصورة (لا تراه البتة) لحجب الصورة عن رؤيته كأنها متوسطة بين الرائي والمرآة (حتى أن بعض من أدرك مثل هذا) المنع من رؤية الجرم (في صور المرايا، ذهب إلى أن الصورة المرئية) في المرأة ثابتة (بين بصر الرائي، وبين المرآة) ليست في جرم المرآة، وإلا لم تحجب عن رؤية ظاهر الجرم هذا البيان.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
مثال المرآة:
وأمر هذا التجلي ورؤية الصورة فيه وخفائه بعينه (كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها ، لاتراها) أي المرآة ضرورة أنه من شأنها أن يختفي بنفسها في الصورة المرئية .
ثم إنه يمكن أن يقال هاهنا بحسب الأنظار السخيفة وقواعدها : «إن ذلك لعدم إمكان توجه العقل بآلته الواحدة في حالة واحدة نحو أمرين متغائرین ».
فقال : عدم رؤية المرآة (مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلآ فيها) دفعا لذلك الوهم أولا إذ لو كان المانع ذلك لما أمكن له رؤية الصور فيها أصلا۔
وتحقيقا لوجه المماثلة ثانيا ، فإن المرأة بهذا الوجه صارت مماثلة للحق .
( فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ) في عالم المثال ( ليعلم المتجلى له ما رآه ؛ وما ثم مثال أقرب ) نسبة ( ولا أشبه ) حكما ( بالرؤية والتجلي من هذا ) ؛ فإنها أظهرت صورة الرائي كما هي له مختفيا فيها ، بحيث لايرى منها صورة أصلا ، مع علمه أنه لا يرى الصورة إلآ فيها .
وهكذا سبيل الحقائق بالنسبة إلى الوجود عند أرباب النظر ، فإن بديهة العقول شاهدة بأن سائر الماهيات بديهية كانت أو مكتسبة إنما يتحقق ويعلم في الوجود مع عجزهم عن إدراك الوجود ، حتى ذهب بعضهم إلى أنه من الاعتبارات العقلية التي لا وجود لها في الخارج .
(واجهد نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة ، لا تراه أبدا ألبتة ) إلا عند إعراضك وصرف النظر عن الصورة الظاهرة والتفاتك نحوها وتحديق النظر فيها .
فعلم من هذا أن الظاهر لدى الحش هاهنا هي الصورة، والجرم مختف فيها فهو كالباطن لها، ولا يخفى أن الصورة لوكانت ظاهرة في الجرم أو به لكان الأمر بالعكس.
ومن ثمة وقع التحير لأرباب العقول (حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة) بناء على ما ذهبوا إليه من أن الصور المتجسدة إنما يتكون في عالم المثال، لكن شرط ظهورها للحواس الظاهرة حضور الأجسام الهيولانية ذوي السطوح الصقيلة عندها والتفاتها لها.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة.)
قال رضي الله عنه : "أبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه.
و ما ثم مثال أقرب و لا أشبه بالرؤية و التجلي من هذا.
و أجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة. "
قال رضي الله عنه : (فأبرز الله ذلك)، أي ظهور الصورة في المرآة (مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له انه ما رآه)، أي الذي رآه أو أي شيء راه على أن تكون "ما" موصولة أو استفهامية .
والذي رأى صورته في الحق والحق في صورته .
(وما ثم مثال أقرب) من الممثل به (ولا أشبه بالرؤية والتجلي) الذاتي (من هذا) المثال، وهو ظهور صورتك في المرأة ورؤيتك إياها فيها (واجهد في نفسك عندما ترى) ما مصدرية.
أي عند رؤيتك (الصورة في المرآة) واستغراق الشهود والرؤية بالصورة المثالية المرئية (أن تری جرم المرأة لا تراه أبدأ البتة) إلا عند صرفك النظر إلى الصورة و إعراضك عنها والتفاتك حق المرأة وتحديق النظر فيها إذ الشهود الواحد والإبصار المتعين لا يسع في وقت واحد إلا مشهودة واحدة معينة.
وإنما قال : جرم المرأة لأن بعض أحكام المرأة كالصقالة والكدورة والاستواء والانحناء قد يرى ولكن في الصورة.
فالصورة مرآة الأحكام للمرآة كما أن المرأة مرآة لذات الصورة.
(حتى أن بعض من أدرك مثل هذا) الذي ذكرنا (في صورة المری)، أي في الصورة المرئية فيها من أن الرائي هو الصورة لا المرآة.
(ذهب إلى أن الصورة) المرئية حائلة (بين بصر الرائي و بين المرآة) حاجبة عن رؤيته إياها.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:44 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا. وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها . فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلي له أنه ما رآه . و ما ثمة مثال أقرب و لا أشبه بالرؤية و التجلي من هذا . و اجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المريا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة . )
قال الشارح رحمة الله :
( كالمرآة في الشاهد) أراد رضي الله عنه لتوضيح الأمر أن يقيس الغائب على الشاهد، و ضرب مثل (إذا رأيت الصور فيها لا تراها ): أي لا ترى نفس المرآة و جرمها و عينها: أي حين نظرك صورته لم تر صورة المرآة، كما قيل لا يصدر من الواحد إلا الواحد .
أما ترى جرم المرآة ما ترى نفسك و صورتك فيها مع علمك أنك مهما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها مثله كمثل الضوء أنه يرى به كل شيء، و هو لا يرى بل ولا يمكننا أن نشير إليه .
فهو تعالى غائب حاضر منظور ناظر، باطن ظاهر، إنّ هذا لشي ء عجاب و لله المثل الأعلى، و هو العزيز الذي لا يرى من حيث هويته الحكيم، حتى يقال: إنه يرى من حيث ذاته .
( فأبرز الله ذلك ): أي حكم المرآة مثالا نصبه لتجلي الذات: أي أنّ الله تعالى قد ضرب الأمثال.
فقال تعالى: "كذلك يضْربُ اللّهُ الْأمثال" [ الرعد: 17] .
فالعالم كله بما فيه ضرب مثلا واحد ليعلم أنه هو يجعله دليلا عليه وأمرنا بالنظر فيه .
فما ضرب الله في العالم المثل صورة المرآة .
( ليعلم المتجلي له ما رآه ): أي الذي أراد أنه لا هو لا غيره، و ما ثم مثال محسوس أقرب من حيث الأخذ و الفهم أنه قريب المآخذ و الفهم و لا أشبه بالرؤية و المتجلي المعقولين من هذا المثل المحسوس فإنك إذا رأيت الصورة الظاهرة في الجسم الصقيل و حققت رؤيتك، فتجد تلك الصورة حالت بينك و بين إدراكك عين الجسم الصقيل الذي هو مجلاها فلا تراه أبدا، و الحق جلي صور الممكنات فلم ير العالم إلا العالم في الحق، فافهم .
( و اجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة) قد ذكرنا بيانه آنفا في المتن السابق .
( حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في الصور المرائي ذهب إلى أن الصورة المرئية) هي التي حالت بين الرائي و المرآة عند المقابلة هذا أعظم ما قدر عليه من العلم في الخبرة .
و الأمر كما قلناه و قررناه و ذهبنا إليه و هو أنّ الإنسان يدرك صورة في المرآة و يعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه، و يعلم قطعا بلا مرآته ما أدركها بوجه لأنه يرى من الدقة و الرقة، إذا كان جرم المرآة صغير، أو يعلم أنّ صورته أكبر من التي رآه بما لا يتقارب .
و إذا كان جرم المرآة كبيرا فيرى صورته في غاية الكبر، و يقطع إنّ صورته أصغر من ذلك و لا يقدر أن ينكر أنه ما رأى صورته، و يعلم أنه ليس في المرآة صورته، و لا هي بينه و بين المرآة، و لا هي انعكاس شعاع البصر إلى الصورة المرئية فيها من خارج سواء كان صورته أو غيرها، إذ لو كانت كذلك لأدرك الصورة على قدرها و ما هي عليه، فليس بصادق و لا كاذب في قوله: إنه رأى صورته .
فما تلك الصورة المرئية؟ و أين محلها؟ و ما شأنها؟
فهي منفية ثابتة، معدومة موجودة، معلومة مجهولة .
أظهر الله سبحانه هذه الحقيقة الجزائية لعبده، ضرب مثال ليعلم أنه عجز و حار في محسوس مرئي مخلوق فهو بالخالق أعجز و أكثر حيرة .
"" أضافة الجامع من دراسة د. سعاد الحكيم الصورة عند الشيخ ابن العربي رضي الله عنه:
1 – الصورة المفردة - المضافة :
تفريق بين الصورة و الهيولي ، أو الجسم والروح في الإنسان الواحد ، ولكنه توغل بها ولم يحصرها بالإنسان بل عممها على مستويات الوجود كافة : العالم ، الحق ، الخلق ، المعاني . فكانت الصورة : وجودا عينيا للشيء في مقابل حقيقته وماهيته ، أو مظهرا له في مقابل الباطن .
يقول الشيخ : " ثم أوجد ( الحق ) في هذا العماء جميع صور العالم الذي قال فيه أنه هالك ، يعني من حيث صورة ( الصورة ) إلا وجهه .
يعني : إلا من حقيقته فإنه غير هالك ، فالهاء في وجهه تعود على الشيء .
ومثال ذلك أن صورة الإنسان إذا هلكت ولم يبق لها في الوجود أثر لم تهلك حقيقته التي يميزها الحد ، وهي عين الحد له .
فنقول : الإنسان حيوان ناطق فإن هذه الحقيقة لا تزال له. وإن لم تكن له صورة في الوجود.
2 - صورة الحق :
يقول الشيخ : أراد الحق أن يرى أعيان أسمائه الحسنى ، فخلق العالم مرآة ، ولكن صورته لم يستطعها أي جزء من هذا العالم بمفرده ، لذلك خلق بيديه آدم ، الإنسان الكامل ، وصحت له الصورة لخلقه باليدين ، ومن ثم صحت له الخلافة لكونه على الصورة .
وبذلك أضحت الصورة مسبوقة بخلق ( اليدين ) بكل ما تحويه هذه الكلمة من أبعاد . متبوعة بالخلافة بكل ما تفترضه في الخليفة من الظهور بالصورتين :
صورة الحق ( المستخلف ) صورة الخلق ( المستخلف عليه ) .
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : " وما حاز المؤمن السعة إلا بكونه على صورة العالم وعلى صورة الحق ، وكل جزء من العالم ما هو على صورة الحق.
وإنما صحت الصورة لآدم لخلقه باليدين ، فاجتمع فيه حقائق العالم بأسره والعالم يطلب الأسماء الإلهية . فقد اجتمع فيه الأسماء الإلهية.
" إنما كانت الخلافة لآدم عليه السلام دون غيره من أجناس العالم ، لكون الله تعالى خلقه على صورته ،فالخليفة لا بد أن يظهر فيما استخلف عليه ، بصورة مستخلفه وإلا فليس بخليفة له فيهم.
3 - صورة العالم :
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : " الإنسان الحيوان : خليفة الإنسان الكامل ، وهو الصورة الظاهرة التي بها جمع حقائق العالم .
والإنسان الكامل هو الذي أضاف إلى جمعية حقائق العالم ، حقائق الحق ، التي بها صحت له الخلافة."
يتضح من النص أن ( صورة العالم ) هي مرادف لمختصر العالم .
" أن ( صورة الحق ) ليست ضرورة في صورة الإنسان الحدية ، ينالها كل من دخل في نوع الإنسان ، بل هي مرتبة وصفة ، لا يأخذها إلا الكامل من هذا النوع ( وعندها يسمى : صاحب الصورة أو صاحب العهد )
مرتبتها : التصرف في المراتب الكونية كلها ، لأنها مرتبة الخلافة .
صفتها كاملة جامعة : كاملة من حيث أن كل إنسان ينالها هو عالم مستقل وكل ما عداه هو جزء من العالم ، جامعة من حيث أن الإنسان المذكور يجمع في حقيقته كافة حقائق الخلق والحق.
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : " وإنما هي ( الصورة ) للنفس الكاملة كنفوس الأنبياء ، ومن كمل من الناس .
يقول :" الإنسان ... بما هو إنسان هو قابل للصورة ، إذا أعطيها لم يمتنع من قبولها الخليفة وهو صاحب الصورة .
يقول :" الإنسان الكامل هو ( صورة الحق ) : تعني هذه العبارة أن الإنسان الكامل ( وحده دون سائر المخلوقات ) يمكن أن نطلق عليه جميع الأسماء الإلهية ، ما عدا الوجوب الذاتي ، فصورة الحق إذن هي مظهره الصفاتي الأسمائي .
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : " ولا خلق ( الله ) الإنسان عبثا بل خلقه ليكون وحده على صورته ، فكل من في العالم جاهل بالكل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الكامل وحده فإن الله علمه الأسماء كلها ، وآتاه جوامع الكلم فكملت صورته فجمع بين صورة الحق وصورة العالم ، فكان برزخا بين الحق والعالم . (الإنسان) مرآة منصوبة يرى الحق صورته في مرآة الإنسان.
يقول : ومعنى رؤية صورة الحق فيه : إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ... فالإنسان متصف ،
يسمى : بالحي العالم المريد السميع البصير المتكلم القادر وجميع الأسماء الإلهية ... تحت إحاطة هذه الأسماء السبعة ".
" لقد استعمل ابن العربي الطائي الحاتمي جملة تمثيلات لتفسير نشوء الكثرة عن الوحدة ( ظلال ، مرايا ، صور ... ) فكل ما سوى الحق هو صورة له ، وتتفاضل الصور نظرا لاستعداد المحل المنظور به ، من حيث أن كل موجود يظهر بصورة الحق التي تقتضيها عينه الثابتة.
إذن ( الصور ) هي مبدأ الكثرة والتفاضل في الوحدة الوجودية .
فالوجود المطلق ( الحق ) يتجلى فيما لا يتناهى عدده من الصور ، التي لا تقوم بذاتها بل تفتقر في وجودها إلى الحق مع الأنفاس .
يقول ابن العربي الطائي الحاتمي : " وكل ما سوى الله قد ظهر على صورة موجوده ، فما أظهر
إلا نفسه ، فالعالم مظهر الحق على الكمال ... ثم أن الله اختصر من هذا العالم مختصرا مجموعا ، يحوي على معانيه كلها من أكمل الوجوه سماه آدم ، وقال أنه خلقه على صورته ".
ويقول : " الشخص وإن كان واحدا فلا تقل له ظل واحد ولا صورة واحدة ... فعلى عدد ما يقابله من الأنوار يظهر للشخص ظلالات ، وعلى عدد المرأي تظهر له صور ، فهو واحد في ذاته متكثر من حيث تجليه في الصور ، أو ظلالاته في الأنوار فهي المتعددة لا هو ، وليست الصور غيره ".
يقول الدكتور عبد المنعم الحفني : الصور في طور التحقيق الكشفي علوية وسفلية : والعلوية حقيقية و اضافية .
والعلوية الحقيقية : هي صور الأسماء الربوبية والحقائق الوجوبية والحقيقة الفعالة ...
والعلوية الإضافية : هي حقائق الأروح العقلية ، المهيمنية والنفسية .
وأما الصور السفلية : فهي صور الحقائق الامكانية ، وهي أيضا منقسمة إلى علوية وسفلية.
فمن الصور العلوية : ما سبق من الصور الروحانية ، ومنها صور عالم المثال المطلق والمقيد .
وأما الصور السفلية : فمنها : صور عالم الأجسام الغير عنصرية كالعرش والكرسي .
ومنها : صور العناصر والعنصريات . ومن العنصريات الصور الهوائية والنارية .
ومنها : الصور السفلية الحقيقية وهي ثلاث :
صور معدنية .
وصور نباتية .
وصور حيوانية .
وكل من هذه العوالم يشتمل على صور شخصية لا تتناهى ولا يحصيها إلا الله سبحانه ، والحقيقة الفعالة الإلهية فاعلة ، بباطنها من الصور الاسمائية ، وبظاهرها الذي هو الطبيعة الكلية التي هي مظهرها ، أصل صور العوالم كلها . ""
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:49 عدل 1 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثالثة عشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال الشيخ رضي الله عنه: (هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، و الأمر كما قلناه و ذهبنا إليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية و إذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع و لا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، و ما بعده إلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها و ليست سوى عينه.)
(أعظم ما)، أي شيء (قدر) هذا البعض القائل بأن الصورة بين البصر والمرآة (عليه من العلم) بذلك (والأمر) في نفسه (كما قلناه) بأن الصورة في المرآة (وذهبنا إليه) لا كما قال غيرنا وذهب إليه.
(وقد بينا هذا) المبحث الذي هو مسألة تجلي ذات الحق تعالى في صورة استعداد العبد كتجلي المرآة على الناظر إليها بصورته غير ذلك لا يكون أبدا.
(في) كتابنا (الفتوحات المكية)، وهو كتاب للشيخ قدس الله سره حافل من أكبر كتبه في نحو أربعة أسفار كبار، بسط فيه الكلام على هذه المسألة وغيرها من المسائل بالتحقيق التام.
(وإذا ذقت)، أي أدركت بذوقك بأن تلبست بذلك حالا لا خيالا (هذا) الأمر الحق في هذه المسألة على حسب ما ذكرناه (ذقت الغاية) في العلم بالتجليات الذاتية التي ليس (فوقها غاية) أبدا من جهة الوضوح والانكشاف (في حق) العبد (المخلوق، فلا تطمع) بعد ذلك أيها العبد المخلوق (ولا تتعب نفسك) بأن تجتهد (في أن ترقی)، أي ترتفع من العلم بالتجليات الذاتية (في أعلى من هذا الدرج) المذكور لك هنا في ضمن هذا المثال المضروب الذي خلقه الله تعالى لهذا الأمر.
(فما هو)، أي الارتقاء في أعلى من هذا الدرج (ثم)، أي هناك في وسع المخلوق (أصلا) في هذا العالم، وأما في عالم الآخرة عند رؤيته تعالى فلا كلام في ذلك.
لأنه غيب وكلامنا الآن في الشهادة، فإن الله تعالی ظاهر وهو منزه عن التصورات، لأنها إمكان والواجب لا إمكان فيه فلا صورة له.
وأنت مصور ممكن ولك حس وعقل مصور مثلك ممكن كإمكانك ، فإذا أحسیت بالظاهر الحق تعالى بأحد حواسك، وعقلته بعقلك ظهرت لك صورتك الاستعدادية في مرآة ذات الظاهر الحق.
فلا يمكنك أن تمحو صورتك الظاهرة لك في مرآة ذات الحق تعالى حتى تری ذات الحق تعالى، على ما هي عليه أبدا.
(وما بعده)، أي بعد هذا المذكور (إلا) شهودك (العدم المحض) فإنك إذا محوت الصورة الظاهرة لك في مرآة ذات الحق تعالی محوت صورتك فرجعت إلى عدمك. فإذا شهدت بعد ذلك لا تشهد إلا عدمك ، فإذا تحققت في شهود عدمك شهدت العدم المحض، و ذات الحق تعالی لیست بعدم بل هي وجود محض.
وأين الوجود من العدم؟
فقد أبعدت عن شهود الحق تعالی حينئذ، فإذا علمت هذا.
(فهو)، أي الحق تعالی (مرآتك) على المعنى المذكور (في رؤيتك نفسك) حيث ظهرت لك صورتك فيه عند رؤيتك له.
فالظاهر لك هو وأنت ما رأيته ولكن رأيت صورتك قائمة به، وصورتك عدم محض، لأنك أنت أيضا عدم محض والموجود هو وحده على ما هو عليه.
ولكن قدرك بقدرته وأرادك بإرادته وجعلك عقلا وحسا من جملة ما قدرك به وأرادك.
فنظرت بعقلك وحسك فلم يكن في الوجود غيره، فرأيت بعقلك وحسك ما هو من شاكلة ذلك، وهو أنت على حسب ما قدرك وأرادك ، وكانت رؤيتك جميع ذلك فيه سبحانه، فاحتجبت عنه بك، فالموجود هو، وأنت على عدمك، والمرئي لك هو، لكن منعتك من رؤيتك له على ما هو عليه صورتك الظاهرة لك به وهي عدم محض.
قال تعالى : "كل شئ هالك إلا وجهه" 88 سورة القصص. أي إلا ذاته.
وأنت أيها المقدر المراد على حسب ما سبق به العلم القديم من حيث تقديرك بالقدرة الأزلية وتخصيصك بما سبق في الإرادة الإلهية، لا من حيث ظهورك لك كما ذكر في مرآة الحق تعالی، لأنك لم تظهر في حقيقة الأمر، وإنما أنت على ما أنت عليه من العدم المحض.
محكوم عليك بجميع مقتضيات أسماء الحق تعالى في الأزل (مرآته) سبحانه وتعالى (في رؤيته) تعالى (أسمائه) الحسنى كلها التي هي قائمة بذاته العلية ليست غير ذاته تعالى، وأنت جملة آثارها.
وقد أراد الحق تعالی أن يرى ذاته في غيره كما يرى الإنسان صورته في المرآة، وهو رأي ذاته في نفسه أزلا وأبدا، فتوجهت أسماؤه الحسنى من الأزل على الحكم بأثار لها على حسب اختلافاتها، فكان جملة ذلك أنت في العدم المحض، ورؤيتك نفسك في وقت مخصوص من جملة ذلك.
فللحق تعالى أزلا وأبدا رؤيتان : رؤية لذاته، ورؤية لأسمائه بذاته فيك.
وأنت على ما أنت عليه من العدم، فأنت مرآته تعالى في رؤية أسمائه لا ذاته (و) في (ظهور أحكامها)، أي ظهور أحكام أسمائه تعالى له من الأزل.
(وليست)، أي أسماؤه سبحانه (سوى عينه)، أي ذاته تعالى فكل اسم منها ذاته تعالى في حضرة مخصوصة من حضراته، وهو مذهب المحققين من أهل الله تعالى كما مر
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال رضي الله عنه : (وهذا) أي المذكور (أعظم ما قدر) على البناء للمفعول أو للمعلوم (عليه) أي على العبد (من العلم والأمر كما قلناه وذهبنا إليه) في التجلي الذاتي والمرآة لا كما زعم البعض (وقد بينا هذا تفصيلا في الفتوحات المكية) فليطلب ثمة (وإذا ذقت هذا) المذكور (ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق فلا تطمع ولا تتعب نفسك في ان ترقي في أعلى من هذا الدرج فما هو ثمة).
أي فليس في هذا الدرج الذي هو الوجود المحض مقام موجود غير هذا المقام (أصلا) قطعا (وما بعده إلا لعدم المحض) إذ ما يكون وراء الوجود المحض إلا العدم المحض.
(فهو مرآتك في رؤيتك نفسك) عند تجليه لك بصورة استعدادك (وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست) الصورة المرئية في الحق وهي أنت (سوى عينه) بل هي عين الحق. وبه امتاز عن المرآة في المشاهدة فإن مرآة الحسي غير الصور المرئية فيها
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قوله رضي الله عنه : "هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوقات، فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، وما بعده إلا العدم المحض."
قال رضي الله عنه: هذا أعظم ما قدروا عليه من العلم. وباقي الكلام مفهوم مما سبق في الكلمة الآدمية.
وينبغي أن يفهم من هذا الكلام الذي ذكره شيخنا، رضي الله عنه، أن الشهود لا يكون إلا للوجود أو لمعانيه وليس غير الأعيان الثابتة المذكورة وأما العدم المحض وهو لا شيء من كل وجه، فلا يشهد ولا يعبر عنه عبارة إلا مجازا للضرورة.
قوله: "فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته نفسه وهي أسماؤه وظهور أحكامها و ليست سوى عينه"
قلت: هذا مجاز على حكم التشبيه لأن وجود الحق تعالی كالمرآة تظهر فيها نفس المشاهد، وذات المشاهد كالمرآة تظهر فيها أسماؤه تعالى والجميع يرجع إلى أن الأعيان الثابتة معان وهي صور علمه، وعلمه لا يغایر ذاته فليس إلا هو فانبهم الأمر.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال رضي الله عنه : « حتى أنّ بعض من أدرك مثل هذا في صور المرئيّ ذهب إلى أنّ الصور المرئيّة بين بصر الرائي وبين المرآة . هذا أعظم ما قدر عليه من العلم .
والأمر كما قلناه وذهبنا إليه . وقد بيّنّا هذا في الفتوحات المكَّية .
وإذا ذقت هذا ، ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في وسع المخلوق . فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج ، فما هو ثمّ أصلا وما بعده إلَّا العدم المحض " .
وفي هذا الموضع مباحث شريفة :
منها : أنّ مرآتية الباصرة إن لم تنطبع فيها الصورة المثالية ، لما حصل الإدراك ، فإن كان حصولها في المرآتيّة البصرية بعد انعكاسها في سطح المرآة في الخارج ، لكان اليمين يمينا واليسار يسارا ، لأنّها صورة مثال المثال قد انعكس مساويا للأصل ومشاكلا له في الأصل في صورة مرئيّة في المرآة ، وليس ذلك كذلك .
فالإدراك إذن تعلَّق بالصورة في المرآة منعكسة ، أو انعكست مرآة الباصرة إلى الصورة الخارجة من هذا الجسم الصلب الصقيل على هيئة السطح ، فانعكست أمثلة الصور في مرآة الباصرة ، فأدركته المدركة منعكسة .
كذلك مثل انعكاسها في المرآة الخارجة ، فكان يمينها يسارا للصورة الأصلية ، والأعلى أسفل في بعض الأوضاع ، لتخالف الجهات في مطامح النظر ، فتدركها القوّة الباصرة بنورها الذاتي ومعاونة نور الضوء الخارج فيها بحسبها ، بل بحسب تعيّنها في المرآة ، فافهم .
وإذا تحقّقت بهذه الأصول في الشاهد ، فاعلم : أنّ تعيّن الحق لك في مرآة عينك الثابتة إنّما يكون كذلك بحسبها وبموجب خصوصيتها وصورة استعدادها ، فما ترى الحق في تجلَّيه الذاتي لك إلَّا بصورة عينك الثابتة ، فعينك في رؤيتك للحق المتجلَّي لك مثل باصرة عينك في رؤيتك لصورتك في المرآة ، فلا ترى الحق فيك إلَّا بحسب خصوصيّة عينك الثابتة ولكن في مرآة الوجود الحق وهو مثل للنور الخارجي من وجه.
وهذا أعلى درجات الكشوف والشهود بالنسبة إلى مثلك إلَّا أن يكون عينك عين الأعيان الثابتة كلَّها لا خصوصية لها توجب حصر الصورة في كيفية خاصّة ، بل خصوصية أحدية جمعية برزخية كمالية ، فتعيّن الحق لك حينئذ مثل تعيّنه في عينه ، بل عين تعيّنه لنفسه ، بل أنت عينه ، فافهم .
ودون هذين الشهودين ، شهودك للحق في ملابس الصور الوجودية ، نوريّها ومثاليّها وروحانيّها ، عقليّها ونفسيّها وطبيعيّها وعنصريّها وخياليّها وذهنيّها وبرزخيّها وحشريّها وجنانيّها وغير ذلك فكلّ ذلك بحسب تجلَّيه من عينك لا من عين غيرك .
فأعلى درجات شهودك الحق هو بعد تحقّقك بعينك الثابتة فإذا اتّحدت أنت بعينك الثابتة فكنت أنت عينك من غير امتياز تعيّنيّ ، رأيت الحق كما يرى نفسه فيك ، ورأيت عينك صورة للحق في الحق ، فافهم ، وما أظنّك تفهم ، إلَّا أن تلهم وتعلم بعلم ما لم تكن تعلم ، وما ثمّ أعلى من هذا في حقّك فلا تطمع ولا تتعب .
وما بعد الحقّ ومرآته ومظهره الذاتيّ وهو عينك الثابتة التي هي صورة معلوميّتك للحق أزلا إلَّا العدم ، لأنّك من حيث عينك الثابتة وصورة معلوميّتك موجود أزلا وأبدا ، وأنت من حيث إمكانك ووجودك العيني معدوم العين أزلا .
قال رضي الله عنه : " فهو مرآتك في رؤيتك نفسك ، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها ، وليست سوى عينه ،"
يشير رضي الله عنه إلى أنّ هويّة الوجود الواحد الحق مرآة لظهور الإنيّات الوجودية العينية فيها ، وبها ظهرت الحقائق الكيانية ، ولولا تجلَّي الوجود الحق ، لما رأيت صورتك العلمية الأزلية الغيبيّة ، فإنّك إنّما ظهرت في نور الوجود الحق بصورتك العينية الوجودية على مثال صورتك العلمية الأزلية الغيبيّة ، فالوجود الحق مرآة لإنّيّتك العينية ، والعلم الحق مرآة لصورة عينك الغيبية الذاتية المعنوية ، وهويّتك الأزلية في شهودك نفسك وعينك .
وكذلك أنت مرآة للحق في تجلَّيه الوجودي ورؤيته وشهوده بصور أسمائه ونسبه الذاتية وصفاته الربانية ، وليست هذه النسب إلَّا عينه لا غيره ، لكونها غير زائدة عليها ولا موجبة للكثرة ، وليست قادحة في وحدة وجوده العيني كما ذكرنا .
فلمّا كان ظاهر الحق وهو أنت مجلى ومرآة لباطنه من وجه ، وفي شهوده ووجوده أيضا مرآة لظهور نسبه الغيبيّة التي هي فيها عينه من وجه آخر ، وكذلك أيضا هذه النسب مراء ومجال لتعيّنات الوجود الواحد ، فصدق على كل واحد من الحق والخلق أنّه مظهر وظاهر وشهادة .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال رضي الله عنه : "هذا أعظم ما قدر عليه والأمر كما قلناه وذهبنا إليه " يعنى أن المرئي في مرآة الحق هو صورة الرائي لا صورة الحق .
وإن تجلى له ذات الحق بصورته لا بصورتها ، وليس الصورة المرئية في ذاته تعالى حجابا بين الرائي وبينه سبحانه .
بل هي الذات الأحدية المتجلية له بصورته لا كما زعم من ذهب في المرآة إلى أن الصورة حجاب بينها وبين الرائي فإنه وهم.
قال: ( وقد بينا هذا في الفتوحات المكية ) .
قوله: ( وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى أعلى من هذا الدرج ) إشارة إلى أن هذا المعنى لا يدرك إلا بالذوق والكشف والحال لا بمجرد العلم وهي الغاية في الكشف ليس فوقها أعلى منها.
( فما هو ثم أصلا وما بعده إلا العدم المحض ) أي فما أعلى من هذا الدرج موجود عند الشهود أصلا فالضمير يرجع إلى أعلى.
قال رضي الله عنه : ( فهو مرآتك في رؤيتك نفسك وأنت مرآته في رؤية أسمائه ) أي إذا انخلعت عن صفاتك وجردت ذاتك عن كل ما أمكن تجردك عنه شاهدت عينك في مرآة الحق.
وذلك تجليه بصورة عينك ، وهو يرى ذاته فيك متصفة بصفاتها كالسمع والبصر وما يتعلق بهما من أحكام المسموعات والمبصرات .
فإنها أحكام السميع والبصير ظهرت فيك من حيث أنك مظهر هذا بين الاسمين.
( وليست ) الأسماء ( سوى عينه كما علمت فاختلط الأمر وانبهم ) وهو أن المرئي غير عين الحق في صورة العبد .
فيكون العبد مرآة الحق أو عين العبد في صورة الحق .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال رضي الله عنه : (ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺎ ﻗﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﺍﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎﻩ ﻭ ﺫﻫﺒﻨﺎ ﺇﻟﻴﻪ). ﻣﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺜﺎﻝ، ﻧﺼﺒﻬﺎ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﺘﺠﻠﻴﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻻ ﻳﺮﻯ ﺳﻮﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ، ﻓﻴﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﺇﻻ ﺣﻴﻦ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺤﺠﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺼﻔﺎﺗﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ: "ﺳﺘﺮﻭﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻭﻥ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺒﺪﺭ". ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻪ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ:
ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﻳﻤﻨﻌﻚ ﺍﺟﺘﻼﺋﻚ ﻭﺟﻬﻬﺎ ... ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻛﺘﺴﺐ ﺑﺮﻗﻴﻖ ﻏﻴﻢ ﺃﻣﻜﻨﺎ
(ﻭﻗﺪ ﺑﻴﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﻴﺔ) ﺫﻛﺮه رضي الله عنه ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﻴﺔ، ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ﻟﺘﻌﺮﻑ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﻗﺎﻝ: "ﺇﻧﻪ ﺣﺎﺟﺰ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﺑﻴﻦ ﻣﺘﺠﺎﻭﺭﻳﻦ"، ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻋﻴﻦ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻭﻓﻴﻪ ﻗﻮﺓ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻛﺎﻟﺨﻂ ﺍﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻈﻞ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ. ﻭﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻗﻄﻌﺎ ﺃﻧﻪ ﺃﺩﺭﻙ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺑﻮﺟﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻙ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺑﻮﺟﻪ، ﻟﻤﺎ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﻐﺮ ﻟﺼﻐﺮ ﺟﺮﻡ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﺍﻟﻜﺒﺮ ﻟﻌﻈﻤﻪ. ﻭﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺮ ﺃﻧﻪ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ، ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺻﻮﺭﺓ، ﻭﻻ ﻫﻲ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ، ﻓﻠﻴﺲ ﺑﺼﺎﺩﻕ ﻭﻻ ﻛﺎﺫﺏ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: ﺇﻧﻪ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺻﻮﺭﺗﻪ. ﻓﻤﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ؟ ﻭﻣﺎ ﺷﺄﻧﻬﺎ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﻣﺤﻠﻬﺎ؟
ﻓﻬﻲ ﻣﻨﻔﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ، ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻣﻌﺪﻭﻣﺔ، ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ. ﺃﻇﻬﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻫﺬﻩ ﻟﻌﺒﺪﻩ ﺿﺮﺏ ﻣﺜﺎﻝ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻭﻳﺘﺤﻘﻖ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻋﺠﺰ ﻭ ﺣﺎﺭ ﻓﻲ ﺩﺭﻙ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ، (ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﻠﻢ ﺑﺘﺤﻘﻴﻘﻪ، ﻓﻬﻮ ﺑﺨﺎﻟﻘﻬﺎ ﺃﻋﺠﺰ ﻭﺃﺟﻬﻞ ﻭﺃﺷﺪ ﺣﻴﺮﺓ).
ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻟﻘﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ. ﻭ ﺫﻫﺐ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻲ ﻭﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﺠﺮﻡ ﺍﻟﺼﻘﻴﻞ ﺷﺮﻁ ﻟﻈﻬﻮﺭﻫﺎ ﻓﻴﻪ.
ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ، ﻟﻜﺎﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻠﻨﺎﻇﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻘﺎﺑﻠﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻪ ﺍﻟﻤﻌﺰﻣﻮﻥ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﻦ ﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﺇﺫﺍ ﺫﻗﺖ ﻫﺬﺍ، ﺫﻗﺖ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ، ﻓﻼ ﺗﻄﻤﻊ ﻭﻻ ﺗﺘﻌﺐ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﺮﻗﻰ ﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺭﺝ ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﻤﺔ ﺃﺻﻼ، ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﺇﻻ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺤﺾ) ﺃﻱ، ﺇﺫﺍ ﻭﺟﺪﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺑﺎﻟﺬﻭﻕ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ، ﻻ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻌﺮﻓﺎﻥ، ﻭﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﻓﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻭﺍﻧﺘﻬﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻷﻥ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺃﺳﻔﺎﺭ ﺍﻟﺴﺎﻟﻜﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻻ ﻏﻴﺮ.
ﻭﻗﻮﻟﻪ: (ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﺮﻗﻰ) ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺏ (ﻻ ﺗﻄﻤﻊ). ﻭ "ﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ" ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺏ "ﺗﺮﻗﻰ". ﺿﻤﻨﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻌﺪﺍﻩ ﺏ "ﻓﻲ" ﻷﻧﻪ ﻳﺘﻌﺪﻯ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﺏ "ﻋﻠﻰ" ﻻ بـ"ﻓﻲ".
ﻳﻘﺎﻝ: ﺭﻗﺎﻩ. ﺇﺫﺍ ﺻﻌﺪﻩ. ﺃﻭ، ﺭﻗﺎ ﻋﻠﻴﻪ. ﺇﺫﺍ ﺻﻌﺪ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﻻ ﻳﻘﺎﻝ: ﺭﻗﻰ ﻓﻴﻪ. ﻛﻤﺎﻻ ﻳﻘﺎﻝ: ﺻﻌﺪ ﻓﻴﻪ. ﺇﻻ ﻋﻨﺪ ﺗﻀﻤﻨﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ.
ﻭﺍﻟﻀﻤﻴﺮ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: "ﻓﻤﺎ ﻫﻮ" ﻋﺎﺋﺪ ﺇﻟﻰ "ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ" ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻮﻟﻪ: "ﺃﻋﻠﻰ" ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ. ﻭ "ﺛﻤﺔ" ﺃﻳﻀﺎ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ.
ﺃﻱ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺤﺾ، ﻣﻘﺎﻡ ﺁﺧﺮ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺻﻼ، ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺤﺾ ﺇﻻ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺤﺾ.
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﻇﻬﻮﺭ ﻋﻴﻨﻪ ﻟﻪ ﻋﻴﻦ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻪ ﻭﺭﺅﻳﺔ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻋﻴﻦ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﺍﻟﺤﻖ، ﻷﻥ ﻋﻴﻨﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ ﻟﻠﺤﻖ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﺇﺫ ﻫﻲ ﺷﺄﻥ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻭﺻﻔﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﻭﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ. ﻭﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﻋﻴﻨﻪ ﻭﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺈﺫﺍ ﺷﺎﻫﺪﺕ ﺫﻟﻚ، ﺷﺎﻫﺪﺗﻪ.
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺍﻟﺤﻼﺝ ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺮﻩ:
ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻮﻯ، ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻮﻯ ﺃﻧﺎ ... ﻧﺤﻦ ﺭﻭﺣﺎﻥ ﺣﻠﻠﻨﺎ ﺑﺪﻧﺎ
ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺑﺼﺮﺗﻨﻲ ﺃﺑﺼﺮﺗﻪ ..... ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺑﺼﺮﺗﻪ ﺃﺑﺼﺮﺗﻨﺎ
قال رضي الله عنه : (ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺁﺗﻚ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺘﻚ ﻧﻔﺴﻚ، ﻭﺃﻧﺖ ﻣﺮﺃﺗﻪ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻭﻇﻬﻮﺭ ﺃﺣﻜﺎﻣﻬﺎ). ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺗﻈﻬﺮ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻭﻛﻤﺎﻻﺗﻬﺎ، ﻭﺑﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺃﺳﻤﺎﺅﻩ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺤﻞ ﺳﻠﻄﻨﺘﻬﺎ.
ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﻨﺒﻲ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺑﻘﻮﻟﻪ: "ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ".
ﺇﺫﺍ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. "ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺳﻮﻯ ﻋﻴﻨﻪ" ﺃﻱ، ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻣﺮﺁﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﻴﻨﻚ ﻏﻴﺮ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻛﻤﺎ ﺗﺰﻋﻢ ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺏ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال رضي الله عنه : "هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، وما بعده إلا العدم المحض.
فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسمائه وظهور أحكامها وليست سوى عينه."
قال رضي الله عنه : (وهو) إقامة التمثيل المذكور (أعظم ما قدر عليه من العلم) أي: الدليل الموجب للعلم بأن التجلى الذاتي لا يوجب كشف الذات.
قال رضي الله عنه : (والأمر كما قلناه وذهبنا إليه) وإن ضعف هذا التمثيل، ولم يوجب العلم اليقيني، (وقد بينا هذا) أي: وجه دلالة هذا التمثيل (في الفتوحات المكية)، وليست عندي حتى أبين ما ذكره فيها، وإذا تعذر إقامة الدليل العقلي على ذلك فهو إنما يعرف بالذوق، (فإذا ذقت هذا) أي: عرفت أنه التجلي الذاتي بالذوق، وإن لم يتم فيه كشف الذات (ذقت الغاية التي لا فوقها غاية) في معرفة التجلي الذاتي الذي هو غاية الغايات، وإن كان لا نرى فيه الذات لحجب صورة الرائي عن رؤية (في حق المخلوق) إذ الخالق لا يحجبه شيء عن شيء أصلا.
وإذا كان هذا غاية الغايات، (فلا تطمع) في تجلي الذات، أن يحصل لك من غير كسب أعلى من هذه الروح، (ولا تتعب نفسك) بطلب (أن ترقی درجة أعلى من هذا الدرج) ، وهو أن يحصل لك تجلي الذات من غير حجاب .
""لأنه فوق استعدادك المقيد: فما هو ثمة أصلا أي ليس الحق هناك؛ بل إنه معك حيث أنت، وأنت ما تتعدى استعدادك معه؛ لأن الحق في نفس الأمر مع كل معتقد؛ بل هو صورة كل معتقد واستعداد لا يتعدى عنه فأرح نفسك ولا تتعب إنك معه كما هو معك، وإن لم تشعر بذلك.""
(فما هو) أي: أعلى من هذا الدرج، وهو التجلي الذاتي من غير حجاب (ثمة) ، أي: في حق المخلوق (أصلا)، وإنما هو شأن الخالق، وقد ورد في حديث الرؤية: «أنه ليس بينهم وبين ربهم إلا رداء الكبرياء».
قال رضي الله عنه : (وما بعده) أي: بعد التجلي الذاتي المستلزم للحجاب الذي أقله حجب صورة الرائي الظاهرة في مرآة الذات عند الرؤية (إلا العدم المحض)، إذ ما ذكرنا نهاية تجلي الوجود، وما دونه من تجلي الأسماء أو الأفعال، ولا ترقى إليها، وإنما إليها النزول، وإذا كان التجلي الذاتي مستلزما لرؤية صورة استعداد المتجلى له.
قال رضي الله عنه : (فهو) أي: ذات الحق (مرآتك في رؤيتك نفسك) أي: في رؤيتك صورة لنفسك فاضت عليها من ربها بحسب أعمالها وأحوالها على ما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله: "فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا" [الكهف: 110].
وهذه الشركة عبادة النفس، ومن جملتها الرؤيا التي فسر بها الآية، (وأنت مرآته في رؤيته أسماءه) أي: صورها، (وفي ظهور أحكامها) أي: آثارها إذ الذات وأسمائها لم تزل مرئية له على أنها لا يمكن ظهورها في الأشياء؛ لأن الظاهر في الأشياء مقيد باستعداداتها، ولا يقيد بالذات من حيث هي.
ولكن يقال له: تجلي الذات؛ لأن أسماءه (ليست سوى عينه)، أي: ليست غيرا لما هو عين الذات فإنها ليست عينها ولا غيرها، ولا سيما إذا اجتمعت في المظاهر الكاملة لم يعتبر تميزها عن الذات بمفهوماتها أصلا.
وهذا إشارة إلى كمال مرائيه من تجلي الذات له، وإنه تكون الأسماء في شأنه كأنها عين الذات، وإذا صارت الأسماء في هذا التجلي كأنها عين الذات.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
(هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه) من أن المرآة مثال نصبها الله لتجليه الذاتي، حيث أن الظاهر فيها عين الباطن، والباطن فيها هو الظاهر، كما قال :
وباطن لا يكاد يخفى …. وظاهر لا يكاد يبدو
(وقد بينا هذا في الفتوحات المكية) فإنه قد بين أمر ماثلة المرآة ووجه استجماعها الأحكام الممثل من حيرة المشاهد وجمعيته للأضداد والأطراف ، حيث قال :
« إن الإنسان يدرك صورته في المرآة ، ويعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه ، وأنه ما أدرك صورته بوجه ، لما يراها في غاية الصغر لصغر جرم المرآة ، والكبر لعظمه ، ولا يقدر أن ينكر أنه رأى صورته ، ويعلم أنه ليس في المرآة صورة ، ولا هي بينه وبين المرآة ، فليس بصادق ولا كاذب .
في قوله : «إنه رأى صورته ، ما رأى صورته » ، فما تلك الصورة ؟
وأين محلها ؟ وما شأنها ؟
فهي منفية ثابتة ، موجودة معدومة ، معلومة مجهولة ، أظهر الله سبحانه وتعالى هذه العبده ضرب مثال ليعلم ويتحقق أنه إذا عجز وحار في درك حقيقة هذا وهو من العالم ولم يحصل عنده علم بتحقيقه ، فهو بخالقها أعجز وأجهل وأشد حيرة » ، هذا ما عثرت عليه مما يتعلق بهذا البحث من كلامه .
( وإذا ذقت هذا ) أي أدركته بمجرد ذوقك الكاشف وفطرتك السليمة خالصة عن علائق التعاملات الفكرية المشوشة ، صافية عن شوائب التوسل إلى القياسات الجعلية الموسوسة.
(دقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق) إذ المخلوق - من حيث أنه مخلوق لا مدخل له وراء ذلك أصلا، (فلا تطمع ولا تتعب نفسك، في أن ترقي في أعلى من هذا الدرج، فما هو ثم أصلا) أي فما أعلى من هذا الدرج مقام موجود مشهود أصلا.
(وما بعده إلا العدم المحض؛ فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسمائه وظهور أحكامها) كالسماع والرؤية، فإنهما من أحكام اسمي السميع والبصير، وهما إنما يظهران بأحكامها في مرآة العبد، وإذ تميز في هذه المرآة الظاهر عن المظهر تعدد فيها الصور الظاهرة.
(و لیست ) تلك الصور يعني الأسماء و أحكامها (سوى عينه) فيكون العبد -على أي حال مرآة.
لعين الحق ، كما أن الحق مرآة لعينه ، فهو على هذا التقدير الإطلاقي مرآة يظهر فيها أسماؤه ، كما أن العبد مرآة يظهر فيها ذاته ، كما قال العطار:
توني از روی ذات آئینه ی شاه …. شه از روي صفات آئینه تست
توني من جوهر مرآة الملك ..... تحقق من سمات المرآة
وإذ قد ظهر أن العين واحدة ، وحكم المدارك والمشاعر جعلها ذا اعتبارات ظواهر تارة ، ومظاهر أخرى ؛ أجمل الحال .
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:44 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثالثة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال رضي الله عنه : "هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، و الأمر كما قلناه و ذهبنا إليه.
و قد بينا هذا في الفتوحات المكية"
قال رضي الله عنه : (وهذا أعظم ما قدر عليه من العلم) الحاصل له بالنظر لكنه غير مطلق للواقع فإنه لو كان الأمر كذلك لم يتمكن الرائي من صرف النظر عن الصورة والإقبال على المرآة . (والحق) في المرآة (كما قلناه وذهبنا إليه) في التجلي الإلهي.
فكما أن المتجلی به ما رأى سوى صورته في مرآة وما رأى الحق.
ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه لا بينه وبين الحق بحيث تكون حاجبة عن رؤية الحق .
فكذلك النظر في المرآة ما رأي سوى صورته في المرآة وما رأی المرآة ولا يمكن أن يراها مع علمه أنه ما رأى صورته إلا في المرآة لا بينه وبين المرآة كما توهمه بعض.
والفرق بين الوجود الحق و المرآة أن المرآة وإن لیست مرئية عند استغراق الشهود في الصورة المشهودة لكنه يمكن الإعراض عن تلك الصورة والإقبال على المرآة وإدراكها بخلاف الوجود الحق . فإنه لا يمكن شهوده من حيث إطلاقه.
(وقد بينا هذا) الذي ذكرنا من المماثلة بين المرآة و الحق سبحانه (في الفتوحات المكية).
قال رضي الله عنه : "و إذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع و لا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، و ما بعده إلا العدم المحض."
ذكر رضي الله عنه في الباب الثالث والستين "من الفتوحات المكية" منها أن الإنسان يدرك صورته في المرآة .
ويعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه وأنه ما أدرك صورته بوجه لما يراها في غاية الصغر تصغر جرم المرآة والكبر لعظمه .
ولا يقدر أن ينكر أنه رأى صورته بعلم أنه ليس في المرآة صورة ولا هي بينه وبين المرآة فليس بصادق ولا كاذب .
في قوله : أنه رأى صورته ما رأى صورته فما تلك الصورة وأين محلها وما شأنها فهي منفية ثابتة موجودة معدومة معلومة مجهولة .
أظهر الله سبحانه هذه تتعبد ضرب مثال ليعلم ويتحقق أنه إذا عجز وحار في درك حقيقة هذا .
وهو من العالم ولم يحصل عنده علم بتحقيقه فهو بخالقها أعجز وأجهل و أشد حيرة. هذا ما نقله الشارحون من كلامه في هذا المقام.
(وإذا ذقت)، أي أدركت بطريق الذوق والوجدان لا بمجرد العلم والعرفان (هذا)، أي مقام التجلي الذاتي على صورتك.
(ذقت) في مراتب التجليات (الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق فلا نطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقي) في مقام (أعلى من هذا الدرج) من التجلي الذاتي في الصحاح رقيت في السلم بالكسر رقيا ورقيا إذا صعدت.
وفي الكشاف في قوله تعالى: "أو ترقى في السماء " آية 93 سورة الإسراء.
يقال : رقي السلم وفي الدرجة فلا حاجة إلى تضمينها معنى الدخول (فما هو)، أي أعلا من هذا الدرج (ثم)، أي في مقام التجلي الذاتي (أصلا وما بعده)، أي بعد هذا الدرج (إلا العدم المحض) فلا يوجد هناك مقام أعلا منه .
اعلم أن تعين الحق وتجليه لك في مرآة عينك إنما يكون بحسبها وبموجب خصوصيتها وصورة استعدادها .
فما ترى الحق في تجلبه الذاتي لك إلا بصورة عينك الثابتة فلا ترى الحق فيك إلا بحسب خصوصية عينك الثابتة ولكن في مرآة الوجود الحق وهذا أعلى درجات التجليات بالنسبة إلى مثلك . إلا أن تكون عينك عين الأعيان الثابتة كلها بالخصوصية لها توجب حصر الصورة في كيفية خاصة.
بل خصوصية أحدية جمعية برزخية كمالية فتعین الحق لك حينئذ مثل تعينه في نفسه .
ودون هذين الشهودین شهودك للحق في ملابس الصور الوجودية الحسية والمثالية والروحية.
وكل ذلك بحسب تجليه من عينك لا من غيرك فأعلى درجات شهودك للحق هو ما يكون بعد تحققت بعينك الثابتة .
فإذا أتحدت أنت بعينك الثابتة، فكنت أنت عينك من غير امتیاز رأیت الحق كما يرى نفسه فيك ورأيت نفسك صورة للحق في الحق وما ثم أعلا من هذا في حقك
قال رضي الله عنه : "فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها و ليست سوى عينه."
قال رضي الله عنه : (فهو)، أي الحق سبحانه باعتبار ظاهر وجوده (مرآتك في رؤيتك نفسك)، أي آنينك الوجودية العينية وباعتبار باطن علمه مرآتك في شهود عينك الثابتة العلمية الغيبية إذ کوشفت بها.
(وأنت) باعتبار وجودك العين (مرأته في رؤيته أسمائه) التي هي ذاته مأخوذة من بعض النسب والاعتبارات (و) في (ظهور أحكامها).
أي أحكام الأسماء وآثارها وليست الأسماء في مرتبة الأحدية (سوى عينه) ونفسه فأنت مرآة لنفسه في رؤيته إياها.
كأنه مرآة لنفسك في رؤيتك إياها.
فتارة هو المرآة وأنت الرائي والمرئي، وتارة أنت المرآة وهو الرائي والمرئي.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك،وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( وهذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه . وقد بينا هذا في الفتوحات المكية) .
قال الشارح رحمة الله :
و هذا من البيان الذي قال رضي الله عنه، و قد بينا هذا في الفتوحات المكية ، ذكره في الباب الثالث و الستين منها .
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه. وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال رضي الله عنه : "هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، و الأمر كما قلناه و ذهبنا إليه.
و قد بينا هذا في الفتوحات المكية"
قال رضي الله عنه : (وهذا أعظم ما قدر عليه من العلم) الحاصل له بالنظر لكنه غير مطلق للواقع فإنه لو كان الأمر كذلك لم يتمكن الرائي من صرف النظر عن الصورة والإقبال على المرآة . (والحق) في المرآة (كما قلناه وذهبنا إليه) في التجلي الإلهي.
فكما أن المتجلی به ما رأى سوى صورته في مرآة وما رأى الحق.
ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه لا بينه وبين الحق بحيث تكون حاجبة عن رؤية الحق .
فكذلك النظر في المرآة ما رأي سوى صورته في المرآة وما رأی المرآة ولا يمكن أن يراها مع علمه أنه ما رأى صورته إلا في المرآة لا بينه وبين المرآة كما توهمه بعض.
والفرق بين الوجود الحق و المرآة أن المرآة وإن لیست مرئية عند استغراق الشهود في الصورة المشهودة لكنه يمكن الإعراض عن تلك الصورة والإقبال على المرآة وإدراكها بخلاف الوجود الحق . فإنه لا يمكن شهوده من حيث إطلاقه.
(وقد بينا هذا) الذي ذكرنا من المماثلة بين المرآة و الحق سبحانه (في الفتوحات المكية).
قال رضي الله عنه : "و إذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع و لا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، و ما بعده إلا العدم المحض."
ذكر رضي الله عنه في الباب الثالث والستين "من الفتوحات المكية" منها أن الإنسان يدرك صورته في المرآة .
ويعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه وأنه ما أدرك صورته بوجه لما يراها في غاية الصغر تصغر جرم المرآة والكبر لعظمه .
ولا يقدر أن ينكر أنه رأى صورته بعلم أنه ليس في المرآة صورة ولا هي بينه وبين المرآة فليس بصادق ولا كاذب .
في قوله : أنه رأى صورته ما رأى صورته فما تلك الصورة وأين محلها وما شأنها فهي منفية ثابتة موجودة معدومة معلومة مجهولة .
أظهر الله سبحانه هذه تتعبد ضرب مثال ليعلم ويتحقق أنه إذا عجز وحار في درك حقيقة هذا .
وهو من العالم ولم يحصل عنده علم بتحقيقه فهو بخالقها أعجز وأجهل و أشد حيرة. هذا ما نقله الشارحون من كلامه في هذا المقام.
(وإذا ذقت)، أي أدركت بطريق الذوق والوجدان لا بمجرد العلم والعرفان (هذا)، أي مقام التجلي الذاتي على صورتك.
(ذقت) في مراتب التجليات (الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق فلا نطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقي) في مقام (أعلى من هذا الدرج) من التجلي الذاتي في الصحاح رقيت في السلم بالكسر رقيا ورقيا إذا صعدت.
وفي الكشاف في قوله تعالى: "أو ترقى في السماء " آية 93 سورة الإسراء.
يقال : رقي السلم وفي الدرجة فلا حاجة إلى تضمينها معنى الدخول (فما هو)، أي أعلا من هذا الدرج (ثم)، أي في مقام التجلي الذاتي (أصلا وما بعده)، أي بعد هذا الدرج (إلا العدم المحض) فلا يوجد هناك مقام أعلا منه .
اعلم أن تعين الحق وتجليه لك في مرآة عينك إنما يكون بحسبها وبموجب خصوصيتها وصورة استعدادها .
فما ترى الحق في تجلبه الذاتي لك إلا بصورة عينك الثابتة فلا ترى الحق فيك إلا بحسب خصوصية عينك الثابتة ولكن في مرآة الوجود الحق وهذا أعلى درجات التجليات بالنسبة إلى مثلك . إلا أن تكون عينك عين الأعيان الثابتة كلها بالخصوصية لها توجب حصر الصورة في كيفية خاصة.
بل خصوصية أحدية جمعية برزخية كمالية فتعین الحق لك حينئذ مثل تعينه في نفسه .
ودون هذين الشهودین شهودك للحق في ملابس الصور الوجودية الحسية والمثالية والروحية.
وكل ذلك بحسب تجليه من عينك لا من غيرك فأعلى درجات شهودك للحق هو ما يكون بعد تحققت بعينك الثابتة .
فإذا أتحدت أنت بعينك الثابتة، فكنت أنت عينك من غير امتیاز رأیت الحق كما يرى نفسه فيك ورأيت نفسك صورة للحق في الحق وما ثم أعلا من هذا في حقك
قال رضي الله عنه : "فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها و ليست سوى عينه."
قال رضي الله عنه : (فهو)، أي الحق سبحانه باعتبار ظاهر وجوده (مرآتك في رؤيتك نفسك)، أي آنينك الوجودية العينية وباعتبار باطن علمه مرآتك في شهود عينك الثابتة العلمية الغيبية إذ کوشفت بها.
(وأنت) باعتبار وجودك العين (مرأته في رؤيته أسمائه) التي هي ذاته مأخوذة من بعض النسب والاعتبارات (و) في (ظهور أحكامها).
أي أحكام الأسماء وآثارها وليست الأسماء في مرتبة الأحدية (سوى عينه) ونفسه فأنت مرآة لنفسه في رؤيته إياها.
كأنه مرآة لنفسك في رؤيتك إياها.
فتارة هو المرآة وأنت الرائي والمرئي، وتارة أنت المرآة وهو الرائي والمرئي.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك،وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه.)
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( وهذا أعظم ما قدر عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه . وقد بينا هذا في الفتوحات المكية) .
قال الشارح رحمة الله :
و هذا من البيان الذي قال رضي الله عنه، و قد بينا هذا في الفتوحات المكية ، ذكره في الباب الثالث و الستين منها .
و ذكر في الباب السابع و العشرين و ثلاثمائة من الفتوحات:
إنّ صورة الناظر في المرآة ما هي عينه، لا هي غيره ولكن حقيقة الجسم الصقيل مع النظر من الناظر أعطى هذه الصورة و لهذا يختلف باختلاف المرآة لا بالناظر، فالحكم في الصورة الكبرى لصورة المجلي لا للمتجلي .
كذلك الصورة الإنسانية في حضرة الإمكان لما قبلت الصورة الإلهية لم تظهر على حكم المتجلي من جميع الوجوه فحكم عليها حضرة المجلي، و هو الإمكان بخلاف حضرة الواجب الوجود لنفسه، فظهر المقدار و الشكل الذي لا يقبله الواجب الوجود عند العقل و هو الناظر في هذه المرآة فهو من حيث حقائقه كلها هو هو، و من حيث مقداره و شكله ما هو هو و إنما هو من أثر حضرة الإمكان فيه، الذي هو في المرآة ينبوع شكلها في نفسها و مقدارها في الكبر و الصغر .
و لمّا كان الظاهر بالصورة لا يكون إلا في حال نظر الناظر الذي هو المتجلي، لذلك نسبت الصورة إلى محل الظهور و إلى النظر.
فكانت الصورة الظاهرة برزخية بين المحل و الناظر و لكل واحد منهما أثر فيهما، يخرج منهما اللؤلؤ و هو ما كبر من الجوهر و المرجان، و هو ما ضعر منه، و هو أثر الحضرة المرآتية الإمكانية لا أثر الناظر فلمّا أثر المجلي المتجلى فيه في الصورة الكامنة من الشكل و المقدار الذي لا يقبله المتجلي الناظر من حيث ما هو عليه في ذاته، و إن ظهر به حكم فذلك حكم عين الممكن في عين وجوده، فافهم .
قال المصنف رضي الله عنه : ( وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع و لا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدّرج فما هو ثم أصلا، وما بعده إلا العدم المحض . فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها . وليست سوى عينه . )
قال الشارح رضي الله عنه :
( فإذا ذقت هذا ): أي أدركت بطريق الذوق و الوجود: أي لا بمجرد العلم و العرفان: أي مقام التجلي الذاتي على صورتك: أي رؤية نفسك في الحق كأنك أنت و لا أنت، كأنه هو و لا هو .
( ذقت الغاية التي ليس فوقها غيره في حق المخلوق) و هي الحيرة الكبرى .
كما قال الصديق الأكبر رضي الله عنه: العجز عن درك الإدراك، إدراك و بيان ذلك أنّ الحضرة التي وقعت الرؤية فيها برزخية خيالية و سلطانها من الألفاظ، كأنه أشار إلى هذا المعنى الحديث الشريف الذي يقول : " أن تعبد الله كأنك تراه".
يعني: كأنك بكاف التشبيه هذه أتم من أن تراه بالنسبة إلى العابد لأنّ الرؤية تغطي الحجاب و الاثنينية، لا بد بخلاف كان، فإنّ فيها رائحة الكشف و بيان الواقع لأنه أمر برزخي بين فاصل، بين معلوم و مجهول، معدوم و موجود .
و ليس ذلك إلا الخيال فإنك أدركت شيئا وجوديا بأن وقع بصرك عليه و تعلم قطعا بالدليل أنه ما ثم شي ء رأسا لأنّ كل شي ء هالك في ذاته و في نفسه و رأيت شيئا قد علمته أنه لا شيء، فأثبتت وجودا نفيه في حال إثباتك إياه في الخيال .
كما قررناه في المثل المضروب في المرآة، فتقع في الرائي حيرة حتى نقول هل بهذا
المرئي ماهية أولا ماهية له بل يرى العين كالسميائي، فإنه يرى رأي العين ما لا وجود له، مع أنه لا يلحقه بالعدم المحض .
و قد أدرك البصر شيئا ما و لا بالوجود المحض، و قد علم باليقين أنه ما ثم شي ء و لا بالإمكان المحض لأنه حكمه غير محكم، لا مكان الناظر إلى الحرباء في اختلاف الألوان عليها .
فذلك بعين الخيال بلا شك ما ما هو عين الحس، فأدركت الخيال كما في الحديث الشريف :
" الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا" أخرجه ابن عساكر عن رضي الله عنه ذكره السيوطي في شرح الصدور .
قال الشيخ رضي الله عنه: و قليل من يتفطن إلى هذا الإدراك.
يعني: الخيال كما رئي جبريل بصورة (دحية الكلبي) و هم ما رأوه بعين الحسن و لكن شبه عليهم، و علم من علم و جهل .
و إنما قال رضي الله عنه في حق المخلوق: ليخرج من يدرك الأشياء بالحق إمّا من قرب النوافل أو من قرب الفرائض أو منهما و هو مقام أو أدنى .
و أما من يدرك الأشياء بحسب استعداده يقول بالغاية لأنه كشفه و رؤيته على قدر استعداده و لا يقول بالغاية إلا من يكون كشفه في اللوح المحفوظ، المعتكف على النظر فيه أو من كان كشفه في نظرته ما هو الوجود عليه، ثم يسدل الحجاب دونه و يرى التناهي، إذ كل ما دخل في الوجود متناه، فمن رأى الغاية قال بالرأي، و علق همته بالغاية .
و هؤلاء أرباب الاستعداد الجزئية أو الكلية في الجملة، و لم يمكن لهم أن يقبلوا من الحق إلا ما يعطيه استعدادهم فحصل الاكتفاء بما قبله استعداد القابل، و ضاق المحل عن الزيادة من ذلك .
و أما بالنسبة إلى المطلق التام، أين الغاية و الأمور كلها بدايات لا نهاية لها، و صاحب هذا التجلي كشارب ماء البحر، يقول: هل من مزيد؟ .
قال أبو يزيد قدّس سره في هذا المشرب :
شربت الحب كأسا بعد كأس ..... فما نفد الشّراب و لا رويت
فإن قيل ورد في الخبر عن الكوثر : " إنه من شربه لا يظمأ أبدا".
فقال : بالرائي.
قلنا ذلك بالنسبة إلى نتائج الأعمال و قد وقفت إلى السدرة المنتهى، فرأى الرائي من هذا الوجه أما ترى صاحب أوسع الكشوفات أمر بأن يقول: رب زدني علما، فإن كل علم يعطي استعداد و علم آخر، و هلم جرا.
فإذا أردت أن تميز بين المراتب:
فاعلم أن الرؤية قد يكون الحق فيها بمنزلة المرآة للعبد و هو ناظر فيها، فلينظر ما يرى فيها من الصور، فإن رأى فيها صورة باطنة مشكلة بشكل جسدي مع تعقله، أنّ ثمة أمرا ما هو عينه فتلك صورة حق و أنّ العبد في ذلك الوقت قد تحقق، بأنّ الحق قواه ليس هو.
و إن كان الحق هو المتجلي فيها الناظر إليها، فلينظر العبد من كونه مرآة ما تجلى فيه .
فإن تجلى فيه ما يقيده بشكله، فالحكم للمرآة لا للحق، فإنّ الرائي قد يتقيد بحقيقة شكل المرآة من طول و عرض و استدارة و انحناء و كبر و صغر، فترد الرائي إليها ولها الحكم فيه، فيعلم أنه الحق الذي هو بكل شي ء محيط، فافهم.
ذلك ذكره رضي الله عنه في بيان اسم السلام من حضرة السلامة.
( و لا تطمع) من حيث تقيدك بالصفات البشرية و تلبسك بالكمالات الجزئية، أكثر مما ذكرناه، فافهم .
( و لا تتعب نفسك في إن كثر في أعلى من هذا الدرج) لأنه فوق استعدادك المقيد المقيد، فما هو ثمة أصلا: أي ليس الحق هناك بل أنه معك حيث أنت، وأنت ما تتعدى استعدادك لا معه لأنّ الحق في نفس الأمر مع كل معتقد بل هو صورة كل معتقد و استعداد لا يتعدى عنه فأدرج نفسك و لا تتعب إنك معه كما هو معك، و إن لم يشعر بذلك .
كما قال تعالى: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ " [ يوسف: 76] .
و كما ورد في الخبر : " كلّ ميسّر لما خلق له" . خذ ما أتاك و كن من الشاكرين لعل بالشكر تزيد النعم فافهم .
( و ما بعده ): أي بعد الترقي بهذا الدرج المذكورة إلا (العدم المحض ): أي الخالص المطلق بلا شوب الوجود لا حق و لا خلق البتة، إنما أضاف رضي الله عنه العدم بالمحض حتى لا يطن الظان الطالب أنه العدم الإضافي فإن فيه مجال الطالب بخلاف العدم الصرف.
و هو العدم المطلق ظلمة لا نور فيه، فلا تتعب الطالب المريد في الطلب فيها فافهم، فإذا علمت بل فهمت أن التجلي على قدر المتجلي، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، و أنت مرآته في رؤية أسمائه و ظهور أحكامها فيك و على قدرك لا تزيد و لا تنقص، و ليست سوى عينه مع أن الأمر ليس بخارج منك، بل أنت عينه لا غيره، فهو الرائي و هو المراد، و هو الصورة لا غير فيها .
إنّ صورة الناظر في المرآة ما هي عينه، لا هي غيره ولكن حقيقة الجسم الصقيل مع النظر من الناظر أعطى هذه الصورة و لهذا يختلف باختلاف المرآة لا بالناظر، فالحكم في الصورة الكبرى لصورة المجلي لا للمتجلي .
كذلك الصورة الإنسانية في حضرة الإمكان لما قبلت الصورة الإلهية لم تظهر على حكم المتجلي من جميع الوجوه فحكم عليها حضرة المجلي، و هو الإمكان بخلاف حضرة الواجب الوجود لنفسه، فظهر المقدار و الشكل الذي لا يقبله الواجب الوجود عند العقل و هو الناظر في هذه المرآة فهو من حيث حقائقه كلها هو هو، و من حيث مقداره و شكله ما هو هو و إنما هو من أثر حضرة الإمكان فيه، الذي هو في المرآة ينبوع شكلها في نفسها و مقدارها في الكبر و الصغر .
و لمّا كان الظاهر بالصورة لا يكون إلا في حال نظر الناظر الذي هو المتجلي، لذلك نسبت الصورة إلى محل الظهور و إلى النظر.
فكانت الصورة الظاهرة برزخية بين المحل و الناظر و لكل واحد منهما أثر فيهما، يخرج منهما اللؤلؤ و هو ما كبر من الجوهر و المرجان، و هو ما ضعر منه، و هو أثر الحضرة المرآتية الإمكانية لا أثر الناظر فلمّا أثر المجلي المتجلى فيه في الصورة الكامنة من الشكل و المقدار الذي لا يقبله المتجلي الناظر من حيث ما هو عليه في ذاته، و إن ظهر به حكم فذلك حكم عين الممكن في عين وجوده، فافهم .
قال المصنف رضي الله عنه : ( وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع و لا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدّرج فما هو ثم أصلا، وما بعده إلا العدم المحض . فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسماءه وظهور أحكامها . وليست سوى عينه . )
قال الشارح رضي الله عنه :
( فإذا ذقت هذا ): أي أدركت بطريق الذوق و الوجود: أي لا بمجرد العلم و العرفان: أي مقام التجلي الذاتي على صورتك: أي رؤية نفسك في الحق كأنك أنت و لا أنت، كأنه هو و لا هو .
( ذقت الغاية التي ليس فوقها غيره في حق المخلوق) و هي الحيرة الكبرى .
كما قال الصديق الأكبر رضي الله عنه: العجز عن درك الإدراك، إدراك و بيان ذلك أنّ الحضرة التي وقعت الرؤية فيها برزخية خيالية و سلطانها من الألفاظ، كأنه أشار إلى هذا المعنى الحديث الشريف الذي يقول : " أن تعبد الله كأنك تراه".
يعني: كأنك بكاف التشبيه هذه أتم من أن تراه بالنسبة إلى العابد لأنّ الرؤية تغطي الحجاب و الاثنينية، لا بد بخلاف كان، فإنّ فيها رائحة الكشف و بيان الواقع لأنه أمر برزخي بين فاصل، بين معلوم و مجهول، معدوم و موجود .
و ليس ذلك إلا الخيال فإنك أدركت شيئا وجوديا بأن وقع بصرك عليه و تعلم قطعا بالدليل أنه ما ثم شي ء رأسا لأنّ كل شي ء هالك في ذاته و في نفسه و رأيت شيئا قد علمته أنه لا شيء، فأثبتت وجودا نفيه في حال إثباتك إياه في الخيال .
كما قررناه في المثل المضروب في المرآة، فتقع في الرائي حيرة حتى نقول هل بهذا
المرئي ماهية أولا ماهية له بل يرى العين كالسميائي، فإنه يرى رأي العين ما لا وجود له، مع أنه لا يلحقه بالعدم المحض .
و قد أدرك البصر شيئا ما و لا بالوجود المحض، و قد علم باليقين أنه ما ثم شي ء و لا بالإمكان المحض لأنه حكمه غير محكم، لا مكان الناظر إلى الحرباء في اختلاف الألوان عليها .
فذلك بعين الخيال بلا شك ما ما هو عين الحس، فأدركت الخيال كما في الحديث الشريف :
" الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا" أخرجه ابن عساكر عن رضي الله عنه ذكره السيوطي في شرح الصدور .
قال الشيخ رضي الله عنه: و قليل من يتفطن إلى هذا الإدراك.
يعني: الخيال كما رئي جبريل بصورة (دحية الكلبي) و هم ما رأوه بعين الحسن و لكن شبه عليهم، و علم من علم و جهل .
و إنما قال رضي الله عنه في حق المخلوق: ليخرج من يدرك الأشياء بالحق إمّا من قرب النوافل أو من قرب الفرائض أو منهما و هو مقام أو أدنى .
و أما من يدرك الأشياء بحسب استعداده يقول بالغاية لأنه كشفه و رؤيته على قدر استعداده و لا يقول بالغاية إلا من يكون كشفه في اللوح المحفوظ، المعتكف على النظر فيه أو من كان كشفه في نظرته ما هو الوجود عليه، ثم يسدل الحجاب دونه و يرى التناهي، إذ كل ما دخل في الوجود متناه، فمن رأى الغاية قال بالرأي، و علق همته بالغاية .
و هؤلاء أرباب الاستعداد الجزئية أو الكلية في الجملة، و لم يمكن لهم أن يقبلوا من الحق إلا ما يعطيه استعدادهم فحصل الاكتفاء بما قبله استعداد القابل، و ضاق المحل عن الزيادة من ذلك .
و أما بالنسبة إلى المطلق التام، أين الغاية و الأمور كلها بدايات لا نهاية لها، و صاحب هذا التجلي كشارب ماء البحر، يقول: هل من مزيد؟ .
قال أبو يزيد قدّس سره في هذا المشرب :
شربت الحب كأسا بعد كأس ..... فما نفد الشّراب و لا رويت
فإن قيل ورد في الخبر عن الكوثر : " إنه من شربه لا يظمأ أبدا".
فقال : بالرائي.
قلنا ذلك بالنسبة إلى نتائج الأعمال و قد وقفت إلى السدرة المنتهى، فرأى الرائي من هذا الوجه أما ترى صاحب أوسع الكشوفات أمر بأن يقول: رب زدني علما، فإن كل علم يعطي استعداد و علم آخر، و هلم جرا.
فإذا أردت أن تميز بين المراتب:
فاعلم أن الرؤية قد يكون الحق فيها بمنزلة المرآة للعبد و هو ناظر فيها، فلينظر ما يرى فيها من الصور، فإن رأى فيها صورة باطنة مشكلة بشكل جسدي مع تعقله، أنّ ثمة أمرا ما هو عينه فتلك صورة حق و أنّ العبد في ذلك الوقت قد تحقق، بأنّ الحق قواه ليس هو.
و إن كان الحق هو المتجلي فيها الناظر إليها، فلينظر العبد من كونه مرآة ما تجلى فيه .
فإن تجلى فيه ما يقيده بشكله، فالحكم للمرآة لا للحق، فإنّ الرائي قد يتقيد بحقيقة شكل المرآة من طول و عرض و استدارة و انحناء و كبر و صغر، فترد الرائي إليها ولها الحكم فيه، فيعلم أنه الحق الذي هو بكل شي ء محيط، فافهم.
ذلك ذكره رضي الله عنه في بيان اسم السلام من حضرة السلامة.
( و لا تطمع) من حيث تقيدك بالصفات البشرية و تلبسك بالكمالات الجزئية، أكثر مما ذكرناه، فافهم .
( و لا تتعب نفسك في إن كثر في أعلى من هذا الدرج) لأنه فوق استعدادك المقيد المقيد، فما هو ثمة أصلا: أي ليس الحق هناك بل أنه معك حيث أنت، وأنت ما تتعدى استعدادك لا معه لأنّ الحق في نفس الأمر مع كل معتقد بل هو صورة كل معتقد و استعداد لا يتعدى عنه فأدرج نفسك و لا تتعب إنك معه كما هو معك، و إن لم يشعر بذلك .
كما قال تعالى: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ " [ يوسف: 76] .
و كما ورد في الخبر : " كلّ ميسّر لما خلق له" . خذ ما أتاك و كن من الشاكرين لعل بالشكر تزيد النعم فافهم .
( و ما بعده ): أي بعد الترقي بهذا الدرج المذكورة إلا (العدم المحض ): أي الخالص المطلق بلا شوب الوجود لا حق و لا خلق البتة، إنما أضاف رضي الله عنه العدم بالمحض حتى لا يطن الظان الطالب أنه العدم الإضافي فإن فيه مجال الطالب بخلاف العدم الصرف.
و هو العدم المطلق ظلمة لا نور فيه، فلا تتعب الطالب المريد في الطلب فيها فافهم، فإذا علمت بل فهمت أن التجلي على قدر المتجلي، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، و أنت مرآته في رؤية أسمائه و ظهور أحكامها فيك و على قدرك لا تزيد و لا تنقص، و ليست سوى عينه مع أن الأمر ليس بخارج منك، بل أنت عينه لا غيره، فهو الرائي و هو المراد، و هو الصورة لا غير فيها .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 2:52 عدل 1 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الرابعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فاختلط الأمر و انبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: "و العجز عن درك الإدراك إدراك"، و منا من علم فلم يقل مثل هذا و هو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالم بالله. و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء و الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء ".
(فاختلط)، أي التبس (الأمر) عليك حيث كان هو مرآتك، فإذا رأيته رأيت نفسك فيه ولم تره من حيث ما هو عليه في ذاته .
وأنت مرآته من حيث ما أنت عليه قبل أن تظهر صورتك لك فيه فإذا رآك من هذه الحيثية رأي ذاته تعالى من حيث أسمائه وحضراته، ولا يراك من حيث أنت ترى نفسك، لأن هذه الحيثية من جملة أحوالك.
ولا يتصف هو بشيء من أحوالك كما لا تتصف أنت بشيء من أحواله (وانبهم)، أي انكتم غاية الانكتام.
(فمنا)، أي من بعضنا معاشر أهل الله (من جهل)، أي تحقق بالجهل (في) عین (علمه) بالله تعالى حيث كان علمه غیر كاشف عن الأمر على ما هو عليه بالنسبة إلى الحق تعالى، وإن كان كاشفة عن الأمر على ما هو عليه ، بالنسبة إليه هو كما قال تعالى في علمنا الحادث به،" والله يعلم وأنتم لا تعلمون" 216 سورة البقرة .
فنفى علمنا به أن يكون علم فكان جهلا مع أنه تعالى قال في موضع آخر عن بعض العلماء به و... "وعلمناه من لدنا علما" 65 سورة الكهف.
فأثبت ما نفي وهو عين علمه أثبته له هناك ، ولهذا قال صاحب هذا المقام : «ما علمی وعلمك في علم الله إلا كما أخذ بمنقاره هذا العصفور من ماء البحر» والذي في منقار العصفور من تلك القطرات اكتسب صورة باطن المنقار، فخرجت عن كونها ماء في البحر.
إذ أصلها لا صورة لها، ولم تخرج عن كونها ماء، فالعبد يعلم ولا يعلم، فانقلاب العلم عین الجهل باعتبار ظهور الصورة ولا صورة في العلم، فالعلم علم وليس بجهل.
(فقال) : يعني ذلك الجاهل في عين علمه (العجز) المحقق عند العبد ذوق كعجز من توجه على صعود السماء وباشر الأسباب التي توهم إمكان الصعود بها فلم يقدر (عن درك) بالتحريك، أي تبعه (الإدراك)، أي الإحاطة بالحق تعالى يقال : عجز عن درك هذا البيع إذا لم يقدر أن يضمن تبعته، وعجز عن درك الإدراك إذا لم يقدر أن يضمن تبعة صحة الإدراك، لأن النفوس تزعم الإدراك وقل أن تعجز عن تبعة صحته ، فإذا عجزت يقال: عجز عن درك الإدراك حيث لم يقدر عليه (إدراك) للحق تعالى، أي إحاطة به.
وهذا الكلام منقول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما سئل بماذا عرفت ربك فقال: «عرفت ربي بربي». ثم قال: «العجز عن درك الإدراك إدراك».
قال تعالى: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)" سورة آل عمران.
فعلمهم الذي رسخوا فيه عجزهم عن المعرفة بدليل قولهم آمنا به كل من عند ربنا (ومنا)، أي من بعضنا عطف على ما قبله (من علم) في علمه ولم يجهل في عين علمه كالقسم الأول (فلم يقل مثل هذا القول) يعني العجز عن درك الإدراك أدرك (بل أعطاه العلم) بالله تعالى (السكوت) عن نفي علمه والحكم بأنه جهل، أو إثباته علما بالله تعالی على حسب استعداد العالم وما يليق بالمعلوم (كما)، أي الذي (أعطاه العجز) في القسم الأول من السكوت عن نفي ما علمه عنه تعالى أو إثباته ..
والحاصل أن العالم بالله تعالى إذا علم علمه يجد علمه حادثا قاصرا عن مناسبة كونه علما بالكامل القديم.
ثم يسمع في كلام الله تعالى تسميته علما في قوله تعالى : "فاعلم أنه لا إله إلا الله" 19 سورة محمد. "إنما يخشى الله من عباده العلماء" 28 سورة فاطر.
أي به وقوله : "علمناه من لدنا علما " 65 سورة الكهف.
ويسمع نفي العلم عن المحدثات في قوله تعالى : "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" 216 سورة البقرة . وقوله: "ولا يحيطون به علما" 110 سورة طه. " ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء" 225 سورة البقرة.
فإما أن يرجح عنده نفي العلم فيعجز ویسكت عن الوصف عجزة منه ويقول: العجز عن درك الإدراك إدراك.
وإما أن يرجح عنده العلم فلا يعجز، ولكن يعلم ويسكت عن الوصف علما به لقطعه بأن علمه حادث لا يليق بالقديم، وهو قول النبي عليه السلام حارثة : «عرفت فالزم» .
"الحديث : كيف أصبحت يا حارث قال : أصبحت مؤمنا حقا فقال : انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال : قد عزفت نفسي عن الدنيا وأسهرت لذلك ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها فقال : يا حارث عرفت فالزم ثلاثا"
أي الزم ما عرفته ولا تنفيه، وإن كان علمك حادثا لا يليق بالقديم (و) صاحب هذا القسم الثاني (هو أعلى عالم بالله) تعالى، لأنه علم جهده من العلم ولم يقصر، ثم علم علمه الذي علمه فأعطاه السكوت لكونه قاصرا فسكت كما سكت صاحب القسم الأول.
إلا أن الأول سكت عجزا عن العلم، والثاني سكت علما لا عجزا عن العلم، والمراد بالسكوت عدم التكلم بنفسه فلا ينافيه التكلم بربه .
قال رضي الله عنه : (وليس هذا العلم) بالله تعالى الذي يتزايد وينمو في كل آن، ومع ذلك يعطي السكوت عن نفيه وإثباته مع القدرة عليه لا مع العجز عنه كالقسم الأول.
فإن صاحب العجز واقف عند عجزه، وصاحب العلم منتقل مع علمه، في أي طور أنزله علمه نزل، فهو محمدي المشرب.
كما قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : "وقل رب زدني علما" 114 سورة طه. والسكوت يجمعهما، فلا كلام لهما وإنما الكلام لربهما لا لهما (إلا الخاتم الرسل) وهو من ختمت به رسل زمانه بأن تقدم في الرسالة من الله تعالى إلى أهل زمان من الأزمان الماضية على أقرانه، سواء وجد له أقران أو لم يوجد.
فموسى عليه السلام خاتم رسل زمانه بالنسبة إلى أخيه هارون وفتاه يوشع بن نون عليهما السلام.
وسليمان خاتم رسل زمانه بالنسبة إلى أبيه داود عليهما السلام، كما فضله على أبيه بزيادة العلم حيث قال تعالى :" ففهمناها سليمان" 79 سورة الأنبياء.
ثم ساوى بينهما بقوله : " وكلا آتينا حكما وعلما" 79 سورة الأنبياء.
وكذلك نوح عليه السلام خاتم رسل زمانه وإن لم يوجد في زمانه مثله.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم رسل زمانه وإن لم يكن في زمانه مثله.
ومع هذا هو خاتم النبيين أيضا وخاتم المرسلین بالمعنى الأعم، فختم النبوة وختم الرسالة بالمعنى العام أمران مخصوصان بمحمد ليس لأحد من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.
وختم الرسل أيضا بالمعنى الخاص وهو مقام مخصوص من مقامات المرسلين عليهم السلام، وليس هذا المقام مخصوصا بنبينا محمد عليه السلام بل كان خاتم الرسل أيضا بالمعنى الخاص يعني رسل زمانه كنوح وموسى وسليمان عليهم السلام وأمثالهم من المرسلين، وهذا مراد الشيخ قدس الله سره هنا.
قال رضي الله عنه : (و) كذلك (خاتم الأولياء) وهو الوارث لخاتم الرسل بالمعنى المذكور (وما يراه)، أي هذا العلم (أحد من الأنبياء والرسل) عليهم السلام بمعنى لا يجده فيه (إلا) مأخوذا (من) نور (مشكاة)، أي طاقة وهي الكوة في الجدار غير النافذة ، والمراد مصباح الحقيقة الروحانية المنفوخة في القلب الجسماني المنسوب إلى (الرسول الخاتم) للرسالة في كل زمان من الأزمنة الماضية على حسب المعنى الذي ذكرناه ، وسبب ذلك سر الوحدة الإلهية السارية في الكثرة الخلقية .
(و) كذلك (لا يراه أحد من الأولياء) في كل زمان إلى يوم القيامة (إلا من) نور (مشكاة الولي الخاتم) للولاية في ذلك الزمان (حتى أن الرسل) عليهم السلام فالأنبياء بالطريق الأولى لأنهم دونهم (لا يرونه)، أي هذا العلم المذكور (متى رأوه) إذ يروه كلهم (إلا) مأخوذا بالاستمداد (من) نور (مشكاة خاتم الأولياء) من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وهي ولاية النبوة والرسالة لا مطلق الولاية.
والحاصل أن الولاية على ثلاثة أقسام:
ولاية إيمان فقط.
وولاية إيمان ونبوة فقط.
وولاية إيمان ونبوة ورسالة.
والمراد بالأولياء هنا هذا القسم الثالث حتى لا يبقى مناقضة لقوله:
وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم يعني من حيث ختمه للولاية لا للرسالة ، ثم بين ذلك بقوله:
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال رضي الله عنه : (فاختلط الأمر) أي اختلط أمر المرئي وهو الصورة والمرآة وهو الحق في عين الناظر بسبب مشاهدته أن نفسه عین الحق إذ لا اختلاط في الواقع.
(وأبهم) أي وأشكل على التمييز بينهما ولهذا اختلف أهل التجلي الذاتي بأن كان بعضه فوق بعض في رتب العلم بالله (فمنا) أي فمن أهل التجلي (من جهل في علمه) بأمر المرئي أو علم نفسه ولم يعلم أنه عبد أو حق.
ولم يحكم على المرئي حكمة من العبودية أو الربوبية نعجز في علمه (فقال العجز عن درك الإدراك إدراك) فالتقاعد والعجز عن درك ما يعجز عن إدراكه غاية الإدراك.
فالعجز أعلى المقام في حق هذا المشرب لا في الواقع فهو عالم وجاهل من أن الرؤية تعطي العلم لكنه لم يعلم أي شيء هو.
(ومنا من علم) الأمر على ما هو عليه فعلم أن نفسه عین الحق من وجه وغيره من وجه. فميز بينهما في كل مقام (فلم يقل بمثل هذا) أي بمثل ما قال من جهال في علمه.
(وهو) أي عدم قول من علم (أعلى القول) أي قوله من عجز في علمه (بل أعطاه العلم السكوت) أي بل أعطى علم من علم السكوت (كما اعطاء العجز)، أي كما أعطى علم من جهل العجز.
والعلم الذي أعطى السكوت أعلى مرتبة من العلم الذي أعطى العجز .
فكيف لم يكن السكوت أعلى من القول (وهذا) أي الذي أعطى علمه السكوت ولم يظهر العجز (هو أعلى عالم بالله) من الصنف الآخر.
قال رضي الله عنه : (وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء) أي لا يتأتى علم العطايا الذاتية الذي أعطى السكوت لا حد من الله بالذات إلا لخاتم الرسل من حيث رسوليته وخاتم الأولياء من حيث ولايته .
والمراد بخاتم الأولياء ههنا خاتم الولاية المحمدية يدل عليه قوله من بعد وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا فقد ذكر في الفتوحات أنه رأى هذه الرؤيا فعبرها بانختام الولاية فذكر منامه للمشايخ الذين كان في عصرهم ولم يقل من الرأي فأولوه بما عبر به .
والظاهر أن المراد بخاتم الأولياء نفسه رضي الله عنه ومن قال : المراد بخاتم الأولياء عيسى عليه السلام اختلط عليه الأمر.
فإن عيسى عليه السلام خاتم الولاية العامة والولاية الخاصة المحمدية غير الولاية العامة وكذا ختمهما .
فعیسی علیه السلام، وإن كان رسولا وخاتما للولاية العامة لكنه يأخذ العلم من مشكاة ختم الولاية كسائر الأنبياء والرسل (وما يراه أحد من الأنبياء والرسل من حيث نبوتهم ورسالتهم (إلا من مشكاة الرسول الخاتم ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم حتى أن الرسل) من كونهم أولياء (لا يرونه) أي لا يأخذون هذا العلم (متى رأوه) أي متى أخذوه (إلا من مشكاة) أي من مرتبة (خاتم الأولياء) وإنما لم يروا الرسل هذا العلم إلا من مشكاة خاتم الأولياء.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قوله رضي الله عنه : "فاختلط الأمر وانبهم." الجميع يرجع إلى أن الأعيان الثابتة معان وهي صور علمه، وعلمه لا يغایر ذاته فليس إلا هو فانبهم الأمر.
و قوله رضي الله عنه: "فمنا من جهل في علمه ".
قلت: الذي جهل في علمه هو الذي ما تجاوز السفر الأول بل وقف عند نهايته ويسمى هذا المقام في اصطلاح المواقف النفرية "موقف الوقفة" فإذا أردت بیانه تماما، فأنظره من هناك .
وهذا المقام أيضا يسمى الوحدة المطبقة وقد ذكره ابن العريف في محاسن المجالس في شعر ذكره على قافية القاف وصورته :
فألقوا حبال مراسيهم ….. وغطوا فغطاهم وانطبق
فصاحب هذا المقام هو الذي يقول من عرف الله كل لسانه أي أراد أنه جهل وأما من عجز عن النطق وهو يرى أن المقام يقتضي النطق.
فذلك لم يجهل إلا العبارات مثل أن يكون عاميا أميا، فأدركه الفتح فصار من الخواص إلا أنه غير ناطق.
قال رضي الله عنه : "ومنا من علم فلم يقل مثل هذا، بل أعطاه العلم السكوت"
لأن المحجوبين لا يقبلون ما يقول وهم الأكثرون ولهم الحكم، فرأى أن السكوت أولى، فكتم ما عنده وهو قادر على الكلام.
وأما قوله: وليس هذا العلم إلا الخاتم الرسل وخاتم الأولياء."
فإني أقول أيضا: إن خاتم الرسل هو أيضا خاتم الأولياء وإن من جاء بعده من أمته ممن حصل له مرتبة خاتم الأولياء هو أيضا خاتم الأولياء، ولا يقدح تعدد الأشخاص إذا كانت المرتبة واحدة ولو كانت الأشخاص بلا نهاية في العدد.
وقد قال قائلهم شعرا :
لو أنهم ألف ألف في عددهم ……. عادوا إلى واحد فرد بلا عدد
فما لخاتم الأولياء مزية في الختمية إلا أن كان بالسبق" الزماني ولا أثر له " إلا إنا نعلم أن الولاية مرتبتها فوق مرتبة النبوة، والنبوة مرتبتها فوق مرتبة الرسالة.
فإذا جمعت الثلاثة لواحد كما جمعت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو ولي نبي رسول إلا أن ولايته فوق نبوته، ونبوته فوق رسالته، لأن الولاية هي حاله، عليه السلام، عندما قال: «لي وقت لا يسعني فيه غير ربي» فهو يلي الحق ويأخذ عن الحق تعالی بلا واسطة الملك.
وفي مرتبة النبوة يأخذ عن الحق تعالی بواسطة الملك والنبوة مشتقة من الإنباء وهو الإخبار بواسطة جبرائيل، عليه السلام.
لكن نبوته فوق رسالته لأن النبوة حديثها حديث جبرائيل معه، عليه السلام، وأما الرسالة، فحديثها حديث البشر فلا يخفى أن النبوة أعلى.
فقال: والعجز عن درك الإدراك إدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالم بالله.
وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء ، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه مني رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء."
أقول: إن خاتم الرسل هو أيضا خاتم الأولياء وإن من جاء بعده من أمته ممن حصل له مرتبة خاتم الأولياء هو أيضا خاتم الأولياء، ولا يقدح تعدد الأشخاص إذا كانت المرتبة واحدة ولو كانت الأشخاص بلا نهاية في العدد.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال رضي الله عنه :" فاختلط الأمر وانبهم ، فمنّا من جهل في علمه
وقال: العجز عن درك الإدراك إدراك " .
فاختلط الأمر واشتبه على الناظر ، وخفي الشهود ، ودقّ الكشف ، وجلّ الأمر عن الضبط والإحاطة والحصر ، وعزّ التجلَّي ، فاقتضى في بعض المشاهد والمشارب الحيرة والعجز والهيمان ، فأقرّ صاحبه بالعجز ، واعترف بالجهل .
بمعنى أنّ العلم بما لا يعلم أنّه لا يعلم علم ، والعلم بعدم إحاطة العلم بما لا يحاط به علما علم حقيقي به كذلك ، فالعلم بما لا يعلم وهو الجهل بما من شأنه أنّه لا يحيط به العلم غاية العلم به ، وعدم الانحياز إلى جهة معيّنة فيما لا ينحصر فيها هو حقيقة حيرة الكمّل ، والتقاعد والعجز عن إدراك ما يعجز عن إدراكه هو غاية الإدراك .
كما قال أبو بكر رضي الله عنه : والعجز عن درك الإدراك إدراك ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « ومنّا من علم ولم يقل مثل هذا وهو أعلى القول ، بل أعطاه العلم السكوت ، ما أعطاه العجز وهذا هو أعلى عالم بالله ، وليس هذا العلم إلَّا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء ،"
قال العبد أيّده الله به : المتحقّق بهذا الشهود في هذا المقام من لا يكون عينه الثابتة وصورة معلوميّته لله أزلا مخصوصة بخصوصية جزوية ، بل تكون محيطة كلَّية في مظهريته إحاطة أحدية جمعيّة تجمع في مظهرية عينه الغيبيّة حقائق المظهريات كلَّها .
فإنّها عين الأعيان وحقيقة الحقائق ، فالتجلَّي الذاتي له وفي قابليته يكون تجلَّيا أحديا جمعيا كماليا بحسب عينه وقابليته الأحدية الجمعية المطلقة ، فيشهد في هذا التجلَّي بظاهره ظاهر الحق وباطنه ، وبباطنه باطن الحق وظاهره ، وبأحدية جمعه القطبي وخصوصه الكمالي الحقّي ، يجمع بين جمعيّتي الظاهر والباطن .
ويشهده الحق أيضا كذلك في عين شهوده إيّاه ، كذلك عينه بعينه شهودا أحديا جمعيا مطلقا عن التعين والحصر في عين واحدة ، فيعطيه التجلَّي في هذا المقام الإحاطة بغاية العلم ، والسكوت وعدم الحيرة ، بل أعطاه التحقّق بالكلّ حقيقة على ما هو عليه الكلّ والسكوت .
وهذا الشهود لا يكون إلَّا للحقيقة الإنسانية الكمالية المحمدية الأزلية الأوّلية والأبديّة الختمية وهي حقيقة الحقائق الأحديّة الجمعية الأزلية الأبدية بين جميع الجمعيات السرمدية ، فافهم .
وإذا رزقك الله فهمه والكشف به أو الإيمان بما قلنا .
فاعلم : أنّ لهذه الحقيقة الجمعية الأحدية الكمالية تعيّنا أحديا جمعيا كماليا في مرتبة ظاهريّتها و باطنيّتها ، وغيبها وملكوتها ، فظاهريّتها النبوّة ، وباطنيّتها الولاية . ولكل واحد من التعيّن في المرتبتين صورة تفصيل جمعي بجميع التفاصيل ، وصورة جمع الجمع بين التفصيل وأحدية الجمع . وهذه هي الحقيقة المحمدية الكلَّية الكمالية الإحاطية الختمية ، والإنسان الذي يتعيّن به وفيه هو المظهر الأكمل ، والمراة الأجلى ، والمجلى الأشمل لذات الذات الإلهية وصفاتها وأخلاقها ونسبها وإضافاتها وأسمائها وأفعالها وحروفها وأحوالها .
فأمّا ظاهريّتها وهي جهة نبوّتها فمرآة ذات الألوهية ومظهرها ومجلاها ومنظرها وعرش أحديّة الجمعية للحقائق الوجوبية والأحكام الفعلية التي للربوبية .
وباطنها وهي ولايتها مرآة للهوية الحقيقية الأحدية الجمعية المطلقة .
ولكل واحد من مرتبتي النبوّة والولاية جمع وتفصيل .
والجمع جمعان : جمع قبل التفصيل ، وجمع بعد التفصيل .
ولكلّ واحد من الجمعين تعيّن في مرتبتي الفعل والتأثير والوجود ، والانفعال والتأثّر والإمكان وجمع بين الجمعين في أحدية جمع المرتبتين .
فالجمع الأوّل في المرتبة الأولى العليا لحقائق الوجوب والألوهية ورقائق الأسماء والربوبية هو لله الواحد القهّار الأحد ، والمظهر الظاهر لهذا الجمع في مقام التفصيل مجموع العوالم أمريّها وخلقيّها على كثرة أجناسها وأنواعها وتفاصيلها غير المتناهية واتّساعها.
لكون ظهور الآثار الإلهية وأحكام أسماء الربوبية على التمام والتفصيل إنّما هو في العالم كلَّه ، فجميع العوالم مظاهر تفاصيل الأسماء الإلهية ، والألوهية التي لها هذه الجمعية المحيطة بحقائق الفعل والتأثير والوجوب لذاتها تستلزم جمعية جمع الحقائق الكونية الانفعالية التفصيلية على الوجه الأتمّ ، حتى تظهر آثارها وأحكامها .
وهو مجموع العالم ، ومظهره في مرتبة الجمع الأوّل الجامع قبل التفصيل في مرتبة المظهرية الجمعية هو آدم عليه السّلام وهو الإنسان الأوّل ، ومنه يكون التفصيل الأحدي الجمعي ، فكما أنّ الجمع قبل التفصيل الأسمائي لله ، فكذلك أحدية جمع الجمع الأوّل بعد التفصيل المظهري الكياني العالمي لأوّل الإنساني صورة .
والتفصيل الأحدي الجمعي المظهري منه يكون على وجهين : معنويّ وصوري ، إذ كلّ واحد من الجمعين في كل واحدة من مرتبتي الظهور والبطون أعني الولاية والنبوّة إمّا أن يكون جمع الفرق ، أو جمع الجمع ، فالجمعية التي في آدم عليه السّلام جمعية أحدية جمعيات الصور المظهرية العنصرية الإنسانية قبل التفصيل ، فهو صورة جمع تجمع ظاهرية المظاهر الأحدية الجمعية .
ولهذا الجمع في مرتبة التفصيل الجمعي مظاهرهم الكمّل من النوع الإنساني من الأنبياء والأولياء من لدن آدم عليه السّلام إلى الختم الظاهر والختم الباطن.
فتفصيل الجمعية الإلهية جميع الأسماء التي لا يبلغها الإحصاء الظاهرة بالتفصيل في تفاصيل صور العالم الفرقانية كما مرّ ، فصور حجابيّات جمعيات هذا التفصيل الفرقاني الجمعي هم الكفّار المذكورون في القرآن من الفراعنة .
وتفصيل الأحدية الجمعية الإنسانية النورية الحقّية في الأناسيّ الكاملين إلى الختم ، والختم أحدية الجمع الجمعي الإنساني ولهذه المرتبة أحدية جمع جميع المحامد والكمالات الذاتية والإلهية :
فإن كانت في مرتبة ظاهرية الإنسانية الكمالية وهي النبوّة فالإنسان القائم بهذه الأحدية الجمعية الكمالية هو خاتم الأنبياء والرسل ، محمّد بن عبد الله ، المصطفى ، رسول الله وخاتم النبيّين صلَّى الله عليه وسلَّم اصطفاه الله ، لكمال أحدية جمع جمع الحكم الإلهية الربّانيّة والحقائق الوجوبية الفعلية المؤثّرة في المرتبة الكمالية الإنسانية ، وهو حامل لواء احمد وحمد الحمد الذي هو مأوى جميع محامد الجمع ومجامع الحمد .
وهذه الحقيقة الختمية النبويّة تنبئ جميع الحقائق المظهرية الإنسانية بحقائق الجمع الإلهي ، ولهذا « كان نبيّا وآدم بين الماء والطين » فلا تعيّن لحقيقة آدم إلَّا في الماء الإلهي ، وهو ماء الحياة والطهارة الفطرية التي في نفس النبوّة ، فافهم .
وإن كانت أحدية جمع جميع الكمالات والمحامد المذكورة في باطن المرتبة الكمالية الإنسانية الإلهية الذاتية وهي الولاية فالإنسان القائم بباطن أحدية جمع جميع الكمالات ، فإن كانت أحدية جمع الجمع الخصوصي .
فهو خاتم الولاية المحمدية الخاصّة ، وهو أكمل ورثة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم في المرتبة الختمية ، وإن كانت أحدية جمع جمع العالم في روح باطن الأحدية الجمعية الإنسانية الكمالية فالإنسان القائم بها هو عيسى روح الله وكلمته ، خاتم الولاية العامّة على الإطلاق في آخر نشأته الخصيصة بالولاية .
وإذا عرفت هذه الأصول ، عرفت أنّ اسم الحقيقة الإنسانية الكمالية الجمعية الأحدية على سبيل المطابقة هو " محمّد " فإن كانت الجمعيّة من حيث الظاهرية والنبوّة ، فمظهره أحدية جمع جمع الحقائق الوجوبية والنسب الإلهية والربوبية ، ولهذا الجمع الاختصاصي الختمي روح ومعنى وصورة ، فالصورة تجمع بين الروح والمعنى ، لأنّها أحدية جمع المعنوية والروحية ولوازمها وخصائصها .
فإذا اجتمعت الحقائق والمعاني اجتماعا أحديا ، ظهرت عليها صورة التسوية الإلهية ، ونفخ الله فيها بنفسه الرحماني روح الأحدية الجمعيّة الكمالية التي هي جامعة بين الجمعية الروحية وبين الجمعية المعنوية الحقيقية وبين الجمعية الجسدانية البشرية و هو « محمّد » صلَّى الله عليه وسلَّم والمخصوص بالجمعية الظاهرية أبو البشر .
والمخصوص بجمعية الروح ، الباطنية هو روح الله وكلمته .
قال رضي الله عنه : " وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلَّا من مشكاة الرسول الخاتم وما يراه أحد من الأولياء إلَّا من مشكاة الوليّ الخاتم حتّى أنّ الرسل لا يرونه متى رأوه إلَّا من مشكاة خاتم الأولياء " .
والمخصوص بجمعية الجمع بين الجمعيات الأحدية المذكورة في باطن المرتبة المعنوية الحقيقية ، هو خاتم ولاية الخصوص محمد بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن العربيّ منشئ الفصوص رضي الله عنه وجمعية هذا الختم جامعة بين روح الجمعية ومعناها وصورتها ، ومستلزمة لظاهريّتها بحقيقتها وفحواها.
ونسبته إلى خاتم النبوّة نسبة الابن الصلبي حقيقة ونسبة الروح نسبة الابن غير الصلبي ، وختمية البطون والولاية مشتركة بينهما .
ولم يكاشف بمقام هذا الختم الخصوصي من أولياء الله المتقدّمين إلَّا الإمام العلَّامة محمد بن علي الترمذي الحكيم ، صاحب « نوادر الأصول » وهو من مشايخ الطبقة العالية ، فتح له في الاطَّلاع على مقام هذا الختم .
فلمّا ذكره في كتبه ، واشتهر ذلك عنه بين علماء زمانه الأعلام من مشايخ الإسلام ، وإشرأبّت نفوس أهل الدعوى إلى هذا المقام ، وعلم ذلك منهم ، وأنّه : الولاية الخصوص . أقول : والجامع بين المرتبة الروحانية الباطنية والظاهرية هو الوليّ المطلق الذي كانت ولايته على قلب الحقيقة المحمدية والمعبّر عنه بالولاية الخاصّة هو عليّ بن أبي طالب باعتبار والمهديّ الموعود باعتبار آخر ، لجمعها بين النسبة المعنوية والظاهرية جلال آشتياني.
ليس لهم ذلك ، وخاف عليهم من دعوى بلا معنى ولا فحوى ، أنشأ كتابا جامعا لمسائل غامضة خصيصة له بالمشرب الختمي .
وذكر أنّه لا يشرحها على ما ينبغي إلَّا خاتم الأولياء ، وأنّه يطابق اسم هذا الخاتم المجيب اسم الحكيم السائل رضي الله عنه وكذلك اسم أبيه يطابق اسم أبيه ، فلمّا عثر أهل الدعوى على هذا المعنى ، نكصوا على أعقابهم ، ورجعوا إلى الله عن تراميهم إلى مقام الختم وانتسابهم .
ثم لمّا بعث هذا الخاتم في أقصى البلاد وهو المغرب من العرب ، شرح تلك المسائل ، وأوضح الحجج على تلك الدلائل ، وحصلت المطابقة بين الأسماء كما ذكر الحكيم .
فكان ذلك أحد البراهين الدالَّة على ختمية هذا الخاتم الصحيح نسبته من طيّئ إلى الحاتم ، كما قلنا في بعض مدائحه رضي الله عنه في رسالة لنا سمّيناها بالنصوص الواردة بالأدلَّة على ختمية ولاية الخصوص في الغرّاء الميمية من فتوح دار السلام ، شعر :
وخاتم حاتميّ الأصل من عرب ..... عزّت به من كرام الغرب أعجام
له بحولان أخوال جحاجحة ..... ومن صناديد آل الطيّ أعمام
القصيدة بطولها في الرسالة المذكورة ، فاطلبها منها إن شاء الله تعالى .
ومن الدلائل على ختميته ما روّينا من مشهده الغيبي القلبي الذي رآه بقرطبة من تنزّل أرواح السيّارات وأرواح منازل القمر وهي ثمانية وعشرون على عدد الحروف وأرواحها أيضا ، فإنّها تنزّلت في صور الجواري الحسان النورانيّات ، وباشرهنّ واقتضّهنّ جميعا ، وهذا المشهد لا يراه إلَّا أكمل ورثة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم في الختمية الخصوصية المذكورة ، على ما استدللنا بذلك على ختميته في تلك الرسالة ، فاعلم ذلك .
ومن دلائل ختميته رضي الله عنه أيضا أنّه كان بين كتفيه في مثل الموضع الذي كان لنبيّنا خاتم النبيّين صلَّى الله عليه وسلَّم علامة مثل زرّ الحجلة ، ثابتة لهذا الخاتم أيضا تقعير يسع مثل زرّ الحجلة ، إشارة إلى أنّ ختمية النبوّة ظاهرة عليّة فعليّة ، وختميته رضي الله عنه باطنة انفعالية خفيّة .
قال رضي الله عنه في قريض نظمه في بعض مشاهده ، حكاية عنه تعالى لملائكته فيه رضي الله عنه شعر :
ولمّا أتاني الحقّ ليلا مبشّرا ..... بأنّي ختام الأمر في غرّة الشهر
وقال لمن قد كان في الوقت حاضرا ..... من الملإ الأعلى من عالم الأمر
ألا فانظرا فيه فإنّ علامتي ..... على ختمه في موضع الضرب بالظهر
وفيه : أنا وارث لا شكّ علم محمّد ..... وحالته في السرّ منّي وفي الجهر
وأنّي لختم الأولياء محمّد ..... ختام اختصاص في البداوة والحضر
القصيدة بطولها في الرسالة وفي الديوان .
ومن دلائل ختميته أيضا قال رضي الله عنه في قريض له في أوّل الفتوح المكَّي ، قال ونظمه في عين المشهد ، شعر :
الله أكبر والكبير ردائي ..... والنور بدري والضياء ذكائي
والشرق غربي والمغارب مشرقي ..... وحقائق الخلق الجديد أماني
والنار غربي والجنان شهادتي ..... والبعد قربي والدنوّ تنائي
وإذا انصرفت أنا الإمام وليس لي ..... أحد أخلَّفه يكون ورائي
فهو الخاتم ، وقال فيه مستشهدا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا المشهد الأقدس ، والتجلَّي الأنفس الآنس شعر :
يا سيدي حقّا أقول فقال لي ..... صدقا نطقت فأنت ظلّ ردائي
فاحمد وزد في حمد ربّك دائما ..... فلقد وهبت حقائق الأشياء
من كل حق قائم بحقيقة ..... يأتيك مملوكا بغير شراء
يشير إلى ما ذكرنا من تنزّل الأرواح لسعته حين قطابته .
وقال أيضا :
وأنا ختم الولاية دون شكّ ..... بورث الهاشميّ مع المسيح
ومن ذلك إيراده رضي الله عنه ما أورده في الفصوص ، من ختميات مقامات الكمال في النبوّة من مشرب الخصوص ، لأرباب صفاء الخلوص .
وهاهنا لا يستقصى ذكر الدلائل على ختميته في هذا الكتاب ، فقد سبق لنا في كتاب النصوص في ختم ولايته الخصوص ما فيه شفاء العليل ،وبرد الغليل.
" وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ".
قال العبد لله : مشكاة خاتم الأولياء عبارة عن الولاية الخاصّة المحمدية ، ومشكاة خاتم الأنبياء عبارة عن النبوّة الخاصّة الختمية الشرعية ، وهي اختصاص من الله لرسوله بخصوصية ذاتية له صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا المقام أوجبت كونه خاتم النبيّين .
وهي أحدية جمع النبوّات التي كانت متفرّقة في جميع الأنبياء ، وهم صور تفصيلها ، والنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صورة أحدية جمعها ، ولأنّ النبوّة ظاهر الولاية ، والولاية باطنها ، إذ النبوّة عبارة عن نسبة اختصاصيّة للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بين أمّته وبين الله من كونه واسطة بينه تعالى وبينهم ، وسمّيت هذه النسبة وسيلة يتوسّل بها إلى الله أمّته ، وولايته عبارة عن النسبة التي بين الله وبين النبيّ من غير وساطة أحد .
أشار إليها بقوله : " لست كأحدكم ، لست كهيئتكم " وسمّاها فضيلة ، وحرّض الأمّة عند الأذان بسؤال هاتين الدرجتين كما تقول له : وأعطه الوسيلة والفضيلة ، فإنّ الفضيلة للنبيّ على أمّته من جهة هذه النسبة التي لا واسطة فيها بين النبيّ وربّه.
ومن حيث هذه النسبة العليّة يأخذ عن الله وينزّل الله عليه الحكم والأحكام الإلهية في نفسه وأمّته بما فيه مصالحهم الظاهرة المعيشية الدنياويّة ومصالحهم الدينية الأخراوية الروحانية .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
سوى عينه كما علمت قال رضي الله عنه : (فاختلط الأمر وانبهم ) وهو أن المرئي غير عين الحق في صورة العبد . فيكون العبد مرآة الحق أو عين العبد في صورة الحق .
فيكون الحق مرآة العبد (فمنا من جهل الأمر في علمه فقال : العجز عن درك الإدراك إدراك) أي غاية الإدراك هو الاعتراف بالعجز عن إدراك الأمر كما هو وهو التحير المطلوب.
في قوله : رب زدني تحيرا ( ومنا من علم ولم يقل مثل هذا ) أي علم أن الحق من حيث ذاته مرآة عين العبد أي لذاته ، والعبد مرآة الحق باعتبار أسمائه .
ولم يقل بالعجز ( وهو أعلى القول ) أي من القول بالعجز لأنه علم حقيقة الأمر على ما هو عليه ( فلم يعطه العلم العجز كالأول بل أعطاه العلم السكوت ما أعطاه العجز ) أي من العارفين من تحير في التمييز بين مرئية الحقية والعبدية ، ومنهم من سكت ولم يتحير ولم يقل بالعجز وهو أعلى.
( وهذا هو أعلى عالم باللَّه وليس هذا العلم ) بالأصالة ( إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء ، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم ، ولا يراه أحد من الأولياء ، إلا من مشكاة الولى الخاتم ، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ) أي الرسل كلهم يأخذونه من خاتم الرسل وهو يأخذ من باطنه من حيث أنه خاتم الأولياء لكن لا يظهر لأن وصف رسالته يمنعه فإذا ظهر باطنه في صورة خاتم الأولياء يظهره .
والحاصل أن الرسل والأولياء كلهم يرونه من مشكاة خاتم الأولياء .
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:45 عدل 4 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الرابعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال رضي الله عنه : (ﻓﺎﺧﺘﻠﻂ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺍﻧﺒﻬﻢ) ﺃﻱ، ﻓﺎﺧﺘﻠﻂ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ ﻭ ﺍﻧﺒﻬﻢ ﺃﻧﻪ ﺣﻖ ﺃﻭ ﻋﺒﺪ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻳﺮﻯ ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻴﻨﻪ، ﻭﺍﻟﺤﻖ ﻳﺮﻯ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ، ﻭﻋﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺣﻖ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ، ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺅﻩ ﻋﻴﻨﻪ.
ﻓﺎﻧﺒﻬﻢ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻤﺮﺍﺋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺗﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﺣﻖ ﺃﻭ ﻋﺒﺪ. (ﻓﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﻞ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻪ) ﺃﻱ، ﺗﺤﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺣﺎﻝ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻬﺎ. "ﻓﻘﺎﻝ: "ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺩﺭﻙ ﺍﻹﺩﺭﺍﻙ ﺇﺩﺭﺍﻙ.
ﻭ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺃﻱ، ﻣﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. (ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻞ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﻭﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ). ﺃﻱ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻤﺜﻠﻪ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻮﻝ، ﻷﻥ ﻓﻴﻪ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﺠﺰ.
(ﺑﻞ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﺍﻟﻌﺠﺰ) ﺃﻱ، ﺃﻋﻄﺎﻩ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺎﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﻜﺖ ﻭﻻ ﻳﻀﻄﺮﺏ ﻛﻤﺎ ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻵﺧﺮ ﺍﻟﻌﺠﺰ.
(ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ) ﻷﻧﻪ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﻭﻳﻌﻄﻰ ﺣﻖ ﻛﻞ ﻣﻘﺎﻡ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻪ. (ﻭﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻻ ﻟﺨﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻭﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ) ﻷﻥ ﺍﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ، ﻛﻠﻴﻬﺎ ﻭ ﺟﺰﺋﻴﻬﺎ، ﺟﻠﻴﻠﻬﺎ ﻭﺣﻘﻴﺮﻫﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻟﻤﻦ ﻟﻪ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻇﺎﻫﺮﺍ ﻭﺑﺎﻃﻨﺎ، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻭﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ. ﺃﻣﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ، ﻓﻠﻜﻮﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻻ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻣﺮﺍﺗﺒﻪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻤﺪﺓ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻭ ﺃﻣﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻓﻸﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻻ ﻳﺄﺧﺬﻭﻥ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﺇﻻ ﻣﻨﻪ، ﺣﺘﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﻞ، ﺃﻳﻀﺎ، ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺗﻪ ﻭﻣﻘﺎﻣﻪ.
ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺃﺷﺎﺭ ﺑﻘﻮﻟﻪ: (ﻭﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ)، ﻭﻻ ﻳﺮﺍﻩ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺓ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ، ﺣﺘﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻻ ﻳﺮﻭﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﺭﺃﻭﻩ (ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺓ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ).
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺃﻣﻬﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻫﻲ ﺩﺍﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ، ﻭﻣﻈﻬﺮﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﺻﺎﺭﺕ ﺃﻣﺘﻪ ﺧﻴﺮ ﺍﻷﻣﻢ ﻭ ﺷﻬﺪﺍﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻫﻮ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻳﺰﻛﻴﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻬﻢ.
ﻭﻗﺎﻝ صلى الله عليه وسلم ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: "ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺃﻣﺘﻲ ﻛﺄﻧﺒﻴﺎﺀ ﺑﻨﻰ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ " ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﺄﺧﻮﺫﺍ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻣﻪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻗﺪ ﺍﻧﺨﺘﻤﺖ ﻣﺮﺗﺒﺘﻬﺎ ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ، ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﻓﻴﻤﻦ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﻌﺪ ﻟﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺨﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻭﻫﻮ ﻋﻴﺴﻰ عليه السلام ﻛﻤﺎ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﺑﻴﺎﻧﻪ.
ﻭﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻫﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ، ﻷﻧﻪ ﻫﻮ ﻣﻈﻬﺮ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺣﺠﺐ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ ﻟﻠﺨﻠﻖ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﻏﻴﺒﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻟﻠﺨﻠﻖ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺻﺎﺣﺐ ﻭﻻﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﻈﻬﺮ ﻟﺠﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻈﻬﺮ ﺣﺼﺔ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺟﻤﻌﻪ.
ﻓﺨﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻭﻻﻳﺔ ﻧﻔﺴﻪ، ﻻ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻼ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻨﻘﺺ. ﻭﻣﺜﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺎﺯﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﻋﻄﻰ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻟﻠﺤﻮﺍﺷﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺷﻴﺌﺎ ﻭ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﺃﻳﻀﺎ، ﻓﺎﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺃﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﻛﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺷﻲ ﻭﻻ ﻧﻘﺺ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال رضي الله عنه : "فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: "والعجز عن درك الإدراك إدراك"، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالم بالله. وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء"
قال رضي الله عنه : (فاختلط الأمر) أي: أمر التجلي الذاتي في نفسه، (وانبهم) على المتجلى له؛ فلا يتميز عنده تجلي الذات عن تجلي الأسماء والصفات؛ لعدم المغايرة الموجبة للتمييز بينهما إلا بطريق الذوق لبعض الكل.
وإليه الإشارة بقوله: (فمنا) أي: من أهل تجلي الذات (من جهل في علمه) تمييز تجلي الذات عن تجلي الأسماء والصفات، فقال: العجز عن درك الإدراك أي: عن تميز التجلي الذاتي عن الأسمائي إدراك لما عليه أمر التجلي من الاختلاط والإبهام، والعجز عن الدرك نفس الجهل ومن ملزوماته، وقد جعله عين الإدراك الذي هو العلم.
ومنا من علم أي: ميز بين التجلي الذاتي والأسمائي مع هذا الاختلاط والإيهام بأن أحدهما، وإن لم يكن غيرا للآخر؛ فليس أيضا عينه، ولم يقل مثل هذا لاستلزامه جعل أحد النقيضين أو ملزومه عين الآخر.
وهو أي: التمييز بينهما على القول أي: أصوب الاعتقادات (بل) عطف على قوله: لم يقل (أعطاه العلم السكوت) عن بيان ذلك؛ لضيق العبارة، وخوف ضلال العامة، وإنما أخره عن قوله، وهو أعلى القول؛ لأنه لو قدمه عليه التوهم أن المسكوت عنه أعلى الاعتقادات، وهو باطل بل الأعلى هو أجزم، وإن كان مما ينبغي أن يسكت عنه عند حضور العامة، وهذا الذي ميز بين التجليين، وسكت عن بيانه عند العامة (أعلى عالم بالله) يطلع على تجلياته، ويراعي الأدب معه؛ فلا يعبر عن أسراره بما يوهم العامة خلاف الواقع تقية منه، فإن العلم بالله موجب للتقوى منه "إنما يخشى الله من عباده العلماء " [فاطر:28]، فهو بهذه المعرفة، وهذا السكوت جميعا صار على عالم بالله، فلذلك أخر هذا الكلام عن قوله، بل أعطاه العلم السكوت.
قال رضي الله عنه : (وليس هذا العلم) أي: تمييز التجلي الذاتي عن الأسمائي مع عدم المغايرة بينهما بطريق الكشف على وجه الأصالة، لغاية كماله (إلا لخاتم الرسل، وخاتم الأولياء) لكونهما أجمع لأسرار الرسالة والولاية، فناسبهما هذا العلم بالذات، وخاتم الولاية شخص يظهر في آخر عهد عيسى عليه السلام ، فيشهد له عیسی، و كفی به شهيدا على ما صرح به الشيخ في كتابه المسمی بـ "عنقاء المغرب في معرفة ختم الأولياء، وشمس المغرب " ، وجعل في «الفتوحات» خاتم الولاية المطلقة عيسى، وخاتم الولاية المحمدية رجلا من العرب، ويجب تأويله بأن عیسی خاتم الولاية التي للأنبياء، والرجل المذكور يظهر بالولاية المخصوصة بمحمد دون ولاية سائر الأنبياء.
قال رضي الله عنه: "وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء."
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
(فاختلط الأمر وانبهم؛ فمنا من جهل في علمه) لغلبة حكم الإمكان والمظهرية عليه.
فقال: (والعجز عن درك الإدراك إدراك) مفصحا عما يقتضيه مشهده الذاتي من تعانق الأطراف وجمعية الأضداد.
( منا من علم) أن ذلك الجهل الذي في العلم هو منتهی مراتب العلم ، إلا أن القول بذلك الكلام يدل على عدم وصوله إلى هذا العلم ، (فلم يقل مثل ذلك) مع أنه هو الكلام الكاشف عن كنه مقتضى هذا الموطن .
(وهو أعلى القول ، بل أعطاه العلم السكوت ، ما أعطاه العجز) لعدم انقهاره تحت أحكام الإمكان ومظهريته الخلقية ؛ ( وهذا هو أعلى عالم بالله ) حيث لم ينقهر بقوة استعداده الذاتي لمقتضيات ذلك المشهد العظيم من تجاذب الأطراف المتعانقة ، وتخالف أحكامها المتضادة ، بل أحاط بالكل علما ، ولم يتأثر من تلك الأحكام وهو أعلى عالم بالله . .
(وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء) فإنهما هما الواصلان في الحقائق والمعارف إلى أقاصي كمالها بجزئياتها وكلياتها ، وصورها ومعانيها ، وهي حضرة متعانق الأطراف ومجتمع الأضداد ، كما علم من آثارها ، حيث أن الجهل في عين العلم بها ، والعجز عن إدراكها هو إدرا ككا ، وأن معلوميتها تقتضي الخفاء ومجهوليتها الإظهار إلى غير ذلك وهذه الحضرة هي المسماة في لسان الاصطلاح بالهوية المطلقة والتعين الأول ، يقال لها بهذا الاعتبار الحقيقة المحمدية ، فإن الحقيقة من كل أحد هي مستند المعرفة التي له من الحق .
ولذلك قال رضي الله عنه : ( وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم ، وما يراه أحد من الأولياء إلآ من مشكاة الولي الخاتم ) .
ثم إن هذا العلم لما كان من الكمالات المعنوية والحقائق الكلية التي لا تتحول أحكامها بتبدل أجزاء الزمان ، ولا ينقرض بانقراض تنوعاته ، يكون من خصائص أطوار الولاية ولوامع أنوارها ، فكل من أظهر لمعة منه إنما يكون ذلك من عين الولاية مقتبسة من مشكاة خاتمها ضرورة .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال رضي الله عنه : "فاختلط الأمر و انبهم: فمنا من جهل في علمه.
فقال: "و العجز عن درك الإدراك إدراك"، و منا من علم فلم يقل مثل هذا و هو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز و هذا هو أعلى عالم بالله."
قال رضي الله عنه : (فاختلط الأمر) أمر المرآة و الرائي والمرئي. (وانبهم) أن كل واحد منهما حق أو عبد (فمنا من جهل) ولم يميز بين هذه المراتب (في) عين (علمه) بها بطريق الذوق والوجدان .
(فقال: والعجز عن درك الإدراك إدراك)، أي التحقق بالعجز عن الحق إدراك ما لا يدرك غاية الإدراك والعجز عن حصول العلم بما لا يعلم نهاية العلم به.
وفي الأساس طلبه حتى أدر كه ، أي ألحق به وأدرك منه حاجته، وبلغ الغواص درك البحر وهو قعره ومنه درك النائر .
وفي الصحاح : القعر الآخر درك وذرك. وفي النهاية في غريب الحديث في الحديث : "أعوذ بك من درك الشقاء". الدرك : اللحان والوصول إلى الشيء أدر كته إدراك ودركا .
(ومنا من علم) تلك المراتب و میز عينها . فإنه علم أن مراتب الحق سبحانه لأنيتك الوجودية باعتبار ظاهر وجوده وأنت الرائي والمرئي فإنك ترى نفسك فيه بل هو الرائي والمرئي ولكن فيك .
ومرآتيته لعينك الثابتة باعتبار باطن علمه وأنت الرائي والمرئي بل هو ولكن فيك.
وكذلك علم أن مرآتيتك تلحق سبحانه إنما هي باعتبار وجودك العيني أو العلمي والراني هو الحق سبحانه إما من مقامه الجمعي أو منك.
والمرئي أيضا هو الحق سبحانه لكن باعتبار خصوصية صفة أو اسم أنت مظهره، فإن الوجود الحق باعتبار إطلاقه لا يسعه مظهر (فلم يقل مثل هذا القول) المنبئ عن الاعتراف بالعجز .
(وهو)، أي والحال أن القول بالعجز (أعلا القول)، أي عذر ما يقال في هذا المقام وجعل بعض الشارحين الضمير لعدم القول.
وقال : معنى أعلا القول أعلا من القول، ولا يبعد أن يقال معناه حينئذ أن عدم القول بالعجز أعلا ما يقال في هذا المقام .
فإن عدم القول بالعجز على لسان الحال بكمال العلم (بل أعطاه)، أي من علم (العلم السكوت ما أعطاه)، أي من جهل في علمه العلم العجز والاعتراف به (وهذا)، أي الذي أعطاه العلم السكوت (هو أعلى عالم بالله) و مراتب تجلياته والتمييز بينها. وليس هذا العلم الذي يعطي صاحبه السكوت بالأصالة.
قال رضي الله عنه : "و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، و ما يراه أحد من الأنبياء و الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة و النبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ".
قال رضي الله عنه : (إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء وما يراه)، أي يرى هذا العلم والشهود وما يأخذه.
(أحد من الأنبياء والرسل) من حيث أنهم أولياء لا من حيث أنهم أنبياء ورسل، فإن هذا العلم ليس من حقائق النبوة إلا من مشكوة الرسول الخاتم من حيث ولايته (ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم) التي هي جهة باطنية الرسول والخاتم .
(حتى أن الرسل) أيضا من حيث أنهم أولياء (لا يرونه متى رأوه إلا من مشكوة خاتم الأولياء) التي هي مشكوة ولاية الرسول الخاتم.
وإلا لم يصح كلا الحصرین معا حصر رؤية المرسلين أولا في مشكوة خاتم الأنبياء وحصرها ثانية في مشكاة خاتم الأولياء فمشكاة خاتم الأنبياء في الولاية الخاصة المحمدية وهي بعينها مشكوة خاتم الأولياء، لأنه قائم لمظهريتها وإنما أسند هذه الرؤية إلى مشكاة خاتم الأولياء.
(فإن الرسالة والنبوة) اللتين هما جهة ظاهرية الرسول الخاتم (أعني نبوة التشريع ورسالته) التي هي تبليغ الأحكام المتعلقة بحوادث الأكوان لا نبوة التحقيق التي هي جهة باطنية .
وهي الإنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب.
(ينقطعان) بانقطاع موطن التكليف بل بانقطاع الرسول الخاتم عن هذا الموطن فكيف يستند إليه ما لا ينقطع.
(والولاية لا تنقطع أبدأ)، فإنها من الجهة تلي الحق سبحانه وهي باقية دائمة ابدا سرمدا وأكمل مظاهرها خاتم الأولياء فلهذا أسندت الرؤية المشار إليها إليه .
ولا يخفى عليك أنه لو فرض عدم انقطاع النبوة لا يصح إسناد هذا العلم إليها أصلا فإنه من حقائق الولاية لا النبؤة .
فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه من العلم الذي يعطى صاحبه السكوت (إلا من مشكوة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء وإن كان خاتم الأولياء) بحسب نشأته العنصرية .
.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء. )
قال المصنف رضي الله عنه : (فاختلط الأمر و انبهم فمنا من جهل في علمه . بل أعطاه العلم السكوت كما أعطاه العجز . و هذا هو أعلى عالم بالله، و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل و خاتم الأولياء، و لا يراه أحد من الأنبياء الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، و لا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء .)
قال الشارح رحمة الله :
( فاختلط الأمر ): أي أمر الوجود و أيهم فإنه لأحب لوائح القدم في صفائح العدم، فظهرت أشياء في مجالي الحق صورا في الوجود، فتداخلت الصفات و الأسماء الإلهية و الكونية، فأنبهم الأمر، و التفت الساق بالساق و صارت الحيرة الكبرى المساق .
و بيان ذلك أنه لما صحّ على الحادث من حيث هو حادث أنه فقير متأخر، و أنه مرآة القديم الواجب في رؤية أسمائه .
و على القديم أنه مرآة الحادث في رؤية نفسه: أي في بروزه له و ليس أحدهما غير الآخر من حيث الوجود، فاختلط الأمر (و أنبهم) على أهل الأفكار و العقول المعقولة، فقصروا عن هذا الإدراك، و هم لا يشعرون أن فضورهم من نسبة تجلي الذات لها باسم من أسمائها التي ظهر الكون بهم، و هو الاسم المانع، فبطن هذا العلم عنهم، فكان لهم غيبا .
فلهذا قال رضي الله عنه: قمنا: أي من الكمل من جهل في علمه: أي علمه بأنه عينه، فقال: و العجز عن درك الإدراك بإدراك الحق الحيرة بالإدراك و العلم لأنه علم أنه لم يعلم، فلمّا علم من علوم مقام الحيرة لأهل التجلي، فأعطاه مقام العلم .
ورد في الخبر الصحيح : " رب زدني فيك تحيرا".
و لو لا التحير علم لما سأل صلى الله عليه و سلم الزيادة فيه لأنه أمر يقل رب زدني علما، هذا إذا كان الإدراك بمجرد الاستدلال أو بالتعريف الإلهي، و أما إذا كان يتجلى إلهي، إمّا من قرب النوافل أو قرب الفرائض فلم يعجز عن الإدراك .
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و الثلاثين و ثلاثمائة:
فالقول بالعجز و إن كان هذا القدر هو المسمى بمعرفة الله، و لكن لوجودي بقوله صاحب هذا القول، فإنه لا يرى الله أبدا، كما لا يعلمه أصلا، إلا أنه يبدي له من الله ما لم يكن يحتسب و يعلم ما لم يعلم، و يرى ما لا يراه كما ورد في الأثر : " إنه يرى ما لا رأت عين"
فإنه يرى و يعلم أنه هو، فإن الصحيح: إنه تعالى يعلم و يرى و لو بعد حين، و يتصف العبد بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم بالدليل لا به .
فلهذا قال رضي الله عنه: (و منا من علم و ذلك) من مقام المشاهدة التي هي الصمت و الخرس و السكوت، (فلم يقل مثل هذا ): أي بالعجز .
ورد في الأثر الصحيح أنه قال صلى الله عليه و سلم: " إن الله ليلوم على العجز فأنل من نفسك الجهد فإن غلبت فقل توكلت على الله أو حسبي الله ونعم الوكيل ". الحديث رواه عوف بن مالك رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . والطبراني في مسند الشاميين
و في حديث: "أحزان الله ليلوم على العجز قاتل من نفسك الجهد" الحديث . رواه أبو إمامة ذكره في جمع الجوامع لأنّ القول بالعجز دعوى القوة و المقابلة من حيث لم يشعر بل هذا مقام ليس له لسان لأنه من مقام توحيده إياه توحيده .
و كما قيل: إنّ التوحيد بحر و الكلام ساحله، و توحيده الحقيقي توحيده لنفسه بنفسه من غير أثر لسواه إذ لا سوى هناك، فافهم .
( و هو على القول ): أي القول و الذهاب إلى ترك القول أعلى القول لأن المقام ما يعطي القول و الكلام، فإنه خروج عن المتصد
بل أعطاه العلم بأنه عينه السكوت و هو العجز عن القول لا العجز عن الإدراك، فافهم .
حتى تفرق بين العجزين عجز هو عين القوة، و عجز استفيد منه .
كما ورد في الخبر: " أعوذ بك من العجز و الكسل". الحديث
و إنما قال رضي الله عنه: السكوت و لم يقل: الصمت، و الخرس للمغلوب بخلاف السكوت فإنه لصاح قادر علىالكلام، و سكوته لحكمه أرادها، و كما أعطاه العجز : أي العجز عن درك الإدراك، فافهم .
فإني ترجمان لسان الحقائق لا يقيدها بالعلل و الأعراض و لأنه نسبها بالأغراض و لا يتقيد بالإنكار و الأعراض .
( و هذا أعلى عالم بالله) لأنه علم الحق بعلمه بنفسه، فعلم ما في نفسه سبحانه كما علم ما في نفسه، و لم يصرح بالعجز لأنه ما حاول أمر العجز عن حمله و إدراكه، و كيف لا! و قد قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا ليعْبدُونِ" [الذاريات: 56] .
قال العارف بالله: أي ليعرفون كلامه إمّا للغاية وإمّا للحكمة، فلو كانت المعرفة محالة فلم تقع غاية الخلق مع أنه ورد في الحديث: " من عرف نفسه فقد عرف ربه".
و أعرفكم بالنفس أعرفكم بالله، و أمثال هذا كثيرة في القرآن و الأحاديث .
كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم : "انتقال أن هذا الأمر إلى الله فمن يسّره للهدى تيسر و من يسّره للضلالة كان فيها" رواه الواقدي و ابن عساكر عن سعد بن عمر و الهذلي مرسلا، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
والضلالة هي: الحيرة كما ورد في القرآن: "إنّك لفِي ضللاك القدِيمِ" [ يوسف: 95]: أي حيرتك القديمة، فافهم .
( و ليس هذا العلم ): أي العلم الذي أعطي العالم به السكوت إلا لخاتم الرسل بالأصالة و خاتم الأولياء بالجمعية، و هو المعتني الفرد الذي انفرد بهذا العلم من أقرانه و إخوانه من المخمدين .
( و ما يراه ): أي العلم الذي يعطي السكوت، و هو العلم بأنه عينه أحد من الأنبياء و الرسل من حيث أنهم أنبياء و رسل إلا من مشكاة الرسول الختم، و لا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم هذه أسوة حسنة للخاتم في الخاتم .
و ذلك من مقام باطن النبوة المحمدية و هي: الشعرة التي في خاتم الولاية من خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم بل في ذلك يقع الميراث .
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل الحل والعقد والإكرام والإهانة ونشأة الدعاء في صورة الإخبار وهو منزل محمدي :
ومن نور مشكاتهم عرفناه لأن الله رزقنا الاتباع الإلهي والاتباع النبوي.
فأما الاتباع الإلهي فهو قوله تعالى "وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ" فالله في هذه المعية يتبع العبد حيث كان فنحن أيضا تتبعه تعالى حيث ظهر بالحكم.
فنحن وقوف حتى يظهر بأمر يعطي ذلك الأمر حكما خاصا في الوجود فنتبعه فيه .
ولا نظهر في العامة بخلافه كسكوتنا عن التعريف به أنه هو إذا تجلى في صورة ينكر فيها مع معرفتنا به. فهو المقدم بالتجلي.
وحكم الإنكار فنحن نتبعه بالسكوت وإن لم ننكر ولا نقر فهذا هو الاتباع الإلهي .
وأما الاتباع النبوي الذي رزقنا الله فهو قوله "لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" [ الأحزاب: 21] .
ثم إنه أتبعنا وتأسى بنا في صلاته إذا صلى بالجماعة فيكون فيها الضعيف والمريض وذو الحاجة فيصلي بصلاتهم فهو صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم المتبع والمتبع اسم مفعول واسم فاعل .
ثم أمرنا أن نصلي إذا كنا أئمة بصلاة إلاضعف فاتبعنا الرحمن بما ذكرناه فنحن التابعون .
واتبعنا الرحمن بما تعطيه حقائقنا من الاحتياج والفاقة فيمشي بما نحن عليه فنحن المتبوعون فانظر ما ذا تعطي حقائق السيادة في العبيد وحقائق العبادة والعبودية في السيادة .أهـ انتهى كلامه رضي الله عنه .
( حتى أن الرسل) الذين هم الأفضلون على الإطلاق إلا من مشكاة خاتم الأولياء لأنه خارج الولايات المحمدية و الهبات و العطايا الختمية، و كما عرفت أنه قد أحاط بكل شيء علما و وجودا بل هو عين الأشياء علما و وجودا لأنه تجلى له كل شي ء في كل شيء فعلم كل شيء بعلمه بنفسه، ثم يعلمه بنفسه علم الحق لأنه تعالى عين كل شيء .
و قال خاتم الأولياء رضي الله عنه كما قال سيده خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم : " إنه تجلى له كل شيء فعرف كل شيء"
كما ورد في الحديث بلفظه، فاستحق خاتم الخاتم بهذا الأمر بإتمام مكارم الأخلاق مع الله تعالى و هو إمام قد جعل الله تعالى أمور الخلق طرا بيده من خليفة إلى عريف و وضيع و شريف وصاحب و صاحبه ووالد ووالده و خادم ودابة وحيوان ونبات وجماد في ذات وصفات وجوهر وعرض.
فراعى جميع ذلك مراعاة الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل فما صرف الأخلاق الإلهية إلا في سيده .
فلما كان بهذه المثابة قيل فيه ما قيل في خاتم الرسل: "و إنّك لعلى خُلقٍ عظِيمٍ" [ القلم: 4] فكان ذا خلق و لم يكن ذا تخلق .
ذكر رضي الله عنه في الباب الرابع و الثلاثين وخمسمائة من الفتوحات:
إنّ هذه الآية تليت علينا تلاوة تنزّل إلهي من أول السورة إلى قوله:"عتل بعْد ذلك زِنيمٍ" [ القلم: 13] عرّفنا الحق في هذه التلاوة المنزلة من عند الله في المبشرة التي أبقاها الله علينا من الوحي النبوي وراثة نبوية لله الحمد، ورثته فيها من قوله تعالى: "ولا تكُ في ضيْقٍ مِمّا يمْكُرون" [ النحل: 127] .
و في قوله تعالى: "و لقدْ نعْلمُ أ نّك يضِيقُ صدْرك بما يقُولون" [ الحجر: 97] .
و قوله تعالى: "فأعْرضْ عنْ منْ توّلى عنْ ذكْرنا ولمْ يردْ إلّا الحياة ُّ الدنيا" [ النجم: 29] .
فشكرت الله على ما حققني به من حقائق الورث النبوي، و أرجو أن أكون ممن لا ينطق عن هوى نفسه، جعلنا الله منهم، فإنّ ذلك من عين العصمة الإلهية انتهى كلامه .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:45 عدل 3 مرات
كالسفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الخامسة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء؟ و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. )
(فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع) لا نبوة التبليغ (ورسالته)، أي التشريع لا التبليغ (ينقطعان) في الزمان لا في الثبوت بحيث يزولان عمن يتصف بهما أبدا، وقد انقطعت النبوة والرسالة بنبوة نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بحيث لم يبق أحد يتصف بذلك إلى يوم القيامة (والولاية لا تنقطع أبدأ) بل هي باقية إلى يوم القيامة كل من عمل بشروطها التي هي طهارة الظاهر والباطن من البدع والمخالفات، والتحلية بالأعمال الصالحة نالها، ومن لا فلا.
واعلم أن طور الولاية هو الكشف في الحضرات الإلهية، وطور النبوة هو الكشف في الحضرات الملكية.
وطور الرسالة هو الكشف في الحضرات الإنسانية ، ولا يمكن أن يوجد الكشف في الحضرات الملكية والبشرية إلا بعد الكشف في الحضرات الإلهية.
ولهذا لا يكون نبي أو رسول إلا وهو ولي، وأما الكشف في الحضرات الإلهية فإنه يوجد من دون الكشف في الحضرات الملكية والبشرية فيكون وليا وليس بنبي ولا رسول.
وهذه الكشوفات الثلاثة قد تكون مع التشريع بطريق الأصالة وقد تكون مع التبليغ بطريق الوراثة.
كما يشير إليه قوله تعالى: «قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " 108 سورة يوسف.
فقد سوى بينه وبين من اتبعه في البصيرة وليست إلا العلم بما ذكر، والفارق الاتباع والاستقلال، فالمتبوع مشرع والتابع وارث، فالذي ينقطع التشريع الإرث
(فالمرسلون) عليهم السلام (من) جهة (كونهم أولياء)، وهذه جهة العلم بالله تعالى من حيث هو تعالى لا من جهة كونهم أنبياء.
لأنها جهة العلم بالله من حضراته الملكية، ولا من جهة كونهم رسلا، لأنها جهة العلم بالله من حيث حضراته الإنسانية.
وهذا العلم مما يتعلق به تعالى من جهته تعالى من حيث هو في نفسه (لا يرون)، أي يشهدون (ما ذكرناه) من العلم السابق بيانه (إلا من) نور (مشكاة خاتم الأولياء) من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام كما مر.
فإن ختم الولاية في زمان المرسلين الماضين عليهم السلام لم يكن إلا في ولاية النبوة، كولاية الخضر عليه السلام وولايته الرسالة فقط، وأما ولاية الإيمان فحقها في هذه الأمة في كل زمان في كلمة شيئية إلى يوم القيامة، ومعلوم أن المرسلين ليسوا في هذه الأمة.
قال الشيخ رضي الله عنه: (فكيف) حال (من دونهم)، أي دون المرسلین علیهم السلام (من الأولياء) ولاية نبوة أو ولاية إيمان فإنهم لا يرون ذلك العلم إلا من مشكاة خاتم الولاية بالطريق الأولى، فأصحاب الولاية النبوية لا يرونه من خاتم الولاية النبوية، وأصحاب الولاية الإيمانية يرونه من خاتم الولاية الإيمانية .
(وإن كان خاتم الأولياء) سواء كان ولاية نبوة أو ولاية رسالة أو ولاية إيمان (تابعة في الحكم) العملي (لما جاء به) من عند الله تعالى .
(خاتم الرسل) في كل زمان من الأزمنة الماضية بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين والمستقبلة بالنسبة إلى أولياء الإيمان (من التشريع)، أي البيان الإلهي كالخضر عليه السلام خاتم ولاية النبوة في زمان موسی علیه السلام.
فكان موسى عليه السلام متبعا له ليرى هذا العلم من مشكاته، وهو متبع لموسى عليه السلام من حيث تشريع الأحكام، ولهذا أفاده موسی علیه السلام أن خرق السفينة وقتل الغلام أمران منكران في ظاهر الحكم.
والحاصل أن الرسالة والنبوة اللتين قد انقطعتا إلا أن لهما ولايتان ولكل ولاية
منهما خاتم فى كل زمان من تلك الأزمنة الماضية وكذلك ولاية الإيمان الباقية إلى
يوم القيامة لها خاتم في كل زمان.
وهذا العلم مخصوص بخاتم الولاية من المرسلين أو الأنبياء والمؤمنين، ولا يراه أحد من المرسلين أو الأنبياء في زمن وجودهم إلا من مشكاة خاتم ولا يتهم.
فكذلك لا يراه أحد من أولياء المؤمنين إلى يوم القيامة إلا من مشكاة خاتم ولايتهم.
(فذلك)، أي كون خاتم الأولياء من المرسلين أو الأنبياء أو المؤمنین تابعة الخاتم الرسل في التشريع (لا يقدح في مقامه) الذي هو ختم الولاية.
فإنه مقام عالي بالنسبة إلى من لم يكن خاتمة من نوعه ذلك لحصوله على ذلك العلم بطريق الأصالة وغيره بالتبعية له (ولا يناقض ما ذهبنا إليه) من كون من لم يكن خاتمة لا يرى ذلك إلا من مشكاة الخاتم بطريق التبعية له في ذوقه ذلك.
(فإنه)، أي خاتم الأولياء المذكور (من وجه یكون أنزل)، أي أدنى منزلة ممن تابعه (كما أنه)، أي خاتم الولاية (من وجه) آخر (يكون أعلى) من غيره .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
(فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع ورسالته) لا الرسالة والنبوة بمعنى الإخبار عن الحقائق الإلهية فإنهما لا تنقطعان (تنقطعان) لكونهما من الصفات البشرية وهما ظاهر الولاية والظاهر لا يرى ما يراه من كونه باطنا إلا من مشكاة الباطن.
قال رضي الله عنه : (والولاية لا تنقطع أبدا فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء وإن كان خاتم الأولياء تابعة في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك) .
أي كون خاتم الأولياء تابعا لما جاء به الرسول الختم (لا يقدح في مقامه) أي لا يمنع متبوعيته لخاتم الرسل فيما ذكرناه (ولا يناقض) كونه تابعا (ما ذهبنا إليه) من أنه متبوع في ذلك العلم الخاص .
(فإنه) أي خاتم الأولياء (من وجه) أي من حيث إنه تابع لخاتم الرسل (يكون أنزل) أي تحت خاتم الرسل في هذه المرتبة.
(كما أنه من وجه) أي من حيث إنه متبوع له (يكون أعلى) أي فوقه فيما ذكرنا فلا يناقض ولا ينبغي أن يتوهم أفضلية خاتم الأولياء على خاتم الرسل وغيره في ذلك الوجه الخاص.
وهو كونه متبوعا لخاتم الرسل في رتبة علم التجلي الذاتي لأن قوله من وجه يكون أعلى لا يدل إلا على تقدمه في ذلك العلم ولا يلزم منه الأفضلية في تلك المرتبة.
فإن أفضلية الممكن وشرفه ليست بالتقدم والمتبوعية سواء كان في رتب العلم بالله أو في غيره ولا في حد ذاته وإنما كانت أفضليته بتكريم الله تعالى إياه وتشريفه.
كقوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم " 70 سورة الإسراء. أي جعلناه مكرما فكان مكرما من عند الله لا من عند نفسه ومرتبته .
و كقوله : "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" 253 سورة البقرة . فكان فضل بعض على بعض بتفضيل الله تعالى ."وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)" سورة النساء.
كما قال الشيخ رضي الله عنه فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفة وما ورد النصوص على أفضلية الأنبياء وسيادتهم عند الله على الأولياء إلا على الإطلاق وفي كل مرتبة .
فما كان الممكن شريعة و فاضلا إلا بالنص الإلهي لا بالمتبوعية في رتب العلم.
ألا ترى أن علم الله تابع للعموم والمعلوم أنت وأحوالك وهل يلزم من التقدم في تلك المرتبة أفضليتك من هذا الوجه .
فإن الله محيط من ورائهم من وجوداتهم وأحوالهم من الظواهر والبواطن وليست ذات المعلوم وماهيته أمرا مستقلا في نفسه حتى يكون الواجب الوجود لذاته بل هو أثر حاصل من تجليات أسمائه وصور علمه فلا جعل في نفس الماهية.
فإن الله تعالى موجب لأسمائه وصفاته ومقتضياتهما ومختار في إعطاء الوجود إلى الماهية فالجعل لا يكون إلا بعد مرتبة الصفات والأسماء ومقتضياتهما فذات المعلوم.
تجميع أحواله من المتبوعية وغيرها كل ذلك من إعطاء الله تعالى وإنما يثبت أفضليته من حيث هو متبوع على التابع إذا لم يكن متبوعية ذلك المتبوع من التابع، فكان التابع من حيث إنه تابع أفضل من المتبوع من حيث إنه متبوع لكون المتبوعية له من إعطاء التابع..
فكان الله أعلى وأشرف على معلوماته من كل الوجوه .
فكذلك ختم الرسل لكونه جامعا لجميع المراتب التي كانت في حق المخلوق فهو محیط بجميع المراتب الإمكانية وتابعيه ختم الرسل بختم الأولياء تابعية صاحب القوى قواه في أخذ مراداته.
وكذلك صاحب الأسباب تابع لأسبابه لتحصيل بعض أفعاله فكان خاتم الأولياء مرتبة من مراتب ختم الرسل .
وهو معنى قوله وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل وهو معنى قوله : فما يلزم الكامل وبه أخذ من خزينة الحق هذا العلم كما أخذه عن جبرائيل عليه السلام علم الشرائع وهو "خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم" مفضل على جبرائيل بالنص الإلهي .
والنص على إطلاقه فلزم أنه مفضل عليه من كل الوجوه . فثبت بالنص أن خاتم الرسل مفضل على خاتم الأولياء في ذلك الوجه لعموم النص على جميع الوجوه فخاتم الأولياء خادم لختم الرسل لأخذه هذا العلم عن المعدن .
فكان المراد من قوله من وجه يكون أعلى بيان لزيادة مرتبة خاتم الأولياء من الوجه المذكور ولا يلزم منه الأفضلية من هذا الوجه عند الله إذ الزائد قد يكون أدنى من الإنزال لتوسط الإنزال .
فأنزلية ختم الرسل منه من جملة كمالاته ليست بمعنى الدناءة وقد نزل القرآن وحمد على تنزيله ولو دليتم بحبل لهبط على الله .
فنزول الشريف اللطيف عين كماله ، ولما بين مرتبة خاتم الأولياء أورد الدليل الشرعي على ما ذهب إليه تسهيلا لفهم الطالبين .
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
فقال رضي الله عنه : " فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى."
إلا إنا نعلم أن الولاية مرتبتها فوق مرتبة النبوة، والنبوة مرتبتها فوق مرتبة الرسالة.
فإذا جمعت الثلاثة لواحد كما جمعت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو ولي نبي رسول إلا أن ولايته فوق نبوته، ونبوته فوق رسالته، لأن الولاية هي حاله، عليه السلام، عند ما قال: «لي وقت لا يسعني فيه غير ربي» فهو يلي الحق ويأخذ عن الحق تعالی بلا واسطة الملك .
وفي مرتبة النبوة يأخذ عن الحق تعالی بواسطة الملك والنبوة مشتقة من الإنباء وهو الإخبار بواسطة جبرائيل، عليه السلام.
لكن نبوته فوق رسالته لأن النبوة حديثها حديث جبرائيل معه، عليه السلام، وأما الرسالة، فحديثها حديث البشر فلا يخفى أن النبوة أعلى وقد ذكر الشيخ هذا المعنى في بيت شعر وهو قوله:
مقام النبوة في برزخ …… دوين الولي وفوق الرسول
ومراده ما ذكرناه وقوله: حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، أمره سهل مما ذكرناه، لأن الرسل من كونهم رسلا هم تحت مرتبة خاتم الأولياء لكن إذا كانوا في مرتبة خاتم الأولياء فالمشكاة المذكورة لهم.
والولاية كما قال الشيخ: لا ينقطع وكلام الشيخ فيما بقي واضح.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
قال رضي الله عنه : « فإنّ الرسالة والنبوّة أعني نبوّة التشريع ورسالته تنقطعان ، والولاية لا تنقطع أبدا ، فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلَّا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء ؟ ! " .
قال العبد أيّده الله به : من كونه واسطة بينه تعالى وبينهم ، وسمّيت هذه النسبة وسيلة يتوسّل بها إلى الله أمّته ، وولايته عبارة عن النسبة التي بين الله وبين النبيّ من غير وساطة أحد .
أشار إليها بقوله : " لست كأحدكم ، لست كهيئتكم " وسمّاها فضيلة ، وحرّض الأمّة عند الأذان بسؤال هاتين الدرجتين كما تقول له : وأعطه الوسيلة والفضيلة ، فإنّ الفضيلة للنبيّ على أمّته من جهة هذه النسبة التي لا واسطة فيها بين النبيّ وربّه.
ومن حيث هذه النسبة العليّة يأخذ عن الله وينزّل الله عليه الحكم والأحكام الإلهية في نفسه وأمّته بما فيه مصالحهم الظاهرة المعيشية الدنياويّة ومصالحهم الدينية الأخراوية الروحانية .
ثم يوصل من تلك الحكم والأحكام في صور الأوضاع الشرعية الفرعية ، والأوامر والنواهي المرضيّة المرعيّة من حيث النسبة الأولى أعني النبوّة إلى الأمّة ما يليق بأحوالهم ويناسبهم ويدعوهم إلى الله والتعبّد له فيها وبها .
وعلى هذا يكون كلّ نبيّ ينبئ عن الله أمّته بما أمر بإنبائه ممّا أنبأه الله عن نفسه ودينه نبيّا وليّا ، ولا يلزم أن يكون كل وليّ نبيّا ، فالنبيّ إنّما يأخذ نبوّته وأحكام شريعته بولايته ، فإنّ حقيقة الولاية القرب والسلطان والنصرة ،وأنهى درجات القرب ارتفاع الوساطة.
كما قال : « لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل » والنبوّة لا تكون إلَّا بواسطة الملك الذي يوحي إلى النبيّ .
فمشكاة الولاية وإن كانت لرسول الله ، ولكنّها تخصّ بالقائم المتعيّن فيها ، فيقال فيها : إنّها مشكاة خاتم الأولياء .
فهذا معنى قوله : رضي الله عنه : « حتّى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلَّا من مشكاة خاتم الأولياء » يعني إذ أشهد الله الرسل والأنبياء علوما وأسرارا خصيصة بالولاية والقرب ، فإنّما يشهدهم من حيث الولاية الخاصّة بمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم أو من حيث الولاية العامّة .
ولا سيّما وسرّ القدر الذي ينافي ويباين علمه علم مقام الدعوة من الأمر والنهي ، كما أومأ إليه أبو العبّاس الخضر عليه السّلام لموسى عليه السّلام بقوله عليه السّلام : « أنا على علم علَّمنيه الله ، لا تعلم أنت ، وأنت على علم علَّمك الله لا أعلمه أنا » .
أي لا ينبغي لكل واحد منّا الظهور بما يباين مرتبته ومقامه .
والنبيّ يأخذ من الحكم الإلهية ما قدّر له أن يأخذ من جهة ولايته على ثلاثة أنحاء :
حكمة تختصّ به دون أمّته .
وحكمة يشارك فيها أمّته .
وحكمة يختصّ بها أمّته دونه .
ولا يأخذ النبيّ هذه الحكم إلَّا من حيث مشكاة الولاية .
ثم لمّا كانت النبوّة نسبة بين الخلق والنبيّ ، فهي منقطعة ولا بدّ ، يعني أنّه لا ينزل الملك إلى أحد بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشريعة مخالفة لهذه الشريعة أبدا ، فهي منقطعة لذلك .
وأمّا الولاية فغير منقطعة ، لأنّ الأخذ عن الله وإلقاءه وتجلَّيه وتعليمه وإعلامه وإلهامه غير منقطعة أبدا عن أولياء الله ، لأنّ الله سمّى نفسه بالوليّ الحميد ، ولم يسمّ بالنبيّ ولا الرسول ، وإذا لم يكن هذا السرّ المذكور أيضا من شهوده تعالى بالعين الثابتة مشهودا للرسل والأنبياء إلَّا من مشكاة الخاتم الوليّ ، فبالحريّ والأوجب أن لا يشهده الأولياء إلَّا من هذه المشكاة ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من الشرائع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه ، فإنّه من وجه يكون أنزل ، كما أنّه من وجه يكون أعلى " .
يعني رضي الله عنه : أنّ الاتّباع والاقتداء بشريعة الرسول الخاتم ، لا يقدح في علوّ مقام خاتم الولاية التابع لخاتم الأنبياء ، فإنّ الولاية من أحد وجوهها الاشتقاقية هي كمال التبعية للرسول الإلهي الحقّ ، ونصرته ونصرة شريعته .
والسلطان الذي يعطي ويورث التابع شرف الاطَّلاع والشهود ، فإنه قد يكون من وجه أعلى منه من وجه آخر ، يعني أنّ التابع من حيث النبوّة ، المتبوع من حيث الولاية هو من ولايته أعلى منه من حيث تابعيّته ، كما أنّه من وجه وباعتبار أنزل منه كذلك . ولا تظنّنّ أنّ الوليّ أعلى من الرسول ، فليس كذلك .
بل الأفضلية بين الوليّ التابع من كونه تابعا جامعا لمراتب الولاية وبين نفسه أيضا من كونه متبوعا ، فهو من كونه متبوعا في مقامات الولاية أعلى منه من كونه تابعا في الشريعة الظاهرة ، فافهم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
قال رضي الله عنه : ( فإن الرسالة والنبوة أعنى نبوة التشريع ورسالته تنقطعان ) إنما قيد النبوة بالتشريع احترازا عن نبوة التحقيق فإن النبي له جهتان تبليغ الأحكام المتعلقة بحوادث الأكوان والإخبار عن الحق وأسمائه وصفاته وأحوال الملكوت والجبروت .
وعجائب عالم الغيب وهو باعتبار التبليغ رسول وشارع ونبوته تشريعية وباعتبار الأنباء عن الغيب وتعريف الحق بذاته وأسمائه ولى ونبوته تحقيقية .
فرسالة التشريع ونبوته تنقطعان لأنهما كمال له بالنسبة إلى الخلق .
وأما القسم الآخر فمن مقام ولايته التي هي كمال له بالنسبة إلى الحق لا بالنسبة إلى الخلق بل كمال حقانى أبد .
كما قال ( والولاية لا تنقطع أبدا ) فهو باعتبار ولايته أشرف منه باعتبار رسالته ونبوته التشريعية فخاتم الرسالة من حيث الحقيقة هو خاتم الولاية .
ومن حيث كونه خاتما للولاية معدن هذا العلم وعلوم جميع الأولياء والأنبياء وهو مقامه المحمود الذي يبعثه فيه فاعلم ذلك حتى لا تتوهم أنه محتاج في علمه إلى غيره .
وهو معنى قوله ( فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء ) .
قال رضي الله عنه : "وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه ، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى "
إشارة إلى أن خاتم الأولياء قد يكون تابعا في حكم الشرع كما يكون المهدى الذي يجيء في آخر الزمان .
فإنه يكون في الأحكام الشرعية تابعا لمحمد صلى الله عليه وسلَّم ، وفي المعارف والعلوم والحقيقة تكون جميع الأنبياء والأولياء تابعين له كلهم .
ولا يناقض ما ذكرناه لأن باطنه باطن محمد عليه الصلاة والسلام ولهذا قيل إنه حسنة من حسنات سيد المرسلين وأخبر عليه الصلاة والسلام بقوله « إن اسمه اسمى وكنيته كنيتي فله المقام المحمود » .
ولا يقدح كونه تابعا في أنه معدن علوم الجميع من الأنبياء والأولياء فإنه يكون في علم التشريع والأحكام أنزل كما يكون في علم التحقيق والمعرفة باللَّه أعلى .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
قال رضي الله عنه : (ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﺃﻋﻨﻲ ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻭﺭﺳﺎﻟﺘﻪ، ﺗﻨﻘﻄﻌﺎﻥ ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻻ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺃﺑﺪﺍ).
ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺰﻣﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﻨﻘﻄﻊ ﺑﺎﻧﻘﻄﺎﻉ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺻﻔﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ بـ "ﺍﻟﻮﻟﻲ" ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﻭﻗﺎﻝ: "ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ..." ﻓﻬﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﺃﺯﻻ ﻭﺃﺑﺪﺍ.
ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ.
ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺟﺎﻣﻌﻴﺔ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻟﺨﺎﺗﻢ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻇﻬﻮﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﻟﺨﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻓﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭﺍﺳﻄﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ.
ﻭﻣﻦ ﺃﻣﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﺯ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﺳﻄﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﻻ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻮﻝ ﻛﻮﻥ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻈﻬﺮ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﻭﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﺳﻄﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ. ﻭﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: (ﺃﻋﻨﻲ ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻭﺭﺳﺎﻟﺘﻪ) ﺳﺮ،
ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ:
ﻗﺴﻢ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺸﺮﻳﻊ.
ﻭﻗﺴﻢ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﻧﺒﺎﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻐﻴﻮﺏ ﻭﺇﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ، ﻭﻛﺸﻒ ﺳﺮ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺘﺮﺓ ﺑﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﻇﻬﻮﺭ ﻣﺎ ﺳﺘﺮﻩ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺃﺧﻔﻰ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺎﻟﻤﺮﺳﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺓ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻓﻜﻴﻒ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ).
ﻭﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻋﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ: (ﺇﻥ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﺗﺤﺖ ﻟﻮﺍﺋﻪ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺗﺤﺖ ﻟﻮﺍﺀ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ).
قال رضي الله عنه : (ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻟﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻓﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻘﺪﺡ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻭﻻ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﻣﺎ ﺫﻫﺒﻨﺎ ﺇﻟﻴﻪ) ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﺒﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ.
ﻭﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺨﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻬﺪﻯ. ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﻴﺦ، ﻗﺪﺱ ﺳﺮﻩ، ﺻﺮﺡ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻴﺴﻰ غليه السلام . ﻭﻫﻮ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﻢ، ﻭﺍﻟﻤﻬﺪﻯ ﻣﻦ ﺃﻭﻻﺩ ﺍﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ. ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺬﻛﺮﻩ ﺑﺄﻟﻔﺎﻇﻪ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻧﺰﻝ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻋﻠﻰ.) ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺃﻧﺰﻝ ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺃﻋﻠﻰ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
قال رضي الله عنه: "فإن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. "
والمشار إليه في «العنقاء»، فهو خاتم الولاية للكل، ولذلك (ما يراه) بطريق الكشف (أحد من الأنبياء والرسل) ذكرهما لئلا يتوهم أن للأنبياء خاتما آخر كما للرسل پری الأنبياء من مشكاته دون مشكاة خاتم الرسل لا بل هو واحد، وإن وقع التعدد في خاتم الولاية على ما قررنا (إلا من مشكاة الرسول الخاتم)، وهي ما يلوح له منه نور الكشف، (ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم) لمزيد المناسبة بين كل متجانسين
(حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء)؛ لأنهم أول ما يرونه يرون، وهم أولياء والنبوة تحصل لهم بعد ذلك، وحال الرسالة لا تزول عنهم تلك الرؤية، بل تحصل من المشكاتين جميعا، وبعد انقطاعها تبقى لهم الرؤية من مشكاة خاتم الولاية لا غير.
(فإن الرسالة): وهو تبليغ الاعتقادات الحقة، والأحكام الحكيمة، وما يترتب عليهما (والنبوة) أنباء أسرارها، ومبانيها (أعني: نبوة التشريع ورسالته) قيد بذلك.
لأن النبوة بمعنى: إعلام الحق إياهم بأسراره وإرساله الأملاك إليهم لإكرامهم لا ينقطع أبدا، وهي جهة عالية دائمة بخلاف نبوة التشريع ورسالته فإنهما (تنقطعان) بعد دخول الجنة والنار على ما صرح به في الفص العزيري فتنقطع مشكاتهما فلا تكون جميع أوقات الرؤية أوقات رسالة التشريع ونبوته، (والولاية) التي للأنبياء وغيرهم (لا تنقطع أبدا) فلا تنقطع مشكاتها.
(فالمرسلون من كونهم أولياء) لا من كونهم رسلا أو أنبياء، فإنهم يرونه من مشكاة الرسالة والنبوة التي ليست للتشريع دائما، والتي للتشريع حين (لا يرون ما ذكرناه) من تميز التجلي الذاتي عن الأسمائي بطريق الذوق (إلا من مشكاة خاتم الأولياء)، وإن كانت ولايتهم أكمل من ولايته، إلا أنه الذي ظهر بها دونهم لاختصاصهم بالظهور بالنبوة والرسالة .
""وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.
وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم؛ وفي تأبير النخل، فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجل إلى التقدم في رتب العلم بالله: هنالك مطلبهم.""
يدل على ذلك قول الشيخ في «الفص العزيري»: أن ولاية الأنبياء هي الفاضلة على نبوهم التشريعية دون ولاية الأولياء، ويدل عليه العقل أيضا، وهو أنه لو كان أتم منهم في الولاية؛ لفاضت عليه النبوة والرسالة كما فاضتا على من دونه، على ما هو مقتضى السنة الإلهية في وجوده، ويدل عليه أيضا قول الشيخ هنا: (فكيف من دونهم من الأولياء؟)،
وإذا انتسبت إلى خاتم الأولياء مشكاة الولاية التي منها رؤية الأنبياء صار خاتم الأولياء كأنه متبوع للأنبياء، (وإن كان خاتم الأولياء تابا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع) الذي هو دون ولاية الأنبياء فكيف تابعا لهم في ولايتهم في الحقيقة، وإن كان كأنه متبوع لهم في الظاهر.
(فذلك) أي: كون خاتم الأولياء تابعا في الحقيقة (لا يقدح في) علو (مقامه) الذي أوجب كونه كأنه متبوع للأنبياء باعتبار نسبة مشكاة الولاية إليه، (ولا يناقض) كونه تابعا (ما ذهبنا إليه) من كونه متبوعا بالنسبة إلى أمر واحد، (فإنه) أي: خاتم الأولياء (من وجه يكون أنزل)، وهو النظر إلى الحقيقة يكون فيها تابعا، (كما أنه من وجه يكون أعلى)، وهو النظر إلى الظهور بالولاية التامة يكون فيها متبوعا.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. )
ولذلك قال رضي الله عنه : (حتى أن الرسل لايرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء .)
"فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع " لا نبوة التحقيق الكاشفة عن المواطن المعادية والمواقف المحشرية ، فإن ذلك أيضا من شعاشع أنوار الولاية التي لا تختلف باختلاف الزمان وصروف الدوران (ورسالته تنقطعان) لأنهما مبنیتان لأحوال أفعال مكلفي كل دور من الأدوار الزمانية ، حسبما يقتضيه ذلك الزمان منها ، فتنقرض انقراضها ضرورة (والولاية لاتنقطع أبدا) لأنها الكاشفة عن الحقائق الكلية المستقرة ، على حال واحدة من الأزل إلى الأبد.
(فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلآ مشكاة خاتم الأولياء) ؛ فكيف من دونهم من الأولياء فخاتم الأولياء هو السابق في مضمار هذا النوع من الكمال ،وغيره من لواحقه وتوابعه.
قال رضي الله عنه : (وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه یكون أنزل).
وهو وضع الصور الجزئية والهيئات والأوضاع الجعلية، المنطوية على الحقائق الكمالية، (كما أنه من وجه يكون أعلى)، وهو كشف المعاني الكلية والعلوم اللدنية الذاتية والحقائق الكمالية المعربة عن كنه المراد منها، فيكون متبوعا من وجه، تابعا من آخر، على ما اقتضاه الصورة الوجودية من الأمر الدوري والنظم، الربطي الوحداني الامتزاج.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 12 يوليو 2019 - 6:36 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الخامسة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الخامسة عشر : الجزء الثاني
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. )
قال رضي الله عنه : " فإن الرسالة و النبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع "
قال رضي الله عنه : (فإن الرسالة والنبوة) اللتين هما جهة ظاهرية الرسول الخاتم (أعني نبوة التشريع ورسالته) التي هي تبليغ الأحكام المتعلقة بحوادث الأكوان لا نبوة التحقيق التي هي جهة باطنية .
وهي الإنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب.
(ينقطعان) بانقطاع موطن التكليف بل بانقطاع الرسول الخاتم عن هذا الموطن فكيف يستند إليه ما لا ينقطع.
(والولاية لا تنقطع أبدأ)، فإنها من الجهة تلي الحق سبحانه وهي باقية دائمة ابدا سرمدا وأكمل مظاهرها خاتم الأولياء فلهذا أسندت الرؤية المشار إليها إليه .
ولا يخفى عليك أنه لو فرض عدم انقطاع النبوة لا يصح إسناد هذا العلم إليها أصلا فإنه من حقائق الولاية لا النبؤة .
فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه من العلم الذي يعطى صاحبه السكوت (إلا من مشكوة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء وإن كان خاتم الأولياء) بحسب نشأته العنصرية (تابعة في الحكم) الإلهي (لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك)، أي كونه تابعا بحسب نشأته العنصرية .
قال رضي الله عنه : " فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. "
قال رضي الله عنه : (لا يقدح في مقامه) الذي يقتضي المتبوعية بحسب حقیقته (ولا يناقض ما ذهبنا إليه) من أن المرسلين لا يرون هذا العلم إلا من مشكوة خاتم الأولياء.
(فإنه من وجه) وهو كونه وليا تابعا بحسب نشأته العنصرية (يكون أنزل) مرتبة من الرسول الخاتم من حيث رسالته (كما أنه من وجه) وهو کونه جهة باطنية الرسول الخاتم باعتبار حقيقته (يكون أعلا) مقاما منه بحسب نبوته وظاهر شرعه.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (فإِن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. )
قال المصنف رضي الله عنه : (فإن الرسالة و النبوة أعنى نبوة التشريع و رسالته تنقطعان، و الولاية لا تنقطع أبدا . فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء ؟. و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
قال الشارح رحمة الله :
( فإنّ الرسالة و النبوة) أعني: نبوة التشريع ينقطعان بانقطاع النبي و الرسول و الولاية لا تنقطع أبدا، و هنالك الولاية لله الحق و بقاؤها ببقائه، و الله الولي الحميد فالأخذ من هذا الوجه: أي وجه الولاية لم ينقطع فالاستمداد دائم، و إمداد أتم فالأخذ يكون بواسطة أوسع التعينات فإنه باق ببقائه لا بإبقائه .
فقوله رضي الله عنه: لا تنقطع أبدا: أي في الدنيا و الآخرة، أشار إلى رتبته السنية الذهبية الباقية فإنه ورد في الخبر: " إنّ الناس كالمعادن فمنهم من معدن الذهب و منهم من معدن الفضة"
و غير ذلك لأنه حامل الأخلاق المحمدية و قيوم نواميس الأحمدية فلا تنقطع و لا تنسخ أبدا .
و هو كما أشار رضي الله عنه: إنّ قطبا من الأقطاب المحمدي الحامل لوائه لا يموت أبدا و به قوام الدين المحمدي كأنه يشير إلى رتبة الخاتم، خاتم الولاية المحمدية الصرفة، فإنّ له رتبة الولاية الذهبية و لها البقاء، و أمثال هذا سائغ في التعريفات الإلهية .
قال تعالى: " ولا تحْسبنّ الّذِين قتلوا في سبيلِ اللّهِ أمْواتاً بلْ أحْياءٌ عِنْد ربِّهِمْ يـرْزقون" [ آل عمران: 169] .
و شائع في النبوات كإدريس عليه السلام رفعه الله مكانا عليا، و كعيسى عليه السلام رفعه الله إليه، و خضر عليه السلام فإنه حي يرزق، و أمثالها كثيرة .
قال رضي الله عنه في الباب السادس و الستين و ثلاثمائة:
وكذلك خضر واسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام كان في جيش فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماء وكانوا قد فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منه فعاش إلى الآن وكان لا يعرف ما خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء
ولقيته بإشبيلية وأفادني التسليم للشيوخ وأن لا أنازعهم وكنت في ذلك اليوم قد نازعت شيخا لي في مسألة وخرجت من عنده . فلقيت الخضر بقوس الحنية فقال لي سلم إلى الشيخ مقالته.
فرجعت إلى الشيخ من حيني فلما دخلت عليه منزله فكلمني قبل إن أكلمه وقال لي يا محمد أحتاج في كل مسألة تنازعني فيها أن يوصيك الخضر بالتسليم للشيوخ .
فقلت له يا سيدنا ذلك هو الخضر الذي أوصاني؟ . قال نعم .
قلت له الحمد لله هذي فائدة ومع هذا فما هو الأمر إلا كما ذكرت لك .
فلما كان بعد مدة دخلت على الشيخ فوجدته قد رجع إلى قولي في تلك المسألة وقال لي إني كنت على غلط فيها وأنت المصيب .
فقلت له يا سيدي علمت الساعة أن الخضر ما أوصاني إلا بالتسليم ما عرفني بأنك مصيب في تلك المسألة فإنه ما كان يتعين على نزاعك فيها فإنها لم تكن من الأحكام المشروعة التي يحرم السكوت عنها .
وشكرت الله على ذلك وفرحت للشيخ الذي تبين له الحق فيها وهذا عين الحياة ماء خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء ثم عاد إلى أصحابه فأخبرهم بالماء فسارع الناس إلى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يقدروا عليه فهذا ما أنتج له سعيه في حق الغير .
وكذلك من والى في الله وعادى في الله وأحب في الله وأبغض في الله فهو من هذا الباب. أهـ
( فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه ): أي الحق و فيوضه، إلا من مشكاة خاتم الأولياء كما كانوا يأخذون علوم الوحي من كونهم رسلا من جبريل أو من روح، و كما أخذ موسى في البقعة المباركة من الشجرة قال رضي الله عنه: إنّ الحكمة فيما أخذ بني رسول من الشجرة و تكون لسان حق و كلمة صدق أنه استضعف لقبول السامعين حيث إنهم يجوزون أخذ بني رسول من جماد و لا يرضون من الإنسان الكامل المسمى بالولي، أن يكون لسان حق مع أنه ورد في الخبر: إن الله قال على لسان عبده .
و قال: إنّ الله قال على لسان ذلك إلا الجمود و الحسد على أبناء جنسه غير هذا إما يكون .
ترى ما حكى لنا الحق حكاية خضر عليه السلام، و موسى عليه السلام، و هي إلا تنبيها له في هذه المسألة فإنّ موسى كليم الله و نبيه و رسوله، أخذ من خضر عليه السلام علما لم يكن عنده، و قال لموسى عليه السلام : " أنا على علم علمنيه الله تعالى لا تعلمه أنت " .
و هذا عين ما نحن فيه و في صدد بيانه، بل إنه ما أظهر عنده عليه السلام إلا علم كون من الأكوان من علوم الكشف، و من أحوال المريد من أصحاب السلوك، فكيف لو كان من العلوم المتعلقة بالجناب الإلهي، أو من العلم المحكم أو المتشابه، بل إنه عليه السلام قال لبعض المحمّدين من الأولياء: إني عينت له عليه السلام ألف مسألة من هذا القبيل، فما صبر عن ثلاثة، فلهذا قال صلى الله عليه و سلم : " رحم الله أخي موسى لو صبر ". و هكذا الأمر ورد في الخبر الصحيح : " إن لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا رسلا و يغبطهم الأنبياء "
قال رضي اللّه عنه: و ذلك للعلوم التي عندهم.
بل قيل: إن الأنبياء عليهم السلام كانوا يلحون أولياؤهم أن يدعوا لهم، و كان داود عليه السلام إذا عرضت له حاجة جاء بزهاد أمته المجاهدين، و أقامهم في محاريبهم، و وّكّل بكل واحد منهم صاحب مزمار ليقطع قلب المصلي بلذة نغمته عن الشواغل، حتى يتفرغ لحاجته عليه السلام فتسرع الإجابة.
وهكذا نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسأل له الوسيلة، وأمر صلى الله عليه و سلم عمر وعليا أن يسألا من أويس القرني رضي الله عنهم أن يدعو لهما و للأمة .
و هذا كله عين ما قلناه من أخذ الفاضل من المفضول، بل إذا ثبت أن العلم تابع المعلوم، و المعلومات من حيث أعيانها تعطي العلم الصحيح بذواتها.
فأنت قلت: إنه بالعلم متى، بحيث لم يشعر به، فكيف تستنكف بالخلق أن يقال فيه فاضل يأخذ من المفضول، و قد أثبت مثل هذا الأخذ في الإلهيات فافهم.
(فكيف من دونهم من الأولياء ): أي إذا الأنبياء و الرّسل عليهم السلام من حيث بواطنهم، يأخذون من خاتم الخاتم مع شرفهم، و علو مقامهم، فكيف يسع من دونهم من الأولياء أن يستنكف من ذلك: "أكان للنّاسِ عجباً أنْ أوْحيْنا إلى رجُلٍ مِنْـهُمْ " [ يونس: 2].
فإن قيل: قال الله تعالى في عبده: " وعلّمْناهُ مِنْ لدُنّا عِلْماً" [ الكهف: 65]، الظاهر أنه بلا واسطة.
وأخبر الشيخ رضي الله عنه أن العبد يأخذ العطايا والمنح بلا واسطة بينه وبين الحق، بل من الوجه الخاص أطلق و لم يقيد، فكيف الجمع بينه و بين الذي قال الآن رضي الله عنه: إن العلم الذي يعطي السكوت خالصة للخاتمين خاصة، و لا يراه أحدا إلا من مشكاة خاتم الولاية المحمّدية، و غيرهما يأخذ من مشكاة ختم الختم عامة.
قلنا: إن المراد من العطايا والمنح التي بواسطة وبلا واسطة هي العطايا الشيئية، ويكون علم خضر عليه السلام من
جملتها أيضا، لا من الذي نحن إلا بصدد بيانه لأنه مخصوص بمحمد ومحمدي صرف صلى الله عليه وسلم.
أو نقول: إن أخذ الأولياء على الإطلاق من مشكاة الخاتم لأنه تحقق بالعينية، و هو الفرض الذي انفرد من العالم، و هو ختم الدورة المحمّدية العامة التامة، و خاتم الدائرة الكلية الطامة، خرج من الذات و تحقق بالأسماء و الصفات، ثم رجع إلى ما خرج منه بأحدية سيره، و وترية نوره، و فردية رجعه و دوره.
و من حيث صدوره من غيب ذاته إلى حضرة أسمائه و صفاته، لم يتعوق من حيث حقيقته و روحانيته في عالم من العالم، و لا في حضرة من الحضرات، شاهدا ما مرّ عليه، آخذا و معطيا، مفيدا و مستفيدا، هذا هو الفرض الذي انفرد بالوترية، فلهذا يحبه الله » فإنه وتر يحب الوتر «
فهو من حيث التعيين الذاتي خازن الذاتيات و خاتمها، و من حيث الأسماء خازن، فإن هذا من الذي ما خطر على قلب بشر، و لله الأمر من قبل و من بعد، فما ظنك فيما بينهما فافهم .
( و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع )، و هو تابع متبوع، كما ذكرنا في خاتم الرسل و خاتم الأنبياء، فإنه تابع متبوع جميع الأنبياء عليهم السلام من حيث الإفاضة، و تابع ملة إبراهيم من حيث الاستفاضة، و إنه تأسى بنا في الصلاة بالجماعة و خفف، قيل: إن أبا طالب قال ذات يوم، كأنه رأى سرعة إجابة الدعاء من الله تعالى له صلى الله عليه و سلم، فقال :"ما أطوعك ربك يا محمد، فقال صلى الله عليه و سلم: إذا أطعته أطاعك يا عم الأمر"، هكذا فإن الولي من شدة الاتباع جعلته متبعا .
قال رضي الله عنه: لو اتبع متبع السّنة في جميع أموره، و أحل بواحدة فيما أبيح له الاتباع فيه بلا ضرورة، فما اتبعه قط، و إنما اتبع هوى نفسه لأنه تعالى قال:"إنْ كُنْتمْ تحِبُّون اللّه فاتّبعوني يحببكم الله" [ آل عمران: 31]، فجعل الاتباع دليلا، وما قال في شيء دون شيء .
و قال تعالى: " لقدْ كان لكُمْ في رسُولِ اللّهِ أسْوةٌ حسنةٌ" [ الأحزاب: 21]، وهو الاتباع، وكمال الاتباع أن يكون القرآن خلقه كما كان خلقه صلى الله عليه وسلم .
قال رضي الله عنه في أول الفتوحات:
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. )
قال رضي الله عنه : " فإن الرسالة و النبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع "
قال رضي الله عنه : (فإن الرسالة والنبوة) اللتين هما جهة ظاهرية الرسول الخاتم (أعني نبوة التشريع ورسالته) التي هي تبليغ الأحكام المتعلقة بحوادث الأكوان لا نبوة التحقيق التي هي جهة باطنية .
وهي الإنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب.
(ينقطعان) بانقطاع موطن التكليف بل بانقطاع الرسول الخاتم عن هذا الموطن فكيف يستند إليه ما لا ينقطع.
(والولاية لا تنقطع أبدأ)، فإنها من الجهة تلي الحق سبحانه وهي باقية دائمة ابدا سرمدا وأكمل مظاهرها خاتم الأولياء فلهذا أسندت الرؤية المشار إليها إليه .
ولا يخفى عليك أنه لو فرض عدم انقطاع النبوة لا يصح إسناد هذا العلم إليها أصلا فإنه من حقائق الولاية لا النبؤة .
فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه من العلم الذي يعطى صاحبه السكوت (إلا من مشكوة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء وإن كان خاتم الأولياء) بحسب نشأته العنصرية (تابعة في الحكم) الإلهي (لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك)، أي كونه تابعا بحسب نشأته العنصرية .
قال رضي الله عنه : " فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. "
قال رضي الله عنه : (لا يقدح في مقامه) الذي يقتضي المتبوعية بحسب حقیقته (ولا يناقض ما ذهبنا إليه) من أن المرسلين لا يرون هذا العلم إلا من مشكوة خاتم الأولياء.
(فإنه من وجه) وهو كونه وليا تابعا بحسب نشأته العنصرية (يكون أنزل) مرتبة من الرسول الخاتم من حيث رسالته (كما أنه من وجه) وهو کونه جهة باطنية الرسول الخاتم باعتبار حقيقته (يكون أعلا) مقاما منه بحسب نبوته وظاهر شرعه.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (فإِن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. )
قال المصنف رضي الله عنه : (فإن الرسالة و النبوة أعنى نبوة التشريع و رسالته تنقطعان، و الولاية لا تنقطع أبدا . فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء ؟. و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.)
قال الشارح رحمة الله :
( فإنّ الرسالة و النبوة) أعني: نبوة التشريع ينقطعان بانقطاع النبي و الرسول و الولاية لا تنقطع أبدا، و هنالك الولاية لله الحق و بقاؤها ببقائه، و الله الولي الحميد فالأخذ من هذا الوجه: أي وجه الولاية لم ينقطع فالاستمداد دائم، و إمداد أتم فالأخذ يكون بواسطة أوسع التعينات فإنه باق ببقائه لا بإبقائه .
فقوله رضي الله عنه: لا تنقطع أبدا: أي في الدنيا و الآخرة، أشار إلى رتبته السنية الذهبية الباقية فإنه ورد في الخبر: " إنّ الناس كالمعادن فمنهم من معدن الذهب و منهم من معدن الفضة"
و غير ذلك لأنه حامل الأخلاق المحمدية و قيوم نواميس الأحمدية فلا تنقطع و لا تنسخ أبدا .
و هو كما أشار رضي الله عنه: إنّ قطبا من الأقطاب المحمدي الحامل لوائه لا يموت أبدا و به قوام الدين المحمدي كأنه يشير إلى رتبة الخاتم، خاتم الولاية المحمدية الصرفة، فإنّ له رتبة الولاية الذهبية و لها البقاء، و أمثال هذا سائغ في التعريفات الإلهية .
قال تعالى: " ولا تحْسبنّ الّذِين قتلوا في سبيلِ اللّهِ أمْواتاً بلْ أحْياءٌ عِنْد ربِّهِمْ يـرْزقون" [ آل عمران: 169] .
و شائع في النبوات كإدريس عليه السلام رفعه الله مكانا عليا، و كعيسى عليه السلام رفعه الله إليه، و خضر عليه السلام فإنه حي يرزق، و أمثالها كثيرة .
قال رضي الله عنه في الباب السادس و الستين و ثلاثمائة:
وكذلك خضر واسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام كان في جيش فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماء وكانوا قد فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منه فعاش إلى الآن وكان لا يعرف ما خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء
ولقيته بإشبيلية وأفادني التسليم للشيوخ وأن لا أنازعهم وكنت في ذلك اليوم قد نازعت شيخا لي في مسألة وخرجت من عنده . فلقيت الخضر بقوس الحنية فقال لي سلم إلى الشيخ مقالته.
فرجعت إلى الشيخ من حيني فلما دخلت عليه منزله فكلمني قبل إن أكلمه وقال لي يا محمد أحتاج في كل مسألة تنازعني فيها أن يوصيك الخضر بالتسليم للشيوخ .
فقلت له يا سيدنا ذلك هو الخضر الذي أوصاني؟ . قال نعم .
قلت له الحمد لله هذي فائدة ومع هذا فما هو الأمر إلا كما ذكرت لك .
فلما كان بعد مدة دخلت على الشيخ فوجدته قد رجع إلى قولي في تلك المسألة وقال لي إني كنت على غلط فيها وأنت المصيب .
فقلت له يا سيدي علمت الساعة أن الخضر ما أوصاني إلا بالتسليم ما عرفني بأنك مصيب في تلك المسألة فإنه ما كان يتعين على نزاعك فيها فإنها لم تكن من الأحكام المشروعة التي يحرم السكوت عنها .
وشكرت الله على ذلك وفرحت للشيخ الذي تبين له الحق فيها وهذا عين الحياة ماء خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء ثم عاد إلى أصحابه فأخبرهم بالماء فسارع الناس إلى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يقدروا عليه فهذا ما أنتج له سعيه في حق الغير .
وكذلك من والى في الله وعادى في الله وأحب في الله وأبغض في الله فهو من هذا الباب. أهـ
( فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه ): أي الحق و فيوضه، إلا من مشكاة خاتم الأولياء كما كانوا يأخذون علوم الوحي من كونهم رسلا من جبريل أو من روح، و كما أخذ موسى في البقعة المباركة من الشجرة قال رضي الله عنه: إنّ الحكمة فيما أخذ بني رسول من الشجرة و تكون لسان حق و كلمة صدق أنه استضعف لقبول السامعين حيث إنهم يجوزون أخذ بني رسول من جماد و لا يرضون من الإنسان الكامل المسمى بالولي، أن يكون لسان حق مع أنه ورد في الخبر: إن الله قال على لسان عبده .
و قال: إنّ الله قال على لسان ذلك إلا الجمود و الحسد على أبناء جنسه غير هذا إما يكون .
ترى ما حكى لنا الحق حكاية خضر عليه السلام، و موسى عليه السلام، و هي إلا تنبيها له في هذه المسألة فإنّ موسى كليم الله و نبيه و رسوله، أخذ من خضر عليه السلام علما لم يكن عنده، و قال لموسى عليه السلام : " أنا على علم علمنيه الله تعالى لا تعلمه أنت " .
و هذا عين ما نحن فيه و في صدد بيانه، بل إنه ما أظهر عنده عليه السلام إلا علم كون من الأكوان من علوم الكشف، و من أحوال المريد من أصحاب السلوك، فكيف لو كان من العلوم المتعلقة بالجناب الإلهي، أو من العلم المحكم أو المتشابه، بل إنه عليه السلام قال لبعض المحمّدين من الأولياء: إني عينت له عليه السلام ألف مسألة من هذا القبيل، فما صبر عن ثلاثة، فلهذا قال صلى الله عليه و سلم : " رحم الله أخي موسى لو صبر ". و هكذا الأمر ورد في الخبر الصحيح : " إن لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا رسلا و يغبطهم الأنبياء "
قال رضي اللّه عنه: و ذلك للعلوم التي عندهم.
بل قيل: إن الأنبياء عليهم السلام كانوا يلحون أولياؤهم أن يدعوا لهم، و كان داود عليه السلام إذا عرضت له حاجة جاء بزهاد أمته المجاهدين، و أقامهم في محاريبهم، و وّكّل بكل واحد منهم صاحب مزمار ليقطع قلب المصلي بلذة نغمته عن الشواغل، حتى يتفرغ لحاجته عليه السلام فتسرع الإجابة.
وهكذا نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسأل له الوسيلة، وأمر صلى الله عليه و سلم عمر وعليا أن يسألا من أويس القرني رضي الله عنهم أن يدعو لهما و للأمة .
و هذا كله عين ما قلناه من أخذ الفاضل من المفضول، بل إذا ثبت أن العلم تابع المعلوم، و المعلومات من حيث أعيانها تعطي العلم الصحيح بذواتها.
فأنت قلت: إنه بالعلم متى، بحيث لم يشعر به، فكيف تستنكف بالخلق أن يقال فيه فاضل يأخذ من المفضول، و قد أثبت مثل هذا الأخذ في الإلهيات فافهم.
(فكيف من دونهم من الأولياء ): أي إذا الأنبياء و الرّسل عليهم السلام من حيث بواطنهم، يأخذون من خاتم الخاتم مع شرفهم، و علو مقامهم، فكيف يسع من دونهم من الأولياء أن يستنكف من ذلك: "أكان للنّاسِ عجباً أنْ أوْحيْنا إلى رجُلٍ مِنْـهُمْ " [ يونس: 2].
فإن قيل: قال الله تعالى في عبده: " وعلّمْناهُ مِنْ لدُنّا عِلْماً" [ الكهف: 65]، الظاهر أنه بلا واسطة.
وأخبر الشيخ رضي الله عنه أن العبد يأخذ العطايا والمنح بلا واسطة بينه وبين الحق، بل من الوجه الخاص أطلق و لم يقيد، فكيف الجمع بينه و بين الذي قال الآن رضي الله عنه: إن العلم الذي يعطي السكوت خالصة للخاتمين خاصة، و لا يراه أحدا إلا من مشكاة خاتم الولاية المحمّدية، و غيرهما يأخذ من مشكاة ختم الختم عامة.
قلنا: إن المراد من العطايا والمنح التي بواسطة وبلا واسطة هي العطايا الشيئية، ويكون علم خضر عليه السلام من
جملتها أيضا، لا من الذي نحن إلا بصدد بيانه لأنه مخصوص بمحمد ومحمدي صرف صلى الله عليه وسلم.
أو نقول: إن أخذ الأولياء على الإطلاق من مشكاة الخاتم لأنه تحقق بالعينية، و هو الفرض الذي انفرد من العالم، و هو ختم الدورة المحمّدية العامة التامة، و خاتم الدائرة الكلية الطامة، خرج من الذات و تحقق بالأسماء و الصفات، ثم رجع إلى ما خرج منه بأحدية سيره، و وترية نوره، و فردية رجعه و دوره.
و من حيث صدوره من غيب ذاته إلى حضرة أسمائه و صفاته، لم يتعوق من حيث حقيقته و روحانيته في عالم من العالم، و لا في حضرة من الحضرات، شاهدا ما مرّ عليه، آخذا و معطيا، مفيدا و مستفيدا، هذا هو الفرض الذي انفرد بالوترية، فلهذا يحبه الله » فإنه وتر يحب الوتر «
فهو من حيث التعيين الذاتي خازن الذاتيات و خاتمها، و من حيث الأسماء خازن، فإن هذا من الذي ما خطر على قلب بشر، و لله الأمر من قبل و من بعد، فما ظنك فيما بينهما فافهم .
( و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع )، و هو تابع متبوع، كما ذكرنا في خاتم الرسل و خاتم الأنبياء، فإنه تابع متبوع جميع الأنبياء عليهم السلام من حيث الإفاضة، و تابع ملة إبراهيم من حيث الاستفاضة، و إنه تأسى بنا في الصلاة بالجماعة و خفف، قيل: إن أبا طالب قال ذات يوم، كأنه رأى سرعة إجابة الدعاء من الله تعالى له صلى الله عليه و سلم، فقال :"ما أطوعك ربك يا محمد، فقال صلى الله عليه و سلم: إذا أطعته أطاعك يا عم الأمر"، هكذا فإن الولي من شدة الاتباع جعلته متبعا .
قال رضي الله عنه: لو اتبع متبع السّنة في جميع أموره، و أحل بواحدة فيما أبيح له الاتباع فيه بلا ضرورة، فما اتبعه قط، و إنما اتبع هوى نفسه لأنه تعالى قال:"إنْ كُنْتمْ تحِبُّون اللّه فاتّبعوني يحببكم الله" [ آل عمران: 31]، فجعل الاتباع دليلا، وما قال في شيء دون شيء .
و قال تعالى: " لقدْ كان لكُمْ في رسُولِ اللّهِ أسْوةٌ حسنةٌ" [ الأحزاب: 21]، وهو الاتباع، وكمال الاتباع أن يكون القرآن خلقه كما كان خلقه صلى الله عليه وسلم .
قال رضي الله عنه في أول الفتوحات:
لما شاهدته صلى الله عليه و سلم في مكاشفة قلبية في حضرة غيبية قال لي: "إن فيك شعرة مني لا صبر لها عني هي السلطانة في ذاتيتك، فلا ترجع إليّ إلا بكليتيك، فلا بدّ من الرجوع إليه ". انتهى كلامه رضي الله عنه .
و بعد الرجوع فبقدر رجوعه إليه يكون رجوعه إليه، (فذلك ): أي كونه تابعا لما جاء به الرسول (لا يقدح في مقامه )، و هو البطون من الظهور المحمّدي، و الأخذ منه ظاهرا (لا يناقض ما ذهبنا إليه) لأن الباطن يأخذ من الظاهر ما ظهر من الأحكام لأن له أحكاما مختصّة بالظهور من مقام (حتى نعلم )، و الظاهر يأخذ من الباطن .
ترى إشارة قوله تعالى:" يدُ اللّهِ فوْق أيدِيهِمْ " [ الفتح: 10]، و ما كان سوى يد محمد صلى الله عليه وسلم أنه الظاهرفي العالم بختم النبوة و الرسالة، و الباطن عنه بختم الولاية، فجمع الأول و الآخر، و الظاهر و الباطن، فلما ظهر له وجهان له يدان فقلنا ( من وجه يكون أنزل ): أي من حيث الأخذ، (كما أنه من وجه يكون أعلا) .
ورد في الخبر أن : " اليد العليا خير من اليد السّفلى "
ولا نعرف لها الخيرية سوى أنها معطية و السفلى آخذة، مع أن الآخذة كانت يد الرحمن، قال تعالى: " ألمْ يعْلمُوا أنّ اللّه هُو يقْبلُ التّـوْبة عنْ عِبادِهِ و يأخُذُ الصّدقاتِ" [ التوبة: 104] .
و بعد الرجوع فبقدر رجوعه إليه يكون رجوعه إليه، (فذلك ): أي كونه تابعا لما جاء به الرسول (لا يقدح في مقامه )، و هو البطون من الظهور المحمّدي، و الأخذ منه ظاهرا (لا يناقض ما ذهبنا إليه) لأن الباطن يأخذ من الظاهر ما ظهر من الأحكام لأن له أحكاما مختصّة بالظهور من مقام (حتى نعلم )، و الظاهر يأخذ من الباطن .
ترى إشارة قوله تعالى:" يدُ اللّهِ فوْق أيدِيهِمْ " [ الفتح: 10]، و ما كان سوى يد محمد صلى الله عليه وسلم أنه الظاهرفي العالم بختم النبوة و الرسالة، و الباطن عنه بختم الولاية، فجمع الأول و الآخر، و الظاهر و الباطن، فلما ظهر له وجهان له يدان فقلنا ( من وجه يكون أنزل ): أي من حيث الأخذ، (كما أنه من وجه يكون أعلا) .
ورد في الخبر أن : " اليد العليا خير من اليد السّفلى "
ولا نعرف لها الخيرية سوى أنها معطية و السفلى آخذة، مع أن الآخذة كانت يد الرحمن، قال تعالى: " ألمْ يعْلمُوا أنّ اللّه هُو يقْبلُ التّـوْبة عنْ عِبادِهِ و يأخُذُ الصّدقاتِ" [ التوبة: 104] .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 3:02 عدل 1 مرات
الفقرة السادسة عشر الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( و قد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، و في تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء و في كل مرتبة، و إنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم. و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه. )
(وقد ظهر في ظاهر شرعنا) هذا (ما يؤيد ما ذهبنا إليه) من كون خاتم الولاية أنزل من غيره من وجه وأعلى من غيره من وجه آخر.
وذلك ما ورد (في فضل عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (في) قضية (أسارى بدر) لما اختار النبي عليه السلام وأبو بكر رضي الله عنه افتداهم بالمال معونة للإسلام، واختار عمر رضي الله عنه (بالحكم فيهم) بأن يسلموا أو يقتلوا.
فأنزل الله الوحي على النبي عليه السلام طبق ما اختاره عمر رضي الله عنه حيث قال تعالى : "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)" سورة الأنفال.
حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو نزل العذاب ما سلم منه إلا عمر».
(و) كذلك (في) قضية (تأبير)، أي تلقيح (النخل) لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو تركوها لصلحت».
فتركوها فلم تثمر في ذلك العام، فسألوا النبي عليه السلام عن ذلك فقال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم».
وسبب ذلك أنهم تركوها لتصلح فما تركوها في حقيقة الأمر ففسدت (فما يلزم) الإنسان (الكامل أن يكون له التقدم) على غيره (في كل شيء) من أنواع الكمال (وفي كل مرتبة) من مراتبه (وإنما نظر الرجال) الكاملين دائما (إلى) رتبة (التقدم) على الغير (في رتبة العلم بالله) تعالى فقط (هنالك)، أي في رتبة العلم بالله تعالى (مطلبهم) مما هو الكمال عندهم والفضائل والمزايا المعتبرة عندهم في ذلك لا غير (وأما حوادث الأكوان) والتقدم فيها من العلم بتأبير النخل ونحوه (فلا تعلق لخواطرهم بها) وليس وجود ذلك مما یكمل عندهم ولا عدمه مما ينقص (فتحقق) في نفسك (ما ذكرناه ) من الكلام وتحفظ في فمه الاعوجاج الموجب للملام.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
فظهر أن المقصود بيان تقدم مرتبة خاتم الأولياء من وجه فقال : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه) من أن الشيء الواحد أنزل من وجه وأعلى من وجه (في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم) كما ذكر قصته في كتب التفاسير (و) قد ظهر (في تأبير النخل) كما ذكر حديثه في كتب الأحاديث والفضل ههنا بمعنى الزيادة في هذه المسألة لا بمعنى المفضل والمكرم عند الله.
(فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة) فإن الرسول لم يتقدم فيهما على أصحابه فقال :" أنتم أعلم بأمور دنياكم " لكن هذا التقديم ليس من الأمور التي تثبت بها الفضيلة المعتبرة عند أهل الله لكونه في الأمور الدنية الخسيسة.
فهم وإن كانوا يتقدمون في هذه المرتبة الدنية لكنهم تابعون للرسول في المرتبة الشريفة وهي مرتبة العلم بالله .
فتأخير الرسول في الأمور الدنية عين كماله لأن هذا العلم الذي أخذه الرسول منهم يمد لهم من روحه .
فخاتم الأولياء وإن كان له التقدم في هذا الوجه من رتب العلم بالله لكنه تابع لختم الرسل في رتبة من رتب العلم بالله وهو علم الشريعة الشريفة على كل مرتبة من رتب العلم بالله .
و علی علم خاتم الأولياء الذي أخذه عن الرسول لذلك سمي بالشرع المطهر .
ألا ترى كيف أبي موسى الخضر في العلم اللدني فقال : "قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)" سورة الكهف.
ولم يلزم من أعلمية الخضر من موسى في هذا الوجه أفضليته على موسى لأن الخضر تابع في الحكم بما جاء به موسى من علم التشريع.
وهذا العلم أفضل وأعلى من العلم اللدني (وإنما نظر الرجال) الذي يعلمون الأمور على ما هي عليه ويميزون المراتب (إلى التقدم في رتب العلم بالله هنالك مطلبهم وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها) .
ولما كانت هذه المسألة أعلى المسائل الإلهية وأنفعها أوصى لاهتمامها فقال : (فتحقق ما ذكرناه) فإن الأمر في نفسه على ما بيناه لك
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال رضي الله عنه : "ومنا من علم فلم يقل مثل هذا، بل أعطاه العلم السكوت"
لأن المحجوبين لا يقبلون ما يقول وهم الأكثرون ولهم الحكم، فرأى أن السكوت أولى، فكتم ما عنده وهو قادر على الكلام.
وأما قوله: وليس هذا العلم إلا الخاتم الرسل وخاتم الأولياء."
فإني أقول أيضا: إن خاتم الرسل هو أيضا خاتم الأولياء وإن من جاء بعده من أمته ممن حصل له مرتبة خاتم الأولياء هو أيضا خاتم الأولياء، ولا يقدح تعدد الأشخاص إذا كانت المرتبة واحدة ولو كانت الأشخاص بلا نهاية في العدد.
وقد قال قائلهم شعرا :
لو أنهم ألف ألف في عددهم ……. عادوا إلى واحد فرد بلا عدد
فما لخاتم الأولياء مزية في الختمية إلا أن كان بالسبق" الزماني ولا أثر له " إلا إنا نعلم أن الولاية مرتبتها فوق مرتبة النبوة، والنبوة مرتبتها فوق مرتبة الرسالة.
فإذا جمعت الثلاثة لواحد كما جمعت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو ولي نبي رسول إلا أن ولايته فوق نبوته، ونبوته فوق رسالته، لأن الولاية هي حاله، عليه السلام، عندما قال: «لي وقت لا يسعني فيه غير ربي» فهو يلي الحق ويأخذ عن الحق تعالی بلا واسطة الملك.
وفي مرتبة النبوة يأخذ عن الحق تعالی بواسطة الملك والنبوة مشتقة من الإنباء وهو الإخبار بواسطة جبرائيل، عليه السلام.
لكن نبوته فوق رسالته لأن النبوة حديثها حديث جبرائيل معه، عليه السلام، وأما الرسالة، فحديثها حديث البشر فلا يخفى أن النبوة أعلى وقد ذكر الشيخ هذا المعنى في بيت شعر وهو قوله:
مقام النبوة في برزخ …… دوين الولي وفوق الرسول
ومراده ما ذكرناه وقوله: حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، أمره سهل مما ذكرناه، لأن الرسل من كونهم رسلا هم تحت مرتبة خاتم الأولياء لكن إذا كانوا في مرتبة خاتم الأولياء فالمشكاة المذكورة لهم.
والولاية كما قال الشيخ: لا ينقطع وكلام الشيخ فيما بقي واضح.
وقوله في تفضيل عمر في قصة أسارى بدر: هو أن النبي، صلى الله عليه وسلم، شاور الصحابة، رضي الله عنهم، في قتل الأسرى فأشار عليه أبوبكر أن يأخذ منهم الفدية ويطلقهم.
فقال عمر بن الخطاب: ما أرى إلا أن يضرب رقابهم.
فقال له أبو بكر: ما تزال یا عمر تعارضني فيما أقوله، فأنزل الله الآية الكريمة توافق رأي عمر وهي قوله تعالى: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تریدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لكم فيما أخذتم عذاب عظيم" (الأنفال: 67 – 68).
فرجح الله تعالى رأي عمر بن الخطاب مع أن ابوبكر، رضي الله عنه، أفضل منه ولم يقدح ذلك في كونه يرجح عليه عمر ، رضي الله عنه.
وأما تأبير النخل فهي قضية قال لهم فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "ما أرى في ترككم تأبيره مضرة تحصل له"، فتركوا تأبير النخل، ففسدت ثماره.
فقالوا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: «أنتم أعلم بامور دنیاكم وأنا أعلم بأمر ديني».
فقد كانوا أعلم بهذه المسألة ولم يقدح ذلك في كون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعظم قدرا من كل البشر، فكذلك قضية ختم الأولياء فيما ذكره، رضي الله عنه.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال رضي الله عنه : " وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيّد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم ، وفي تأبير النخل ، فلا يلزم الكامل أن يكون له التقدّم في كلّ شيء وفي كلّ مرتبة " .
قال العبد : لمّا فضّل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأي عمر في قضيّة الأسارى وقصّتهم على آراء الصحابة ، مع كونه فيهم ، وكذلك قال في تأبير النخل : « أنتم أعلم بأمور دنياكم » فأثبت لهم الفضيلة في العلم بأمور الدنيا ، علمنا أنّ الفضائل الجزوية ممّا لا يكون من مقتضيات النبوّة إذا وجدت في غير النبيّ ، ولم توجد فيه ، فإنّ ذلك لا يقدح في أفضلية الخاصّة من حيث درجة النبوّة ، ولا يوجب أفضلية ذلك الشخص على الرسول مطلقا ، بل في عدم ما ينافي مقام النبوّة وكمالها وأفضليتها ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : « وإنّما نظر الرجال إلى التقدّم في مراتب العلم بالله ، هناك مطلبهم . وأمّا حوادث الأكوان فلا تعلَّق لخواطرهم بها ، فتحقّق ما ذكرنا ".
قال العبد : نظر أهل الله وخاصّته من وجهين :
أحدهما : يشترك فيه الأنبياء والأولياء ، كالاختصاص والقربة والرضوان والإخبار والإنباء عن الله تعالى والعلم والمعرفة بالله والشهود والتجلَّي .
والثاني : خصّت به الأنبياء من كونهم متبوعين ومشرّعين ومكلَّفين بالأوامر والنواهي الإلهية يتعبّدون بها الله أممهم ويعبدونه ، وليس لأولياء الله تطَّلع ولا رغبة واستشراف إلى هذه الفضائل من كونهم أولياء ، وإنّما نظرهم وتنافسهم وتفاضلهم في العلم بالله .
فالأعلم بالله هو الأكمل وإذ قد صحّت الأكملية لخاتم الولاية من حيث العلم بالله ، فقد صحّت متبوعيّته في ذلك لغيره من الأولياء وغيرهم .
وهذه الفضيلة الخصيصة به لا تنافي كونه تابعا ، ولا توجب متبوعيّته من كل وجه ، كما لا يقدح عدم العلم بتأبير النخل في كمال ختمية الخاتم الرسول ، وهذا الوليّ الخاتم الوارث ، تبعيته لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالمرتبة والذات والحال والخلق والأعمال.
ولو شرعت في المناسبات والمطابقات الواقعة بين هذين الختمين في جميع ما ذكرنا من العلم والمقام والخلق والحال ، لطال المقال ، ومال إلى أهل الميل السأمة والملال ، فلقد كملت وراثة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في العلم بالله وفي جميع الأعمال المشروعة على الوجه الذي كان النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعملها بغير زيادة ولا نقصان .
محتسبا في كل ذلك تحرّي كمال بياعه ، حتّى أنّه جرى عليه رضي الله عنه مندوحة من جميع ما عليه من الأحوال ، فكسرت سنّه وشجّت جبهته ، ولم يلتفت في جميع عمره رضي الله عنه عن غرض يلوي عنقه أو جيده إلى جهة.
بل كان رضي الله عنه لا يلتفت وإذا التفت التفت جمعا ، مثل ما كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يفعلها بالطبع لا بالتكلَّف ، مع انضمام تحرّي الاتّباع له .
ولو طالعت كتاب « الأسرار » لهذا الخاتم ، واطَّلعت على أسراره ، لعلمت أنّه اتّبعه في جميع مقاماته ومشاهده ومعاريجه وبرازخه وتجلَّياته بالمرتبة والذات والعلم والحال والخلق حذو القذّة بالقذّة ، كما عدّدنا بعض ذلك في رسالة النصوص ، والحمد لله .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال رضي الله عنه : "وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم في تأبير النخل ، فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة ، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتب العلم باللَّه هنالك مطلبهم . وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها فتحقق ما ذكرناه ".
إشارة إلى أن خاتم الأولياء قد يكون تابعا في حكم الشرع كما يكون المهدى الذي يجيء في آخر الزمان .
فإنه يكون في الأحكام الشرعية تابعا لمحمد صلى الله عليه وسلَّم ، وفي المعارف والعلوم والحقيقة تكون جميع الأنبياء والأولياء تابعين له كلهم .
ولا يناقض ما ذكرناه لأن باطنه باطن محمد عليه الصلاة والسلام ولهذا قيل إنه حسنة من حسنات سيد المرسلين وأخبر عليه الصلاة والسلام بقوله « إن اسمه اسمى وكنيته كنيتي فله المقام المحمود » .
ولا يقدح كونه تابعا في أنه معدن علوم الجميع من الأنبياء والأولياء فإنه يكون في علم التشريع والأحكام أنزل كما يكون في علم التحقيق والمعرفة باللَّه أعلى .
ألا ترى إلى ما ظهر في شرعنا من فضل عمر في أسارى بدر حيث أشار إلى قتلهم حين نزل قوله تعالى : " ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَه أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا " إلى قوله " لَوْ لا كِتابٌ من الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ".
وقال عليه الصلاة والسلام :« لو نزل العذاب لما نجى منه غير عمر وسعد بن معاذ » وبكى عليه الصلاة والسلام حين نبهه جبريل على الخطأ ونزول الوحى بأن يقتل من أصحابه بعدد الأسارى الذين أطلقوهم وأخذوا منهم الفداء .
ومن حديث تأبير النخل حيث منع عليه الصلاة والسلام منه ثم تبين الخطأ فقال « اعملوا فأنتم أعلم بأمور دنياكم » .
( وقال الخضر لموسى : أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت ، وأنت على علم علمك الله لا أعلمه أنا ) أي لا ينبغي لكل واحد منا الظهور بما يباين مقامه ومرتبته .
ولهذا قال فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة والباقي ظاهر .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال رضي الله عنه : (ﻭﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺷﺮﻋﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺆﻳﺪ ﻣﺎ ﺫﻫﺒﻨﺎ ﺇﻟﻴﻪ) ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺃﻧﺰﻝ ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﺃﻋﻠﻰ.
(ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﻋﻤﺮ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﺭﻯ ﺑﺪﺭ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﻢ).
ﻭﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﺸﻬﻮﺭﺓ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﺳﻴﺮ ﻣﺬﻛﻮﺭﺓ ﻭ ﻋﻮﺗﺐ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻨﺒﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﺳﺮﻯ ﺣﺘﻰ ﻳﺜﺨﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ".
(ﻭﻓﻲ ﺗﺄﺑﻴﺮ ﺍﻟﻨﺨﻞ) ﻣﻨﻊ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺎﻣﺎ ﺗﺄﺑﻴﺮ ﺍﻟﻨﺨﻞ. ﻓﻤﺎ ﺃﺛﻤﺮ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم : "ﺃﻧﺘﻢ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ". ﻓﺄﺛﺒﺖ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺨﺎﻃﺒﻴﻦ، ﻭﺃﺛﺒﺖ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻟﻌﻤﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺪ ﺍﻷﻭﻟﻴﻦ ﻭﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻓﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻘﺪﺡ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻭﻣﺮﺗﺒﺘﻪ. قال رضي الله عنه : ( (ﻓﻤﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺊ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻓﻲ ﺭﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻄﻠﺒﻬﻢ، ﻭﺃﻣﺎ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ ﻓﻼ ﺗﻌﻠﻖ ﻟﺨﻮﺍﻃﺮﻫﻢ ﺑﻬﺎ، ﻓﺘﺤﻘﻖ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ). ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻇﺎﻫﺮ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال رضي الله عنه: "وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه."
قال رضي الله عنه: (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه) من تفضيل خاتم الولاية باعتبار نسبة مشكاة الولاية إليه مع تفضيل الأنبياء سیما خاتمهم باعتبار الحقيقة (في فضل عمر رضي الله عنه في أسارى بدر في الحكم فيهم) على خاتم الأنبياء عليهم السلام - مع فضله على عمره بما لا يحصى، (فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء) حتى في الحكم في الأسارى، وحتى في نسبة مشكاة الولاية.
(وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتب العلم بالله) فيفضلون الأنبياء سیما خاتمهم باعتبار تقدمهم الحقيقي، ويفضلون خاتم الأولياء باعتبار ظهوره بمشكاة الولاية (هنالك مطلبهم)، فلا يفضلون عمر، وإن ظهر فضله في الحكم في أسارى بدر.
و إليه الإشارة بقوله: (وأما حوادث الأكوان فلا تعلق خواطرهم بها)، وليس المراد نبوة التشريع ورسالته، إذ ليستا من حوادث الأكوان؛ لأن الأحكام المنوطة بهما قديمة على ما تقرر في الأصول.
ولذلك قال: (فتحقق) إذ هو مزلة، إذ يرى أن حكم عمر رضي الله عنه من قبيل حكم نبوة التشريع، وهو غلط إذ البحث في تصویب اجتهاده، وأيضا بما يتوهم أن نبوة التشريع والرسالة لما انقطعتا كانتا من حوادث الأكوان؛ لأن المراد انقطاع التعلق دون الأحكام المتعلقة؛ لأنها قديمة.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال رضي الله عنه : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه) من تابعية المتبوع المطلق فهو في المتبوع من وجه أولى بالوقوع.
وذلك (في فضل عمر) على أبي بكر (في ساری بدر ، بالحكم فيهم ) ، حيث رأى فيهم أبوبكر أن يأخذ منهم الفدية و يطلقهم ، ورأى فيهم عمر بضرب الرقاب ، فأنزل الله الآية الكريمة موافقة لرأي عمر وهي قوله تعالى : " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)" سورة الأنفال .
(وفي تأبير النخل) حيث منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ما أرى في ترككم تأبيره مضرة"، فتركوا تأبير النخل، ففسدت ثماره.
فقالوا لرسول الله، فقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» واعترف بأعلميتهم في هذا الحكم، فعلم من هذا أن الكامل قد يتبع غيره في جزئيات الأحكام.
قال رضي الله عنه : (فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتب العلم بالله - هنالك مطلبهم- وأما حوادث الأكوان، فلا تعلق لخواطرهم بها . فتحقق ما ذكرناه) وهو أن الحوادث الكونية لايصلح لأن يلتفت إليها خواطر الكتل أصلا، لأنها مع عدم تناهيها ليس لأحوالها أيضا انقطاع، حتى يستقر على حالة واحدة يعلم بها، فلا يمكن أن تتعلق بتصفح تلك الجزئيات فائدة علمية ولا غاية كمالية.
نعم إنما يتوجه إليها من كان بمعزل عن الحقائق الكلية والمعارف الكمالية جدا، غیر محتظي من أذواقها المتشوقة أصلا.
كبعض المجذوبين أو السالكين القاصرين استعداداتهم عنها فإذا لاح لهم في خلواتهم عقيب ارتكاب مجاهداتهم تلك الصور في المثل الخيالية أو ما يجري مجراها من الأنوار الشعشعانية التي تبجح بها بعض الأفاضل من أهل النظر.
استلذوا منها، واستقنعوا من لذيذ أذواق المشرب الكمالي وعذب شرابها بلامع سرابها.
دع التصوف والفضل الذي اشتغلت …. به جوارح أقوام من الناس
وعج على دير داري فإن بها …. الرهبان ما بين قسيس وشماس
واشرب معتقة من كف كافرة ….. تسقيك خمرين من لحظ ومن كاس
وإذ قد انساق الكلام في أمر الخاتمين وبيان ما بين كمالهما من التفاوت إلى ما انساق مما يستصعبه طباع أكثر المسترشدين من الذين أسسوا مباني عقائدهم على الصور المثالية ، واستحكموها بالمقدمات النقلية والأقيسة الخيالية ، أراد أن يستوضح ذلك بمثال يكشف عن تحقيق معنى الختمين.
وعن تصوير حقيقة المختومين ، بما ينبئ عن خصوصية كمالي الخاتمين و وجوه تمييزهما .
مما نقل عن النبي الخاتم و تحليلا لعقود استصعابه ، وتقريبا منه إلى فهوم المستصعبين من المسترشدين في قوله :
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.)
قال رضي الله عنه : " وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، و في تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه. "
قال رضي الله عنه : (وقد ظهر في ظاهر شرعه ما يزيد ما ذهبنا إليه) . من أن الفاضل يجوز أن يكون مفضولا من وجه (في فضل عمر) على أبي بكر رضي الله عنهما (في أسارى بدر بالحكم فيهم) حيث رأى فيهم أبو بكر أن تؤخذ منهم الفدية ويطلقهم ورأى فيهم عمر ضرب الرقاب.
فأنزل الله الآية الكريمة موافقة لرأي عمر (و) قد ظهر في (تأبير النخل) أيضا حيث منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما من تأبير النخل فما أبر.
فقال صلى الله عليه وسلم : أنتم أعلم بمصالح دنياكم (فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم) على غير الكامل (في كل شيء وفي كل مرتبة إنما نظر الرجال إلى التقدم في مرتبة العلم بالله) سبحانه لا فيما عداه.
فإنه (هنالك)، أي في مرتبة العلم بالله يتحقق (مطلبهم) الذي به يعرف تقدمهم وتأخرهم.
(وأما حوادث الأكوان) كتأبير النخل وأمثاله (فلا تعلق لخواطرهم بها) لذاتها بالنسبة إلى هممهم العالية فلو كانوا فيها أنزل درجة مما عداهم.
فلا يقدح ذلك في كمالهم (فتحقق ما قلناه) من علوم مرتبة خاتم الأنبياء في العلم بالله بحسب حقیقته.
وأنه لا يقدح فيه نزول مرتبته عن الرسول الخاتم بحسب نشأته العنصرية حيث يكون تابعة له من حيث نبوته.
فإن قيل : متبوعية خاتم الأولياء لخاتم الأنبياء في حقائق الولاية تقدم في رتب العلم بالله لا في العلم بحوادث الأكوان .
فكيف يصح ما ادعاه الشيخ رضي الله عنه من متبوعية خاتم الأولياء لخاتم الأنبياء فإن خاتم الأنبياء مقدم الكل في رتب العلم بالله.
قلنا: هي في الحقيقة عبارة عن متبوعية حقيقة ولايته المطلقة لولايته المشخصة بعد نشأته العنصرية وإن شئت تحقق ذلك فاستمع لما يتلى عليك.
اعلم أن الحقيقة المحمدية مشتملة على حقائق النبوة والولاية كلها، فأحدية جمع حقائق النبوة ظاهرها وأحدية جمع حقائق الولاية باطنها.
فالأنبياء من حيث أنهم أنبياء مستمدون من مشكوة نبوته الظاهرة ومن حيث أنهم أولياء مستمدون من مشكوة ولايته الباطنة.
وكذا الأولياء التابعون يستمدون من مشكوة ولايته، فالأولياء والأنبياء كلهم مظاهر لحقيقته، الأنبياء لظاهر نبوته والأولياء لباطن ولايته، وخاتم الأولياء مظهر أحدية جمعه لحقائق ولايته الباطنة فالاستمداد من مشكوة خاتم الأولياء بالحقيقة هو استمداد من مشكاة خاتم الأنبياء.
فإن مشكاته بعض من مشكاته فلا استمداد في الحقيقة إلا من مشكاة خاتم الأنبياء، فإنما أضيف الاستمداد إلى خاتم الأولياء باعتبار حقيقته التي هي بعض من حقيقة خاتم الأنبياء.
ومعني استمداد خاتم الأنبياء منه بحسب ولابنه استمداده بحسب النشأة العنصرية من حقيقة هي بعض من حقيقته وذلك الولي الخاتم مظهره فهذا بالحقيقة استمداد من نفسه لا من غيره .والله أعلم بالحقائق.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:46 عدل 2 مرات
الفقرة السادسة عشر الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه. )
قال المصنف رضي الله عنه : (وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم و في تأبير النخل . فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجل إلى التقدم في رتب العلم بالله: هنالك مطلبهم. و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه. )
قال الشارح رحمه الله :
( وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه )، و هو أخذ الفاضل من المفضول، كما ظهر (في فضل عمر رضي الله عنه في أسارى بدر بالحكم فيهم) .
حتى قال صلى الله عليه و سلم : " لو أنزل الله بلاء لهذا الحكم ما كان ينجو منه سوى عمر" ، و الحكاية مشهورة .
قال تعالى: "وشاورهُمْ في الْأمْرِ" [ آل عمران: 159]، و ما كانت امتحانا لهم، قال صلى الله عليه و سلم :" إنما أنا بشر مثلكم"، و إن الظن يخطئ و يصيب، و لكن ما قلت: قال الله فلن أكذب على الله " . رواه ابن ماجه، و أحمد بن حنبل عن طلحة، ذكره الأسيوطي في جمع الجوامع .
( و في تأبير النخل )، قال : " أنتم أعلم بأمور دنياكم ".
وأخذ الأنبياء عليهم السلام من أوليائهم: " ليس بمستنكر " ، كما يقع الشيخ أن يأخذ بعض الأمور من التلميذ، و مثل ما وقع للنبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعمر رضي الله عنه : " أشكرني في دعائك، أو اجعلني في بالك" ، أو قريبا من هذه العبارة .
وهكذا روي عن جابر بن عبد الله، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: «ناد في الناس: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة».
فخرج فلقيه عمر في الطريق، فقال: أين تريد؟
قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا،
قال: ارجع، فأبيت، فلهزني لهزة في صدري ألمها، فرجعت ولم أجد بدا.
قال: يا رسول الله، بعثت هذا بكذا وكذا؟ قال: «نعم»، قال: يا رسول الله، إن الناس قد طمعوا وخشوا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اقعد». رواه ابن حبان و الحكاية مشهورة .
و ورد في الخبر أنه قال: "جبريل أقرأ عمر السلام، وأعلمه أن رضاه حكم، وغضبه عزّ".
، ذكره ابن عدي في الكامل عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ذكره في جمع الجوامع .
( فما يلزم الكامل أن يكون له تقدم في كل شيء، و في كل مرتبة )، بلى و لا يمكن أن يكون كذلك لأن كل تجلي إلهي يختص بعلوم ليس في الآخر لأنه لا تكرار في التجلي، فبهذا الاعتبار كل شخص يختص بكمال شخصي ليس للآخر.
فالتفاضل بين الخلق من هذا الوجه، عموم و خصوص من وجه، فالكل فاضل مفضول، فلا يقع التفضيل على الإطلاق أصلا. هذا مذهب أبي القاسم القسي، صاحب خلع النعلين .
أما ترى صاحب علم واحد في فنه قد يكون أفضل من صاحب الفنون، فهذا أفضل في جميعته، و كلما قلناه في الملك و البشر.
(و إنما نظر الرجال إلى التقدّم في رتبة العلم بالله هنالك مطلبهم) . أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم في التأبير :"أنتم أعلم بأمور دنياكم"
و قوله صلى الله عليه و سلم :" إذا أمرتكم بشي ء من أمر دنياكم فخذوه"
( و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها )، قال رضي الله عنه: "إني قط ما طلبت من الله تحقيق حادث الأكوان، إلا أن يعلمني الله به ابتداء، لا عن طلب".
( فتحقق ما ذكرناه )، و هو أن أخذ العلم بالله لا يكون إلا ممن وراء الخاتم، و ما وراء الله المنتهى لأن الأمر مختوم، و الأخذ منه مختوم، "و ما ننِّزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21].
والمؤمن بهم ينبغي أن يحقق ما قاله، و يعامل الموطن بما عامله به صاحب الكشف، و إلا ليس بمؤمن حقّا لأن لكل حقّ حقيقة، و ليست الحقيقة التي لكل حقّ إلا إنزاله منزلة المشهود المدرك بالبصر، حيث لو كشف الغطاء ما ازداد يقينا في العلم .
ترى في الحديث حيث قال صلى الله عليه وسلم: " إن لكل حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال الرجل: كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا" ففسّر الحقيقة بالرؤية والنظر، وجعله بـ (كأن )، فافهم .
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 22 أكتوبر 2018 - 16:18 عدل 2 مرات
الفقرة السابعة عشر الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قال رضي الله عنه : "و لما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى الله عليه و سلم لا يراها كما قال لبنة واحدة. و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم، و يرى في الحائط موضع لبنتين ، و اللبن من ذهب و فضة.
فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما و تكمل بهما، لبنة ذهب و لبنة فضة."
ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم) لنا مطلق النبوة (النبوة بالحائط ) المبني (من اللبن وقد كمل) به صلى الله عليه وسلم ؟
وتم بناؤه من حيث هو نبي فقط (سوی موضع لبنة واحدة) في أعلى ذلك الحائط بها يتم الحائط وتتساوى أطرافه والحائط الذي أشار إليه النبي عليه السلام بقوله: «مثلت لي الجنة في عرض هذا الحائط » فإنه حائط النبوة هو الذي كان أمام النبي عليه السلام، وهو حائط المسجد من تمثل الفاني وظهور الروحاني في صورة الجسماني.
(فكان النبي عليه السلام) من حيث نبوته فقط (تلك اللبنة) الواحدة التي تم بها حائط النبوة، وارتفعت على جميع اللبن لتأخرها عن وضعهم واستكمالهم من حيث هم حائط بها (غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها).
أي تلك اللبنة (إلا كما قال: لبنة واحدة) لعدم تبعيته لغيره سوى ما يوحى إليه كما قال تعالى له قل "إن أتبع إلا ما يوحى إلى" 15 سورة يونس.
ولبنة من فضة لغلبة حكمه بالظاهر ، ومن كان قبله لبنة من ذهب لغلبة حكمه بالباطن .
(وأما خاتم الأولياء) ولاية رسالة أو نبوة أو إيمان فدخل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا من حيث هو ولي رسول وولي نبي وولي مؤمن.
وخاتم بالأقسام الثلاثة (فلا بد له من هذه الرؤيا)، من حيث كونه خاتم الأولياء على وجه مخصوص لا على الوجه الذي راه نبينا عليه السلام.
(فیری) خاتم الأولياء المذكور (ما مثله به رسول الله ) في الواقعة الكشفية ويرى بعين قلبه (في الحائط) المذكور (موضع لبنتين) في أعلى الحائط بحيث لو وضعتا كانت إحداهما فوق الأخرى بخلاف نبينا عليه السلام فإنه رأي موضع لبنة واحدة (واللبن) كله الذي بني منه ذلك الحائط (من ذهب) مشتق من الذهاب لكماله في الوجود فهو مشير إلى سر البطون.
(ومن فضة) مشتقة من الفض وهو الكسر والفك لكمالهما في العدم فهي إشارة إلى سر الظهور (فیری) خاتم الأولياء المذكور (اللبنتين اللتين ينقص الحائط ) المذكور (عنهما) في أعلاه (ويكمل بهما) فتساوى أطرافه ويتم بنيانه فهو بالنسبة إلى كل خاتم يراه كذلك (لبنة) العقل في
عالم الشهادة (من فضة ولبنة) الروح في عالم الغيب (من ذهب فلا بد) لخاتم الأولياء.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قال رضي الله عنه : (ولما مثل النبي عليه الصلاة والسلام النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل) الحائط (سوی موضع لبنة واحدة) قوله (فكان عليه السلام تلك اللبنة) جواب لما أي كان نفسه في رؤياه تنطبع بتلك اللبنة التي ينتمي الحائط عنها ويكمل بها.
(غير أنه لا يراها) أي تلك الرؤيا (إلا كما قال لبنة واحدة) أي تمثيله عين رؤياه في حق نفسه.
(وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا) دليلا له على ختميته في الولاية .
(فیری ما مثله به) أي بالحائط (رسول الله فیری في الحائط موضع لبنتين واللبن من ذهب وفضة فيرى اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ويكمل بهما لبنة فضة ولبنة ذهب)
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قوله رضي الله عنه : "ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوی موضع لبنة، فكان، صلى الله عليه وسلم، تلك اللبنة. غير أنه، صلى الله عليه وسلم، لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فیری ما مثله به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، ويرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة".
قلت: حاصل ما أشار إليه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، إنما مثل النبوة وحدها وهي دون مقام ولايته، عليه السلام، فرآها لبنة واحدة لو مثل معها مقام ولايته لراها لبنتين كما رآها خاتم الأولياء ثم ذكر الشيخ، رضي الله عنه، كلامه هذا يعلم فيه أن الولي الخاتم للولاية يري أن الحائط ناقصا لبنتين وذلك من ضرورة رؤيته لمقام النبوة التي هي فيها تابع، وهي لبنة فضة.
ویری موضع لبنة أخرى وهي ما يأخذه عن الله تعالی بلا واسطة.
ولما كان مقام الولاية أعلى من مقام النبوة، كما ذكر، جعل اللبنة المختصة بالنبوة لبنة فضة والأخرى لبنة ذهبية.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قال رضي الله عنه : " ولمّا مثل النبيّ النبوّة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة ، فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تلك اللبنة غير أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يراها إلَّا كما قال : لبنة واحدة " .
قال العبد : إنّما مثّل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم النبوّة بالحائط ، لأنّ النبوّة صورة الإحاطة الإلهيّة بالأوضاع والأحكام الشرعية والحكم والأسرار الدينيّة الوضعية المرعيّة ، قد وضعها الله على ألسنة رسله وفي كتبه قبل ظهور الشريعة الجمعيّة الأحدية والأوضاع الكمالية المحمدية .
فكملت من حيث صورتها التفصيليّة ولكنّها كانت ناقصة من حيث عوز الوضع الأحدي الجمعي والمقام المحمدي الختمي الذي يستوعب الكلّ ، وكلّ لبنة كانت في تلك الحائط كانت صورة نبيّ من الأنبياء ، فالحائط كالقلادة المشتملة على جواهر الأنبياء.
وكان يعوزهم واسطة القلادة التي تساوي الكلّ ، وهو أحدية جمع الكمّل من الأنبياء ، كلَّهم الذين هم صور تفصيله ، فلا بدّ للرسول الخاتم أن يرى نفسه تنطبع في تلك الثلمة ، ويسدّ بذاته تلك الخلَّة ، فيكمل به الحائط ، لأنّه صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم النبوّة المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق .
ولا بدّ لوارث كل رسول أن يجري عليه أنموذج من جميع أحواله التي جرت على ذلك الرسول الذي هذا الوليّ وارثه وتابعه في أعماله وأحواله وعلومه وأخلاقه ومشاهده ومواجده ، لكونه قد أقامه الله مقام ذلك النبيّ أو الرسول في ولايته كذلك .
ولا بدّ لهذا الوارث المحمدي الأكمل كذلك أن يرى مثل هذه الرؤيا وإلَّا لم يستكمل في ورثة وهو كامل الورث ، فيرى ذلك ولا بدّ .
قال الشيخ رضي الله عنه : « وأمّا خاتم الولاية فلا بدّ له من هذه الرؤيا ، فيرى ما مثّل به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويرى في الحائط موضع لبنتين ، واللبن من ذهب وفضّة .
قال العبد أيّده الله به اعلم : أنّ الذهب صورة الكمال الحقيقي الذي به تصحّ المتبوعيّة ، وهو باطن النبوّة ومعناها وأصلها الذي بدأت منه ومنتهاها .
فكذلك الذهب باطن الفضّة وهو حقيقتها ، طرأ عليه قبل كماله ونضجه البرد ، فابيضّ ، والفضّة أقبل الأجساد للذهبية ، لكمال طهارتها ونوريّتها إلَّا أنّها ستبطل صورتها ، وتحرقها محرقاتها ، بخلاف الذهب ، فإنّه جوهر حافظ صورته النوعية على مرور الزمان وضروب الحدثان .
فلا يتسلَّط عليه النار والتراب والكباريت كما نفذوا على الفضّة التي هي صورة مظهر النبوّة والصفة ، إذ الفساد الطارئ على الأجساد إنّما متعلَّقه الصور لا الحقائق ، فإنّ الحقائق لا تنعدم ولا تتبدّل ، وإنّما متعلَّق الانعدام والتبدّل الصورة لا غير .
كذلك الولاية لا تنقطع ، فإنّ الله هو الوليّ الحميد ، وهو خير الوارثين .
ولمّا كان خاتم الأنبياء والرسل في التخلَّق بأخلاق الله والظهور بأوصاف العبودية وإقامة الشرائع والدين والدعوة إلى الله ونصرته متبوعا للكلّ في الكلّ .
وهو صلَّى الله عليه وسلَّم غير مأمور بكشف الحقائق والأسرار الذاتية ، بل كان مأمورا بسترها في الأوضاع الشرعية والديانات الوضعيّة والسنن الكلَّية الأصلية والجزئية الفرعية .
والنبوّة هي الدعوة إلى كلّ ذلك والظهور بها والاتّصاف بجميعها ، فلهذا مثّل الله له النبوّة المحيطة بسائر النبوّات الجزوية الفرعية والأحكام والنواميس الشرعية في صورة حائط تنقصه صورة لبنة واحدة فضيّة .
إشارة إلى ما كان ينقص النبوّة من تبعية أمّة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم ولا تنسدّ تلك الخلَّة إلَّا بوجوده صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكونه أحدية جمع صورة المتبوعية المحيطة في جميع الأخلاق الإلهية ، وهو المبعوث صلَّى الله عليه وسلَّم لتكميلها وتتميمها ، فيرى نفسه تكون عين تلك اللبنة الفضيّة التي هي صورة أحدية جمع جميع الصفات الإلهية التي بعث لتكميلها إشارة إلى متبوعيّته في الأخلاق الإلهية والأوصاف والنعوت وإن كان تابعا لله تعالى في التخلَّق بكلّ ذلك ، فافهم ، ولهذا ما رآه إلَّا لبنة واحدة ، لأنّه متبوع لا تابع .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
وأما حديث الرؤيا في قوله رضي الله عنه :
"ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلَّم بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة فكان صلى الله عليه وسلَّم تلك اللبنة ، غير أنه صلى الله عليه وسلَّم لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا ، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، ويرى في الحائط موضع لبنتين واللبن من ذهب وفضة"
وإنما يكون على ما ذكره ، لأن الرؤيا من عالم المثال وهو تمثل كل حقيقة بصورة تناسبه ، فتمثل حال النبي عليه الصلاة والسلام في نبوته في صورة اللبنة التي يكمل بها بنيان النبوة فكان خاتم الأولياء .
ولما لم يظهر بصورة الولاية لم يتمثل له موضعه باعتبار الولاية فلا بد من خاتم الولاية باعتبار ظهوره وختمه للولاية أن يرى مقامه في صورة اللبنة الذهبية من حيث أنه متشرع بشريعة خاتم الرسل .
ويرى مقامه في صورة اللبنة الفضية باعتبار ظاهره فإنه يظهر تابعا للشريعة المحمدية على أنه آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قال رضي الله عنه : "ﻭﻟﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺑﺎﻟﺤﺎﺋﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﻭﻗﺪ ﻛﻤﻞ ﺳﻮﻯ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﺒﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻜﺎﻥ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ، ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ) ﺃﻱ ﺇﻻ ﺃﻧﻪ.
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻻ ﻳﺮﺍﻫﺎ ﺇﻻ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ، ﻟﺒﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻭﺃﻣﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ، ﻓﻴﺮﻯ ﻣﺎ ﻣﺜﻠﻪ ﺑﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻳﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﺒﻨﺘﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻠﺒﻦ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ ﻭﻓﻀﺔ".
ﻓﻴﻜﻮﻥ لخاتم ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺗﻴﻨﻚ ﺍﻟﻠﺒﻨﺘﻴﻦ. ﺃﻱ، ﻟﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺑﺎﻟﺤﺎﺋﻂ ﻭ ﺭﺃﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻨﻄﺒﻊ ﻓﻴﻪ، ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺬﻟﻚ، ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ. ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ ﻇﺎﻫﺮ. ﻗﺎﻝ رضي الله عنه ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ ﺃﻧﻪ ﺭﺃﻯ ﺣﺎﺋﻄﺎ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ ﻭﻓﻀﺔ، ﻭﻗﺪ ﻛﻤﻞ ﺇﻻ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﺒﻨﺘﻴﻦ: ﺇﺣﺪﻳﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﺔ ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ، ﻓﺎﻧﻄﺒﻊ رضي الله عنه ﻣﻮﺿﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺒﻨﺘﻴﻦ
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قال رضي الله عنه: " ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة."
ثم أشار إلى كيفية كونهما ختمين مع الفرق بين ختميتهما بأن خاتم النبوة كان يرى ختم الولاية في ضمن نبوة، فقال: (ولما مثل) جواب الشرط محذوف، أي: كان هذا التمثيل ثابتا أيضا لخاتم الولاية (النبي ، النبوة) أي: نبوة جميع الأنبياء (بالحائط من) حيث إنها محيطة بالكمالات إحاطة الدار بالساكن من (اللبن).
و فيه إشارة إلى أنه مما لا يحترق بنار الشبهات رأي فيهم كثرة، وقوام تلك الكثرة
هذا الواحد، (وقد كمل) الحائط عمن لقدمه من الأنبياء (سوى موضع لبنة واحدة)، لولاها لتزلزل بنيان النبوة لبطلان مصالح بعض أحكامهم، مع أن أهلها قد تخيرها أيضا، (فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة) المكملة لبنيان النبوة الصائنة لها عن التزلزل.
فكان هذا المثال خاتم الأولياء، إذ به تمت الولاية التي هي مستند مصالح العالم بحيث يتزلزل بانتقالهم عن آخرهم.
قال رضي الله عنه: " غير أنه صلى الله عليه و سلم لا يراها كما قال لبنة واحدة.
و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم، و يرى في الحائط موضع لبنتين ، و اللبن من ذهب و فضة."
ثم أشار إلى الفرق بين المثالين؛ فقال: (غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها) أي: اللبنة التي نقص الحائط عنها (إلا كما قال: "لبنة واحدة") ، لأنه كان يرى كمال الولاية للأنبياء فكأنها انختمت في ضمن نبوته، وهو لم يظهر بها وولاية غيرهم غير منظور لها لقصورها.
(وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا) أي: الرؤية أو المثال من باب إطلاق السبب على المسبب، إذ الرؤيا سبب الاطلاع في الغاية على الأمثلة، وإنما لم يكن له بد من ذلك.
لأنه سبب كمال العالم وانتظام مصالحه، (فیری ما مثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم) للنبوة من الحائط مثالا للولاية، وهذا الحائط حائط الكمالات المطلقة؛ ولكنه (يرى في الحائط
موضع لبنتين)؛ لأن الولاية لا تنتظم بدون النبوة فيرى الكمال بنبوة خاتم الرسالة وولاية نفسه، ويرى اللبن الواحد (من ذهب)، والأخر من (فضة) باعتبار أن الذهب، وإن عز فليس فيه كمال الظهور، وكان هذا في ولاية الأنبياء لم يظهروا بها، وقد ظهر بها الأولياء.
والفضة وإن دنا فهو غاية في الظهور، وقد ظهر بها الأنبياء، وهو ظاهر والأولياء أيضا في أعمالهم الظاهرة.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قال رضي الله عنه : (ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن) ؛ ووجه مناسبتها بالحائط إما صورة : فلكونها مع ما فيها من الحيطة يحوط نظام متفرقات العالم من الشتات من قولهم : «حاطه يحوطه» أي كلاه ، و«يحوط » - أيضا إذا جمعه .
ولكونها مع أنها حائطة بتلك المعاني مشتملة على العلوم المتمثلة بحسب الصورة ، المتفاوتة بالعلو والكمال ؛ وذلك علوم الأنبياء كلها .
ولذلك قال : «من اللبن» فإنه عين اللبن المأول بالعلم بحسب الصورة الرقمية .
وأيضا : اللبن إنما هو صورة تنوع أرض الاستعداد على ما صورها عليه ماء العالم ،بعد أن لينها وصتها في قوالب قلوب الأنبياء.
وأما معنى : فلأنها امتداد طالع من أسافل أراضي الحدوث والإمكان إلى أعالي سماوات القدم والوجوب ، ولأنها متدرجة في ذلك الطلوع باشتمالها على أجزاء متماثلة الصورة والحقيقة ، هي جزئيات نوع واحد .
كما قال تعالى : "لا نفرق بين أحد من رسله " متخالفة الرتب ودرجات الكمال ، الذات ، إنما يتعدد ويتكثر بالأعيان والمظاهر القابلة ، وذلك لما أثبتوا لها من الوحدة المقابلة للكثرة .
ولما كانت وحدتها عند الشيخ هي الوحدة الإطلاقية والأحدية الجمعية الذاتية التي لا يشوبها شائبة ثنوية التقابل أصلا .
فلابد وأن يكون مخزن العطايا الغير المتناهية الغير المتكثرة ، إنّما يتكمّل ذلك الامتداد بواحد منها هو أعلى من الكلّ ، لأنّ جميع تلك الجزئيّات مدارج علوّه ومباني مراقي قربه ، بل إنّما يوجد به لأنّه الجزء الأخير من مركَّب ذي أجزاء ، هي تلك الجزئيّات الإنسانيّة المسمّاة بالأنبياء ،وإليه أشار بقوله رضي الله عنه :
( وقد كمل سوى موضع لبنة واحدة ، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم تلك اللبنة ، غير أنّه صلَّى الله عليه وسلَّم لا يراها إلَّا كما قال : لبنة واحدة وأمّا خاتم الأولياء فلا بدّ له من هذه الرؤيا) لأنّه الحائط بكماله الذي هو غاية الغايات وأقصى النهايات في الحيطة بمعانيها (فيرى ما مثّله به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ) من الحائط المشتمل على تلك الأجزاء المترتّبة المرتبة لمدارج علوّه ومراقي عروجه إلى مقامه الأقرب إلَّا أنّه يرى تلك الأجزاء المشتمل عليها الحائط نوعين ( ويرى في الحائط موضع اللبنتين ، واللبن من ذهب وفضّة) المبتني منه الحائط في رؤيته مختلف في الصورة والعزّة لأنّ الحائط هو صورة امتداد علوّه من أسافل أراضي القوّة إلى أعالي سماوات كمالها.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة.)
قال رضي الله عنه : " و لما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن ".
قال رضي الله عنه : (ولما مثل النبي ل النبوة بالحائط من اللبن)، لأن النبوة صورة الإحاطة الإلهية بالأوضاع الشرعية والأحكام الفرعية والحكم والأسرار، والبينة الوضعية قد وضعها الله على ألسنة رسله وفي كتبه وكل لبنة كانت في ذلك الحائط كانت صورة نبي من الأنبياء.
يقصد حديث : "عن أبي هريرة أن رسول الله ، قال : مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زوايا، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبیین" صحیح مسلم
قال رضي الله عنه : " و قد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه و سلم تلك اللبنة.
غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها كما قال لبنة واحدة. و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم ".
قال رضي الله عنه : (وقد كمل) ذلك الحائط (سوی) موضع لبنة واحدة وهي الموضع الأحدي الجمعي المحمدي الختمي الذي يستوعب الكل (فكان النبي صلى الله عليه وسلم ) بهذا الوضع الأحدي الجمعي .
(تلك اللبنة) وسيد تلك الثلمة فكمل به الحائط (غير أنه صلى الله عليه وسلم ) لا يراها أي تلك اللبنة بعين بصيرته في هذا التمثيل (إلا كما قال) صلى الله عليه وسلم (لبنة واحدة).
لأنه صلى الله عليه وسلم غير مأمور بكشف الحقائق والأسرار كخاتم الولاية بل كان مأمورة بسترها في الأوضاع الشرعية والأحكام الوضعية .
والنبوة هي الدعوة إلى كل ذلك والظهور بها والاتصاف بجميعها فهي حقيقة واحدة فلا حاجة في تمثيلها إلى اللبنتين ولا إلى تمييزها بالذهبية والفضية (وأما خانم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا). البنتبه على مرتبته ومقامه
أي من رؤية (ما مثل به النبي صلى الله عليه وسلم) ولكن في رؤياه
قال رضي الله عنه : " ويرى في الحائط موضع لبنتين واللبنتان من ذهب وفضة . "
قال رضي الله عنه : (فیری) ما مثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم و من الحائط ويرى (في الحائط موضع لبنتين) ينقص الحائط عنهما (واللبن من ذهب) هو صورة الولاية.
لأن الولاية كما أنها ليست قابلة للتغيير بوجه من الوجوه عما هو عليه فكذلك الذهب (ومن فضة) هو صورة النبوة كما أنها قابلة للتغير بالنسبة إلى الأزمان . فكذلك الفضة.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:46 عدل 2 مرات
الفقرة السابعة عشر الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة السابعة عشر : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( ولمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة. )
قال المصنف رضي الله عنه : (و لما مثل النبي صلى الله عليه و سلم النبوة بالحائط من اللبن، و قد كمل سوى موضع لبنة واحدة، فكان صلى الله عليه و سلم تلك اللبنة غير أنه صلى الله عليه و سلم لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة . و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم و يرى في الحائط موضع لبنتين و اللبنتان من ذهب و فضة.)
قال الشارح رحمة الله :
( فلما مثل النبي صلى الله عليه و سلم النبوة بالحائط من اللبن، و قد كمل سوى لبنة، فكان صلى الله عليه و سلم لا يراها إلا كما قال: "لبنة واحدة ") لأنه صلى الله عليه و سلم رأى حائط النبوة قد انختم بها.
و لا بدّ أن يكون أيضا لبنة فضة، فإنها مبطونة الذهب، و في ظهورها ذهبا فتنة للعموم، و مقام النبوة مقام رحمة عامة بلا فتنة و لا محنة، فلا يقضي سوى رحمة خالصة .
أما ترى إجراء الله العادة في العموم المعاملة بالفضة عامة لأنها أقرب إلى القبول، بل يحتمل أن يكون بلدا وأناسا لا يقبلون الذهب في المعاملة وذلك لعدم الفهم، وعدم الفهم به.
وهكذا أمر الولاية فإنها باطن النبوة، وصورة الفضة كصورة الشريعة، ظاهرها شريعة و باطنها حقيقة، ولو لا الشريعة وهي الصورة الفضية لانفضوا من حوله، وتركوه قائما، ولم يقبلوا إلا قليلا .
"" أضاف المحقق : قال السيد مصطفى البكري في السيوف الحداد:
اعلم أن الشريعة في الباب واللباب، التي تمدي إلى صواب الصواب، وأول واجباتها معرفة رب الأرباب على طبق السنة والكتاب، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: معرفة عوام و خواص، وخواص الخواص.
فالأولى : معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حقه تعالى، وكذلك في حق رسله، وهذه واجبة على كل مكلف؛ لئلا يشتبه عليه الحال فيقع في الخيال، وليسلم من ورطة التقليد في التوحيد.
قال صاحب الجوهرة:
إذ كل من قلد في التوحيد پيمانه لم يتخل عن تردید، و كل من طلب الثانية ولم يحكم الأولى كان جاهلا بالله؛ فإنها أولى وأولى.
ويجب على صاحب هذه المعرفة أن يطلب العلم الواجب في حقه؛ ليكون ممن يعبد الله على بصيرة، وإلا كان ما بهدم أكثر مما بيي ففي الحديث: «ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من غير عالم». .
والعالم العامل هو الورع المشار إليه بحديث: «ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط». رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس. وإلا فمع الجهل أين الورع.
والثانية : معرفة آثار الأسماء والصفات، وظهور أنوار تلك الآثار في القلب؛ ليخلص صاحبه من الآفات، وطريقها تسير الأوقات بالعبادات، وتركية النفس وترك المخالفات، والجلوس على بساط الفقر والانكسار، وشغل القلب بمراقبة العزيز الغفار، والاقتداء بأستاذ شهدت بصحة عقيدته وكماله العارفون، وأقرت بحسن منازلاته ومواجيده الواصلون، ليسلك به مقام التعلق،
ويرقيه إلى التحقق، ويوصله إلى التخلق، وهناك يدرك الأسرار بطريق المنازلة والذوق، ويأكل لا من تحت الأرجل بل من فوق.
وطريق التصوف عند السادة الصوفية، كله تخلق بالأخلاق المصطفوية، فمن زاد تخلقه زاد تصوفه، والتخلق يحتاج إلى السلوك، وهو يفتقر إلى المرشد العارف.
قال الإمام الشعراني في الميزان:
أما سلوكك بغير شيخ فلا يسلم غالبا من الرياء والجدال والمزاحمة على الدنيا، ولو بالقلب من غير لفظ، فلا يوصلك إلى ذلك، ولو شهد لك جميع أقرانك بالقطبية فلا عبرة بها .
وقد أشار إلى ذلك الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات فقال :
«من سلك الطريق بغير شيخ ولا ورع عما حرم الله فلا وصول له إلى معرفة الله تعالى، المعرفة المطلوبة عند القوم ولو عبد الله تعالى عمر نوح عليه السلام». .
ثم إذا وصل العبد إلى معرفة الله تعالى فليس وراء الله مرمى ولا مرقي بعد ذلك، وهناك يطلع كشفا ويقينا على حضرات الأسماء الإلهية، ويرى اتصال جميع أقوال العلماء بحضرة الأسماء، ويرتفع الخلاف عنده في جميع مذاهب المجتهدين؛ لشهود اتصال جميع أقوالهم بحضرة الأسماء والصفات، لا يخرج عن حضرتها قول واحد من أقوالهم .
وهذه المعرفة نتيجة التخلي عن الأخلاق الذميمة، والتحلي بالأوصاف الكريمة، فأثمرت التجلي بالأسرار العظيمة.
وفي الحديث: «الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا منحه منها خلقا».
وقال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
قال صاحب عوارف المعارف للإمام شهاب الدين عمر السهروردي:
«فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والمعاهدات حي أجابت إلى تحسين الأخلاق، فنفوس العباد أجابت إلى الأعمال وجمعت عن الأخلاق، و نفوس الزهاد أجابت إلى بعض الأخلاق دون البعض، ونفوس الصوفية أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها».
والثالثة : معرفة كنوز أسرار الذات المحلية، وهذه المعرفة خاصة بأكابر المحققين من الأولياء الراسخين وطريق هذه المعرفة لا يكون إلا عن محض المئة، وكرامة صاحبها استقامته على نهج الكتاب والسنة.
قال أبو يزيد البسطامي قدس الله سره:
لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى تربع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.
ولما قصد زيارة ذلك الرجل المشهور بالزهد ودخل المسجد، رمى ببصافه تجاه القبلة، فانصرف ولم يسلم عليه .
وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه.
فاتباع القدم المحمدي نعمة وأي نعمة، والزيغ عنه نقمة لا يماثلها نقمة ، فإن شوم هلاك الذين لا يعادله شؤم، نعوذ من ذلك بالله الحي القيوم و إذا نظرت بعين التحقيق في هؤلاء الزنادقة المنابذين لأهل الطريق لم تر عندهم غير شقشقة اللسان الخالية عن الدليل والبرهان، وإذا بحثت مع أحدهم أسفر وجهه عن أخلاق البغال بكلام أبرد من برد العجوز؛ لتمثله في وصف النعال.
ثم قال أيضا: وقد رأيت في بعض الرسائل حديثا مرفوعا وهو: «الشريعة مقالي، والطريقة أفعالي، وألحقيقة حالي».
وعلى تقدير صحته فالشريعة: البيان، وهو بالمقال وما ينطق عن الهوى وبالأفعال، وهو أبلغ "فاتبعوني يحببكم الله"، والحال ما ينتجه البيان فعاد الأمر إليه.
قال سيدي محيي الدين قدس الله سره في كتاب «التراجم» في باب ترجمة الشريعة والحقيقة:
لطيفة : يخيل لمن لا يعرف أن الشريعة تخالف الحقيقة، هيهات بل الشريعة عين الحقيقة، وأن الشريعة جسم و روح، فجسمها الأحكام وروحها الحقيقة، فما ثم إلا شرع.
لطيفة الشريعة: وضع موضوع وضعه الحق في عباده، فمنه مسموع وغير مسموع، فلهذا من الأنبياء متبوع وغير متبوع، "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ" (21) سورة الأنفال .كمثل الذي ينعق بما لا يسمع.
وقال رضي الله عنه في الفتوحات المكية في باب الشريعة:
الشريعة من جملة الحقائق، فهي حقيقة لكن تسمى شريعة ، وهي حق كلها، والحاكم بها حاكم بحق مثاب عند الله، لأنه حكم ما كلف أن يحكم به، وإن كان المحكوم له على باطل، والمحكوم عليه على حق، فهل هو عند الله كما هو في الحكم، أو كما هو في نفس الأمر؟
فمنا من يرى أنه عند الله كما هو في نفس الأمر، ومنا من يرى أنه عند الله كما هو في الحكم.
ثم قال بعد كلام طويل، فعين الشريعة عين الحقيقة، والشريعة حق كلها، ولكل حق حقيقة، فحق الشريعة وجود عينها، وحقيقتها ما ينزل في الشهود منزلة شهود عينها في باطن الأمر.
فيكون في ذلك الباطن كما هي في الظاهر من غير مزيد، حتى إذا كشف الغطاء لم يختل الأمر على الباطن.
ثم قال: فما ثم حقيقة تخالف الشريعة، لأن الشريعة من جملة الحقائق، والحقائق أمثال وأشباه ، والشرع ينفي ويثبت.
فتقول: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، وهذا قول الحقيقة بعينه ، فالشريعة هي الحقيقة وأطال في ذلك.
وقال فيها أيضا: ومن جملة آداب الحق ما نزلت به الشرائع.
وقال: لما كان الأمر العظيم يجهل قدره ولا يعلم، ويعز الوصول إليه، تنزلت الشرائع بأداب التوصل؛ ليقبلها أولوا الألباب.
لأن الشريعة لب العقل والحقيقة لب الشريعة، فهي كالدهن في اللب الذي يحفظ القشر، فاللب يحفظ الدهن والقشر يحفظ اللب.
كذلك العقل حفظ الشريعة والشريعة تحفظ الحقيقة، فمن ادعى شرعا بغير عقل لم تصح دعواه، فإن الله تعالى ما كلف إلا من استحكم علقه، ما كلف مجنونا ولا صبيا ولا من خرف.
ومن ادعى حقيقة من غير شريعة فدعواه لا تصح. أهـ ""
ولهذا قال الجنيد رضي الله عنه : (علمنا هذا يعني علم الحقائق الذي نجا به أهل الله مقيد بالكتاب والسنة: أي أنه لا يحصل إلا لمن عمل بكتاب الله وسنة رسوله ، وذلك هو الشريعة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أدبني فأحسن تأديبي"، وما هو إلا شرع له، فمن تشرع تأدب، ومن تأدب وصل). أهـ ""
فلهذا قال عارف محمّدي: "خضنا بحرا وقف الأنبياء على ساحله" .
و هو بحر بيان أن الحقائق بلا صيانة الشريعة كحسين بن منصور و غيره، بخلاف الأنبياء عليهم السلام فإنهم الأقوياء في حفظ الباطن، و الأشداء في حب صيانة الأسرار، فلما كان الختتم في الخاتم أسوة حسنة.
فقيل: (و أما خاتم الأولياء فلا بدّ له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم )، هذا إعلام من رسول الله صلى الله عليه و سلم، و بشارة للشيخ رضي الله عنه بختم الولاية، و إن كان الذي رآه في سنة تسع و تسعين و خمسمائة بمكة هذا تأويل رؤياه لأنه صلى الله عليه و سلم قال : "من كان ختما لا بدّ أن يراه"
وهو رضي الله عنه قد رآه، (و لكن يرى في الحائط موضع لبنتين، و اللبن من ذهب )، و هو الصورة الولاية المحمّدية الختمية، و اللبن من فضة، و هي صورة شريعية التي أخذها من مشكاة خاتم الرسل، صلوات الله عليه و عليهم أجمعين.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( ولمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً.
وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين، واللّبِنُ من ذهب و فضة. )
قال المصنف رضي الله عنه : (و لما مثل النبي صلى الله عليه و سلم النبوة بالحائط من اللبن، و قد كمل سوى موضع لبنة واحدة، فكان صلى الله عليه و سلم تلك اللبنة غير أنه صلى الله عليه و سلم لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة . و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم و يرى في الحائط موضع لبنتين و اللبنتان من ذهب و فضة.)
قال الشارح رحمة الله :
( فلما مثل النبي صلى الله عليه و سلم النبوة بالحائط من اللبن، و قد كمل سوى لبنة، فكان صلى الله عليه و سلم لا يراها إلا كما قال: "لبنة واحدة ") لأنه صلى الله عليه و سلم رأى حائط النبوة قد انختم بها.
و لا بدّ أن يكون أيضا لبنة فضة، فإنها مبطونة الذهب، و في ظهورها ذهبا فتنة للعموم، و مقام النبوة مقام رحمة عامة بلا فتنة و لا محنة، فلا يقضي سوى رحمة خالصة .
أما ترى إجراء الله العادة في العموم المعاملة بالفضة عامة لأنها أقرب إلى القبول، بل يحتمل أن يكون بلدا وأناسا لا يقبلون الذهب في المعاملة وذلك لعدم الفهم، وعدم الفهم به.
وهكذا أمر الولاية فإنها باطن النبوة، وصورة الفضة كصورة الشريعة، ظاهرها شريعة و باطنها حقيقة، ولو لا الشريعة وهي الصورة الفضية لانفضوا من حوله، وتركوه قائما، ولم يقبلوا إلا قليلا .
"" أضاف المحقق : قال السيد مصطفى البكري في السيوف الحداد:
اعلم أن الشريعة في الباب واللباب، التي تمدي إلى صواب الصواب، وأول واجباتها معرفة رب الأرباب على طبق السنة والكتاب، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: معرفة عوام و خواص، وخواص الخواص.
فالأولى : معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حقه تعالى، وكذلك في حق رسله، وهذه واجبة على كل مكلف؛ لئلا يشتبه عليه الحال فيقع في الخيال، وليسلم من ورطة التقليد في التوحيد.
قال صاحب الجوهرة:
إذ كل من قلد في التوحيد پيمانه لم يتخل عن تردید، و كل من طلب الثانية ولم يحكم الأولى كان جاهلا بالله؛ فإنها أولى وأولى.
ويجب على صاحب هذه المعرفة أن يطلب العلم الواجب في حقه؛ ليكون ممن يعبد الله على بصيرة، وإلا كان ما بهدم أكثر مما بيي ففي الحديث: «ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من غير عالم». .
والعالم العامل هو الورع المشار إليه بحديث: «ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط». رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس. وإلا فمع الجهل أين الورع.
والثانية : معرفة آثار الأسماء والصفات، وظهور أنوار تلك الآثار في القلب؛ ليخلص صاحبه من الآفات، وطريقها تسير الأوقات بالعبادات، وتركية النفس وترك المخالفات، والجلوس على بساط الفقر والانكسار، وشغل القلب بمراقبة العزيز الغفار، والاقتداء بأستاذ شهدت بصحة عقيدته وكماله العارفون، وأقرت بحسن منازلاته ومواجيده الواصلون، ليسلك به مقام التعلق،
ويرقيه إلى التحقق، ويوصله إلى التخلق، وهناك يدرك الأسرار بطريق المنازلة والذوق، ويأكل لا من تحت الأرجل بل من فوق.
وطريق التصوف عند السادة الصوفية، كله تخلق بالأخلاق المصطفوية، فمن زاد تخلقه زاد تصوفه، والتخلق يحتاج إلى السلوك، وهو يفتقر إلى المرشد العارف.
قال الإمام الشعراني في الميزان:
أما سلوكك بغير شيخ فلا يسلم غالبا من الرياء والجدال والمزاحمة على الدنيا، ولو بالقلب من غير لفظ، فلا يوصلك إلى ذلك، ولو شهد لك جميع أقرانك بالقطبية فلا عبرة بها .
وقد أشار إلى ذلك الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات فقال :
«من سلك الطريق بغير شيخ ولا ورع عما حرم الله فلا وصول له إلى معرفة الله تعالى، المعرفة المطلوبة عند القوم ولو عبد الله تعالى عمر نوح عليه السلام». .
ثم إذا وصل العبد إلى معرفة الله تعالى فليس وراء الله مرمى ولا مرقي بعد ذلك، وهناك يطلع كشفا ويقينا على حضرات الأسماء الإلهية، ويرى اتصال جميع أقوال العلماء بحضرة الأسماء، ويرتفع الخلاف عنده في جميع مذاهب المجتهدين؛ لشهود اتصال جميع أقوالهم بحضرة الأسماء والصفات، لا يخرج عن حضرتها قول واحد من أقوالهم .
وهذه المعرفة نتيجة التخلي عن الأخلاق الذميمة، والتحلي بالأوصاف الكريمة، فأثمرت التجلي بالأسرار العظيمة.
وفي الحديث: «الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا منحه منها خلقا».
وقال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
قال صاحب عوارف المعارف للإمام شهاب الدين عمر السهروردي:
«فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والمعاهدات حي أجابت إلى تحسين الأخلاق، فنفوس العباد أجابت إلى الأعمال وجمعت عن الأخلاق، و نفوس الزهاد أجابت إلى بعض الأخلاق دون البعض، ونفوس الصوفية أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها».
والثالثة : معرفة كنوز أسرار الذات المحلية، وهذه المعرفة خاصة بأكابر المحققين من الأولياء الراسخين وطريق هذه المعرفة لا يكون إلا عن محض المئة، وكرامة صاحبها استقامته على نهج الكتاب والسنة.
قال أبو يزيد البسطامي قدس الله سره:
لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى تربع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.
ولما قصد زيارة ذلك الرجل المشهور بالزهد ودخل المسجد، رمى ببصافه تجاه القبلة، فانصرف ولم يسلم عليه .
وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه.
فاتباع القدم المحمدي نعمة وأي نعمة، والزيغ عنه نقمة لا يماثلها نقمة ، فإن شوم هلاك الذين لا يعادله شؤم، نعوذ من ذلك بالله الحي القيوم و إذا نظرت بعين التحقيق في هؤلاء الزنادقة المنابذين لأهل الطريق لم تر عندهم غير شقشقة اللسان الخالية عن الدليل والبرهان، وإذا بحثت مع أحدهم أسفر وجهه عن أخلاق البغال بكلام أبرد من برد العجوز؛ لتمثله في وصف النعال.
ثم قال أيضا: وقد رأيت في بعض الرسائل حديثا مرفوعا وهو: «الشريعة مقالي، والطريقة أفعالي، وألحقيقة حالي».
وعلى تقدير صحته فالشريعة: البيان، وهو بالمقال وما ينطق عن الهوى وبالأفعال، وهو أبلغ "فاتبعوني يحببكم الله"، والحال ما ينتجه البيان فعاد الأمر إليه.
قال سيدي محيي الدين قدس الله سره في كتاب «التراجم» في باب ترجمة الشريعة والحقيقة:
لطيفة : يخيل لمن لا يعرف أن الشريعة تخالف الحقيقة، هيهات بل الشريعة عين الحقيقة، وأن الشريعة جسم و روح، فجسمها الأحكام وروحها الحقيقة، فما ثم إلا شرع.
لطيفة الشريعة: وضع موضوع وضعه الحق في عباده، فمنه مسموع وغير مسموع، فلهذا من الأنبياء متبوع وغير متبوع، "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ" (21) سورة الأنفال .كمثل الذي ينعق بما لا يسمع.
وقال رضي الله عنه في الفتوحات المكية في باب الشريعة:
الشريعة من جملة الحقائق، فهي حقيقة لكن تسمى شريعة ، وهي حق كلها، والحاكم بها حاكم بحق مثاب عند الله، لأنه حكم ما كلف أن يحكم به، وإن كان المحكوم له على باطل، والمحكوم عليه على حق، فهل هو عند الله كما هو في الحكم، أو كما هو في نفس الأمر؟
فمنا من يرى أنه عند الله كما هو في نفس الأمر، ومنا من يرى أنه عند الله كما هو في الحكم.
ثم قال بعد كلام طويل، فعين الشريعة عين الحقيقة، والشريعة حق كلها، ولكل حق حقيقة، فحق الشريعة وجود عينها، وحقيقتها ما ينزل في الشهود منزلة شهود عينها في باطن الأمر.
فيكون في ذلك الباطن كما هي في الظاهر من غير مزيد، حتى إذا كشف الغطاء لم يختل الأمر على الباطن.
ثم قال: فما ثم حقيقة تخالف الشريعة، لأن الشريعة من جملة الحقائق، والحقائق أمثال وأشباه ، والشرع ينفي ويثبت.
فتقول: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، وهذا قول الحقيقة بعينه ، فالشريعة هي الحقيقة وأطال في ذلك.
وقال فيها أيضا: ومن جملة آداب الحق ما نزلت به الشرائع.
وقال: لما كان الأمر العظيم يجهل قدره ولا يعلم، ويعز الوصول إليه، تنزلت الشرائع بأداب التوصل؛ ليقبلها أولوا الألباب.
لأن الشريعة لب العقل والحقيقة لب الشريعة، فهي كالدهن في اللب الذي يحفظ القشر، فاللب يحفظ الدهن والقشر يحفظ اللب.
كذلك العقل حفظ الشريعة والشريعة تحفظ الحقيقة، فمن ادعى شرعا بغير عقل لم تصح دعواه، فإن الله تعالى ما كلف إلا من استحكم علقه، ما كلف مجنونا ولا صبيا ولا من خرف.
ومن ادعى حقيقة من غير شريعة فدعواه لا تصح. أهـ ""
ولهذا قال الجنيد رضي الله عنه : (علمنا هذا يعني علم الحقائق الذي نجا به أهل الله مقيد بالكتاب والسنة: أي أنه لا يحصل إلا لمن عمل بكتاب الله وسنة رسوله ، وذلك هو الشريعة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أدبني فأحسن تأديبي"، وما هو إلا شرع له، فمن تشرع تأدب، ومن تأدب وصل). أهـ ""
فلهذا قال عارف محمّدي: "خضنا بحرا وقف الأنبياء على ساحله" .
و هو بحر بيان أن الحقائق بلا صيانة الشريعة كحسين بن منصور و غيره، بخلاف الأنبياء عليهم السلام فإنهم الأقوياء في حفظ الباطن، و الأشداء في حب صيانة الأسرار، فلما كان الختتم في الخاتم أسوة حسنة.
فقيل: (و أما خاتم الأولياء فلا بدّ له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم )، هذا إعلام من رسول الله صلى الله عليه و سلم، و بشارة للشيخ رضي الله عنه بختم الولاية، و إن كان الذي رآه في سنة تسع و تسعين و خمسمائة بمكة هذا تأويل رؤياه لأنه صلى الله عليه و سلم قال : "من كان ختما لا بدّ أن يراه"
وهو رضي الله عنه قد رآه، (و لكن يرى في الحائط موضع لبنتين، و اللبن من ذهب )، و هو الصورة الولاية المحمّدية الختمية، و اللبن من فضة، و هي صورة شريعية التي أخذها من مشكاة خاتم الرسل، صلوات الله عليه و عليهم أجمعين.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:47 عدل 1 مرات
الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط.
والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : ( فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. و السبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة ، و هو ظاهره و ما يتبعه فيه من الأحكام، )
فلا بد لخاتم الأولياء (أن يرى نفسه ) بعين قلبه (تنطبع في موضع تينك اللبنتين) عقله في موضع لبنة الفضة وروحه في موضع اللبنة الذهب (فیكون خاتم الأولياء) هو بذاته (نفس تينك اللبنتين فيكمل) به ذلك (الحائط) وتتساوى أطرافه .
(والسبب الموجب لكونه)، أي خاتم الأولياء (يراها)، أي تلك اللبنة الواحدة التي أخبر عنها خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم (لبنتين).
ولا يراها لبنة واحدة كرؤيته عليه السلام (أنه)، أي خاتم الأولياء (تابع لشرع خاتم الرسل في) الحكم (الظاهر) مما فيه أحكام محسوسة ومعقولة .
(وهو موضع اللبنة الفضة) في أعلى الحائط (وهو)، أي موضع لبنة الفضة (ظاهره) أي ظاهر خاتم الأولياء من حيث ما يدرك بحسه وعقله (وما يتبعه) أي يتبع خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم.
(فيه) الضمير راجع إلى ما (من الأحكام) بيان لما يعني أحكام الله تعالى المتعلقة بغيره من العالم المدرك له بالحس والعقل.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قوله: (فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تلك اللبنتين) جواب إما (فيكون خاتم الولاية تلك اللبنتين فيكمل الحائط) بهما كما يكمل بلبنة واحدة في رؤیا ختم الرسل لوجوب التطابق بينهما وهذه الرؤيا مختصة لخاتم الولاية المحمدية لاشتراكه في المشكاتية والختمية.
وإما خاتم الولاية العامة فاشتراكه في الختمية دون المشكاتية فلم يلزم هذه الرؤيا له (والسبب الموجب لكونه) أي لكون خاتم الأولياء (يراها لبتين أنه) أي خاتم الأولياء (تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر) لأن ولاية الولي لا تحصل ولا تتم إلا بتبعيته للرسل.
(وهو) أي كون خاتم الأولياء تابعا (موضع اللبنة الفضية وهو) أي موضع هذه اللبنة (ظاهره) أي ظاهر خاتم الأولياء (وما يتبعه فيه من الأحكام) يعني صورة اتباعه لخاتم الرسل في الأحكام الشرعية .
فكان الحائط في حق ختم الرسل حائط النبوة واللبنة الفضية لبنته ولذلك مثلها به وأما في حق خاتم الأولياء فحائط الولاية فكانت اللبنة الفضية جزءا من حائط الولاية في حق هذا الرائي كاللبنة الذهبية .
فخاتم الرسل هو الذي لا يوجد بعده نبي مشرع فلا يمنع وجود عیسی بعده ختميته لأنه نبي متبع لما جاء به خاتم الرسل .
وكذلك خاتم الأولياء بالولاية الخاصة هو الذي لا يبقى بعده ولي في قلب خاتم الرسل ولا وارث بعده للولاية المحمدية .
ولا يمنع أيضا ختميه وجود الأولياء الوارثين لسائر الأنبياء بعده.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قوله: "فيرى اللبتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة، فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبتين، فيكون خاتم الأولياء نينك اللبنتين، فيكمل الحائط. والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع الشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام"
قلت: حاصل ما أشار إليه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، إنما مثل النبوة وحدها وهي دون مقام ولايته، عليه السلام، فرآها لبنة واحدة لو مثل معها مقام ولايته لراها لبنتين كما رآها خاتم الأولياء ثم ذكر الشيخ، رضي الله عنه، كلامه هذا يعلم فيه أن الولي الخاتم للولاية يري أن الحائط ناقصا لبنتين وذلك من ضرورة رؤيته لمقام النبوة التي هي فيها تابع، وهي لبنة فضة.
ویری موضع لبنة أخرى وهي ما يأخذه عن الله تعالی بلا واسطة.
ولما كان مقام الولاية أعلى من مقام النبوة، كما ذكر، جعل اللبنة المختصة بالنبوة لبنة فضة والأخرى لبنة ذهبية.
ولم يقل: ذهب، ليسلم ختم الأولياء، الولاية للرسول أيضا وليسلم أيضا ما رأوه من لبنة الذهب إليه ويصف ما حصل له بصورة النسب، هكذا ينبغي أن يقال ويسطر في الكتب، وفي المشافهة يمكن أن يتبين بيانا أكثر من هذا.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قال الشيخ رضي الله عنه : " فيرى اللبنتين اللتين ينقص عنهما الحائط ويكمل بهما لبنة فضّة ولبنة ذهب ، فلا بدّ أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين، فيكمل الحائط " .
قال العبد أيّده الله به اعلم :
إشارة إلى ما كان ينقص النبوّة من تبعية أمّة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم ولا تنسدّ تلك الخلَّة إلَّا بوجوده صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكونه أحدية جمع صورة المتبوعية المحيطة في جميع الأخلاق الإلهية ، وهو المبعوث صلَّى الله عليه وسلَّم لتكميلها وتتميمها ، فيرى نفسه تكون عين تلك اللبنة الفضيّة التي هي صورة أحدية جمع جميع الصفات الإلهية التي بعث لتكميلها إشارة إلى متبوعيّته في الأخلاق الإلهية والأوصاف والنعوت وإن كان تابعا لله تعالى في التخلَّق بكلّ ذلك ، فافهم ، ولهذا ما رآه إلَّا لبنة واحدة ، لأنّه متبوع لا تابع .
والمقام الأحدى الجمعي الحاصل من الجمع بين التبعية والمتبوعية ينتج العلم بأحدية جمع المتبوعية الإلهية الأصلية والتابعية المربوبية العبدانيّة ، ولأحدية جمع الجمع الذاتي الصورة الذهبية من الأجسام والفضّة معنى الصفات الذاتية القابلة من وجه عين ذهبية الموصوف ، وذلك بسريان سرّ الإكسير الكماليّ الأحدي الجمعي في أجزائها .
فلمّا كان هذا الوليّ الكامل التبعية لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كامل الوراثة أيضا في العلم والحال والمقام ، أعطي متبوعية من سواه في العلم بالله ، والتابعية الكبرى من الوراثة المحمدية ، والولاية الخاصّة الجمعية الأحدية ، فلا بدّ أن يرى نفسه تنطبع في موضعي لبنتي الذهب والفضّة اللتين مثّل الله له فيهما النبوّة والولاية والتبعية والمتبوعية ، فيكون عينهما ، وكان ينقص عنهما صورة حائط الكمال الخصيص بالولاية ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنّه تابع ومتبوع ، تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضيّة وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام"
نّ لخاتم الولاية الخاصّة ظاهرا أن يتّبع ظاهر الأمر النازل بالشريعة الطاهرة لإقامة ظاهر النشأة الإنسانية البشرية ، وباطنا تأخذه حقيقة الأمر ومعنى السرّ وروحه وكذلك باطن الجمعية الأحدية الكمالية .
فله من حيث تبعيّته الظاهرة لظاهر الشرع الطاهر المقتضي لإقامة ظاهر النشأة الدينية والطينية نسبة الفضّة ، لتبعية الفضّة للذهب في صفائها وصفاتها وطهارتها وكمالها في ذاتها وفي المعاملات والمبايعات العرفية الشرعية في جميع حالاتها .
فإنّ الفضّة تنوب عن الذهب في أكثر مراتب كمالاتها ، ولكنّ الذهب أصل به تعدّ الفضّة ، ويثمّن بأضعاف أضعاف ثمن الفضّة ، ولهذا السبب تتجسّد هذه النسبة الظاهرية الوضعية والوصفية على صورة اللبنة الفضيّة .
ثم الخاتم المذكور رضي الله عنه من كونه آخذا للأمر حقيقة ومعنى بلا واسطة عن المعدن الذي أخذ عنه الملك الموحى إلى الرسول له حقيقة اللبنة الذهبية ، وهي العلم بما هو الأمر عليه في نفسه وعند الله ، فهو عالم به في السرّ ، عامل بموجبه في الجهر من كونه جامعا بين التابعية والمتبوعية ، فافهم
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قال رضي الله عنه : "فيرى اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ويكمل بهما لبنة فضة ولبنة ذهب فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيكمل الحائط بهما ، والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضية وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام".
ولما لم يظهر بصورة الولاية لم يتمثل له موضعه باعتبار الولاية فلا بد من خاتم الولاية باعتبار ظهوره وختمه للولاية أن يرى مقامه في صورة اللبنة الذهبية من حيث أنه متشرع بشريعة خاتم الرسل .
ويرى مقامه في صورة اللبنة الفضية باعتبار ظاهره فإنه يظهر تابعا للشريعة المحمدية على أنه آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه .
لكن التمثل بالمثال إنما يكون باعتبار الصورة وولايته هي المسماة بالولاية الشمسية وولاية سائر الأولياء تسمى بالولاية القمرية لأنها مأخوذة من ولايته مستفادة منها كنور القمر من الشمس ،
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قال رضي الله عنه : (ﻓﻴﺮﻯ ﺍﻟﻠﺒﻨﺘﻴﻦ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﺗﻨﻘﺺ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻭﻳﻜﻤﻞ ﺑﻬﻤﺎ ﻟﺒﻨﺔ ﺫﻫﺐ ﻭﻟﺒﻨﺔ ﻓﻀﺔ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻨﻄﺒﻊ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﻴﻨﻚ ﺍﻟﻠﺒﻨﺘﻴﻦ) ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺗﻴﻨﻚ ﺍﻟﻠﺒﻨﺘﻴﻦ. (ﻓﻴﻜﻤﻞ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ) ﺟﻮﺍﺏ (ﻟﻤﺎ).
ﻗﻮﻟﻪ: (ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻨﻄﺒﻊ) ﺃﻱ، ﻟﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺑﺎﻟﺤﺎﺋﻂ ﻭ ﺭﺃﻯ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻨﻄﺒﻊ ﻓﻴﻪ، ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺬﻟﻚ، ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ. ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ ﻇﺎﻫﺮ. ﻗﺎﻝ رضي الله عنه ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ ﺃﻧﻪ ﺭﺃﻯ ﺣﺎﺋﻄﺎ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ ﻭﻓﻀﺔ، ﻭﻗﺪ ﻛﻤﻞ ﺇﻻ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﺒﻨﺘﻴﻦ: ﺇﺣﺪﻳﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻓﻀﺔ ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺫﻫﺐ، ﻓﺎﻧﻄﺒﻊ رضي الله عنه ﻣﻮﺿﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺒﻨﺘﻴﻦ ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻴﻪ: (ﻭﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺷﻚ ﺇﻧﻲ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ، ﻭﻻ ﺃﺷﻚ ﺇﻧﻲ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻤﻨﻄﺒﻊ ﻣﻮﺿﻌﻬﻤﺎ، ﻭﺑﻲ ﻛﻤﻞ ﺍﻟﺤﺎﺋﻂ. ﺛﻢ ﻋﺒﺮﺕ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﺑﺎﻧﺨﺘﺎﻡ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺑﻲ. ﻭﺫﻛﺮﺕ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻟﻠﻤﺸﺎﻳﺦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻫﻢ، ﻭﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺋﻲ، ﻓﻌﺒﺮﻭﺍ ﺑﻤﺎ ﻋﺒﺮﺕ ﺑﻪ). ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻣﻤﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ رضي الله عنه ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻻ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻤﺮﺗﺒﺘﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ.
ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ:
(ﻓﺮﺁﻧﻲ، ﺃﻱ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻻﺷﺘﺮﺍﻙ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ).
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺴﻴﺪ: ﻫﺬﺍ ﻋﺪﻳﻠﻚ ﻭﺍﺑﻨﻚ ﻭﺧﻠﻴﻠﻚ. ﻭ "ﺍﻟﻌﺪﻳﻞ" ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﻱ.
ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺃﺟﻮﺑﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻗﺪﺱ ﺳﺮﻩ. (ﺍﻟﺨﺘﻢ ﺧﺘﻤﺎﻥ: ﺧﺘﻢ ﻳﺨﺘﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺎ،ﻭﺧﺘﻢ ﻳﺨﺘﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ. ﻓﺄﻣﺎ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ ﻓﻬﻮ ﻋﻴﺴﻰ عليه السلام.
ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺑﺎﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ، ﻭﻗﺪ ﺣﻴﻞ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.
ﻓﻴﻨﺰﻝ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﺍﺭﺛﺎ ﺧﺎﺗﻤﺎ ﻻ ﻭﻟﻰ ﺑﻌﺪﻩ، ﻓﻜﺎﻥ ﺃﻭﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻧﺒﻲ ﻭﻫﻮ ﺁﺩﻡ، ﻭﺁﺧﺮﻩ ﻧﺒﻲ ﻭﻫﻮ ﻋﻴﺴﻰ، ﺃﻋﻨﻲ، ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺹ.
ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺣﺸﺮﺍﻥ: ﺣﺸﺮ ﻣﻌﻨﺎ، ﻭﺣﺸﺮ ﻣﻊ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﻓﻬﻮ ﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﻦ ﺃﻛﺮﻣﻬﺎ ﺃﺻﻼ ﻭ يدا. ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻮﺟﻮﺩ.
ﻋﺮﻓﺖ ﺑﻪ ﺳﻨﺔ ﺧﻤﺲ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻭﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺃﺧﻔﺎﻫﺎ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﻥ ﻋﺒﺎﺩﻩ، ﻭﻛﺸﻔﻬﺎ ﻟﻲ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎﺱ ﺣﺘﻰ ﺭﺃﻳﺖ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻣﻨﻪ، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.
ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ. ﻭﻗﺪ ﺍﺑﺘﻼﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺄﻫﻞ ﺍﻹﻧﻜﺎﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺳﺮﻩ.
ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﺘﻢ ﺑمﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ، ﻛﺬﻟﻚ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﺨﺘﻢ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺭﺙ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻻ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ.
ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﻳﺮﺙ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻭﻣﻮﺳﻰ ﻭﻋﻴﺴﻰ. ﻭﻫﺆﻻﺀ ﻳﻮﺟﺪﻭﻥ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ ﻭﺑﻌﺪﻩ ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ. ﻫﺬﺍ ﻣﻌﻨﻰ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﻰ، ﻓﻬﻮ ﻋﻴﺴﻰ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ.
ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻣﻨﻬﺎ (ﻓﺄﻧﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻪ ﻭﺍﺳﺘﺤﻖ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻮﻻﻳﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺧﺘﻢ ﻳﻮﺍﻃﻲ ﺍﺳﻤﻪ ﺍﺳﻤﻪ ﻭﻳﺤﻮﺯ ﺧﻠﻘﺔ". ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﻤﻬﺪﻱ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﺮ، ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﺘﺮﺗﻪ ﻭﺳﻼﻟﺘﻪ ﺍﻟﺤﺴﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺨﺘﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺘﻪ ﺍﻟﺤﺴﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﺃﻋﺮﺍﻗﻪ ﻭﺃﺧﻼﻗﻪ). ﻭﺍﻟﻜﻞ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ رضى الله عنه. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ.
(ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺭﺁﻫﺎ ﻟﺒﻨﺘﻴﻦ، ﺃﻧﻪ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﺸﺮﻉ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﻫﻮ) ﺃﻱ ﻛﻮﻧﻪ ﺗﺎﺑﻌﺎ. (ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻟﻔﻀﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﻇﺎﻫﺮﻩ ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ) ﺃﻱ، ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻟﻔﻀﻴﺔ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻟﺨﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ، ﻭ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻭﺑﺎﻧﻄﺒﺎﻋﻪ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻟﻔﻀﻴﺔ ﻳﻜﻤﻞ ﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻭﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﺘﺎﺑﻊ ﺁﺧﺮ، ﻛﻤﺎﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﻰ ﺁﺧﺮ.
ﻛﻤﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ رضي الله عنه : "ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺒﻀﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺒﺾ ﻣﺆﻣﻨﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻻ ﻳﺤﻠﻮﻥ ﺣﻼﻻ ﻭ ﻻ ﻳﺤﺮﻣﻮﻥ ﺣﺮﺍﻣﺎ، ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺷﻬﻮﺓ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ".
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺑﺎﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻟﻔﻀﻴﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﻔﻀﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺎﺽ ﻭ ﺳﻮﺍﺩ، ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﺽ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﻠﻘﻴﺔ، ﻭ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺻﻔﺔ ﺧﻠﻘﻴﺔ ﻓﻨﺎﺳﺐ "ﻓﺘﻨﺎﺳﺐ" ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺟﺰﺋﻴﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺬﻫﺐ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﻛﺐ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺃﺷﺮﻑ، ﻧﺎﺳﺐ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قال رضي الله عنه: " فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما و تكمل بهما، لبنة ذهب و لبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. "
وقد أخفى أكثرهم جهة الولاية (فيري اللبنتين) اللتين (ينقص الحائط) أي: حائط الكمالات (عنهما) قبل وجود خاتم الأنبياء، وخاتم الأولياء (ويكمل بهما) بعد وجودهما.
(لبنة فضة ولبنة ذهب) تنفصل عنده اللبنتان مع أن لبنة الذهب كانت محققة في رؤية خاتم الأنبياء، وكانتا كالواحدة عنده من حيث إن الولاية إشاعة الأنوار الرشاد في النبوة، وتقوية للمعجزات الظاهرة عليهم بظهور الكرامات في أتباعهم.
ثم إن خاتم الأولياء، وإن لم يكن نبيا لكن له نصيب منها من حيث وقوفه على أسرارها، ومن حيث أخذه العلوم والأحكام عن الله بلا واسطة.
(فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تلك اللبنتين)، وإن كملت إحديهما لخاتم الأنبياء؛ لأن كمال نبوته إنما تم بإشاعة نور الرشاد في (خاتم الأولياء، فيكمل الحائط) أي: حائط الكمالات بوجوده عنده، وإن كانت ولايته في ضمن نبوة خاتم الأنبياء وولايته عليه السلام عنده.
قال رضي الله عنه: "والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام"
ثم أشار إلى أنه في الحقيقة لبنة واحدة هي أخذ العلوم والأحكام عن الله تعالی بلا واسطة.
لكنه كان لأحدهما بنفسه، وللأخر بمتابعته تفصلت عند التابع المرتبتان دون المتبوع؛ لأنه لا يلتفت إلى التوابع.
فقال: (والسبب الموجب لكونه) أي: خاتم الأولياء (رأى لبنتين) ، مع أن اللبنة في الحقيقة واحدة (أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر)؛ لأن التشريع مخصوص به ليس للولي ذلك، وإن أخذ عن الله بلا واسطة.
(وهو) أي: شرع خاتم الأنبياء (موضع اللبنة الفضية وهو ظاهره) أي: ظاهر هذا الولي، وظاهر (ما يتبعه) أي: الولي النبي (فيه من الأحكام) فهو أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قال رضي الله عنه : (فيرى اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ويكمل بهما لبنة فضّة ولبنة ذهب ، فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ) لأنّ الحائط هو صورة امتداد علوّه من أسافل أراضي القوّة إلى أعالي سماوات كمالها ( فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيه ، فيكمل الحائط ) .
(والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين أنّه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر - وهو موضع اللبنة الفضّية ) لظهور لون الفضّة مع نقصان جوهرها عن الكمال النوعي له ( وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام ) الشرعيّة والأوضاع النبويّة الظاهرة فخاتم الأولياء تابع "لخاتم الرسل و الأنبياء"
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام)
قال الله رضي الله عنه : "فترى اللبنتان ينقص الحائط عنهما ويكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة . فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين في الحائط . والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضية وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام."
قال الله رضي الله عنه : (فیری) ما مثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم و من الحائط ويرى (في الحائط موضع لبنتين) ينقص الحائط عنهما (واللبن من ذهب) هو صورة الولاية.
لأن الولاية كما أنها ليست قابلة للتغيير بوجه من الوجوه عما هو عليه فكذلك الذهب (ومن فضة) هو صورة النبوة كما أنها قابلة للتغير بالنسبة إلى الأزمان .
فكذلك الفضة (فيري اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ، ويكمل بهما لبنة من فضة ولبنة من ذهب فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ليكمل الحائط).
به قال رضي الله عنه في فتوحاته المكية أنه رأى حائطا من ذهب وفضة فانطبع رضي الله عنه في موضع تينك اللبنتين .
وقال رضي الله عنه : وكنت لا أشك أني أنا الرائي ولا أني أنا المنطبع في موضعهما وبي كمال الحائط .
ثم عبرت الرؤيا بختام الولاية بي وذكرتهما للمشايخ الكاملين المعاصرين وما قلت من الرائي فعبروها بما عبرتها به.
(والسبب الموجب لكونه)، أي تكون خاتم الأولياء (رآها)، أي اللينة (لبنتين) لبنة ذهب ولبنة فضة (أنه)، أي خاتم الأولياء (تابع لشرع خاتم الرسل) أخذ منه الشرع في الظاهر) وإن كان في الباطن أخذ من المعدن الذي أخذ منه الملك بالوحي إلى خاتم الرسل (وهو)، أي شرع خاتم الرسل (موضع اللبنة الفضية) واتباع خاتم الأولياء خاتم الرسل انطباعه في ذلك الموضع.
(وهو)، أي شرع خاتم الرسل أيضا (ظاهره)، أي ظاهر خاتم الأولياء حين أتبعه فيه (وما يتبعه فيه من الأحكام) عطف على ظاهره.
أي شرع خاتم الرسل هو الأحكام التي اتبع فيها خاتم الأولياء خاتم الرسل فخاتم الأولياء تابع لشرع خاتم الرسل.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:47 عدل 2 مرات
الفقرة الثامنة عشر الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط.
والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة،وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام.)
قال المصنف رضي الله عنه : ( فيرى اللبنتين ينقص الحائط عنهما و يكمل بهما، لبنة ذهب و لبنة فضة فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيكمل الحائط).
قال الشارح رحمة الله :
قال رضي الله عنه (و لكن يرى في الحائط موضع لبنتين، و اللبن من ذهب )، و هو الصورة الولاية المحمّدية الختمية، و اللبن من فضة، و هي صورة شريعية التي أخذها من مشكاة خاتم الرسل، صلوات الله عليه و عليهم أجمعين.
فيرى الصورتين : أي صورة الولاية و الشريعة .
(على صورة اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ): أي الحائط الجامع للظاهر و الباطن، و إن شئت قلت: الجامع بين النبوة و الولاية لأن الحائط لا بدّ له من ظهر و بطن، فالنبوةظاهرة و الولاية باطنة.
(و يكمل بهما: أي لبنة فضة و لبنة ذهب ذلك الحائط الناقص )، فلا بدّ أن يرى: أي خاتم الولاية المحمّدية نفسه تنطبع في موضع تلك اللبنتين، كما رأى خاتم النبوة صلى الله عليه و سلم من المناسبة التي بين الختمين، و هي ظهور الشعرة التي منه صلى الله عليه و سلم فيه رضي الله عنه، و صورة رجوع تلك الشعرة إلى أصلها، (فيكمل الحائط) به ظاهرا و باطنا، يضع اللبنة الفضة على ظاهر الحائط، و يضع الأخرى على باطنه لأنه حكيم يضع كل شيء في محله .
ذكر رضي الله عنه في الفتوحات المكية في الباب الخامس و الستين :
لقد رأيت رؤيا لنفسي، و أخذتها بشرى من الله، فإنها مطابقة لحديث نبويّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام، فقال صلى الله عليه و سلم : " مثلي في الأنبياء كمثل رجل يبني حائط فأكمله إلا لبنة واحدة، فكنت أنا تلك اللبنة، فلا رسول بعدي و لا نبي "
فشبه النبوة بالحائط، و هو تشبيه في غاية الحسن، فإن مسمّى الحائط المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبنة، فكان صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين، فكنت بمكة سنة تسع و تسعين و خمسمائة أرى فيما يرى النائم: الكعبة مبنية بلبنة ذهب و فضة، لبنة ذهب، و لبنة فضة، و قد كملت بالبناء و ما بقي فيها شيء، و أنا أنظر إليها و إلى حسنها.
ذكر رضي الله عنه في الفتوحات المكية في الباب الخامس و الستين :
لقد رأيت رؤيا لنفسي، و أخذتها بشرى من الله، فإنها مطابقة لحديث نبويّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام، فقال صلى الله عليه و سلم : " مثلي في الأنبياء كمثل رجل يبني حائط فأكمله إلا لبنة واحدة، فكنت أنا تلك اللبنة، فلا رسول بعدي و لا نبي "
فشبه النبوة بالحائط، و هو تشبيه في غاية الحسن، فإن مسمّى الحائط المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبنة، فكان صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين، فكنت بمكة سنة تسع و تسعين و خمسمائة أرى فيما يرى النائم: الكعبة مبنية بلبنة ذهب و فضة، لبنة ذهب، و لبنة فضة، و قد كملت بالبناء و ما بقي فيها شيء، و أنا أنظر إليها و إلى حسنها.
فالتفتّ إلى الوجه الذي هو الركن اليماني و الشامي، و هو إلى الشامي أقرب، موضع لبنتين لبنة فضة و لبنة ذهب، ينقص في الحائط في الصفين، في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب، و في الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة، فرأيت نفسي قد انطبقت في موضع تلك اللبنتين، فكنت أنا عين تلك اللبنتين، و كل حائط لم يبق في الكعبة شي ء ينقص، و أنا عين تلك اللبنتين لا أشك في ذلك، و أنهما عين ذاتي، و استيقظت.
فشكرت الله تعالى، و قلت متأولا إليّ في الاتباع في صنعي كرسول الله صلى اللّه عليه و سلم في الأنبياء عليهم السلام.
وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي، وما ذلك على الله بعزيز، وذكرت حديث النبي صلى الله عليه و سلم في ضربه المثل بالحائط، و إنه كان تلك اللبنة، فقصصت رؤياي على بعض علماء هذا الشأن بمكة، فأخبرني في تأويلها بما وقع لي، و ما سميت له الرائي من هو، فالله أسأل أن يتمها عليّ بكرمه، فإن الاختصاص الإلهي لا يقبل التحجر و لا الموازبة و لا العمل، و إن ذلك من فضل الله يختص برحمته من يشاء، و الله ذو الفضل العظيم .
فإذا عرفت تاريخ هذه الرؤيا المكية و هو سنة تسع و تسعين و خمسمائة .
عرفت ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في فصوص الحكم في سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق.
أنه كان منه صلى الله عليه و سلم بشارة و إعلام أن الذي رأى بمكة هو عين البشارة و تصديق لتعبيره رضي الله عنه إياها، يعني قد صدقت في رؤياك كما رأى مثله خاتم النبوة و تعبيره إياها تعبيره إياها .
و هذا مصداق قوله صلى الله عليه و سلم: " أليس لكم في أسوة حسنة؟" لحديث رواه قتادة رضي الله عنه .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و السبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، و هو موضع اللبنة الفضية و هو ظاهره و ما يتبعه فيه من الأحكام،)
قال الشارح رضي الله عنه :
( و أمّا السبب الموجب لكونه رآها لبنتين، أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر )، و هو: أي اتباع الشرع (موضع اللبنة الفضة، و هو ظاهره ): أي ظاهر الخاتم.
(و هو ما يتبعه فيه من الأحكام ): أي صورة متابعته، و صورة ما يتبعه من الأحكام.
فشكرت الله تعالى، و قلت متأولا إليّ في الاتباع في صنعي كرسول الله صلى اللّه عليه و سلم في الأنبياء عليهم السلام.
وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي، وما ذلك على الله بعزيز، وذكرت حديث النبي صلى الله عليه و سلم في ضربه المثل بالحائط، و إنه كان تلك اللبنة، فقصصت رؤياي على بعض علماء هذا الشأن بمكة، فأخبرني في تأويلها بما وقع لي، و ما سميت له الرائي من هو، فالله أسأل أن يتمها عليّ بكرمه، فإن الاختصاص الإلهي لا يقبل التحجر و لا الموازبة و لا العمل، و إن ذلك من فضل الله يختص برحمته من يشاء، و الله ذو الفضل العظيم .
فإذا عرفت تاريخ هذه الرؤيا المكية و هو سنة تسع و تسعين و خمسمائة .
عرفت ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في فصوص الحكم في سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق.
أنه كان منه صلى الله عليه و سلم بشارة و إعلام أن الذي رأى بمكة هو عين البشارة و تصديق لتعبيره رضي الله عنه إياها، يعني قد صدقت في رؤياك كما رأى مثله خاتم النبوة و تعبيره إياها تعبيره إياها .
و هذا مصداق قوله صلى الله عليه و سلم: " أليس لكم في أسوة حسنة؟" لحديث رواه قتادة رضي الله عنه .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و السبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، و هو موضع اللبنة الفضية و هو ظاهره و ما يتبعه فيه من الأحكام،)
قال الشارح رضي الله عنه :
( و أمّا السبب الموجب لكونه رآها لبنتين، أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر )، و هو: أي اتباع الشرع (موضع اللبنة الفضة، و هو ظاهره ): أي ظاهر الخاتم.
(و هو ما يتبعه فيه من الأحكام ): أي صورة متابعته، و صورة ما يتبعه من الأحكام.
.
الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء.)
قال رضي الله عنه : "كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا و هو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء."
قال رضي الله عنه : (كما هو)، أي خاتم الأولياء (أخذ عن الله) سبحانه لا غير (في السر) بنور إيمانه الذي هو وراء حسه وعقله.
(ما)، أي جميع الحكم الذي (هو بالصورة الظاهرة)، التي هي مجموع الحس والعقل (متبع فيه) لخاتم الرسل من الأحكام ونظيره ما أفصح عنه الصديق رضي الله عنه وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فقال : "من كان يعبد محمد، فإن محمدا قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت" .
فإن فيه إشارة إلى أنه رضي الله عنه كان يأخذ عن الله تعالى في السر ما كان يأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم له في الظاهر (لأنه)، أي خاتم الأولياء (يرى)، أي يشهد (الأمر) الإلهي (على ما هو عليه) في حال تنزله إلى مرتبة الخلق ولا ينحجب بالخلق عن الأمر.
(فلا بد أن يراه)، أي الأمر (هكذا)، أي على الصفة المذكورة من الأخذ عن الله في السر (وهو)، أي الأخذ عن الله في السر (موضع اللبنة الذهبية) المذكورة
(في) جهة (الباطن)، أي باطن خاتم الأولياء (فإنه) بسبب باطنه (أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك) المنزل بأمر الله تعالى على الأنبياء بالوحي وعلى الأولياء بالإلهام (الذي) نعت لمفعول محذوف ليأخذ تقديره الوحي.
الذي (يوحى به)، أي يوحيه (إلى الرسول)، فإنه يتلقاه من باطن الرسول في حضرة الأمر الإلهي وينزل عليه به في ظاهره في حضرة الخلق، فيكون ناقلا للوحي منه إليه .
ولهذا اختلفت النبوات وتفاوت الوحي والملك النازل بذلك واحد لم يختلف وهو جبريل عليه السلام (فإن فهمت) يا أيها المريد (ما أشرت به في هذا الكلام من الأسرار الإلهية فقد حصل لك العلم النافع) جدا في الدنيا والآخرة فاشكر الله تعالى على ذلك .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. )
قال رضي الله عنه : (كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه) أي كما أن خاتم الأولياء متبع لختم الرسل بالصورة الظاهرة فيما أخذه عن الله في السر فيرى صورة أخذه وصورة اتباعه فيما أخذه.
فقوله بالصورة يتعلق بمتبع وإنما وجب الرؤية هكذا (لأنه) أي لأن خاتم الأولياء (يري الأمر) أي يرى جميع الأمور (على ما هو عليه ولا بد أن يراه) أي أن يرى أمر نفسه (هكذا) أي على ما هو عليه من أخذ واتباع ومشكاتية وختمية وغير ذلك من الأمور التي كانت في حق نفسه.
(وهو) أي أخذه هذا العلم عن الله (موضع اللبنة الذهبية في الباطن) وإنما أخذ هذا العلم عن الله (فإنه) أي لأن خاتم الأولياء (أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي) الحق ما أخذه الملك من هذا المعدن (به) أي بواسطة الملك (إلى الرسول) فهذا المعدن ليس إلا هو الحق فإن كان معدن العلمين واحدا فما كان علم الباطن إلا وجها خاصا من وجوه الشريعة.
وهو الذي لا يعلم إلا عن الكشف الإلهي الذي لا يحصل إلا بعد تحصيل الولاية فهما متحدان في المآل.
لذلك يسمى علم التأويل بل هو أصل علم الشريعة وروحه ولا مخالفة بينهما إلا عند أهل الحجاب (فإن فهمت ما أشرت به) من الختم والمشكاة وغير ذلك.
فخذ واعمل به (فقد حصل لك العلم النافع) الذي تفتح منه علوم كثيرة نافعة لك في الدنيا والآخرة ، إذ هو العلم الكلي الذي هو أجل العلوم
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. )
قوله رضي الله عنه : "كما هو أخذ عن الله تعالى في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه لا يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع."
قلت : وهي ما يأخذه عن الله تعالی بلا واسطة.
ولما كان مقام الولاية أعلى من مقام النبوة، كما ذكر، جعل اللبنة المختصة بالنبوة لبنة فضة والأخرى لبنة ذهبية.
ولم يقل: ذهب، ليسلم ختم الأولياء، الولاية للرسول أيضا وليسلم أيضا ما رأوه من لبنة الذهب إليه ويصف ما حصل له بصورة النسب، هكذا ينبغي أن يقال ويسطر في الكتب، وفي المشافهة يمكن أن يتبين بيانا أكثر من هذا.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. )
قال رضي الله عنه : "كما هو آخذ عن الله في السرّ ما هو في الصورة الظاهرة متّبع فيه ، لأنّه يرى الأمر على ما هو عليه ، فلا بدّ أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن ، فإنّه أخذ عن المعدن الذي أخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول " .
قال العبد أيّده الله به اعلم : أنّ لخاتم الولاية الخاصّة ظاهرا أن يتّبع ظاهر الأمر النازل بالشريعة الطاهرة لإقامة ظاهر النشأة الإنسانية البشرية ، وباطنا تأخذه حقيقة الأمر ومعنى السرّ وروحه وكذلك باطن الجمعية الأحدية الكمالية .
فله من حيث تبعيّته الظاهرة لظاهر الشرع الطاهر المقتضي لإقامة ظاهر النشأة الدينية والطينية نسبة الفضّة ، لتبعية الفضّة للذهب في صفائها وصفاتها وطهارتها وكمالها في ذاتها وفي المعاملات والمبايعات العرفية الشرعية في جميع حالاتها .
فإنّ الفضّة تنوب عن الذهب في أكثر مراتب كمالاتها ، ولكنّ الذهب أصل به تعدّ الفضّة ، ويثمّن بأضعاف أضعاف ثمن الفضّة ، ولهذا السبب تتجسّد هذه النسبة الظاهرية الوضعية والوصفية على صورة اللبنة الفضيّة .
ثم الخاتم المذكور رضي الله عنه من كونه آخذا للأمر حقيقة ومعنى بلا واسطة عن المعدن الذي أخذ عنه الملك الموحى إلى الرسول له حقيقة اللبنة الذهبية ، وهي العلم بما هو الأمر عليه في نفسه وعند الله ، فهو عالم به في السرّ ، عامل بموجبه في الجهر من كونه جامعا بين التابعية والمتبوعية ، فافهم. فإنّك إن فهمت هذا حصل لك العلم النافع ، والسرّ الجامع ، والمعنى المحيط الواسع .
قال الشيخ رضي الله عنه : " فإن فهمت ما أشرت إليه ، حصل لك العلم النافع " .
يعني رضي الله عنه لكونه مفيضا إلى كمال التبعية المنتج لكمال التحقّق بالحقيقة ، فإنّ حصول هذا العلم النافع إنّما هو بكمال التبعية لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المنتجة لمحبّة الله من قوله تعالى : " فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله ".
فمن كان أكمل في تبعيته والتخلَّق بأخلاقه صلَّى الله عليه وسلَّم فهو الأفضل في التحقّق والأكمل في التخلَّق بحقائق الأخلاق الإلهيّة .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء.)
قال رضي الله عنه : "كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسل ، فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع "
فتمثل حال النبي عليه الصلاة والسلام في نبوته في صورة اللبنة التي يكمل بها بنيان النبوة فكان خاتم الأولياء .
ولما لم يظهر بصورة الولاية لم يتمثل له موضعه باعتبار الولاية فلا بد من خاتم الولاية باعتبار ظهوره وختمه للولاية أن يرى مقامه في صورة اللبنة الذهبية من حيث أنه متشرع بشريعة خاتم الرسل .
ويرى مقامه في صورة اللبنة الفضية باعتبار ظاهره فإنه يظهر تابعا للشريعة المحمدية على أنه آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء.)
قال رضي الله عنه : "ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺁﺧﺬ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻣﺘﺒﻊ ﻓﻴﻪ". ﺃﻱ، ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺸﺮﻉ ﻇﺎﻫﺮﺍ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﺁﺧﺬ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻃﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﺒﻊ ﻓﻴﻪ ﻟﻠﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ. فـ "ﻣﺎ" ﻣﻊ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻔﻌﻮﻝ (ﺁﺧﺬ).
(ﻷﻧﻪ ﻳﺮﻯ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻫﻜﺬﺍ) ﺗﻌﻠﻴﻞ ﻟﻘﻮﻟﻪ: (ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺁﺧﺬ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮ) ﺃﻱ، ﻷﻧﻪ ﻣﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪ ﻟﻪ، ﻭﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﻭﻳﺸﺎﻫﺪﻩ ﻭ ﺇﻻ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺧﺎﺗﻤﺎ.
(ﻭﻫﻮ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ) ﺃﻱ، ﻛﻮﻧﻪ ﺭﺍﺋﻴﺎ ﻟﻸﻣﺮ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻫﻮ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻟﺬﻫﺒﻴﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺪﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺣﻰ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ) ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
(ﻓﺎﻥ ﻓﻬﻤﺖ ﻣﺎ ﺃﺷﺮﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ) ﺃﻱ، ﺇﻥ ﺍﻃﻠﻌﺖ ﻭ ﻗﺒﻠﺖ ﻣﺎ ﺃﺷﺮﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺓ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻓﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ.
ﺃﻭ ﺇﻥ ﻓﻬﻤﺖ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺷﺮﺕ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻫﻮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺁﺧﺮﺍ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﺃﻭﻻ، ﻓﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء.)
قال رضي الله عنه: "كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول.
فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء."
قال رضي الله عنه: (كما هو آخذ عن الله تعالى في السر) أي: بطريق خفي ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه إلا أن أخذه ليس باعتبار الأصالة، بل باعتبار متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان أحدا عن الله في السر.
(لأنه يرى الأمر بالكشف على ما هو عليه، ولا بد أن يراه هكذا)، وإن لم يبلغ إليه خبر ما شرع النبي صلى الله عليه وسلم .
(وهو) أي: الأخذ عن الله (موضع اللبنة الذهبية) لما فيه من الخفاء.
ولذلك لا يصح للولي أن يعمل شيئا، لم يعرف أنه شرع لنبيه، وإنما لم يكن له بد من أن يراه هكذا، (فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول)؛ لأنه اتصل بالعلم الأزلي الذي هو مأخذ الملك.
وهذا الملك لأبعد واسطة في حق النبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة؛ لأنه من جملة قواه، ولم يصب من قوى الولي.
وإلا كان صاحب الوحي أيضا مع أنه مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا بد له أن يكاشف ذلك بقوى نفسه.
فلم يتم تصرف الولي في التام كتصرف النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه بقوى نفسه وقوى العالم.
قال رضي الله عنه: (فإن فهمت ما أشرت به) ، من بيان كيفية ختم النبوة والولاية بالتمثيل، (فقد حصل لك العلم النافع) الداعي إلى متابعة الأنبياء والأولياء الموجب لاعتقاد أن الولي، وإن بلغ ما بلغ من الكمال فلا بد من متابعته النبي.
وإن الولاية من كمالات النبوة حتى رأي النبي صلى الله عليه وسلم اللبنة واحدة لكنها انفصلت عند أتباعه إلى ثنتين، مع بقاء نوع خفاء في الولاية.
وإن ظهرت في خاتم الأولياء على أتم الوجوه حتى رأى لبنة الولاية لبنة ذهب باعتبار خفاء الولاية في نفسها.
وإن كانت شريفة في الأصل الذي هو النبي لاستقلاله بنفسه مع وجوب متابعة الولي، وإذا كان أخذ الخاتمين من معدن واحد، وهو العلم الأزلي بلا واسطة لنهاية كمالهما حتى صار ذلك العلم كأنه ذاتي لهما وغيرهما لما لم يتم له ذلك.
لم يكن له بد من الواسطة، لكن جهة الولاية في حق الأنبياء مندرجة في النبوة.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. )
قال رضي الله عنه : " كما هو آخذ عن الله في السرّ ما هو في الصورة الظاهرة متّبع فيه ، لأنّه " بكمال كشفه التامّ ( يرى الأمر على ما هو عليه ، فلا بدّ أن يراه هكذا ) لما عرفت أنّ اللبن صورة علمهم الواقعة في مراتب كمالهم .
ولمّا كان لخاتم الأولياء أنهى الغايات فيه لا بدّ أن يرى صورة ما يكشف له من المتابعة - وهو موضع اللبنة الفضيّة في الظاهر - وأن يرى صورة ما يكشف له عن حقيقة تلك الصور التابع لها ولميّته - ( وهو موضع اللبنة الذهبيّة في الباطن ) فإنّها كمال الفضّة المتبطَّن فيها ، وغايتها المساقة هي إليها ، فيراه على تلك الصورة ضرورة ( فإنّه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول ) فيكون صافية عن شوائب الوسائط التي بها يتمكَّن أن يظهر على الكافة ، أعني بياض الفضّة ، فإنّه مع كمال الظهور متوسّط في غاية كماله النوعي ، بخلاف صفرة الذهب ، فإنّها مع جامعيّتها بين بياض الظهور وسواد البطون لها الغاية الكماليّة التي لا يتخلَّلها الوسائط .
فلئن قيل : كان الأنسب لرؤية رؤيا اللبنتين خاتم الأنبياء ، لجامعيّته بين الولاية والنبوّة ؟
قلنا : إنّما يكون كذلك لو كان المراد باللبنة الذهبيّة هي الولاية - كما توهّمه من هو ذاهل عن لطائف إشارات الشيخ ودقائق مرموزاته - فأمّا إذا كان المراد بها ما ذكرناه مما أخذ عن الله في السرّ من الصور المتّبعة فيها - على ما هو صريح عبارة الشيخ - فلا فإنّ الحائط الذي في تمثيل خاتم الأنبياء هو بعينه الحائط الذي يراه خاتم الأولياء من حيث أنّه صورة حيطة النبوّة بأوضاعها ، إلَّا أنّه لاختصاصه بالأخذ من المعدن ، والكشف عن سرّ ذلك لا بدّ وأن يرى الحائط مشتملا على النوعين من اللبنتين ، ويرى نفسه منطبعة في موضع اللبنتين اللتين من متمّماته وأعاليه ، فإنّهما صورة السرّ المأخوذ من المعدن ، الذي هو الغاية الكماليّة ، وصورة الواسطة الواقعة بينه وبين تلك الغاية ، فهو صورتهما بعينهما بخلاف خاتم الأنبياء ، فإنّ الواسطة في موقف نبوّته هو الملك الذي يوحى به إليه ، وهو خارج عنه ، غيره وفي هذا الكلام دقائق إنّما يتفطَّن إليها اللبيب بقوّة ذكائه وذوقه .
وفي تخصيصه التمثيل بخاتم الأنبياء ، والرؤية بخاتم الأولياء ما يطلعك على هذا .
وفي عقدي « الولي » و « النبي » أيضا ما يلوّح على اختصاص خاتم الولاية بالوجهين ، وهما رؤية اللبنة متعددة ، وأنّ إحداها من الذهب ، فإنّ الأولى هي صورة زيادة الكشف على الوضع ، والثانية صورة عدم الواسطة بينه وبين الغاية التي ليس وراءها غاية .
وإلى أمثال هذه التنبيهات أشار بقوله رضي الله عنه : ( فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع ) ضرورة أنّ النافع من العلوم هو ما يختصّ بنيله أهالي كلّ زمان ، من اولي نهايات الكمال فيه ، فإنّه ممّا يترقى به المستعدّ ومن انخرط في سلك المسترشدين منه في ذلك الزمان بالوقوف عليه من مواقف تقاعده وتكاسله إلى معارج الطلب والسلوك ، حتّى يتّصل بهم ، كخصائص خاتم الولاية في زماننا هذا .
ثمّ إنّ في كلام الشيخ ما يدلّ على أنّه هو الخاتم للولاية الخاصّة المحمّديّة.
وأنّه قد رأى الرؤية المذكورة بذلك الوجه المقرّر وقد صرّح في الفتوحات أنّه قد ظهر له ذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمدينة فاس بالمغرب . "الفتوحات المكية : الباب الثالث والسبعون ، جواب السؤال الثالث عشر من أسئلة الترمذي ، 2 / 49 .
"وأما ختم الولاية المحمدية ، فهي لرجل من العرب ، من أكرمها أصلا ويدا ، وهو في زماننا اليوم موجود ، عرفت به سنة خمس وتسعين وخمس مائة ، ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحقّ فيه عن عيون عباده ، وكشفها لي بمدينة فاس ، حتى رأيت خاتم الولاية منه ، وهو خاتم النبوة المطلقة ولا يعلمها كثير من الناس ، وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقّق به من الحقّ في سرّه من العلم به"
وذلك يدلّ على أنّه مما خصّه الله به من الولاية المحمّدية ، لا الولاية العامّة كما يدلّ إذا حوسب معه زمان ظهور هذا الكتاب أنّه هو لبّ ما ظهر له من المعارف الختميّة وخصائصها ، على ما يتنبّه إليه الفطن .
وإذ قد لا يخفى على من له دربة بأساليب ذوي التحقيق أنّ الغاية هي التي تساوق الفاعل في مطلق الوجود ، لكمالها الخاصّ بها ، فإنّها توجد أوّلا بوجود الفاعل وتتّحد معه وتشوّقه إلى ذلك الكمال الخاصّ بها ، ثمّ تسوقه نحو مباشرة الفعل المفضي إليها ، وأمّا ما توسّط بينها وبين الفاعل ممّا يتدرّج إلى تلك الغاية فإنّما يوجد بكماله بعد مباشرة الفعل إيّاه وجوده بالفعل ، لأنّ وجوده متأخّر عن الفاعل وفعله مباين له غير متّحد به أصلا .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. )
قال الله رضي الله عنه : "كما هو آخذ من الله تعالى في السر ما هو بالصورة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن راه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أتي من المعدني الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول. "
(كما هو آخذ عن الله في السر) بلا واسطة (ما هو)، أي الشرع الذي هو أي خاتم الأولياء (بالصورة الظاهرة متبع) خاتم الرسل (فيه).
أي في هذا الشرع وذلك الأخذ إنما يتحقق (لأنه)، أي خاتم الولاية (يري الأمر)، أي كل أمر (على ما هو عليه) في علم الله سبحانه.
(فلا بد أن يراه هكذا)، أي على ما هو عليه في علم الله سبحانه وإلا لم يكن خاتمة (وهو)، أي كونه رائية لكل أمر على ما هو عليه (موضع اللبنة الذهبية في الباطن) وتحققه بهذه الرؤية انطباعه فيه.
قوله : في الباطن، على ما هو في بعض النسخ متعلق بالرؤية (فإنه أخذ) تعليل للرؤية، أي أن خاتم الأولياء أخذ الأحكام الشرعية التي يتبع خاتم الرسل فيها.
(من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به)، أي بسبب هذا الملك (إلى الرسول) وذلك المعدن باطن علم الله فلا جرم يراه على ما هو عليه.
قال الله رضي الله عنه : "فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء."
قال الله رضي الله عنه : (فإن فهمت ما أشرت به) من أن الأنبياء من كونهم أولياء والأولياء كلهم لا يرون الحق إلا من مشكاة خاتم الأولياء الذي هو مظهر ولاية خاتم الرسل.
(فقد حصل لك العلم النافع) المفضي إلى كمال متابعة خاتم المرسل المنتج كمال التحقيق تحقيقه الولاية.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:48 عدل 1 مرات
الفقرة التاسعة عشر الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (كما هو آخذ عن اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء.)
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( كما هو آخذ من الله تعالى في السر ما هو بالصورة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا و هو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول، فإن فهمت ما أشرت إليه فقد حصل لك العلم النافع.)
قال الشارح رحمه الله :
(كما هو أخذه عن الله تعالى في السرّ ما هو في الصورة الظاهرة متنبع فيه لأنه يرى الأمر ): أي حقيقة الأمر (على ما هو عليه في الواقع، فلا بد أن يراه): أي الحكم الذي قرره الشارع بعينه لأنه ينكشف له الأمر خفية و جلية، و يراه بعينه (هكذا) الذي يقع بين الاثنين .
قيل: إنّ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مجلس الإمام الأعظم الشافعي رضي الله عنه، سئل عن شيبان الراعي قدّس سره وكان أميا، مسألة في الزكاة أراد به الامتحان.
فقال الشيخ: تريد وجه المسألة في مذهبك أو في مذهبي؟
ثم أجاب على الوجهين، و قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إن العارف عارف بجميع المذاهب و الملل، فإنهم أخذوا من حيث أخذ الملك الرسول، فافهم .
فإنه من هذا الذوق الذي نحن بصدد بيانه، و هو: أي الرائي الشيخ رضي الله عنه (موضع اللبنة الذهبية في الباطن) لأنه يرى الغيب كالشهادة مكشوفا بلا لبس، و هو ممن ارتضى من رسول، بل وارث الرسول.
كما قال: لست بنبي و لا رسول، (فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول )، إنما قال رضي الله عنه ذلك لأنه في هذا المقام يثبت بهذا القدر و المساواة، بل السبق، و إلا أين الملك الكريم من الإنسان الكامل الذي على خلق عظيم، و هم قد اعترفوا بذلك حيث قالوا: "وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164]، و للخاتم كما للخاتم صلوات الله عليهما مقام : " إن لي مع الله وقتا لا يسعني فيها ملك مقرّب، و لا نبيّ مرسل ". و أنت صاحب المقام عمن لا مقام له .
و التنبيه على ذلك في الكتاب لكفاهم التنبيه من أولي الألباب قوله: "يا أهْل يثرب لا مُقام لكُمْ" [ الأحزاب: 13]، فختم الختم أولى بذلك الخطاب .
قال رضي الله عنه في الفتوحات:
لا يخلص من المقامات إلا الوارث المحمّدي الصرف، الذي أتاه الحكم بفصل الخطاب، و أوتي جوامع الكلم، و علم الأسماء كلها: أي المؤثرات في الكون و غيرها، و لم يستأثر فكل صيد في الفراء .
( فإن فهمت ما أشرت إليه) من أن أخذ الخاتم العلم من المعدن، و أخذ الأولياء العلم منه قاطبة، إنما قال رضي الله عنه ما أشرت به لأنه رضي الله عنه ما صرّح في الخاتم المساواة في الإفادة في بيان إفادة العلم، بل قال: سبقت لهذا العبد هذه المساواة، و لم يقل أي عبد .
( فقد حصل لك) بالفهم لهذا الأمر الواقع على هذه المثابة (العلم النافع )، و جعلك من الصديقين، بل ألحقك بالصدّيق الأكبر .
و بيان ذلك: إن من صادق العلم في ظنه كان نعته العلم في نفس الأمر، و هذا هو نتيجة الإيمان بالأنبياء عليهم السلام و هذا الذوق .
قال صلى الله عليه و سلم لشخص من الصحابة حين سأله عن أي آية في القرآن أعظم، فقال الرجل و أظن أنه أبي بن كعب: آية الكرسي، فضرب صلى الله عليه و سلم على صدره وقال: " ليهنك العلم يا أبا المنذر" يعني: أصبت و صادفت حقيقة الأمر .
وكيف لا إذا كان الفجر عن درك الإدراك إدراك؟
فكيف لا تكون الإصابة علما، و ما ظنك بالمصادفة؟ .
قال رضي الله عنه في الفتوحات:
من صادق العلم في ظنه كما في نفس الأمر، فقد حصل له العلم في نفسه كما هو في نفس الأمر، و لا يكون ذلك إلا بإعلام الحق، و إعلام من أعلمه عند من يعتقد فيه أنّ الله تعالى و ما عدا ذلك فلا علم بغيب أصلا انتهى كلامه .
أما ترى أن الله مدح من يؤمن بالغيب و يعمل بمقتضاه، قال تعالى:" الّذِين يـؤْمِنون بالغيْبِ و يقِيمُون الصّلاة" [ البقرة: 3].
فما أقاموها إلا من علمهم و تصديقهم بالغيب، فالأمر قائم بالصادق، و الصديق صاحب عيان، و صاحب إيمان، و ما وراء ذلك خسران و حرمان، فافهم إن هذا فصل الخطاب لأولي الألباب، فطوبى لهم و حسن مآب .
قال رضي الله عنه في الفتوحات:
أما ترى أن الله مدح من يؤمن بالغيب و يعمل بمقتضاه، قال تعالى:" الّذِين يـؤْمِنون بالغيْبِ و يقِيمُون الصّلاة" [ البقرة: 3].
فما أقاموها إلا من علمهم و تصديقهم بالغيب، فالأمر قائم بالصادق، و الصديق صاحب عيان، و صاحب إيمان، و ما وراء ذلك خسران و حرمان، فافهم إن هذا فصل الخطاب لأولي الألباب، فطوبى لهم و حسن مآب .
قال رضي الله عنه في الفتوحات:
من قعد مع هذه الطائفة و لا يصدقهم فيما قالوه، يخاف عليه من سوء الخاتمة.
فإذا فهمت ما قرره رضي الله عنه علمت الأمر على ما هو عليه بإعلام صاحب أوسع الكشوفات، و الأذواق المحمدية، و ليهنك العلم .
فإذا فهمت ما قرره رضي الله عنه علمت الأمر على ما هو عليه بإعلام صاحب أوسع الكشوفات، و الأذواق المحمدية، و ليهنك العلم .
.
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة العشرين الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة العشرين: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : ( فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين». وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث. وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى «بالولي الحميد ». )
(وكل نبي) من أنبياء الله تعالى (من لدن آدم) عليه السلام (إلى آخر نبي) وهو عیسی ابن مريم عليهما السلام أو خالد بن سنان ولهذا لم يعينه (ما منهم أحد يأخذ) إمداده النبوي (إلا من مشكاة خاتم النبيين) وهو محمد عليه السلام.
(وإن تأخر) عن وجود طینتهم (وجود طينته)، أي صورته الجسمانية عليه السلام في عالم الملك (فإنه بحقيقته) الإنسانية (موجود) قبل تعیین حقائق الأنبياء عليهم السلام في عالم الملكوت (وهو قوله) صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديثه: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، أي حقيقته الإنسانية مترددة التعين بين الماء الذي خلق منه والطين الذي خلق منه .
والمراد بين الجزئين الغالبين على عالم نشأته، وإلا فهو من النار والهواء أيضا، ولكنهما ضعيفان فيه واعلم أن الأرواح موجودة قبل الأجسام ولكن وجودا متداخلا كوجود النخلة في النواة ووجود السنبلات الكثيرة في الحبة الواحدة.
فالروح الكل واحد، وهو أول مخلوق منه تتعين جميع الأرواح بتوجه الحقائق العلمية على صورها الروحانية لتميز في عالم الأرواح قبل تميزها في عالم الأجسام.
وحقيقة محمد صلى الله عليه وسلم موجودة متميزة في الرتبة العلمية أولا بكونها حقيقة الحقائق العلمية .
كالحبة بالنسبة إلى السنبلات الكثيرة والنواة بالنسبة إلى ما اشتملت عليه النخلة من الأغصان والأوراق والعراجين وغير ذلك.
ثم لما ظهرت صورة الروح الكلي بالتجلي الرحماني تصورت حقيقة الحقائق بذلك النور الروحاني و تميزت فيها الحقائق تميزة روحانية شعاعية لا ينفصل ولا يتصل كتميز الأغصان دون الثمرات.
ولهذا كان محمد صلى الله عليه وسلم لا يقيده مقام ولا مرتبة في القرب الرحماني لأنه عين الكل وحقيقة جميع الحقائق .
ثم إن ذلك الروح الكلي من حيث هو نور خلقت منه بانقسامه أربعة أقسام كما ورد في الحديث حقائق الملائكة الأربع، ثم تنزل إلى الطبائع الأربع، والعناصر الأربع والمواليد الأربع فظهرت الصورة الجسمانية الآدمية ساترة لحقيقتها الروحانية مظهرة لها.
ثم كشف لها عن جميع ذلك، فظهرت نبوة آدم عليه السلام فصح قوله عليه السلام: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين».
وفي رواية : «ولا آدم ولا ماء ولا طين»، وهو ظاهر لا ريب فيه (وغیره)، أي غير محمد صلى الله عليه وسلم (من الأنبياء عليهم السلام ما كان نبيا إلا حين بعث) بعد الأربعين عاما من ولادته إلا عيسى ابن مريم ويحيى بن زكریا عليهما السلام، فإنهما كانا نبين بعد الولادة قبل الأربعين.
قال تعالى في عیسی علیه السلام: " قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30"سورة مريم.
وقال تعالى في يحيى عليه السلام :"يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)" سورة مریم
(وكذلك خاتم الأولياء) من الأنواع الثلاثة المذكورة (كان وليا وآدم بين الماء والطين)، لأنه على قدم محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو لمحة من ذلك النور الكلي، جامع له جمعة كلية لا يقيده حال ولا مقام.
يمر على أطوار جميع الأولياء كما يشير إليه قوله تعالى: " يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا" 13 سورة الأحزاب.
يعني إلى حقيقتكم الجامعة من حيث خروجها عن جميع الحقائق وهي حضرة الأحدية فوق الحضرة الواحدية التي تكثرت فيها الحقائق.
(وغیره)، أي غير خاتم الأولياء (من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله) بالمجاهدة العلمية والعملية في الظاهر والباطن (شرائط الولاية) .
وفيه إشارة إلى أن الولاية بالتحصيل، فهي كسبية لا وهبية، وهو الحق خلافا لمن زعم أنها وهبية كما حققناه في كتابنا «المطالب الوفية» في علم العقائد .
بخلاف النبوة فإنها وهبية باتفاق أهل الحق (من) بيان الشرائط الولاية التخلق بجميع (الأخلاق) جمع خلق بضمتين، وهي الحالة الباطنية الحسنة التي تقبل الزيادة والنقصان من حيث الظهور في الأطوار الإنسانية لا من حيث الثبوت في الأصل الإلهي.
فإن الأخلاق كلها في الأصل حسنة وهي للحق حقيقة وللعبد مجاز، وفيه تطييب و تخبيث باعتبار مصارفها .
ولهذا قال (الإلهية)، أي المنسوبة إلى الإله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لله مائة خلق وسبعة عشر خلقا من آتاه بخلق منها دخل الجنة»، خرجه السيوطي في الجامع الصغير .
ولهذا لما سئل الإمام الجنيد رضي الله عنه عن المعرفة والعارف قال : "لون الماء لون الإناء". أي هو متخلق بأخلاق الله تعالى حتى كأنه هو، وما هو هو.
وصروف الأخلاق المذكورة في العبد إلى غير مصارفها، وهو الظلم الذي تنزه عنه الرب سبحانه، وهو الذي يقلب الأخلاق مذمومة كالحلم في غير موضعه، والكرم في غير موضعه، وغير ذلك.
وربما يسمى بأسماء آخر كاسم الجبن والخمول والإسراف والتبذير ونحو ذلك.
(في الاتصاف)، أي اتصاف ذلك الولي، على معنى ظهورها في نشأته الإنسانية الجزئية بظهور آثارها وما تقتضيه من المعاملة مع الله ومع الخلق (بها)، أي بتلك الأخلاق كلها، وهي شروط الولاية .
وإن كان العبد مطلقا لا يخلو من بعضها ولو كافرا.
وربما يقال : إن ذلك الخلق الواحد الذي من أتاه به دخل الجنة كما في الحديث السابق هو خلق الإيمان فقط، لأن من أوصافه تعالى المؤمن، فلا ينفع الكافر إذا أتاه بخلق آخر غير الإيمان .
(من) جهة كون الله تعالى في رتبة تنزله (تسمى) عندنا في كتابه العزيز (بالولي)، أي المتولي أمر كل شيء من حيث إنه جامع لجميع تلك الأخلاق فيعامل بها كل شيء على وجه العدل.
فاسم الولي له من هذه الحيثية، فمن تخلق بأخلاقه كان له هذا الاسم من هذه الحيثية أيضا.
كما قال تعالى: "وهو الولي الحميد" 28 سورة الشورى.
فلما ألبس عبده خلعة التفصيل ألبسه أيضا خلعة الإجمال (الحمید)، أي المحمود في جميع أفعاله فأخلاقه كلها حسنة.
من لم يحمد في خلق من أخلاقه كان خلقه ذلك خلقة مذمومة، وعدم الحمد فيه بصرفه في غير مصرفه، والحمد فيه بصرفه في مصرفه كما ذكرنا .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال رضي الله عنه : (فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد ياخذ) النبوة (إلا من مشكاة خاتم النبيين وإن تاخر وجود طينته فإنه بحقيقته موجود) في جميع العوالم (وهو) أي معنى وجوده بحقيقته معنى (قوله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث .
وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيل شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله يسمى بالولي الحميد
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».
قوله رضي الله عنه : "وكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبی ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين.» وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث"
قلت: هذا الكلام ظاهر إلا أنه ينبغي لك أن تفهم أن كل نبي كان في الأزل في علم الله تعالى نبيا على حكم ما قرره الشيخ، رضي الله عنه، في الحكمة الآدمية منه أن الأعيان الثابتة بجميع أحوالها هي العلم وهو على حد ما يأتي في العين، والنبوة المختصة بغيره، عليه السلام، من جملة ذلك.
وأما في حال كون آدم بين الماء والطين، فذكر الشيخ، رضي الله عنه، هنا أن أحدا من الأنبياء ما كان والحالة هذه نبيا، بل عند ما حصل له في الوجود العيني الاتصاف بصفات الوجود وصار نبيا حين مبعثه فقد فهم مقصوده.
وقوله: "وكذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من دون الله تعالی يسمى بالولي الحمید"
قلت: هذا مفهوم مما قاله في خاتم النبيين، عليه السلام، إلا أن ذلك في النبوة وهذا في الولاية فافهم المعني هنا مما قيل هناك.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».
قال رضي الله عنه : " وكلّ نبيّ من لدن آدم إلى آخر نبيّ ما منهم أحد إلَّا يأخذ من مشكاة خاتم النبيّين وإن تأخّر وجود طينته ، فإنّه بحقيقته موجود ،
وهو قوله :" كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين » وغيره من الأنبياء ما كان نبيّا إلَّا حين بعث " .
قال العبد أيّده الله به : قد علمت فيما سلف أنّ الحقيقة المحمدية في صورتها الحقيقة التي حذي آدم عليها ، لم تزل قائمة بمظهرية الله في جميع العوالم العلوية الروحانية ، وفوقها قبلها في العوالم النورانية الأسمائية بالقبلية المرتبيّة والذاتية لا الزمانية .
وفوقها قبلها في العوالم النفسية الرحمانية العمائية ، وبعد وجوده وظهوره في الأرواح النورية ، كان روحه روحا كلَّيا جامعا لخصائص عوالم الأمر .
مبعوثا إلى الأرواح البشريّين والملكيّين نبيّا من عند الله بالاختصاص الأحدى الجمعي ، كما أشار إلى ذلك بقوله : « أوّل ما خلق الله نوري » فجمع الله في هذا النور المحمدي جميع الأنوار النبوية وأرواح الأولياء جمعا أحديا قبل التفصيل في الوجود العيني .
وذلك في مرتبة العقل الأوّل ومظهرية الاسم « المدبّر » ثمّ تعيّنت الأرواح في مرتبة اللوح المحفوظ وتميّزت بمظاهر خصائصها وحقائقها النورية .
فبعث الله الحقيقة المحمدية الروحية النورية إليهم نبيّا ينبئهم عن الحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية .
فلمّا وجدت الصور الطبيعية العلوية الكلَّية من العرش والكرسي ، ووجدت صور مظاهر تلك الأرواح النبوية والأنوار الكمالية من الخلفاء والأولياء ، ظهر سرّ تلك البعثة المحمدية إليهم أيضا ثانيا ، فآمن من الأرواح من كان مؤهّلا للروحانية الأحدية الجمعية الكمالية الإنسانية الإلهية .
ولمّا وجدت الصور العنصرية ، ظهر حكم ذلك الإيمان في كل النفوس البشرية ، فآمنوا بمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم وكان خير أمّة أخرجت للناس ، كما أشار صلَّى الله عليه وسلَّم إلى هذا السرّ بقوله : « الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف » وبهذا المعنى « كان نبيّا وآدم بين الماء والطين ».
أي كان عالما بنبوّته إذ ذاك وإن لم يصدق إطلاق اسم النبيّ عليه السّلام .
ولا يخطر لك أنّ كلّ أحد بهذه المثابة من حيث إنّه كان في علم الله السابق قبل وجوده العيني كذلك ، فليس ذلك كذلك ، لأنّه ليس كل أحد عالما بذلك قبل وجوده العيني ، بل بعد وجوده واستكماله شرائط نبوّته بمتمّماتها ، والعلم الأزلي أيضا لم يتعلَّق به أنّه كذلك إلَّا بعد استكماله ما ذكرنا وفي نشأة دون نشأة ، بل هذا النوع من العلم والتذكير مخصوص بالكمّل والأفراد المحمديين الذين يتذكَّرون نشأتهم المقدّمة في عالم الأرواح والسماوات العلى وعوالم الأنوار والأسماء والتجلَّيات .
وهذا سرّ خفيّ جدّا دقّ عن الأفهام إلَّا من شاء الله من الندّر ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " وكذلك خاتم الأولياء ، كان وليّا وآدم بين الماء والطين ، وغيره ما كان وليّا إلَّا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتّصاف بها من كون الله تسمّى بالوليّ الحميد" .
قال العبد اعلم : أنّ خاتم الأولياء من كونه صورة من الصور المحمدية ختمت بها الولاية الخاصّة بمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم فكان حكمه حكم خاتم الرسل في علمه بكونه وليّا قبل وجوده العنصري ، فإنّ الحقيقة المحمدية الكلَّية المذكورة توجب المظهر الأكمل لتجلَّيها الذاتي بمرتبة الولاية .
كما توجب المظهر الأكمل لتجلَّيها في مرتبة النبوّة ، ولا بدّ من هذين الختمين ، وهما صورتا حقيقة واحدة في مرتبتين هما النبوّة والولاية ، والحقيقة هي الحقيقة المحمدية الكلَّية المذكورة الكمالية الإنسانية ، وحكمها بعكس ما قيل قبل :" نحن روحان حللنا بدنا".
فإنّ هذا لا يصحّ فيما نحن بصدد بيانه ، ولكن في الاتّحاد والحلول عند من يقول بهما على الوجه الذي يقول بهما ، لا على ما عرف عرفا عاميّا .
ولكن يقال فيها : « نحن روح واحد في جسدين » وهذا الخاتم رضي الله عنه كان يذكر كيف كان حال كون خاتم الرسل نبيّا وآدم بين الماء والطين ، عالما بنبوّته الكاملة والولاية المحيطة الشاملة ، وكان يشهد لخاتم الرسل بالنبوّة والتقدّم على الأرواح الكاملة من الأنبياء والأولياء كما قال في قريضه ، شعر :
شهدت له بالملك قبل وجودنا ..... على ما تراه العين في قبضة الذرّ
شهود اختصاص أعقل الآن كونه ..... ولم أك من حال الشهادة في ذعر
لقد كنت مبسوطا طليقا مسرّحا ..... ولم أك المحبوس في قبضة الأسر
يعني رضي الله عنه كنت عالما بنبوّته وختميته صلَّى الله عليه وسلَّم إذ ذاك قبل وجودنا العنصري ، وكونه مبسوطا طليقا مسرّحا لا محبوسا ، إشارة إلى مراتب أهل البرزخ في برازخهم ، فإنّهم على اختلاف درجاتهم وائتلاف طبقاتهم وتباين مقاماتهم على قسمين :
أحدهما وهو العامّ أرواح الناس المتقيّدين بالمقامات الجزئية والعلوم والأخلاق التقيّدية الفرعية ، كانوا في نشأتهم الدنياوية متقيّدين بعقائد وعوائد مخصوصة ، متعشّقين بعلوم وأعمال وأخلاق وأحوال جزئية ، فهم بعد المفارقة محبوسون بصور ما هم متعشّقون ، وفي قبضة أسر الأمر الذي هم متقيّدون .
والقسم الثاني صنف من كمّل الإنسان ، قطعوا في نشأتهم الدنياوية برازخهم ، وحشروا قبل الحشر ونشروا قبل النشر وبعثر قبور هياكلهم عن أرواحهم في صور الانسلاخات والمعاريج والإسراءات على ما تحقّق في قواعد الكشف والشهود .
وهؤلاء الكمّل غير مقيّدين بصورهم البرزخية ، بل لهم الإطلاق والسراح والانطلاق والظهور في أيّ عالم شاؤوا ، لكمال نشأتهم وقواهم ، فافهم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ.
و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال رضي الله عنه : "فكل نبى من لدن آدم إلى آخر نبى ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلَّم وإن تأخر وجود طينته ، فإنه صلى الله عليه وسلَّم بحقيقته موجود ، وهو قوله « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث ، وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين " .
وإنما يكون على ما ذكره ، لأن الرؤيا من عالم المثال وهو تمثل كل حقيقة بصورة تناسبه ، فتمثل حال النبي عليه الصلاة والسلام في نبوته في صورة اللبنة التي يكمل بها بنيان النبوة فكان خاتم الأولياء .
ولما لم يظهر بصورة الولاية لم يتمثل له موضعه باعتبار الولاية فلا بد من خاتم الولاية باعتبار ظهوره وختمه للولاية أن يرى مقامه في صورة اللبنة الذهبية من حيث أنه متشرع بشريعة خاتم الرسل .
ويرى مقامه في صورة اللبنة الفضية باعتبار ظاهره فإنه يظهر تابعا للشريعة المحمدية على أنه آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه .
لكن التمثل بالمثال إنما يكون باعتبار الصورة وولايته هي المسماة بالولاية الشمسية وولاية سائر الأولياء تسمى بالولاية القمرية لأنها مأخوذة من ولايته مستفادة منها كنور القمر من الشمس ، ولهذا قال: ( وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها ) لأنها ليست بذاتية له كما للخاتم ، وإذا لم تكن ذاتية فلا بد من كسبها .
وقوله: ( من كون الله يسمى بالولى الحميد ) لا ينافي أخذ تلك الصفات من الخاتم للولاية ، لأن الله تعالى إنما يسمى بالولى الحميد في عين هذا الخاتم وولايته إنما تكون بالوجود الحقانى بذاته وصفاته وأسمائه لا من حيث هو غيره.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين».
و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال رضي الله عنه : ( (ﻓﻜﻞ ﻧﺒﻲ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺁﺩﻡ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻧﺒﻲ، ﻣﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺣﺪ ﻳﺄﺧﺬ) ﺃﻱ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ. (ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺓ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻨﺒﻴﻴﻦ ﻭﺇﻥ ﺗﺄﺧﺮ ﻭﺟﻮﺩ ﻃﻴﻨﺘﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﺑﺤﻘﻴﻘﺘﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ) ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ: "ﻛﻨﺖ ﻧﺒﻴﺎ ﻭﺁﺩﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻄﻴﻦ".
(ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻧﺒﻴﺎ ﺇﻻ ﺣﻴﻦ ﺑﻌﺚ). ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻋﺎﺩ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻩ ﻟﻴﺒﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﻭﺇﻥ ﺗﺄﺧﺮ ﻭﺟﻮﺩ ﻃﻴﻨﺘﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺑﺤﻘﻴﻘﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ.
ﻭﻫﻮ ﻧﺒﻲ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻭﻳﺒﻌﺚ ﻟﻠﺮﺳﺎﻟﺔ ﺃﻱ ﺍﻷﻣﺔ، ﻷﻧﻪ ﻗﻄﺐ ﺍﻷﻗﻄﺎﺏ ﻛﻠﻬﺎ ﺃﺯﻻ ﻭ ﺃﺑﺪﺍ. ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺇﻻ ﺣﻴﻦ ﺍﻟﺒﻌﺜﺔ ﻷﻧﻪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ، ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺃﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ.
ﻭﺑﺘﻔﺼﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ ﺣﺼﻞ ﺃﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﻳﻀﺎ، ﺃﻋﻴﺎﻥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﻢ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻃﺎﻟﺒﻴﻦ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻴﻬﻢ، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮﻭﺍ ﻣﻊ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻛﺎﺧﺘﻔﺎﺀ ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﻭﺃﻧﻮﺍﺭﻫﺎ ﻋﻨﺪ ﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻧﻮﺭﻫﺎ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺤﻘﻘﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺠﺴﻤﻴﺔ ﻭﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ، ﻇﻬﺮﻭﺍ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭﻫﻢ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﻛﻈﻬﻮﺭ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻭﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﻤﻈﻠﻢ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺎﻝ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﺬﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: (ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﺎﻥ ﻭﻟﻴﺎ ﻭﺁﺩﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻄﻴﻦ.)
(ﻭ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻭﻟﻴﺎ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺗﺤﺼﻴﻠﻪ ﺷﺮﺍﺋﻂ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪ) .
ﻭﺷﺮﺍﺋﻂ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺗﺤﻘﻘﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﻭﺗﻄﻬﺮﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺗﻨﺰﻫﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻴﺎﻻﺕ ﺍﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ﻭﺗﺨﻠﻘﻬﻢ ﺑﺎﻷﺧﻼﻕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺗﺨﻠﺼﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ.
ﻭﺃﺩﺍﺀ ﺃﻣﺎﻧﺔ ﻭﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﻭ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﺍﻟﺬﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻜﻬﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﻌﻨﺪ ﻓﻨﺎﺋﻬﻢ ﻋﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﺑﻘﺎﺋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻳﺘﺼﻔﻮﻥ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ ﻭﺗﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال رضي الله عنه: "فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين». وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث.
وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى «بالولي الحميد»."
قال رضي الله عنه: (فكل نبي من لدن آدم عليه السلام إلى آخر نبي) كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما صرح بآدم عليه السلام وعيسى عليه السلام؛ لأن بعضهم يفضلونهما على نبينا صلى الله عليه وسلم ، (ما منهم أحد يأخذ) المعارف الجليلة تتميز التجلي الذاتي عن الأسمائي مع عدم المغايرة بينهما (إلا من مشكاة خاتم النبيين)، إما من جهة النبوة فظاهر، وإما من جهة الولاية؛ فلأنها في الأصل له، وهي فيه أكمل على ما يصرح به الشيخ في الفص العزيري.
وإن لم تنسب إليه مشكاة الولاية، (وإن تأخر وجود طينته) أي: الوجود الجسماني له فمشكاته لحقيقته المتقدمة؛ لأنها ذاتية له؛ (فإنه بحقيقته موجود) قبلهم، (وهو) أي: دليل وجوده مع مشكاته قبلهم (قوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" ) ولا نبوة بدون مشكاتها وقوله بين الماء والطين.
أي: لا ماء ولا طينا؛ لأن المتوسط بين الأمرين لا يكون أحدهما فلا متحقق بنبوته كما قال: (وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث)؛ لأن النبوة ليست ذاتية لهم فتتوقف على حصول شرائطها، وكذلك خاتم الأولياء) لكون كماله ذاتيا (كان وليا و آدم الكلية بين الماء والطين).
وإن كانت ولاية آدم عليه السلام أكمل من ولاية خاتم الأولياء، إلا إن مشكاتها لما نسبت إلى خاتم الولاية جعلت الولاية ذاتية له، فكأنها فيه أكمل (وغيره من الأولياء) المجردة ولايتهم (ما كان ولا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية) الحاصلة تلك الشرائط (من الأخلاق الإلهية).
إذ تشبهوا بها (في الاتصاف بها) أي: بما يناسبها وتلك الأخلاق الإلهية هي المفهومة (من كون الله يسمى بالولي الحميد)، وإذا كانت ولاية خاتم الأولياء كأنها ذاتية له.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال رضي الله عته : "فكلّ نبيّ - من لدن آدم إلى آخر نبيّ - ما منهم أحد يأخذ إلَّا من مشكاة خاتم النبيّين ، وإن تأخّر وجود طينته ، فإنّه بحقيقته موجود " ضرورة أنّه هو الغاية للحركة الوجوديّة بحسب الظاهر ، فإنّه الواضع بأفعاله وأقواله تمام الصورة الدالَّة على كنه المراد ، فله التقدّم بحسب الوجود على الكلّ ، فإنّه الموجود بوجود فاعله ، لكماله الخاصّ به متّحدا به ، (وهو قوله : " كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين " وغيره من الأنبياء ما كان نبيّا إلَّا حين بعث ) .
( وكذلك خاتم الأولياء ) لأنّه هو الغاية لتلك الحركة بحسب الباطن ، وهو الكاشف بتقريره وتحريره تمام المراد وكنهه عن تلك الصور الموضوعة من خاتم الأنبياء ، فلذلك ( كان وليّا وآدم بين الماء والطين ، وغيره من الأولياء ما كان وليّا إلَّا بعد تحصيله شرائط الولاية ، من الأخلاق الإلهيّة في الاتصاف بها من كون الله يسمّى بالولي الحميد ) بيان لتلك الأخلاق وتنبيه إلى أنّ الولاية من الأوصاف الإلهيّة الأبديّة ، فختمها ليس بمعنى الانقطاع ، بل بمعنى تماميّتها
وكماليّتها ، ولا يمكن أن يختم أبواب تمامها وكمالها إلَّا باسم الكامل المطلق .
فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته مع الختم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه ، فإنّه الولي الرسول النبي ، وخاتم الأولياء الوليّ بذاته( الوارث ) مرتبة الرسالة والنبوّة منه ، ( الآخذ عن الأصل ) أسرارها ، ( المشاهد للمراتب ) بأطوارها .
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:26 عدل 2 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة العشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة العشرون : الجزء الثاني
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال الله رضي الله عنه : "فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود. وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث."
قال الله رضي الله عنه : (فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي) بل آدم أيضا (ما منهم أحد بأخذ) النبوة (إلا من مشكاة) روحانية (خاتم النبيين وإن تأخر وجود طينته) عن وجود ذلك النبي الذي يأخذ النبوة من مشكاته.
(فإنه)، أي خاتم النبيين (بحقيقته) وروحانيته (موجود) قبل وجود الأنبياء كلهم حتى آدم منعوت بالنبوة في هذا الوجود مبعوث إليهم وإلى من سواهم في عالم الأرواح.
(وهو)، أي وجوده صلى الله عليه وسلم قبل وجود الجميع وإنصافه بالنبوة بالفعل في هذا الوجود ما بدل عليه قوله: (كنت نبيا)، أي من عند الله مختصا بالإنباء عن الحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية مبعوث إلى الأرواح البشريين و الملكيين.
(وآدم بين الماء والطين )، لم يكمل بدنه العنصري بعد فكيف من دون أنبياء أولاده وبيان ذلك : أن الله سبحانه وتعالى لما خلق النور المحمدي كما أشار صلى الله عليه وسلم إليه بقوله : (أول ما خلق الله نوري) جمع في هذا النور المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جمعة أحدية قبل التفصيل في الوجود الجمعي.
وذلك في مرتبة العقل الأول ثم تعينت الأرواح في اللوح المحفوظ الذي هو النفس الكلية وتميزت بمظاهرها النورية .
فبعث الله الحقيقة المحمدية الروحية النورية إليهم نبيا ينبئهم عن الحقيقة الأحذية الجمعية الكمالية.
فلما وجدت الصور الطبيعية العلوية من العرش والكرسي، ووجدت صور مظاهر تلك الأرواح ظهر سر تلك البعثة المحمدية إليهم ثانيا.
فآمن من الأرواح من كان مؤهلا للإيمان بتلك الأحدية الجمعية الكمالية، ولما وجدت الصور العنصرية ظهر حكم ذلك الإيمان في كمل النفوس البشرية فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فمعنى قوله : كنت نبيا أنه كان نبيا بالفعل عالما بثبوته (وغيره من الأنبياء ما كان نبيا) بالفعل ولا عالما بثبوته (إلا حين بعث) بعد وجوده بدنه العنصري واستكماله شرائط النبوة فاندفع بذلك .
ما يقال من أن كل أحد بهذه المثابة من حيث إنه كان نبيا في علم الله السابق علي وجوده العيني وآدم بين الماء و الطين.
قال رضي الله عنه : "وكذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله يسمى بالولي الحميد."
قال رضي الله عنه : (وكذلك خانم الأولياء) من كونه صورة من صور الحقيقة المحمدية ختمت بها الولاية الخاصة المحمدية أو الولاية المطلقة كان حكمه حكم خاتم النبيين (كان وليا) بالفعل عالم بولايته (وآدم بين الماء والطين وغيره من الأولياء ما كان وليا).
بالفعل ولا عالة بولايته (إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها).
قوله : من الأخلاق الإلهية بيان للشرائط.
وقوله : في الاتصاف بها متعلق بالمعنى الفعلي المفهوم من قوله : شرائط، أي إلا بعد تحصيله ما يشترط في الإنصاف بالولاية بين الأخلاق الإلهية التي يتوقف الاتصاف بالولاية عليها مع أن الولاية أيضا من أخلاقه وصفات والاتصاف به إنما هو من أجل (كون الله) سبحانه (يسمى بالولي الحميد) فيتصفون بها ليكمل لهم الاتصاف بصفات الله والتخلق بأخلاقه .
ولما ذكر أن المرسلين من كون الأولياء لا يرون ما يرون إلا من مشكاة خاتم الأولياء وكان متوهم أن يتوهم أن هذا المعنى إنما يصح بالنسبة إلى من عدا خاتم الرسل.
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ. و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ».)
قال الله رضي الله عنه : "فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود. وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث."
قال الله رضي الله عنه : (فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي) بل آدم أيضا (ما منهم أحد بأخذ) النبوة (إلا من مشكاة) روحانية (خاتم النبيين وإن تأخر وجود طينته) عن وجود ذلك النبي الذي يأخذ النبوة من مشكاته.
(فإنه)، أي خاتم النبيين (بحقيقته) وروحانيته (موجود) قبل وجود الأنبياء كلهم حتى آدم منعوت بالنبوة في هذا الوجود مبعوث إليهم وإلى من سواهم في عالم الأرواح.
(وهو)، أي وجوده صلى الله عليه وسلم قبل وجود الجميع وإنصافه بالنبوة بالفعل في هذا الوجود ما بدل عليه قوله: (كنت نبيا)، أي من عند الله مختصا بالإنباء عن الحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية مبعوث إلى الأرواح البشريين و الملكيين.
(وآدم بين الماء والطين )، لم يكمل بدنه العنصري بعد فكيف من دون أنبياء أولاده وبيان ذلك : أن الله سبحانه وتعالى لما خلق النور المحمدي كما أشار صلى الله عليه وسلم إليه بقوله : (أول ما خلق الله نوري) جمع في هذا النور المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جمعة أحدية قبل التفصيل في الوجود الجمعي.
وذلك في مرتبة العقل الأول ثم تعينت الأرواح في اللوح المحفوظ الذي هو النفس الكلية وتميزت بمظاهرها النورية .
فبعث الله الحقيقة المحمدية الروحية النورية إليهم نبيا ينبئهم عن الحقيقة الأحذية الجمعية الكمالية.
فلما وجدت الصور الطبيعية العلوية من العرش والكرسي، ووجدت صور مظاهر تلك الأرواح ظهر سر تلك البعثة المحمدية إليهم ثانيا.
فآمن من الأرواح من كان مؤهلا للإيمان بتلك الأحدية الجمعية الكمالية، ولما وجدت الصور العنصرية ظهر حكم ذلك الإيمان في كمل النفوس البشرية فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فمعنى قوله : كنت نبيا أنه كان نبيا بالفعل عالما بثبوته (وغيره من الأنبياء ما كان نبيا) بالفعل ولا عالما بثبوته (إلا حين بعث) بعد وجوده بدنه العنصري واستكماله شرائط النبوة فاندفع بذلك .
ما يقال من أن كل أحد بهذه المثابة من حيث إنه كان نبيا في علم الله السابق علي وجوده العيني وآدم بين الماء و الطين.
قال رضي الله عنه : "وكذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله يسمى بالولي الحميد."
قال رضي الله عنه : (وكذلك خانم الأولياء) من كونه صورة من صور الحقيقة المحمدية ختمت بها الولاية الخاصة المحمدية أو الولاية المطلقة كان حكمه حكم خاتم النبيين (كان وليا) بالفعل عالم بولايته (وآدم بين الماء والطين وغيره من الأولياء ما كان وليا).
بالفعل ولا عالة بولايته (إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها).
قوله : من الأخلاق الإلهية بيان للشرائط.
وقوله : في الاتصاف بها متعلق بالمعنى الفعلي المفهوم من قوله : شرائط، أي إلا بعد تحصيله ما يشترط في الإنصاف بالولاية بين الأخلاق الإلهية التي يتوقف الاتصاف بالولاية عليها مع أن الولاية أيضا من أخلاقه وصفات والاتصاف به إنما هو من أجل (كون الله) سبحانه (يسمى بالولي الحميد) فيتصفون بها ليكمل لهم الاتصاف بصفات الله والتخلق بأخلاقه .
ولما ذكر أن المرسلين من كون الأولياء لا يرون ما يرون إلا من مشكاة خاتم الأولياء وكان متوهم أن يتوهم أن هذا المعنى إنما يصح بالنسبة إلى من عدا خاتم الرسل.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : (فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ.
و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد ». )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، و إن تأخر وجود طينته فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه و سلم : " كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين" ، و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث . و كذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله يسمى " بالولي الحميد" .)
قال الشارح رحمه الله :
( فكل نبيّ من لدن آدم إلى آخر نبي، ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، و إن تأخر وجود طينته فإنه بحقيقته موجود، و هو قوله : " كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين."
ورد في الخبر الصحيح : " أول خلق خلقة روح نبيك يا جابر " و هو المعبر عنه بلسان الحقائق القلم الأعلى .
و ورد في الخبر بلسان الولاية : "أول شيء خلقه القلم، فقال له: اكتب؟ قال: يا رب ما أكتب؟ قال تعالى: مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، من مات على غير هذا فليس مني . " رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
و في رواية:" أول شيء خلقه الله القلم، فأمره فكتب كل شيء يكون " . رواه ابن عباس رضي الله عنهما، ذكرهما الأسيوطي في جمع الجوامع .
فأخذ الأنبياء عليهم السلام من هذا الروح المحمّدي المسمّى بالعلم الظاهر في الوجود بالوجود الكلي الممتاز عن الموجودات أزلا، فالأنبياء عليهم السلام يأخذون منه بحسب استعدادهم، و هو يعطيهم مقاديرهم بمقتضى ذواتهم بحسب أوقاتهم، و قابليتهم قبل الوجود، و عند الوجود، و بعد الوجود، و من لم يعتقد ما قلناه و قررناه بهذا النمط مات ميتة الجاهلية، و ليس منا المحمديين .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم أنه قال في آخر الحديث: "من مات على غير هذا، فليس مني"
لأنه ما آمن بما جاء به كله بل آمن بما فهم، و كفر بما خفي عليه و لم يفهم، فإن كان خلى للصلح مجالا كان به أولى، فأوله برأيه المشئوم، و يحسب أنه في التنزيه، و هو كما قربه .
فإذا فهمت هذا السرد الذي سردته لك سردا سائغا، فاعلم أنّ نظير هذا الأخذ قد ثبت بالكشف أن الأولياء يأخذون من الغيب.
فمنهم من يأخذ من اللوح، ومنهم من يأخذ من القلم، ومنهم من يأخذ من تخطيط القلم، ومنهم من حركة التخطيط من القلم، و منهم من إجمال الدواة المعبر عنها بلسان الشرع بـ النون .
قال تعالى: "ن والقلمِ و ما يسْطرُون" [ القلم: 1] .
"" ذكره الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الستون في معرفة العناصر:
واعلم أن الله تعالى لما تسمى بالملك رتب العالم ترتيب المملكة فجعل له خواص من عباده وهم الملائكة المهيمة جلساء الحق تعالى بالذكر "لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ولا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ".
ثم اتخذ حاجبا من الكروبيين واحدا أعطاه علمه في خلقه وهو علم مفصل في إجمال. فعلمه سبحانه كان فيه مجلى له .
وسمي ذلك الملك (نونا ) فلا يزال معتكفا في حضرة علمه عز وجل وهو رأس الديوان الإلهي . والحق من كونه عليما لا يحتجب عنه .
ثم عين من ملائكته ملكا آخر دونه في المرتبة سماه ( القلم ) وجعل منزلته دون (النون).
واتخذه كاتبا فيعلمه الله سبحانه من علمه ما شاءه في خلقه بوساطة (النون) ولكن من العلم الإجمالي. ومما يحوي عليه العلم الإجمالي علم التفصيل وهو من بعض علوم الإجمال .
لأن العلوم لها مراتب من جملتها علم التفصيل .
فما عند (القلم) الإلهي من مراتب العلوم المجملة إلا علم التفصيل مطلقا وبعض العلوم المفصلة لا غير .
واتخذ هذا الملك كاتب ديوانه وتجلى له من اسمه القادر فأمده من هذا التجلي الإلهي وجعل نظره إلى جهة عالم التدوين والتسطير .
فخلق له لوحا وأمره أن يكتب فيه جميع ما شاء سبحانه أن يجريه في خلقه إلى يوم القيامة خاصة وأنزله منه منزلة التلميذ من الأستاذ .
فتوجهت عليه هنا الإرادة الإلهية فخصصت له هذا القدر من العلوم المفصلة وله تجليان من الحق بلا واسطة ، وليس (للنون) سوى تجل واحد في مقام أشرف . أهـ ""
فالأنبياء عليهم السلام أولى بهذا الأخذ القويم القديم، و قد ذكرت تفصيل الأخذ في الفص الآدمي في سر الولد الأكبر، و لا يعرفها إلا عارف أو مؤمن، كما يعرف أخذ الذرية من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم، و نحن نؤمن يقينا .
سئل شخص من العارفين، كأنه ذو النون قدّس سره عن علم الميثاق قوله : " ألسْتُ بربِّكُمْ" [ الأعراف: 172] فقال: كأنه في أذني الآن .
وآخر قال حين سئل عنه: سمعت سبعا من المواثيق .
و آخر قال: إنه صدق في كليات المواثيق أنها سبعة، وأما جزئياتها فغير متناهية، فأنا مؤمن بذلك كله .
فمأخذ الأنبياء عليهم السلام قبل وجودهم و بعد وجودهم وعند وجودهم من هذا المقام المحمدي الذي ختم به و يختمه، فافهم .
فإني قربت إليك الأمر البعيد لتفهم ولا تقف، إنّ أكثر من هذا البيان لا يمكن لي إنّ هذا إلا سحر يؤثر،هذا سحر حلال، ولا تتبع القيل والقال.
ورد في الخبر: " إن الله ينهاكم عن كثرة السؤال، وإضاعة المال، وعن اتباع القيل ." . رواه مسلم بن عبد الله بن سره عن أبيه رضي الله عنه، و نحن ما أخذنا هذه المعاني إلا من صاحب أوسع الكشوف .
ورد في الحديث : " إن هذا العلم دين فانظر ممن تأخذونه " .رواه أبو نصر السجزي في الإبانة، و الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه .
و في حديث أنس رضي الله عنه: "فلينظر أحدكم ممن يأخذ دينه، و على الله قصد السبيل"
( و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث) لأنه صلى الله عليه و سلم من حيث الروح و الحقيقة كان كليا، بل كلّا قائما بذاته، لذا المسمى بالروح الأعظم، و العقل الأول، و باصطلاح الحكماء بالعقل الكل، كالكلي الطبيعي.
فإنه موجود في الخارج عند الحليم بل إنه جوهر قائم بذاته، و قيوم لغيره بخلاف سائر الأنبياء عليهم السلام، فإنّ أرواحهم جزئية تابعة للأمزجة بحسب مزاجها، تقع الأبدان منها كلي في الجملة، و منها جزئي.
(و كذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء و الطين) :
و ذلك لكليته، و التفضيل كالتفضيل، »مولى القوم منهم، و العبد من طينة مولاه« .
و العبد مقداره في جاه سيده فلا يزال بستر العز مستورا و قد قررناه غير مرة صريحا و كناية و إفهاما و إبهاما، و بكل وجه بل بأحسن الوجوه و أسناها .
إنّ الولاية باطن النبوة، والولي بطانة نبيه، وحسنة من حسناته، فإذا رجع الأمر إلى الباطن فيرجع الحكم إلى الباطن، و هو ظهور الكامل الكل بوحدة الحقيقة، و أي الحقيقة الكلية المتميزة عن الحقائق الجزئية علما و وجودا، فهي لخاتم النبوة باعتبار، و هي عين خاتم الخاتم باعتبار.
فإن ابتداء الخاتم انتهاء خاتم الخاتم، و الأمر بينهما لأنهما فاتحان و خاتمان لأمر العلم و الوجود، فظهرا في الوجود بكلتيهما، كما كان في العلم، و التفضيل كالتفضيل.
(وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية) التي هي تابعة للمزاج و بحسبه و ذلك لأنّ دورة العبودية في الخلافة تمت بعيسى عليه السلام، و فتح باب السيادة في الخلافة بمحمد صلى اللّه عليه و سلم.
و تحصيل الشرائط (من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها) بعد إن لم تكن بحسب السلوك و الرياضيات، كان شرطا في الولاية و النبوة بحسب القابلية المزاجية الطالبة صفة الكمال.
وذلك التخلق ( من كون الله تسمّى بالولي الحميد )، فأراد أن يتخلق بأخلاقه حتى يتسمّى وليا فيكون محمودا بذلك التخلق فإنه سمع أنه تعالى يحب أن يحمد فتخلق بالولاية ليحمد.
روي في حديث طويل: "و ما من أحد أحب إليه المدح من الله من ذلك وعد الجنة." . رواه مغيرة بن شعبة، ذكره في جمع الجوامع .
"" قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنة» صحيح ابن حبان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أحب إليه المدح من الله، فلذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش». صحيح ابن حبان ""
إنما قال: (حميد )، و هو فعيل، فعم اسم الفاعل و اسم المفعول بالدلالة الوضعية عليهما، فهو الحامد المحمود لأنه صيغة مبالغة بمعنى: فاعل و مفعول، فإما أن يعطي الأمر الواحد بقرينة حال، و قد أثنى على نفسه ..
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:29 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الحادي والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم. وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. و هو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة و سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعين حالا خاصا ما عمم. وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية ، فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين.)
(فخاتم الرسل) بالمعنى العام والخاص كما قدمنا (من حيث ولايته)، أي كونه وليا ولاية رسالة (نسبته) إلى جميع الأولياء من الرسل (مع الختم للولاية)، الذي هو فيه زيادة عليهم (مثل نسبة الأنبياء والرسل) عليهم السلام (معه)، من حيث إنه خاتم للنبيين بالمعنى العام أو الخاص وخاتم للمرسلين كذلك .
يعني أنه يلزم من خاتم الولاية التي هي ولاية المرسلين بالمعنى العام أن يكون خاتم نبوة النبيين أيضا بالمعنى العام.
وخاتم رسالة المرسلين أيضا بالمعنى العام، وكذلك خاتم ولاية المرسلين بالمعنى الخاص يلزم أن يكون خاتم نبوة النبيين بالمعنى الخاص، وخاتم رسالة المرسلين بالمعنى الخاص .
(فإنه)، أي خاتم ولاية المرسلين العام والخاص هو (الولي) لاشتماله على شروط الولاية المذكورة زيادة على التخلق بخلق الإيمان الذي من أتاه به دخل الجنة.
(الرسول) لزيادته على ذلك بالترقي في عالم الحقائق الإنسانية من غير خروج عن مرتبة الولاية، ولهذا كان الولي هو الله والرسول من الله .
كما قال تعالى: "رسول من الله" 2 سورة البينة.
(النبي) لزيادته على طور الولاية بالترقي في عالم الحقائق المنسوبة إلى الملائكة، والدخول في الحضرات الملكوتية مع بقاء مرتبة الولاية، فإن الغفلة لا تخالط قلوب الأنبياء عليهم السلام.
وأما الغين المشار إليه في الحديث «إنه ليغان على قلبي» و مؤاخذة الأنبياء عليهم السلام في مواطن، ونسبة الذنوب إليهم بسبب الغفلة.
فذلك من تراكم أنوار الملكوت الذي في مقام النبوة على قلوبهم، فكان اشتغالا به تعالى عنه تعالى لا بغيره عنه.
فغفلة الأنبياء عليهم السلام يقظة غيرهم، وأما غفلة غيرهم فهي من استيلاء ظلمة الكون على القلوب وغلبة مقتضى عالم الأجسام عليهم .
(وخاتم الأولياء) من غير الأنبياء والمرسلين عليهم السلام يعني خاتم ولاية الإيمان لا ولاية النبوة ولا ولاية الرسالة هو (الولي) لاشتماله على جميع شروط الولاية التي هي الأخلاق المذكورة (الوارث) لخاتم الرسل وخاتم النبيين في الظاهر للعلوم الظاهرة التي تتأدى بالحروف الظلمانية والكلمات اللفظية.
وفي الباطن للأسرار والكشوفات الباطنة التي لا تتأدى إلا بالحروف والكلمات النورية الروحانية.
(الآخذ) جميع ذلك من حيث الباطن (عن الأصل) الحق الحقيقي (المشاهد للمراتب) النبوية والأطوار الرسولية كشهود أهل الأرض كواكب السموات من غير حصولها فيهم.
ولهذا قال عليه السلام: " إنا معاشر الأنبياء لم نورث درهما ولا دينارا ولكن نورث العلم فمن
أخذ به فقد أخذ بحظ أوفر».
والمراد علم النبوة وعلم الرسالة زيادة على الولاية، فتوريثهم للولاية تخلق ووجدانا، وتوريثهم للنبوة والرسالة علم فقط وشهودا.
ولا يلزم ممن شهد النبوة أن يكون نبيا كمن شهد الربوبية لا يكون ربا، بخلاف من تخلق بها فهو رب كما يقال : رب الدابة ورب المتاع لمن تخلق بربوبية الله تعالى لتلك الدابة وذلك المتاع.
(وهو)، أي خاتم الأولياء ولاية المؤمنین (حسنة) عظيمة (من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ) عملها بشرع الشرائع وإيضاح الوسائل والذرائع.
(مقدم الجماعة) كلهم من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام (وسيد ولد آدم) كما قال عليه السلام : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» .
ومن أدبه صلى الله عليه وسلم ؟ أنه لم يصرح بسيادته على أبيه آدم عليه السلام في هذا الحديث لكون ذكره بما يشهد أنه أب.
وأما غيره من الأنبياء عليهم السلام وإن كانوا آباؤه أيضا لكن لما ذكرهم بلفظ الولد صرح بسيادته عليهم تلویحا بمقام أبوته لهم في عالم الأرواح.
وأما قوله عليه السلام: "آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ، فهو تصريح بسيادته العامة وتلويح بأبوته الروحانية لآدم وبنيه "، ولا تعارض لأبوة آدم عليه السلام فيها ، فلم يلزمه التأدب معه بل الأدب هنا التصريح بالسيادة.
فإن أدب الأب مع ابنه بسيادته عليه، وأدب الابن مع أبيه بترك ذكر ذلك .
(في فتح باب الشفاعة) لكل شافع من نبي أو ملك أو ولي، وذلك بالشفاعة العظمى لأجل فصل القضاء يوم الموقف الأعظم، فهو شافع في الشافعين، وهي في الحقيقة شفاعة منه وحده في جميع المذنبين.
ثم بين حقيقة شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله :
(فعين)، أي محمد (بشفاعته) العامة (حالا خاصا) من أحوال حقیقته الجامعة لجميع الحقائق.
وذلك الحال الخاص وهو الرحمة التي سبقت الغضب من حيث إنها لله في الإطلاق وله في التقييد وهي رحمة الرحيم .
كما قال تعالى: "" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)" سورة التوبة.
فرحمته المقيدة به هي ذلك الحال الخاص (ما عمم) في جميع الأحوال ولو عمم لبقي الخلق كلهم على ما هم عليه (وفي هذا الحال الخاص) المذكور (تقدم) صلى الله عليه وسلم وهو متخلق به بطريق التقلب (على) غيره من (الأسماء الإلهية) كمن يمسك بيده ذبابة وهو قاصد إهلاكها، ثم يقصد رحمتها والرأفة بها، فيشفع القصد الثاني عند القصد الأول.
أي يصير معه قصدين بعد أن كان الأول قصدا واحدا والاثنان هما الشفع.
فيخفف من يضيق يده على تلك الذبابة وربما أطلقها، ثم بينه بقوله .
(فإن) الاسم (الرحمن)، وهو ظهور الرحيم كمال الظهور حتى يعم المؤمن والكافر، ولهذا الشفاعة في فصل القضاء تعم المؤمن والكافر ولكن المقصود بها المؤمنون والكافرون بالتبعية، وهو الرحمة العامة والحال العام لا الخاص، لأنه من الله زيادة على ما طلبه النبي عليه السلام كما قال تعالى: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " 26 سورة یونس.
فالحسنى لطلبهم لها باحسانهم والزيادة لبقاء الإطلاق في التقييد، فما من العبد مقید وما من الرب مطلق.
ونظيره من النبي صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال من دونه له عن ماء البحر، فقال عليه السلام: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
فأجاب عن أكثر من سؤال السائل للتخلق بأخلاق الله سبحانه (ما شفع)، أي صار شفعة (عند) الاسم (المنتقم) حتى يرفع من انتقامه (في أهل البلاء) في الدين كالكافرين والفاسقين (إلا بعد شفاعة الشافعين) الكثيرين من حيث كثرة الصور الظاهرة في الحقائق الرحيمية المنبعثة من الحقائق الرحمانية، لتتقابل الصور الرحمانية بالصور الانتقامية ، فيخفف البلاء المذكور في ذلك الموقف .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم. وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : )فخاتم الرسل من حيث ولابته نسبته مع الختم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه) وإنما كانت نسبته معه كذلك (فإنه) أي لأن خاتم الرسل (الولي الرسول النبي وخاتم الأولياء الولي الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد للمراتب) فكانت ولايته مقدمة على ولاية ختم الرسل كما تقدمت على ولاية سائر الأنبياء.
ولما توهم من ظاهر كلامه أفضلية ختم الولاية على ختم النبوة دفع هذا التوهم بقوله (وهو) أي خاتم الأولياء (حسنة) أي أعلى مرتبة (من حسنات خاتم الرسل محمد) عليه السلام أي من مراتبه العالية، فكانت ختمیته ومشكاتيته من ختم الرسل لأن العلم الذي يأخذ عن الله تعالى في السر ويعطى ختم الرسل لا يأخذ إلا بولاية منشعبة من ولاية ختم الرسل .
وفي التحقيق يأخذ عن الله بسببه ويعطى إليه بسببه فكان تقدمه في هذا الوجه تقدم الجزء على الكل فلا فضل على ختم الرسل بأي وجه كان كما قلنا لك من قبل (مقدم الجماعة) أي جماعة الأنبياء والأولياء كلها (وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة) يوم القيامة.
(فعین) محمد عليه السلام وهو تقدمه على جميع أولاد آدم باعتبار وجوده الشخصي (حالا خاصا) وهو الفتح (ما عمم) إذ التعميم لا يكون إلا بحقيقة الكلية فلا يلزم منه تقدمه في جميع الأمور (وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين ففاز محمد عليه السلام بالسيادة في هذا المقام الخاص).
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم. وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قوله: "فخاتم الرسل من حيث ولايته لنسبته مع الختم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولى الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولى الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب".
قلت: مراده، رضي الله عنه، أيضا ظاهر من كلامه فلا حاجة إلى شرحه إلا مشافهة
قوله: "وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل، محمد صلى الله عليه وسلم، مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعین حالا خاصا ما عمم."
قلت: يعني أنه وإن تأخر وجوده الطيني إلى ما بعد انتقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو من أمته فهو إذن حسنة من حسناته والشيخ، رضي الله عنه، هنا ذكر أن السيادة الحاصلة له، عليه السلام، على ولد آدم ليس إلا في فتح باب الشفاعة، لا مطلقا لأن ظاهر الحديث يدل على ما قال، فهي سيادة خاصة عنده لا عامة
قوله: "وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين."
قلت: يعني أن الذي يتولى أهل البلاء من الأسماء الإلهية إنما هو الاسم المنتقم، فالشفاعة إنما تكون عنده وقد ورد في الحديث النبوي: أنه تعالى شفع الأنبياء وشفع غيرهم ممن ذكر في الحديث , وبقي شفاعة أرحم الراحمين فيخرج بها من النار من في قلبه مثقال حبة من الخير.
فإذن الرحمن شفاعته متأخرة وهو من أكمل الأسماء الإلهية، فتقدم عليه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد تقدمت شفاعته بهذا الاعتبار شفاعة الأسماء الإلهية.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم. وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : " فخاتم الرسل من حيث ولايته ، نسبته مع الختم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه ، فإنّه الوليّ الرسول النبيّ ، وخاتم الأولياء الوليّ الوارث ، الآخذ عن الله ، المشاهد للمراتب وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل ، محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم مقدّم الجماعة ، وسيّد ولد آدم في فتح باب الشفاعة " .
قال العبد أيّده الله به اعلم : أنّ الولاية المحمدية التي هي مشكاة خاتم الأولياء ، منها مادّة الولايات كلَّها ، المتفرّعة في أنبياء الأمم ورسلهم وعامّة الأولياء وخاصّتهم وخلاصة خلاصتهم وصفا خلاصة الخاصّة من حيث إنّ النبوّة لا تخلو عن ولاية هي باطنها .
ومن حيث إنّها صور نسب الولاية الكلية الكمالية المحمدية الإلهية من مرتبة التفصيل من مشكاته المذكورة ، فمنها وصول المادّة إلى الكلّ .
فنسبته في الأخذ عن الله من الوراثة المحمدية للولاية الجمعية الأحدية الكمالية مع محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم كنسبة الأنبياء والرسل في أخذ نبوّاتهم ورسالاتهم عن الله من الحقيقة المحمدية ، على ما تقرّر آنفا ، هذا لسان عموم أهل الذوق في هذا المقام .
سرّ للخواصّ
لمّا تعيّن في ختمية الولاية الخاصّة المحمدية خاتم الأولياء ، وكانت مشكاته الخصيصة به هي الولاية الخاصّة المحمدية الإلهية الكمالية الختمية الأحدية الجمعية.
كتعيّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ختم النبوّة التشريعية المحيطة الكمالية الإلهية ، وهي المشكاة الخاصّة به صلَّى الله عليه وسلَّم وكانت النبوّات كلَّها مترتّبة على الولايات ، فإنّما هي صور أحكام حكم الولايات ، ظهر له نسبة خاتم الرسل إلى ختم الولاية من حيث إنّ نبوّته صلَّى الله عليه وسلَّم ظاهرية مشكاة ختم الولاية ، والولاية خصيصة به كنسبة سائر الرسل في أخذ نبوّاتهم من مشكاة الرسول الخاتم ، وولايتهم من مشكاة خاتم الولاية الخاصّة المحمدية ، فافهم إن شاء الله .
فمن عنده صلَّى الله عليه وسلَّم قسمة أرزاق العلوم والأذواق والمقامات والأحوال والأخلاق كلَّها ، فما تعلَّق منها بالنبوّة واختصّ بالرسالة يوصله الله من هذه المشكاة المحمدية إلى جميع الأنبياء والرسل حال وجودهم في نشأتهم وبعد المفارقة في برازخهم.
وما تعلَّق منها بالولاية وتحقّق بها خاتم الأولياء المحمديين يفيضه الله من مشكاة خاتم الأولياء على سائر الأولياء المحمديين وهم أنبياء الأولياء وعلى أولياء الأنبياء والرسل ، فافهم .
ولا يحجبنّك تأخّر صورته العنصرية الختمية فلا بدّ للختم من الآخرية من حيث صورته الشخصية ، وأنّ له صورة أزلية فاتحية متقدّمة على الكلّ بالحقيقة والمرتبة ، فافهم وتذكَّر ، والله الملهم .
واعلم : أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جامع بين النبوّة والرسالة والولاية والخلافة ، فهو النبيّ الرسول الخاتم .
وكذلك وارثه الأكمل خاتم الأولياء المحمديين حسنة من حسنات خاتم الرسل ، لكونه جمع له وراثته في الختمية الكمالية وتخيّر من بين أرواح الأولياء لمظهريته الكاملة الأحدية الجمعية في باطن الصورة الإلهية المحمدية الختمية ، ولكنّه صلَّى الله عليه وسلَّم مقدّم جماعة الكمّل في فلك النبوّة وفلك الولاية ، وهو سيّد ولد آدم.
لأنّ الحقيقة الكمالية الجمعية الأحدية في الصورة الإلهية المحمدية هي التي تشفع فرديات الحضرات الأسمائية إذا غلبت الأحدية الجلالية بقهرها على الحضرات ومظاهر الأسماء والتجلَّيات وأمم الأنبياء وأرباب الرسالات ، فإذا شفعتها بفرديّتها .
انضاف الفردي المحمدي إلى الفرد العبداني المستهلك تحت قهر الأحدية الجلالية بقهرها على الحضرات ومظاهر الأسماء والتجليات وأمم الأنبياء وأرباب الرسالات فإذا شفعتها بفرديّتها ، انضاف الفرد المحمدي إلى الفرد العبداني المستهلك تحت قهر الأحدية ، حصلت الشفعية فشفعه الوتر ، وهو أرحم الراحمين .
فكان الشفع بالوتر فردا موجبا لظهور الفتحية ، ففتح الرحمن باب الشفاعة ، فشفع كلّ اسم في عالمه وكلّ نبيّ في أمّته .
قال رضي الله عنه : " فعيّن حالا خاصّا ما عمّم . وفي هذا الحال الخاصّ تقدّم على الأسماء الإلهية ، فإنّ الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلَّا بعد شفاعة الشافعين "
قال العبد أيّده الله به : لمّا كانت الشفاعة في إنقاذ أهل البلاء والجهد أوّلا للمرتبة الأحدية الجمعية الكمالية بفتح باب الرحمة في الإيجاد ، فشفعت الحقيقة المحمدية الجمعية الأحدية حقائق القوابل الأفراد بالتجلَّي الرحماني .
فقرن بها الوجود ، فشفعت بأحدية جمعها وفردانيّتها بين القابل والتجلَّي ، فأنقذت الحقائق من ظلمة العدم ، فيظهر سرّ ذلك آخرا بشفاعته صلَّى الله عليه وسلَّم لأهل المحشر .
فيشفع أوّلا للشفعاء من الأسماء الإلهية والأنبياء ، حتّى يشفّعوا ، فيشفعوا في عوالمهم وأممهم ومتعلَّقات خواطرهم وهممهم ، فله في هذا المقام الخاصّ سيادة على الكلّ .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : ( فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء ، والرسل معه ) استعمل مع بمعنى إلى ( فإنه الولى ) باعتبار الباطن ( والرسول ) باعتبار تبليغ الأحكام والشرائع ( النبي ) باعتبار الأنباء من الغيوب والتعريفات الإلهية ( وخاتم الأولياء الولى ) باعتبار الباطن ، فباطنه باطن خاتم الرسل ، فإنه لو لم يكمل في الولاية لم يكن خاتم الرسالة ( الوارث ) من خاتم الرسالة شرائعه وأحكامه ( الآخذ عن الأصل ) بلا واسطة كما ورد في حق النبي " فَأَوْحى إِلى عَبْدِه ما أَوْحى " أي بلا واسطة ( المشاهد للمراتب ) فإنه يفرق الكل ويعطيهم ويفيض عليهم بوسائط وغير وسائط.
( وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلَّم مقدم الجماعة ) لأنه عليه الصلاة والسلام ما دام ظاهرا بالشريعة في مقام الرسالة لم تظهر ولايته بالأحدية الذاتية الجامعة للأسماء كلها ليوفى اسم الهادي حقه .
فبقيت هذه الحسنة أعنى ولايته باطنة حتى يظهر في مظهرا الخاتم للولاية الوارث منه ظاهر النبوة وباطن الولاية .
فتحقق من هذا أن محمدا عليه الصلاة والسلام مقدم جماعة الأنبياء والأولياء حقيقة ( وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة فعين حالا خاصا ما عمم ) أي قيد سيادته بفتح باب الشفاعة لأن الله تعالى ما أعطى هذه الخاصية أحدا دونه .
( وفي هذه الحال الخاص ) أي بهذه الخاصية ( تقدم على الأسماء الإلهية ) التي يشارك فيها سائر الأنبياء والأولياء .
ثم علل تقدمه على الكل بهذه الخاصية بقوله:
( فإن الرحمن ما يشفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين ) لأنه عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين ولو كانت رحمته رحيمية فقط لكانت مختصة بالمؤمنين كما وصفه بقوله " بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ " ولما شملت الكل .
كما قال: " وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ " كان مظهر اسمه الرحمن واسم الرحمن شامل لجميع الأسماء لا فرق بينه وبين الله كما قال تعالى : " قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه الأَسْماءُ الْحُسْنى " إلا أن اسم الله قد يطلق على الذات الأحدية لا باعتبار الأسماء كقوله " الله أَحَدٌ " وهو لا ينافي كونه مع جميع الأسماء .
وإذا كان شاملا لا يتصف به إلا بعد الانصاف بجميعها ، فلا يشفع عند المنتقم إلا بعد شفاعة الأسماء الأخر .
فإن المنتقم القهار إذا كان انتقامه يسكن بالرؤف الرحيم لا يحتاج إلى شفاعة الرحمن ، أما إذا كان قهرا بليغا تاما لا يقبل صاحبه شفاعة سائر الأسماء شفع الرحمن الذي يسع رحمته جميع الأسماء حتى القهار والمنتقم .
فلو لم تكن الرحمة الرحمانية بالإيجاد لم يوجد القهر والغضب والانتقام ، فظهرت سلطنة الرحمن على الكل .
فينجو بشفاعته آخرا أهل الجهد والبلاء من الذل والعذاب كما نجى الجميع أولا بجوده وإحسانه من ظلمة العدم .
ولهذا قال :" ادخرت شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى " فافهم . وشاهد سيادته للكل.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : "ﻓﺨﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻭﻻﻳﺘﻪ ﻧﺴﺒﺘﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ ﻣﻌﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ، ﻭﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﻮﺍﺭﺙ ﺍﻵﺧﺬ ﻋﻦ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻟﻠﻤﺮﺍﺗﺐ". ﺍﺳﺘﻌﻤﻞ (ﻣﻊ) ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺿﻌﻴﻦ ﺑﻤﻌﻨﻰ (ﺇﻟﻰ).
ﻭﻟﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ، ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﻭﻥ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎﺓ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ. ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﺣﻖ ﻏﻴﺮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻞ، ﺻﺮﺡ ﻫﺎﻫﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺒﺘﻪ، ﺃﻳﻀﺎ، ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻧﺴﺒﺔ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﻭﻻ ﺗﻔﺎﺿﻞ ﻷﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻭﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﻈﻬﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ.
ﻭﻳﻨﻜﺸﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻟﻤﻦ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻟﻠﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ، ﺻﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ.
ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضي الله عنه ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ: (ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻭﺃﻛﻤﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮﻩ ﻓﻲ ﻗﻄﺐ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﻓﻲ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﻭﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﻴﺴﻰ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺴﻜﻨﻪ).
ﻭﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺨﺼﻮﺻﺎ ﺑﺎﻟﺒﻌﺾ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻭ ﻫﺬﺍ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﺑﺎﻟﻜﻤﻞ.
ﻭﺳﻴﺄﺗﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮﻩ ﻣﺸﺒﻌﺎ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺺ. ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ، ﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﺻﺔ.
ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﻫﻲ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻬﻴﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ، ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻘﻴﺪﺓ، ﻭﺍﻟﻤﻘﻴﺪ ﻣﺘﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻇﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪ.
ﻓﻮﻻﻳﺔ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﻢ ﺟﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻧﺒﻮﺓ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺟﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻋﻠﻤﺖ ﻫﺬﻩ، ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﺮﺍﺩ ﺍﻟﺸﻴﺦرضي الله عنه ﻣﻦ ﻭﻻﻳﺔ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻭﻻﻳﺘﻪ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ.
ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻧﺴﺒﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻛﻨﺴﺒﺔ ﻧﺒﻮﺓ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻧﺒﻮﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻫﻮ ﺣﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻣﻘﺪﻡ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺳﻴﺪ ﻭﻟﺪ ﺁﺩﻡ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ).
ﺃﻱ، ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ ﻫﻮ ﺻﻮﺭﺓ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﻭﺣﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻭﻣﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥ. ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﺩ ﺍﻟﻤﻮﻋﻮﺩ ﻟﻠﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ.
(ﻓﻌﻴﻦ ﺣﺎﻻ ﺧﺎﺻﺎ، ﻣﺎ ﻋﻤﻢ) ﺃﻱ، ﻋﻴﻦ ﺃﻥ ﺳﻴﺎﺩﺗﻪ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻛﻮﻧﻪ ﻣﻘﺪﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻌﻴﻨﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.
ﻭ "ﻣﺎ ﻋﻤﻢ" ﻟﻴﻠﺰﻡ ﺗﻘﺪﻣﻪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ: "ﺃﻧﺘﻢ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺩﻧﻴﺎﻛﻢ". (ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﺨﺎﺹ) ﺃﻱ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﺗﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﺎ ﺷﻔﻊ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ ﻓﻲ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻼﺀ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﻦ،) .
ﺗﻘﺪﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ: ﺇﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ، ﻓﻴﺸﻔﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺛﻢ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﺛﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﺛﻢ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ، ﻭﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﻳﺸﻔﻊ ﻫﻮ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ. ﻭﻣﻦ ﻳﻔﻬﻢ ﻭﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﺘﻜﺜﺮﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻟﻪ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻻ ﻳﻌﺴﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻮﻝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ "ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ" ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﻢ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﻭﻟﻪ ﺍﻟﺤﻴﻄﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ، ﻳﺸﻔﻊ ﻋﻨﺪ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ" ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﺪﻧﺘﻪ ﺑﻌﺪ "ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﻦ" ﻛﻠﻬﻢ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺄﺧﺮ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ ﻧﻘﺼﻪ.
ﻭﺳﺮ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ "ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ" ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ"، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻬﺮ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﻭﺻﺎﺭ ﻣﻨﺘﻘﻤﺎ، ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻃﻦ ﺃﺧﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎﻭﻳﺔ ﻭﺍﻷﺧﺮﺍﻭﻳﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﺳﻤﻪ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ: "ﻳﺎ ﺃﺑﺖ ﺇﻧﻲ ﺃﺧﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﻤﺴﻚ ﻋﺬﺍﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ".
ﻓﻈﻬﺮ ﺳﺮ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه: "فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعين حالا خاصا ما عمم."
قال رضي الله عنه: (فخاتم الرسل من حيث ولايته) لا من حيث نبوته ورسالته تشريعية، أو غيرها (نسبته مع الخاتم للولاية) في أن ظهور كمال ولايته به (نسبة الأنبياء والرسل معه) في أن ظهور كمال نبوتهم ورسالتهم به.
(فإنه) أي: خاتم الأنبياء (الولي الرسول النبي) فهو ذو جهات، فيجوز أن يظهر بكمالات من مضى من الرسل والأنبياء، ويجوز أن يظهر بكمال ولايته (وخاتم الأولياء)؛ وذلك لأنه (الولي) بذاته (الوارث) كمال الولاية من محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء (الآخذ) للأحكام والعلوم (عن الأصل المشاهد للمراتب) فكمل إرثه للولاية المحمدية، بل صار له نصيب من النبوة أيضا بتلك المشاهدة ولكنه إنما وجد هذه الكمالات ببركة متابعته صلى الله عليه وسلم.
فهي كمالاته في الحقيقة كما قال: (وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد مقدم الجماعة) أي: جماعة الأنبياء والأولياء كلهم حتى الخاتم بيده تكمیل استعداداتهم، ومنه فيض كمالاتهم.
(وسيد ولد آدم عليه السلام) كلهم حتى خاتم الولاية (في فتح باب الشفاعة الكبرى) التي هي تكميل الناقصين ذوي الاستعدادات القاصرة.
بإفاضة النور الإلهي عليهم بواسطته لإذهاب ظلمات معاصيهم الحاجبة عن ربهم، والحجاب
سبب العذاب.
"" ذكر في رسالة القدس في المفاضلة بين الإنسان والملك: إن التفاضل ما يقع إلا من جنس واحد، والإنسان الكامل قد خرج من أن يكون جنس العالم، فافهم. ""
(فعین حالا خاصا) لسيادته للكل في قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم، وأنا أول شافع مشفع".
إذ لم يوجد منه أثر في غيره، (ما عمم) لمشاركة سائر الأنبياء والأولياء في باقي كمالاته، وإن كانت له بالذات وهم بتبعيته.
قال رضي الله عنه: "وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين."
ثم أشار إلى عظمة مقام فتح باب الشفاعة بأن كل كمال دونه ليس بكمال بالنظر إليه فقال: (وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية) التي بها تخلق الأولياء وولايتهم، وفيها ظهور سائر الأنبياء، فبهذا صار مظهر الذات دون خاتم الأولياء ودون غيره.
ثم استدل على تقدمه على الأسماء الإلهية بقوله: (فإن الرحمن) أجمع الأسماء الإلهية (ما يشفع عند المنتقم في أهل البلاء) الذين هم قاصرو الاستعداد جدا (إلا بعد شفاعة الشافعين) من الأنبياء والأولياء الذين أخذوا أثر الشفاعة من محمد صلى الله عليه وسلم فاتح بابها.
فإذا تقدموا في ذلك على الأسماء؛ فمحمد صلى الله عليه وسلم أولى بذلك.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:30 عدل 2 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الحادي والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الحادي والعشرون : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : "فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته مع الختم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه ، فإنّه الولي الرسول النبي ، وخاتم الأولياء الوليّ " بذاته ( الوارث ) مرتبة الرسالة والنبوّة منه ، ( الآخذ عن الأصل ) أسرارها ، ( المشاهد للمراتب ) بأطوارها .
وهذان الخاصّتان هما المتمثلتان في رؤيا اللبنتين بصورتيهما كما عرفت .
وإذ قد ظهر أنّ خواصّ ختم الأولياء كلَّها الأسرار الخفيّة والحقائق المعنويّة - لا غير - وهي إنّما تتحقّق في ضمن الصور الكائنة التي هي من أوضاع خاتم الرسل وخواصّ أطوارها ، بل الخاتم نفسه منها ، ضرورة أنّه من الصور التي أشار إليها بضروب من الإشارات والدلالات ، إلى ذلك أشار بقوله : ( وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم ) وإلى ذلك يحمل ما سأل في قوله تعالى : " رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً " ، فإنّ المراد بـ «حسنة الآخرة » هو ختم الولاية ، كما أنّ حسنة الدنيا هو ختم النبوّة .
ثمّ إنّ أمر الصورة وظهور أحكامها إنّما يتحقّق أو يمكن عند نفوذ حكم سلطان الجمعيّة في متفرقات الموادّ المتخالفة والأسماء المتقابلة ، وكشف كل منها عن أفعالها الضارّة وأحكامها المنتقمة .
ولذلك وصف خاتم الرسل بقوله (مقدّم الجماعة وسيّد ولد آدم في فتح باب الشفاعة) فإنّ في قدمه مرابط نظام متفرقات أعيان العالم وأشتات الأسماع ، وبيده مقاليد خزائن كمالها ، بمحافظتها عن الانقهار تحت أحكام مقابلاتها ومعانداتها وهو المعبّر عنه بالشفاعة ، إذ الشفاعة لغة هي الانضمام إلى الآخر ناصرا له وسائلا عنه وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى ، ويمكن أن يستشعر من الشفاعة هذه معاني أخر ينبّه إليها إن شاء الله تعالى في غير هذا المجال .
ولمّا كان سيادته ليست على إطلاقها قيّد ذلك ( فعيّن حالا خاصّا ) وهو فتح باب الشفاعة (ما عمّم ، وفي هذا الحال الخاصّ تقدّم على)
( الأسماء الإلهيّة ) على ما ورد في الحديث إنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو أوّل من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق ، ثمّ الأنبياء ، ثمّ الأولياء ، ثمّ المؤمنون ، وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين ، فإنّ محمّدا هو أوّل من فتح باب الشفاعة في إتمام نظام صور الخلق ، بانضمامه إليهم ، ووضع أحكامها الكماليّة لهم كما سبق ثمّ الأنبياء على اختلاف طبقاتهم في إحاطة أحكامهم لتلك الصور ، ثمّ الأولياء الوارثين لهم ، ثمّ المؤمنين المجتهدين لتلك الأحكام الارتباطيّة والمقلَّدين من الحكَّام والقضاة .
ولا يخفى أنّ هذه الشفاعة مختصّة بمكلفي بني آدم من العالمين ، وما بقي من ذلك يكون تحت شفاعة أرحم الراحمين ، فالمنهمكون في فيافي الكفر وظلمات الضلالة أمر شفاعتهم قد اختصّ بالرحمن ، ( فإنّ الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلَّا بعد شفاعة الشافعين ) وهذا مبتن على ما مهّد عندهم من أنّ طلب الأعيان وسؤالهم مقدم على وجود الأسماء وظهور أحكامها .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : "فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي: وختم الأولياء الولي الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد للمراتب ."
دفعه بقوله رضي الله عنه : (فخاتم الرسل من حيث ولايته) المقيدة الشخصية (نسبته مع الختم للولاية) من حيث إنه مظهر لحقيقة ولايته الخاصة أو المطلقة.
(مثل نسبة الأنبياء والرسل معه)، أي مع متابعة خاتم الولاية فكما أن الرسل يرون ما يرون من مشكاته كذلك خاتم الرسل يرى ما يرى من مشكاته التي هي مشكاته في الحقيقة وإنما يصح أن يرى خاتم الرسل ما يرى من خاتم الولاية.
(فإنه)، أي خاتم الرسل (الولي) باعتبار باطنه (الرسول) باعتبار تبليغ الأحكام والشرائع (النبي) باعتبار الإنباء عن الغيوب والتعريفات الإلهية ولكن بواسطة الملك.
(وخاتم الأولياء الولي) باعتبار باطنه (الوارث) بحكم الرسل في شرائعه وأحكامه.
فالوراثة فيه بمنزلة الرسالة (الأخذ عن الأصل) بلا واسطة فيصح أن يأخذ منه من يأخذ بواسعة (المشاهد للمراتب) العارف باستحقاقات أصحابها ليعطي كل ذي حق حقه.
قال رضي الله عنه : "وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة . فعين حالا خاصا وما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية ، فإن الرحمن ما يشفع عند المنتم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين".
قال رضي الله عنه : (وهو)، أي خاتم الولاية مع رفعة شأنه كما ذكرنا (حسنة من حسنات خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة) ومظهر من مظاهر ولايته الخاصية أو المطلقة، لأنه صلى الله عليه وسلم حين كان ظاهرا بالشريعة في مقام الرسالة لم تظهر ولايته بالأحدية الذاتية الجامعة الأسماء كلها ليوفي الاسم الهادي حقه.
فبقيت هذه الحسنة أعني ولاية باطنه حتى تظهر في مظهر الخاتم للولاية الوارث منه ظاهر النبوة و باطن الولاية فإن للروح المحمدي مظاهر في العالم بصورة الأنبياء والأولياء
ذكر الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الرابع عشر من الفتوحات أن للروح المحمدي مظاهر في العالم وأكمل مظاهره في قطب الزمان وفي الأفراد وفي ختم الولاية المحمدية وختم الولاية العامة الذي هو عیسى علیه السلام.
(وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة) في سيادته ثم بين حقيقة شفاعته عليه السلام بقوله (فعین) محمد عليه السلام (بشفاعته) العامة حالا خاصا .
وهو فتح باب الشفاعة فإنه لا يشاركه فيها أحد كما ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق ثم الأنبياء ثم الأولياء ثم المؤمنين وآخر من يشفع. هو أرحم الراحمين .
"عن أبي هريرة قال قال رسول الله : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع." رواه الإمام مسلم فى صحيحة.
(ما عمم) في سيادته بأن تكون له السيادة في الأحوال كلها (وفي هذا الحال الخاص)، يعني الشفاعة (تقدم على الأسماء الإلهية) أيضا كما تقدم على مظاهرها.
(فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) الذين تم تظهر شفاعتهم إلا بعد شفاعة خاتم الرسل إياهم ليشفعوا .
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم. وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسول معه، فإنه الولي الرسول النبي و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب . و هو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه و سلم، مقدم الجماعة و سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة . فعين حالا خاصا و ما عمم . و في هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما يشفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين،)
قال الشارح رحمة الله :
( فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته الأنبياء و الرسل معه ): أي مع الرسل بأنّ أخذهم منه و هو باطنهم، و هكذا الأمر في الولاية، فإنها باطن النبوة و الرسالة، فمن حيث الظاهر يأخذ من الباطن لأنّ الباطن غيب يتنزل الأمر من الغيب إلى الشهادة، فإنّ الحقيقة الواحدة الغير المنقسمة لها اعتباران: ظهور و بطون .
فمن حيث الظاهر ختم على الظاهر المحمّدي، و من حيث الباطن ختم على الباطن المحمّدي، و الأمر ما خرج منها، فمن الظاهر مستفيض، و من حيث الباطن مفيض، بل هو الظاهر و الباطن، فيأخذ ظاهره من باطنه و لا غير، فافهم حتى تتخلص من شرك الوهم و قيده، و اعرف أنك ما تتخلص منه لأنه وضع إلهيّ ما يرتفع أبدا، إلا من أخلصه اللّ ه بمحض العناية و المنة لله تعالى.
فلما عرفت أنّ كل نبيّ ما أخذ من هذا العلم إلا من مشكاة خاتم النبوة، كذلك كل وليّ ما أخذ هذا العلم و ما رأى ما رآه إلا من مشكاة خاتم الولاية المحمّدية، و عرفت أنّ نسبة النبي الختم مع الأنبياء عليهم السلام: أي كما أنهم يأخذون منه، كذلك النبي الختم يأخذ من جهة الولاية من وليه الختم .
فأراد رضي الله عنه أن يبين بأسمائهم و أسماء مراتبهم التي تأخذ و تعطي، و تستفيد و تفيد و تستفيض .
فقال: (فإنه ): أي خاتم الرسالة هو (الولي) من حيث الباطن، و هو جهة الاستفادة و الاستفاضة من خاتم ولايته، (الرسول النبي) من حيث الظاهر، و هو وجه الإفادة و الإفاضة من أحكام الشرائع و الدين.
(و خاتم الأولياء) أيضا، كذلك (الولي) الذي يفيد من هذا الوجه (الوارث) من الله.
إنما قلنا: (من الله) لسرّ ذكرناه في الخطبة في قوله: و لكني وارث (الأخذ عن الأصل )، كما فهمت إن فهمت تفصيلنا.
( المشاهد للمراتب) المتفرج المبتهج بنفسه و ذاته فإنه يرى مراتب العالم في نفسه نبيا و وليا، مؤمنا صديقا، و كافرا ملحدا، زنديقا حيوانا نباتا فلكا و ملكا، فافهم .
"" إضافة الجامع قال الشيخ الأكبر في الباب الثالث والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل ثلاثة أسرار :
مقامات تنص على اتساق ..... لأرواح منباة كرام
أفوه بها ولا يدري جليسي ..... لأن النور في عين الظلام
فلو لا ظلمة ما كان نور ..... فعين النقص يظهر بالتمام
إذا علم الإضافة من يراها ..... تقيد بالعقود وبالقيام
يرى أن الوجود له انتهاء ..... وأن البدء يظهر بالختام
فحال بين بدء وانقضاء ..... وجود لا يزال مع الدوام
اعلم أيدك الله أن العالم كله كتاب مسطور في رَقٍّ مَنْشُورٍ.
وهو الوجود فهو ظاهر مبسوط غير مطوي ليعلم ببسطه أنه مخلوق للرحمة وبظهوره يعقل ويعلم ما فيه وما يدل عليه.
وجعله كتابا لضم حروفه بعضها إلى بعض وهو ترتيب العالم على الوجوه التي ذكرناها وضم معانيه إلى حروفه مأخوذ من كتيبة الجيش.
وإنما قلنا في بسطة إنه للرحمة لأنه منها نزل كما قال تعالى: "تَنْزِيلٌ من الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ".
وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (23)" سورة الحديد
وقال تعالى في ذلك "كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" [ هود :1 ].
فأحكام الآيات فيه وتفصيلها لا يعرفه إلا من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب وصورة الحكمة التي أعطاها الحكيم الخبير لأهل العناية علم مراتب الأمور وما تستحقه الموجودات والمعلومات من الحق الذي هو لها.
وهو إعطاء كل شيء خلقه إعطاء إلهيا ليعطي كل خلق حقه إعطاء كونيا بما آتانا الله.
فنعلم بالقوة ما يستحقه كل موجود في الحدود ونفصله بعد ذلك آيات بالفعل لمن يعقل كما أعطانيه الخبير الحكيم.
فننزل الأمور منازلها ونعطيها حقها ولا نتعدى بها مرتبتها فتفصيل الآيات والدلالات من المفصل إذا جعلها في أماكنها بهذا الشرط.
لأنه ما كل مفصل حكيم دليل على أنه قد أوتي الحكمة وعلم أحكام الآيات ورحمته بالآيات والموجودات التي هي الكتاب الإلهي وليس إلا العالم دليل على علمه بمن أنزله وليس إلا الرحمن الرحيم.
وخاتمة الأمر ليست سوى عين سوابقها وسوابقها الرحمن الرحيم فمن هنا تعلم مراتب العالم ومآله إنه إلى الرحمة المطلقة وإن تعب في الطريق وأدركه العناء والمشقة.
فمن الناس من ينال الرحمة والراحة بنفس ما يدخل المنزل الذي وصل إليه وهم أهل الجنة.
ومنهم من يبقى معه تعب الطريق ومشقته ونصب بحسب مزاجه وربما مرض واعتل زمانا ثم انتقل من دائه واستراح وهم أهل النار الذين هم أهلها .
ما هم الذين خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم الله فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه ويقيمون فيه مع أهليهم.
وإنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله .
فهذا معنى الحكمة والتفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها ويعلمها الله سبحانه وعلى ما هي عليه في نفسها .
ويراها ويأمرها بالتكوين وهو الوجود فتتكون عن أمره فما عند الله إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال .
بل الأمر كله في نفسه وفي علم الله مفصل وإنما وقع الإجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا .
فذلك الذي أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وليس إلا الرسل والورثة خاصة .
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : "فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته مع الختم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه ، فإنّه الولي الرسول النبي ، وخاتم الأولياء الوليّ " بذاته ( الوارث ) مرتبة الرسالة والنبوّة منه ، ( الآخذ عن الأصل ) أسرارها ، ( المشاهد للمراتب ) بأطوارها .
وهذان الخاصّتان هما المتمثلتان في رؤيا اللبنتين بصورتيهما كما عرفت .
وإذ قد ظهر أنّ خواصّ ختم الأولياء كلَّها الأسرار الخفيّة والحقائق المعنويّة - لا غير - وهي إنّما تتحقّق في ضمن الصور الكائنة التي هي من أوضاع خاتم الرسل وخواصّ أطوارها ، بل الخاتم نفسه منها ، ضرورة أنّه من الصور التي أشار إليها بضروب من الإشارات والدلالات ، إلى ذلك أشار بقوله : ( وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم ) وإلى ذلك يحمل ما سأل في قوله تعالى : " رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً " ، فإنّ المراد بـ «حسنة الآخرة » هو ختم الولاية ، كما أنّ حسنة الدنيا هو ختم النبوّة .
ثمّ إنّ أمر الصورة وظهور أحكامها إنّما يتحقّق أو يمكن عند نفوذ حكم سلطان الجمعيّة في متفرقات الموادّ المتخالفة والأسماء المتقابلة ، وكشف كل منها عن أفعالها الضارّة وأحكامها المنتقمة .
ولذلك وصف خاتم الرسل بقوله (مقدّم الجماعة وسيّد ولد آدم في فتح باب الشفاعة) فإنّ في قدمه مرابط نظام متفرقات أعيان العالم وأشتات الأسماع ، وبيده مقاليد خزائن كمالها ، بمحافظتها عن الانقهار تحت أحكام مقابلاتها ومعانداتها وهو المعبّر عنه بالشفاعة ، إذ الشفاعة لغة هي الانضمام إلى الآخر ناصرا له وسائلا عنه وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى ، ويمكن أن يستشعر من الشفاعة هذه معاني أخر ينبّه إليها إن شاء الله تعالى في غير هذا المجال .
ولمّا كان سيادته ليست على إطلاقها قيّد ذلك ( فعيّن حالا خاصّا ) وهو فتح باب الشفاعة (ما عمّم ، وفي هذا الحال الخاصّ تقدّم على)
( الأسماء الإلهيّة ) على ما ورد في الحديث إنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو أوّل من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق ، ثمّ الأنبياء ، ثمّ الأولياء ، ثمّ المؤمنون ، وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين ، فإنّ محمّدا هو أوّل من فتح باب الشفاعة في إتمام نظام صور الخلق ، بانضمامه إليهم ، ووضع أحكامها الكماليّة لهم كما سبق ثمّ الأنبياء على اختلاف طبقاتهم في إحاطة أحكامهم لتلك الصور ، ثمّ الأولياء الوارثين لهم ، ثمّ المؤمنين المجتهدين لتلك الأحكام الارتباطيّة والمقلَّدين من الحكَّام والقضاة .
ولا يخفى أنّ هذه الشفاعة مختصّة بمكلفي بني آدم من العالمين ، وما بقي من ذلك يكون تحت شفاعة أرحم الراحمين ، فالمنهمكون في فيافي الكفر وظلمات الضلالة أمر شفاعتهم قد اختصّ بالرحمن ، ( فإنّ الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلَّا بعد شفاعة الشافعين ) وهذا مبتن على ما مهّد عندهم من أنّ طلب الأعيان وسؤالهم مقدم على وجود الأسماء وظهور أحكامها .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.)
قال رضي الله عنه : "فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي: وختم الأولياء الولي الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد للمراتب ."
دفعه بقوله رضي الله عنه : (فخاتم الرسل من حيث ولايته) المقيدة الشخصية (نسبته مع الختم للولاية) من حيث إنه مظهر لحقيقة ولايته الخاصة أو المطلقة.
(مثل نسبة الأنبياء والرسل معه)، أي مع متابعة خاتم الولاية فكما أن الرسل يرون ما يرون من مشكاته كذلك خاتم الرسل يرى ما يرى من مشكاته التي هي مشكاته في الحقيقة وإنما يصح أن يرى خاتم الرسل ما يرى من خاتم الولاية.
(فإنه)، أي خاتم الرسل (الولي) باعتبار باطنه (الرسول) باعتبار تبليغ الأحكام والشرائع (النبي) باعتبار الإنباء عن الغيوب والتعريفات الإلهية ولكن بواسطة الملك.
(وخاتم الأولياء الولي) باعتبار باطنه (الوارث) بحكم الرسل في شرائعه وأحكامه.
فالوراثة فيه بمنزلة الرسالة (الأخذ عن الأصل) بلا واسطة فيصح أن يأخذ منه من يأخذ بواسعة (المشاهد للمراتب) العارف باستحقاقات أصحابها ليعطي كل ذي حق حقه.
قال رضي الله عنه : "وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة . فعين حالا خاصا وما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية ، فإن الرحمن ما يشفع عند المنتم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين".
قال رضي الله عنه : (وهو)، أي خاتم الولاية مع رفعة شأنه كما ذكرنا (حسنة من حسنات خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة) ومظهر من مظاهر ولايته الخاصية أو المطلقة، لأنه صلى الله عليه وسلم حين كان ظاهرا بالشريعة في مقام الرسالة لم تظهر ولايته بالأحدية الذاتية الجامعة الأسماء كلها ليوفي الاسم الهادي حقه.
فبقيت هذه الحسنة أعني ولاية باطنه حتى تظهر في مظهر الخاتم للولاية الوارث منه ظاهر النبوة و باطن الولاية فإن للروح المحمدي مظاهر في العالم بصورة الأنبياء والأولياء
ذكر الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الرابع عشر من الفتوحات أن للروح المحمدي مظاهر في العالم وأكمل مظاهره في قطب الزمان وفي الأفراد وفي ختم الولاية المحمدية وختم الولاية العامة الذي هو عیسى علیه السلام.
(وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة) في سيادته ثم بين حقيقة شفاعته عليه السلام بقوله (فعین) محمد عليه السلام (بشفاعته) العامة حالا خاصا .
وهو فتح باب الشفاعة فإنه لا يشاركه فيها أحد كما ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق ثم الأنبياء ثم الأولياء ثم المؤمنين وآخر من يشفع. هو أرحم الراحمين .
"عن أبي هريرة قال قال رسول الله : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع." رواه الإمام مسلم فى صحيحة.
(ما عمم) في سيادته بأن تكون له السيادة في الأحوال كلها (وفي هذا الحال الخاص)، يعني الشفاعة (تقدم على الأسماء الإلهية) أيضا كما تقدم على مظاهرها.
(فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) الذين تم تظهر شفاعتهم إلا بعد شفاعة خاتم الرسل إياهم ليشفعوا .
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي. و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم. وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسول معه، فإنه الولي الرسول النبي و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب . و هو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه و سلم، مقدم الجماعة و سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة . فعين حالا خاصا و ما عمم . و في هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما يشفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين،)
قال الشارح رحمة الله :
( فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته الأنبياء و الرسل معه ): أي مع الرسل بأنّ أخذهم منه و هو باطنهم، و هكذا الأمر في الولاية، فإنها باطن النبوة و الرسالة، فمن حيث الظاهر يأخذ من الباطن لأنّ الباطن غيب يتنزل الأمر من الغيب إلى الشهادة، فإنّ الحقيقة الواحدة الغير المنقسمة لها اعتباران: ظهور و بطون .
فمن حيث الظاهر ختم على الظاهر المحمّدي، و من حيث الباطن ختم على الباطن المحمّدي، و الأمر ما خرج منها، فمن الظاهر مستفيض، و من حيث الباطن مفيض، بل هو الظاهر و الباطن، فيأخذ ظاهره من باطنه و لا غير، فافهم حتى تتخلص من شرك الوهم و قيده، و اعرف أنك ما تتخلص منه لأنه وضع إلهيّ ما يرتفع أبدا، إلا من أخلصه اللّ ه بمحض العناية و المنة لله تعالى.
فلما عرفت أنّ كل نبيّ ما أخذ من هذا العلم إلا من مشكاة خاتم النبوة، كذلك كل وليّ ما أخذ هذا العلم و ما رأى ما رآه إلا من مشكاة خاتم الولاية المحمّدية، و عرفت أنّ نسبة النبي الختم مع الأنبياء عليهم السلام: أي كما أنهم يأخذون منه، كذلك النبي الختم يأخذ من جهة الولاية من وليه الختم .
فأراد رضي الله عنه أن يبين بأسمائهم و أسماء مراتبهم التي تأخذ و تعطي، و تستفيد و تفيد و تستفيض .
فقال: (فإنه ): أي خاتم الرسالة هو (الولي) من حيث الباطن، و هو جهة الاستفادة و الاستفاضة من خاتم ولايته، (الرسول النبي) من حيث الظاهر، و هو وجه الإفادة و الإفاضة من أحكام الشرائع و الدين.
(و خاتم الأولياء) أيضا، كذلك (الولي) الذي يفيد من هذا الوجه (الوارث) من الله.
إنما قلنا: (من الله) لسرّ ذكرناه في الخطبة في قوله: و لكني وارث (الأخذ عن الأصل )، كما فهمت إن فهمت تفصيلنا.
( المشاهد للمراتب) المتفرج المبتهج بنفسه و ذاته فإنه يرى مراتب العالم في نفسه نبيا و وليا، مؤمنا صديقا، و كافرا ملحدا، زنديقا حيوانا نباتا فلكا و ملكا، فافهم .
"" إضافة الجامع قال الشيخ الأكبر في الباب الثالث والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل ثلاثة أسرار :
مقامات تنص على اتساق ..... لأرواح منباة كرام
أفوه بها ولا يدري جليسي ..... لأن النور في عين الظلام
فلو لا ظلمة ما كان نور ..... فعين النقص يظهر بالتمام
إذا علم الإضافة من يراها ..... تقيد بالعقود وبالقيام
يرى أن الوجود له انتهاء ..... وأن البدء يظهر بالختام
فحال بين بدء وانقضاء ..... وجود لا يزال مع الدوام
اعلم أيدك الله أن العالم كله كتاب مسطور في رَقٍّ مَنْشُورٍ.
وهو الوجود فهو ظاهر مبسوط غير مطوي ليعلم ببسطه أنه مخلوق للرحمة وبظهوره يعقل ويعلم ما فيه وما يدل عليه.
وجعله كتابا لضم حروفه بعضها إلى بعض وهو ترتيب العالم على الوجوه التي ذكرناها وضم معانيه إلى حروفه مأخوذ من كتيبة الجيش.
وإنما قلنا في بسطة إنه للرحمة لأنه منها نزل كما قال تعالى: "تَنْزِيلٌ من الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ".
وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (23)" سورة الحديد
وقال تعالى في ذلك "كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" [ هود :1 ].
فأحكام الآيات فيه وتفصيلها لا يعرفه إلا من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب وصورة الحكمة التي أعطاها الحكيم الخبير لأهل العناية علم مراتب الأمور وما تستحقه الموجودات والمعلومات من الحق الذي هو لها.
وهو إعطاء كل شيء خلقه إعطاء إلهيا ليعطي كل خلق حقه إعطاء كونيا بما آتانا الله.
فنعلم بالقوة ما يستحقه كل موجود في الحدود ونفصله بعد ذلك آيات بالفعل لمن يعقل كما أعطانيه الخبير الحكيم.
فننزل الأمور منازلها ونعطيها حقها ولا نتعدى بها مرتبتها فتفصيل الآيات والدلالات من المفصل إذا جعلها في أماكنها بهذا الشرط.
لأنه ما كل مفصل حكيم دليل على أنه قد أوتي الحكمة وعلم أحكام الآيات ورحمته بالآيات والموجودات التي هي الكتاب الإلهي وليس إلا العالم دليل على علمه بمن أنزله وليس إلا الرحمن الرحيم.
وخاتمة الأمر ليست سوى عين سوابقها وسوابقها الرحمن الرحيم فمن هنا تعلم مراتب العالم ومآله إنه إلى الرحمة المطلقة وإن تعب في الطريق وأدركه العناء والمشقة.
فمن الناس من ينال الرحمة والراحة بنفس ما يدخل المنزل الذي وصل إليه وهم أهل الجنة.
ومنهم من يبقى معه تعب الطريق ومشقته ونصب بحسب مزاجه وربما مرض واعتل زمانا ثم انتقل من دائه واستراح وهم أهل النار الذين هم أهلها .
ما هم الذين خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم الله فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه ويقيمون فيه مع أهليهم.
وإنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله .
فهذا معنى الحكمة والتفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها ويعلمها الله سبحانه وعلى ما هي عليه في نفسها .
ويراها ويأمرها بالتكوين وهو الوجود فتتكون عن أمره فما عند الله إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال .
بل الأمر كله في نفسه وفي علم الله مفصل وإنما وقع الإجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا .
فذلك الذي أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وليس إلا الرسل والورثة خاصة .
وأما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال .""
( فهو) في فتح هذا الباب (حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى اللّه عليه و سلم) .
بل هو إجابة دعائه صلى الله عليه و سلم حيث دعا : " اللهم بارك على محمد و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم".
و من بركته أنه فيه خاتم النبوة خير المرسلين، و هكذا من بركة آل محمد أن فيه خاتم الولاية المحمّدية خير الوارثين.
(مقدم الجماعة ): أي جماعة الأسماء الإلهية، أو جماعة الأنبياء عليهم السلام، أو الجماعة من آدم إلى الخاتم (و سيد ولد آدم )، و إن كان لسان مرتبته يقول :
و إني و إن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي فلهذا يقول في حديثه و لا فخر (في فتح باب الشفاعة الكبرى) .
قال رضي الله عنه في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات :
وأما المقام المحمود فهو مقام الشفاعة في الشافعين عند الله أن يشفعوا من ملك، و رسول، و نبي، و ولي، و مؤمن.
(فعين حالا خاصّا )، إنه سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة، كما كان فتح باب الوجود أعم لأنه ليس منهم و لا من جنسهم، و التنبيه عليه في الكتاب العزيز قوله تعالى: "ما كان مُحمّدٌ أبا أحدٍ مِنْ رجالكُمْ ولكِنْ رسُول اللّهِ وخاتم النّبيِّين وكان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً" [ الأحزاب: 40] .
قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ الله تعالى أراد بهذا النفي: أي ليس من جنسكم، أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حيث يقول: " أنا سيد ولد آدم و لا فخر".
لما قال رضي الله عنه في رسالة القدس ذكر في المفاضلة بين الإنسان و الملك: إنّ التفاضل ما يقع إلا من جنس واحد، و الإنسان الكامل قد خرج أن يكون جنس العالم، فافهم .
و لأن المفاخرة لا تكون له في هذا، بل هذا تنزل عنه صلى الله عليه و سلم، كما يقول : " أنا بشر مثلكم "
قال تعالى:"عزيزٌ عليْهِ ما عنتُّمْ حريصٌ عليْكُمْ بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] .
إشارة إلى أنّ (ما) في (عنتم) مصدرية: أي عنتكم و مشقتكم، حريص عليكم : أي أن تهتدوا بالمؤمنين رؤوف رحيم، و على هذا التنبيه أشار الحديث الشريف : " لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي " الحديث . و في رواية : " لست كأحدكم" الحديث .
( وفي هذا الحال الخاص ): أي في وقت الشفاعة (تقدم على الأسماء أيضا )، كما تقدم على (مظاهر الإلهية )، فإنه شفع قبل الرحمن، فإن (الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) .
قال تعالى: "ما مِنْ شفِيعٍ إلّا مِنْ بعْدِ إذْنهِ" [ يونس: 3].
( فهو) في فتح هذا الباب (حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى اللّه عليه و سلم) .
بل هو إجابة دعائه صلى الله عليه و سلم حيث دعا : " اللهم بارك على محمد و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم".
و من بركته أنه فيه خاتم النبوة خير المرسلين، و هكذا من بركة آل محمد أن فيه خاتم الولاية المحمّدية خير الوارثين.
(مقدم الجماعة ): أي جماعة الأسماء الإلهية، أو جماعة الأنبياء عليهم السلام، أو الجماعة من آدم إلى الخاتم (و سيد ولد آدم )، و إن كان لسان مرتبته يقول :
و إني و إن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي فلهذا يقول في حديثه و لا فخر (في فتح باب الشفاعة الكبرى) .
قال رضي الله عنه في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات :
وأما المقام المحمود فهو مقام الشفاعة في الشافعين عند الله أن يشفعوا من ملك، و رسول، و نبي، و ولي، و مؤمن.
(فعين حالا خاصّا )، إنه سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة، كما كان فتح باب الوجود أعم لأنه ليس منهم و لا من جنسهم، و التنبيه عليه في الكتاب العزيز قوله تعالى: "ما كان مُحمّدٌ أبا أحدٍ مِنْ رجالكُمْ ولكِنْ رسُول اللّهِ وخاتم النّبيِّين وكان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً" [ الأحزاب: 40] .
قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ الله تعالى أراد بهذا النفي: أي ليس من جنسكم، أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حيث يقول: " أنا سيد ولد آدم و لا فخر".
لما قال رضي الله عنه في رسالة القدس ذكر في المفاضلة بين الإنسان و الملك: إنّ التفاضل ما يقع إلا من جنس واحد، و الإنسان الكامل قد خرج أن يكون جنس العالم، فافهم .
و لأن المفاخرة لا تكون له في هذا، بل هذا تنزل عنه صلى الله عليه و سلم، كما يقول : " أنا بشر مثلكم "
قال تعالى:"عزيزٌ عليْهِ ما عنتُّمْ حريصٌ عليْكُمْ بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] .
إشارة إلى أنّ (ما) في (عنتم) مصدرية: أي عنتكم و مشقتكم، حريص عليكم : أي أن تهتدوا بالمؤمنين رؤوف رحيم، و على هذا التنبيه أشار الحديث الشريف : " لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي " الحديث . و في رواية : " لست كأحدكم" الحديث .
( وفي هذا الحال الخاص ): أي في وقت الشفاعة (تقدم على الأسماء أيضا )، كما تقدم على (مظاهر الإلهية )، فإنه شفع قبل الرحمن، فإن (الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) .
قال تعالى: "ما مِنْ شفِيعٍ إلّا مِنْ بعْدِ إذْنهِ" [ يونس: 3].
.
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:31 عدل 3 مرات
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثانية والعشرون: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، و هي كلها من الأسماء.
فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، و يعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحماني. "
(ففاز محمد صلى الله عليه وسلم) دون غيره من المرسلين (بالسيادة) المشار إليها بقوله عليه السلام: «أنا سيد ولد آدم»الحديث. (في هذا المقام الخاص) الذي هو مقام جمع الأولين والآخرين الذين هم صور جميع الأسماء الإلهية المتخلق بها صلى الله عليه وسلم (فمن فهم المراتب) النبوية والرسولية (والمقامات) الأخروية الإلهية (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام) في حقيقة الشفاعة وغيرها، ومن لم يفهم ذلك بالفهم الوجداني بل بالفهم الخيالي النفساني فهو بعيد عن ذلك محجوب عن كشف ما هناك.
وأما بیان (المنح)، أي العطايا (الاسمائية)، أي التي على يد اسم من أسماء الله تعالى وهو القسم الثاني من مطلق العطاءات .
(فاعلم) يا أيها المريد السالك (أن منح)، أي عطايا (الله) تعالى (خلقه)، أي مخلوقاته كلها (رحمة) خالصة (منه) سبحانه (بهم) لا غير ذلك.
(وهي)، أي المنح (كلها) صادرة (من) حضرة (الأسماء) الإلهية حيث كانت بسبب رحمته بهم، فإن الرحمة من جملة الأسماء باعتبار الرحمن الرحیم بخلاف المنح الذاتية المتقدم ذكرها فإنها لا تعطى غير ذوات المخلوقات من حيث الوجود على حسب ما سبق بيانه .
والرحمة التي هي سبب العطايا الأسمائية على قسمين:
(فإما رحمة خالصة) من شوب عذاب (كالطيب)، أي الحلال (من الرزق اللذيذ) مأكلا كان أو مشربا أو ملبسا أو منكحا أو مسكن أو منظورة أو مسموعة أو مشمومة (في) الحياة (الدنيا الخالص) من شوب التنقيص وكدر الحساب ولحوق الوبال والعقاب (يوم القيامة) كما قال تعالى: " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)» سورة الأعراف.
(ويعطى ذلك)، أي الرزق المذكور (الاسم الرحمن) المتجلي على عرش الوجود، فإنه خالص الرحمة لا يشوبه شيء، ولهذا لما احتجب هذا الاستواء الرحماني على بعض أهل الأرض أكلوا الحرام في عين كونه طيبا لذيذا. لأن الحرام حكم الله عليهم لا عين المأكول.
ومن هذا القبيل كل ما لا يلائم فإنه من تجلي اسم آخر مما سمي به الرحمن المتجلي على العرش، لأنه جامع لجميع الأسماء كاسم الله بحكم قوله تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى"110 سورة الإسراء.
فلو تمحض هذا التجلي الرحماني لأعطى الرحمة المحضة.
(فهو)، أي ذلك العطاء حينئذ (عطاء رحماني) وهو لأهل العناية الذين يمشون على أرض الجسمانيات والروحانيات هونا، أي بالهوينا من غير تكلف ولا تعسف كما وصفهم الله تعالى بقوله : "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " 63 سورة الفرقان. إلى آخره .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : )ففاز محمد عليه السلام بالسيادة في هذا المقام الخاص( وهو معظم الأمور مع أنه لا يلزم منه فضل محمد على الرحمن لأن فوزه بهذه السيادة لا يكون إلا من الرحمن .
وإنما يلزم ذلك أن لو كان ذلك الحال حاصلا له من غير احتياج إلى الرحمن وهو ممتنع (فمن فهم المراتب والمقامات) على ما هي عليه (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام).
لما فرغ عن بيان العطايا الذاتية شرع في بيان العطايا الأسمائية
فقال : (وأما المنح الأسمائية) فعلى أنواع حذف الجواب للعلم به وفي بعض النسخ (فاعلم) فحينئذ يكون الجواب فاعلم (أن منح الله تعالی) أي اعتبار الذات بجمعية الأسماء فكانت العطايا الحاصلة كلها اسمائية وفى العطايا الذاتية اعتبارها بحسب نفسه فكانت العطايا الحاصلة منه كلها ذاتية إلهية .
(خلقه رحمة منه بهم وهي) أي الرحمة أو المنح (كلها) أي أنواعها وأصنافها (من الأسماء) لكونها من حضرة من الحضرات الإلهية الجامعة بجميع الأسماء والصفات.
(فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة ويعطي ذلك العطاء اسم الرحمن فهو عطاء رحماني(
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قوله: " ففاز محمد صلى الله عليه وسلم، بالسيادة في هذا المقام الخاص، فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام."
قلت: فالشفاعة إنما تكون عنده وقد ورد في الحديث النبوي: أنه تعالى شفع الأنبياء وشفع غيرهم ممن ذكر في الحديث , وبقي شفاعة أرحم الراحمين فيخرج بها من النار من في قلبه مثقال حبة من الخير.
فإذن الرحمن شفاعته متأخرة وهو من أكمل الأسماء الإلهية، فتقدم عليه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد تقدمت شفاعته بهذا الاعتبار شفاعة الأسماء الإلهية.
وقوله: فمن فهم المراتب إلى آخره". يعني بالمراتب مراتب الأولياء ومراتب خاتمهم ومراتب النبوة وأين محلها من مراتب خاتم النبيين وأعم من هذا فإن المراتب تشمل الموجودات كلها وغير الموجودات من الممكنات.
وقوله: وأما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي كلها من الأسماء. فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحمانی. "
قلت: هذا الكلام واضح وحاصله أن المنح كلها رحمة، فما كانت منها لا مشقة تصحبه فهو من حقيقة الاسم الرحمن بلا واسطة اسم آخر وأما ما كان معه ممازجة بنوع مما لا يلائم الطبع.
فهو بواسطة اسم إلهي يناسب ذلك وهنا مجال واسع لمن أراد أن يشرح بعض أمثلة هذه المنح عند نسبة كل منها إلى الاسم الذي هي على يده و بواسطته. فالمنح كلها رحمة وإن امتزجت ببعض المؤلمات.
فتلك الممازجة هي كما مثل الشيخ، رضي الله عنه، من أن شرب الدواء رحمة وإن كان تناوله يكرهه الطبع.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : "ففاز محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم بالسيادة في هذا المقام الخاصّ فمن فهم المراتب والمقامات ، لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام " .
قال العبد أيّده الله به : لمّا كانت الشفاعة في إنقاذ أهل البلاء والجهد أوّلا للمرتبة الأحدية الجمعية الكمالية بفتح باب الرحمة في الإيجاد ، فشفعت الحقيقة المحمدية الجمعية الأحدية حقائق القوابل الأفراد بالتجلَّي الرحماني .
فقرن بها الوجود ، فشفعت بأحدية جمعها وفردانيّتها بين القابل والتجلَّي ، فأنقذت الحقائق من ظلمة العدم ، فيظهر سرّ ذلك آخرا بشفاعته صلَّى الله عليه وسلَّم لأهل المحشر .
فيشفع أوّلا للشفعاء من الأسماء الإلهية والأنبياء ، حتّى يشفّعوا ، فيشفعوا في عوالمهم وأممهم ومتعلَّقات خواطرهم وهممهم ، فله في هذا المقام الخاصّ سيادة على الكلّ . وشاهد سيادته للكل بإنقاذ مظاهرهم عن الذلّ ، وذلك سلطنة أسماء القهر والجلال ، ك « القاهر » و « المنتقم » و « المعذّب » ، إذا ظهرت في الدنيا والآخرة ، بطنت سلطنة أسماء اللطف والجمال .
فلم يظهر لها حكم إلى أن تنقضي سلطنة أسماء العذاب ، وحينئذ أظهرت الحقيقة المحمدية الإنعامية الكلَّية من خزائنها الأحدية الجمعية حقائق اللطف والجنان ، والعفو والإحسان ، فشفعت بأحدية جمعها فردية الرحيم الرحمن ، فزهرت يفاع بقاع الجنان ، أزهار رياض الفردوس بالحور والقصور والولدان.
وأظهرت سرّ قوله : « سبقت رحمتي غضبي » ففاضت الرحمة وغاضت النقمة " وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ" .
قال رضي الله عنه : « وأمّا المنح الأسمائية فاعلم : أنّ منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم ، وهي كلَّها من الأسماء . فإمّا رحمة خالصة كالطَّيب من الرزق اللذيذ في الدنيا ، الخالص يوم القيامة ، ويعطي ذلك ، الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني"
قال العبد أيّده الله به : « له » تمليك الرقبة ، والمنحة : تمليك الانتفاع دون الرقبة ، كمن يعطى الناقة لتحلب أو لتركب ، أو الأرض لتزرع ، والأغلب فيها المدّة المعيّنة ثم الاسترداد ، وهي لا تكون إلَّا من حضرات الأسماء ، وهي رحمات متخصّصة بحسب خصوص الحضرات ، ومتخصّصة بموجب الاستعدادات .
ثم العطايا والمنح إن كانت من حضرة أحدية الجمع الإلهية ، فهي ذاتية أي من ذات اللاهوت ، ولا يتمكَّن إطلاق عطاياها من حيث هي هي من غير أن يكون التجلَّي الإلهي الأحدى الجملي الذاتي من خصوص حضرة من حضرات الأسماء .
فإن كان التجلَّي من حضرة الرحمن ، خلصت عطايا الله من الشوب والكدر ، وعمّت الدنيا والآخرة والظاهر والباطن ، وإن كان من حضرة الواسع ، عمّ ظاهر المعطى له وباطنه وروحه وطبيعته وغير ذلك ، وتمّت نعمته سابغة في عافية ورفاهية ، وكذلك تكون عطايا الله ممتزجة منصبغة بحكم الحضرة المتجلَّي منها ، فإنّ الحكيم ينظر في الأصلح والأنسب.
كما قد فصّل الشيخ رضي الله عنه خصوصيات الحضرات ، فلا حاجة إلى سنديّة الاسم " الله " و « الرحمن » .
و « المعصوم » و « المحفوظ » هو العبد الذي يحول « العاصم » و « الغفّار » و « الحافظ » و « الواقي » بينه وبين ما لا يرضاه من الذنوب .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : " ففاز محمد صلى الله عليه وسلَّم بالسيادة في هذا المقام الخاص ، فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه مثل هذا الكلام " في هذا المقام الخاص الذي فاز به عليه الصلاة والسلام .
قوله: " وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم " إشارة إلى أن المنح الأسمائية كلها بعد الوجود فإنه من الأعطية الذاتية كما مر .
ولهذا قال: ( وهي كلها من الأسماء ) فإنها رحمة على الخلق فكانت بعد الخلق .
قوله " فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذين في الدنيا الخالص يوم القيامة ويعطى ذلك اسم الرحمن فهو عطاء رحمانى "
ويعطي ذلك اسم الله على يد الرحمن من حيث جامعيته للصفات المتقابلة لذلك كان العطاء الحاصل منه رحمة ممتزجة وهو عطاء إلهي وإنما كانت منح الله تعالی كلها من الأسماء.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : " ﻓﻔﺎﺯ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﺎﺹ) ﻭﻫﻮ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ. (ﻓﻤﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﻟﻢ ﻳﻌﺴﺮﻩ ﻗﺒﻮﻝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ".
ﺗﻘﺪﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ: ﺇﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ، ﻓﻴﺸﻔﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺛﻢ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﺛﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﺛﻢ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ، ﻭﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﻳﺸﻔﻊ ﻫﻮ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ. ﻭﻣﻦ ﻳﻔﻬﻢ ﻭﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﺘﻜﺜﺮﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻟﻪ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻻ ﻳﻌﺴﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻮﻝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ "ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ" ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﻢ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﻭﻟﻪ ﺍﻟﺤﻴﻄﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ، ﻳﺸﻔﻊ ﻋﻨﺪ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ" ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﺪﻧﺘﻪ ﺑﻌﺪ "ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﻦ" ﻛﻠﻬﻢ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺄﺧﺮ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ ﻧﻘﺼﻪ.
ﻭﺳﺮ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ "ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ" ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ"، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻬﺮ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﻭﺻﺎﺭ ﻣﻨﺘﻘﻤﺎ، ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻃﻦ ﺃﺧﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎﻭﻳﺔ ﻭﺍﻷﺧﺮﺍﻭﻳﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﺳﻤﻪ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ: "ﻳﺎ ﺃﺑﺖ ﺇﻧﻲ ﺃﺧﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﻤﺴﻚ ﻋﺬﺍﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ".
ﻓﻈﻬﺮ ﺳﺮ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻨﺢ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻴﺔ، ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻬﻢ. ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ: ﻓﺈﻣﺎ ﺭﺣﻤﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻛﺎﻟﻄﻴﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻳﻌﻄﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻓﻬﻮ ﻋﻄﺎﺀ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ.)
ﻟﻤﺎ ﻓﺮﻉ ﻣﻦ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﺍﻧﺠﺮ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺇﻟﻴﻪ، ﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻴﺔ ﻭﻣﻨﺤﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: (ﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻬﻢ) ﺃﻱ، ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﺢ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻻ ﺗﻔﻴﺾ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻬﺎ.
ﻭﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺛﻢ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻬﻤﺎ.
ﻭﻫﻲ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ: ﺭﺣﻤﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻣﻤﺘﺰﺟﺔ.
ﻭﻫﻲ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻧﻘﻤﺔ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: (ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﺗﺴﻌﺖ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻷﻭﻟﻴﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺷﺪﺓ ﻧﻘﻤﺘﻪ، ﻭﺍﺷﺘﺪﺕ ﻧﻘﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﺪﺍﺋﻪ ﻓﻲ ﺳﻌﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ).
ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻛﺎﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ ﺍﻟﻄﻴﺐ، ﺃﻱ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻛﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻛﺎﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻟﻠﻄﺒﻊ، ﻛﺄﻛﻞ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭ ﺷﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻔﺴﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺒﻌﺪﺓ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻛﺸﺮﺏ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﻜﺮﻳﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻘﺐ ﺷﺮﺑﻪ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ. ﻭﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻄﺎﺀ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ ﺑﺤﺴﺐ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻣﻨﻪ، ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺻﻔﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﺳﻢ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ" ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻗﻞ ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ".
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﻄﺎﺀ ﺇﻟﻬﻲ، ﺃﻱ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺟﺎﻣﻌﻴﺘﻪ ﻟﻠﺼﻔﺎﺕ ﻻ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺬﺍﺕ.
ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺳﺎﺩﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺪﻧﺔ، ﺃﻱ ﺧﺎﺩﻡ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻴﻨﺎ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. ).
قال رضي الله عنه: "ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص.
فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي كلها من الأسماء.
فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحماني."
قال رضي الله عنه: "ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام العظيم"، الذي كل مقام دونه لا يعتد به بالنظر إليه، وهو المسمى بالمقام المحمود إذ تلك المقامات، إنما تفيد كمال المستعدين الكامل استعدادهم لا غير.
(فمن فهم المراتب والمقامات) وعلم ما يشترك منها بين الأنبياء والأولياء، وما يشترك (لم يعسره قبول هذا الكلام) في أن سيادته في الأمر الواحد، وهو أعظم الأمور كالسلطنة والسيادة، وأما سائر المراتب فيجوز أن تشارك الرعايا والعبيد للسلاطين، والسادات فيها؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
(وأما المنح الأسمائية) أي: العطايا المنسوبة إلى الأسماء المعينة عامة أو خاصة، واحدا أو متعددا، وأطلق عليها لفظ المنح؛ لأن الغالب فيها إفاضة المنافع إما بواسطة إعطاء الأعيان التي تقدم بها، أو بدون واسطتها.
قال رضي الله عنه: (فاعلم أن منح الله تعالی) أي: الصادرة عن الحضرة الإلهية التي هي حضرة الأسماء (خلقها رحمة منه بهم)؛ لأن الفائض منه بالقصد الأول الوجود، وهو خير كله.
وإنما الشر هو: العدم أو نسبته لكنها على الإطلاق لا تنسب إلى الله، ولا إلى الاسم الرحمن، لأن المقصود من هذه القسمة بيان مستندات العطايا المخصوصة ما أمكن؛ ليتوسل بمستندها إلى تحصيلها على أن المستند إليهما مستند إلى الأسماء الجزئية إذ الأمور الجزئية لا تستند إلى أمور كلية.
وإليه الإشارة بقوله: (وهي كلها من الأسماء) أي: الداخلة تحت اسم الله، أو اسم الرحمن؛ فقسم العطايا إليهما أولا، ثم المنسوبة إلى اسم الله إلى أقسام أخر.
فقال رضي الله عنه : (فإما رحمة خالصة) عن شوب كراهة الطبع، وعدم نيل المقصود، وعدم سلامة العاقبة.
(كالطيب) أي: الحلال (من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص) عن الحساب والعقاب (يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن) الدال على المبالغة في الرحمة لا باعتبار كونه من السدنة، بل باعتبار مقابلته لاسم الله في قوله: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن "الإسراء:110]. ولا ينسب إلى اسم أخر تحته، ولا إلى اسم الله، ولا إلى الذات.
أما الأول: فلعدم تعيينه.
وأما الثاني : فلأن المقصود التنبيه على المستند الخاص.
وأما الثالث: فلأنه من المنح الزائدة على الكمالات الذاتية.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. ).
قال رضي الله عنه : " ففاز محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم بالسيادة في هذا المقام الخاصّ ". لاستيعاب شفاعة عموم الخلائق ، وإن كانوا مخالفين لأحكام نبوّته التشريعيّة - بقوله: " شفاعتي لأهل الكبائر من امّتي " ، وذلك لتقدّمه في المراتب الوجوديّة .
ثمّ إنّ اختصاص سيادته صلَّى الله عليه وسلَّم بالمقام المذكور ، الساري حكمه في سائر المراتب الوجوديّة والمقامات الشهوديّة لا يخلّ بكماله الأتمّ ، وإليه أشار بقوله : ( فمن فهم المراتب ) الوجوديّة ( والمقامات ) الشهوديّة (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام)
هذا كلَّه في الأعطيات الذاتيّة ( وأمّا المنح الأسمائيّة ) - وفي تخصيص لفظ « المنح » بالأسمائيّة و " العطاء " بالذاتيّة ما قيل من أنّ " المنح : تمليك الانتفاع دون الرقبة ، والعطاء تمليك الرقبة " وما نبّهتك عليه في طي التلويحات من اختصاص الأفراد بطرف بطون الذات واختصاص الأزواج بظهور الأسماء ومنه أيضا علم وجه اختصاص العطاء الذاتي بـ « الله » ، والأسمائي بـ « الرحمن » ، مع ما في الأوّل من معنى الوله والحيرة ، التي هي مقتضى البطون وما في الثاني من معنى الرحمة والوجود ، الذي هو مقتضى الظهور ،ولذلك قال: (اعلم أنّ منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم ، وهي كلَّها من الأسماء) ضرورة أنّ الذات من حيث هي هي مقطوعة النسبة مطلقا عن الخلق ، إلَّا أنّ الرحمة الأسمائيّة على قسمين : ( فإمّا رحمة خالصة) عن المنافرات وغير الملائمات - ممّا يشوب به صرافة الرحمة عاجلا وآجلا ( كالطيّب من الرزق اللذيذ في الدنيا ، الخالص يوم القيامة ، ويعطي ذلك الاسم الرحمن ، فهو عطاء رحماني ) .
وإنّما اختصّ هذا بالإلهي مع أنّ الكلّ منه ، لما فيه من عدم الملاءمة التي تقابل الرحمة الوجوديّة ، فلا بدّ من انتسابه إلى ما يقابل الرحمن ، مما هو في حيطة خصوصيّة اسم الله ، كالقهّار والحكيم والضارّ ، إذ الحاصل من الكل إلهي.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. ).
قال رضي الله عنه : "ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص من فهم المراتب والمقامات لم يعسره قبول مثل هذا الكلام."
قال رضي الله عنه : (ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة) على الأسماء ومظاهرها (في هذا المقام الخاص)، يعني مقام الشفاعة (فمن فهم المراتب)، أي مراتب الولاية والنبوة والرسالة.
(والمقامات)، أي مقامات أصحابها وكذلك مراتب الأسماء الإلهية ومقامات مظاهرها (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام) المنبي، عن تقدم الولي الخاتم بحسب حقیقته على الرسول الخاتم على الأسماء الإلهية .
اعلم أن الظاهر من كلام الشيخ مؤيد الدين الجندي أن مراد الشيخ بخاتم الولاية نفسه، وهو الظاهر كما يدل عليه كلامه في الفتوحات المكية.
فإن كلامه فيها يشير إلى أنه خاتم الولاية الخاصة المحمدية .
والشيخ شرف الدين داود القيصري صرح بأن المراد بخاتم الولاية هو عيسى عليه السلام مستدلا بأن الشيخ رضي الله عنه صرح في الفتوحات بأنه عليه السلام خاتم الولاية المطلقة .
والشيخ كمال الدين عبد الرزاق أشار إلى أن خاتم الولاية هو المهدي الموعود ولكنه ينافي ما نقله القيصري من الفتوحات .
قال الشيخ صدر الدين القونوي قدس الله سره في تفسير الفاتحة إن الله تعالى:
1- ختم الخلافة الظاهرة في هذه الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمهدي عليه السلام.
2- وختم مطلق الخلافة عن الله سبحانه بعيسى ابن مريم صلوات الله على نبينا وعليه .
3- وختم الولاية المحمدية لمن تحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات والألوهية.
هذا ما قالوه والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.
ولما فرغ من تقرير التجليات الذاتية وما أنجر الكلام إليه شرع في تقرير التجليات الأسمائية .
فقال رضي الله عنه : "وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي لها من الأسماء. فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني"
فقال رضي الله عنه : (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه) الفائضة من الحضرة الإلهية عليهم رحمة منه سبحانه (بهم وهي)، أي تلك المنح (كلها) فائضة ، (من) حضرات (الأسماء) الإلهية لا من حضرة الذات من حيث إطلاقها.
فإنها من هذه الحيثية لا يقتضي عطاء خاصة ومنحة معينة و هي تنقسم ثلاثة أقسام:
1- (فأما رحمة خالصة) عن شرب كل نقمة (كالطيب) من الرزق اللذيذ في الدنيا بأن يكون ملائما للطبع (الخالص) عن سعة العذاب (يوم القيامة) .
بأن يكون حلالا بحسب الشرع فهذان وصفان كاشفان عن معنى الطيب.
(ويعطي ذلك) النوع من الرحمة الخاصة (الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني) خالص غير ممتزج بما يقتضيه اسم آخر
2 - (وأما رحمة ممتزجة) مع نقمة ما وهي إما في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة كالأشياء الملائمة للطبع الموافقة للنفس المبعدة للقلب عن الله سبحانه.
3 - وإما بالعكس (كشرب الدواء الكريه) الذي لا يلائم الطبع في الحال لكنه (يعقب شربه الراحة) و زوال ما يلائم بحسب المآل.
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، و هي كلها من الأسماء.
فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، و يعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحماني. "
(ففاز محمد صلى الله عليه وسلم) دون غيره من المرسلين (بالسيادة) المشار إليها بقوله عليه السلام: «أنا سيد ولد آدم»الحديث. (في هذا المقام الخاص) الذي هو مقام جمع الأولين والآخرين الذين هم صور جميع الأسماء الإلهية المتخلق بها صلى الله عليه وسلم (فمن فهم المراتب) النبوية والرسولية (والمقامات) الأخروية الإلهية (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام) في حقيقة الشفاعة وغيرها، ومن لم يفهم ذلك بالفهم الوجداني بل بالفهم الخيالي النفساني فهو بعيد عن ذلك محجوب عن كشف ما هناك.
وأما بیان (المنح)، أي العطايا (الاسمائية)، أي التي على يد اسم من أسماء الله تعالى وهو القسم الثاني من مطلق العطاءات .
(فاعلم) يا أيها المريد السالك (أن منح)، أي عطايا (الله) تعالى (خلقه)، أي مخلوقاته كلها (رحمة) خالصة (منه) سبحانه (بهم) لا غير ذلك.
(وهي)، أي المنح (كلها) صادرة (من) حضرة (الأسماء) الإلهية حيث كانت بسبب رحمته بهم، فإن الرحمة من جملة الأسماء باعتبار الرحمن الرحیم بخلاف المنح الذاتية المتقدم ذكرها فإنها لا تعطى غير ذوات المخلوقات من حيث الوجود على حسب ما سبق بيانه .
والرحمة التي هي سبب العطايا الأسمائية على قسمين:
(فإما رحمة خالصة) من شوب عذاب (كالطيب)، أي الحلال (من الرزق اللذيذ) مأكلا كان أو مشربا أو ملبسا أو منكحا أو مسكن أو منظورة أو مسموعة أو مشمومة (في) الحياة (الدنيا الخالص) من شوب التنقيص وكدر الحساب ولحوق الوبال والعقاب (يوم القيامة) كما قال تعالى: " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)» سورة الأعراف.
(ويعطى ذلك)، أي الرزق المذكور (الاسم الرحمن) المتجلي على عرش الوجود، فإنه خالص الرحمة لا يشوبه شيء، ولهذا لما احتجب هذا الاستواء الرحماني على بعض أهل الأرض أكلوا الحرام في عين كونه طيبا لذيذا. لأن الحرام حكم الله عليهم لا عين المأكول.
ومن هذا القبيل كل ما لا يلائم فإنه من تجلي اسم آخر مما سمي به الرحمن المتجلي على العرش، لأنه جامع لجميع الأسماء كاسم الله بحكم قوله تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى"110 سورة الإسراء.
فلو تمحض هذا التجلي الرحماني لأعطى الرحمة المحضة.
(فهو)، أي ذلك العطاء حينئذ (عطاء رحماني) وهو لأهل العناية الذين يمشون على أرض الجسمانيات والروحانيات هونا، أي بالهوينا من غير تكلف ولا تعسف كما وصفهم الله تعالى بقوله : "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " 63 سورة الفرقان. إلى آخره .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : )ففاز محمد عليه السلام بالسيادة في هذا المقام الخاص( وهو معظم الأمور مع أنه لا يلزم منه فضل محمد على الرحمن لأن فوزه بهذه السيادة لا يكون إلا من الرحمن .
وإنما يلزم ذلك أن لو كان ذلك الحال حاصلا له من غير احتياج إلى الرحمن وهو ممتنع (فمن فهم المراتب والمقامات) على ما هي عليه (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام).
لما فرغ عن بيان العطايا الذاتية شرع في بيان العطايا الأسمائية
فقال : (وأما المنح الأسمائية) فعلى أنواع حذف الجواب للعلم به وفي بعض النسخ (فاعلم) فحينئذ يكون الجواب فاعلم (أن منح الله تعالی) أي اعتبار الذات بجمعية الأسماء فكانت العطايا الحاصلة كلها اسمائية وفى العطايا الذاتية اعتبارها بحسب نفسه فكانت العطايا الحاصلة منه كلها ذاتية إلهية .
(خلقه رحمة منه بهم وهي) أي الرحمة أو المنح (كلها) أي أنواعها وأصنافها (من الأسماء) لكونها من حضرة من الحضرات الإلهية الجامعة بجميع الأسماء والصفات.
(فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة ويعطي ذلك العطاء اسم الرحمن فهو عطاء رحماني(
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام. و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قوله: " ففاز محمد صلى الله عليه وسلم، بالسيادة في هذا المقام الخاص، فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام."
قلت: فالشفاعة إنما تكون عنده وقد ورد في الحديث النبوي: أنه تعالى شفع الأنبياء وشفع غيرهم ممن ذكر في الحديث , وبقي شفاعة أرحم الراحمين فيخرج بها من النار من في قلبه مثقال حبة من الخير.
فإذن الرحمن شفاعته متأخرة وهو من أكمل الأسماء الإلهية، فتقدم عليه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد تقدمت شفاعته بهذا الاعتبار شفاعة الأسماء الإلهية.
وقوله: فمن فهم المراتب إلى آخره". يعني بالمراتب مراتب الأولياء ومراتب خاتمهم ومراتب النبوة وأين محلها من مراتب خاتم النبيين وأعم من هذا فإن المراتب تشمل الموجودات كلها وغير الموجودات من الممكنات.
وقوله: وأما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي كلها من الأسماء. فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحمانی. "
قلت: هذا الكلام واضح وحاصله أن المنح كلها رحمة، فما كانت منها لا مشقة تصحبه فهو من حقيقة الاسم الرحمن بلا واسطة اسم آخر وأما ما كان معه ممازجة بنوع مما لا يلائم الطبع.
فهو بواسطة اسم إلهي يناسب ذلك وهنا مجال واسع لمن أراد أن يشرح بعض أمثلة هذه المنح عند نسبة كل منها إلى الاسم الذي هي على يده و بواسطته. فالمنح كلها رحمة وإن امتزجت ببعض المؤلمات.
فتلك الممازجة هي كما مثل الشيخ، رضي الله عنه، من أن شرب الدواء رحمة وإن كان تناوله يكرهه الطبع.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : "ففاز محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم بالسيادة في هذا المقام الخاصّ فمن فهم المراتب والمقامات ، لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام " .
قال العبد أيّده الله به : لمّا كانت الشفاعة في إنقاذ أهل البلاء والجهد أوّلا للمرتبة الأحدية الجمعية الكمالية بفتح باب الرحمة في الإيجاد ، فشفعت الحقيقة المحمدية الجمعية الأحدية حقائق القوابل الأفراد بالتجلَّي الرحماني .
فقرن بها الوجود ، فشفعت بأحدية جمعها وفردانيّتها بين القابل والتجلَّي ، فأنقذت الحقائق من ظلمة العدم ، فيظهر سرّ ذلك آخرا بشفاعته صلَّى الله عليه وسلَّم لأهل المحشر .
فيشفع أوّلا للشفعاء من الأسماء الإلهية والأنبياء ، حتّى يشفّعوا ، فيشفعوا في عوالمهم وأممهم ومتعلَّقات خواطرهم وهممهم ، فله في هذا المقام الخاصّ سيادة على الكلّ . وشاهد سيادته للكل بإنقاذ مظاهرهم عن الذلّ ، وذلك سلطنة أسماء القهر والجلال ، ك « القاهر » و « المنتقم » و « المعذّب » ، إذا ظهرت في الدنيا والآخرة ، بطنت سلطنة أسماء اللطف والجمال .
فلم يظهر لها حكم إلى أن تنقضي سلطنة أسماء العذاب ، وحينئذ أظهرت الحقيقة المحمدية الإنعامية الكلَّية من خزائنها الأحدية الجمعية حقائق اللطف والجنان ، والعفو والإحسان ، فشفعت بأحدية جمعها فردية الرحيم الرحمن ، فزهرت يفاع بقاع الجنان ، أزهار رياض الفردوس بالحور والقصور والولدان.
وأظهرت سرّ قوله : « سبقت رحمتي غضبي » ففاضت الرحمة وغاضت النقمة " وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ" .
قال رضي الله عنه : « وأمّا المنح الأسمائية فاعلم : أنّ منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم ، وهي كلَّها من الأسماء . فإمّا رحمة خالصة كالطَّيب من الرزق اللذيذ في الدنيا ، الخالص يوم القيامة ، ويعطي ذلك ، الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني"
قال العبد أيّده الله به : « له » تمليك الرقبة ، والمنحة : تمليك الانتفاع دون الرقبة ، كمن يعطى الناقة لتحلب أو لتركب ، أو الأرض لتزرع ، والأغلب فيها المدّة المعيّنة ثم الاسترداد ، وهي لا تكون إلَّا من حضرات الأسماء ، وهي رحمات متخصّصة بحسب خصوص الحضرات ، ومتخصّصة بموجب الاستعدادات .
ثم العطايا والمنح إن كانت من حضرة أحدية الجمع الإلهية ، فهي ذاتية أي من ذات اللاهوت ، ولا يتمكَّن إطلاق عطاياها من حيث هي هي من غير أن يكون التجلَّي الإلهي الأحدى الجملي الذاتي من خصوص حضرة من حضرات الأسماء .
فإن كان التجلَّي من حضرة الرحمن ، خلصت عطايا الله من الشوب والكدر ، وعمّت الدنيا والآخرة والظاهر والباطن ، وإن كان من حضرة الواسع ، عمّ ظاهر المعطى له وباطنه وروحه وطبيعته وغير ذلك ، وتمّت نعمته سابغة في عافية ورفاهية ، وكذلك تكون عطايا الله ممتزجة منصبغة بحكم الحضرة المتجلَّي منها ، فإنّ الحكيم ينظر في الأصلح والأنسب.
كما قد فصّل الشيخ رضي الله عنه خصوصيات الحضرات ، فلا حاجة إلى سنديّة الاسم " الله " و « الرحمن » .
و « المعصوم » و « المحفوظ » هو العبد الذي يحول « العاصم » و « الغفّار » و « الحافظ » و « الواقي » بينه وبين ما لا يرضاه من الذنوب .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : " ففاز محمد صلى الله عليه وسلَّم بالسيادة في هذا المقام الخاص ، فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه مثل هذا الكلام " في هذا المقام الخاص الذي فاز به عليه الصلاة والسلام .
قوله: " وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم " إشارة إلى أن المنح الأسمائية كلها بعد الوجود فإنه من الأعطية الذاتية كما مر .
ولهذا قال: ( وهي كلها من الأسماء ) فإنها رحمة على الخلق فكانت بعد الخلق .
قوله " فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذين في الدنيا الخالص يوم القيامة ويعطى ذلك اسم الرحمن فهو عطاء رحمانى "
ويعطي ذلك اسم الله على يد الرحمن من حيث جامعيته للصفات المتقابلة لذلك كان العطاء الحاصل منه رحمة ممتزجة وهو عطاء إلهي وإنما كانت منح الله تعالی كلها من الأسماء.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال رضي الله عنه : " ﻓﻔﺎﺯ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﺎﺹ) ﻭﻫﻮ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ. (ﻓﻤﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ ﻟﻢ ﻳﻌﺴﺮﻩ ﻗﺒﻮﻝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ".
ﺗﻘﺪﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ: ﺇﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ، ﻓﻴﺸﻔﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺛﻢ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﺛﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ، ﺛﻢ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ، ﻭﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﻳﺸﻔﻊ ﻫﻮ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ. ﻭﻣﻦ ﻳﻔﻬﻢ ﻭﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﺘﻜﺜﺮﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻟﻪ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻻ ﻳﻌﺴﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻮﻝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ "ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ" ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺍﺳﻢ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﻭﻟﻪ ﺍﻟﺤﻴﻄﺔ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ، ﻳﺸﻔﻊ ﻋﻨﺪ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ" ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﺪﻧﺘﻪ ﺑﻌﺪ "ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﻦ" ﻛﻠﻬﻢ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺄﺧﺮ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ ﻧﻘﺼﻪ.
ﻭﺳﺮ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ "ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ" ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻸﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﺎ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ"، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻬﺮ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﻭﺻﺎﺭ ﻣﻨﺘﻘﻤﺎ، ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻃﻦ ﺃﺧﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎﻭﻳﺔ ﻭﺍﻷﺧﺮﺍﻭﻳﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﺳﻤﻪ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ: "ﻳﺎ ﺃﺑﺖ ﺇﻧﻲ ﺃﺧﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﻤﺴﻚ ﻋﺬﺍﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ".
ﻓﻈﻬﺮ ﺳﺮ ﺍﻷﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻨﺢ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻴﺔ، ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻬﻢ. ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ: ﻓﺈﻣﺎ ﺭﺣﻤﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻛﺎﻟﻄﻴﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻳﻌﻄﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻓﻬﻮ ﻋﻄﺎﺀ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ.)
ﻟﻤﺎ ﻓﺮﻉ ﻣﻦ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﺍﻧﺠﺮ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺇﻟﻴﻪ، ﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻴﺔ ﻭﻣﻨﺤﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: (ﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻬﻢ) ﺃﻱ، ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﺢ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻻ ﺗﻔﻴﺾ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻬﺎ.
ﻭﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺛﻢ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻬﻤﺎ.
ﻭﻫﻲ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ: ﺭﺣﻤﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻣﻤﺘﺰﺟﺔ.
ﻭﻫﻲ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻧﻘﻤﺔ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: (ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﺗﺴﻌﺖ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻷﻭﻟﻴﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺷﺪﺓ ﻧﻘﻤﺘﻪ، ﻭﺍﺷﺘﺪﺕ ﻧﻘﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﺪﺍﺋﻪ ﻓﻲ ﺳﻌﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ).
ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻛﺎﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ ﺍﻟﻄﻴﺐ، ﺃﻱ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻛﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻛﺎﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻟﻠﻄﺒﻊ، ﻛﺄﻛﻞ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭ ﺷﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻔﺴﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺒﻌﺪﺓ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻛﺸﺮﺏ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﻜﺮﻳﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻘﺐ ﺷﺮﺑﻪ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ. ﻭﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻄﺎﺀ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ ﺑﺤﺴﺐ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻣﻨﻪ، ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺻﻔﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﺳﻢ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ" ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻗﻞ ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ".
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﻄﺎﺀ ﺇﻟﻬﻲ، ﺃﻱ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺟﺎﻣﻌﻴﺘﻪ ﻟﻠﺼﻔﺎﺕ ﻻ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺬﺍﺕ.
ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺳﺎﺩﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺪﻧﺔ، ﺃﻱ ﺧﺎﺩﻡ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻴﻨﺎ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. ).
قال رضي الله عنه: "ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص.
فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي كلها من الأسماء.
فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن. فهو عطاء رحماني."
قال رضي الله عنه: "ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام العظيم"، الذي كل مقام دونه لا يعتد به بالنظر إليه، وهو المسمى بالمقام المحمود إذ تلك المقامات، إنما تفيد كمال المستعدين الكامل استعدادهم لا غير.
(فمن فهم المراتب والمقامات) وعلم ما يشترك منها بين الأنبياء والأولياء، وما يشترك (لم يعسره قبول هذا الكلام) في أن سيادته في الأمر الواحد، وهو أعظم الأمور كالسلطنة والسيادة، وأما سائر المراتب فيجوز أن تشارك الرعايا والعبيد للسلاطين، والسادات فيها؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
(وأما المنح الأسمائية) أي: العطايا المنسوبة إلى الأسماء المعينة عامة أو خاصة، واحدا أو متعددا، وأطلق عليها لفظ المنح؛ لأن الغالب فيها إفاضة المنافع إما بواسطة إعطاء الأعيان التي تقدم بها، أو بدون واسطتها.
قال رضي الله عنه: (فاعلم أن منح الله تعالی) أي: الصادرة عن الحضرة الإلهية التي هي حضرة الأسماء (خلقها رحمة منه بهم)؛ لأن الفائض منه بالقصد الأول الوجود، وهو خير كله.
وإنما الشر هو: العدم أو نسبته لكنها على الإطلاق لا تنسب إلى الله، ولا إلى الاسم الرحمن، لأن المقصود من هذه القسمة بيان مستندات العطايا المخصوصة ما أمكن؛ ليتوسل بمستندها إلى تحصيلها على أن المستند إليهما مستند إلى الأسماء الجزئية إذ الأمور الجزئية لا تستند إلى أمور كلية.
وإليه الإشارة بقوله: (وهي كلها من الأسماء) أي: الداخلة تحت اسم الله، أو اسم الرحمن؛ فقسم العطايا إليهما أولا، ثم المنسوبة إلى اسم الله إلى أقسام أخر.
فقال رضي الله عنه : (فإما رحمة خالصة) عن شوب كراهة الطبع، وعدم نيل المقصود، وعدم سلامة العاقبة.
(كالطيب) أي: الحلال (من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص) عن الحساب والعقاب (يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن) الدال على المبالغة في الرحمة لا باعتبار كونه من السدنة، بل باعتبار مقابلته لاسم الله في قوله: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن "الإسراء:110]. ولا ينسب إلى اسم أخر تحته، ولا إلى اسم الله، ولا إلى الذات.
أما الأول: فلعدم تعيينه.
وأما الثاني : فلأن المقصود التنبيه على المستند الخاص.
وأما الثالث: فلأنه من المنح الزائدة على الكمالات الذاتية.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. ).
قال رضي الله عنه : " ففاز محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم بالسيادة في هذا المقام الخاصّ ". لاستيعاب شفاعة عموم الخلائق ، وإن كانوا مخالفين لأحكام نبوّته التشريعيّة - بقوله: " شفاعتي لأهل الكبائر من امّتي " ، وذلك لتقدّمه في المراتب الوجوديّة .
ثمّ إنّ اختصاص سيادته صلَّى الله عليه وسلَّم بالمقام المذكور ، الساري حكمه في سائر المراتب الوجوديّة والمقامات الشهوديّة لا يخلّ بكماله الأتمّ ، وإليه أشار بقوله : ( فمن فهم المراتب ) الوجوديّة ( والمقامات ) الشهوديّة (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام)
هذا كلَّه في الأعطيات الذاتيّة ( وأمّا المنح الأسمائيّة ) - وفي تخصيص لفظ « المنح » بالأسمائيّة و " العطاء " بالذاتيّة ما قيل من أنّ " المنح : تمليك الانتفاع دون الرقبة ، والعطاء تمليك الرقبة " وما نبّهتك عليه في طي التلويحات من اختصاص الأفراد بطرف بطون الذات واختصاص الأزواج بظهور الأسماء ومنه أيضا علم وجه اختصاص العطاء الذاتي بـ « الله » ، والأسمائي بـ « الرحمن » ، مع ما في الأوّل من معنى الوله والحيرة ، التي هي مقتضى البطون وما في الثاني من معنى الرحمة والوجود ، الذي هو مقتضى الظهور ،ولذلك قال: (اعلم أنّ منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم ، وهي كلَّها من الأسماء) ضرورة أنّ الذات من حيث هي هي مقطوعة النسبة مطلقا عن الخلق ، إلَّا أنّ الرحمة الأسمائيّة على قسمين : ( فإمّا رحمة خالصة) عن المنافرات وغير الملائمات - ممّا يشوب به صرافة الرحمة عاجلا وآجلا ( كالطيّب من الرزق اللذيذ في الدنيا ، الخالص يوم القيامة ، ويعطي ذلك الاسم الرحمن ، فهو عطاء رحماني ) .
وإنّما اختصّ هذا بالإلهي مع أنّ الكلّ منه ، لما فيه من عدم الملاءمة التي تقابل الرحمة الوجوديّة ، فلا بدّ من انتسابه إلى ما يقابل الرحمن ، مما هو في حيطة خصوصيّة اسم الله ، كالقهّار والحكيم والضارّ ، إذ الحاصل من الكل إلهي.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. ).
قال رضي الله عنه : "ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص من فهم المراتب والمقامات لم يعسره قبول مثل هذا الكلام."
قال رضي الله عنه : (ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة) على الأسماء ومظاهرها (في هذا المقام الخاص)، يعني مقام الشفاعة (فمن فهم المراتب)، أي مراتب الولاية والنبوة والرسالة.
(والمقامات)، أي مقامات أصحابها وكذلك مراتب الأسماء الإلهية ومقامات مظاهرها (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام) المنبي، عن تقدم الولي الخاتم بحسب حقیقته على الرسول الخاتم على الأسماء الإلهية .
اعلم أن الظاهر من كلام الشيخ مؤيد الدين الجندي أن مراد الشيخ بخاتم الولاية نفسه، وهو الظاهر كما يدل عليه كلامه في الفتوحات المكية.
فإن كلامه فيها يشير إلى أنه خاتم الولاية الخاصة المحمدية .
والشيخ شرف الدين داود القيصري صرح بأن المراد بخاتم الولاية هو عيسى عليه السلام مستدلا بأن الشيخ رضي الله عنه صرح في الفتوحات بأنه عليه السلام خاتم الولاية المطلقة .
والشيخ كمال الدين عبد الرزاق أشار إلى أن خاتم الولاية هو المهدي الموعود ولكنه ينافي ما نقله القيصري من الفتوحات .
قال الشيخ صدر الدين القونوي قدس الله سره في تفسير الفاتحة إن الله تعالى:
1- ختم الخلافة الظاهرة في هذه الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمهدي عليه السلام.
2- وختم مطلق الخلافة عن الله سبحانه بعيسى ابن مريم صلوات الله على نبينا وعليه .
3- وختم الولاية المحمدية لمن تحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات والألوهية.
هذا ما قالوه والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.
ولما فرغ من تقرير التجليات الذاتية وما أنجر الكلام إليه شرع في تقرير التجليات الأسمائية .
فقال رضي الله عنه : "وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي لها من الأسماء. فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني"
فقال رضي الله عنه : (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه) الفائضة من الحضرة الإلهية عليهم رحمة منه سبحانه (بهم وهي)، أي تلك المنح (كلها) فائضة ، (من) حضرات (الأسماء) الإلهية لا من حضرة الذات من حيث إطلاقها.
فإنها من هذه الحيثية لا يقتضي عطاء خاصة ومنحة معينة و هي تنقسم ثلاثة أقسام:
1- (فأما رحمة خالصة) عن شرب كل نقمة (كالطيب) من الرزق اللذيذ في الدنيا بأن يكون ملائما للطبع (الخالص) عن سعة العذاب (يوم القيامة) .
بأن يكون حلالا بحسب الشرع فهذان وصفان كاشفان عن معنى الطيب.
(ويعطي ذلك) النوع من الرحمة الخاصة (الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني) خالص غير ممتزج بما يقتضيه اسم آخر
2 - (وأما رحمة ممتزجة) مع نقمة ما وهي إما في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة كالأشياء الملائمة للطبع الموافقة للنفس المبعدة للقلب عن الله سبحانه.
3 - وإما بالعكس (كشرب الدواء الكريه) الذي لا يلائم الطبع في الحال لكنه (يعقب شربه الراحة) و زوال ما يلائم بحسب المآل.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:35 عدل 3 مرات
الفقرة الثانية والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثانية و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( ففاز محمد صلى الله عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسره قبول مثل هذا الكلام. )
قال الشارح رحمة الله :
فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين قال تعالى: "ما مِنْ شفِيعٍ إلّا مِنْ بعْدِ إذْنهِ" [ يونس: 3]، (ففاز محمد صلى الله عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص) المتصف بالتقدم على الأسماء الإلهية، (فمن فهم المراتب) إنها كلها لله رفيع الدرجات و المقامات، إنها كلها لظهور حقيقة الحقائق المسمّاة بالحقيقة المحمدية في إجمالها و تفصيلها.
(لم يحسر عليه قبول مثل هذا الكلام ): أي إنّ أخذ الكل من الختم لأن الجاهل بحقيقة الأمر يظن أن هذا كمال يثبت لغير الله و رسوله، و لا غير في جميع المراتب بل ظهورات حقيقة واحدة إجمالا و تفصيلا، و تفصلا و إجمالا و لكن هنا جزئية أخرى، فسأذكرها لك على سبيل الإشارة، قوله تعالى: "وإنّها لكبيرٌة إلّا على الخاشِعِين" [ البقرة: 45] لعلك أن تتذكر أو تخشى، و هي أنه كل تجلّ تأخر وجوده في الظهور، فإذا ظهر يتضمّن جميع
ما مضى من التجليات و العلوم، فإن ... الآخر كل الأول مع الزيادة، و من هنا قيل: لو أقبل مقبل على الله ألف سنة، ثم أعرض عنه ساعة، فالذي فاته أكثر مما ناله .
من هنا برقت بارقة أن الولاية الطامة أتم من النبوة التامة لأنها آخر الدورة من التجليات الكمالية، وانختم الأمر بها، فافهم .
و ذلك لهذا السر الذي أو مأت إليه، فافهم و لا تكن الغليظ القدم الأبهم، فإن أمثال هذه الأسرار من لسان الحقائق، فلا تتقيد .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، و يعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني )
قال الشارح رضي الله عنه:
فلما جعل رضي الله عنه المنح و العطايا على قسمين: ذاتية و أسمائية، و فرغ من بيان الذاتيات و أحكامها، فأراد أن يذكر أحكام المنح الأسمائية.
فقال : ( و أما المنح الأسمائية ): أي الصادرة من الأسماء، و حضرات العطايا الأسمائية كثيرة، كالوهب و الجود و الكرم و السخاء و الإيثار، و هو عطاء الفتوة، و سيجي ء بيانها في المتن .
و عجّلت إليك أيها الطالب بذكر هذا التفصيل :
فالوهب: عطاء بمجرد الإنعام، و هو الذي لا يقترن به طلب معاوضة، و لا يريد جزاء و لا شكورا .
و الكرم: عطاء بعد السؤال .
و الجود: عطاء قبل السؤال .
و السخاء: عطاء بقدر الحاجة .
و الإيثار: عطاء ما هو المعطي محتاج إليه في الحال و الاستقبال .
و لكل عطاء اسم إلهي إلا الإيثار، و هذا العطاء من أغمض الأعطيات و المنح، و أصنعها تصورا في الإلهيات .
قال رضي الله عنه في الفتوحات :
إن هذا الذي يسمّى إيثارا يمنعه جميع الناس، إلا نحن نقول به، و ما رأينا أحدا أثبت هذا في الإلهيات، و ما يثبته إلا من علم معنى اسمه الغني. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و كيف لا؟! و قد ظهر لأرباب الشهود، و صرّح به أصحاب الوجود، إنه ما من شي ء في الوجود إلا له استناد إلى أصل إلهيّ، و هو نظيره في الإلهيات، و الله مستند ذلك الفرع بل هو كله بهذا هو مد الظل .
فالإيثار الذي في الكون يطلب الاستناد و لا بدّ، فما يكون و كيف تصوره في الإلهيات، فاعلم أنه ثبت في الصحيح أن العبد يصل بالاتباع: أي باتباع السّنة إلى مقام المحبة، كما جاء في الأثر : "فاتبعوني يحببكم الله"
ومن المحبة إلى مقام قرب النوافل حتى تكون هوية الحق عين قواه من مقام: " كنت سمعه و بصره " ، وهو سبحانه غني لذاته الذي لا يمكن إزالته عنه، فإذا أقام العبد في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنى عنه وعن كل شي ء لأن هويته هي أعيان قوى هذا العبد المغتني المقتني.
وليس ذلك في تقاسيم العطاء، إلا الإيثار فقد أثر عبده بما هو له، و لما كان الإيثار فضلا يرجع إلى المعطى المؤثر كان الحق سبحانه أحق بصفة الفضل، فعطاء الإيثار أحق في حق الحق، و أتم في حق الخلق، فافهم .
و إذا عرفت هذا اعلم أن المنح الأسمائية: أي المنح الأسمائية و عطائها (خلقه رحمة منه بهم )، بل من حضرة المنح و العطايا أوجد العالم، و أنزل النواميس و الشرائع، فهي الخير المحض بما فيها من الأمور المؤلمة المنازعة، لا يتعلق به الأعراض النفسية التي خلقها الله بالرحمة، كخلق الأدوية الكريمة البعضية للمزاج الخاص، و أغرب من ذلك أن المزاج الصحيح المعتدل بخروجه عن الاعتدال، و وقوعه في الانحراف و المرض، قد يلتذ بأكثر من صحيح المزاج، كمن يلتذ بالحكاك قريب الإنزال، و يعرف ذلك من ذاقه و جربه، إنه يمكنه أن يدرك مطلوبه بأمر غير ملائم المزاج، فافهم .
فهذا كله عطاء إلهي كلا نمد هؤلاء، و هؤلاء أصحاب الجنة، و هؤلاء أصحاب النار، من عطاء ربك، فعم الجميع معاختلاف الأذواق، و ما كان عطاء ربك محظورا: أي ممنوعا لإحدى الطائفتين، واحد يريد اللذة في الجنان فأعطاه سؤله، وآخر يريد العذوبة في العذاب، و اللذة في النيران فأعطاه سؤله.
ومن هذا الذوق ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن أبي يزيد الأكبر قدّس سره أنه قال :
و كلّ ما ربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي في العذاب ما أراد قدّس سره المحن بل أراد المنح على خرق العادة، فعلمنا أن كله من عطائه، و هو عين الرحمة قد سبقت و عمّت و وسعت كل شيء من مكروه عادة، و غير مكروه، فافهم .
( و هي كلها من الأسماء الإلهية ): أي كل المنح من الأسماء، و لا يخرج من الله الحكيم إلا بواسطة سادة و خادم، لا من حيث الذات، بل الباعث فيه اسم من الأسماء يطلب منه عين من الأعيان ذلك المطلوب .
فذلك الاسم رب لتلك العين، مستشفع إلى الله تعالى، فإنه حكيم كريم يعطي كل ذي حقّ حقه، (فأما ): أي تلك الرحمة (رحمة خالصة) من الكدورات الطبيعية، ( كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة) .
قال تعالى: "قلْ هِي للّذِين آمنوا في الحياةِ ُّ الدنيا" [ الأعراف: 32]، ممزوجة بالأكدار و الغصص، و هي لهم في الآخرة طيبة مخلصة من الأكدار، سواء كان من كدورة الاشتراك أو غيره، فإن النفس لا تقبل الشرك في أمر بل تريد التفرد في الكمال، أما ترى قول سليمان عليه السلام أنه سأل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فإنه من هذا المقام، فافهم .
( و يعطي ذلك الاسم ): أي النوع من الرحمة الخاصة الرحمن، (فهو عطاء رحماني) من رحمة خالصة مختصة في الدنيا و الآخرة، كما قال تعالى: "هذا عطاؤُنا فامْننْ أوْ أمْسِكْ بغيْرِ حِسابٍ "[ ص: 39]: أي لا حساب عليك في ذلك .
هذا هو العطاء الرحماني، و هو في الدنيا لذّة بلا منغصة، و في الآخرة لا حساب عليه ولا منغصة، هذا عطاء غير مجذوذ، فافهم.
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : ( ففاز محمد صلى الله عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسره قبول مثل هذا الكلام. )
قال الشارح رحمة الله :
فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين قال تعالى: "ما مِنْ شفِيعٍ إلّا مِنْ بعْدِ إذْنهِ" [ يونس: 3]، (ففاز محمد صلى الله عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص) المتصف بالتقدم على الأسماء الإلهية، (فمن فهم المراتب) إنها كلها لله رفيع الدرجات و المقامات، إنها كلها لظهور حقيقة الحقائق المسمّاة بالحقيقة المحمدية في إجمالها و تفصيلها.
(لم يحسر عليه قبول مثل هذا الكلام ): أي إنّ أخذ الكل من الختم لأن الجاهل بحقيقة الأمر يظن أن هذا كمال يثبت لغير الله و رسوله، و لا غير في جميع المراتب بل ظهورات حقيقة واحدة إجمالا و تفصيلا، و تفصلا و إجمالا و لكن هنا جزئية أخرى، فسأذكرها لك على سبيل الإشارة، قوله تعالى: "وإنّها لكبيرٌة إلّا على الخاشِعِين" [ البقرة: 45] لعلك أن تتذكر أو تخشى، و هي أنه كل تجلّ تأخر وجوده في الظهور، فإذا ظهر يتضمّن جميع
ما مضى من التجليات و العلوم، فإن ... الآخر كل الأول مع الزيادة، و من هنا قيل: لو أقبل مقبل على الله ألف سنة، ثم أعرض عنه ساعة، فالذي فاته أكثر مما ناله .
من هنا برقت بارقة أن الولاية الطامة أتم من النبوة التامة لأنها آخر الدورة من التجليات الكمالية، وانختم الأمر بها، فافهم .
و ذلك لهذا السر الذي أو مأت إليه، فافهم و لا تكن الغليظ القدم الأبهم، فإن أمثال هذه الأسرار من لسان الحقائق، فلا تتقيد .
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، و يعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني )
قال الشارح رضي الله عنه:
فلما جعل رضي الله عنه المنح و العطايا على قسمين: ذاتية و أسمائية، و فرغ من بيان الذاتيات و أحكامها، فأراد أن يذكر أحكام المنح الأسمائية.
فقال : ( و أما المنح الأسمائية ): أي الصادرة من الأسماء، و حضرات العطايا الأسمائية كثيرة، كالوهب و الجود و الكرم و السخاء و الإيثار، و هو عطاء الفتوة، و سيجي ء بيانها في المتن .
و عجّلت إليك أيها الطالب بذكر هذا التفصيل :
فالوهب: عطاء بمجرد الإنعام، و هو الذي لا يقترن به طلب معاوضة، و لا يريد جزاء و لا شكورا .
و الكرم: عطاء بعد السؤال .
و الجود: عطاء قبل السؤال .
و السخاء: عطاء بقدر الحاجة .
و الإيثار: عطاء ما هو المعطي محتاج إليه في الحال و الاستقبال .
و لكل عطاء اسم إلهي إلا الإيثار، و هذا العطاء من أغمض الأعطيات و المنح، و أصنعها تصورا في الإلهيات .
قال رضي الله عنه في الفتوحات :
إن هذا الذي يسمّى إيثارا يمنعه جميع الناس، إلا نحن نقول به، و ما رأينا أحدا أثبت هذا في الإلهيات، و ما يثبته إلا من علم معنى اسمه الغني. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و كيف لا؟! و قد ظهر لأرباب الشهود، و صرّح به أصحاب الوجود، إنه ما من شي ء في الوجود إلا له استناد إلى أصل إلهيّ، و هو نظيره في الإلهيات، و الله مستند ذلك الفرع بل هو كله بهذا هو مد الظل .
فالإيثار الذي في الكون يطلب الاستناد و لا بدّ، فما يكون و كيف تصوره في الإلهيات، فاعلم أنه ثبت في الصحيح أن العبد يصل بالاتباع: أي باتباع السّنة إلى مقام المحبة، كما جاء في الأثر : "فاتبعوني يحببكم الله"
ومن المحبة إلى مقام قرب النوافل حتى تكون هوية الحق عين قواه من مقام: " كنت سمعه و بصره " ، وهو سبحانه غني لذاته الذي لا يمكن إزالته عنه، فإذا أقام العبد في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنى عنه وعن كل شي ء لأن هويته هي أعيان قوى هذا العبد المغتني المقتني.
وليس ذلك في تقاسيم العطاء، إلا الإيثار فقد أثر عبده بما هو له، و لما كان الإيثار فضلا يرجع إلى المعطى المؤثر كان الحق سبحانه أحق بصفة الفضل، فعطاء الإيثار أحق في حق الحق، و أتم في حق الخلق، فافهم .
و إذا عرفت هذا اعلم أن المنح الأسمائية: أي المنح الأسمائية و عطائها (خلقه رحمة منه بهم )، بل من حضرة المنح و العطايا أوجد العالم، و أنزل النواميس و الشرائع، فهي الخير المحض بما فيها من الأمور المؤلمة المنازعة، لا يتعلق به الأعراض النفسية التي خلقها الله بالرحمة، كخلق الأدوية الكريمة البعضية للمزاج الخاص، و أغرب من ذلك أن المزاج الصحيح المعتدل بخروجه عن الاعتدال، و وقوعه في الانحراف و المرض، قد يلتذ بأكثر من صحيح المزاج، كمن يلتذ بالحكاك قريب الإنزال، و يعرف ذلك من ذاقه و جربه، إنه يمكنه أن يدرك مطلوبه بأمر غير ملائم المزاج، فافهم .
فهذا كله عطاء إلهي كلا نمد هؤلاء، و هؤلاء أصحاب الجنة، و هؤلاء أصحاب النار، من عطاء ربك، فعم الجميع معاختلاف الأذواق، و ما كان عطاء ربك محظورا: أي ممنوعا لإحدى الطائفتين، واحد يريد اللذة في الجنان فأعطاه سؤله، وآخر يريد العذوبة في العذاب، و اللذة في النيران فأعطاه سؤله.
ومن هذا الذوق ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن أبي يزيد الأكبر قدّس سره أنه قال :
و كلّ ما ربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي في العذاب ما أراد قدّس سره المحن بل أراد المنح على خرق العادة، فعلمنا أن كله من عطائه، و هو عين الرحمة قد سبقت و عمّت و وسعت كل شيء من مكروه عادة، و غير مكروه، فافهم .
( و هي كلها من الأسماء الإلهية ): أي كل المنح من الأسماء، و لا يخرج من الله الحكيم إلا بواسطة سادة و خادم، لا من حيث الذات، بل الباعث فيه اسم من الأسماء يطلب منه عين من الأعيان ذلك المطلوب .
فذلك الاسم رب لتلك العين، مستشفع إلى الله تعالى، فإنه حكيم كريم يعطي كل ذي حقّ حقه، (فأما ): أي تلك الرحمة (رحمة خالصة) من الكدورات الطبيعية، ( كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة) .
قال تعالى: "قلْ هِي للّذِين آمنوا في الحياةِ ُّ الدنيا" [ الأعراف: 32]، ممزوجة بالأكدار و الغصص، و هي لهم في الآخرة طيبة مخلصة من الأكدار، سواء كان من كدورة الاشتراك أو غيره، فإن النفس لا تقبل الشرك في أمر بل تريد التفرد في الكمال، أما ترى قول سليمان عليه السلام أنه سأل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فإنه من هذا المقام، فافهم .
( و يعطي ذلك الاسم ): أي النوع من الرحمة الخاصة الرحمن، (فهو عطاء رحماني) من رحمة خالصة مختصة في الدنيا و الآخرة، كما قال تعالى: "هذا عطاؤُنا فامْننْ أوْ أمْسِكْ بغيْرِ حِسابٍ "[ ص: 39]: أي لا حساب عليك في ذلك .
هذا هو العطاء الرحماني، و هو في الدنيا لذّة بلا منغصة، و في الآخرة لا حساب عليه ولا منغصة، هذا عطاء غير مجذوذ، فافهم.
.
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:36 عدل 3 مرات
الفقرة الثالثة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : " و إما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، و هو عطاء إلهي، فإن العطاء الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض و ما أشبه ذلك."
(وإما رحمة ممتزجة) بعذاب (كشرب الدواء الكريه) في الطعم والرائحة (الذي يعقب شربه) للمريض (الراحة) بالشفاء من مرضه (وهو عطاء إلهي).
لأنه يعطيه الاسم الإله الموصوف به الرحمن المتجلي على العرش من حيث ظهوره ولكل شيء بما ينفعه، ولا أنفع للعبد من الذل وهو العبادة ، فالإله هو المعبود طوعا أو كرها، فرحمته ممزوجة بعذاب .
(فإن العطاء الإلهي)، أي المنسوب إلى الحضرة الإلهية (لا يمكن إطلاق) نسبة (عطائه منه) لشيء مطلقا (من غير أن يكون) ذلك العطاء الإلهي صادرة من الإله تعالى (على يدي سادن)، أي خادم (من سدنة)، أي خدمة (الأسماء) الإلهية فالحضرة الإلهية بمنزلة الدار الواسعة، والحاضر فيها من حيث هو إله تخدمه جميع الأسماء بالعطاء والمنع، إذ لا يمكن أن يناول سائلا هو بنفسه من غیر واسطة خادم لكمال عظمته وحقارة السائل .
فتارة يعطي الله تعالى (العبد على يدي) الاسم (الرحمن) من حيث إن ذلك العبد مستعد لقبول تجلي الاسم الرحمن سواء علم العبد ذلك أو لم يعلم (فيخلص العطاء) حينئذ لذلك العبد (من الشوب)، أي الخلط والمزج بالكريه (الذي لا يلائم الطبع) البشري (في) ذلك (الوقت أو لا ينيل) ذلك العبد (الغرض) الذي يؤمله (وما أشبه ذلك) من أنواع الشوب المذموم عند ذلك العبد كالتأخير أو التقديم.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
)وأما رحمة ممتزجة بنقمة كشرب الدواء الكريه الذي تعقب شربه الراحة) ويعطي ذلك اسم الله على يد الرحمن من حيث جامعيته للصفات المتقابلة لذلك كان العطاء الحاصل منه رحمة ممتزجة (وهو عطاء إلهي) وإنما كانت منح الله تعالی كلها من الأسماء.
(فإن العطايا الإلهية) أي العطايا الحاصلة من حضرة الاسم الجامع (لا يمكن إطلاق عطائه منه) أي لا يمكن حصول العطاء من هذا الاسم الأعظم (من غير أن يكون على يد سادن) أي خادم (من سدنة الأسماء).
فإذا لم يكن عطاء اسم الله للعبد إلا على يد اسم من أسماء الله تعالى (فتارة يعطي الله العطاء العبد على يد الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت) أي وقت العطاء ولو غير خالص في المال فهذا هو عطاء ممتزج ورحمة ممتزجة وعطاء إلهي حاصل مع الله تعالى على يد الرحمن .
لكن لا يسمى رحمانية بل يسمى مثل هذا القسم إلهية وفيه إشارة إلى أن يد الرحمن لها مدخل في جميع العطايا التي تحصل على أيادي الأسماء فرحمة الله واسعة على كل شيء (او لا ينيل الغرض) أي أو يخلص العطاء من الشوب الذي لا ينال به الطبع غرضه.
(وما أشبه ذلك) الشوب في عدم ملائمة الطبع أو عدم نیل الغرض
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
وقوله: "وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربة الراحة، وهو عطاء إلهي لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أولا ولا بنيل الغرض وما أشبه ذلك."
قلت: هذا الكلام واضح وحاصله أن المنح كلها رحمة، فما كانت منها لا مشقة تصحبه فهو من حقيقة الاسم الرحمن بلا واسطة اسم آخر وأما ما كان معه ممازجة بنوع مما لا يلائم الطبع.
فهو بواسطة اسم إلهي يناسب ذلك وهنا مجال واسع لمن أراد أن يشرح بعض أمثلة هذه المنح عند نسبة كل منها إلى الاسم الذي هي على يده و بواسطته.
فالمنح كلها رحمة وإن امتزجت ببعض المؤلمات، فتلك الممازجة هي كما مثل الشيخ، رضي الله عنه، من أن شرب الدواء رحمة وإن كان تناوله يكرهه الطبع.
والضابط لمعرفة مراتب أمثلة ما ذكرا أن يرى تلك المنحة الواحدة مثلا فينسبها إلى أليق ما يكون من الأسماء بها مثل أن ينسب النجاة من المكروه الذي كنت تحاذره مثلا إلى الاسم الواقي.
وينسب الخلاص من مشقة سفر تهت فيه عن الطريق ثم ظفرت بالهداية إليها إلى الاسم الهادي.
وينسب ما تجده من الخوف الشديد من جبار حضرت عنده فقابلك باللطف إلى الاسم اللطيف، وهذا أمر غير مستصعب عليك. فتأمل معناه فهو سهل.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
قال رضي الله عنه : "وإمّا رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرية الذي بعقب شربه الراحة ، وهو عطاء إلهي ، فإنّ العطاء الإلهي لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء ، فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن ، فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أولا ينيل الغرض وما أشبه ذلك ."
قال العبد أيّده الله به : « له » تمليك الرقبة ، والمنحة : تمليك الانتفاع دون الرقبة ، كمن يعطى الناقة لتحلب أو لتركب ، أو الأرض لتزرع ، والأغلب فيها المدّة المعيّنة ثم الاسترداد ، وهي لا تكون إلَّا من حضرات الأسماء ، وهي رحمات متخصّصة بحسب خصوص الحضرات ، ومتخصّصة بموجب الاستعدادات .
ثم العطايا والمنح إن كانت من حضرة أحدية الجمع الإلهية ، فهي ذاتية أي من ذات اللاهوت ، ولا يتمكَّن إطلاق عطاياها من حيث هي هي من غير أن يكون التجلَّي الإلهي الأحدى الجملي الذاتي من خصوص حضرة من حضرات الأسماء .
فإن كان التجلَّي من حضرة الرحمن ، خلصت عطايا الله من الشوب والكدر ، وعمّت الدنيا والآخرة والظاهر والباطن ، وإن كان من حضرة الواسع ، عمّ ظاهر المعطى له وباطنه وروحه وطبيعته وغير ذلك ، وتمّت نعمته سابغة في عافية ورفاهية ، وكذلك تكون عطايا الله ممتزجة منصبغة بحكم الحضرة المتجلَّي منها ، فإنّ الحكيم ينظر في الأصلح والأنسب.
كما قد فصّل الشيخ رضي الله عنه خصوصيات الحضرات ، فلا حاجة إلى سنديّة الاسم " الله " و « الرحمن » .
و « المعصوم » و « المحفوظ » هو العبد الذي يحول « العاصم » و « الغفّار » و « الحافظ » و « الواقي » بينه وبين ما لا يرضاه من الذنوب .
و « المعتنى به » أعمّ من المحفوظ والمعصوم ، فقد يكون المعتنى به من لا تضرّه الذنوب ، ويقلَّب المحبّة الإلهية ، والاعتناء الربّاني غيّر سيّئاته حسنات ، ثم المعصوم يختصّ في العرف الشرعي بالأنبياء ، والمحفوظ بالأولياء .
قال رضي الله عنه : « والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه».
أي من حيث إنّ ذلك الاسم خازن لما عنده من خزائن الاسم الله " فما يخرجه إلَّا بقدر معلوم " أي بقدر ما تستدعي قابلية المعطى له ويستأهل من خزائنة ، فما يخرج إليه إلَّا بقدر ذلك المعلوم . على يدي اسم خاصّ بذلك الأمر .
فـ " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه " على يدي الاسم « العدل » وأخواته لأنّ الحكم العدل يحكم على « الجواد » و « الوهّاب » و « المعطي » أن يعطي ما يعطي بقدر قابلية المعطى له .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك. )
قال رضي الله عنه :" وأما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة وهو العطاء الإلهي ، فإن العطايا الإلهية لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يد سادن من سدنة الأسماء فتارة يعطى الله العبد على يد الرحمن فيخلص له العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض وما أشبه ذلك".
إشارة إلى أن الرحمة الرحمانية لا يشوبها شوب من غيرها من كراهة أو بشاعة أو شيء غير لذيذ فإن خاصية الرحمة النفع الخالص أو اللذة الخالصة .
فإن شابها شيء من كراهة وهو عطاء إلهى لأن من الأسماء الإلهية الحكيم والحكمة تقتضي تحمل كراهة قليلة تعقبها راحة كثيرة كشرب الدواء الكرية يعقبه الراحة والصحة كما مثل به ، وإنما سماه إلهيا لأنه ممتزج من مقتضيات أسماء عدة .
ولا يمكن إطلاق العطاء الإلهي إلا على يد سادن من سدنة الأسماء لأن الإله هو المعبود والمعبود معبود بالنسبة إلى العابد هو الذي يسد جهة فقره إلى المعبود وكما أن المريض يعبد اسم الشافي ويدعوه وقد يكون عطاؤه من اسم واحد وقد يكون من أسماء كثيرة ممتزجة فتمتزج مقتضياتها .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
قال رضي الله عنه : "ﻭﺇﻣﺎ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻤﺘﺰﺟﺔ ﻛﺸﺮﺏ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﻜﺮﻳﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻘﺐ ﺷﺮﺑﻪ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ، ﻭﻫﻮ ﻋﻄﺎﺀ ﺇﻟﻬﻲ. ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻃﻼﻕ ﻋﻄﺎﺋﻪ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺳﺎﺩﻥ ﻣﻦ ﺳﺪﻧﺔ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ".
ﻟﻤﺎ ﻓﺮﻉ ﻣﻦ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﺍﻧﺠﺮ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺇﻟﻴﻪ، ﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻴﺔ ﻭﻣﻨﺤﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: (ﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻬﻢ) ﺃﻱ، ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻨﺢ ﻭﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻻ ﺗﻔﻴﺾ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻬﺎ.
ﻭﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺛﻢ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻬﻤﺎ.
ﻭﻫﻲ ﻳﻨﻘﺴﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ: ﺭﺣﻤﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻦ، ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻣﻤﺘﺰﺟﺔ.
ﻭﻫﻲ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻧﻘﻤﺔ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ: (ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﺗﺴﻌﺖ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻷﻭﻟﻴﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺷﺪﺓ ﻧﻘﻤﺘﻪ، ﻭﺍﺷﺘﺪﺕ ﻧﻘﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﺪﺍﺋﻪ ﻓﻲ ﺳﻌﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ).
ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻛﺎﻟﺮﺯﻕ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ ﺍﻟﻄﻴﺐ، ﺃﻱ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻛﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻛﺎﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻟﻠﻄﺒﻊ، ﻛﺄﻛﻞ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭ ﺷﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻔﺴﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺒﻌﺪﺓ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻛﺸﺮﺏ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﻜﺮﻳﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻘﺐ ﺷﺮﺑﻪ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﺼﺤﺔ. ﻭﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻄﺎﺀ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ ﺑﺤﺴﺐ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻣﻨﻪ، ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺻﻔﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﺳﻢ "ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ" ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻗﻞ ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﺍﺩﻋﻮﺍ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ".
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﻄﺎﺀ ﺇﻟﻬﻲ، ﺃﻱ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺟﺎﻣﻌﻴﺘﻪ ﻟﻠﺼﻔﺎﺕ ﻻ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺬﺍﺕ.
ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺳﺎﺩﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺪﻧﺔ، ﺃﻱ ﺧﺎﺩﻡ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻴﻨﺎ. ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ، ﻳﻨﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﻢ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﻓﻴﻨﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ: (ﻓﺘﺎﺭﺓ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻓﻴﺨﻠﺺ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻼﺋﻢ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ) ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﺧﺎﻟﺺ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺂﻝ. ﻓﺈﻥ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ ﻟﻠﻄﺒﻊ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﻨﻘﻤﺔ، ﻓﺘﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ )ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ( ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ.
(ﺃﻭ ﻻ ﻳﻨﻴﻞ ﺍﻟﻐﺮﺽ) ﺃﻱ، ﻳﺨﻠﺺ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﻧﻴﻞ ﺍﻟﻐﺮﺽ.
(ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ) ﻣﻦ ﻣﻮﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﻜﺪﻭﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﻐﺮﺽ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ "ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ" ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺫﻛﺮ ﺃﻧﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﻟﺘﻀﻤﻨﻪ ﺍﻟﻨﻘﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻝ .
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
قال رضي الله عنه: "وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، وهو عطاء إلهي، فإن العطاء الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض وما أشبه ذلك."
قال رضي الله عنه: (وإما رحمة ممتزجة) بما لا يعد رحمة في العرف العام، (كشرب الدواء الكريه الذي يعقب شربه الراحة) فشيب بأعقاب الراحة الكراهة؛ فلا ينسب إلى الرحمن؛ لعدم مبالغة الرحمة فيه، ولا إلى الذات لتعين الأسماء فيه من الرحمن والقاهر.
ولذلك يقول: (هو عطاء إلهي) لاستناده إلى اسم معين باعتبار كونه من السدنة، وإن لم يكن منها في مواطن أخر (فإن) كان (العطاء الإلهي لا يمكن إطلاق عطاء منه من غير أن يكون على يدي سادن) ، أي: خادم معين واحد فصاعدا (من سدنة الأسماء) لا من الأسماء المخدومة كالر حمن بالاعتبار الذي ذكرناه لا باعتبار تبعيته لاسم الله .
في قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم" [الفاتحة: 1]، إذ هو بهذا الاعتبار من السدنة، وإذا كان كل عطاء على يد سادن من الأسماء عطاء إها لا ينسب إلى الرحمن، ولا إلى الذات.
(فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن) لا باعتبار كونه مخدوما دالا على المبالغة في الرحمة؛ بل باعتبار كونه من السدنة مزج منه الرحمة مع غيرها أولا (فيخلص) الرحمن
(العطاء من الشوب) الواقع منه أولا (الذي لا يلائم الطبع في الوقت) من غير مضي مدة مديدة، (أو) من الشوب الذي (لا ينيل الغرض) بما كان واقعا فيه، (وما أشبه ذلك) .
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
قال رضي الله عنه : (وإمّا رحمة ممتزجة ، كشرب الدواء الكرية الذي يعقب شربه الراحة ، وهو عطاء إلهي ) وإنّما اختصّ هذا بالإلهي مع أنّ الكلّ منه ، لما فيه من عدم الملاءمة التي تقابل الرحمة الوجوديّة ، فلا بدّ من انتسابه إلى ما يقابل الرحمن ، مما هو في حيطة خصوصيّة اسم الله ، كالقهّار والحكيم والضارّ ، إذ الحاصل من الكل إلهي .
( فإنّ العطاء الإلهي لا يتمكَّن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء ) لامتناع انتساب شيء من الأحكام والأفعال إليه من حيث إطلاقه ، بدون أن يضاف إليه من خصوصيّات الأسماء ومقتضيات القوابل شيء ، فإنّه غير متمكَّن عن ذلك .
( فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن ) وهو الوجود المحض ( فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت ) في الدنيا ( أوّلا بنيل الغرض) في الآخرة (وما أشبه ذلك ) من الأوصاف العدميّة المنافية للرحمة الوجوديّة ، وهذا هو العطاء الرحماني.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.)
فقال رضي الله عنه : "وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يقب شربه الراحة، وهي عطاء إلهي ,فإن العطايا الإلهية ، لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء."
فقال رضي الله عنه : (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه) الفائضة من الحضرة الإلهية عليهم رحمة منه سبحانه (بهم وهي)، أي تلك المنح (كلها) فائضة ، (من) حضرات (الأسماء) الإلهية لا من حضرة الذات من حيث إطلاقها.
فإنها من هذه الحيثية لا يقتضي عطاء خاصة ومنحة معينة و هي تنقسم ثلاثة أقسام:
1- (فأما رحمة خالصة) عن شرب كل نقمة (كالطيب) من الرزق اللذيذ في الدنيا بأن يكون ملائما للطبع (الخالص) عن سعة العذاب (يوم القيامة) .
بأن يكون حلالا بحسب الشرع فهذان وصفان كاشفان عن معنى الطيب.
(ويعطي ذلك) النوع من الرحمة الخاصة (الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني) خالص غير ممتزج بما يقتضيه اسم آخر
2 - (وأما رحمة ممتزجة) مع نقمة ما وهي إما في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة كالأشياء الملائمة للطبع الموافقة للنفس المبعدة للقلب عن الله سبحانه.
3 - وإما بالعكس (كشرب الدواء الكريه) الذي لا يلائم الطبع في الحال لكنه (يعقب شربه الراحة) و زوال ما يلائم بحسب المآل.
فقال رضي الله عنه : (وهو عطاء إلهي) فإنه ممتزج من مقتضيات أسماء عدة لا خصوصية له بأسم واحد ينسب إليه. (فإن العطاء الإلهي).
هذا تعليل لقوله : هي كلها من الأسماء، أي العطاء الإلهي (لا يمكن إطلاق إطلاق عطائه)، أي إطلاقه (فیكون) من وضع المظهر موضع المضمر أو إطلاقي تناوله وأخذه (منه) سبحانه من قولهم عطوت الشيء تناولته باليد.
والمراد بإطلاق تناوله أن يؤخذ من الذات البحث (من غير أن يكون على يدي سادن)، أي خادم (من سدنة الأسماء)، أي الأسماء التي هي سدنة لاسم الله الجامع.
فقال رضي الله عنه : " فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض و ما أشبه ذلك."
فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق".
فتارة يعطي الله سبحانه (العبد على يدي) الاسم (الرحمن فيخلص العطاء) الواصل إلى المعطى له على يديه (من الثوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت).
أي في الحال (أو لا ينيل الغرض)، أي لا يوصل المطعى له إلى الغرض المقصود من ذلك العطاء فلا يلائمه في المال .
فقال رضي الله عنه : (وما أشبه ذلك)، أي ويخلص أيضا مما أشبه الشوب بالغير الملائم والغير المنيل من موجبات الكدورة، فالعطاء الرحماني ينبغي أن يكون خالصا من موجبات الكدورة الحالية والمآلية كلها.
فهذا عين العطاء الرحماني الذي ذكر أولا وإنما أعاده استیفاء للأقسام في سلك واحد .
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:38 عدل 2 مرات
الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثالثة و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :و إما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، و هي عطاء إلهي فإن العطايا الإلهية،لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي الله تعالى العبد على يدي الرحمن، فيخلص العطاء من الشرب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض و ما أشبه ذلك .)
قال الشارح رحمة الله :
( و أما رحمة ممتزجة )، قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام أنه قال لأبيه آزر : "يا أبتِ إنِّي أخافُ أنْ يمسّك عذابٌ مِن الرّحْمنِ فتكُون للشّيْطانِ وِليا" [مريم:45]
فلا يكون عذاب من الرحمن إلا من الرحمة الممتزجة لأنه منذر منه، و » كُلٌّ يعْملُ على شاكلتهِ « ، (كشرب الدواء، و الكريم الذي يعقب شربه الراحة )، و زوال ما يتلائم بحسب المآل، قال تعالى: "وعسى أنْ تكْ رهُوا شيْئاً وهُو خيْـرٌ لكُمْ " [ البقرة: 216].
( و هو عطاء) أسماء (إلهي) و إنما قلنا: إنّ كلها من الأسماء: أي لا يكون ظهور تلك الرحمة إلا على يد اسم من الأسماءالإلهية هذا تعليل لقوله: (و هي كلها من الأسماء )، (فإنّ العطاء ): أي لأنّ العطاء الأسمائي (الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه ): أي من الحق سبحانه (من غير أن يكون على يد سادن ): أي خادم يخدمه لأنّ في مفهوم العطاء إخراج شيء لشيء، و ذلك لا يكون لذاته بذاته لأنّ الذات من حيث هي لا تقتضي أمرا بل الاقتضاء و الاقتضاء فيها سواء، و كيف لا و قد قلنا الذات بلا اعتبار، و الاقتضاء من الاعتبارات بل الذات من هذا الاعتبار متنزهة عن الإدراك، و كيف إدراك الاعتبارات فيها لا يقع العطايا و المنن على البرايا؟ .
و ذلك (سادن من سدنة الأسماء ): أي خدمها لأنها خدم ذات مرتبة الألوهية، و عندها خزانة كل شيء، كقوله تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ" [ الحجر: 21] .
و هي كالوهاب، و المنعم، و الكريم، و الجواد، و السخي، و المقيت لأنّ المقيت حضرة تعين أوقات الأقوات الروحانية و الجسمانية، و موازينها و تقديرها بحسب طلب الأعيان، (فتارة يعطي الله العبد) تلك الرحمة الممتزجة .
( على يد الرحمن، فيخلص العطاء ): أي يخلص الرحمة الممتزجة (من الشوب الذي لا يلائم الطبع و المزاج )، كشرب الماء البارد في العطش الكاذب فإنه ضرر في المآل، و مطبوع (في الوقت) و الحال، (أو لا ينيل الغرض ): أي مخلص من الشرب الذي يمنع إنالة الغرض المشتهي بإعطاء التوفيق، و هو جعل الأسباب موافقة في التسبب.
( و ما أشبه ذلك ) من الأمثال التي هي موجبات ما يعطي الهناء العاجل، و ترفع موانع الوصول إلى حصول الغرض العاجل و الآجل .
وعلى الجملة أنّ الرحمن تارة يخلص العطايا من شرب المكروه، إما عاجلا كما في ملائم الطبع والغرض، و إن كانت فيها عائلة في الآخرة، فإنه يملي لهم برحمته إياهم في هذه الدار، و استدراجه بهم للطف الخفي كما قال تعالى: "سنسْتدْرجُهُمْ مِنْ حيْثُ لا يعْلمُون" [ القلم: 44] .
لأنّ الإنسان خلق هلوعا جزوعا، حريصا شحيحا، ظلوما جهولا كنودا، فالحكمة اقتضت المسايسة بالرهبات و الرغبات .
و إما آجلا، كالصبر على البلايا للمجازاة الأخروية، فإنّ الصبر من عطايا الرحمن، و إما فيها كما مرّ في الرحمة الخالصة في الدنيا والآخرة، فافهم.
.
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:39 عدل 3 مرات
الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه. فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب ، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن و ما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل و ما هو عليه. فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما ومعتنى به ومحفوظا وغير ذلك مما شاكل هذا النوع."
وتارة يعطى الله سبحانه العبد (على يدي) الاسم (الواسع) من حيث استعداد العبد لذلك، فإن الدعاء بالاستعداد منصرف إلى ذلك الاسم الذي عنده مقتضى ذلك
الاستعداد، والله تعالى عنده حوائج جميع السائلين يجيبهم بأسمائه المناسبة لاستعداداتهم (فيعم) ذلك الاسم حينئذ ذلك العبد في ظاهره وباطنه في جميع أحواله إلى آخر مدته .
(أو) يعطي الله تعالى العبد (على يدي) الاسم (الحكيم) من حيث استعداد ذلك العبد له (فينظر) ذلك الاسم حينئذ (في) الأمر (الأصلح للعبد في ذلك الوقت)، فيكون عطاؤه منه (أو) يعطي تعالى العبد (على يدي) الاسم (الوهاب) .
حيث استعد له العبد (فيعطی) ذلك الاسم (لينعم ولا يكون مع) إعطاء (الوهاب) سبحانه وتعالى (تكليف المعطى له) الذي هو ذلك العبد (بعوض على ذلك) الأمر الموهوب له (من شكر) يوجبه عليه بالقلب أو باللسان.
(أو عمل) يطلبه منه سر الهبة بل تكون الهبة لمحض العطاء والامتنان (أو) يعطي (على يدي) الاسم (الجبار) للعبد المستعد لذلك (فينظر) ذلك الاسم في الموطن الذي فيه ذلك العبد وما يستحقه فيجبر كسره بما هو اللائق به .
قال الشيخ رضي الله عنه : (أو على يدي) الاسم (الغفار) للعبد المستعد للمغفرة (فينظر) ذلك الاسم في المحل الذي قام فيه العبد متصف بما يقتضيه ذلك المحل من المخالفة (وما هو عليه) ذلك العبد بعد صدور المخالفة منه من الحالة من ندم أو إصرار.
(فإن كان)، أي ذلك العبد (على حال يستحق العقوبة)، لإصراره على المخالفة، وقد أعطاه الغفار على وجه الرحمة به (فيستره)، أي ذلك العبد (عنها)، أي عن العقوبة بحيث يجعله على حالة لا تليق به العقوبة لحسنة عظيمة فعلها ونحو ذلك.
(أو) كان ذلك العبد (على حال لا يستحق العقوبة) لندم على المخالفة (فيستره) سبحانه وتعالى بمحض عنايته (عن حال يستحق العقوبة) فيه (ويسمى العبد) حينئذ (معصومة) في ملك ونبي (ومعتني به ومحفوظة) في صديق وولي (وغير ذلك) من بقية الأسماء الإلهية (مما يشاكل هذا النوع) من تفصيل الإعطاءات على حسب الأسماء المعطية .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فتارة يعطي الله العبد على يد الواسع فيعم) هذا العطاء جميع أحوال العبد وأوقاته وينال العبد بذلك العطاء غرضه في كل وقت يريد (أو على يد الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت) فيعطي ما هو الأصلح للعبد في ذلك الوقت.
(أو على يد الواهب فيعطي لبنعم) من أنعم أي إظهار الأنعام و كرمه (ولا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك) العطاء (من شكر أو عمل أو على يد الجبار فينظر في المواطن وما يستحقه) من القهر .
والجبار ههنا بمعنى القهار بمقابلة قوله : (او على يد الغفار) أو بمعنى يجبر الكسر (فينظر في المحل وما هو عليه) من الأحوال (فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره على حال يستحق العفوية فيسمى معصومة به ومحفوظة وغير ذلك مما يشاكل هذا النوع) كله من العطايا الأسمائية.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
وقوله رضي الله عنه : "وتارة يعطى الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الواهب فيعطي، الينعم لا يكون مع الوهاب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر إلى المحل وما هو عليه، فإن كان على حال يستحق العقوبة، فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة، فيسمى معصوما ومعتني به ومحفوظا وغير ذلك مما شاكل هذا النوع."
قلت : والضابط لمعرفة مراتب أمثلة ما ذكرا أن يرى تلك المنحة الواحدة مثلا فينسبها إلى أليق ما يكون من الأسماء بها مثل أن ينسب النجاة من المكروه الذي كنت تحاذره مثلا إلى الاسم الواقي.
وينسب الخلاص من مشقة سفر تهت فيه عن الطريق ثم ظفرت بالهداية إليها إلى الاسم الهادي.
وينسب ما تجده من الخوف الشديد من جبار حضرت عنده فقابلك باللطف إلى الاسم اللطيف، وهذا أمر غير مستصعب عليك. فتأمل معناه فهو سهل.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه. فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع. )
قال رضي الله عنه : "وتارة يعطي الله على يدي « الواسع » فيعمّ ، أو على يدي « الحكيم » فينظر في الأصلح في الوقت ، أو على يدي « الواهب » فيعطي لينعم ، لا ليكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل ، أو على يدي " الجبّار " فينظر في الموطن وما يستحقّه أو على يدي « الغفّار » فينظر في المحلّ وما هو عليه ، فإن كان على حال يستحقّ العقوبة فيستره عنها ، أو على حال لا يستحقّ العقوبة فيستره عن حال يستحقّ العقوبة فيسمّى معصوما ومعتنى به ومحفوظا وغير ذلك ممّا شاكل هذا النوع وأشباه ذلك "
قال العبد أيّده الله به : فإن كان التجلَّي من حضرة الرحمن ، خلصت عطايا الله من الشوب والكدر ، وعمّت الدنيا والآخرة والظاهر والباطن ، وإن كان من حضرة الواسع ، عمّ ظاهر المعطى له وباطنه وروحه وطبيعته وغير ذلك ، وتمّت نعمته سابغة في عافية ورفاهية ، وكذلك تكون عطايا الله ممتزجة منصبغة بحكم الحضرة المتجلَّي منها ، فإنّ الحكيم ينظر في الأصلح والأنسب.
كما قد فصّل الشيخ رضي الله عنه خصوصيات الحضرات ، فلا حاجة إلى سنديّة الاسم "الله " و « الرحمن » .
و « المعصوم » و « المحفوظ » هو العبد الذي يحول « العاصم » و « الغفّار » و « الحافظ » و « الواقي » بينه وبين ما لا يرضاه من الذنوب .
و « المعتنى به » أعمّ من المحفوظ والمعصوم ، فقد يكون المعتنى به من لا تضرّه الذنوب ، ويقلَّب المحبّة الإلهية ، والاعتناء الربّاني غيّر سيّئاته حسنات ، ثم المعصوم يختصّ في العرف الشرعي بالأنبياء ، والمحفوظ بالأولياء .
قال رضي الله عنه : « والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه».
أي من حيث إنّ ذلك الاسم خازن لما عنده من خزائن الاسم الله " فما يخرجه إلَّا بقدر معلوم " أي بقدر ما تستدعي قابلية المعطى له ويستأهل من خزائنة ، فما يخرج إليه إلَّا بقدر ذلك المعلوم .
على يدي اسم خاصّ بذلك الأمر .
فـ " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه " على يدي الاسم « العدل » وأخواته لأنّ الحكم العدل يحكم على « الجواد » و « الوهّاب » و « المعطي » أن يعطي ما يعطي بقدر قابلية المعطى له .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
قال رضي الله عنه :" وتارة يعطى على يدي الواسع فيعم أو على يدي الحكيم فينظروا في الأصلح في الوقت أو على يدي الواهب فيعطى التنعم ، ولا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل ".
إشارة إلى أن الرحمة الرحمانية لا يشوبها شوب من غيرها من كراهة أو بشاعة أو شيء غير لذيذ فإن خاصية الرحمة النفع الخالص أو اللذة الخالصة .
فإن شابها شيء من كراهة وهو عطاء إلهى لأن من الأسماء الإلهية الحكيم والحكمة تقتضي تحمل كراهة قليلة تعقبها راحة كثيرة كشرب الدواء الكرية يعقبه الراحة والصحة كما مثل به ، وإنما سماه إلهيا لأنه ممتزج من مقتضيات أسماء عدة .
ولا يمكن إطلاق العطاء الإلهي إلا على يد سادن من سدنة الأسماء لأن الإله هو المعبود والمعبود معبود بالنسبة إلى العابد هو الذي يسد جهة فقره إلى المعبود وكما أن المريض يعبد اسم الشافي ويدعوه وقد يكون عطاؤه من اسم واحد وقد يكون من أسماء كثيرة ممتزجة فتمتزج مقتضياتها .
قوله: ( أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه ) معناه أن الجبار هو الذي يجبر الكسر ويزيل الآفة والنقص .
فينظر في جهة استحقاقه وفاقته فينجح حاجته ويجبر كسره ويصلح آفته ونقصه .
ولهذا قال :" لا تزال جهنم تقول: " هَلْ من مَزِيدٍ " حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قطنى قطنى " فإن جهنم تطلب ما يصلح آفتها ويدفع فقرها ويسد فاقتها ، ووضع القدم فيها عبارة عن وصول جبره إليها فيصلح حالها .
قوله: ( أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه ) معناه أن الغفار هو الذي يستر بنور الذات ما في المحل من الظلمة الموجبة للعقوبة ، وكل اسم من أسمائه يقتضي مظهرا أو محلا يناسبه ليظهر خصوصيته فيه.
( فإن كان ) أي فالمحل الذي هو مقتضى الغفار إن كان ( على حال يستحق العقوبة فيستره عنها ) ورفع العقوبة عنه ( أو على حال لا يستحق العقوبة ) على تلك الحال .
( فيستره عن حال يستحق العقوبة ) أي عما به يستحق العقوبة من المعاصي ( فيسمى معصوما ومعتنى به ومحفوظا وغير ذلك مما يشاكل هذا النوع ) أي يناسب ذلك .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
قال رضي الله عنه : (ﻭﺗﺎﺭﺓ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻓﻴﻌﻢ) ﺃﻱ، ﻳﺸﻤﻞ ﺍﻟﺨﻼﺋﻖ ﻋﻤﻮﻣﺎ ﻛﺎﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺮﺯﻕ.
(ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻓﻴﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺻﻠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ). ﺇﺫ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺇﻻ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﻓﻴﻌﻄﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺍﻟﻮﻗﺖ.
(ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ، ﻓﻴﻌﻄﻰ ﻟﻴﻨﻌﻢ. ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻫﺐ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﺑﻌﻮﺽ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺷﻜﺮ ﺃﻭ ﻋﻤﻞ) ﺃﻱ، ﻳﻌﻄﻰ ﺍﻟﻮﺍﻫﺐ ﺇﻇﻬﺎﺭﺍ ﻹﻧﻌﺎﻣﻪ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺑﻼ ﻃﻠﺐ ﻋﻮﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﺏ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺷﻜﺮ ﺃﻭ ﻋﻤﻞ ﺃﻭ ﺣﻤﺪ ﻭﺛﻨﺎﺀ.
ﻭﻭﺟﻮﺏ ﺷﻜﺮ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ ﻷﺟﻞ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﻻ ﻹﻧﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺷﻜﺮ ﻟﻺﻧﻌﺎﻡ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ ﻻ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻫﻮ. ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﻮﻟﻪ: "ﻟﻴﻨﻌﻢ" ﻣﻔﺘﻮﺡ ﺍﻟﻴﺎﺀ: ﻓﻴﻌﻄﻰ ﻟﻴﻨﻌﻢ ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﻟﻪ ﻟﻴﻌﻴﺶ ﻃﻴﺒﺎ.
قال رضي الله عنه : (ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ، ﻓﻴﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﻃﻦ ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻪ) ﺃﻱ، ﻳﻨﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﻳﺠﺒﺮ ﺍﻧﻜﺴﺎﺭﻩ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ. ﺃﻭ ﻳﻘﻬﺮ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﺠﺒﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻣﺘﻜﺒﺮﺍ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﺇﺫ "ﺍﻟﺠﺒﺎﺭ" ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ. (ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﻐﻔﺎﺭ، ﻓﻴﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻞ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻝ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ، ﻓﻴﺴﺘﺮﻩ ﻋﻨﻬﺎ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻝ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ، ﻓﻴﺴﺘﺮﻩ ﻋﻦ ﺣﺎﻝ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ، ﻓﻴﺴﻤﻰ ﻣﻌﺼﻮﻣﺎ ﻭﻣﻌﺘﻨﻰ ﺑﻪ ﻭﻣﺤﻔﻮﻇﺎ) ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻇﺎﻫﺮ.
ﻭ "ﺍﻟﺴﺘﺮ" ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻤﺤﻮﻫﺎ ﻭﺇﺛﺒﺎﺕ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻳﺒﺪﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ﺣﺴﻨﺎﺕ ".
ﺃﻭ ﺑﺈﻋﻄﺎﺀ ﻧﻮﺭ ﻳﺴﺘﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﺌﻼ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺤﻖ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﻃﻼﻋﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺃﻭ ﻳﺤﻔﻈﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﺸﻴﻨﻪ ﻭﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ، ﻓﻴﺒﻘﻰ ﻣﺤﻔﻮﻇﺎ ﻣﻌﺘﻨﻰ ﺑﻪ.
(ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﺎﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ) ﺃﻱ، ﻭﻗﺲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﺫﻛﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﺎﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻲ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
قال رضي الله عنه: "وتارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما ومعتنى به ومحفوظا وغير ذلك مما شاكل هذا النوع."
فاسم الرحمن هنا كالسادن للعطاء الإلهي الواقع على يدي سادن أخر.
(وتارة يعطي الله على يدي الواسع) فيعم العبد بأنواع العطايا أو العباد بنوع منه لائم الطبع أولا.
(أو على يدي الحكيم، فينظر في الأصلح) للمعطى له، أو للعامة (في الوقت) الحاضر إذ باعتبار وقت ما لا يخلو عطاء عن حكمة ومصلحة للحمل، فلا ينسب إليه على الخصوص إلا ما هو بحسب الوقت الحاضر.
(أو على يدي الواهب، فيعطي لينعم) المعطى له حالا أو مالا، (ولا يكون مع) عطاء (الواهب) على الخصوص، وإن كانت الأسماء كلها واهبة من وجه (تكليف المعطى له) العوض على ذلك من شكر ثناء باللسان، أو اعتقاد بالجنان، أو عمل بالأركان إذ لا هبة مع العوض.
أو على يدي الجبار الذي يجبر الكسير؛ (فينظر في المواطن) ، أي: مواطن المعطى له هل فيها كسر أم لا، (وما يستحقه) كل موطن من وجوه الجبر.
(أو على يدي الغفار)، وهو الذي يستر الشخص عن العقوبة، أو عن استحقاقها (فينظر المحل) أي: محل الغفر، (وما هو عليه) من النقاء عن المعاصي أو التلوث بها.
(فإن كان على حال يستحق العقوبة) لتلوثه بالذنوب (فيستره عنها) أي: عن العقوبة.
(أو على حال لا يستحق العقوبة) لكنه يمكنه أن تطرأ عليه تلك الحال (فيستره عن حال يستحق العقوبة) عليها، (فيسمى معصوما)؛ لأنه عصمه الله عن المعاصي.
(ومعتني به) للعناية الإلهية في عصمته (ومحفوظا)؛ لأنه حفظ عن أسباب العقوبة.
وعنها وغير ذلك مما يشاكل هذا النوع من الأسماء، وهذا هو فائدة استغفار أهل العصمة.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
وأمّا ما يقابله يعني العطاء الإلهي فله أقسام أشار إليها بقوله رضي الله عنه : ( وتارة يعطي الله على يدي الواسع ) بإظهار لفظة « الله » تنبيها على أنّه هو الذي في مقابلة العطاء الرحماني ، ( فيعمّ ) الملائم وغيره .
هذان القسمان لهما الشمول والإحاطة للمخلوقات ، وأمّا ما يختصّ منها بالبعض ، فلا يخلو من أن يكون المخصّص لها حال العبد ، أو الحق والأول إمّا أن يكون الحال التي هو عليها ، أو الحال التي يستحقها ، فهذه الأقسام هي السبعة التي هي صورة الكمال الأسمائي للحق على ما ستطلع عليه في طيّ الكتاب إن شاء الله تعالى .
ولذلك بنى أمر تفصيل الأسماء التي هي طرف السعة الحق على السبعة ، لأنّها صورة الكمال مشيرا إلى تلك الأقسام بقوله : ( أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت ) أي بالنسبة إلى العبد .
قوله رضي الله عنه : ( أو على يدي الواهب ، فيعطي لينعم ، ولا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل ) فيكون المخصّص لهذا القسم ما للحق من الجود .
( أو على يد الجبّار ، فينظر في الموطن وما يستحقّه ) . ( أو على يد الغفّار ، فينظر المحلّ وما هو عليه ، فإن كان على حال يستحقّ العقوبة فيستره عنها ، أو على حال لا يستحقّ العقوبة فيستره عن حال يستحقّ العقوبة ، فيسمّى معصوما ) فيمن كان له قصد بذلك كبعض المؤمنين ( ومعتنى به ) فيمن كان غير قاصد ، فإن كان خاطرا بباله كالأولياء ، ( ومحفوظا ) فيمن حفظه الله من أن يخطر بباله ذلك كالأنبياء .
( وغير ذلك مما شاكل هذا النوع ) من العطاء ، وكذلك كل اسم يعطي بحسب ما يختصّ به من العطاء اسما يشاكل نوعه .
ثمّ هاهنا دقيقة حكميّة لا بدّ من الوقوف عليها ليظهر المراد من تمام كلامه ، وهي أنّ الفعل العطائي المستحصل من الأسماء إلهيّة كانت أو ربوبيّة لا يخلو من أن يكون كلتا يدي القبول والفعل - الذين بهما يصدر ما يصدر من
الأسماء - لهما دخل في اختصاص ذلك الصدور بوقته ومحلَّه ، وهو أن يكون المخصّص لبعض العباد بذلك العطاء ما للحقّ من الإرادة والحكمة - كتخصيص الرحمن والإله والواسع عطاياها ببعض العباد في وقت ، وآخر في آخر - أو يكون مبدأ ذلك الصدور أحدهما فقط ، وهو أن يكون المخصّص المذكور ما للعبد من الاستحقاق والافتقار ، كتخصيص الجبّار والغفّار بعض المستحقّين بعطائهما به فإذا عرفت هذا وقفت على وجه ما خصّص بعض الأسماء عند عطائها باليدين ، والآخر باليد .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع.)
فقال رضي الله عنه : "و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب ، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن و ما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل و ما هو عليه."
فقال رضي الله عنه : (وتارة يعطى) الاسم (الله على يدي الواسع فيعم)، أي الملائم وغير الملائم والخلائق كلهم، أو ظاهر المعطى له وباطنه روحه وطبيعته وغير ذلك.
(أو) يعطى (على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت)، فإن الحكيم يقتضي ذلك.
(أو) يعطى (على يدي الواهب فيعطى لينعم) من الإنعام، أي ليظهر إنعامه في وجوده.
ويجوز أن يكون مفتوح العين من النعومة وهي طيب العيش، أي لينعم المعطى له ويعيش طيبة (ولا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك) العطاء (من شكر) باللسان (أو عمل) بالجنان والأركان، ووجوب شكر المنعم إنما هو لأجل عبودية المعطى له لا لتكليف الواهب.
(أو) يعطى (على يدي الجبار) الذي يجبر الكسر (وما يستحقه) ذلك الموطن من العطايا التي يجبر بها كسره ويصلح أفته.
وقيل : الجبار هو الذي يرد الأشياء بعد التغير إلى حالها المحمودة تضرب من القهر والغلبة والتأثير.
(أو) يعطى (على يدي الغفار فينظر في المحل) المعطى له (وما هو عليه) من الأحوال.
" فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع ".
قال رضي الله عنه : (فإن كان على حال يستحق) بها (العقوبة فيستره الله) بالاسم الغفار من العقوبة. (أو) كان (على حال لا يستحق) بها .
(العقوبة فيستره) الله بالاسم الغفار عن حاله يستحق بها العقوبة (ويسمى) المعطی له (معصوما) على التقدير الثاني بشرط أن يكون من الأنبياء.
(ومعتني به) على التقديرين (ومحفوظا) عنى التقدير الثاني أيضا بشرط أن يكون من الأولياء.
قال الجندي رحمه الله تعالى: المعصوم والمحفوظ هو العبد الذي يحول الغفار بينه وبين ما لا يرضاه من الذنوب والمعنى به أعم منهما.
فقد يكون المعتني به من لا تضره الذنوب ويقلب المحبة الإلهية والاعتناء الرباني سيئاته حسناته ثم المعصوم يختص في العرف الشرعي بالأنبياء والمحفوظ بالأولياء.
اعلم أن بعض هذه الأسماء المذكورة له دخل في كل من الفعل والقبول كالر حمن، فإن كلا من الاعضاء و قابلية المحل له من مقتضيات الرحمة الرحمانية وكذلك الحكيم فإن كل واحد منهما بحسب الحكمة.
وكذلك الواهب فإن الكل من مواهبه وظاهر أن الواسع يعمم الكل بخلاف الجبار والغفار، لأن أثرهما الجبر و الستر، ولا دخل لهما في قابلية المحل بذلك الجبر والستر.
فالجبار والغفار من حيث أنفسهما لا يقتضيان إلا الفعل، وإذا عرفت هذا تنبهت لسر تثنية اليد المضافة إلى الأسماء الأربعة .
الأول: إشارة إلى يدي الفاعلية والقابلية وأفراد اليد المضافة إلى الأخرين و الصورة إلى اليد الفاعلة فقط على هذا القياس.
(وغير ذلك) المذكور (مما يشاكل هذا النوع) الذي هو من العطاء الأسمانی.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:41 عدل 2 مرات
الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الرابعة و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( وتارة يعطي اللَّه على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه. فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم . أوعلى يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت . أو على يدي الوهاب فيعطي لينعم و لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له فينظر في الموطن و ما يستحقه . أو على يدي الغفار فينظر في المحل و ما هو عليه فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره، عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما و معتنى به و محفوظا . وغير ذلك مما يشاكل هذا النوع] .
قال الشارح رحمه الله :
( و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم )، كما قال الله تعالى: "واللّهُ واسِعٌ عليمٌ"[ البقرة: 247]: أي واسع بعموم الرحمة، فلا يخلص من الشوب، فيكون حكمها الامتزاج في العاجل و الآجل .
فلما جاء الغضب في الوجود وجد الرحمة قد سبقته، و لا بدّ من وجوده، فكان مع الرحمة كالماء مع اللبن إذا شابه و خالطه، فلم يخلص الماء من اللبن، كذلك لم يخلص الغضب من الرحمة .
أما ترى أبا يزيد قدّس سره لما سمع القارئ يقرأ: "إنّ بطش ربِّك لشدِيدٌ" [ البروج: 12].
فقال: "بطشي أشد" لأنّ بطشه غير مخلوط بالرحمة، فالضار يكون نافعا في ضرره، و المانع معط في منعه .
و يشير إلى ذلك المقام سيدنا سيد العارفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض مناجاته: اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته، و اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نعمته، ذكره في نهج البلاغة .
أو (على يد الحكيم، فينظر في الأصلح في الوقت) .
و قد ورد: "إنّ الحقّ إذا أحبّ صورة عبده في دعائه إياه أخّر الإجابة عنه حتى يتكرّر عنه ذلك حبّ ا فيه لا إعراضا عنه فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها."
. و ورد في الحديث القدسي أنه تعالى قال : "إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى و لو أفقرته لأفسده ذلك" الحديث.
قيل عن أنس رضي الله عنه أنه كان يقول: "إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى فلا تفقرني ".
فإن كان من الكشف فهو منه و هو أهله، و إلا هو غني محمود مقبول، ثم اعلم أنّ الرحمن أعطي العالم الوجود، أولا عموما، و هو الخبر الخالص، ثم لم يزل يعطي ما يستحقه الوجود مما به قوامه و صلاحه بحكمته البالغة، كان ما كان، فهو صلاح في حقه .
فما ثم إلا خير، سواء سر أو أساء، فالسرور هو المطلوب، و قد لا يجئ إلا بعد إساءته لما يقتضيه مزاج ذلك التركيب، قال ذائق :
في الخلق من لا يرتجي نفعه ..... إلّا إذا مسّ بإصرار
كالعود لا يطمع في غرفه ...... إلّا إذا أحرق بالنار
(أو على يد الواهب فيعطي لينعم، لا يكون مع الواهب تكليف المعطي له بعوض على ذلك من شكر أو عمل) .
في قوله تعالى: "لا نريدُ مِنْكُمْ جزاءً ولا شُكُورًاً " [ الإنسان: 9] .
أو على يد الجبار، فينظر في الموطن و ما يستحقه إن كان موطن الجبر كما في المنكسرة القلوب، فيخبرها وهو جبار .
ورد في الحديث القدسي أنه قال تعالى: " أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ."
و إن كان موطن الجبارين المتكبرين، فيكسر صورتهم بوضع القدم عليهم، كما في الحديث الشريف .
يقول المعطي له: (قط قط حسبي حسبي كفى كفى) .
و كما قال النائب القطب الذي له قدم صدق: (إنّ قدمي على رقبة كل وليّ صاحب كبرياء و جبروت) .
فإنّ هذا عطاء من هذا الخبر من هذا المقام، (أو على يد الغفار فينظر المحل و ما هو عليه، فإن كان على حال يستحق العقوبة، فيستره عنها) حتى لا يراها دنيا أو آخرة أو فيهما.
(أو على حال لا يستحق العقوبة، فيستره عن حال يستحق العقوبة )، إما بالعصمة (فيسمّى ): أي صاحب العصمة (معصوما )، و يسمّى (معتنى به و محفوظا كالولي) .
( و غير ذلك مما يشاكل هذا النوع كثير ): أي من السدنة فإنها كثير بل غير متناه كالعقور، فإنه صيغة مبالغة في الغفران لعمومها، فهي رجاء مطلق للعصاة على طبقاتهم، ذكره رضي الله عنه في الفتوح .
و كالمانع فإنه سدنة الرحمن، (فالمعطي) كما قيل :
إذا ما قلت لم تعطا ..... فقد أعطيت لم تعطا
فلا تكذب ولا تجحد ...... فإنك لم تزل تعطا
فإن أمسك إلا ليعطيك سؤالك، راقب علمه بالمصالح فيك، تجد ما قلنا إنه رقيب حكيم، فإذا عرفت هذا عرفت أنّ منعه قد ملئ عطاء، و ما ثمّ إلا عطاؤه، و لكن بصورة منع، و منع بصورة عطاء، يقول الله تعالى: "وما كان عطاءُ ربِّ ك محْظورًاً" [ الإسراء: 20] .
فمن كان منعه عطاء، فذلك هو الجواد، بل حضرة المنع أنت، فإنّ الجود مطلق و الوهب عام تام، فالمنع منك بعدم قبولك إياه لأنه لا يلائم مزاجك، و لا يقبله انحرافك، فمنعه تابع امتناعك بل هو عينه، هذه خيرة العبد التي اختار لنفسه: "و ربُّك يخْلقُ ما يشاءُ ويخْتارُ ما كان لهُمُ الخِيرُة" [ القصص: 68] .
فأعطي المانع كما يمنع المعطي، و كذلك الضّار، فإنه قد يكون النفع منه عين زوال الضرر خاصة، فالضّار قد يجلب النفع، فوقع الضّار نافعا، فعطاؤه كله نفع غير ضرر.
غير أنّ المحل في وقت يجد الألم لبعض الأعطيات، فلا يدرك لذّة العطاء و لا يعلم ما فيه من النفع الإلهيّ، فيسميه ضارا من أجل ذلك، و ما علم أنّ ذلك من مزاجه القابل لذلك، لا من العطاء .
أما ترى أنّ العسل شفاء للناس، و مع هذا يضرّ بالصفراوي لعدم قبوله، فما من الله إلا الخير المحض كله، و الشر ليس إليه بل إنّ جميع ما يلحق الإنسان نعمة الله و امتنان، حيث اختصه بالامتحان، فإنه لو أهمله لكان أبلغ في الهوان و أدخل في الخسران و الحرمان.
كما قيل :
لئن ساءني أن نلتني بمساءة ...... لقد سرّني أني خطرت ببالكا
مع أنه ورد في الحديث أنه قال صلى الله عليه و سلم :"والله الذي لا إله إلا هو ما قدّر الله لابن آدم من قدر إلا هو خيرله".
. و في رواية : "و من قدر في الأرض" الحديث .
أو نقول في قوله رضي الله عنه و غير ذلك، كما يستر الذنوب حتى لا يكون بالنسبة إليه ذنبا كالمضطر، يجوز له ما يحرم على غيره، فستره الذنب عن أن يعقه جرح لسان المدام .
و كما ورد في أهل بدر : " افعلوا ما شئتم فإنه غفر لكم " ..
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:42 عدل 3 مرات
الفقرة الخامسة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الخامسة والعشرين: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل وإخوانه. وأسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- و ما يكون عنها غير متناه- وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.)
(والمعطي) من تلك الأسماء كلها في عالم الغيب (هو الله) تعالى في حضرة البطون كما أن هذه الأسماء له تعالى هي حضرة الظهور (من حيث ما هو) سبحانه وتعالى (خازن)، أي جامع (لما عنده) من حوائج السائلين كلها (في خزائنه) المملوءة مما لا يتناهی (فما يخرجه)، أي ذلك الذي في خزائنه لعباده (إلا بقدر)، أي بمقدار (معلوم) له قبل إخراجه لا يزيد ولا ينقص .
كما قال تعالى : " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" 21 سورة الحجر .
(على يدي اسم) إلهي (خاص بذلك الأمر) المخصوص بحسب التفصيل المذكور (فو أعطى ) الله سبحانه ("وكل شيء خلقه")، أي ما خلقه له يعني قدره مما يليق به (على يدي الاسم العدل)، فلم يظلم شيئا (وأخواته) كالاسم الحكم والوالي والقهار ونحو ذلك .
(وأسماء الله) تعالى (وإن كانت لا تتناهی) كثرة، فمنها ظواهر، ومنها ضمائر، والظواهر منها ما ورد في الشرع بلفظه، ومنها ما لم يرد بلفظه، ولكن وقعت الإشارة إليه كقوله تعالى :" يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد" 15 سورة فاطر.
قال الشيخ الأكبر صاحب المتن قدس الله سره في هذه الآية، قد تسمى الله تعالى فيها باسم كل شيء.
ومراده من حيث يفتقر إليه العبد، فإنه لا يفتقر إلا إلى الله تعالی كما نطقت به هذه الآية، فالاسم الواقع على ذلك الشيء المفتقر إليه من جملة أسماء الله تعالى التي لم يرد التصريح بها في الشرع. وإنما ورد الرمز إليها بطريق الإشارة.
وقد أخبرني بعض الإخوان أنه رأى في منامه قبر إبراهيم الخليل وقبر هود عليه السلام وأنه جالس بينهما يتلو أسماء الله الحسنى حتى فرغ منها كلها، فسكت .
فسمع من القبرين من يقول له : أكملها . ثم سمع إكمالها من القبرين بكلام يخرج على منوال ما تلاها.
فإنه قال : اللطيف الخبير العلي العظيم إلى آخره فقيل له : الكافر الفاجر الفاسق التاجر البائع المشتري، وهكذا إلى آخره من هذا القبيل ما لا يحصى، فأصبح خائفا من ذلك مذعورا، فقص علي هذه الرؤيا بحقيقتها وعرفته الأمر على ما هو عليه ، فاعترف به وهو يؤيد ما ذكر هنا.
والأسماء الضمائر منها المتصل كالياء في قوله تعالى: " يا عبادي " [العنكبوت: 56]، والكاف في قول النبي عليه السلام في دعائه: «وأسعدني برؤياك».
وإنا من قوله تعالى: " إنا أنزلناه " [يوسف: 12] والمنفصل كانا في قوله تعالى: "إني أنا الله" [القصص : 30]، وأنت في قوله تعالى: "أنت ولينا" [الأعراف: 155]، وهو في قوله: "هو الله" [الكهف: 38] ونحن في قوله : "إنا نحن نزلنا الذكر" [الحجر: 9]، هذا ما ورد في الشرع بلفظه، ونظيره جميع جنس ذلك مما لم يرد التصريح به ورمز له في الآية المذكورة ونحوها .
""رواية الديلمي : "اللهم اجعلني أخشاك كأنني أراك أبدا حتى ألقاك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك وأخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت واجعل غناي في نفسي".""
(لأنها)، أي أسماء الله تعالى (تعلم) بالبناء للمفعول أي تعرف عند الإنسان وغیره (بما يكون) بالتخفيف، أو التشديد، أي يوجد (عنها) من سائر المخلوقات وتتميز بذلك عن بعضها بعضا لأن الأثر دليل على المؤثر وكاشف عنه ومميز له عن غيره (وما يكون عنها) من جميع الكائنات إلى الأبد.
(غير متناه) فهي غير متناهية لأجل ذلك (وإن كانت ترجع) تلك الأسماء التي لا تتناهى (إلى أصول) من الأسماء (متناهية) من حيث معرفة عددها لا من جهة عدد ظهوراتها وتجلياتها التي يتكون عنها كل شيء كما سبق.
(هي)، أي تلك الأصول المتناهية عدد (أمهات) ابتدأت ظهور سائر (الأسماء أو حضرات)، أي مظاهر حقائق جميع (الأسماء) بحيث يتحقق بها ظهور الاسم وينكشف لصاحب الشهود والعيان
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : (والمعطي) الحقيقي (هو الله) لكن (من حيث ما) أي من حيث الاسم الذي (هو خازن لما عنده) أي لما حصل عند هذا الاسم (من خزائنه) أي من خزائن الله .
ولما كان الأمر هكذا (فما يخرجه) أي فما يخرج الحق من الخزينة أمرا للمعطى له (إلا بقدر معلوم) أي بمقدار ما قدر للمعطى له في علمه الأزلي بلا زيادة ونقصان فمن شاهد هذا فقد خلص عن تعب الطلب وكان هذا الإخراج (على يد اسم خاص بذلك الأمر) المخرج من الخزينة المخصوصة (فأعطى كل شيء خلقه على يد الاسم العدل وأخواته) فمن فهم هذا برأ عن اضطراب الاعتراض .
فإن العدل ناظر إلى ما اقتضاه عين المخلوق فخلق كل شيء بحسب اقتضاء عينه وعين الشيء ليس بمجعول وكذا الاقتضاء صفة ذاتية لازمة له .
(وأسماء الله تعالى وإن كانت لا تتناهي لأنها تعلم بما يكون عنها) أي بآثارها( وما يكون عنها غير متناهية)
فكانت أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار غير متناهية (وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء) فكانت أسماء الله تعالى دائرة بين التناهي وعدم التناهي.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
وقوله: "والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. ف وأعطى كل شيء خلقه (طه: 50) على يدي الاسم العدل وإخواته.
وأسماء الله وإن كانت لا تتناهي لأنها تعلم بما يكون عنها وما يكون عنها غير متناه وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء."
قلت: هذا الكلام واضح فتأمل معناه فهو سهل.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : « والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه » أي من حيث إنّ ذلك الاسم خازن لما عنده من خزائن الاسم الله « فما يخرجه إلَّا بقدر معلوم » أي بقدر ما تستدعي قابلية المعطى له ويستأهل من خزائنة ، فما يخرج إليه إلَّا بقدر ذلك المعلوم .
« على يدي اسم خاصّ بذلك الأمر . فـ " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ُ " على يدي الاسم « العدل » وأخواته لأنّ الحكم العدل يحكم على « الجواد » و « الوهّاب » و « المعطي » أن يعطي ما يعطي بقدر قابلية المعطى له .
قال رضي الله عنه: وأسماء الله لا تتناهى،لأنّها تعلم بما يكون عنها،وما يكون عنها غير متناه وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمّهات الأسماء أو حضرات الأسماء".
قال رضي الله عنه : « وأسماء الله لا تتناهى ، لأنّها تعلم بما يكون عنها ، وما يكون عنها غير متناه وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمّهات الأسماء أو حضرات الأسماء .
قال العبد : تحقّق وجود العالم والممكنات في أعيانها موقوف على الأسماء وحضراتها ، ولكنّ العلم بالأسماء موقوف عندنا على القوابل والعوالم والمظاهر .
وعوالم الإمكان من حيث شخصيّاتها وجزويّاتها لا تتناهى ، فالأسماء لا تتناهى لكنّها من حيث أمّهاتها وكلَّياتها منتهية إلى أصول حاصرة لها ، فتعدادها وعدم تناهيها وازديادها إنّما هو من حيث الممكنات والقوابل والمظاهر المتعدّدة غير المتناهية والكلّ تعيّنات وجودية ، وتنوّعات تجلَّيات جودية بحسب خصوصيات القوابل .
فهو من حيث الأصل حقيقة واحدة هي محض الوجود الحق الخالص لا غير . فالتوحيد في الحقيقة ، والتعدّد في الظهور والطريقة ، فافهم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قوله رضى الله عنه : " والمعطى هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده من خزانته " معناه أن الأسماء الأول التي يعبر عنها بالأسماء الذاتية والأسماء الإلهية هي خزانته .
فالحقيقة التي هي عين الذات لا تتكثر إلا بالنسب والإضافات إلى الأعيان والحقائق الروحانية المفصلة في الحضرة الواحدية التي هي مظهر علمه .
وتلك النسب صفاته والذات باعتبار كل نسبة اسم ، فالشيئية المقتضية لتعين كل عين من صفة توجب خزن بعض الأشياء المعلومة بمقتضى العلم الأول في ذلك العين .
وتلك الأشياء المخزونة أحوال تلك العين والذات مع تلك النسبة اسم لا يفتح هذه الخزانة إلا به ، فالمعطى للأشياء المخزونة فيها هو الذات الأحدية باعتبار تلك النسبة .
وذلك هو الاسم الخاص الخازن الفاتح لخزائنه المخصوصة ( فما يخرجه الله إلا بقدر معلوم ) يقتضيه استعداد القابل السائل (على يدي اسم خاص بذلك الأمر) أي على يدي هذا الاسم الخاص بهذه الأشياء التي عنده وفي خزانته .
ومن هذا قوله: " فأعطى كل شيء خلقه على يدي الاسم العدل وأخواته " كالمقسط والحق والحكم وأمثاله .
قوله: " وأسماء الله تعالى لا تتناهى ، لأنها تعلم بما يكون عنها وما يكون غير متناه " معلوم من المقدمة الثانية ، فإن الذات الأحدية مع النسبة إلى كل ما يصدر عنه اسم خاص وكل تعين يحدث فيها اسم ، والنسب لا تتناهى لأن القوابل واستعداداتها غير متناهية فأسماء الله تعالى لا تتناهى ( وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية ) لأن الأسماء الغير المتناهية هي الأسماء التالية التي هي مصادر الأفعال والشئون ، فينتهى إلى الأسماء الذاتية التي ( هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء ) .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.)
قال رضي الله عنه : (ﻭﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺯﻥ ﻟﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻲ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ. ﻓﻤﺎ ﻳﺨﺮﺟﻪ ﺇﻻ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﺳﻢ ﺧﺎﺹ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ). ﺃﻱ، ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﺳﻢ ﺧﺎﺹ ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺯﻥ ﻟﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ: "ﻭﻟﻠﻪ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ".
ﻭﻫﻲ ﺃﻋﻴﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﺸﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ. ﻓﻤﺎ ﻳﺨﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻻ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﻌﻠﻮﻡ. ﻭﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﺳﻢ ﺧﺎﺹ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻜﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻴﺪﻩ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺄﻋﻄﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ ﺧﻠﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺃﺧﻮﺍﺗﻪ) ﺃﻱ، ﺃﻋﻄﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻣﺎ ﺍﻗﺘﻀﻰ ﻋﻴﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﻤﻪ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭ ﺃﺧﻮﺍﺗﻪ ﻙ "ﺍﻟﻤﻘﺴﻂ" ﻭ "ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ". ﻓﻼ ﻳﻘﺎﻝ: ﻟﻢ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﻭﺫﺍﻙ ﻏﻨﻴﺎ ﻭﻫﺬﺍ ﻋﺎﺻﻴﺎ ﻭﺫﺍﻙ ﻣﻄﻴﻌﺎ؟ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻢ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﻭﺫﺍﻙ ﻛﻠﺒﺎ.
ﻷﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﻋﻴﻨﻪ. ﻓﻠﻠﻪ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ.
(ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﻫﻰ، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﻬﺎ) ﺃﻱ، ﺑﻤﺎ ﻳﺼﺪﺭ ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﻭﺍﻷﻓﻌﺎﻝ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻮﻝ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﺃﻣﻬﺎﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ، ﺃﻭ ﺣﻀﺮﺍﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ) ﺃﻱ، ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺴﺪﻧﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ ﻭﺍﻷﺻﻮﻝ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻛﺘﻨﺎﻫﻲ ﺃﻣﻬﺎﺕ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ، ﻭﻫﻲ ﺍﻷﺟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺗﻨﺎﻫﻰ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ.
ﻭﻗﻮﻟﻪ: "ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻢ" ﺍﺳﺘﺪﻻﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺛﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮ. ﺃﻱ، ﻷﻥ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻟﻪ ﻋﻤﻞ ﺧﺎﺹ ﺑﻪ، ﻭﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﻣﺴﺘﻨﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﺣﺎﺻﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺭﻗﺎﺋﻖ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ، ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺩﺍﺧﻠﺔ ﺗﺤﺖ ﺣﻴﻄﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ، ﻷﻧﻪ ﻣﺴﺘﻨﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﺑﻞ ﻣﺴﺘﻨﺪﻩ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﺍﻟﺘﺎﻡ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه: "والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل وإخوانه. وأسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناه- و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء."
ثم قال رضي الله عنه : (والمعطي) لكل هذه العطايا: (هو الله) لا اسم الرحمن بالاعتبار السابق؛ لأنه لم تتمحض فيها الرحمة، ولا اسم الله تعالى من حيث جمعة للأسماء، بل (من حيث هو خازن لما عنده) من أنواع الفيض الذي (في خزائنه)، وهي الأسماء التي هي سدنته.
وإذا كانت العطايا الإلهية بهذه الأسماء المخصوصة، ولا يترجح بعضها على بعض إلا باستعداد المعطى له (فما يخرجه) أي: نوعا من الفيض (إلا بقدر معلوم) يقتضيه استعداد المعطى له بحسب أحواله.
وإذا كان معطيا لكل أحد بقدر أي: ما يستحق أن يخلق فيه فمن حيث كون كل عطاء على هذا الوجه يكون (على يدي) استعداده، "أعطى كل شيء خلقه" [طه: 50]) على وجه الحكمة من غير بخل، ولا ظلم بل (على يدي الاسم العدل وأخواته)، كالمقسط، والحق، والحكم وأمثالها حيث لم يجاوز القدر المستعد له.
فالعطايا من حيث تقدرها بمقدار الاستعداد تتعلق بهذه الأسماء، كما أنها باعتبارات أخر تتعلق باسم الله أو اسمه الرحمن، والمتعلق باسم الله يتعلق باسمه الواسع والحكيم، والوهاب، والحنان.
ثم استشعر سؤالا بأن مقتضى ما ذكرتم أن العطايا الكلية تنسب إلى الأسماء الكلية والعطايا الجزئية تنسب إلى الأسماء الجزئية، والعطايا الجزئية غير متناهية.
فهذا يقتضي أن تكون الأسماء الإلهية متناهية لكنه باطل؛ لأنها توقيفية ومعلوم بالضرورة أنها لا متناهية.
فقال ر ضي الله عنه : (وأسماء الله لا تتناهى؛ لأنها تعلم بما يكون عنها)، مما يوجب نسبة مسماها إليها، والمسمى إذا انتسب إلى أمور كثيرة يكون له بالنظر إلى كل نسبة اسم، (وما يكون عنها غير متناه)، فالأسماء أيضا غير متناهية ضرورة إن أسباب الأمور الغير المتناهية من الجزئيات تكون غير متناهية.
(وإن كانت ترجع إلى أصول) لها كلية (متناهية) هي التوقيفية، وإنما خصت بذلك من حيث (هي أمهات للأسماء) الجزئية تتفرع تلك الجزئيات عنها، (أو حضرات الأسماء) الجزئية تجتمع في حضرة الاسم الكلي اجتماع الأشخاص الكثيرة بحضرة أمير أو وزیر ذلك.
لأن غير المتناهي لا يوجد إلا في ضمن أمر كلي؛ بل لا بد لكل كثرة من الرجوع إلى وحدة هي أصلها.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : ( والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده ) من العطايا والنسب الأسمائيّة كلَّها بذواتها وأوصافها وأحكامها ( في خزانته) العلميّة التابعة للمعلوم ( فما يخرجه إلَّا بقدر معلوم ) يقتضيه استعداد ذلك المعلوم ( على يدي اسم خاصّ بذلك الأمر ) من الأحكام المستدعية لها ذلك المعلوم بلسان الاستعداد ( فـ " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ُ " (على يدي الاسم العدل وأخواته ) كالمقسط والحكم واللطيف والخبير .
( وأسماء الله ) وإن كانت ( لا تتناهى ، لأنّها تعلم بما يكون عنها ) ، أي يحصل منها من الأعيان ، ( وما يكون عنها غير متناه ، وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية ) كالعوالي من الأجناس وأئمّة الأسماء ، وتلك حقائق كلَّية ( هي امّهات الأسماء ) باعتبار صدور الجزئيّات وتولدها منها (أو حضرات الأسماء) باعتبار تقدّمها في نفسها وتقرّبها إلى الذات ، ضرورة أنّ الكلّ راجع إلى إمام الأئمّة التي له الإحاطة بالكل ، وفيه حضور الكلّ .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : " و المعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل و إخوانه "
قال رضي الله عنه : (والمعطي) في جميع هذه الصورة. (هو) الاسم (الله) أحدية جمع جميع الأسماء (من حيث ما هو)، أي من حيث أنه (خازن) و جامع (لما) هو مخزون (عنده في خزائنه) العلمية التي هي حقائق الأشياء وأعيانها الثابتة المنتفشة بكل ما كان ويكون.
(فما يخرجه)، أي ما يخرج ما يكون مخزونا عنده من الغيب إلى الشهادة ومن التوت إلى الفعل.
("إلا بقدر معلوم") آية 21 سورة الحجر . و مقدار معين تستدعيه قابلية المعني له (على يدي اسم خاص بذلك الأمر) المخزون عنده المراد عطاء (فـ "وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ). آية 50 سورة طه.
أي ما اقتضى عينه أن يكون مخلوقا عليه من غير زيادة ولا نقصان. (على يدي الاسم العدل وإخوانه) كالمقسط والحكم، فإنه تحكم على الجواد والوهاب والمعطي أن يعطي بقدر ما يعطي قابلية المعطى له.
قال رضي الله عنه : "و أسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- و ما يكون عنها غير متناه- و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء."
قال رضي الله عنه : (وأسماء الله) الشرعية التفصيلية (لا تتناهي لأنها تعلم) وتميز (بما يكون)، أي تحصل وتصدر (عنها) من الآثار الممكنة (وما يكون عنها) من الآثار (غير متناه) لأنها إنما نحصل وتصدر بحسب التوابل والمظاهر المتعددة الغير المتناهية، وإذا كانت الآثار غير متناهية فالأسماء المتعينة بحسبها أيضا غير متناهية .
(وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء)، كما ترجع مظاهرها أيضا إلى أصول متناهية وهي الأجناس والأنواع مع عدم تناهي الأشخاص التي تحتها.
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل وإخوانه. وأسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- و ما يكون عنها غير متناه- وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.)
(والمعطي) من تلك الأسماء كلها في عالم الغيب (هو الله) تعالى في حضرة البطون كما أن هذه الأسماء له تعالى هي حضرة الظهور (من حيث ما هو) سبحانه وتعالى (خازن)، أي جامع (لما عنده) من حوائج السائلين كلها (في خزائنه) المملوءة مما لا يتناهی (فما يخرجه)، أي ذلك الذي في خزائنه لعباده (إلا بقدر)، أي بمقدار (معلوم) له قبل إخراجه لا يزيد ولا ينقص .
كما قال تعالى : " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" 21 سورة الحجر .
(على يدي اسم) إلهي (خاص بذلك الأمر) المخصوص بحسب التفصيل المذكور (فو أعطى ) الله سبحانه ("وكل شيء خلقه")، أي ما خلقه له يعني قدره مما يليق به (على يدي الاسم العدل)، فلم يظلم شيئا (وأخواته) كالاسم الحكم والوالي والقهار ونحو ذلك .
(وأسماء الله) تعالى (وإن كانت لا تتناهی) كثرة، فمنها ظواهر، ومنها ضمائر، والظواهر منها ما ورد في الشرع بلفظه، ومنها ما لم يرد بلفظه، ولكن وقعت الإشارة إليه كقوله تعالى :" يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد" 15 سورة فاطر.
قال الشيخ الأكبر صاحب المتن قدس الله سره في هذه الآية، قد تسمى الله تعالى فيها باسم كل شيء.
ومراده من حيث يفتقر إليه العبد، فإنه لا يفتقر إلا إلى الله تعالی كما نطقت به هذه الآية، فالاسم الواقع على ذلك الشيء المفتقر إليه من جملة أسماء الله تعالى التي لم يرد التصريح بها في الشرع. وإنما ورد الرمز إليها بطريق الإشارة.
وقد أخبرني بعض الإخوان أنه رأى في منامه قبر إبراهيم الخليل وقبر هود عليه السلام وأنه جالس بينهما يتلو أسماء الله الحسنى حتى فرغ منها كلها، فسكت .
فسمع من القبرين من يقول له : أكملها . ثم سمع إكمالها من القبرين بكلام يخرج على منوال ما تلاها.
فإنه قال : اللطيف الخبير العلي العظيم إلى آخره فقيل له : الكافر الفاجر الفاسق التاجر البائع المشتري، وهكذا إلى آخره من هذا القبيل ما لا يحصى، فأصبح خائفا من ذلك مذعورا، فقص علي هذه الرؤيا بحقيقتها وعرفته الأمر على ما هو عليه ، فاعترف به وهو يؤيد ما ذكر هنا.
والأسماء الضمائر منها المتصل كالياء في قوله تعالى: " يا عبادي " [العنكبوت: 56]، والكاف في قول النبي عليه السلام في دعائه: «وأسعدني برؤياك».
وإنا من قوله تعالى: " إنا أنزلناه " [يوسف: 12] والمنفصل كانا في قوله تعالى: "إني أنا الله" [القصص : 30]، وأنت في قوله تعالى: "أنت ولينا" [الأعراف: 155]، وهو في قوله: "هو الله" [الكهف: 38] ونحن في قوله : "إنا نحن نزلنا الذكر" [الحجر: 9]، هذا ما ورد في الشرع بلفظه، ونظيره جميع جنس ذلك مما لم يرد التصريح به ورمز له في الآية المذكورة ونحوها .
""رواية الديلمي : "اللهم اجعلني أخشاك كأنني أراك أبدا حتى ألقاك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك وأخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت واجعل غناي في نفسي".""
(لأنها)، أي أسماء الله تعالى (تعلم) بالبناء للمفعول أي تعرف عند الإنسان وغیره (بما يكون) بالتخفيف، أو التشديد، أي يوجد (عنها) من سائر المخلوقات وتتميز بذلك عن بعضها بعضا لأن الأثر دليل على المؤثر وكاشف عنه ومميز له عن غيره (وما يكون عنها) من جميع الكائنات إلى الأبد.
(غير متناه) فهي غير متناهية لأجل ذلك (وإن كانت ترجع) تلك الأسماء التي لا تتناهى (إلى أصول) من الأسماء (متناهية) من حيث معرفة عددها لا من جهة عدد ظهوراتها وتجلياتها التي يتكون عنها كل شيء كما سبق.
(هي)، أي تلك الأصول المتناهية عدد (أمهات) ابتدأت ظهور سائر (الأسماء أو حضرات)، أي مظاهر حقائق جميع (الأسماء) بحيث يتحقق بها ظهور الاسم وينكشف لصاحب الشهود والعيان
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : (والمعطي) الحقيقي (هو الله) لكن (من حيث ما) أي من حيث الاسم الذي (هو خازن لما عنده) أي لما حصل عند هذا الاسم (من خزائنه) أي من خزائن الله .
ولما كان الأمر هكذا (فما يخرجه) أي فما يخرج الحق من الخزينة أمرا للمعطى له (إلا بقدر معلوم) أي بمقدار ما قدر للمعطى له في علمه الأزلي بلا زيادة ونقصان فمن شاهد هذا فقد خلص عن تعب الطلب وكان هذا الإخراج (على يد اسم خاص بذلك الأمر) المخرج من الخزينة المخصوصة (فأعطى كل شيء خلقه على يد الاسم العدل وأخواته) فمن فهم هذا برأ عن اضطراب الاعتراض .
فإن العدل ناظر إلى ما اقتضاه عين المخلوق فخلق كل شيء بحسب اقتضاء عينه وعين الشيء ليس بمجعول وكذا الاقتضاء صفة ذاتية لازمة له .
(وأسماء الله تعالى وإن كانت لا تتناهي لأنها تعلم بما يكون عنها) أي بآثارها( وما يكون عنها غير متناهية)
فكانت أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار غير متناهية (وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء) فكانت أسماء الله تعالى دائرة بين التناهي وعدم التناهي.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
وقوله: "والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. ف وأعطى كل شيء خلقه (طه: 50) على يدي الاسم العدل وإخواته.
وأسماء الله وإن كانت لا تتناهي لأنها تعلم بما يكون عنها وما يكون عنها غير متناه وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء."
قلت: هذا الكلام واضح فتأمل معناه فهو سهل.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : « والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه » أي من حيث إنّ ذلك الاسم خازن لما عنده من خزائن الاسم الله « فما يخرجه إلَّا بقدر معلوم » أي بقدر ما تستدعي قابلية المعطى له ويستأهل من خزائنة ، فما يخرج إليه إلَّا بقدر ذلك المعلوم .
« على يدي اسم خاصّ بذلك الأمر . فـ " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ُ " على يدي الاسم « العدل » وأخواته لأنّ الحكم العدل يحكم على « الجواد » و « الوهّاب » و « المعطي » أن يعطي ما يعطي بقدر قابلية المعطى له .
قال رضي الله عنه: وأسماء الله لا تتناهى،لأنّها تعلم بما يكون عنها،وما يكون عنها غير متناه وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمّهات الأسماء أو حضرات الأسماء".
قال رضي الله عنه : « وأسماء الله لا تتناهى ، لأنّها تعلم بما يكون عنها ، وما يكون عنها غير متناه وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمّهات الأسماء أو حضرات الأسماء .
قال العبد : تحقّق وجود العالم والممكنات في أعيانها موقوف على الأسماء وحضراتها ، ولكنّ العلم بالأسماء موقوف عندنا على القوابل والعوالم والمظاهر .
وعوالم الإمكان من حيث شخصيّاتها وجزويّاتها لا تتناهى ، فالأسماء لا تتناهى لكنّها من حيث أمّهاتها وكلَّياتها منتهية إلى أصول حاصرة لها ، فتعدادها وعدم تناهيها وازديادها إنّما هو من حيث الممكنات والقوابل والمظاهر المتعدّدة غير المتناهية والكلّ تعيّنات وجودية ، وتنوّعات تجلَّيات جودية بحسب خصوصيات القوابل .
فهو من حيث الأصل حقيقة واحدة هي محض الوجود الحق الخالص لا غير . فالتوحيد في الحقيقة ، والتعدّد في الظهور والطريقة ، فافهم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قوله رضى الله عنه : " والمعطى هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده من خزانته " معناه أن الأسماء الأول التي يعبر عنها بالأسماء الذاتية والأسماء الإلهية هي خزانته .
فالحقيقة التي هي عين الذات لا تتكثر إلا بالنسب والإضافات إلى الأعيان والحقائق الروحانية المفصلة في الحضرة الواحدية التي هي مظهر علمه .
وتلك النسب صفاته والذات باعتبار كل نسبة اسم ، فالشيئية المقتضية لتعين كل عين من صفة توجب خزن بعض الأشياء المعلومة بمقتضى العلم الأول في ذلك العين .
وتلك الأشياء المخزونة أحوال تلك العين والذات مع تلك النسبة اسم لا يفتح هذه الخزانة إلا به ، فالمعطى للأشياء المخزونة فيها هو الذات الأحدية باعتبار تلك النسبة .
وذلك هو الاسم الخاص الخازن الفاتح لخزائنه المخصوصة ( فما يخرجه الله إلا بقدر معلوم ) يقتضيه استعداد القابل السائل (على يدي اسم خاص بذلك الأمر) أي على يدي هذا الاسم الخاص بهذه الأشياء التي عنده وفي خزانته .
ومن هذا قوله: " فأعطى كل شيء خلقه على يدي الاسم العدل وأخواته " كالمقسط والحق والحكم وأمثاله .
قوله: " وأسماء الله تعالى لا تتناهى ، لأنها تعلم بما يكون عنها وما يكون غير متناه " معلوم من المقدمة الثانية ، فإن الذات الأحدية مع النسبة إلى كل ما يصدر عنه اسم خاص وكل تعين يحدث فيها اسم ، والنسب لا تتناهى لأن القوابل واستعداداتها غير متناهية فأسماء الله تعالى لا تتناهى ( وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية ) لأن الأسماء الغير المتناهية هي الأسماء التالية التي هي مصادر الأفعال والشئون ، فينتهى إلى الأسماء الذاتية التي ( هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء ) .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.)
قال رضي الله عنه : (ﻭﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺯﻥ ﻟﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻲ ﺧﺰﺍﺋﻨﻪ. ﻓﻤﺎ ﻳﺨﺮﺟﻪ ﺇﻻ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﺳﻢ ﺧﺎﺹ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ). ﺃﻱ، ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﺳﻢ ﺧﺎﺹ ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺯﻥ ﻟﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ: "ﻭﻟﻠﻪ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ".
ﻭﻫﻲ ﺃﻋﻴﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﺸﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ. ﻓﻤﺎ ﻳﺨﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻻ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﻌﻠﻮﻡ. ﻭﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﺳﻢ ﺧﺎﺹ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻜﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻴﺪﻩ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﺄﻋﻄﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ ﺧﻠﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻱ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺃﺧﻮﺍﺗﻪ) ﺃﻱ، ﺃﻋﻄﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻣﺎ ﺍﻗﺘﻀﻰ ﻋﻴﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﻤﻪ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭ ﺃﺧﻮﺍﺗﻪ ﻙ "ﺍﻟﻤﻘﺴﻂ" ﻭ "ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ". ﻓﻼ ﻳﻘﺎﻝ: ﻟﻢ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﻴﺮﺍ ﻭﺫﺍﻙ ﻏﻨﻴﺎ ﻭﻫﺬﺍ ﻋﺎﺻﻴﺎ ﻭﺫﺍﻙ ﻣﻄﻴﻌﺎ؟ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻢ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﻭﺫﺍﻙ ﻛﻠﺒﺎ.
ﻷﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﻛﻞ ﺷﺊ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﻄﻴﻪ ﻋﻴﻨﻪ. ﻓﻠﻠﻪ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺒﺎﻟﻐﺔ.
(ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﻫﻰ، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﻬﺎ) ﺃﻱ، ﺑﻤﺎ ﻳﺼﺪﺭ ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﻭﺍﻷﻓﻌﺎﻝ.
قال رضي الله عنه : (ﻭﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻮﻝ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﺃﻣﻬﺎﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ، ﺃﻭ ﺣﻀﺮﺍﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ) ﺃﻱ، ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺴﺪﻧﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ ﻭﺍﻷﺻﻮﻝ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻛﺘﻨﺎﻫﻲ ﺃﻣﻬﺎﺕ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ، ﻭﻫﻲ ﺍﻷﺟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺗﻨﺎﻫﻰ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ.
ﻭﻗﻮﻟﻪ: "ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻢ" ﺍﺳﺘﺪﻻﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺛﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺆﺛﺮ. ﺃﻱ، ﻷﻥ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻟﻪ ﻋﻤﻞ ﺧﺎﺹ ﺑﻪ، ﻭﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﻣﺴﺘﻨﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﺣﺎﺻﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺭﻗﺎﺋﻖ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ، ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺩﺍﺧﻠﺔ ﺗﺤﺖ ﺣﻴﻄﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ.
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ، ﻷﻧﻪ ﻣﺴﺘﻨﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﺑﻞ ﻣﺴﺘﻨﺪﻩ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ ﺍﻟﺘﺎﻡ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه: "والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل وإخوانه. وأسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناه- و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء."
ثم قال رضي الله عنه : (والمعطي) لكل هذه العطايا: (هو الله) لا اسم الرحمن بالاعتبار السابق؛ لأنه لم تتمحض فيها الرحمة، ولا اسم الله تعالى من حيث جمعة للأسماء، بل (من حيث هو خازن لما عنده) من أنواع الفيض الذي (في خزائنه)، وهي الأسماء التي هي سدنته.
وإذا كانت العطايا الإلهية بهذه الأسماء المخصوصة، ولا يترجح بعضها على بعض إلا باستعداد المعطى له (فما يخرجه) أي: نوعا من الفيض (إلا بقدر معلوم) يقتضيه استعداد المعطى له بحسب أحواله.
وإذا كان معطيا لكل أحد بقدر أي: ما يستحق أن يخلق فيه فمن حيث كون كل عطاء على هذا الوجه يكون (على يدي) استعداده، "أعطى كل شيء خلقه" [طه: 50]) على وجه الحكمة من غير بخل، ولا ظلم بل (على يدي الاسم العدل وأخواته)، كالمقسط، والحق، والحكم وأمثالها حيث لم يجاوز القدر المستعد له.
فالعطايا من حيث تقدرها بمقدار الاستعداد تتعلق بهذه الأسماء، كما أنها باعتبارات أخر تتعلق باسم الله أو اسمه الرحمن، والمتعلق باسم الله يتعلق باسمه الواسع والحكيم، والوهاب، والحنان.
ثم استشعر سؤالا بأن مقتضى ما ذكرتم أن العطايا الكلية تنسب إلى الأسماء الكلية والعطايا الجزئية تنسب إلى الأسماء الجزئية، والعطايا الجزئية غير متناهية.
فهذا يقتضي أن تكون الأسماء الإلهية متناهية لكنه باطل؛ لأنها توقيفية ومعلوم بالضرورة أنها لا متناهية.
فقال ر ضي الله عنه : (وأسماء الله لا تتناهى؛ لأنها تعلم بما يكون عنها)، مما يوجب نسبة مسماها إليها، والمسمى إذا انتسب إلى أمور كثيرة يكون له بالنظر إلى كل نسبة اسم، (وما يكون عنها غير متناه)، فالأسماء أيضا غير متناهية ضرورة إن أسباب الأمور الغير المتناهية من الجزئيات تكون غير متناهية.
(وإن كانت ترجع إلى أصول) لها كلية (متناهية) هي التوقيفية، وإنما خصت بذلك من حيث (هي أمهات للأسماء) الجزئية تتفرع تلك الجزئيات عنها، (أو حضرات الأسماء) الجزئية تجتمع في حضرة الاسم الكلي اجتماع الأشخاص الكثيرة بحضرة أمير أو وزیر ذلك.
لأن غير المتناهي لا يوجد إلا في ضمن أمر كلي؛ بل لا بد لكل كثرة من الرجوع إلى وحدة هي أصلها.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : ( والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده ) من العطايا والنسب الأسمائيّة كلَّها بذواتها وأوصافها وأحكامها ( في خزانته) العلميّة التابعة للمعلوم ( فما يخرجه إلَّا بقدر معلوم ) يقتضيه استعداد ذلك المعلوم ( على يدي اسم خاصّ بذلك الأمر ) من الأحكام المستدعية لها ذلك المعلوم بلسان الاستعداد ( فـ " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ُ " (على يدي الاسم العدل وأخواته ) كالمقسط والحكم واللطيف والخبير .
( وأسماء الله ) وإن كانت ( لا تتناهى ، لأنّها تعلم بما يكون عنها ) ، أي يحصل منها من الأعيان ، ( وما يكون عنها غير متناه ، وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية ) كالعوالي من الأجناس وأئمّة الأسماء ، وتلك حقائق كلَّية ( هي امّهات الأسماء ) باعتبار صدور الجزئيّات وتولدها منها (أو حضرات الأسماء) باعتبار تقدّمها في نفسها وتقرّبها إلى الذات ، ضرورة أنّ الكلّ راجع إلى إمام الأئمّة التي له الإحاطة بالكل ، وفيه حضور الكلّ .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال رضي الله عنه : " و المعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «فـ أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل و إخوانه "
قال رضي الله عنه : (والمعطي) في جميع هذه الصورة. (هو) الاسم (الله) أحدية جمع جميع الأسماء (من حيث ما هو)، أي من حيث أنه (خازن) و جامع (لما) هو مخزون (عنده في خزائنه) العلمية التي هي حقائق الأشياء وأعيانها الثابتة المنتفشة بكل ما كان ويكون.
(فما يخرجه)، أي ما يخرج ما يكون مخزونا عنده من الغيب إلى الشهادة ومن التوت إلى الفعل.
("إلا بقدر معلوم") آية 21 سورة الحجر . و مقدار معين تستدعيه قابلية المعني له (على يدي اسم خاص بذلك الأمر) المخزون عنده المراد عطاء (فـ "وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ). آية 50 سورة طه.
أي ما اقتضى عينه أن يكون مخلوقا عليه من غير زيادة ولا نقصان. (على يدي الاسم العدل وإخوانه) كالمقسط والحكم، فإنه تحكم على الجواد والوهاب والمعطي أن يعطي بقدر ما يعطي قابلية المعطى له.
قال رضي الله عنه : "و أسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- و ما يكون عنها غير متناه- و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء."
قال رضي الله عنه : (وأسماء الله) الشرعية التفصيلية (لا تتناهي لأنها تعلم) وتميز (بما يكون)، أي تحصل وتصدر (عنها) من الآثار الممكنة (وما يكون عنها) من الآثار (غير متناه) لأنها إنما نحصل وتصدر بحسب التوابل والمظاهر المتعددة الغير المتناهية، وإذا كانت الآثار غير متناهية فالأسماء المتعينة بحسبها أيضا غير متناهية .
(وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء)، كما ترجع مظاهرها أيضا إلى أصول متناهية وهي الأجناس والأنواع مع عدم تناهي الأشخاص التي تحتها.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:46 عدل 2 مرات
الفقرة الخامسة والعشرون الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى اللهالفقرة الخامسة و العشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( والمعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال المصنف رضي الله عنه : [ (والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر."أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُ" [ طه: 50] على يدي الاسم العدل و أخواته.]
قال الشارح رضي الله عنه:
(و المعطي) في جميع ما ذكرناه (هو الله )، الجامع لما كان في القوة الاسم الله، بالوضع الأول كل اسم إلهي بل كل ما يكون عن مسمّاه أثر في الكون تاب مناب كل اسم لله تعالى .
فإذا قال قائل: يا الله، فانظر في حالة القائل التي بعثته هذا النداء، أو انظر أي اسم إلهيّ خاص بتلك الحالة، فذلك الاسم الخاص هو الذي يطلب هذا الدّاعي، بقوله: يا الله لأنّ الاسم الله، بالوضع الأول إنما سماه ذات الحق، وبيده ملكوت كل شيء فهو مرتبة الألوهة.
فلهذا ناب الاسم الدال عليها على الخصوص مناب كل اسم إلهيّ، فالخازن هو الله و خدامه و سدنته الأسماء (فهو من حيث هو خازن لما عنده من خزائنه) .
قال الله تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ وما ننزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21] .
اعلم أنه ما من شي ء أوجده الله تعالى في العالم إلا و له أمثال في خزائن الجود، و هذه الخزائن قد تكون في كرسيه، و كرسيه علمه بل الكرسي لغة عبارة عن العلم، كما قال تعالى:"وسِع كُرْسِيُّهُ السّماواتِ والْأرض" [ البقرة: 255]: أي علمه .
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من الفتوحات:
فهذه الأمثال التي تحتوي عليها هذه الخزائن لا تتناهى أشخاصها، فالأمثال من كل يوجد في كل زمان فرد في الدنيا والآخرة دائما أبدا .
والخزائن تعلو أو تسفل، فأعلاها كرسيه، و أدناها خزنته الإنكار في البشر، وما بين هذين خزائن محسوسة و معقولة بل كلها عند الله فإنها عين الوجود، بل كلها هو الكرسي لأنه علم الله في العالم بالعالم، فالخزائن منحصرة بانحصار أنواع المعلومات و مرجعها و إن كثرت إلى خزانتين: خزانة العلم بالله، و خزانة العلم بالعالم .
وإن شئت قلت: خزانة العلم بالأنفس، و خزانة العلم بالآفاق .
و قد نبه تعالى عباده في كتابه العزيز أن عنده خزائن كل شيء، والخزائن يقتضي الحصر، و الحصر يقتضي التقييد .
ثم بين أنه ما ينزل شي ء منها إلا بقدر معلوم، و بوقت معلوم.
فقال رضي الله عنه: (فما يخرجه إلا بقدر معلوم ): أي بوقت معلوم، فمقدار معلوم في الدنيا بحسب طلب الأعيان، و قدر ما و هو قدر معلوم له تعالى في الأزل، إنما قال بحسب طلب الأعيان إذ لا يقبل منه قابل إلا ما هو عليه في نفسه من الاستعداد، فيحكم باستعداده على مواهب خالقه، فلا يعطيه إلا ما يقتضيه طلبه في الدنيا و إنما قلنا في الدنيا .
لأنّ الشيخ رضي الله عنه ذكر في الباب السادس و الثلاثين و خمسمائة من الفتوحات:
إنّ هذا حكم في الدنيا، فإذا كان في الآخرة عاد الحكم فيما يحوي عليه هذه الخزائن التي عند الله إلى العبد العارف، الذي يحمل الله سعادته، فيدخل فيها متحكما فيخرج منها ما شاء بغير حساب، ولا قدر معلوم بل يحكم ما يختار الوقت .
وهو أنه يعطي التكوين في الآخرة، و يكشف له أنه عين الخزانة التي عند الله، فإنه عند الله، و "ما عِنْد اللّهِ باقٍ" [ النحل:96] .
فكل ما حظر له تكوينه كونه، فلا يزال في الآخرة خلافا دائما، و يرتفع عليه التقدير والتحجير.
قال رضي الله عنه: (إنه لا يخرجه القدر إلا بقدر معلوم ) أي في وقت معلوم، أو مقدار معلوم، فلا يستبطئ أحد، ولا يقنط في إجابة دعائه.
و يثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه و سلم، يردد آية:" إنْ تعذبْـهُمْ فِإنّـهُمْ عِبادُك وإنْ تغْفِرْ لهُمْ فِّإنك أنت العزيزُ الحكِيمُ" [ المائدة: 118].
فإنه صلى الله عليه و سلم سأل ربه إلحاحا منه على ربه في ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها، و لم يعدل إلى غيرها و ذلك لعلمه بأنه لو لا وفق الله عبده بالعطايا ما وفقه بسؤاله، فافهم .
قال رضي الله عنه: (إنه لا يخرجه القدر إلا بقدر معلوم ): أي في وقت معلوم، أو مقدار معلوم، فلا يستبطئ أحد، و لا يقنط في إجابة دعائه، و يثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه و سلم، يردد آية:”إنْ تعذبْـهُمْ فِإنّـهُمْ عِبادُك وإنْ تغفِرْ لهُمْ فِّإنك أنت العزيزُ الحكِيمُ " [ المائدة: 118].
فإنه صلى الله عليه و سلم سأل ربه إلحاحا منه على ربه في ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها، و لم يعدل إلى غيرها و ذلك لعلمه بأنه لولا وفق الله عبده بالعطايا ما وفقه بسؤاله، فافهم.
( على يدي )، واليدان عبارة عن تقابل الآثار، والطبيعة لا تتأثر إلا مما يناسبها، وهي متقابلة، فجاء باليدين متقابلة فيهما،أعطي ومنع، وفرق وجمع، وبهما جمال وجلال، وإدبار وإقبال، (اسم خاص بذلك الأمر فـ "أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُثمّ هدى" [ طه: 50] )، و بين أنه أعطى العالم وجوده عطاء امتنانيا، و أعطى كل موجود خلقه عطاء وجوبيا .
قال تعالى: " كتب ربُّكُمْ على نفْسِهِ الرّحْمة" [ الأنعام: 54] .
فرحم الخلق بإعطاء ما يطلبونه منه تعالى، وما فصّلنا هذا التفصيل
لأنه رضي الله عنه في حضرة العطاء في الفتوحات :
فصّل العطاء منه واجبا و امتنانا، فالعطاء الامتناني منه كالنوافل منا، و العطاء الوجوبي كالفرائض من العبد لأنه قال تعالى على لسان رسوله : "إنه كتب على نفسه الرحمة"
وقال:" فعّالٌ لما يريدُ " [ البروج: 16]، و كما قال: "وعلى اللّهِ قصْدُ السّبيلِ" [ النحل: 9] .
( على يدي اسم العدل )، ورد في الخبر الصحيح : "بالعدل قامت السماوات و الأرض".
وإن كان العدل هو الميل والانحراف، ولكن أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم التابع للمحكوم عليه.
ومن هذه الحضرة خلق العالم على صورته، و من هنا كان عدلا لأنه عدل من حضرة الوجوب إلى حضرة الإمكان، و كذلك عدل بالممكنات من حضرة ثبوتهم إلى وجودهم، فأوجدهم بعد أن لم يكونوا، بكونه جعلهم مظاهر، و بكونه كان محلّا لظهور إمكانهم .
و هذا كله من خزانة العدل، و منها يقسم الله العدل في العالم بين عباده، و حظ الكامل منه أنه إذا كشف الله عن ذاته، فرأى جميع العالم في حضرته، و رأى رقائق بينه و بين كل جزء من العالم، فحمد يحسن إلى العالم من نفسه على تلك الرقائق.
فيعطي على حكم الأصل كل ذي حقّ حقه، كما أعطي الأصل كل شي ء خلقه، فيوصل الإحسان لكل ما في العالم بهمته من الغيب، كما يوصله الحق من الأسباب لكل برّ و فاجر، فيجهله العالم ذلك الإحسان من الكامل لأنه لا يشهده في الإحسان كما يجهل الحق بالأسباب .
فيقال: لولا كذا ما كان كذا، فإذا حققت النظر في الوجهين الحقي و الخلقي، فما أحسن أحد إلا لنفسه، و التنبيه على ذلك من جهة العبد، قوله سبحانه: "إنْ أحْسنْتمْ أحْسنْتمْ لِأ نْـفُسِكُمْ وإنْ أسأْتمْ فلها فِإذا جاء وعْدُ الْآخِرةِ ليسُوُؤُا وجُوهكُمْ وليدْخُلوا المسْجِد كما دخلوهُ أوّل مرٍّة وليتِّبـروا ما علوْا تتْبيرًاً " [ الإسراء: 7] .
وكذلك ورد عن سيدنا علي المرتضى، كرم الله وجهه أنه قال :
"ما أسأت إلى أحد أبدا، قالوا: صدقت، ثم قال: و ما أحسنت إلى أحد أبدا، فقالوا: وأما الإحسان فقد أحسنت إلينا، فقرأ قوله تعالى: "منْ عمِل صالحاً فلنفْسِهِ ومنْ أساء فعليها وما ربُّك بظلّاٍم للْعبيدِ" [ فصلت: 46]«
وأما من جهة الحق هو إشارة إلى قوله تعالى: ألا إلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ [الشورى: 53]،فلا يقع الأمر إلا منه وإليه، (و أخواته) كالمقسط.
قال المصنف رضي الله عنه : [وأسماء الله و إن كانت لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها و ما يكون عنها غير متناه و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء .]
قال الشارح رضي الله عنه :
( و أسماء الله و إن كانت لا تتناهى ): أي من حيث الجزئيات (لأنها تعلم) هذه علة عدم التناهي للأسماء، فإنها تعلم (بما يكون عنها )، ويوجد منها على الأحيان، (وما يكون عنها غير متناهية).أي أنّ معلوماته المتأثرة منه لا نهاية لها من حيث جزيئاتها، وهي معلومة لنا، وكل متأثر مؤثر خاص، ولا بدّ و ذلك لأن الواحد لا يصدر إلا من الواحد، وهذا الواحد غير الأول لأنه لا تكرار في التجلي .
فاستدل بعدم تناهي المتأثرات عدم تناهي المؤثرات التي هي الأسماء الإلهية، فهي غير متناهية، (وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمّهات الأسماء) :
كالأسماء السبعة المسمّاة بالأئمة السّبعة، و كالأسماء التسعة و التسعين كما هو المشهور .
و هكذا المعلومات و الحقائق الكونية، و إن كانت غير متناهية ترجع إلى أصول متناهية، و هي الأجناس و الأنواع و الأصناف مع عدم تناهي الأشخاص، فهي في الأسماء تسمّى أمّهات الأسماء، (أو حضرات الأسماء) .
و المعنى يقارب، و لكن في الأولى يريد بأن الأسماء تنتج بعضها من بعض.
"" أضاف الجامع يقول الشيخ عبد الرزاق القاشاني في إصطلاحات الصوفية :
أئمة الأسماءهم الأسماء السبعة الأولى المسماة أسماء الإلهية وهي:
الحي والعالم والمريد والقادر والسميع والبصير والمتكلم. وهي أصول الأسماء كلها ""
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( والمعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه. فما يخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ» على يدي العدل وإِخوانه. وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. )
قال المصنف رضي الله عنه : [ (والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر."أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُ" [ طه: 50] على يدي الاسم العدل و أخواته.]
قال الشارح رضي الله عنه:
(و المعطي) في جميع ما ذكرناه (هو الله )، الجامع لما كان في القوة الاسم الله، بالوضع الأول كل اسم إلهي بل كل ما يكون عن مسمّاه أثر في الكون تاب مناب كل اسم لله تعالى .
فإذا قال قائل: يا الله، فانظر في حالة القائل التي بعثته هذا النداء، أو انظر أي اسم إلهيّ خاص بتلك الحالة، فذلك الاسم الخاص هو الذي يطلب هذا الدّاعي، بقوله: يا الله لأنّ الاسم الله، بالوضع الأول إنما سماه ذات الحق، وبيده ملكوت كل شيء فهو مرتبة الألوهة.
فلهذا ناب الاسم الدال عليها على الخصوص مناب كل اسم إلهيّ، فالخازن هو الله و خدامه و سدنته الأسماء (فهو من حيث هو خازن لما عنده من خزائنه) .
قال الله تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ وما ننزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21] .
اعلم أنه ما من شي ء أوجده الله تعالى في العالم إلا و له أمثال في خزائن الجود، و هذه الخزائن قد تكون في كرسيه، و كرسيه علمه بل الكرسي لغة عبارة عن العلم، كما قال تعالى:"وسِع كُرْسِيُّهُ السّماواتِ والْأرض" [ البقرة: 255]: أي علمه .
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من الفتوحات:
فهذه الأمثال التي تحتوي عليها هذه الخزائن لا تتناهى أشخاصها، فالأمثال من كل يوجد في كل زمان فرد في الدنيا والآخرة دائما أبدا .
والخزائن تعلو أو تسفل، فأعلاها كرسيه، و أدناها خزنته الإنكار في البشر، وما بين هذين خزائن محسوسة و معقولة بل كلها عند الله فإنها عين الوجود، بل كلها هو الكرسي لأنه علم الله في العالم بالعالم، فالخزائن منحصرة بانحصار أنواع المعلومات و مرجعها و إن كثرت إلى خزانتين: خزانة العلم بالله، و خزانة العلم بالعالم .
وإن شئت قلت: خزانة العلم بالأنفس، و خزانة العلم بالآفاق .
و قد نبه تعالى عباده في كتابه العزيز أن عنده خزائن كل شيء، والخزائن يقتضي الحصر، و الحصر يقتضي التقييد .
ثم بين أنه ما ينزل شي ء منها إلا بقدر معلوم، و بوقت معلوم.
فقال رضي الله عنه: (فما يخرجه إلا بقدر معلوم ): أي بوقت معلوم، فمقدار معلوم في الدنيا بحسب طلب الأعيان، و قدر ما و هو قدر معلوم له تعالى في الأزل، إنما قال بحسب طلب الأعيان إذ لا يقبل منه قابل إلا ما هو عليه في نفسه من الاستعداد، فيحكم باستعداده على مواهب خالقه، فلا يعطيه إلا ما يقتضيه طلبه في الدنيا و إنما قلنا في الدنيا .
لأنّ الشيخ رضي الله عنه ذكر في الباب السادس و الثلاثين و خمسمائة من الفتوحات:
إنّ هذا حكم في الدنيا، فإذا كان في الآخرة عاد الحكم فيما يحوي عليه هذه الخزائن التي عند الله إلى العبد العارف، الذي يحمل الله سعادته، فيدخل فيها متحكما فيخرج منها ما شاء بغير حساب، ولا قدر معلوم بل يحكم ما يختار الوقت .
وهو أنه يعطي التكوين في الآخرة، و يكشف له أنه عين الخزانة التي عند الله، فإنه عند الله، و "ما عِنْد اللّهِ باقٍ" [ النحل:96] .
فكل ما حظر له تكوينه كونه، فلا يزال في الآخرة خلافا دائما، و يرتفع عليه التقدير والتحجير.
قال رضي الله عنه: (إنه لا يخرجه القدر إلا بقدر معلوم ) أي في وقت معلوم، أو مقدار معلوم، فلا يستبطئ أحد، ولا يقنط في إجابة دعائه.
و يثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه و سلم، يردد آية:" إنْ تعذبْـهُمْ فِإنّـهُمْ عِبادُك وإنْ تغْفِرْ لهُمْ فِّإنك أنت العزيزُ الحكِيمُ" [ المائدة: 118].
فإنه صلى الله عليه و سلم سأل ربه إلحاحا منه على ربه في ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها، و لم يعدل إلى غيرها و ذلك لعلمه بأنه لو لا وفق الله عبده بالعطايا ما وفقه بسؤاله، فافهم .
قال رضي الله عنه: (إنه لا يخرجه القدر إلا بقدر معلوم ): أي في وقت معلوم، أو مقدار معلوم، فلا يستبطئ أحد، و لا يقنط في إجابة دعائه، و يثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه و سلم، يردد آية:”إنْ تعذبْـهُمْ فِإنّـهُمْ عِبادُك وإنْ تغفِرْ لهُمْ فِّإنك أنت العزيزُ الحكِيمُ " [ المائدة: 118].
فإنه صلى الله عليه و سلم سأل ربه إلحاحا منه على ربه في ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها، و لم يعدل إلى غيرها و ذلك لعلمه بأنه لولا وفق الله عبده بالعطايا ما وفقه بسؤاله، فافهم.
( على يدي )، واليدان عبارة عن تقابل الآثار، والطبيعة لا تتأثر إلا مما يناسبها، وهي متقابلة، فجاء باليدين متقابلة فيهما،أعطي ومنع، وفرق وجمع، وبهما جمال وجلال، وإدبار وإقبال، (اسم خاص بذلك الأمر فـ "أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُثمّ هدى" [ طه: 50] )، و بين أنه أعطى العالم وجوده عطاء امتنانيا، و أعطى كل موجود خلقه عطاء وجوبيا .
قال تعالى: " كتب ربُّكُمْ على نفْسِهِ الرّحْمة" [ الأنعام: 54] .
فرحم الخلق بإعطاء ما يطلبونه منه تعالى، وما فصّلنا هذا التفصيل
لأنه رضي الله عنه في حضرة العطاء في الفتوحات :
فصّل العطاء منه واجبا و امتنانا، فالعطاء الامتناني منه كالنوافل منا، و العطاء الوجوبي كالفرائض من العبد لأنه قال تعالى على لسان رسوله : "إنه كتب على نفسه الرحمة"
وقال:" فعّالٌ لما يريدُ " [ البروج: 16]، و كما قال: "وعلى اللّهِ قصْدُ السّبيلِ" [ النحل: 9] .
( على يدي اسم العدل )، ورد في الخبر الصحيح : "بالعدل قامت السماوات و الأرض".
وإن كان العدل هو الميل والانحراف، ولكن أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم التابع للمحكوم عليه.
ومن هذه الحضرة خلق العالم على صورته، و من هنا كان عدلا لأنه عدل من حضرة الوجوب إلى حضرة الإمكان، و كذلك عدل بالممكنات من حضرة ثبوتهم إلى وجودهم، فأوجدهم بعد أن لم يكونوا، بكونه جعلهم مظاهر، و بكونه كان محلّا لظهور إمكانهم .
و هذا كله من خزانة العدل، و منها يقسم الله العدل في العالم بين عباده، و حظ الكامل منه أنه إذا كشف الله عن ذاته، فرأى جميع العالم في حضرته، و رأى رقائق بينه و بين كل جزء من العالم، فحمد يحسن إلى العالم من نفسه على تلك الرقائق.
فيعطي على حكم الأصل كل ذي حقّ حقه، كما أعطي الأصل كل شي ء خلقه، فيوصل الإحسان لكل ما في العالم بهمته من الغيب، كما يوصله الحق من الأسباب لكل برّ و فاجر، فيجهله العالم ذلك الإحسان من الكامل لأنه لا يشهده في الإحسان كما يجهل الحق بالأسباب .
فيقال: لولا كذا ما كان كذا، فإذا حققت النظر في الوجهين الحقي و الخلقي، فما أحسن أحد إلا لنفسه، و التنبيه على ذلك من جهة العبد، قوله سبحانه: "إنْ أحْسنْتمْ أحْسنْتمْ لِأ نْـفُسِكُمْ وإنْ أسأْتمْ فلها فِإذا جاء وعْدُ الْآخِرةِ ليسُوُؤُا وجُوهكُمْ وليدْخُلوا المسْجِد كما دخلوهُ أوّل مرٍّة وليتِّبـروا ما علوْا تتْبيرًاً " [ الإسراء: 7] .
وكذلك ورد عن سيدنا علي المرتضى، كرم الله وجهه أنه قال :
"ما أسأت إلى أحد أبدا، قالوا: صدقت، ثم قال: و ما أحسنت إلى أحد أبدا، فقالوا: وأما الإحسان فقد أحسنت إلينا، فقرأ قوله تعالى: "منْ عمِل صالحاً فلنفْسِهِ ومنْ أساء فعليها وما ربُّك بظلّاٍم للْعبيدِ" [ فصلت: 46]«
وأما من جهة الحق هو إشارة إلى قوله تعالى: ألا إلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ [الشورى: 53]،فلا يقع الأمر إلا منه وإليه، (و أخواته) كالمقسط.
قال المصنف رضي الله عنه : [وأسماء الله و إن كانت لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها و ما يكون عنها غير متناه و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء .]
قال الشارح رضي الله عنه :
( و أسماء الله و إن كانت لا تتناهى ): أي من حيث الجزئيات (لأنها تعلم) هذه علة عدم التناهي للأسماء، فإنها تعلم (بما يكون عنها )، ويوجد منها على الأحيان، (وما يكون عنها غير متناهية).أي أنّ معلوماته المتأثرة منه لا نهاية لها من حيث جزيئاتها، وهي معلومة لنا، وكل متأثر مؤثر خاص، ولا بدّ و ذلك لأن الواحد لا يصدر إلا من الواحد، وهذا الواحد غير الأول لأنه لا تكرار في التجلي .
فاستدل بعدم تناهي المتأثرات عدم تناهي المؤثرات التي هي الأسماء الإلهية، فهي غير متناهية، (وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمّهات الأسماء) :
كالأسماء السبعة المسمّاة بالأئمة السّبعة، و كالأسماء التسعة و التسعين كما هو المشهور .
و هكذا المعلومات و الحقائق الكونية، و إن كانت غير متناهية ترجع إلى أصول متناهية، و هي الأجناس و الأنواع و الأصناف مع عدم تناهي الأشخاص، فهي في الأسماء تسمّى أمّهات الأسماء، (أو حضرات الأسماء) .
و المعنى يقارب، و لكن في الأولى يريد بأن الأسماء تنتج بعضها من بعض.
"" أضاف الجامع يقول الشيخ عبد الرزاق القاشاني في إصطلاحات الصوفية :
أئمة الأسماءهم الأسماء السبعة الأولى المسماة أسماء الإلهية وهي:
الحي والعالم والمريد والقادر والسميع والبصير والمتكلم. وهي أصول الأسماء كلها ""
.
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:49 عدل 4 مرات
الفقرة السادسة والعشرين الجزء الأول السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : " وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، و سبب ذلك تميز الأسماء. "
(وعلى الحقيقة) مما هو وراء ما يظهر لكل عقل من الله تعالى .
(فما ثم)، أي هناك يعني في الوجود والثبوت والتحقق (إلا حقيقة)، أي ذات وماهية (واحدة) لا تعدد لها في نفسها أبدا ولا تقبل ذلك لعدم تركبها، وهي مطلقة عن جميع القيود حتى عن الإطلاق أيضا، لأنه قيد لها (تقبل تلك الحقيقة الواحدة
(جميع هذه النسب) جمع نسبة، وهي أمر مفهوم من بين أمرين أو أمور بحيث لو زال أحد ركنیها زالت ولم تبق (والإضافات) جمع إضافة وهي أمر مفهوم من آخر لا بطريق الاستقلال، وقد تكون النسبة بمعنى الإضافة والإضافة بمعنى النسبة (التي) نعت للنسب والإضافات (یكنی عنها) في لسان الشرع المحمدي (بالأسماء الإلهية) فلولا ماهيات الأشياء المعدومة المقدرة من غير بداية ، المترتبة في العدم على حسب ترتبها في الوجود الظاهر، ما سمى الله تعالى بما سمى به من جميع الأسماء فظهرت أسماء الأفعال بظهور تلك الماهيات، فسمي الخالق بظهور المخلوق، وسمي الرزاق بظهور المرزوق، وظهرت أسماء الذات فسمي القدير بظهور قدرة العبد، والمريد بظهور إرادة العبد وهكذا.
وظهرت أسماء السلوب فسمي القدير بظهور حدوث العبد للعبد، وسمی الباقي بظهور فناء العبد له، وسمي الواحد بظهور التعدد إلى آخره، فهذه الأسماء كلها مجرد نسب وإضافات ظهرت وتعينت بالنسبة إلى تلك الماهيات الظاهرة، وبالإضافة إليها هي ظاهرة متعينة أيضا عند الحق تعالى بالنسبة إلى تلك الماهيات قبل ظهورها، وهي معدومة أزلا، على أن الوجود له تعالى الآن وفيما مضى وفيما سبق وفيما سيأتي في التحقيق، وتلك الماهيات المعدومة على ما هي عليه في عدمها الأصلي، ولكن الحق تعالى يقلب القلوب والأبصار تقليبة، ومن جملة أحوال تلك الماهيات المعدومة فهو معدوم مثلها، فبرأها وجوده منسوبة إلى تلك الماهيات المعدومة، والحق على ما هو عليه من الوجود، والماهيات المعدومة على ما هي عليه من العدم، وأسماء الله تعالى على ما هي عليه نسب وإضافات موجودة أزلا وأبدا بوجود هو عین ذاته تعالى لا بوجود آخر مستقل، ولهذا كانت عند الأشعري رحمه الله تعالى : ليست عين الذات ولا غير الذات .
(والحقيقة) التي هي نفس الأمر عند العارف (تعطي أن يكون لكل اسم) من أسماء الله تعالى (يظهر) في الكون بصورة أثره المخصوص (إلى ما لا يتناهى) من الآثار، فإنها لا تتكرر على الأبد فيلزم أن تتكرر الأسماء الظاهرة بها إلى الأبد، فكل ذرة من ذرات الوجود لها في كل لمحة وجود به هي غيرها في التحقيق.
وذلك الوجود يظهر اسما مخصوصا من أسماء الله تعالى، ثم لا يعود ذلك الاسم إلى الظهور أبدا، بل يظهر بعده اسم آخر غيره مشابها له أو غير مشابه ولا مشابهة من كل وجه أصلا (حقيقة)، أي سرابة باطنية في غيب حقيقة الحق تعالى (يتميز) ذلك الاسم (بها) في ظهوره بذلك الأثر المخصوص (عن) حقيقة (اسم آخر) من أسماء الله تعالى.
وتلك الحقيقة التي يتميز بها ذلك الاسم في غيب ذات الحق تعالى (هي) بنفسها ذلك (الاسم عينه لا) هي (ما يقع فيه الاشتراك) بين جميع الأسماء من حقيقة غيب الحق تعالی المسمى بجميع هذه الأسماء من حيث قيام حقائق الأسماء كلها به تعالى، وتلك الحقيقة التي لكل اسم لا تعين لها بنفسها في حقيقة غيب الذات الحق تعالى، وإنما تعينها بحقيقة غيب الذات على وجه لا يغایر حقيقة غيب الذات، وتلك الصورة الكونية التي هي أثر ذلك الاسم تكشف عن ذلك التعين الغيبي وتميز حقيقة ذلك الاسم عن غيره عند العارف على وجه لا يغير ما كان الأمر عليه في نفسه قبل ذلك التعين وذلك الانكشاف ، فالأمر غيب وشهادة ومستور و مكشوف غير هذا لا یكون .
قال رضي الله عنه : (كما أن الأعطيات) التي هي آثار تلك الأسماء (تتميز كل أعطية) منها (عن غيرها بشخصيتها) التي هي صورتها الخاصة بها (وإن كانت) كلها صادرة (من أصل واحد) وهو مرتبة الإمكان (ومعلوم أن هذه) الأعطية بعينها (ما هي هذه) الأعطية (الأخرى) بعينها (وسبب ذلك) التمييز بين العطايا إنما هو (تميز الأسماء) وسبب تميز الأسماء اختلاف الحقائق الأسمائية في غيب الحقيقة الذاتية كما ذكرنا .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
قال رضي الله عنه : (وعلى الحقيقة) أي وكان في التحقيق (فما ثمة) أي فما في مقام الأسماء المتكثرة (إلا حقيقة واحدة) وهي الذات الإلهية (تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية) مع كونها باقية على وحدتها الحقيقية (والحقيقة) الواحدة التي تقبل جميع النسب .
وتفسير البعض بقوله أي التحقيق يقتضي أن يكون لكل اسم حقيقة مميزة له خطأ لأنها نكرة معادة معرفة فهي عين الأول (تعطي أن يكون لكل اسم مظهر إلى ما لا يتناهی) أي له مظاهر غير متناهية (حقيقة يتميز بها عن اسم آخر) أي يتميز الاسم بتلك الحقيقة من غيره من الأسماء.
(وتلك الحقيقة التي بها يتميز هي) مبتدأ ثان (الاسم) خبره (عينه) بدل من الاسم أي هي عين الاسم إذ حقيقة الشيء عين ذلك الشيء فامتیازه بتعين غير زائد على نفسه أو الاسم مبتدأ ثالث عينه خبر أي الاسم عين هذا الحقيقة ذكر الضمير باعتبار الاسم فاندفع توهم المغايرة من قوله تعطي لكل اسم حقيقة يتميز بها (لا ما يقع فيه الاشتراك) أي تلك الحقيقة ليست هي عين الحقيقة المشتركة التي هي الذات الإلهية المشتركة بين الأسماء وليس معنى الاشتراك اشتراك الجزئيات في الكلي ولا اشتراك الصور في المرايا في ذوي الصورة ولا اشتراك الأوصان في ذاتك وإنما مسنى الاشتراك توجه الواحد الحقيقي إلى جهة خاصة لكمال خاص بتلك الجهة مع بقاء الحضرة الواحدة على وحدته بحيث لا يمنع كل من التوجه التوجه الآخر فما كانت الأسماء والصفات إلا التوجهات الأولية الذاتية الإيجابية ، وما بعدها كلها توجهات ثانية اسمائية إختبارية فكانت الأسماء كلها مشتركة في دلالتها على الذات ومميزة بحقيقتها المختصة التي هي عينها وهذا لا يعرف إلا بالذوق، ولصعوبة هذا المقام أورد دليلا مشاهدا بالحس تسهيلا للطالبين.
فقال رضي الله عته : (كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية) أي كل واحدة منها عن غيرها بشخصيتها وإن كانت العطايا (عن أصل واحد) وهو الذات الإلهية .
(فمعلوم أن هذه) العطايا (الأخرى بسبب ذلك) أي وما سبب تميز العطايا (إلا تميز الأسماء) وهو استدلال من الأثر وهو تميز العطايا إلى المؤثر وهو تميز الأسماء إذ عند المحققين ما من موجود في الشهادة إلا وهو مصورة ما في الغيب ودليله هذا دليل على تميز العطايا وأما الدليل على )تميز الأسماء(.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
وقوله: "وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقيل جميع هذه النسب والإضافات التي بكنی عنها بالأسماء الإلهية."
وقد زاده الشيخ، رضي الله عنه، بيانا فيما أنا ذاكره من كلامه وهو قوله: (والحقيقة تعطى أن يكون لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميز الأسماء."
قلت: إن الأسماء هي اعتبارات في الأشياء، مثاله حصول الرزق لشخص ما منه تعيين الاسم الرازق. والأشياء لا تتناهي فالاعتبارات لا تتناهي فالأسماء لا تتناهي وإن رجعت إلى أصلين: الاسم الله والاسم الرحمن، لقوله تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" (الإسراء: 110).
ولما كانت الأشياء كل شيء منها يتميز بتشخصه كانت أحكامه متشخصة به أيضا فامتازت الأسماء وامتازت الأشياء.
فإن قال قائل: إن الأشياء هي تبع للأسماء.
فقال: يجوز أن يقال ذلك باعتبار وأن يقال هذا باعتبار، فإن الوجود الالهي قدر شامل بجميع أشتات الموجودات بل والأعيان كلها باعتبار أن لها نوعا من الثبوت والثبوت لا يكون منسوبا لغير الوجود .
فالذي يقع فيه الاشتراك في نظر المحقق ليس إلا الوجود.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
قال رضي الله عنه : « . وعلى الحقيقة فما ثمّ إلَّا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهيّة والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهى حقيقة يتميّز بها عن اسم آخر ، تلك الحقيقة التي بها يتميّز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك ، كما أنّ الأعطيات تتميّز كلّ أعطية عن غيرها بشخصيّتها ، وإن كانت من أصل واحد ، فمعلوم أنّ هذا ما هي هذه الأخرى ، وسبب ذلك تميّز الأسماء " .
وسبب ذلك التميّز تميّز الحقائق ، والذي يقع فيه الاشتراك هو الوجود البحت ، والموجب للتعدّد هو خصوصية القابل ، فتعيّن الوجود الواحد بحسب تلك الخصوصية على وجه مخصوص هو المميّز لذلك المتعيّن بتلك الخصوصية عن تعيّن آخر ، وبعد تعيّن الحضرات الأسمائية وتمايزها لا بدّ أن تتمايز الأعطيات بعضها عن البعض .
وليس ذلك إلَّا من تمايز الحضرات ، فالذي يمتاز به كلّ اسم عن الآخر هو عين الاسم لا ما تتشارك الأسماء فيه ، فإنّه الوجود الحقّ المسمّى بهذه الأسماء ، هو فيها عينها ، وحقيقته هي عين الكلّ ، لا يكون فيها من حيث هي تمثّل كلّ منها عين الآخر ، فتمايزها بخصوصيات هي أعيانها .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
فتبين من هذا قوله رضي الله عنه : " وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي تكنى عنها بالأسماء الإلهية ، والحقيقة تعطى أن تكون لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهى حقيقة يتميز بها عن اسم آخر ".
أي تقتضي أن تكون الأسماء يتميز بعضها عن بعض بخصوصيات لاشتراكها في الذات ، فلو لم يكن لكل اسم يظهر إلى ما لا يتناهى من أسماء الربوبية التي لا يمكن إحصاؤها خصوصية هو بها هو لم يكن التعدد .
فحقيقة ذلك الاسم تلك الخصوصية لا ما به الاشتراك كالإرادة والقدرة في الأسماء الذاتية ، والإيجاد والتصوير في الأسماء الإلهية ، والرزق والهبة في الأسماء الربوبية .
وهذا معنى قوله: " وتلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك " ثم مثل بالأعطية التي يتميز كل واحد منها عن الآخر بشخصيته التي لا يمكن أن يشاركه فيها عطاء آخر ، مع اشتراك الكل في كونها عطاء.
فقال : " كما أن الأعطيات يتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها وإن كانت عن أصل واحد فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى وسبب ذلك تميز الأسماء".
وكل عطاء خاص يظهر عن اسم خاص ، يعطى الله تعالى ذلك العطاء على يد ذلك الاسم فكل ما يتجدد لا يشارك في شخصيته شيء آخر من الأزل إلى الأبد
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
قال رضي الله عنه : (ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻤﺎ ﺛﻢ ﺇﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﻘﺒﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻭﺍﻹﺿﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ) ﺃﻱ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻣﺘﻜﺜﺮﺓ، ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﺛﻢ ﺇﻻ ﺫﺍﺕ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﻘﺒﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻭﺍﻹﺿﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺗﺴﻤﻰ بـ (ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ).
قال رضي الله عنه : (ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻌﻄﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻻ ﻳﺘﻨﺎﻫﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﺘﻤﻴﺰ) ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺳﻢ.
(ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﺳﻢ ﺁﺧﺮ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺍﻻﺳﻢ ﻫﻲ ﻋﻴﻨﻪ ﻻ ﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻙ).
ﺃﻱ، ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰﺓ ﻟﻪ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ. ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻻ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭ ﺻﺎﺭﺕ ﺍﺳﻤﺎ.
ﻓﺎﻷﺳﻤﺎﺀ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻜﺜﺮﻫﺎ، ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻻ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻭﺍﻹﺿﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ ﺑﺎﻟﺼﻔﺎﺕ، ﺇﺫ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻼ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺮﺭ.
ﻭﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻻﺳﻢ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻉ، ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻔﺮﻕ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ ﺍﺳﻤﺎ، ﻓﺈﻥ "ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ" ﻣﺸﺘﺮﻙ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻏﻴﺮﻩ.
ﻭﻻ ﻳﻘﺎﻝ، ﺇﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ. ﺑﻞ ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ.
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻔﻬﻮﻣﻪ ﻣﺎﻟﻪ ﺍﻟﻨﻄﻖ، ﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺊ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺎﻟﻨﺎﻃﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻫﻮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ.
(ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻷﻋﻄﻴﺎﺕ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻛﻞ ﺃﻋﻄﻴﺔ)ﻋﻠﻰ ﻭﺯﻥ "ﺃﻓﻌﻠﺔ". ﺃﻱ، ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ. (ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ).
ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ "ﺃﻋﻄﻴﺔ" ﻋﻠﻰ ﻭﺯﻥ "ﺃﻣﻨﻴﺔ"، ﻭﺍﻷﻋﻄﻴﺎﺕ، ﺑﺘﺸﺪﻳﺪ ﺍﻟﻴﺎﺀ ﻭﺿﻢ ﺍﻟﻬﻤﺰﺓ، ﺟﻤﻌﻬﺎ، ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ: (ﺑﺸﺨﺼﻴﺘﻬﺎ، ﻭ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﻞ ﻭﺍﺣﺪ) ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻻﺳﻢ "ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ" ﻭ "ﺍﻟﻤﻌﻄﻰ" ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ.
قال رضي الله عنه : (ﻓﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻭﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﺗﻤﻴﺰ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ).
ﺷﺒﻪ ﺍﻣﺘﻴﺎﺯ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻭﺭﺟﻮﻋﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﺎﻣﺘﻴﺎﺯ ﻣﻮﺍﻫﺒﻬﺎ ﻭ ﺭﺟﻮﻋﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻞ ﻭﺍﺣﺪ.
ﺛﻢ ﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻫﻮ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯ ﺍﻷﺳﻤﺎﺋﻲ، ﺇﺫ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻻﺕ ﻣﺴﺘﻨﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻋﻠﻠﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﻋﻄﺎﺀ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻤﺮﺗﺒﺔ ﻭﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﻋﻴﻦ ﻫﻲ ﻣﻈﻬﺮﻩ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
قال رضي الله عنه: "وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب و الإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية.
والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى"
قال رضي الله عنه: (فما ثم) أي: في الواقع (إلا حقيقة واحدة) هي الذات الإلهية ( تقبل جميع النسب والإضافات التي كئى عنها بالأسماء الإلهية)، فإنها أسماء الذات باعتبار هذه النسب والإضافات، وهذا تصريح بأن تعدد النسب يوجب تعدد الأسماء، ولا شك أن النسبة إلى الجزئيات غير النسبة إلى الكليات.
ثم استدل على أنه لا بد من الأسماء الجزئية للظهور في الأمور الموجودة، فقال: (والحقيقة) أي: العلم الحقيقي (يعطي) أي: يفيد ويقتضي (أن يكون لكل اسم يظهر) في مظاهر متحدة النوع، أو الجنس كثيرة (إلى ما لا يتناهی) بحسب الإمكان (حقيقة) شخصية تتحقق في ضمنها حقيقته العامة التي لا بد من فرض تحققها للظهور في تلك المظاهر، إذ (يتميز بها) ذلك الاسم (عن اسم آخر) اختلفت مظاهرهما جنسا أو نوعا.
(وتلك الحقيقة ) الخاصة لذلك (الاسم) هي (عينه) أي: عين الاسم (لا ما يقع فيه الاشتراك) أي: الحقيقة الكلية فإنها ليست عين الاسم المحقق في الخارج باعتبار اشتراكه، إذ لا تحقق للأمر الكلي من حيث هو كلي في الخارج أصلا، وإنما المتحقق الكلي من حيث هو طبيعة من الطبائع أي: حقيقة من الحقائق فهذا التميز في الأسماء الكلية بتحقق حقائقها الجزئية.
فالتميز الحقيقي إنما هو في الأسماء (كما) في آثارها التي هي العطايا، وذلك (أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها)، إذ تتميز كلياتها إنما يحصل بتميز جزئياتها، ولا ينحصر التميز في الفضول والخواص، (فمعلوم أن هذه) العطية باعتبار تشخصها (ما هي هذه الأخرى)، وإن اشتركتا في الفضل والخاصة.
قال رضي الله عنه : "وسبب ذلك تميز الأسماء." ثم صرح بالمقصود من الاستدلال، وهو أن الأمور الجزئية لا بد وأن تستند إلى أسباب جزئية؛ فقال: (وسبب ذلك تميز الأسماء) الجزئية التي هي الأسباب الفاعلية لتلك العطايا، وإذا كان كل عطاء اسم خاص.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
قال رضي الله عنه : ( وعلى الحقيقة ، فما ثمّ إلَّا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنّى عنها بالأسماء الإلهيّة ) وهي الحضرة الإلهيّة المنسوبة هي إليها ، فاللَّه هو الجامع وله الإحاطة الاتحاديّة بالكلّ .
( والحقيقة تعطي أن يكون لكلّ اسم يظهر - إلى ما لا يتناهي - حقيقة يتميّز بها عن اسم آخر تلك الحقيقة التي بها يتميّز هي الاسم عينه ، لا ما يقع فيه الاشتراك ) ضرورة أنّ تعيّن كل عين إنّما هو بالوجوه الامتيازيّة المحصّلة لعينيّته كما أنّ تحقّق الأنواع بالفصول المقوّمة لنوعيّته .
فعلم أنّ الأسماء تتميّز بخصوصيّاتها ( كما أنّ الأعطيات تتميّز كلّ اعطية عن غيرها بشخصيّتها ، وإن كانت من أصل واحد ، فمعلوم أنّ هذه ) العطيّة ( ما هي هذه الأخرى وسبب ذلك تميّز الأسماء ) المعطي لها ، ولا شك أنّ النسبة تتمايز بتمايز أحد المنتسبين .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء.)
قال رضي الله عنه : "وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب و الإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية.
والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميز الأسماء."
قال رضي الله عنه : و(على الحقيقة فما ثمة إلا حقيقة واحدة) مطلقة هي حقيقة الحق سبحانه (تقبل جميع هذه النسب والإضافات) المذكورة (التي يكني عنها) بل عن الذات الملتبسة بها.
(بالأسماء الإلهية والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر) من الأسماء الإلهية الذاهبة (إلى ما لا يتناهى) بحسب خصوصيتها (حقيقة) معقولة متميزة عن الذات في التعقل.
(يتميز) ذلك الاسم (بها)، أي بتلك الحقيقة (عن اسم آخر) يشاركه في الذات (وتلك بالحقيقة) المعقولة (التي بها يتميز) اسم عن آخر بل الذات متلبسة بها (هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك) بين جميع الأسماء.
يعني الذات المطلقة (كما أن الأعطيات) بضم الهمزة وتشديد الياء جمع أعطية (تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها) وخصوصيتها (وإن كانت) تلك الأغنيات متفرعة (عن أصل واحد) هو منبع الخيرات والكمالات وهو الذات الإلهية.
(ومعلوم أن هذه) الأعطية (ما هي هذه الأعطية) (الأخرى وسبب ذلك) التمييز بين العطايا التي هي معلومات للأسماء (تميز الأسماء) التي هي علل لتلك العطايا إذ باختلاف العلل تختلف المعلومات وإن كان بمجرد التعيين والشخص فقط.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في السبت 6 أبريل 2019 - 18:50 عدل 2 مرات
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الثالث عشر فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر العشرون فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الرابع فص حكمة قدوسية فى كلمة إدريسية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الثالث عشر فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر العشرون فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الرابع فص حكمة قدوسية فى كلمة إدريسية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله