اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

03122019

مُساهمة 

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Empty السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
 الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين
اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام.
فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.
فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. 
فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه».
فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله.
فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه.
وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك.
وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها.
ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.
فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي.
فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية، فيقول هو ابن مريم.
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل.
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله.   أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما،
وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله، وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري.
وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة.
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا
ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع.
وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.
فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح.
وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.
فجاء باليدين: ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.
فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس
وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».
فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.
ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.
ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة.
ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.
ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.
فذكرهم الله قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته مثلها.
«فإنهم عبادك» فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه.
ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم.
فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم ولا شريك له فيهم فإنه قال «عبادك» فأفرد.
والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل منهم لكونهم عبادا.
فذواتهم تقتضي أنهم أذلاء، فلا تذلهم فإنك لا تذلهم بأدون مما هم فيه من كونهم عبيدا.
«وإن تغفر لهم» أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم عن ذلك ويمنعهم منه.
«فإنك أنت العزيز» أي المنيع الحمى.
وهذا الاسم إذا أعطاه الحق لمن أعطاه من عباده تسمى الحق بالمعز، والمعطى له هذا الاسم بالعزيز.
فيكون منيع الحمى عما يريد به المنتقم والمعذب من الانتقام والعذاب.
وجاء بالفصل والعماد أيضا تأكيدا للبيان ولتكون الآية على مساق واحد في قوله «إنك أنت علام الغيوب» وقوله «كنت أنت الرقيب عليهم».
فجاء أيضا «فإنك أنت العزيز الحكيم».
فكان سؤالا من النبي عليه السلام وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها طلبا للإجابة.
فلو سمع الإجابة في أول سؤال ما كرر.
فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا فيقول له في عرض عرض وعين عين «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه لدعا عليهم لا لهم.
فما عرض عليه إلا ما استحقوا به ما تعطيه هذه الآية من التسليم لله والتعريض لعفوه.
وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أخر الاجابة عنه حتى يتكرر ذلك منه حبا فيه لا إعراضا عنه، ولذلك جاء بالاسم الحكيم، والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ولا يعدل بها عما تقتضيه وتطلبه حقائقها بصفاتها.
فالحكيم العليم بالترتيب.
فكان صلى الله عليه وسلم بترداد هذه الآية على علم عظيم من الله تعالى.
فمن تلا فهكذا يتلو، وإلا فالسكوت أولى به.
وإذا وفق الله عبدا إلى النطق بأمر ما فما وفقه الله إليه إلا وقد أراد إجابته فيه وقضاء حاجته، فلا يستبطئ أحد ما يتضمنه ما وفق له، وليثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الآية في جميع أحواله حتى يسمع بأذنه أو بسمعه كيف شئت أو كيف أسمعك الله الاجابة.
فإن جازاك بسؤال اللسان أسمعك بأذنك، وإن جازاك بالمعنى أسمعك بسمعك.


متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
 15 - نقش فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
من خصائص الروح أنه ما يمر على شيءٍ إلا حيي ذلك الشيء.
ولكن إذا حيي يكون تصرفه بحسب مزاجه واستعداده لا بحسب الروح.
فإن الروح قدسيٌ .
ألا ترى أن النفخ الإلهي في الأجسام المسواه مع نزاهته وعلو حضرته كيف يكون تصرفه بقدر استعداد المنفوخ فيه.
ألا ترى السامري لما عرف تأثير الأرواح كيف قبض فخّار العجل فذلك استعداد المزاج.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 10:03 عدل 2 مرات
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 9:49 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الأولى : -    الجزء الثاني
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
15 -  فك ختم الفص العيسوى
1 / 15 -  اعلم ان لفظ النبي قد وردت بالهمزة وبدونه ، فبالهمزة هو مشتق من النبإ ، وهو الاخبار ، وبدون الهمزة هو من نبا ينبو ، إذا ارتفع ، ومراد شيخنا رضى الله عنه من اقرانه هذه الحكمة بالنبوة ليس بمعنى الاخبار ، فان كل من ذكره من الأنبياء في هذا الكتاب مشتركون في ذلك ، وانما مراده معنى الرفعة ، وسأذكر معنى الرفعة وغيرها من صفات الخصيصة بعيسى عليه السلام ما يسر الله ذكره ، لكن بعد تقديم مقدمة كلية مشتملة على اسرار شتى ، يستعان بها في فهم ما اذكره في شأن عيسى عليه السلام واسرار رفعته .
 
2 / 15 - فأقول : اعلم ان الموجودات متفاوتة الدرجات في الشرف والخسة والنقص والكمال ، فأي موجود قلت الوسائط بينه وبين موجده او ارتفعت وقلت فيه احكام الكثرة الامكانية وقويت نسبته من حضرة الوحدانية الإلهية كانت اشرف وأتم قربا من الحق من حيث وحدانيته ، وكثرة الوسائط وتضاعف وجوه امكاناتها مع وفور الاحكام الامكانية في الموجود يقضى بخسته ونزول درجته وبعد نسبته من حضرة الوحدانية ، واما النقص والكمال :
فهما بحسب وفور الجمعية بين الصفات الإلهية والحقائق الكونية ، لأنها المستلزمة لوفور الحظ من صورة الحضرة الإلهية التي حذى عليها الصورة الادمية والقرب من مرتبة المضاهاة او بحسب نقصه - اعنى نقص الحظ المذكور - فأي موجود كان اكثر استيعابا للصفات الربانية والحقائق الكونية ظاهرا بها بالفعل ، كانت نسبته من حضرة المضاهاة والخلافة الإلهية اقرب ، وحظه من صورة الحضرة اوفر ، والأقل حظا مما ذكرنا له النقص.
 
3 / 15 -  ثم ان درجات النقص والكمال تتفاوت بحسب قلة الجمعية الفعلية وكثرتها ، وبها تظهر النقائص والكمالات النسبية وتثبت المفاضلة بين الأنبياء والأولياء ، والمستوعب في كل عصر وزمان بالذات والمرتبة والعلم والحال والفعل بجميع الحقائق الأسماء الإلهية والصفات والحقائق الكونية وأحكامها المتصلة أخر كثرته .
برزخ البرازخ الجامع بين الغيب الذاتي الإلهي الإطلاقى واحكام الوحدانية الوجوبية وبين الحقائق والخواص الكونية وأحكامها الامكانية على سبيل الحيطة ، له الكمال الذي يستند اليه مرتبة الخلافة الكبرى ، والوحدانية التي يقرب النسبة منها يثبت الشرف لمن ذكرنا.
  
4 / 15 -  ثم ليعلم انه ما من موجود الا وارتباطه بالحق من وجهين :
الوجه الواحد جهة سلسلة الترتيب والوسائط ، والجهة الاخرى لا حكم فيها لواسطة من الوسائط اصلا ، والمحققون يسمون هذا الوجه : الذي لا واسطة .
فيه بين كل موجود وبين ربه بالوجه الخاص ، غير ان باب هذا الوجه مسدود عن اكثر الخلق من حيثهم : وقد نبه على ذلك النبي  صلى الله عليه وسلم في غير ما موضع من إشاراته .
فإنه كان يروى أحيانا عن جبرئيل ، وجبرئيل عن ميكائيل وميكائيل عن اسرافيل واسرافيل عن الله تعالى ، وكان يروى أحيانا عن جبرئيل عن الله وكان يروى أحيانا عن الله تعالى - دون واسطة جبرئيل - ويقول : قال لي ربى ، ويقول ايضا : لي مع الله وقت لا يسعني فيه غير ربى ، ويقول : أتاني ربى ، ونحو ذلك .
 
5 / 15 -  وإذا وضح هذا الأصل وما تقدم ذكره فاعلم :
ان جبرئيل وميكائيل وغيرهما - ما عدا القلم الأعلى - يأخذون عن الله بواسطة وبغير واسطة ، وكذلك الأكابر من الأنبياء والأولياء .
ومن جملة ما اخذه جبرئيل عن الله بلا واسطة الكلمة الإلهية العيسوية التي ألقاها الى مريم ، وتلك الكلمة متحصلة من الحروف التي كان اجتماعها سببا لوجود الأرواح وهي ثمانية حروف وتاسعها التجلي النفسي الساري في كل موجود والموجب لظهور السر الإلهي المتعين بعيسى عليه السلام ، وفيه هو معنويات تلك الحروف وانها عبارة عن جملة احكام الوجوب التي هي آثار الأسماء الذاتية وتوجهاتها بتجلى الحق من حيث هي في مرتبة الالوهية ، وتعين ثمانية قابليات في المؤثر فيه - هو تاسعها.
 
6 / 15  - فتلك ثمانية عشر ومظاهرها من الحروف هذا الترتيب : الباء والجيم والدال والهاء والواو والحاء والطاء والياء والكاف والميم والفاء والقاف والراء والتاء والثاء والخاء والسين والظاء ، وسبب اختلاف وجود الأرواح وأحوالهم هو بحسب مرتبة التي يقع فيها الاجتماع بين توجهات الحقائق المذكورة وما يقابلها من قابليات حقائق الأعيان المؤثر فيها .
 
7 / 15 - وإذا علمت هذا فاعلم : ان الحروف الغير المنقوطة من هذه الثمانية عشر مظاهر توجهات الحقائق المذكورة ، والمنقوطة مظاهر قابليات الحقائق المؤثر فيها فافهم ، والله اعلم .
 
8 / 15  - وصورة تأليفها كلها كلمة هي حقيقة روحية عيسى عليه السلام ، وصورة عيسى مكونة من صيغة الكلمة الإلهية بالصفة جبرئيلية ، وبسبب ثباتها في هذا العالم مدة هو مكتسب من سر طبيعة مريم ، وموجب سراية القوة الطبيعية من مريم فبما نفخه جبرئيل من الكلمة هو خاصية التمثيل الجبرئيلى بشرا سويا ، اى حسنا معتدلا ، وحال الفعل هو من وجه شبيه بالاحتلام .
 
9 / 15  - ولما كان مقام جبرئيل بالسدرة والسدرة مقام برزخى ، لأنه متوسط بين العالم الطبيعة العنصرية وبين عالم الطبيعة الكلية - في مرتبتها الثابتة المختصة بعالم المثال والعرش والكرسي وما اشتملوا عليه - لهذا كانت صورة جبرئيل التي جاء بها مشتملة على خواص ما فوق السدرة وما تحتها .
 
10 / 15 - واما احياء عيسى الموتى : فلغلبة السر الروحي المتعجن فيه .
 
11 / 15 - واما الاذن الإلهي له : فعبارة عن تمكين الحق له من فعله ما فعل ، وذلك من آثار الأسماء الذاتية وتوجهاتها التي قلت انها حروف كلمته وحلية صورته هي من النسبة الحاصلة  من الصورة الجبرئيلية .
 
12 / 15  - ومن علم ان جبرئيل هو روح طبيعة عالم العناصر وما ظهر عنها - كالسماوات السبع وما اشتملت عليه العناصر هذا من المولدات - علم ان عيسى عليه السلام من وجه هو صوره روحانية جبرئيل ومظهر مقامه عند السدرة الموصوفة آنفا بالبرزخية كما ان مريم صورة الطبيعة الكبرى ، و يعرف ان فك له ختام ما ذكرت في هذا الفص لم كان عيسى عليه السلام روح الله والى اى اسم ينضاف من الأسماء التي يشتمل عليها الاسم الله .
وساكشف القناع عن بقية اسرار أحواله الكلية ان شاء الله تعالى لتعرف بتوفيق الله وإرشاده من ذلك سر ختميته وسر كونه آخر الأولياء ما  حظه من الجمعية الكبرى الخصيصة بالحقيقة الانسانية الإلهية الكمالية المنبه عليها من قبل .
وأنبه على الحكمة التي يتضمنها نزوله ودخوله في دائرة الشريعة المحمدية وانصباغ ما يوحى به اليه حالتئذ بحكمها وصفاتها ، وتعرف من لوازم هذه الأحوال المذكورة من اسرار شئونه وأحكامه زوائد أخر ، يتضمنها التنبيهات المذكورة .
 
13 / 15 -  فأقول بعون الله وتوفيقه وتأييده :
واما سر ختميته عليه السلام فثابتة من وجهين : أحدهما من جهة ما تضمنه الإشارة الإلهية بقوله تعالى : " إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ " [ آل عمران / 59 ] فآدم عليه السلام اول مظهر بصورة الجمعية الحقيقة الانسانية الإلهية التي بها ختم الحق مراتب الإيجاد .
وعيسى عليه السلام ظهر بصفة روح تلك الجمعية لا صورتها ، فان صورته عرضية ومرتبتها مثالية .
فمماثلة عيسى لادم عليهما السلام ثابتة من حيث الجمعية والختمية ولهذا عرف الحق سبحانه آدم في الآية انه: " خَلَقَه من تُرابٍ " [ آل عمران : 59 ].
ليعلم ان المماثلة بين عيسى وآدم ليست من حيث المادة والخلقة ، بل من وجوه اخرى ، كالذي نبهتك عليه من شأن الجمعية والختمية وغيرهما.
 
14 / 15  - ولما كانت روحية عيسى كلية عامة الحكم بالنسبة الى صورة الكون وأضافها الحق الى نفسه لا بطريق التبعيض ، بل بطريق التشريف ، مع ما علم ان للروح بالنسبة الى الصورة في التعين والظهور مرتبة الاخرية ، و لهذا توقف تعين الأرواح الجزئية وتعلقها بالأبدان للتدبير المستلزم للاستكمال ، على صورة  المزاجية التي لها درجة الأولية.
علم ان ختم مرتبة الإيجاد الإنساني الذي ظهرت به الحقيقة الانسانية الجامعة الإلهية انما يكمل بالنفخ الروحي جزء بالنسبة الى افراد صور الأناسي ، وكلا بالنسبة الى مطلق صورة الكون المعبر عنها أحيانا بظاهر الحق وأحيانا بتفصيل الصورة الانسانية الحقيقية .
ومن تتبع ما أسلفناه في هذا الكتاب في هذا الباب وضح له بتأييد الله صحة ما سبقت الإشارة اليه.
 
15 / 15 -  واما الوجه الاخر المنبه على سر ختميته : فهو ما أشار اليه نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت المتضمن جملة من آثار الساعة واماراتها وفيه انه إذا قبض عيسى ومن معه من المؤمنين بريح يأتيهم من قبل الجنة .
وفي رواية : من قبل الشام ،
وفي رواية : من قبل اليمن ،
تأخذهم من تحت آباطهم فيموتون فلا يبقى على وجه الأرض مؤمن ويبقى شرار الناس يتهارشون تهارش حمر الوحش في البرية ، لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما .
فعليهم تقوم الساعة فإذا لم يبق يومئذ على وجه الأرض مؤمن ، فأحرى ان لا يبق ولى ، فثبت ختميته من هذا الوجه ايضا .
 
16 / 15 - واما حظه من الجمعية الانسانية : فصفة كلية من صفات روح الجمعية وهو الموجب لدخوله في دائرة الشريعة المحمدية وحكمه ، فان سر الاحكام الشرعية ، الروحانية النسبة من حيث الملقى والملقى عليه ، ولما قويت نسبته عليه السلام من روح الجمعية الانسانية وجب دخوله في دائرة الشريعة الجامعة التي هي خاتمة الشرائع وانصباغ ما يوحى به اليه بصبغة الشريعة المحمدية . فافهم .
 
17 / 15 -  واما نزوله فلأمرين :
أحدهما تتميم احكام روح الجمعية - كما نبهت على كلية ذلك .
والامر الاخر هو تنبيه على طلوع الفجر الاخراوى ولهذا يحارب الدجال ، فان الدجال مظهر حقيقة الدنيا وحكم الحق فيها ، ولهذا كان أعور عين اليمنى .
فإنه عديم روح مرتبة الربوبية التي روحها الآخرة دار الحيوان فالنزاع بين مظهر الدنيا والآخرة . ولما كان ذلك الوقت هو زمان طلوع الفجر الاخراوى وزمان موت الدنيا وذهابها ، لزم ان يهلك عيسى الدجال ولزم ان يكون ذلك بباب « لد » من بيت المقدس ، لان ذلك ألد الخصام والنزاع والخصومة .
 
18 / 15  - فهذا بعض ما يسر الله ذكره من اسرار عيسى عليه السلام ، فان اسراره كثيرة والشروع في بيانها يفضي الى التطويل ، فاكتفيت بهذا ، وسأذكر في فك ختم الفص المحمدي ما بقي من تتمة هذا الأصل ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .


كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية :
مصطلح النفخ
في اللغة : " نفخ البوق أو الناي وغيره : ملأه بريح أخرجه من فيه " .
 
في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" النفخ : هو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة " .
ويقول : " ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بـ النفخ فيه ، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض المتجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال " .
يقول الشيخ عز الدين عبد السلام:
" النفخ : هو عبارة عما اشتعل به نور الروح في المحل القابل . فالنفخ سبب الاشتعال ، وصورة النفخ في حق الله محال ، والمسبب غير محال " .
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري:
" النفخ : إرسال النفس على المنفوخ فيه " .
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" النفخة الواحدة من النافخ تطفي السراج وتشعل الحشيش الذي فيه النار ، فلم
ذلك ؟ أللمحل أم للنفخة ؟ " .
يقول الشيخ محيي الدين الطعمي علم النفخ الإلهي:
" علم النفخ الإلهي : هو سبب الحياة السارية في المولدات الأعيانية ، ولولاه لما تولد شيء ، وهذا العلم أصله آدم وعيسى {عليه السلام} " .
تقول د. سعاد الحكيم :
"ان عيسى وجد عن امرين هما: النفخ الإلهي ومريم. فهو وان كان رجلا الا انه منفعل عن النفخ الإلهي الذي اتخذ هنا المرتبة " القلمية " - ان أمكن التعبير."
" النفث: أحد طرق العلم الإلهي، كالالقاء والاملاء والوحي والنفخ. ."
 
مصطلح النفث :
تقول د. سعاد الحكيم في المعجم الصوفي ابن العربي عن نفث الأنبياء:
" فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: ان روح القدس [جبريل] نفث في روعي ولا يكون النفث الا ريحا بريق، لا بد من ذلك، حتى يعم، فكما أعطاه [الروح القدس] من روحه بريحه. أعطاه [الروح القدس] في نشأته الطبيعية من ريقه. فجمع له الكل في النفث، بخلاف النفخ فإنه: ريح مجرد. . . " (فتوحات ج3/ 370).
 
مصطلح النفس الرحماني:
يقول الشيخ ابن العربي ماهية النفس الرحماني:
النفس الرحماني: عبارة عن الجوهر، الذي تفتحت فيه صور الوجود بأجمعها، وهو يحتويها [صور الوجود] بالقوة، كما يحتوي نفس الانسان جميع ما يصدر عنه من كلمات وحروف.
النفس الرحماني أطلقه ابن العربي على الوجود في صورته الأولى قبل ان تظهر فيه أعيان الممكنات. اي هو سابق لمرحلتي وجود الممكن: الثبوت، عالم الثبوت ، والظهور في الأعيان "العالم الخارجي".
ولا يخفي أهمية اطلاق ابن العربي عبارة: " النفس الرحماني "، على الجوهر الذي سيتفتح فيه الوجود لما للنفس من علاقة: بالكلام من جهة - وبالنفخ من جهة ثانية  
 
يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :
1- النفس الرحماني جوهر العالم ". . . وليست الطبيعة على الحقيقة الا: النفس الرحماني، فإنه فيه انفتحت صور العالم أعلاه وأسفله، لسريان النفخة في الجوهر الهيولاني في عالم الاجرام خاصة 1. . . " (فصوص 1/ 219).
" ان جوهر العالم: النفس الرحماني، الذي ظهرت فيه صور العالم " (ف 3/ 452).
" ان الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني، ولا بد لكل موصوف بصفة، ان يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة. وقد عرفت ان النفس في المتنفس ما يستلزمه. فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم. فهو لها كالجوهر الهيولاني وليس الا عين الطبيعة " (فصوص 1/ 143 - 144).
 
2 - النفس الرحماني: أول غيب ظهر لنفسه - العماء " والكلمات كظهور العالم من العماء، الذي هو نفس الحق الرحماني، في المراتب المقدرة في الامتداد المتوهم لا في جسم. . . " (ف 2/ 395).
". . . فالنفس أول غيب ظهر لنفسه، فكان فيه الحق من اسم الرب، مثل
العرش اليوم الذي استوى عليه: بالاسم الرحمن " (ف 3/ 420).
 
3 - النفس الرحماني والكلمات "المخلوقات" :
 " فالكلمات عن الحروف، والحروف عن الهواء، والهواء عن النفس الرحماني. . " (ف 1/ 168).
" الكلام: صفة مؤثرة نفسية رحمانية، مشتقة من الكلم، وهو الجرح. فلهذا قلنا: مؤثرة، كما اثر الكلم في جسم المجروح، فأول ما شق اسماع الممكنات، كلمة " كن ". فما ظهر العالم الا عن صفة الكلام، وهو توجه نفس الرحمن على عين من الأعيان، ينفتح في ذلك النفس، شخصية ذلك المقصود. فيعبر عن ذلك الكون بالكلام، وعن المتكون فيه بالنفس، كما ينتهي النفس من المتنفس المريد ايجاد عين حرف، فيخرج النفس المسمى: صوتا، ففي اي موضع انتهى أمد قصده، ظهر عند ذلك: عين الحرف المقصود. . . " (ف 2/ 181).
". . . والمادة التي ظهرت فيها كلمات اللّه، التي هي العالم، هي: نفس الرحمن. ولهذا عبر عنه " بالكلمات " وقيل في عيسى عليه السلام. انه: كلمة اللّه. . . " (ف 4/ 65)
 
4 - النفس الرحماني والنفخ :
النفخ إشارة إلى أن الانسان من نفس الرحمن " ولما كانت نشأته [الانسان] من هذه الأركان الأربعة، والمسماة في جسده اخلاطا. حدث عن نفخه [تعالى]، اشتعال بما في جسده من الرطوبة، فكان روح الانسان: نارا، لأجل نشأته. . . فلو كانت نشأته طبيعية، لكان روحه، نورا. وكنى عنه: بالنفخ، يشير إلى أنه من نفس الرحمن، فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه، وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا، لا نورا. فبطن نفس الرحمن فيما كان به الانسان انسانا " (الفصوص 1/ 16).
 
مصطلح المسيح
في اللغة : " المسيح : وهو بالعبرانية مشيح وبالسريانية مشيحا وباليونانية خريستس ، ومعناهن : ممسوح . سمي به ، لأنه مسح من الله كاهنا ونبيا وملكا . وكانت العادة في القديم أن يمسح الكهنة والملوك بالدهن " .
 
في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي:
" المسح في الحقيقة : كناية عن رجوع إلى الحقيقة الجامعة " .
 
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
المسيح : كل من مسح أرضه بالمشي فيها ، والسياحة في نواحيها ليرى آثار ربه .
والمسيح أيضا : من مسحت عينه التي يرى بها نفسه ، وبقى عليه عينه الذي يرى بها ربه  .
يقول الشيخ عبد الغني النابلسي :
" المسيح : وهو روحه المنفوخ في جسده الإنساني من حيث أنه من أمر الله تعالى " .
 
القلب موضع الغيب من الإنسان
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثاني والسبعون :
وإنما وقع الستر من جهة القلب لأنه موضع الغيب من الإنسان وعنه تظهر الأفعال في عالم الشهادة وهي الجوارح
فلو لا قصده لتحريكها ما ظهرت عليها حركة
فذلك تأثير الغيب في الشهادة وأصل ذلك من العلم الإلهي
قول الله تعالى في الذكر إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه
 
الذكر الإلهي المستور والذكر العلانية
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثاني والسبعون :
اعلم أن له ذكرا مستورا نسبه إلى نفسه وأن له ذكرا علانية والعين واحدة ما لها وجهان مع وجود الاختلاف في الحكم
وعن هذه النسبة الإلهية ظهر العالم في مقام الزوجية
فقال ومن" كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ "وإن كان واحدا فله نسبتان ظاهرة وباطنة
 إذ كان هو الظاهر والباطن
فما أعز معرفة الله على أهل النظر الفكري وما أقربها على أهل الله جعلنا الله من أهله. آمين
 
الأولياء الذاكرون :
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثالث والسبعون :
ملائكة الإله أتت إلينا ..... لتوقفنا على النبإ اليقين
فقالت قول معصوم عليم ..... بري ء من ملابسة الظنون
ومن الأولياء الذاكرون الله كثيرا والذاكرات رضي الله عنهم تولاهم الله بإلهام الذكر ليذكروه فيذكرهم
وهذا يتعلق بالاسم الآخر وهو صلاة الحق على العبد
فالعبد هنا سابق والحق مصل لأن المقام يقتضيه
فإنه قال تعالى "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ " فأخر ذكره إياهم عن ذكرهم إياه
وقال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم
وقال من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا
وقال: " فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله " فكل مقام إلهي يتأخر عن مقام كوني فهو من الاسم الآخر
ومن باب قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ " فالأمر يتردد بين الاسمين الإلهيين الأول والآخر وعين العبد مظهر لحكم هذين الاسمين .
وهذا هو الفصل الذي تسميه الكوفيون العماد مثل قوله أنت من قوله "كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ"



الظاهر والباطن بالنسبة إلينا بين جلي وخفي
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثالث والسبعون :
اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الله لما سمي نفسه بالظاهر والباطن اقتضى ذلك أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي وخفي فما جلاه لنا فهو الجلي وما ستره عنا فهو الخفي وكل ذلك له تعالى جلي
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دعائه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك
وهو الجلي عند من علمه الله إياه والخفي عمن لم يعلمه ثم قال أو استأثرت به في علم غيبك
فهذا خفي عما سوى الله فلا يعلمه إلا الله فإنه تعالى يَعْلَمُ السِّرَّ وهو ما بينه وبين خلقه
وأَخْفى وهو ما لا يعلمه إلا هو مثل مفاتح الغيب التي عنده لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ
فهو" عالِمُ الْغَيْبِ " وهو الخفي والشَّهادَةِ وهو الجلي وما أوجده من الممكنات وهو الجلي أيضا وما لم يوجده منها وهو الخفي أيضا ولا يخلو العالم من هاتين النسبتين دنيا ولا آخرة
فالمزيد الواقع من العالم في العالم فهو من الخفي والمزيد لا يزال فالعالم مزيد خارج من الخفاء إلى الجلاء لا يزال
فالجلي من سؤال السائلين إنما يسمعه الحق من الاسم الظاهر
والخفي منه يسمعه من الاسم الباطن
فإذا أعطاه ما سأل فالاسم الباطن يعطيه للظاهر والظاهر يعطيه للسائل
فالظاهر حاجب الباطن والجلي حاجب الخفي كما إن الشعور حاجب العلم
 
 واعلم أن الله عز وجل يعامل عباده بما يعاملونه به فكأنه تعالى بحكم التبعية لهم
وإن كان ابتداء الأمر منه ولكن هكذا علمنا وقرر لدينا فإنا لا ننسب إليه إلا ما نسبه إلى نفسه ولا يتمكن لنا إلا ذلك فمن حكم تبعية الحق تعالى للمخلوق
قوله تعالى:" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله"
وقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الصحيح "إن الله لا يمل حتى تملوا"
وقوله تعالى "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ "
وقوله سبحانه "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"
فلا يكون العبد في حالة   ..... إلا يكون الحق في مثلها
وكلها منه ولكنه   ..... كذا أتانا الحكم في شكلها
فكل مخالف أمر الحق فإنه يستدعي بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه
ولذلك لا يكون العفو والتجاوز والمغفرة من الحق جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد
وإنما يكون ذلك امتنانا من الله عليه
فإن كان جزاء فهو جزاء لمن عفا عن عبد مثله وتجاوز وغفر لمن أساء إليه في دنياه
فقام له الحق في تلك الصفة من العفو والصفح والتجاوز والمغفرة مثلا بمثل يدا بيدها
وها ورد في الخبر الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم "ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم" فما نهى الله عباده عن شيء إلا كان منه أبعد
ولا أمركم بكريم خلق إلا كان الحق به أحق .أهـ  جل شأنه وتعالى
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 10:15 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
هذا فص الحكمة العيسوية ، ذكره بعد حكمة العزير عليه السلام ، لأنه كان في بني إسرائيل بعد العزير عليه السلام ، وقد ادعى فيه ما ادعي في العزير من طائفة من اليهود ، ولأن حكمة عيسى عليه السلام نبوية روحانية تناسب ذكرها بعد مبحث النبوة في حكمة العزير عليه السلام.
(فص حكمة نبوّية) منسوبة إلى النبوّة من النبأ وهو الخبر والنبوة وهي الرفعة في (كلمة عيسوية).
إنما اختصت حكمة عيسى عليه السلام كونها نبوّة ، لأنه من روح اللّه تعالى والنبوة إخبار الروح بالوحي في القلوب على وجه خاص من روحانية جبريل عليه السلام عن أمر اللّه تعالى
شعر :
(عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين )
(عن ماء ) متعلق يتكون في البيت الثاني مريم ، أي منها الذي نزل أو عن نفخ جبرين بالنون بدل عن اللام لغة في جبريل وهو الملك المعروف عليه السلام في صورة متعلق بنفخ البشر الموجود من طين ، وهو مريم عليها السلام .
قال تعالى :" وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ" [ الأنبياء : 91 ] .
والوارد في الأحاديث : أن حمل مريم بعيسى عليه السلام كان بنفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها فحملت به ووضعته من وقتها على الأشهر كرامة لها ومعجزة له صلى اللّه عليه وسلم وإنما نسب النفخ في الآية إلى اللّه تعالى جريا على عادته سبحانه في نسبة الأمور إليه تعالى تارة إلى الواسطة أخرى لقوله تعالى :" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها " [ الزمر : 42 ] مع قوله سبحانه : " قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ" [ السجدة : 11 ] .
وقوله تعالى : " زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ " [ النمل : 4 ]
مع قوله سبحانه :" وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ" [ الأنفال : 48 ].
 
(تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين )
قال رضي الله عنه :  (تكون) بالتشديد للواو أي تصور (الروح) ، وهو عيسى عليه السلام من قوله تعالى :" وَرُوحٌ مِنْهُ " في ذات نورانية شريفة مطهرة عن حكم الطبيعة ، أي غلبتها عليه بمقتضياتها تدعوها ، أي تلك الطبيعة يعني تسميها الذات المطهرة بسجين كما قال تعالى :" كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ" [ المطففين : 7 ] ، أي أنفسهم المكتوب فيها بأقلام حركاتهم الاختيارية في مخالفة الأوامر الإلهية لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ( 8 ) كِتابٌ مَرْقُومٌ"  [ المطففين : 7 - 9 ] ، وهو غلبة الطبيعة عليهم بمقتضياتها .
وقال تعالى : " يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ" [ آل عمران : 55 ] ، أي مخرج لك عن حكم الطبيعة وَرافِعُكَ إِلَيَّ، أي إلى حضرتي في جوار الملأ الأعلى وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أي من حالتهم التي غلبت عليهم فيها الطبيعة بمقتضياتها .
 
(لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين)
قال رضي الله عنه :  (لأجل ذلك) ، أي كونه مطهرا من حكم الطبيعة المقتضية التركيب والانحلال بسرعة قد طالت إقامته فيها ، أي في تلك الذات المطهرة ولم ينفصل عنها من حين ولد إلى الآن فزاد عمره عليه السلام على ألف سنة بتعيين .
لأنه رفع قبيل بعثة نبينا عليه السلام فله الآن حياة بالحياة النورانية الغالبة عليه من حكم غلبة الروح الأمري في صورته البشرية ، وصاحب هذه الحياة لا يموت أبدا كالخضر عليه السلام ، فإنه حي بهذه الحياة النورانية لا الحياة الظلمانية الطبيعية ، التي يموت صاحبها بالموت الطبيعي.
وينحل تركيبه لغلبة الحيوانية فيه على الإنسانية ، ولعل الخضر حين يقتله الدجال في آخر الزمان يكون بعد غلبة الطبيعة عليه ، ولهذا يظهر له فيعرفه ويقدره اللّه تعالى كما أقدر اليهود على زكريا ويحيى وغيرهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام فقتلوهم .
فإذا نزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان يخالط الأحياء بالحياة الطبيعية ، كما كان نبينا صلى اللّه عليه وسلم نيابة عنه في شريعتنا هذه المحمدية فيأكل ويشرب ويتزوج وينكح ، ثم يموت بالموت الطبيعي ، ويدفن في حجرة النبي صلى اللّه عليه وسلم كما مات نبينا صلى اللّه عليه وسلم متابعة سنته عليه السلام .
لأنه يصير من أمته عليه السلام فالموت النفساني فرض في الحياة الدنيا كما قال عليه السلام : « موتوا قبل أن تموتوا » . الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع ابن حجر العسقلاني
وقال تعالى في عيسى عليه السلام :يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ[ آل عمران : 55 ] ،
 
أي من حظوظ نفسك فنفسك قائمة بيدي لا بيدك وهو قول نبينا عليه السلام : « والذي نفسي بيده » والموت الطبيعي سنة محمدية ، وعيسى عليه السلام مات الموت النفساني ، ثم رفع إلى السماء ولم يمت الموت الطبيعي فلا بد أن ينزل في آخر الزمان ، ويموت الموت الطبيعي أيضا كما مات نبينا صلى اللّه عليه وسلم ويدفن معه في حجرته كما ورد في الأخبار الصحيحة .
 
(روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين)
قال رضي الله عنه :  (روح) ، أي عيسى عليه السلام منفوخ (من) أمر (اللّه) تعالى بلا واسطة قال تعالى :" وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" [ النساء : 171 ]( لا) روح (من غيره) سبحانه كالروح الحيواني المنفوخ بواسطة الطبيعة فإنه عليه السلام لما نفخ في فرج مريم لم يتدنس بطبيعة أب جسماني ، ولا انبعث في رحم أمه عن مقتضى شهوة نفسانية ، فلم يكن كغيره من الناس أصلا ، ولهذا أمكن أن يبقى في السماء من غير قوت كما هو مقتضى الخلقة الملكية ، ونبينا صلى اللّه عليه وسلم لما صعد إلى السماء ليلة المعراج بعد الإسراء كان ذلك له من غلبة الروحانية الأمرية عليه كعيسى عليه السلام ، ولكن حقيقة مقامه المحمدي الجامع للطبيعة وغيرها اقتضى هبوطه إلى الأرض في تلك الليلة وعدم بقائه في السماء شرفا لمقام الكشفي الجامع .
 
قال رضي الله عنه :  (فلذا) ، أي لكونه عليه السلام روحا من اللّه تعالى من أمر اللّه تعالى بلا واسطة أحيا الجسم الموات بإذن اللّه تعالى وإنشاء ، أي خلقه عليه السلام بإذن اللّه تعالى (الطير من طين) .
قال تعالى :" وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي" [ المائدة  :110]
وقال تعالى حكاية عنه عليه السلام :" وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ " تعالى [ آل عمران : 49 ] .
 
(حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون)
(حتى يصح له من ربه) ، الذي خلقه (نسب) بقطع الأنساب عنه وصدوره عنه بلا واسطة ؛ ولهذا قال :" وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا" [ التحريم : 12 ] ونسب تعالى النفخ إليه سبحانه مع أنه بالملك ، كما أن جميع الأنساب ترتفع يوم القيامة في ذلك النشىء الأخروي " وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى"( 47 ) [ النجم : 47 ] .
وفي الحديث  يقول تعالى : " اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم " رواه الحاكم
وهو قوله تعالى : " فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ" ( 101 ) [ المؤمنون 101 ].
فتكون الناس في يوم القيامة مثل خلقة عيسى ابن مريم عليه السلام عن اللّه تعالى سبحانه ، ويظهر سر قوله عليه السلام : « إن اللّه خلق آدم على صورته ».
وفي رواية : « على صورة الرحمن » وهم في الدنيا كذلك ، ولكن حجاب الطبيعة مانع من شهود الأمر على ما هو عليه عند البعض ، وليس في القيامة إلا ظهور الأمر على ما هو عليه ، وشهود الكل له كما قال تعالى : "وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ " [ النور : 25 ]
 
وقال تعالى :" فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ " [ ق : 22 ] ، وقال تعالى :" يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ "[ آل عمران : 106 ] الآية .
به ، أي بسبب هذا النسب المخصوص (يؤثر) عيسى عليه السلام بإذن اللّه تعالى (في العالي) ، وهو إحياء الموتى ونفخ الروح في الطير ، لأنه تصرف في العالم الروحاني وهو أعلى من الجسماني (وفي الدون)، أي السافل وهو تصوير صورة الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص .
 
(الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين )
(اللّه) سبحانه (طهّره) ، أي عيسى عليه السلام (جسما )، أي من حيث جسمه فغلبت عليه الروحانية ، وانسلخ من عالم الطبيعة ، فخرج من الظلمات إلى النور على معنى أنه تعالى خلقه طاهرا كذلك حيث لم يخلقه بواسطة الأب الجسماني الطبيعي ، بل بالأب الجسماني النوراني ، وهو صورة البشر السوي التي جاء بها جبريل عليه السلام إلى مريم .
فخرج عيسى عليه السلام كذلك صورة جسمانية نورانية لا طبيعية ظلمانية ، فكان صورة جبريل عليه السلام لما جاء أمه فاستعاذت منه مخافة أن يكون جسما طبيعيا ظلمانيا ، فعرفته فنفخ فيها حتى ظهر عيسى عليه السلام في صورة الملائكة عليهم السلام ، فهو إنسان ملك لا إنسان حيوان ، ولما طلبوا نزول الملائكة بأحكام الشريعة للتبليغ من غير واسطة بشر بقولهم :"وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً" [المؤمنون : 24 ] .
قال تعالى :" وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ" ( 9 ) [ الأنعام : 9 ] ، يعني من الصورة الإنسانية وحقق تعالى ذلك بخلق عيسى ابن مريم عليه السلام كما قال سبحانه :" إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ( 59 ) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ( 60 ) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ " [ الزخرف : 59 - 61 ] ؛ ولهذا ينزل عليه السلام في آخر الزمان فيكون نزوله من أشراط الساعة .
 
قال رضي الله عنه :  (ونزّهه) عليه السلام (روحا) ، أي من حيث هو روح ، لأنه من أمر اللّه تعالى فله التنزيه التام والتقديس العام (وصيّره مثلا )، أي نظيرا له تعالى في خلافته عنه في الأرض ، يحكم بأحكامه ويقوم بصفاته ويتسمى بأسمائه ويتحقق بذاته ويفعل بأفعاله كما قال (بتكوين) ، أي بسبب تكوينه أي خلقه الطير من الطين أو مثلا مكونا ، أي مخلوقا . وهذا معنى كون آدم عليه السلام مخلوق على صورة الحق تعالى .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
ولأجل حصول هذه الحكمة في كلمته أخبر عن نبوته في المهد بقوله "إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا " بخلاف سائر الأنبياء فإنهم لا يدعي أحد منهم مثل ذلك والمراد بها النبوة العامة لا النبوة التشريعية فعيسى عليه السلام ختم النبوة العامة والولاية العامة فالأنبياء والأولياء لا يأخذونها إلا من مشكاته إلا ختم الرسل
( شعر ) :
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
قال رضي الله عنه :  ( عن ماء مريم ) استفهام تقرير حذفت همزته ( أو ) بمعنى الواو ( عن نفخ جبرين ) أي جبرئيل قوله ( في صورة البشر الموجود ) ظرف لجبرين أي المخلوق ( من طين ) وقوله عن ماء مريم متعلق بقوله :
(تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين)
قال رضي الله عنه : ( تكون الروح ) العيسوي ( في ذات مطهرة ) وهي ذات مريم ( من الطبيعة ) أي من أدناسها وأرجاسها ومقتضياتها من اللذات الشهوانية ( تدعوها ) أي الطبيعة التي تدعو مريم أي شأن هذه الطبيعة أن تدعو مريم ( بسجين ) أي بجحيم
(لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين)
قال رضي الله عنه :  ( لأجل ذلك ) أي لأجل تكون الروح العيسوي في الذات المطهرة ( قد طالت إقامته فيها ) أي في السماوات فإن طهارة المحل تبعد الحال عن الكون والفساد ( فزاد على ألف بتعيين ) مبين في علم التواريخ .
(روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين)
قال رضي الله عنه :  ( روح ) خبر مبتدأ محذوف ( من اللّه لا من غيره ) أي هو خلقه اللّه بذاته لا بواسطة روح من الأرواح ( فلذا ) أي فلكون روحه من اللّه بغير واسطة ( أحي الموات وأنشأ الطير من طين ) بسبب تقربه إلى اللّه وتحققه بصفاته الخاصة به وإنما أحي الموتى وأنشأ الطير.
(حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون)
قال رضي الله عنه :  ( حتى يصح ) أي كي يصح أو معناه لأجل إحياء الأموات وإنشاء الطير صح ( له من ربه نسب ) بفتح النون مصدر والمراد به وصف أو بالكسر جمع نسبة وكلاهما صحيح ( به ) أي بسبب هذا النسب ( يؤثر في العالي ) وهو إحياء الموتى من الإنسان ( وفي الدون ) وهو خلق الطير المعروف من الطين .
 
(الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين )
قال رضي الله عنه :  ( اللّه طهره جسما ) من أرجاس الطبيعة ( ونزهه روحا ) عما يوجب
النقائض وزينه بالصفات الإلهية والأخلاق الكريمة ( وصيره ) أي جعله ( مثلا ) أي مماثلا له تعالى ( بتكوين ) أي بسبب تكوين الطير .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
قال رضي الله عنه :  ( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين .. تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين .. لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين  .. روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين .. حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون .. الله طهره جسما ونزهه .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
قلت قوله : من ماء مريم أو من نفخ جبرئيل في صورة البشر الموجود من طين
يعني أن الله تعالى خلق من ماء مريم ومن نفخ جبرئیل عیسی ، عليهما السلام، في صورة أبيه آدم، فإنه الموجود من طين.
قوله: أو المراد الواو كما قال: "أو یزیدون" (الصافات: 147).
 
البيت الثاني: تكون الروح إلى آخره. یعنی أن روح عیسی مطهرة من ظلمة الطبيعة التي تدعوها "بسجین"   وسجین اسم من أسماء دار الفجار. 
وأقول: إن هناك اعتبارا آخر يكون فيه الأجسام أكمل من الأرواح وأثبت في الوجود الإلهي.
البيت الثالث : لأجل ذلك قد طالت إقامته فيها إلى آخره، يعني لأجل كون الروح تكون من ذات مطهرة طال عمر عیسی علیه السلام، فهو إلى الآن حي وقد زاد على ألف سنة من تاريخ تكون روحه.
البيت الرابع: روح من الله لا من غيره إلى آخره، يعني لما كانت روح عیسی، عليه السلام، هي من الله لا من غيره لا جرم أحيا الموتى وخلق من الطين طائرا فنفخ فيه فعاش.
 
والبيت الخامس: "حتى يصح له من ربه نسب إلى آخره، يعني بذلك النسب، يكون التأثير في العالي وفي الدون.
البيت السادس: الله طهره جسما ونزهه روحا وصيره مثلا بتکوین، یعنی طهر جسمه ونزه روحه عن الطبيعة وصيره بالتكوين مثلا له في إحياء الموتی وجميع ما أتی به إلى أبيات الشعر التي يقول فيها: فلولاه ولولانا، لا يحتاج إلى شرح، لوضوحه وإن كان غريب المسلك.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
 
15 - فصّ حكمة نبويّة في كلمة عيسوية
قال العبد : أضيفت هذه الحكمة النبويّة إليه عليه السّلام لاختصاصه بالنبوّة وهو في المهد قبل بلوغه إلى زمان البعث للنبوّة ، كما أشار إليه الكامل صلى الله عليه وسلم :
« ما بعث نبيّ إلَّا على رأس أربعين » فإنه عليه السّلام قد أنبأ أمّه - وهو في بطنها - بقوله :
" أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا "  .
لقد أسند الشيخ حكمته إلى النبوّة لكون الغالب على عيسى عليه السّلام الإنباء عن الحق وإنباء الحق عنه له وعن نفسه ولعلوّه وارتفاعه الروحي والإلهي عن أبناء البشر ، كما ستعرف .
وبقوله في المهد : " وَجَعَلَنِي نَبِيًّا " كما مرّ في الفهرس ويأتي فيما بعد .
قال رضي الله عنه :
(عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين)
(تكون الروح في ذات مطهرة   ...... من الطبيعة تدعوها بسجين )
 
يشير رضي الله عنه إلى أنّ تكوّن الروح في حكم النظر العقلي يجوز أن يكون عن نفخ جبرئيل عليه السّلام فإنّ الروح الأمين على أنباء الله التي أنبأ بها جميع الأنبياء عن الحق بنبوّاتهم .
ويجوز أن يكون من حيث طهارة المحلّ وهو مريم عليها السّلام فإنّها أيضا منبأة من عند الله بما يكون عنها بقوله تعالى : " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ " وذلك عين الإنباء من عند الله وقد أنبأت نبيّ الله زكريّا بقولها :
" هُوَ من عِنْدِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ من يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ " ، فصلحت إضافة تكوّن عيسى عليه السّلام نبيّا عن نفخ جبرئيل الأمين في صورة البشر ، وعن مائها الطاهر ، وعنهما معا ، ومقتضى الكشف أنّ النبوّة كانت مدرجة في الكلمة الإلهية وهي وجود عيسى ، فبدأ - رضي الله عنه - في نظمه مستفهما لهذا الاحتمال في النظر العقلي .
قال : الأصل في وجود نشأته عليه السّلام إمّا جبرئيل عليه السّلام أو مريم عليها السّلام أو هما معا .
 

وفي الكشف الاسم هو الكلمة الإلهية التي أنبأ الله بها أمّه وجبرئيل بكلّ نبأ واقع على لسانه وفي قلب أمّه وعن جبرئيل بالنسبة إلى أمّه وإليه ، لأنّ الإنباء الحقيقي إنّما هو للوجود المتعيّن في مظهرية كلّ منهم ، وهو الكلمة والروح الحقيقي .
قال - رضي الله عنه - :
(لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين )
يشير رضي الله عنه إلى إقامة روح الله في الصورة البشرية الطبيعية من جهة أمّه .
فإنّ تكوّن الروح بشرا إنّما كان من أجل المحلّ القابل وهي الطبيعة ، فإنّ وجود مريم من أظهر المظاهر الطبيعية وأصفاها ، ووجوده عليه السّلام ضرب مثل وإنباء من الله لمن عقل عنه لوجود الروح الإنساني الكمالي عن الطبيعية من حيث التعيّن وظهور أحكام الروح وآثاره وقواه في مظاهرها الطبيعية الجسمانية .
لأنّ الروح الإنساني بعينه حادث بحدوث البدن ، ولم يكن هذا التعيّن موجودا قبل النشأة الطبيعية ، فإنّ وجود الروح قبل وجود البدن وجود روحاني في صورة روحانية نورانية فلكية وعرشية ونورية ومثالية .
وإنّما ظهرت آثار قواه وتصرّفاتها في العالم مظاهرها بين البدن ، ومتعلَّق الحدوث إنّما هو التعيّن ، والحدوث في الصور العنصرية والمزاج الجسماني ، وليس ذلك إلَّا لقواها وآثارها وتصرّفاتها في الأرواح الثلاثة : الطبيعيّ والحيواني والنفساني ، فافهم .
 
قال رضي الله عنه  :
(روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين)
يشير رضي الله عنه: إلى أنّ هذا الروح الكامل مظهر الاسم « الله » وأنّ النافخ له هو الله من حيث الصورة الجبرئيلية ، ليس من حضرة اسم آخر من الأسماء التابعة الفرعية .
فإنّ كلم أرواح سائر الأنبياء كما علمت ممّا تقدّم وإن كانت من حضرة الاسم « الله » ولكن من حيث تجلَّيه من سائر الحضرات الإلهية إلَّا أنّه من باطن أحدية جمع الحضرة الإلهية .
كما مرّ في شرح فصّ شيث عليه السّلام فتذكَّر ، فتعيّن هذا الروح من باطن الحضرة الإلهية ، ولهذا قال الله تعالى إنّه روح الله وكلمته ، فالكلمة لباطن الله وهويّته الغيبية ، والروح لله ، ولهذا هو عبد الله ومظهره وقد ظهر به ، من الدلائل على ذلك الإحياء والإبراء والخلق .
 
قال رضي الله عنه :
(حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون )
يشير رضي الله عنه : إلى الإحياء والخلق ، فإنّ الإحياء من خصوص الإلهية وكذلك الخلق ، " قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ "  فلمّا ظهرا منه ، صحّ له نسب من الاسم الله ، فأثّر بالإحياء والإبراء وقد عجز عن ذلك غيره في الصور العالية الإنسانية ، وأثّر في الدون بالخلق ، وهو صورة الخفّاش .
قال رضي الله عنه :
(الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين )
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ جسمانيّته تمثّليّ روحاني ، ليس فيها من التلوينات الطبيعية البشرية ما يقدح في روحانيته ، فإنّ صورته روح متجسّد في رأي العين وليس فيها من الجسم إلَّا حقيقة الجسمية التي بها يثبت متحيّزا لعيان العيون ، ويبقى كذلك مدّة مديدة .
وذلك من طينة أمّه الطيّبة الطاهرة ، وتنزيه روحه عن التقيّد بمرتبة جزئيّة من


مراتب الأسماء وعن آثار الطبيعة فيه ، كما في غيره من الأرواح البشرية ، فإنّها بحسب الطبيعية والصور الجسمانية ، بخلاف صورته - صلوات الله عليه - فإنّها روحانية بحسب الروح ، فلا يقيّده حيّز بالحصر والحبس ، بل هو مطلق.
ولهذا ما قتل وما صلب في الصحيح كما أخبر الله عنه ولكن خيّل لهم ذلك ، وشبّه شبهه حين ألقي شبهه على من سعى في دمه ، وكذلك جميع أحواله الطبيعية من الأكل والشرب تمثيل إلَّا ما قال الله تعالى عنه : " كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ "  في رأي العين ، فكان يتغذّى بروحانية الطعام الذي يريهم أنّه يأكله أو يشربه لا غير .


وأمّا تصيّره مثلا فهو بتكوين الجوهر الطيري من الطين ، وتكوين الأعراض من الحياة والصحّة والألوان بلا مادّة ظاهرة ، فصحّت له المثلية من هذه الوجوه ظاهرا في نشأته الأولى النبويّة ، وبكونه خليفة الله في نشأته الثانية بختمية الولاية العامّة ، كما علمت في شرح الفصّ الشيثي ، فتذكَّر .
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 10:25 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية : -    الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
إنما اختصت الكلمة العيسوية بالحكمة النبوية ، وإن كان جميع هذه الحكم نبوية لأن نبوته فطرية غالبة على حاله ، وقد أنبأ عن الله في بطن أمه بقوله "أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ  رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا" وفي المهد بقوله " آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا " إلى بعثته وهو الأربعون لقوله عليه الصلاة والسلام « ما بعث نبي إلا بعد تمام الأربعين » .
وقيل إنها ليست مهموزة من النبأ ، بل ناقصة من نبا ينبو نبوا بمعنى ارتفع لارتفاع مقامه كما يأتي ، ولقوله : " بَلْ رَفَعَه الله إِلَيْه " ولختم الولاية عليه ، والله أعلم .
قال الشيخ رضي الله عنه :  
( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين  .... في صورة البشر الموجود من طين )
( تكون الروح في ذات مطهرة  ..... من الطبيعة تدعوها بسجين )
لما كانت النبوة مدرجة في الكلمة الإلهية التي هي حقيقة عيسى الملقب بروح الله في ذات مطهرة من عالم الطبيعة في حالة كونك تدعو تلك الطبيعة أو يدعوها الظاهرة في صورة بشرية طبيعية احتمل تكونه من ماء مريم لنشأته الطبيعية ، فإنها نفس طاهرة منبأة من عند الله بما يكون عنها في قوله تعالى : " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه اسْمُه الْمَسِيحُ ".
"" أضاف بالي زادة : ( عن ماء مريم ) استفهام تقرير حذفت همزته ( أو ) بمعنى الواو ( عن نفخ جبرين ) أي جبريل ( في ) يتعلق بجبرين ( صورة البشر الموجود ) أي المخلوق ( من طين ) وعن متعلق بقوله : ( تكون الروح ) العيسوى ( في ذات مطهرة ) ذات مريم ( من الطبيعة ) أي من أدناسها وأرجاسها ومقتضياتها من اللذات الشهوانية ( تدعوها ) أي الطبيعة التي تدعو مريم أي شأن هذه الطبيعة أن تدعو مريم ( بسجين ) أي جحيم .اهـ بالى  زادة.""
 
ومن نفخ جبريل فإنه الروح الأمين على أنباء الله التي أنبأ بها جميع الأنبياء عن الحق ومنهما جميعا بحسب روحانيته وجسمانيته فاستفهم عن وجود نشأته ، أنه من أيهما تكون لاحتمال الجميع في النظر العقلي .
 فقال : أعن ماء مريم بل أعن نفخ جبرين تكون هذا الروح ، وهذا الاستفهام مبنى على النظر العقلي .
وأما بحسب الكشف فهو الكلمة الإلهية التي أنبأ الله أمه وجبريل هو الواسطة الذي وقع على لسانه إلى أمه وأداه إلى قلبها كسائر الأنباء التي ألقاها إلى الأنبياء ، ولا بد من توسط الروح الذي هو جبريل ليتعين هذا الروح والكلمة الإلهية ويصل إلى مريم عليها السلام :
 
(لأجل ذلك قد طالت إقامته  .... فيها وزاد على ألف بتعيين )
أي من أجل تكون هذا الروح في ذات مطهرة من الطبيعة الفاسدة وهي الصورة المثالية ، أو ذات كائنة من عالم الطبيعة طهرت من الخبائث وهو صورة عيسى أو أمه .
"" أضاف بالي زادة : (لأجل ذلك ) أي لأجل تكون الروح العيسوى في الذات المطهرة ( قد طالت إقامته فيها ) أي في السماوات ، فإن طهارة المحل تبعد الحال عن الكون والفساد ( فزاد على ألف بتعيين ) مبين؟؟؟ في علم التواريخ إلى حين اهـ بالى . ""
 
طالت إقامتها في صورة البشر وزاد طول إقامتها على ألف على التعيين ، فإن مولد عيسى كان قبل مولد النبي عليه الصلاة والسلام بخمسمائة وخمس وخمسين سنة .
وقد بقي بعد ، وسينزل ويدعو الناس إلى دين محمد عليه الصلاة والسلام فزاد على ألف بالتعين فعلى هذا طال إقامته في صورة البشر إما معللا بطهارته ونزاهته من الطبيعة وإما بطهارة أمه ، وكونه في صورة البشر إنما هو لأجل المحل القابل وهو الطبيعة :
( روح من الله لا من غيره فلذا   .... أحيا الموات وأنشأ الطير من طين )
أي هو روح كامل مظهر لاسم الله ، والله هو النافخ له من حيث الصورة الجبريليه لا غيره ، فهو من اسم ذاتي لا من اسم من الأسماء الفرعية ، فيكون بينه وبين الله وسائط كثيرة كسائر أرواح الأنبياء .
فإنها وإن كانت من حضرة اسم الله لكن بتوسط تجليات كثيرة من سائر الحضرات الأسمائية وعيسى تعين من باطن أحدية جمع الحضرة الإلهية ، ولهذا سماه روحه وكلمته وكانت دعوته إلى الباطن والعالم القدسي .
"" أضاف بالي زادة : ( روح ) خبر مبتدإ محذوف ( من الله لا من غيره ) أي خلقه الله بذاته لا بواسطة روح من الأرواح ( فلذا ) أي فلكون روحه من الله لا من غيره ( أحيا الموات وأنشأ الطير من طين ) بسبب تقربه إلى الله وتحققه بصفاته أحيا الموات وأنشأ الطير اهـ بالى . ""
 
 فإن الكلمة إنما هي من باطن الله وهويته الغيبية من الله واسمه الجبريلى ولهذا هو عبد الله ومظهره ، وظهر عليه صفاته من إحياء الموتى والخلق وأنشأ الطير من الطين وأبرأ الأكمه وغيرها :
( حتى يصح له من ربه نسب  .... به يؤثر في العالي وفي الدون )
أي لما صدر من الله بلا وسائط لا من غيره صح له نسب بظهور صفاته تعالى منه وصدور أفعاله الخاصة به عنه من إحياء الموتى وخلق الطير ، وبتأثيره في الجنس العالي من الصور الإنسانية بإحيائها ، وفي الجنس الدون كخلق الخلق الخفاش من الطين وهما من خصائص الله.
"" أضاف بالي زادة : ( حتى يصح ) أي كي يصح ( له من ربه نسب ) بفتح النون مصدر ، أو بالكسر جمع نسبة وكلاهما صحيح ( به ) أي بسبب هذا النسب ( يؤثر في العالي ) وهو إحياء الموتى من الإنسان ( وفي الدون ) خلق الطير المعروف من الطين اه ( الله طهره جسما ) من أرجاس الطبيعة ( ونزهه روحا ) عما يوجب النقائص وزينه بالصفات الإلهية ( وصيره ) جعله ( مثلا ) أي مماثلا له تعالى ( بتكوين ) أي بسبب تكوين الطير اهـ بالى . ""
 
 كما قال تعالى : " قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ " - :
( الله طهره جسما ونزهه   ..... روحا وصيره مثلا بتكوين )
 
وفي نسخة : لتكوين ، أي الله خاصة طهر جسمه عن الأقذار الطبيعية ، فإنه روح متجسد في بدن مثالي روحاني ولذلك بقي مدة مديدة زائدة على ألف في زماننا هذا ، ومن الهجرة سبعمائة وثلاثون بثلاثمائة وستة وثلاثين ، فإن من ميلاد النبي إلى زماننا هذا سبعمائة وإحدى وثمانين سنة ، وذلك إما من صفاء جوهر طينته ولطافتها وصفاء طينة أمه وطهارتها ، ونزه روحه وقدسه من التأثر بالهيئات الطبيعية والصفات البدنية لتأيده بروح القدس الذي هو على صورته ، ولهذا ما قتل وما صلب كما أخبر الله عنه لتجرده عن الملابس الهيولانية ، وصيره مثلا له بتكوين الطير من الطين وتكوين الأعراض من الحياة والصحة في الموتى والمرضى في نشأته الأولى ، وبكونه خليفة الله وخاتم الولاية في نشأته الثانية أي مثله في الصفات ، أو صيره مثل الخلق في الصورة بتكوينه تعالى إياه من الطبيعة الجسمانية .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
إنما نسب الحكمة النبوية إلى الكلمة ( العيسوية ) لأنه عليه السلام نبي بالنبوة العامة أزلا وأبدا ، وبالنبوة الخاصة حين البعثة .
لذلك أنبأ عن نبوته في المهد بقوله : ( وآتاني الكتاب وجعلني نبيا ) . وأنبأ في بطن أمه عن سيادته الأزلية بقوله : ( لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ) . أي ، سيدا على القوم ، ولذلك غلب عليه الأنبياء عن أحوال الروحانيين ، وكانت دعوته إلى الباطن أغلب .
وقيل إنها من ( نبا ، ينبوا ) - غير مهموز - بمعنى ارتفع ، لارتفاعه إلى السماء ،
كما قال تعالى : ( بل رفعه الله إليه ) .
 
وليس المراد بالنبوة التشريعية التي هي مشتركة بين الأنبياء ، ليلزم اشتراكهم فيها ، بل المراد بها النبوة العامة الأزلية .
ولا اشتراك لأحد من الأنبياء والأولياء فيها ، لأن النبوة العامة نتيجة الولاية ، والأنبياء والأولياء لا يأخذون الولاية إلا من مشكوته ، وهو صاحب هذا المقام أزلا وأبدا لخاتميته كما مر في الفص الثاني ، فله النبوة العامة الأزلية بالأصالة .
وغيره لا يتصف بالولاية والإنباء إلا عند تحصيل شرائطها ، كما أن نبينا ، صلى الله عليه وسلم ، نبي أزلا بالنبوة التشريعية وغيره من الأنبياء لا يكون إلا عند البعثة .
 
ولهذا السر جعل هذه الحكمة بعد الحكمة القدرية ، لأنه بين الولاية فيها ، وجعل لها النبوة العامة ، وتكلم عليها بما قدر الله ، فأردفها ليتكلم على بعض خواصها في الكلمة العيسوية . والله أعلم .
شعر :
( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين  ... في صورة البشر الموجود من طين)
(تكون الروح في ذات مطهرة   ...... من الطبيعة تدعوها بسجين )
استفهام على سبيل التقرير .
تقديره : أعن ماء مريم أو عن نفخ جبرئيل ، أو عنهما معا ، تكون هذا الروح ؟
ف‍ ( أو ) بمعنى ( الواو ) .
و ( جبرين ) لغة في جبرئيل كجبرئيل . أي ، يكون روح الله عن ماء مريم ونفخ جبرئيل معا حال كونه متمثلا في صورة البشر الذي خلق من الطين ، كما قال تعالى : ( فتمثل لها بشرا سويا ) .
فجسمانيته من ماء مريم ، وروحانيته من نفخ جبرئيل ، فإنه تلقاها من الله بغير واسطة وألقاها إلى مريم .
وإنما قال : ( في صورة البشر ) لأنه ملك ظاهر في الصورة البشرية وليس ببشر .
و ( الذات المطهرة ) يجوز أن يكون مريم ، عليها السلام ، التي تطهرت من غلبة أحكام الطبيعة المطلقة عليها ، أو من الطبيعة المسماة ب‍ ( السجين ) .
فالمراد الطبيعة الخاصة التي هي في المرتبة السفلى ، وهو عالم الكون والفساد ، لا مطلق الطبيعة ، لذلك سميت بالسجين ، إذ الأملاك السماوية والسماوات كلها عنده طبيعة عنصرية ، وما فوقها طبيعة غير عنصرية . كما سنذكره في هذا الفص .
 
وتطهرها منها خروجها عن أحكام عالم التضاد لغلبة النورية عليها .
ويجوز أن يكون الذات العيسوية  التي تعلقت به الروح العيسوي . فالتكون بمعنى الظهور ، لا الحدوث .
 
ويؤيد الثاني قوله : ( لأجل ذلك قد طالت إقامته ) وإن كان الأول أسبق في الذهن .
و ( تدعوها ) صفة ( الطبيعة ) . أي ، من الطبيعة المدعوة بالسجين .
و ( تاء ) هـ للخطاب إلى العارف المحقق ، أي بتسميها . أو ب‍ ( الياء ) المنقوطة من تحت .
أي ، يدعوها الله في كلامه بالسجين . وفيه إشارة إلى أن عالم الكون والفساد عين الجحيم ، كما قال ، عليه السلام : ( الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر ) .
أو مآله إلى الجحيم عند قيام الساعة . و ( من الطبيعة ) متعلق ب‍ ( مطهرة ) و ( السجين ) مأخوذ من السجن .
وإنما جعل عالم الكون والفساد سجينا ، لأن كل من هو فيها مسجون محبوس مقيد بالتعلقات الجسمانية والقيود الظلمانية ، محجوب عن الأنوار الروحانية ، إلا العارفون الذين قطعوا تعلقاتهم الجسمانية ، وخلصوا عن القيود الظلمانية ، ورفعوا الحجب ، وتنور بواطنهم بأنوار الروح ، فخرجوا إلى فضاء عالم القدس .
فهم الذين فازوا بالنعيم بعد ورودهم إلى الجحيم ، كما قال الصادق ، عليه السلام ، حين قرئ عنده : وإن منكم إلا واردها : ( جزناها وهي خامدة ) .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين  )
أي ، لأجل أن الذات المنفوخ فيها الجسم العيسوي ، وهي مريم عليها السلام ،
كانت مطهرة عن غلبه أحكام الطبيعة عليها ، طالت إقامته في السماء ، فإن طهارة
بدن الوالدين - مما يوجب النقص - توجب طهارة بدن الولد أيضا منه هذا على الأول
.
وأما على الثاني ، فمعناه : ولأجل أن الذات المنفوخ فيها الروح العيسوي وهو بدنه - كانت مطهرة من أدناس الطبيعة وأرجاسها ومن أحكامها المتضادة المقتضية للانفكاك وخراب البدن سريعا - طالت إقامته فيها .
أي ، إقامة الروح في تلك الذات حتى زاد ألف سنة .
فإنه ، عليه السلام ، بعث قبل نبينا ، صلوات الله عليهما ، بخمسمائة وخمس وخمسين سنة . وهذا مبنى على أنه ببدنه في السماء ومن ولادة نبينا ، صلى الله عليه وسلم ، إلى زماننا هذا سبعمأة وأحد وثمانون سنة ، فالمجموع ألف وثلاثمأة وست وثلاثون سنة .
 
وتحقيقه : أن البدن الحاصل من الجسم الكثيف الظلماني مشارك في الحقيقة والجوهرية مع الجسم اللطيف النوراني الذي منه أجسام الأفلاك ، بل لا يمكن أن يتعلق الروح المجرد بهذا الجسم الكثيف أيضا إلا بواسطة ذلك الجسم اللطيف .
 
ولذلك يتعلق أولا بالروح الحيواني الذي هو الجسم اللطيف البخاري الحاصل من امتزاج لطائف الأركان الأربعة بعضها مع بعض ، ثم بواسطته يتعلق بالقلب ، ثم الكبد ، ثم الدماغ . على ما هو مقرر عند الحكماء . وفي قوة هذه الجسم الكثيف أن تبدل بذلك الجسم اللطيف وبالعكس ، عند تعلق القدرة الإلهية بذلك ، إذ الكثافة واللطافة من عوارض حقيقة الجسم ، خصوصا إذا تنورت النفس بالنور الرباني ، فتنورت بدنها ، كما قال : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) .
وحينئذ يشارك صاحبه الملائكة ويرتفع إلى مقامهم . فارتفاع عيسى ، عليه السلام ، إلى السماء من هذا القبيل . وسيجيئ بيانه أكثر من هذا ، كما سنذكره في ( الفص الإلياسي ) .
والسماء ، عند أهل الحقيقة ، عنصري ، قابل للخرق والالتيام ، كما سنذكره ، وقوله تعالى عن لسانه : ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ) .
حينئذ يكون محمولا على أن ( التوفي ) عبارة عن رفعه إلى السماء ، لا على المفارقة
بين الروح وبدنه .
 
قيل : إن حقيقة عيسى ، عليه السلام ، ظهرت بالصورة المثالية المتجسدة في هذا العالم . كما صرح هذا القائل بقوله : ( فإنه روح متجسدة في بدن مثالي روحاني ، لذلك بقي مدة مديدة ) . وفيه نظر .
لأن الصورة المتجسدة لا يحتاج إلى الأكل والشرب في دار الدنيا ، وقد قال الله فيه وفي أمه : ( وكانا يأكلان الطعام ) .
وأيضا ، إنما يتجسد الأرواح بالصورة الحسية بأمر الله تعالى لمقاصد تتعلق بالعباد ، فإذا انقضت ، رجعوا إلى ما كانوا عليه .
وذلك مدة يسيرة بين العباد الذين في دار الدنيا ، لا مدة ألف سنة وفي السماء .
والظهور ثانيا لا يحتاج إلى بقاء الصور المتجسدة مدة طويلة ، لأن لهم قوة الظهور والتجسد في كل آن  ( روح من الله لا من غيره فلذا  ..... أحيا الموات وأنشأ الطير من طين )
واعلم ، أن الأرواح المهيمة التي منها العقل الأول وأرواح الأفراد والكمل كلها
 
صف واحد ، حصل من الله ليس بعضها بواسطة بعض ، وإن كانت الصفوف  الباقية من الأرواح بواسطة العقل الأول ، فإنه واسطة التدوين والتسطير للكمالات الوجودية .
والروح العيسوي من الصف الأول ، لذلك قال : ( روح من الله لا من غيره . )
أي ، الروح العيسوي فائض من الحضرة الإلهية مقام الجمع بلا واسطة اسم من الأسماء وروح من الأرواح ، كما قال تعالى : ( وروح منه ) .
 
أي ، من الله . لذلك أحيا الأموات وخلق الطير من الطين ، وهو الخفاش .
قال تعالى حاكيا عنه : ( إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ) . فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله . وأبرء الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله .
فهو مظهر للإسم الجامع الإلهي ، كنبينا ، صلى الله عليه وسلم .
لذلك كمل نسبته إليه في كونه صاحب الاسم الأعظم ، وقرب ظهوره بظهوره ، وينزل من السماء مرة أخرى ، ويدعو الخلق بدين نبينا ، صلى الله عليه وسلم .
 
( حتى يصح له من ربه نسب .... به يؤثر في العالي وفي الدون )
قال رضي الله عنه :  ( النسب ) بفتح النون ، وبالكسر ، وهم . أي ، إحياء الأموات وخلق الطير ، ليصح نسبه ، ونسبته إلى الله بكونه صادرا منه مظهرا للإسم الجامع الإلهي ، لا  بأنه ابنه ، كما يقول الظالمون . تعالى عنه علوا كبيرا .
 
( به يؤثر ) أي ، بذلك النسب يؤثر في العالي ، أي فيمن له العلو المرتبي كالإنسان ، وفيمن له السفل المرتبي وهو الدون كالطير ، بإحياء الموتى وخلق الطير ، أو يؤثر ويتصرف في العالم العلوي السماوي والسفلى الأرضي كلها .
(الله طهره جسما ونزهه ..... روحا وصيره مثلا بتكوين )
 وفي بعض النسخ : ( لتكوين ) .
أي ، الله طهر جسمه وبدنه من الأدناس الطبيعية التي بواسطتها يتصرف الشيطان في الإنسان ، كما شق جبرئيل صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطهره ونزه روحه عما يوجب النقائص والمذام ، وحلاه بجميع الكمالات والمحامد .
 
قال رضي الله عنه :  ( وصيره مثلا ) أي ، متماثلا لربه في إحياء الأموات وخلق الطير وتكوينه لكونه مخلوقا على صورته .
وإطلاق المثلية هنا مجاز ، إذ لا مثل له ولا نظير ، لكون الكل منه . أو صيره مماثلا لآدم في كونه تكون من غير أب ، كما تكون آدم من غير أب .
قال تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) .
وتقديم اسم ( الله ) يفيد التعظيم - كما يقال : السلطان أمر بهذا الحكم - واحصر ، على أنه طهر جسمه من غير واسطة لا غيره ، كما أوجد روحه من غير واسطة .
 
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
الفصّ العيسوي
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
أي : ما يتزين به ويكمل العلم اليقيني الباحث عن رتبة خاصة في النبوة ظهر بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى عيسى بن مريم - عليهما السلام ، إذ ظهر بها في بطن أمه "أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا" [ مريم : 24 ] ، وفي المهد قال :" إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا " [ مريم : 30 ] ، وفي حال الكهولة :" أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ"[ آل عمران : 49 ] إلى قوله :" وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ " [ آل عمران : 49 ] .
 
"" أضاف المحقق : لفظة النبي التي وردت بالهمز وبدونه ، فبالهمز مشتق من النبأ بمعنى الإخبار فنسب الشيخ حكمته إليه ؛ لأنه أنبأ عن نبوته في المهد بقوله :آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا[ مريم : 30 ] .
وفي بطن أمه بقوله :أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا[ مريم : 24 ] أي : سيدا على القوم بالنبوة ، فله زيادة خصوصية بها ، وبدون الهمز من نبا ينبو بمعنى ارتفع لارتفاعه إلى السماء ، قال تعالى :"بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ"[ النساء : 158 ] ( شرح الجامي ص  325 ) .""
 
قال رضي الله عنه : 
(عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين   .... في صورة البشر الموجود من طين)
ولما كانت له هذه الرتبة لطهارة فطرته ، واتصاله بالأرواح العلوية ؛ ولذلك رفع إلى السماء أخذ يبحث عنها ؛ فقال ( عن ) متعلق يتكون ، وهمزة الاستفهام محذوفة والمنفصلة حقيقية أي : بل عنهما جميعا يكون ( ماء مريم ) عن سريان الشهوة فيها .
إذ قال لها جبريل عليه السّلام : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا "[ مريم : 19 ] ، وقد تمثل لَها" بَشَراً سَوِيًّا" [ مريم : 17 ] ، إذ لا بدّ منه لفيضان الروح على الجسم الإنساني ، فإنه من ماء المرأة ، ومن ماء الرجل بحسب السنة الإلهية التي لم تجد لها تبديلا وتحويلا .
 
 فلذا قال رضي الله عنه : ( وعن نفخ جبرين ) أي : جبريل ، فإنه من حيث تضمنه النفس المشبه بالنفس الحيواني حامل رطوبة متوهمة ، وذلك لظهوره ( في صورة البشر ) ( الموجود من طين ) ، وهو تراب مبلول بالماء ، فلا يخلو نفسه عن رطوبة محققة ، فما تمثل به يوجب نفخة رطوبة متوهمة يفيد اجتماعهما تركيب جسم إنساني معتدل
 
تكوّن الرّوح في ذات مطهّرة    .... من الطّبيعة تدعوها بسجّين
قال رضي الله عنه :  ( تكون ) أي : فاض ( الروح ) العيسوي ( في ذات ) .
أي : جسم إنساني هو ذاته المعروضة لحيوانه من الروح ( مطهرة ) ( من الطبيعة ) الحيوانية من حيث تركيبها من المختلفات المحققة المستدعية انحلالها عند بطلان اعتدالها المبطل تدبير الروح عنها ، وإن كان ذلك التركيب بعينه عند اعتدال أجزائه يستدعي تدبيره في جسمه ؛ لذلك ( يدعوها ) أي : تلك الطبيعة ( بسجين ) بحبس الروح العلوي . ثم تخليه عند بطلان اعتداله
لأجل ذلك قد طالت إقامته    .... فيها فزاد على ألف بتعيين
قال رضي الله عنه :  ( لأجل ذلك ) أي : لتطهر ذاته عن تلك الطبيعة المستدعية تدبير الروح تارة وإخلاؤه تارة
قال رضي الله عنه :  ( قد طالت إقامته ) أي : إقامة روحه ( فيها ) أي : في ذاته ، ( فزاد ) قدر إقامته فيها ( على ألف ) من السنين ( بتعيين ) في هذا الألف المزيد عليه ، إذ لا تتصور زيادة على شيء بدون تعيين ذلك الشيء ؛ وذلك لأنه عليه السّلام ولد قبل نبيّنا عليه السّلام بخمسمائة وخمس وخمسين سنة ، وقد بقي بعد ، وقد مضى بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أكثر من خمسمائة سنة.
وإذا كانت الذات العيسوية منزهة عن الطبيعة ، فالروح المتكون فيها
 
روح من اللّه لا من غيره فلذا    .... أحيا الموات وأنشأ الطّير من طين
(روح من اللّه لا من غيره) من العقول والنفوس والأفلاك والعناصر ؛ لأن فيضانه يختلف باختلاف المحل نزاهة وتعلقا.
حتّى يصحّ له من ربّه نسب    .... به يؤثّر في العالي ، وفي الدّون
اللّه طهّره جسما ونزّهه    .... روحا وصيّره مثلا بتكوين
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
بسم الله الرّحمن الرّحيم
 15 - فصّ حكمة نبويّة في كلمة عيسويّة
وجه تسمية الفصّ  
إنّما اختصّت الكلمة العيسويّة بين الأنبياء كلَّها بالحكمة النبويّة لما قد اطَّلعت عليه أولا من أن النبوة - التي هي الإخبار عن الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامها كلها - مبنى أمرها على الوجود الكلاميّ ، ومنشأ ظهورها من النقطة النطقيّة التي بها ينطبق قوسا البطون والظهور ، ويتمّ الكمال الوجوديّ بالشهوديّ ، والظهوريّ بالشعوريّ .
 
ثمّ إنّ الكلمة العيسويّة هي التي تفرّدت بين الكلمات بمظهرية هذه المرتبة من الوجود استقلالا ، بدون تعلَّم ولا تعمّل اكتساب وتدبّر - دون غيرها من الأنبياء - فهي التي تظهر هذه المرتبة لذاتها ، ولذلك ترى أول أثر يترتّب على شخصه الكماليّ هو هذه ، إذ تكلَّم في بطن امّه بقوله : أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا “ [ 19 / 24 ] وفي المهد بقوله : “ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا”  [ 19 / 30 ] .
وهذا هو وجه المماثلة والمشابهة بينه وبين آدم ، على ما أفصح عنه قوله :
“ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَه ُ من تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَه ُ كُنْ “ كلمة كاملة ذات نطق وكلام “ فَيَكُونُ “ [ 3 / 59 ] فإنّ « ثمّ » يدل هاهنا على أنّ أمر “ كُنْ “ إنما يتوجّه إلى مرتبة وراء خلق آدم ، مرتّبة عليه ، فعيسى مثل آدم في مصدرية الكلام الكماليّ ومظهريّة الكمال الكلاميّ بدون تعلَّم من أحد ولا تطفّل على أحد ، فلذلك اختصّت بالنبوّة .
ومما يلوّح عليه أن في لفظة « النبويّة » جميع ما في الكلمة العيسويّة من الحروف ، إمّا بأعيانها ، أو ببيّناتها .
 
وبيّن أن ظهور الكلمة العيسويّة بمرتبة الإنبائيّة الكلاميّة - التي بها صحّت مماثلتها لآدم - ليس على ما عليه الطبيعة الجزئيّة البشريّة ، فإنّها ليست ظاهرة بها إلا بعد تعلَّم من الأبوين ، وزيادة تدبّر وتعاون من القوى ، على استحصال تلك الملكة ، فليس لها في ذاتها إلا القابليّة لها فقط . ولذلك كان امّها من جزئيات هذه الطبيعة البشريّة ، والنفخ الجبرئيليّ فيها بمنزلة الأب .
 
 مبدأ خلق عيسى عليه السّلام   
فأشار إلى ذلك بضرب من التلطَّف مستفهما عن ترديد على معنى منع الخلوّ دون الجمع  قائلا :
( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين )
فإن الماء للين جوهره وكمال قبوله وانفعاله هو الامّ ، والنفخ لقوّة فعله وشدّة تأثيره هو الأب . على أن الماء هو الامّ مادّة ، كما أنّ « النفخ » « أب » في قاعدة العقد على ما يلوّحك عليه  بيّنات العدد منه ، إذا نسب إلى الأب بيّناته أو اسمه - تأمّل .
ثمّ إن ماء مريم بجوهريّته قابل لذلك ، كما أن نفخ جبرين بصورته الفعليّة فاعل له ، فلذلك ظهر الولد بجوهره


.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 10:26 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية : -    الجزء الثالث
تابع : شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
( في صورة البشر الموجود من طين )
كما أنّه بفعله في صورة الملك الموسوم بالجبرين ، وفي تبديل لامه بالنون إشارة إلى ما عليه في حالة النفخ ، أعني الصورة الإنسانية ، فإنّ النون من امّهات موادّ ذلك الاسم - كما لا يخفى - فمتعلَّق هذه الظروف كلها قوله :
( تكوّن الروح في ذات مطهّرة )
 من آثار تلك الصورة وأفعالها الهيولانيّة المظلمة ، فإن أفعال عيسى ومبدأها - أعني الروح - من جبرين ، إذ تكوّن الروح عن النفخ ، كما أن صورة البشر من الماء ، على ما يطلعك عليه تركيبه بترتيبه .
 
ثمّ إنّه قد حصل هاهنا صورة مزاجيّة اعتداليّة بين قاهرين قويّين :
أحدهما تكوّن روحه في ذات غير قابلة للفساد ، والتغيّر والحدوث ، مطهّرة من ذلك الأوصاف ، يجذبه إلى العلو مستقر جلالها ومسرع عزّها وإطلاقها .
والآخر تكوّن صورته ( من الطبيعة ) التي لم تزل تفسد وتتغيّر ( تدعوها ) إلى السفل معدن كمالها المسمى ( بسجّين ) الحصر والقيد .
وبيّن أن المزاج المعتدل بين القوّتين المتقاومتين ، لا بدّ وأن يكون لها بقاء بقدر قوّتهما وتكافؤهما عند تحاذيهما ، واستقرارهما في الاعتدال ( لأجل ذلك قد طالت ) للروح ( إقامته )
في تلك الذات ومكثه ( فيها ، فزاد ) مقدار إقامته ، ( على ألف ) وهو أنهى درجات مراتب المقدار وأطولها من السنة التي هي أنهى درجات مراتب الزمان وأطولها ( بتعيين ) مقداريّ عددا وزمانا .
 
وذلك الاعتدال فيه لقوّة أمر الروح ، حيث لم ينقهر من حكم الطبيعة مع أنّه متنزّل في مرتبتها ، ظاهر بحكمها ، كما انقهر غيره من الكلمات .
ووجه اختصاص روحه بتلك القوّة أنّه :
( روح من الله لا من غيره فلذا أحيا الموات )
إحياء إعادة( وأنشأ الطير من طين )إنشاء بدء . فتحقّق بالمبدئيّة والمعيديّة .
 
( حتّى يصحّ له من ربّه نسب به يؤثّر في العالي )
من المتروحين المتجرّدين ( وفي الدون ) من المتركَّبين المتدنّسين لما عرفت أنّه بصورته الاعتداليّة الجمعيّة محيط بالطرفين وجودا ، فإنّه بصورته الجسميّة التي هي نهاية المراتب الوجوديّة باقية في الجسم الكلّ ، مؤثّر في صورهم الوجوديّة ، كما أنّ محمّدا بصورته الكلاميّة التي  هي غاية الكلّ ، باق مؤثّر في كمالهم الشهوديّ .
وبيّن أن الإحاطة المذكورة إنما يتصوّر بمظهريّة الجمعيّة الإلهيّة ، وذلك إنما يتمّ بطهارة كمال قابليّته ، المطهّر بطرفيه الروحانيّ والجسمانيّ عن التدنّس والتغيّر ، حتّى يصحّ منهما المزاج الاعتداليّ المثليّ ، وإليه أشار بقوله :
 
(الله طهّره جسما ونزّهه  ... روحا وصيّره مثلا بتكوين )
وقد نبّهت على وجه مماثلته بآدم ، وهذا وجه مماثلته للحقّ ، وهو الظهور بالإبداء والإعادة فعلا ، والتطهير والتنزيه ذاتا وصفة .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  .... روحا وصيره مثلا بتكوين ) .

الفصّ العيسوي
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
قال رضي الله عنه :  ( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين .. تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين)
فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
لفظة النبي التي وردت بالهمز وبدونه ، فبالهمز مشتق من النبأ بمعنى الإخبار فنسب الشيخ رضي اللّه عنه حكمته إليه لأنه أنبأ عن نبوته في المهد بقوله : "وآتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا "[ مريم : 30 ] .
وفي بطن أمه بقوله :" أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا " [ مريم: 24] ،
أي سيدا على القوم بالنبوّة ، فله زيادة خصوصية بها ، وبدون الهمز من نبا ينبو بمعنى ارتفع لارتفاعه إلى السماء . قال تعالى: " بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ "[ النساء : 158 ] .
ثم اعلم أن لعيسى عليه السلام جهة جسمانية وجهة روحانية وأحدية جمع للجهتين ، فإذا نظر إلى جهة الجسمانية يظن أنه تكوّن من ماء مريم وإذا نظر إلى جهة الروحانية وآثارها من إحياء الموتى وخلق الطير من الطين يحكم أنه من نفخ جبريل .
 
وإذا نظر إلى أحدية جمعهما يقال : إنه متكوّن منهما ، فلذا قال الشيخ رضي اللّه عنه على سبيل منع الخلق المحتمل انفراد كل من الأمرين واجتماعه في تكونه ( عن ماء مريم أو نفخ جبريل ) هو لغة في جبريل ، وهذا الكلام يحتمل أن يكون خبرا كما هو الظاهر واستفهاما للتقدير بتقدير الهمزة ( في صورة البشر الموجود في طين ) حال من جبريل .
أي عن ماء مريم أو عن جبريل حال كونه متمثلا في صورة بشرية كما قال تعالى :" فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا " [ مريم : 17 ] .
 
قال رضي الله عنه :  ( تكون الروح ) ، أي الحقيقة المعنوية العيسوية بصورته الشخصية الخارجية ( في ذات مطهرة عن الطبيعة ) ، أي عن غلبة أحكام الطبيعة السفلية العنصرية ( التي يدعوها ) اللّه سبحانه ويسميها في كتابه العزيز ( بسجين ) مأخوذ من السجن لأن كل ما هو في عالم الطبيعة مسجون محبوس مقيد بالتعلقات الجسمانية والقيود الظلمانية .
 
وفي بعض النسخ تدعوها بتاء الخطاب أو التأنيث ، أي الطبيعة تدعوها : أنت بسجين أو الطبيعة التي تدعو بتلك الذات المطهرة إلى سجين فتكون الباء بمعنى إلى
 
قال رضي الله عنه :  ( لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين  .. روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين .. حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون ...الله طهره جسما ونزهه  ... روحا وصيره مثلا بتكوين)
 
 قال رضي الله عنه : (لأجل ذلك ) ، أي لأجل تكونه من نفخ جبريل ، لأن للأرواح صفة البقاء أو لأجل تكونه في ذات مطهرة ، لأن طهارة المحل توجب طهارة المحمول والطهارة تستدعي طول البقاء ( قد طالت إقامته ) ، أي إقامة الروح الذي هو عيسى عليه السلام ( فيها ) ، أي في صورة البشر ( على ألف ) من السنين ( بتعيين ) ، أي بتعيين الحق تلك المدة لما يقتضي استعداده إياها .
وفي رواية إلى حين ، أي زيادة ممتدة إلى حين عينه الحق سبحانه بمقتضى استعداده .
 
وإنما حكم بزيادة طوال إقامته على ألف لأن مولد عيسى عليه السلام كان قبل مولد نبينا صلى اللّه عليه وسلم بخمسمائة وخمسة وخمسين سنة وقد بقي بعده سينزل ويدعو الناس إلى نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( روح ) ، أي هو روح ملقى ( من اللّه ) أحدية جمع الأسماء ، وكلمة ملقاة منه بواسطة جبريل إلى مريم ليكون مظهرا لهذا الاسم الجامع ( لا من غيره ).
 
يعني لا من غير ذلك الاسم الجامع من الأسماء التالية له ، ولا من الوسائط الكونية فهو ملقى منه بلا واسطة ( فلذا ) ، أي لكونه ملقى من هذا الاسم الجامع ، ومظهرا له ظهر منه آثار الأسماء المتكثرة كما أنه ( أحيى الموتى ) فإن إحياء الموات إنما يترتب على أسماء كثيرة من أسمائه سبحانه كالحي العليم المريد القادر المحيي ( و ) كما ( أنشأ الطير ) يعني الخفاش ( من طين ) فإن إنشاء الطير كذلك يترتب على ما سبق من الأسماء وعلى الخالق والصور أيضا ، وإنما أحيى الموتى وأنشأ الطير .
قال رضي الله عنه :  ( حتى يصح ) ، أي يثبت ويظهر ( له من ربه ) الذي هو الاسم الجامع ( نسب ) بالفتحتين أي نسبه بالمظهرية ( به ) ، أي بذلك السبب ( يؤثر في العالي ) المرتبة الذي هو الإنسان بإحياء الأموات منه بالرتبة كالطير بإنشاء نوع منه أو في العلويات ( وفي الدّون ) والسفليات ( اللّه طهره جسما ) من أدناس الطبيعة ( ونزهه روحا ) ، من الصفات الوخيمة والملكات الرذيلة ( وصيره مثلا ) ، أي مماثلا مشابها لنفسه ( بتكوين ) ، أي بجامع التكوين ، فكما أنه سبحانه يكون الأنبياء كذلك هو يكون .
وقيل :  معناه صيره مثالا لآدم بتكوينه من غير أب .
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 10:34 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثالثة : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )

قال رضي الله عنه :  (اعلم أنّ من خصائص الأرواح أنّها لا تطأ شيئا إلّا حيي ذلك الشّيء وسرت الحياة فيه . ولهذا قبض السّامريّ قبضة من أثر الرسول الّذي هو جبرئيل عليه السلام وهو الرّوح . وكان السّامري عالما بهذا الأمر . فلما عرف أنّه جبرئيل ، عرف أنّ الحياة قد مرت فيما وطئ عليه ، فقبض قبضة من أثر الرّسول بالضّاد أو بالصّاد أي بملء يده أو بأطراف أصابعه ، فنبذها في العجل فخار العجل ، إذ صوت البقر إنّما هو خوار ، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصّوت الّذي لتلك الصّورة كالرّغاء للإبل والثّؤاج للكباش واليعار للشياه والصّوت للإنسان أو النّطق أو الكلام . )

قال رضي الله عنه :  (اعلم) يا أيها السالك (أن من خصائص الأرواح) القدسية التي هي وجوه الروح الأعظم الأمري ورقائق شعاعاته المبثوثة في جميع العوالم أنها (لا تطأ) ، أي تمس (شيئا) من صور العالم الكثيفة أو اللطيفة (إلا حيي ذلك الشيء) ، أي صار حيا وسرت الحياة الإنسانية أو الحيوانية أو النباتية أو الجمادية (فيه) ، أي في ذلك الشيء ، كما سرت الحياة النباتية في الفروة ، وهي وجه الأرض التي جلس عليها الخضر عليه السلام ، وهو يتحقق بغلبة الروحانية كما ذكرنا ، فاخضرت تلك الأرض وسمي الخضر لأجل ذلك كما قيل ، ومن مشى على الماء أو في الهواء وهو هذه الحالة فقد سرت منه الحياة الجمادية في الماء والهواء في وقت مشيه ذلك ، والملك الذي جاء مريم عليها السلام في صورة البشر السوي لما نفخ فيها سرت في نطفتها داخل فرجها الحياة الإنسانية ، فكان عيسى عليه السلام .

قال رضي الله عنه :  (ولهذا) ، أي لما ذكر (قبض السامري) في بني إسرائيل (قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل) عليه السلام لما جاء وقت الذهاب إلى الطور ، وقد كان موسى عليه السلام وعد قومه أربعين ليلة أنه يذهب لميقات ربه ليأتيهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فجاء جبريل عليه السلام على فرس يقال له « فرس الحياة » ولا تصيب شيئا إلا حيي ليذهب بموسى عليه السلام إلى ربه (وهو) ، أي المقبوض من أثره (الروح ) الذي به تحيا الأشياء .

(وكان السامري) رجلا صالحا قد أظهر الإيمان بموسى عليه السلام على وجه النفاق ، وكان من قوم يعبدون البقر (عالما بهذا الأمر) ، أي بأن الروح لا يمس شيئا إلا حيي فلما عرف أنّه ، أي ذلك الرسول الذي جاء إلى موسى عليه السلام (جبريل) عليه السلام ورأى موضع قدم فرسه يخضر في الحال فيعطي الحياة النباتية للمستعد لها (عرف) ، أي السامري أن الحياة قد سرت فيها ، أي في وجه الأرض الذي (وطيء) ، أي داس (عليه السلام ) ذلك الفرس بحافره ، وقال : إن لهذا الفرس شأنا (فقبض) بيده (قبضة من أثر) ، أي تربة حافر فرس الرسول الذي هو جبريل عليه السلام والقبضة بالضاد المعجمة (أو بالصاد) المهملة كما قرىء بذلك .

(أي بملء يده) وهي القبضة بالمعجمة (أو بأطراف أصابعه) ، وهي القبضة بالمهملة ، وهذا بناء على أنه ألقي في روعه أنه إذا ألقي في شيء غيره حيي ، وقد كان موسى عليه السلام لما ذهب إلى الميقات خلف أخاه هارون عليه السلام في بني إسرائيل فقال لهم هارون : قد تحملتم أوزارا من زينة القوم ، أي حليهم فإنهم كانوا قد استعاروا حليا كثيرا من قوم فرعون قبل خروجهم من مصر بعلة غرض لهم .
فأهلك اللّه تعالى فرعون وقومه ، وبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل ، فقال لهم هارون : تطهروا منها ، فإنها نجس وأوقد لهم نارا وأمرهم بقذف ما كان معهم ففعلوا ، فأقبل السامري إلى النار وقال : يا نبي اللّه ألقي ما في يدي قال : نعم وهو يظن أنه حلي فقذفه فيها فقال : كن عجلا جسدا له خوار .

قال رضي الله عنه :  (فنبذها) ، أي تلك القبضة أو القبصة (في العجل) حتى صار عجلا من ذهب والعجل ولد البقر إلى أن يكبر قيل : خرج عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر كأحسن ما يكون (فخار) ذلك (العجل) إذ ، أي لأن (صوت البقر إنما هو خوار . )
قال السدي رحمه اللّه تعالى : كان يخور ويمشي فقال السامري : هذا إلهكم وإله موسى فنسي ، أي تركه ههنا وخرج يطلبه ، وأخطأ طريق إصابته فافتتنوا به ودعاهم إلى عبادته فعبدوه .

قال رضي الله عنه :  (ولو أقامه) ، أي السامري (صورة أخرى) غير العجل (لنسب إليه) ، أي إلى ما أقامه (اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء) بالغين المعجمة للإبل والثّؤاج) بالمثلثة والجيم للكباش من الغنم واليعار بالمثناة التحتية والعين المهملة (للشاة والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام) ، ولكن إنما أقامه عجلا ، لأنه كان من قوم يعبدون البقر كما ذكرنا .

 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )

قال رضي الله عنه :  ( واعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيى ذلك الشيء وسرت الحياة فيه ) لأن الحياة أول صفة تعرض للروح فيؤثر بها الروح فيما يطأ عليه ( ولهذا ) أي ولأجل سريان الحياة فيما يطأ عليه الروح ( قبض السامري قبضة من أثر الرسول ) أي أخذ السامري ترابا من مكان الذي وطئ عليه الرسول عليه السلام .

قال رضي الله عنه :  ( الذي هو جبرائيل وهو الروح وكان السامري عالما بهذا الأمر فلما عرف أنه جبرائيل عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه فقبض قبضة من أثر الرسول عليه السلام بالضاد ) المعجمة ( أو بالصاد ) المهملة ( أي بملء يده ) تفسير بالضاد المعجمة ( أو بأطراف أصابعه ) تفسير بالصاد المهملة .

قال رضي الله عنه :  ( فنبذها ) أي القبضة والمراد به المقبوضة ( في العجل فخار العجل ) لسريان الحياة فيه وإنما لم يصوت غير الخوار ( إذ صوت البقر إنما هو خوار ) لا غير ( ولو إقامة ) أي لو نبذ السامري ما قبضه من أثر الرسول عليه السلام ( صورة أخرى ) أي غير صورة العجل .
قال رضي الله عنه :  ( لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثواج للكباش والعياء للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام ) .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )

قال رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.  ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح. وكان السامري عالما بهذا الأمر. فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )

قال رضي الله عنه : ( اعلم : أنّ من خصائص الأرواح أنّها لا تطأ شيئا إلَّا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه ، ولهذا قبض السامريّ " قَبْضَةً من أَثَرِ الرَّسُولِ "  الذي هو جبرئيل وهو الروح ، وكان السامريّ عالما بهذا الأمر . لمّا عرف أنّه جبرئيل ، عرف أنّ الحياة قد سرت فيما وطئ عليه ، فقبض قبضة من أثر الرسول - بالصاد أو بالضاد - أي بملء يده أو بأطراف أصابعه ، فنبذها في العجل فخار العجل ، إذ صوت البقر إنّما هو الخوار ، ولو أقامه صورة أخرى نسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش والثغاء للشياه ، والصوت للإنسان ، أو النطق أو الكلام .)

قال العبد : قد علمت فيما تقدّم أنّ الروح نفس رحماني ، فالحياة ذاتية له ، وإذا أثّر أو باشر بصورته المثالية جسما من الأجسام ، ظهر سرّ الحياة فيه بحسب صور ذلك الجسم ، والجسم ليست له الحياة التي تفيد الحركة والحسّ الخاصّة بالحيوان ، وإنّما هي من خاصّة الروح .
ثمّ الروح إذا كان كلَّيا يكون تأثيره بحسبه وبحسب قوّته ، وجبرئيل هو الروح الكلَّي المسلَّط على عالم العناصر كلَّها وسلطانها ، ومقامه سدرة المنتهى ، وليس كما يزعم الفلاسفة أنّه العقل الفعّال يعنون روح فلك القمر .
فإنّ روحانية فلك القمر هو إسماعيل ، وليس بإسماعيل النبيّ ، بل هو ملك مسلَّط على عالم الكون والفساد ، هو من أتباع جبرئيل عليه السّلام .
وليس لإسماعيل حكم فيما فوق فلك القمر ، ولا لجبرئيل فيما فوق السدرة ، وحكمه على السماوات السبع وما تحتها من الأسطقسّات والعناصر والمواليد ، فلمّا ظهر هذا الروح الأمين الكلَّي متمثّلا على البراق ، والبراق أيضا روح متمثّل كذلك من روح البراق المتمثّل أثّر في التراب الذي وطئ عليه ، فسرت فيه الحياة ، لقوّة روحانيته المتعدّية ، فلمّا نبذ التراب في تلك الصورة المسوّاة على صورة البقر ، أثّر فيها من الحياة هذا القدر .
قال رضي الله عنه  : (« فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمّى لاهوتا ») .
يعني رضي الله عنه : لمّا كانت الحياة من خصوص الإلهية ، فأيّ شيء سرت فيه الحياة - أيّ نوع كان من أنواع الحياة المختلفة الظهور في الأجسام القابلة التي تسري فيها - يسمّى لاهوتا .

قال رضي الله عنه : ( والناسوت هو المحلّ القائم به ذلك الروح ، فسمّي الناسوت روحا بما قام به ) .
يعني رضي الله عنه : بالتضمّن ، ولكن إذا كان الروح قائما بصورة إنسانية يسمّى ناسوتا بالحقيقة ، وإذا قام بغير الصورة الإنسانية ، قد يسمّى ناسوتا بالمجاز ، لكونه محلا للَّاهوت .

قال رضي الله عنه : ( فلمّا تمثّل الروح الأمين الذي هو جبرئيل عليه السّلام لمريم بشرا سويّا ، تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت بالله منه استعاذة تجمّعيّة منها ليخلَّصها الله منه ، لما تعلم أنّ ذلك ممّا لا يجوز ، فحصل لها حضور تامّ مع الله وهو الروح المعنوي ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ حضورها لأجل التنفيس عنها استدعى روحا معنويا ، لأنّه لا يكون إلَّا بتجلّ نفسي رحماني في معنى الإنسان .

قال رضي الله عنه : ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على تلك الحالة ، خرج عيسى لا يطيقه أحد ، لشكاسة خلقه لحال أمّه ) .
يعني : أنّ ظهور الروح وتعيّنه في كل محلّ إنّما يكون يحسب حال ، فلمّا كانت حال مريم عليها السّلام حال الاستعاذة والضجر والتحرّج من تخيّلها وقوع المواقعة ، فلمّا رأت صورة بشرية على صورة التقيّ النجّار ، وكانت متبتّلة إلى الله ، زاهدة في الدنيا وفي النكاح ، حصورة ، فخرجت نفسها ممّا رأت ، فلو نفخ جبرئيل فيها روح الله وكلمته وأمانته على تلك الحالة ، لسرت حالتها في الروح ، فخرج كذلك منكَّس الخلق لا يطيقه أحد ، فعلم الروح الأمين منها ذلك ، فأنسها بقوله : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ".

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )

قال رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيى ذلك الشيء وسرت الحياة فيه ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل وهو الروح وكان السامري عالما بهذا الأمر فلما عرف أنه جبريل عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه فقبض قبضة من أثر الرسول بالضاد أو بالصاد أي بملء يده أو بأطراف أصابعه فنبذها في العجل فخار العجل ، إذ صوت البقر إنما هو خوار ، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل ، والثؤاج للكباش ، واليعار للشياه ، والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام )

لما كانت الحياة للروح ذاتية لأن الروح من نفس الرحمن لم يؤثر في جسم إذ لم يباشره بالصورة المثالية إلا ظهر فيه خاصية الحياة وأثر من آثارها بحسب صورة ذلك الجسم ، فإن كان ذا مزاج معتدل قابل للحياة ظهر فيه الحس والحركة وجميع خواص الحياة بحسب المزاج المخصوص ، وإن لم يكن ظهر فيه أثر من الحياة بحسب صورته كالخوار لصوت البقر ، وكلما كان الروح أقوى كان تأثيره أقوى وأشد وخاصيته أظهر .
"" أضاف بالي زادة : ( وسرت الحياة فيه ) لأن الحياة أول صفة تعرض الروح فيؤثر بها الروح فيما يطأ عليه . ""

وجبريل عند أهل العرفان هو الروح الكلى المسلط على السماوات السبع وما تحتها من العناصر والمواليد ومحل سلطنته السدرة المنتهى وهي صورة نفس الفلك السابع .
وكل ما في المرتبة العالية من الأرواح فهو مؤثر في جميع ما في المراتب السافلة التي تحتها فأرواح سائر الأفلاك التي تحت السابع كأعوانه وقواه .
وأما روح فلك القمر الذي سماه الفلاسفة العقل الفعال ، فالعرفاء يسمونه إسماعيل ، وهو ليس بإسماعيل النبي عليه السلام بل ملك مسلط على عالم الكون والفساد من أعوان جبريل وأتباعه ، وليس له حكم فيما فوق فلك القمر .
كما لا حكم لجبريل فيما فوق السدرة فظهر جبريل في الصورة المثالية على الحيزوم الذي هو أيضا صورة متمثلة من الروح الحيواني سرى في التراب الذي وطئ عليه فسرت فيه قوة الحياة المتعدية وكان السامري عالما بذلك فقبض قبضة من ذلك التراب فنبذها في الصورة المفرغة على صوره العجل فظهر فيه ما ناسب صورته من الحياة وهو الخوار .
 

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )

 قال رضي الله عنه :  ( اعلم ، أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيى ذلك الشئ وسرت الحياة فيه . ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبرئيل ، عليه السلام ، وهو الروح . وكان السامري عالما بهذا الأمر . فلما عرف أنه جبرئيل ، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه ، فقبض قبضة من أثر الرسول - بالصاد أو بالضاد . أي ، بملء ء يده ، أو بأطراف أصابعه فنبذها في العجل ، فخار العجل ، إذ صوت البقر إنما هو خوار . ولو أقامه صورة أخرى ، لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة ، كالرغا للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشاة والصوت للإنسان ، أو النطق أو الكلام).

اعلم ، أن الأرواح مظاهر اسم ( الرب ) . فإن الحق بها يرب مظاهره .
و ( الحياة ) بحسب الوجود أول صفة يلزمها ، وهي أصل جميع الصفات الوجودية ، لذلك جعل الاسم ( الحي ) إمام الأئمة السبعة ، فإن العلم والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات لا يتصور وجودها إلا بعد الحياة ، ولكل شئ روح يخصه فائض عليه من ربه ، فله حياة خاصة تناسبه ، تظهر فيه هي وما يتبعها من لوازمها ، كالعلم والإرادة والقدرة وغيرها بحسب مزاج ذلك الشئ.
فإن مزاجه إن كان قريبا من الاعتدال ، كالإنسان ، يظهر فيه جميع خواصه ، أو أكثرها .
وإن كان بعيدا منه ، يختفي نفس الحياة فيه وجميع لوازمه ، كما في الجماد والمعدن .

وجبرئيل ، عليه السلام ، هو المتصرف في السماوات السبع والعناصر وما يتركب منها ، إذ هو روحانيتها ومقامه ( السدرة ) كما قال تعالى : ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) .

فإذا تجسد بصورة مثالية أو جسمية ووطأ أرضا من الأراضي ، يهب ذلك المقام حياة زائدة على حياة ما لم يطأ بخصوصيته منه . وجميع الأرواح العالية بهذه المثابة .
فلما عرف السامري هذا المعنى وعرف جبرئيل حين تجسده بنور باطنه وقوة استعداده ، فقبض قبضة من أثرها ، فنبذها على صورة العجل المتجسدة من حلي القوم ، فحيى ، فخار .
ولو كان صورة أخرى ، لكان صوتها بحسب تلك الصورة .
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 10:47 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثالثة : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )
 
قال رضي الله عنه :  (اعلم أنّ من خصائص الأرواح أنّها لا تطأ شيئا إلّا حيي ذلك الشّيء وسرت الحياة فيه ، ولهذا قبض السّامري قبضة من أثر الرسول الّذي هو جبرائيل عليه السّلام ، وهو الرّوح ، وكان السّامريّ عالما بهذا الأمر ، فلما عرف أنّه جبرائيل ، عرف أنّ الحياة قد مرت فيما وطئ عليه ، فقبض قبضة من أثر الرّسول بالضّاد أو بالصّاد أي بملء يده أو بأطراف أصابعه ، فنبذها في العجل فخار العجل ، إذ صوت البقر إنّما هو خوار ، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصّوت الّذي لتلك الصّورة كالرّغاء للإبل والثّؤاج للكباش واليعار للشياه والصّوت للإنسان أو النّطق أو الكلام ) .
جبريل من حيث تضمنه النفس المشبه بالنفس الحيواني حامل رطوبة متوهمة ، وذلك لظهوره ( في صورة البشر ) ( الموجود من طين ) ، وهو تراب مبلول بالماء ، فلا يخلو نفسه عن رطوبة محققة ، فما تمثل به يوجب نفخة رطوبة متوهمة يفيد اجتماعهما تركيب جسم إنساني معتدل ( تكون ) أي : فاض ( الروح ) العيسوي ( في ذات ) .
أي : جسم إنساني هو ذاته المعروضة لحيوانه من الروح ( مطهرة ) ( من الطبيعة ) الحيوانية من حيث تركيبها من المختلفات المحققة المستدعية انحلالها عند بطلان اعتدالها المبطل تدبير الروح عنها ، وإن كان ذلك التركيب بعينه عند اعتدال أجزائه يستدعي تدبيره في جسمه ؛ لذلك ( يدعوها ) أي : تلك الطبيعة ( بسجين ) بحبس الروح العلوي .
 
ثم تخليه عند بطلان اعتداله ( لأجل ذلك ) أي : لتطهر ذاته عن تلك الطبيعة المستدعية تدبير الروح تارة وإخلاؤه تارة ( قد طالت إقامته ) أي : إقامة روحه ( فيها ) أي : في ذاته ، ( فزاد ) قدر إقامته فيها ( على ألف ) من السنين ( بتعيين ) في هذا الألف المزيد عليه ، إذ لا تتصور زيادة على شيء بدون تعيين ذلك الشيء ؛ وذلك لأنه عليه السّلام ولد قبل نبيّنا عليه السّلام بخمسمائة وخمس وخمسين سنة ، وقد بقي بعد ، وقد مضى بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أكثر من خمسمائة سنة .
وإذا كانت الذات العيسوية منزهة عن الطبيعة ، فالروح المتكون فيها (روح من اللّه لا من غيره) من العقول والنفوس والأفلاك والعناصر ؛ لأن فيضانه يختلف باختلاف المحل نزاهة وتعلقا.
قال رضي الله عنه :  ( فلذا ) أي : فلكونه من اللّه الحي القادر العليم في الأرواح ( قبض السامري ) من بني إسرائيل ( قبضة من أثر الرسول ) ، وهو التراب الذي أثر فيه قدم قرينته الأنثى ، وهو من عالم الأرواح ؛ لأنه فرس الرسول ( الذي هو جبريل ) في قول المفسرين لقوله تعالى حكاية عن ( فقبضت قبضة من أثر الرسول ) ، وجبريل ( هو الروح ) .
كما فسّر به قوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ( 193 ) عَلى قَلْبِكَ [ الشعراء : 194 ، 193 ] ) ، ففرسه لا بدّ وأن يكون من عالم الأرواح أيضا ، وإذا كان لفرسه هذا الأثر ، فأن يكون لنفسه أولى كيف ، وفرسه أثر في التراب الذي هو أبعد من قبول الحياة مما هو معتدل المزاج ، فلما أثر فيه الضعيف التأثير فقوى التأثير في الكامل القبول أولى .
 
قال رضي الله عنه :  ( وكان السامري ) مع جهله باللّه الموجب لتجريه عليه ( عالما بهذا الأمر ) لما سمع من موسى أو من علماء بني إسرائيل ، وقد عرف أن الراكب على الفرس الأنثى قدام فرس فرعون هو إنما هو جبريل يريد أن يدخل البحر بفرسه الأنثى لتتبعها فرس فرعون ، ( فلما عرف أنه جبريل عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ فيه ) ولو بواسطة الفرس ، وفيما ضعف قبول أثر الحياة فيه ( فقبض قبضة من أثر الرسول ) كما ورد به القرآن ، لكن شكّ في مقدار المأخوذ إذ قرئ ( بالضاد ) المعجمة ( أو بالصاد ) المهملة ( أي : بملء يده ) .
يعني :  ملء كفه على الأولى ، ( أو بأطراف أصابعه ) على الثانية ، ( فنبذها ) أي : القبضة أو القبضة ( في ) صورة ( العجل ) المعمولة من حلي قوم فرعون ، فصار عجلا ذا حياة ، (فخار العجل).
 
والحياة البقرية لم تتعين له من وطئ جبريل بل من الصورة التي أقامها له السامري ، ( إذ صوت البقر إنما هو خوار ) ، والفائض على كل صورة من الحياة ما يناسبها ، والصوت إنما يكون مما يناسب تلك الحياة ، وإن كانت الصورة معمولة للبشر غير فائضة من الأرواح العلوية.
قال رضي الله عنه :  ( ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي الصّورة كالرّغاء للإبل والثّؤاج للكباش واليعار للشياه والصّوت للإنسان أو النّطق أو الكلام ) فصل هذا التفصيل ؛ ليشير إلى أن تلك الصور ، وإن اتحدت في الجنس القريب أو البعيد ، فلابدّ وأن يختلف اسم الصوت باختلاف في النوع صدقا ، ولا يختلف اسم الصوت عند اتحاد النوع صدقا ، وإن تعددت أسماؤه المترادفة أو المتواصلة ، وهذا مبالغة في مبالغة مناسبة الصوت للحياة الدالة على مبالغة مناسبة الحياة للصورة .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )
 
الروح مبدأ الحياة   
وبيّن أن موضوع البحث في الحكمة النبويّة - على ما عرفت - إنما هو تحقيق أمر الكلام ، والكشف عن أصل مادته التي هي الحياة ، ومبدأ صورته التي هي الصوت ، وبيان أنّ ذلك قد يتمّ أمره على غير المنهج المعتاد من التوالد والتناسل الطبيعيّ ، بل بضرب من الامتزاج الروحيّ بالموادّ العنصريّة ، فلذلك قدّم قصّة السامريّ قائلا :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن من خصائص الأرواح أنّها لا تطأ شيئا )
أي لا تقع على أرض من أراضي القوابل وتطأها ( إلا حييّ ذلك الشيء ) بقوّة قبوله ( وسرت الحياة فيه ) بحسب تلك القوّة التي لها نباتيّة أو حيوانيّة - على اختلاف طبقاتها - ( ولهذا قبض السامريّ قبضة من أثر الرسول الذي هو جبرئيل ، وهو الروح ) .
 
العقل الأول في اعتباراته المختلفة
فإنّك قد عرفت في المقدّمة أن للعقل الأول أسماء بحسب طريان الاعتبارات المتخالفة له ، وظهور سلطانها عليه ، فإنّه باعتبار التدوين والتسطير يسمّى بالقلم ، وباعتبار التصرّف والتصريف يسمّى بالروح ، وباعتبار ضبطه وإحصائه الأسماء والرقائق الوجودية يسمى بالعقل ، هذه أسمائه في مرتبته .
ثمّ إذا تنزّل في عوالم الحجب فباعتبار وساطته ورسالته في إنزال أصول الصور الكلاميّة على الإنسان الكامل يسمى بجبرئيل ، كما أن العقل الأخير المسمى بالعقل الفعّال باعتبار وساطته في إحداث الصور الحرفيّة وإسماعها يسمى بإسماعيل .
"" أضاف المحقق : قال مؤيد الجندي في شرح الفصوص : وجبرئيل هو الروح الكليّ المسلط على عالم العناصر كلها ، وسلطانه ومقامه سدرة المنتهى ، وليس كما يزعم الفلاسفة أنه العقل الفعال - يعنون روح فلك القمر - فإن روحانية فلك القمر هو إسماعيل ، وليس بإسماعيل النبيّ ، بل هو ملك مسلّط على عالم الكون والفساد ، وهو من أتباع جبرئيل عليه السّلام ، وليس لإسماعيل حكم فيما فوق فلك القمر ، ولا لجبرئيل فيما فوق السدرة ، وحكمه على السماوات السبع وما تحتها من الأسطقسات والمواليد ""
 
وما قيل: « إنّ جبرئيل عند العرفاء هو ما يختصّ أمر سلطنته بالفلك السابع وما دونه »
""أضاف المحقق :هذا المعنى ظاهر كلمات الجندي والكاشاني والقيصري""

فهو غير ما علم من تصفّح كلام الشيخ ، فإنّه قد صرّح في كتاب عقلة المستوفز:
أنّ فلك البروج - الذي هو الفلك الأطلس عنده - فيه خلق عالم المثل الإنسانية والحجب الجسدانيّة ، وفي هذا الفلك مقام جبرئيل ، وإليه ينتهي علم علماء الرصد لا يجاوزه أصلا - هذا كلامه .
ثمّ هاهنا تلويح وهو أنّك قد عرفت ما في ( ال ) من الإحاطة بتمام الكلام ، « فجبرال » - بحسب الاشتقاق الكبير - الذي هو المعوّل عليه عند كبار المحققين - يدل على أنّه « الجائي برأي ال » كما أن « إسماعيل » يدل على أنّه المصدر « لإسماع ال » .
وبيّن أن ( ال ) هو الكلام الجامع بين المقطَّع والمركَّب ، والصورة الحائزة للجمع والتفرقة والفرقان القرآن .
ومن تفطَّن لهذا الأصل عرف كثيرا من الدقائق ، منها وجه التمييز بين القرآن المنزل السماويّ والحديث القدسيّ النبويّ .
 
السامريّ وخوار عجله
( وكان السامريّ ) لملازمته سدّة النبوّة مقتبسا من مشكاة حكمها الأنوار العلميّة ( عالما بهذا الأمر ) - وهو أن الحياة تترتّب على مواطأة الروح حيثما وطئ
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما عرف أنّه جبرئيل ، عرف أنّ الحياة قد سرت فيما وطئ عليه ، فقبض قبضة من أثر الرسول - بالضاد أو بالصاد ، أي بملء يده ، أو بأطراف أصابعه فنبذها بالعجل ،فخار العجل ) لأنّه أثّر الحياة في صورة العجل وغاية ما يترتّب على إقامة بنيته .
فإنّ الصورة الفصليّة للنوع هي الغاية الكماليّة التي بها يصير ذلك النوع بالفعل . ومبدأ تخالف تلك الصورة هي المادّة الاميّة المسماة بالجنس ، فإنّها تختلف بحسب اختلاف تلك المادّة .
 
قال رضي الله عنه :  ( إذ صوت البقر إنما هو خوار ، ولو ) أنّ السامريّ ( أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة ) ضرورة ترتّب ذلك على تركيب هيئته وصورة حياته ، التي هي المادّة الجنسيّة ( كالرغاء للإبل ، والثواج للكباش ، والثغاء للشياة ، والصوت للإنسان ) ممّن كان له صورة هذا النوع ( أو النطق ) ممّن له الإدراك منهم والنظر في الأمور العقليّة ( أو الكلام ) لمن له الكمال الإنساني .
وقد راعى المراتب الثلاث ، أعني أصل القابليّة وكمالها ، والواسطة بينهما في المادّة والصورة . فتكملت المراتب الستّ بذلك - فلا تغفل .
وإذ قد عرفت أنّ الحياة - التي هي إمام أئمة الأسماء الإلهيّة - قد تسري في الموادّ الهيولانيّة لمواطأة الروح لها ، ويجعلها ذا صورة كماليّة وجمعيّة كليّة يصلح لأن تكون مصدرا للقوى الطبيعيّة والإدراكات الكليّة بحسب قوّة قبولها وقربها للاعتدال الجمعي الوحداني .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )
قال رضي الله عنه : ( اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت ).
قال رضي الله عنه :   ( اعلم أن من خصائص الأرواح ) المجردة التي من صفاتها الذاتية الحياة ومن شأنها التمثل بالصورة المثالية ( أنها لا تتعلق بشيء ) في مقام تجردها إلا حيي ذلك الشيء المتعلق به بحسب استعداده للحياة ( ولا تطأ شيئا ) ولا يمسه في حال تمثلها ( إلا حيي ذلك الشيء ) الموطوء عليه ( وسرت ) منها
 
قال رضي الله عنه :  (  الحياة فيه.  ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.   وكان السامري عالما بهذا الأمر. فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام. )
 
قال رضي الله عنه :   ( الحياة فيه ) ، بل فيما يلابسه ذلك الشيء الموطوء عليه ( ولهذا ) السريان والعلم به ( قبض السامري قبضة ) ، أي قبضة من تراب ( من أثر ) براق ( الرسول الذي هو جبريل عليه السلام ) متمثلا بصورة بشرية ( وهو ) ، أي جبريل هو ( الروح ) حقيقة باعتبار حقيقته المجردة ومجازا باعتبار صورته المثالية ( وكان السامري عالما بهذا الأمر فلما عرف ) بنور بصيرته المكتسبة في صحبة موسى عليه السلام ( أنه ) ، أي الرسول ( جبريل عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه ) من التراب وأنها تسري من ذلك التراب الموطوء عليه إلى ما يلابسه .
 
قال رضي الله عنه :  ( فقبض قبضة من أثر ) براق ( الرسول بالضاد ) المعجمة ( وبالصاد المهملة أي على يده ) ، على الأول ( أو بأطراف أصابعه ) ، على الثاني ( فنبذها ) ، أي طرح السامري هذه القبضة من التراب ( في ) صورة ( العجل ) المتخذة من حلي القوم ( فخار العجل ) لسراية الحياة فيه ، وإنما سمي الصوت الظاهر من العجل خوارا ( إذ ) العجل من نوع البقر و ( صوت البقر إنما هو خوار ولو أقامه ) ، أي السامري العجل باعتبار مادته ( صورة أخرى ) إبلية أو كبشية أو شاتية أو إنسانية أو غير ذلك ( لتسبّب ) على البناء للمفعول أو الفاعل أي تسبب اللّه سبحانه أو السامري بأن يكون الفعل مسندا إلى السبب ( إليه ) ، أي إلى العجل الذي أقامه صورة أخرى.
 
قال رضي الله عنه :  ( اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء ) بضم الراء والغين المعجمة ( للإبل ) خاصة ( والثواج ) بضم المثلثة والجيم  (للكباش ) خاصة ( واليعار ) بفتح الياء المنقوطة نقطتين من تحت العين المهملة ( للشاة ) خاصة ( والصوت للإنسان ) ولغيره أيضا ( أو النطق له ) خاصة ( والكلام).
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 11:25 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الرابعة : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السّارية في الأشياء يسمّى لا هوتا ، النّاسوت هو المحلّ القائم به ذلك الرّوح فسمّي النّاسوت روحا بما قام به . فلمّا تمثّل الرّوح الأمين الّذي هو جبرئيل لمريم عليهما السّلام بشرا سويّا تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعيّة منها ليخلّصها اللّه منه لما تعلم أنّ ذلك ممّا لا يجوز . فحصل لها حضور تامّ مع اللّه وهو الرّوح المعنويّ . فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى عليه السّلام لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمّه.فلمّا قال لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ جئت لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[ مريم : 19 ] انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها في ذلك الحين فخرج عيسى . وكان جبرئيل ناقلا كلمة اللّه لمريم كما ينقل الرّسول كلام اللّه لأمّته . وهو قوله :وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ[ النساء : 171 ] . )
 
قال رضي الله عنه :  (فذلك القدر من الحياة السارية) من الروح (في الأشياء يسمى لا هوتا) .
فاللاهوت أثر الروح الساري فيما مسه من ذلك الشيء على حسب ذلك الشيء .
(والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح) من الأشياء المحسوسة بالروح وهو الجسم (فيسمى الناسوت) الذي هو الجسم (روحا بما) ، أي بسبب الروح الذي (قام به) لغلبته عليه واستهلاك حكم الناسوت فيه ، كما سمي ناسوت عيسى عليه السلام روحا باعتبار غلبة الروح عليه وسمي جبريل عليه السلام روحا في حال مجيئه إلى مريم في صورة البشر السوي .
 
قال رضي الله عنه :  (فلما تمثل) ، أي دخل في عالم المثال وهو برزخ بين الوجود والعدم واسع جدا فيه صورة كل شيء لا تدخله إلا الروحانيون من الملائكة والجن والإنس ، فإذا دخلوه استتروا بأي صورة شاؤوا منه ، فيراهم الرائي فيها على حسب ما يريدون وهم على ما هم عليه في خلقتهم الأصلية لا يتغيرون أصلا ، نظير الملابس التي تلبسها الناس فتظهر بها من غير أن يتغير اللابس عن حاله الأصلي (الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليها السلام بشرا سويا) ، أي مستوي الخلقة معتدل الهيئة حسن الصورة (تخيلت) ، أي مريم عليها السلام أنه ، أي جبريل عليه السلام .
(بشر) من الناس ولم تعلم أنه ملك نزل في صورة إنسان وتوهمت (أنه يريد مواقعتها) عليها السلام .
 
قال رضي الله عنه :  (فاستعاذت باللّه تعالى منه) ، أي التجأت إليه تعالى واحتمت به باطنا وقالت :
ظاهرا أعوذ بالرحمن منك ، وخصت اسم الرحمن دون اسم اللّه ، لأنها طلبت أن اللّه تعالى يرحمها بالحفظ والصيانة من شره وأذاه (استعاذة) كانت (بجمعية) قلبية (منها) ، أي من مريم عليها السلام ، فتوجهت همتها من حضرة الرحمن المستوي على عرش قلبها بالرحمة ، فتحرك لسانها بذكره (ليخلصها اللّه) تعالى (منه) ، أي من ذلك البشر السوي لما تعلم ، أي لعلمها أن ذلك الأمر الذي توهمت منه مما لا يجوز في الشرع فيحصل لها عند ذلك حضور تام مع اللّه تعالى ، أي استحضار لقيوميته عليها وشهود لتجليه في باطنها وظاهرها فرارا من نفسها إليه سبحانه ليحميها ودخولا في ظل عنايته ليصونها ويريبها .
 
قال رضي الله عنه :  (وهو) ، أي ذلك الحضور التام الروح المعنوي الذي سرى فيها من توجيه الروح السوي الذي هو جبريل عليه السلام إليها وتأثير باطنه فيها (فلو نفخ) ، أي جبريل عليه السلام فيها ، أي في مريم عليها السلام (في ذلك الوقت على هذه الحالة) التي كانت عليها مريم عليها السلام من القبض والجلال (لخرج عيسى عليه السلام) صاحب قبض وجلال بحيث لا يطيقه أحد من الناس (لشكاسة) ، أي صعوبة (خلقه) ، أي عادته وطبيعته لحال أمه مريم عليها السلام ، لأن أحوال الأمهات والآباء لها تأثير في أخلاق الأولاد في خلقتهم باطنا وظاهرا .
(فلما قال) ، أي جبريل عليه السلام لها ، أي لمريم عليها السلام "إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ".
علمت أنه جبريل عليه السلام ، ثم قال لها : جئت ، أي من عند اللّه تعالى إليك ("لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا") [ مريم : 19 ] ، أي طيبا طاهرا .
 
فعند ذلك (انبسطت) لقوله عن ذلك القبض الذي كان فيها وزال عنها الجلال الذي قد اعتراها وانشرح صدرها لما يريده اللّه تعالى منها فنفخ ، أي جبريل عليه السلام فيها ، أي في مريم عليها السلام (في ذلك الحين فخرج عيسى) عليه السلام مفعول نفخ ، لأنه عين النفخ الجبريلي والروح الأمري والسر الإلهي .
قال رضي الله عنه :  (فكان جبريل عليه السلام ناقلا كلمة اللّه) تعالى (لمريم) عليها السلام كما ينقل الرسول من الأنبياء عليهم السلام كلام اللّه تعالى القديم المنزه عن الحروف والأصوات (لأمته) ، أي أمة ذلك الرسول بلسانه هو وحروفه وأصواته ، فيتكلمون به هم بألسنتهم وحروفهم وأصواتهم من غير أن يتغير كلام اللّه تعالى القديم عما هو عليه في الأزل ، ولا ينقطع توجه ذلك القديم الذي هو صفة من صفات المتكلم به أزلا وأبدا عن ذلك العبد المتكلم به ، وعما أتى به من الحروف والأصوات .
 
بحيث تبقى تلك الحروف والأصوات إذا نوى القارئ بها أنه يقرأ كلام اللّه تعالى القديم بمنزلة الصورة المثالية التي يتصوّر بها الروحاني فيستتر بها ويظهر فيها ، وهي فعله الممسوك به وهو قيومها الماسك لها ، فهي هو عند الناظر وهو غيرها في نفس الأمر ، وإذا كانت هي هو كان وجوده ظاهرا فيها وهي معدومة بعدمها الأصلي ، فلا تغير لوجوده عما هو عليه ، وإذا كان هو غيرها في نفس الأمر لم يكن لها وجود في نفسها أصلا .
 
قال رضي الله عنه :  (وهو قوله) تعالى في عيسى عليه السلام ("وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ") [ النساء : 171 ] سبحانه ، فعيسى عليه السلام كلمة اللّه تعالى ، كما نقول الآن من غير فرق أصلا للكلمة التي نتكلم بها نحن من القرآن والآية أنها كلمة اللّه تعالى عندنا حقيقة ، على معنى أنها مظهر للكلمة الإلهية وصورة لنا في لساننا من غير حلول ولا اتحاد ولا انحلال ، لأن قيوم الوجود لا يصح أن يحل أو يتحد أو ينحل عنه ذلك الشيء القائم به المعدوم في نفسه ، فجسد عيسى عليه السلام المشتمل على تركيب أعضائه الإنسانية بمنزلة حروف تلك الكلمة وباطنه عليه السلام مما تضمنه من الأسرار والعلوم بمنزلة معنى تلك الكلمة .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه :  (فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى ) الروح ( لاهوتا ) لكون الحياة صفة إلهية فيسمى الروح بسبب اتصافه بالحياة السارية في الأشياء لاهوتا ( والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح ) فالناسوت هو البدن ( فسمي الناسوت روحا بما ) أي بسبب الذي ( قام ) هو ( به ) أي الناسوت وقد يسمى المجموع روحا لقوله عليه السلام : « وهو روح منه » .
 
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبرائيل لمريم عليها السلام بشرا سويا تخيلت مريم ( أنه ) أي جبرائيل ( بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعية منها ) أي استعاذة بجميع قواها الروحانية من نفسها ( ليخلصها اللّه منه لما تعلم ) مريم ( أن ذلك ) الفعل ( مما لا يجوز ) للإنسان أن يفعله ( فحصل لها ) بسبب هذه الاستعاذة ( حضور تام مع اللّه ) على وجه لا يبقى مناسبته خليقية لها .
قال رضي الله عنه :  ( وهو ) أي الحضور التام ( الروح المعنوي ) فلما حصلت هذه الحالة لمريم لم ينفخ جبرئيل فيها في ذلك الوقت ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت ) حال كون مريم ( على هذه الحالة ) أي على الحضور التام مع اللّه ( لخرج عيسى عليه السلام لا يطيقه أحد لشكاسة ) أي لصعوبة ( خلقه بحال أمه ) لأن الولد يتبع الأم في الصفات والأخلاق .
قال رضي الله عنه :  ( فلما قال ) جبرائيل ( لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّاانبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى عليه السلام فكان جبرائيل ناقلا كلمة اللّه لمريم كما ينقل الرسول كلام اللّه لأمته وهو ) أي تلك الكلمة المنقولة عن جبرائيل إلى مريم .
قال رضي الله عنه :  ( قوله تعالى وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وتذكير الضمير باعتبار عيسى عليه السلام أو باعتبار ما بعده فإذا نفخ فيها .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.  فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز. فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.   فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها. فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه  : (« فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمّى لاهوتا ») .
يعني رضي الله عنه : لمّا كانت الحياة من خصوص الإلهية ، فأيّ شيء سرت فيه الحياة - أيّ نوع كان من أنواع الحياة المختلفة الظهور في الأجسام القابلة التي تسري فيها - يسمّى لاهوتا .
 
قال رضي الله عنه : ( والناسوت هو المحلّ القائم به ذلك الروح ، فسمّي الناسوت روحا بما قام به ) .
يعني رضي الله عنه : بالتضمّن ، ولكن إذا كان الروح قائما بصورة إنسانية يسمّى ناسوتا بالحقيقة ، وإذا قام بغير الصورة الإنسانية ، قد يسمّى ناسوتا بالمجاز ، لكونه محلا للَّاهوت .
 
قال رضي الله عنه : ( فلمّا تمثّل الروح الأمين الذي هو جبرئيل عليه السّلام لمريم بشرا سويّا ، تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت بالله منه استعاذة تجمّعيّة منها ليخلَّصها الله منه ، لما تعلم أنّ ذلك ممّا لا يجوز ، فحصل لها حضور تامّ مع الله وهو الروح المعنوي ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ حضورها لأجل التنفيس عنها استدعى روحا معنويا ، لأنّه لا يكون إلَّا بتجلّ نفسي رحماني في معنى الإنسان .
 
قال رضي الله عنه : ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على تلك الحالة ، خرج عيسى لا يطيقه أحد ، لشكاسة خلقه لحال أمّه ) .
يعني : أنّ ظهور الروح وتعيّنه في كل محلّ إنّما يكون يحسب حال ، فلمّا كانت حال مريم عليها السّلام حال الاستعاذة والضجر والتحرّج من تخيّلها وقوع المواقعة ، فلمّا رأت صورة بشرية على صورة التقيّ النجّار ، وكانت متبتّلة إلى الله ، زاهدة في الدنيا وفي النكاح ، حصورة ، فخرجت نفسها ممّا رأت ، فلو نفخ جبرئيل فيها روح الله وكلمته وأمانته على تلك الحالة ، لسرت حالتها في الروح ، فخرج كذلك منكَّس الخلق لا يطيقه أحد ، فعلم الروح الأمين منها ذلك ، فأنسها بقوله : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ".
 
قال رضي الله عنه : « فلمّا قال لها : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " جئت " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا "  ، انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها ، فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى ، فكان جبرئيل ناقلا كلمة الله لمريم ، كما ينقل الرسول كلام الله لأمّته وهو قوله : " وَكَلِمَتُه ُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْه ُ " .)
قال العبد : أمّا سراية الشهوة في مريم فبأمر الله " لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا " ، ولا سيّما وكان الله قبل ذلك أنبأ مريم وبشّرها " بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ " ابن مريم ، أي تولَّد منها روح حين " قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ " .
وإنّما قالت ذلك بحكم العادة المتعارف في التوليد البشري ، فلو غلب عليها إذ ذاك شهود قدرة القدير ، لم تقل ذلك بحكم العرف ، بل بحكم الكشف والشهود .
 
فقال الملك : " كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ " ، أي خلق الولد بلا مسّ البشر بصورة الوقاع ، " وَلِنَجْعَلَه ُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا " هذا في وقت النفخ .
والذي قبل ذلك وهي في محرابها " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمن الْمُقَرَّبِينَ " الآية « 6 » ، فانتظرت ذلك من الله .
فلمّا قال جبرئيل : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " تذكَّرت وزال عنها القبض ، فسرت الشهوة من حيث ما اشتهرت ، وتمنّت وقوع ما بشّرها الله به ، فنفخ أمين الله عند انشراح صدرها روح الله .
فخرج منشرح الصدر ، غالبا عليه البسط ، حسن الصورة ، بسّاما ، طليق الوجه ، مستبشرة ، رزقنا الله وإيّاك الاجتماع به يقظة ورؤيا في الدنيا والآخرة ، إنّه قدير .
 
وأمّا خلق جسم عيسى عليه السّلام من ماء محقّق فمن حيث سراية الشهوة فيها ، ومن ماء متوهّم فمن حيث توهّم مريم أنّ الرسول بشر أو روح في صورة بشرية ، وإذا ظهر الروح في صورة بشرية بأمر الله لإيجاد الولد ، فبما زعمت عرفا لا يكون إلَّا من ماء الرجل ، فتأثّرت بالوهم ، فوجد من ذلك ماء روحاني نوراني .
منه خلق جسم  الروح صلوات الله عليه ثمّ الروح لمّا لم يكن جسمانيا وليس فيه ماء حسيّ عرفا ، ولكن في قانون التحقيق لمّا تحقّقت ممّا أسلفنا في هذا الكتاب أنّ الأرواح وإن كانت غير متحيّزة ولكن في قوّتها ومن شأنها أنّها شاءت أو شاء الحق .
ظهرت في صورة متمثّلة كالمتحيّز وحينئذ أضيف إليها ما يضاف إلى تلك الصورة الجسمية من الأوصاف والأحكام واللوازم ، فلمّا ظهر الروح الأمين لمريم في صورة من شأنها أن يكون الولد عند التوليد من مائها ، أعني صورة البشر السويّ ، أي التامّ الخلق .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا ، والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح فيسمى الناسوت روحا بما قام به )
لما كانت الحياة من خواص الحضرة الإلهية بل هي عين الذات الإلهية سميت الحياة السارية في الأشياء لاهوتا ، والمحل القائم به ذلك الروح الحي الذي يحيا به المحل ناسوتا وقد سمى المحل الذي يقوم به الروح روحا مجازا تسمية المحل باسم الحال كالرؤية .
وإذا كان المحل الذي يقوم به صورة إنسانية سميت ناسوتا بالحقيقة ، وإذا كان غير الصورة الإنسانية سميت ناسوتا مجازا باعتبار كونه محلا للاهوت .
"" أضاف عبد الرحمن جامي : (هو المحل القائم به ذلك الروح ) بل صفاته السارية منه فيه ، فإن الروح ليس قائما بالمحل بل القائم بها هو الصفات السارية من الروح إليه ، والناسوت وإن كان مأخوذا من الناس ليس مخصوصا به بل يطلق عليه وعلى غيره باعتبار محليته لصفات الروح وقيامها به . ولما كان اسم الروح يطلق على الصورة وعلى الصورة المثالية الجبريلية أراد أن ينبه على أنه على سبيل التجوز فقال ( فتسمى الناسوت روحا ) اهـ جامى . ""
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليها السلام  " بَشَراً سَوِيًّا " تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللَّه منه استعاذة بجمعية منها أي بكلية وجودها ) وجوامع هممها بحيث صارت منخلعة من جميع الجهات إلى الله.
 
قال رضي الله عنه :  (ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز ، فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي )
لأن حضورها مع الله نفس عنها الحرج الذي بها ، فحصل لها روح معنوي لا يكون إلا بتجل نفسي رحماني .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه )
لأن الروح في كل محل يظهر بحسب حال المحل ، فلو كان نفخ الروح فيها في حال الاستعاذة ، وهي حال التحرج والضجر من تخيلها وقوع الفاحشة من البشر الذي تمثل لها ، وكان في صورة التقى النجار لجاء عيسى منقبضا شكس الخلق على صور حال أمه لأنها لما رأته وكانت مقبلة إلى الله زاهدة في الدنيا حصورة عن النكاح تضجرت وحرجت نفسها مما رأت ، فعلم الروح الأمين منها ذلك فآنسها بقوله – " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " .
 
قال رضي الله عنه :   ( فلما قال لها – "إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " - جئت – " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " - انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها ذلك الحين عيسى ، فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته وهو قوله – " وكَلِمَتُه أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْه " )
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى " لاهوتا ".) لأن ( الحياة ) صفة إلهية ، و ( الحي ) اسم من أسمائه وإمام الأئمة السبعة .
( و " الناسوت " هو المحل القائم به ذلك الروح . ) أي ، البدن هو المسمى ب‍ ( الناسوت ) ، كما تسمى الروح المجردة ب‍ ( اللاهوت ) .
( فيسمى " الناسوت " روحا بما قام به . ) والمراد ب‍ ( الروح ) هنا ، الروح المنطبعة في البدن ، إذا الروح قد تكون مجردة ، وقد تكون منطبعة وتسمى بالنفس المنطبعة ، وقد تسمى ( البدن ) باشتماله على الروح روحا مجازا ، كما يقال لبائع الخبز : يا خبز .
ف‍ ( الباء ) في ( بما قام ) للسببية . ويجوز أن يكون بمعنى ( مع ) أي ، البدن مع ما قام به من الروح يسمى روحا ، لذلك سمى الله تعالى عيسى ( روحا ) بقوله : ( وروح منه ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبرئيل لمريم ، عليها وعليه السلام ، بشرا سويا ، تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها . )  أي ، بجميع همها وقواها الروحانية .
 
قال رضي الله عنه :  (ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز ، فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي . )
أي ، ذلك الحضور التام هو الروح المعنوي .
لذلك يجعل ( الحضور ) في الصلاة بمثابة الروح لها ، والصلاة مع عدم الحضور ، كالبدن الذي
لا روح فيه .
وفي بعض النسخ : ( فحصل لها حضورا تاما ) . - من ( التحصيل ) .
أي ، حصل جبرئيل لمريم ، عليهما السلام ، الحضور التام بتمثله عندها في الصورة
البشرية مريدا مواقعتها .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة ، لخرج عيسى ، عليه السلام ، لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه كحال أمه . )
لأن الولد إنما يكون بحسب ما غلب على الوالدين من الصفات والهيئات النفسانية والأعراض الجسمانية . و ( شكاسة الخلق ) ردائته .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما قال لها : " إنما أنا رسول ربك جئت لأهب لك غلاما زكيا " . انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها ، فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى ، عليه السلام . ) وإنما انشرح صدرها وانبسطت من ضجرها ، لأن الله تعالى كان بشرها بعيسى ، كما
 
قال رضي الله عنه :  ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) .
فتذكرت ذلك وزال انقباضها ، فخرج عيسى ، عليه السلام ، منبسطا منشرح الصدر ( وكان جبرئيل ناقلا " كلمة الله " لمريم ، كما ينقل الرسول كلام الله لأمته . )
أي أخذ الكلمة العيسوية جبرئيل من الله ، فنقلها إلى مريم من غير تصرف فيها ، كما ينقل الرسول كلام الله لأمته من غير تغير وتبديل .
 
وفي هذا التشبه إيماء إلى تشبيه الكلمة الإلهية الروحانية بالكلمة اللفظية الإنسانية ، لأن كلا منهما إنما يحصل بواسطة التعين اللاحق على النفس في مراتبه التي تعبر النفس عليها .
والفرق أن هذه الكلمة تعينها يعرض على النفس الإنساني ، والكلمة الروحانية تعينها يعرض على النفس الرحماني . وبهذا الاعتبار تسمى الأرواح ، بل الموجودات كلها ، بكلمات الله . كما مر بيانه في صدر الكتاب .

قال رضي الله عنه :  ( وهو قوله : " وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " . ) الضمير عائد إلى ( كلام الله ) أي ، ذلك الكلام المنقول مثل قوله تعالى : ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) .
وإنما أتى بالآية المعينة ، لكونها دالة على ما هو في صدد بيانه .
وتلك الكلمة المنقولة هو الذي قال تعالى عنه : ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) .
وتذكير الضمير باعتبار المعنى وهو عيسى ، عليه السلام . أو يكون عائدا إلى ( النقل ) الذي يتضمنه قوله : ( ناقلا ) . أي ، وذلك النقل ثابت بقوله تعالى : ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) . وهذا أنسب

.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 11:30 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة الجزء الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الرابعة : -    الجزء الثانية
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه :  (فذلك القدر من الحياة السّارية في الأشياء يسمّى لاهوتا ، والنّاسوت هو المحلّ القائم به ذلك الرّوح فسمّي النّاسوت روحا بما قام به ، فلمّا تمثّل الرّوحالْأَمِينُ [ الشعراء : 193 ] الّذي هو جبرائيل لمريم - عليها السّلام -بَشَراً سَوِيًّا [ مريم : 17 ] تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعيّة منها ليخلّصها اللّه منه لما تعلم أنّ ذلك ممّا لا يجوز ، فحصل لها حضور تامّ مع اللّه ، وهو الرّوح المعنويّ ، فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى عليه السّلام لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمّه ).
 
وإذا كانت هذه الحياة للأشياء قابضة من الأرواح الفائضة عن اللّه تعالى ، (فذلك القدر من الحياة) قل أو كثر ( السارية في الأشياء ) من إشراق الأرواح عليها ، وقد أشرق عليها الذات الإلهية باسمها الحي ( يسمى : لاهوتا ) من غير اختصاص ذلك بالكمّل كعيسى وغيره لمناسبتها الصفة الإلهية التي هي الحياة نوع مناسبة ، لكن الكامل فيها أولى ( والناسوت هو المحل ) أي : البدن لا من حيث هو بدن فقط ، بل من حيث هو .
 
قال رضي الله عنه :  ( القائم به ذلك الروح )  المشرق بنور الاسم الحي الإلهي ، ولو بواسطة إشراق الأرواح العلوية عليها ، وهي الحاملة لنور ذلك الاسم بالذات ، فلا تبطل هذه الناسوتية بهذه اللاهوتية ، كما يتوهم ذلك من القول نفي الناسوت وبقاء اللاهوت ، بل غايته أن يسمي هذا البدن من حيث كونه محل ذلك الروح هو روحا كما قال رحمه اللّه .
 
""أضاف المحقق :  بل صفاته السارية منه فيه ، فإن الروح ليس قائما بالمحل بل القائم بها هو الصفات السارية من الروح إليه ، والناسوت وإن كان مأخوذا من الناس ليس مخصوصا به بل يطلق عليه وعلى غيره باعتبار محليته لصفات الروح وقيامها به .شرح القاشاني ص210)""
 
قال رضي الله عنه :  ( فسمى الناسوت روحا بما قام به ) ، فأطلقوا على أنه فنا بمعنى أنه صار مغلوبا بذلك الروح ، فنال أنوار الكواكب عند غلبة نور الشمس عليها ، وهذه إشارة إلى تأويل ما ورد في الإنجيل من لفظ اللاهوت والناسوت ، فتوهم منه الحلول والاتحاد فوقع من وقع بذلك في الضلال والإلحاد ، ولما كان للروح مع الواسطة بهذا الأثر فيما ضعف قابليته للحياة مما لم يقض منه ، فكيف إذا أثر بلا واسطة فيما قويت قابليته وفاض منه.
وما كان في ذلك المحل مما لم يقض منه حاملا معنى فيه كالحضور مع اللّه تعالى الذي كان من مريم حين استعاذتها باللّه بجمعية منها ، وكان الروح المنفوخ من اللّه تعالى جاء به هذا الروح الذي له هذا التأثير ، فكيف لا يقوى أثر فيه حتى يصير محييا للموتى ، متصرفا في أبدان الناس ، باقيا إلى الدهور .
قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين ) احترز به عن الشيطان ، فإنه وإن لم يكن من المجردات يسمى روحا للطافته ، لكن ليس بأمين إذ يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ( الذي هو جبريل ) المخبر عنه بالروح في القرآن ؛ ليشير إلى أن الروح العيسوي إنما وصل إلى مريم بواسطة الروح الأمين ؛ لتتم له قوة التصرف في العوالم وقوة تحمل أعباء الرسالة ، وفسّره المفسرون بجبريل بدليل أن النازل بالقرآن على النبي عليه السّلام هو جبريل بالإجماع .
 
وقد قال تعالى : " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ " [ الشعراء : 193 ، 194 ].
قال رضي الله عنه :  ( لمريم - عليها السّلام ) ؛ لتستعيذ باللّه منه أولا ، فيحصل لها حضور تام مع اللّه ، وهو الروح المعنوي ، ثم يحصل لها نشاط وانشراح يوجب سريان الشهوة فيها لحصول ما يحقق ( بشرا ) ؛ ليتوهم من نفخه رطوبة يفيد طينها اعتدالا ، ويفيض عليه الصورة البشرية ( سويّا ) ، إذ لا نشاط يوجب سريان الشهوة بدون ذلك ( تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها ) ؛ لظهوره في مكان خلوتها التي كانت تغتسل فيه غير الحيض ، ( فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعية منها ) أي : جمعت في التوجه بهذه الاستعاذة إلى اللّه تعالى نفسها وقلبها وروحها وسرها وخفيها ، وجميع حواسها وقواها .
قال رضي الله عنه :  ( ليخلصها اللّه منه ) أي : من مراده الذي توهمته منه ، ولا يحصل غالبا بالاستعاذة بأي وجه كان ، بل لا بدّ لحصوله على القطع من الاستعاذة بالجمعية ، ( لما تعلم أن ذلك ) المراد ( مما لا يجوز ) للمرأة بغير زوجها وسيدها ، وإن أكرهت وجب عليها الدفع بما أمكنها ، ولم يمكنها حينئذ سوى الاستعاذة المذكورة .
ولما استعاذت بجمعية فيها ، ( فحصل لها حضور تام مع اللّه ، وهو الروح المعنوي ) صار معينا في دفع الطبيعة الرديئة عن بابها للروح الأمين المفيد رطوبة متوهمة بدفع الطبيعة من حيث كونها من الملائكة ، والنفخ في هذه الحالة ، وإن كان أتم في استفاضة الروح الأكمل إلا أنه يفيد المشكاسة في الصورة الظاهرة لعيسى عليه السّلام .( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت ) .
أي : وقت الجمعية ( على هذه الحالة ) أي : حالة الاستعاذة ( يخرج عيسى ) في الصورة الظاهرة ( لا يطيقه ) أي : لا يطيق رؤيته ( أحد لشكاسة خلقه ) مع تمام روحانيته من حيث الروح المعنوي من الاستعاذة ، ومن حيث نفخ جبريل عليه السّلام إذ الصورة لا تتبع الروح بل ( لحال أمه ) ، فإن صورة الولد تتبع الوالدين في الحال الغالبة عليها وقت المعلوق ، وحالة الاستعاذة حالة قبض وشكاسة ، فلابدّ من إذهاب ذلك بالبشارة المفيدة نشاطها المفيد صاحبتها التي هي ضد الشكاسة .
 
قال رضي الله عنه :  (فلمّا قال لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ [ مريم : 19 ] ، جئت لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[ مريم : 19 ] ، انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها في ذلك الحين فخرج عيسى ، وكان جبرائيل ناقلا كلمة اللّه لمريم كما ينقل الرّسول كلام اللّه لأمّته ، وهو قوله :وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [ النساء : 171 ] )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما قال لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) [ مريم : 19 ] ، وعرفت وصدقت بالانشراح ، وذهاب القبض منه مع بقائه هناك ، ولم يدفعه عنها كمال حضورها الكامل للتأثير ؛ لكونه من كامل الحال ؛ ولعلمه كشف عن باطنها حجاب المثال الذي كان فيه التخيل حيث حذف ؛ لأنه دلّ على لفظ الرسول "لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا" [ مريم : 19 ] تنمو فضائله بكمال روحانيته ، وتتطهر عن الرذائل الطبيعية لما ذكرنا ( انبسطت عن ذلك القبض ) الذي كان لها عن خوف المواقعة المحرمة ، (وانشرح صدرها) بالبشارة الإلهية على لسان الرسول ،(فنفخ فيها في ذلك الحين).
 
أي : حين انبساطها وانشراحها عيسى روحه والأمر المتوهم من مادته ، بل من البشارة والنفخ حصلت مادته الحقيقية ، إذ سرى فيها الشهوة عنهما مع رؤية صورة بشر سوي مأمون عن الفعل المحرم في وقت انقطاع الحيض لم يكن اللّه تعالى ، ولا جبريل أبا له .
 
إذ ( كان جبريل ناقلا كلمة اللّه لمريم ) من غير إفادة رطوبة ، ولا نقلها عن اللّه تعالى ، بل ( نقل الرّسول كلام اللّه لأمّته ) من غير نقل مادة حرف وصوت منه ، وإن حصلت عند النقل للأمة ، فهذه الرطوبة في نفخة لم تكن من اللّه ، ولا من جبريل .
إذ لم يتحقق ذلك لكونه ملكا في الحقيقة ، وإنما توهمت ذلك منه مريم كما يتوهم بعض الأمم الحرف والصوت لكلام اللّه تعالى ، وهو أي : الدليل على أن جبريل إنما هو ناقل كلمة اللّه لمريم لا مفيد لروحانية عيسى وإلا لمادته ، ولا أنه ناقل لها عن اللّه ( قوله تعالى :وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ[ النساء : 171 ] ) ، وليس ذلك إلقاء لكلامه الذي هو صفته بل الملقي ( روح منه ) أي : حاصل من كل أمه الذي هو صفته .
ولما انبسطت وانشرحت ، وقد رأت "بَشَراً سَوِيًّا" [ مريم : 17 ] مبشرا وقت انقطاع الحيض.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى « لاهوتا » ، والناسوت هو المحلّ القائم به ذلك الروح ) في الظهور .
وإن كان الروح مقوّم ما حلّ فيه في الوجود ووطئ عليه ، كما حقّق ذلك في المادّة الهيولانيّة مع الصور الجسمانيّة بلسان النظر .
و " اللاهوت " فعلوت من لاه ، يليه : إذا تستّر .
و " الناسوت " من ناس ، ينوس : إذا تذبذب وظهر بفعله .
وأنت عرفت أنّ المادّة الاميّة هي المحتجبة بالصورة الكماليّة الظاهرة بالأثر ، على ما عرفت في مراتب الصوت مادّة وصورة .
ومما يلوّح على ذلك أن ما يختصّ به الأوّل  - يعني اللام والهاء - فضله هو الدالّ على الامّ ، كما أنّ ما يختصّ به الثاني - وهو السين والنون - على الصورة الشاخصة .
يقال : سننته سنّا : إذا صوّرته .
 
كيفية النفخ في مريم عليها السّلام
( فسمّي الناسوت ) - مثل عيسى مثلا - ( روحا بما قام به ) أي لقيام الروح به وظهور أحكامه منه بلا تلبّس وتشوّب . فكأنّه هو ، كما قيل  :
رقّ الزجاج ورقّت الخمر  .... فتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ، ولا قدح   .... وكأنما قدح ، ولا خمر
قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثّل الروح الأمين - الذي هو جبرئيل - لمريم عليهما السّلام بشرا سويّا )
أي معتدلا سنّا وخلقة ، فإنّ من شأن الأعلى أن يقدر على تصوّره بصورة الأنزل كيفما شاء ، فلمّا رأت تلك الصورة بشبابها وحسنها ، لاعتدالها سنّا وخلقة
قال رضي الله عنه :  ( تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت باللَّه منه استعاذة بجمعيّة منها ) ضرورة انضباط تلك الصورة البشريّة في متخيّلتها عند الاستعاذة .
قال رضي الله عنه :  ( ليخلصها الله منه ، لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز ، فحصل لها حضور تامّ)  صورة ومعنى ( مع الله ) وذلك الحضور ( هو الروح المعنويّ ) لعيسى .
"" أضاف المحقق : قال القيصري : « فحصّل لها حضورا تامّا » من التحصيل ، أي حصّل جبرئيل لمريم عليهما السلام الحضور التام . ""
ومن هنا يقال له : "روح الله " فاللام لام العهد .
 
( فلو نفخ فيها ) جبرئيل ( في ذلك الوقت ) - يعني عند حضورها - ( على هذه الحالة ) - وهي حالة توحّشها وانقباضها من الصورة البشريّة - ( لخرج عيسى لا يطيقه أحد ، لشكاسة خلقه ) - أي لصعوبة خلقه وعبوسه - ( لحال امّه ) وسرايتها في الولد - لما مهّد آنفا من ترتّب الصورة الكماليّة الفصليّة على المادّة الاميّة الجنسيّة .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلمّا " قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " جئت " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " [ 19 / 19 ] انبسطت عن ذلك القبض ) .
برفعه حجب الوحشة ، وبسطه معها بساط التكلَّم والخطاب ، بما ينبئ عن رقيقة نسبته إليها ، مبشّرا إيّاها بأنّه مرسل إليها من عند ربّها .
 
( وانشرح صدرها ) ببشارة مثل ذلك الغلام ، لأنّها قد بشّرت قبل هذا به  .
إشارة إلى قوله تعالى : " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه َ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " [ 3 / 45 ]
 
فلمّا رأت الآثار متطابقة انشرحت بذلك ( فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى ) .
إذ قد كان جبرئيل رسولا مبلَّغ ما يظهر به الروح المعنوي الحاصل من حضورها مع الله ( فكان جبرئيل ناقلا كلمة الله لمريم . كما ينقل الرسول كلام الله لامّته ) والكلام هو الذي يظهر به الروح المعنويّ الحاصل من حضور كل من الأمم مع الله - فلا تغفل .
وفي لفظة « عي سا » ما يلوّح على تحقيق هذا المعنى عند التفصيل والتمييز .
"" أضاف المحقق :  لعل الشارح يعني أن « عي » صيغة خاطب من « وعي ، يعي » والسين والألف « سا » قلب الإنسان ولبه وروحه ، ومنزلة روح اللَّه من مريم منزلة روحها الذي حيّيت به والشارح يشير إلى وجود حروف الإنسان في « عي سا »  ""
 
ثمّ أنه علم من هذا الكلام أن عيسى - من حيث صورته الوجوديّة المعبّر عن ظاهرها بالكلمة ، وعن باطنها بالروح - من الله ، وجبرئيل من حيث صورته الوجوديّة ناقل له فقط .
( و ) الذي يدلّ عليه ( هو قوله : " وَكَلِمَتُه ُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْه ُ " [ 4 / 171 ] .
 
خلق عيسى من ماء محقق وماء متوهّم
ثمّ إنّ النفخ الجبرئيلي له حيثيّتان :
إحداهما جهة حمله كلمة الله ونقله إيّاها إلى مريم ، وهي الصادرة عنه من حيث صورته الوجوديّة الملكيّة .
والأخرى جهة بخاريّته وسراية رطوبته منها في مريم ، وهي الصادرة عنه من حيث صورته الكونيّة .
وهذه الجهة هي المشار إليها في نظمه المصدّر به الفصّ وإليه أشار بقوله :
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
 
قال رضي الله عنه : (فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به. )


قال رضي الله عنه : (فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء ) بل الروح الذي منه سرت تلك الحياة في الأشياء ( يسمى لاهوتا ) .
لأن الحياة صفة إلهية تستلزم صفات إلهية أخرى كالعلم والإرادة والقدرة ( والناسوت هو المحل القائم به وذلك الروح ) بل صفاته السارية منه فيه ، فإن الروح ليس قائما بالمحل بل القائم به إنما هو الصفات السارية من الروح إليه ، فالناسوت إن كان مأخوذا من الناس ليس مخصوصا به بل يطلق عليه وعلى غيره باعتبار محليته لصفات الروح وقيامها به .
ولما كان اسم الروح يطلق على الصورة المشهودة العيسوية وعلى الصورة المثالية الجبريلية ، أراد أن ينبه على أنه على سبيل التجوز فقال :
قال رضي الله عنه : ( فيسمى الناسوت روحا ) ، كما قلناه في عيسى وجبريل عليهما السلام ( بما قام به ) ، أي باسم ما قام به باعتبار قيام صفاته وظهورها فيه تسمية للمحل باسم الحال
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز. فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي. فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.فنفخ فيها في ذلك الحين)
 
قال رضي الله عنه :   ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا ) ، أي تام الخلقة .
( تخيلت ) مريم ( أنه بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعية ) ، أي بجمعية الهمم والقوى ( منها ) ، أي من مريم ( ليخلصها اللّه منه لما كانت ) مريم ( تعلم أن ذلك مما لا يجوز ) في الشرائع ( فحصل لها عند حصول تلك الجمعية حضور تام مع اللّه سبحانه ) ، بحيث لا يسع غيره .
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه ، فحصل من التحصيل ، أي جبريل لها ، أي لمريم حضورا تاما مع اللّه سبحانه ( وهو ) ، أي هذا الحضور وهو ( الروح المعنوي ) الذي حييت به مريم الحياة المعنوية الحقيقية التي هي التحقق بشهود الحق سبحانه ، فلروح آخر غير الروح الأمين دخل في وجود عيسى عليه السلام الذي هو أيضا روح ( فلو نفخ جبريل فيها ) ، أي في مريم في ذلك الوقت .
 
أي وقت استعاذتها ( على هذه الحالة ) التي كانت عليها من تحرج صدرها وضجرها لتخيلها أنه بشر يريد مواقعتها على وجه لا يجوز في الشرائع ( لخرج عيسى عليه السلام ) بحيث ( لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه ) ، أي رداءته ( لحال أمه ) ، أي لسراية حال أمه فيه لأن الولد إنما يتكون بحسب ما غلب على الوالدين من المعاني النفسانية والصور الجسمانية .
قال رضي الله عنه :  ( فلما قال ) جبريل ( لها ) ، أي لمريم (" إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " جئت ) من عنده (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[ مريم : 19 ] انبسطت ) مريم ( عن ذلك القبض ) لما عرفت أنه مرسل إليها من عند ربها ( وانشرح صدرها ) لما تذكرت بشارة ربها إياها بعيسى إذا قالت
 
قال رضي الله عنه :  ( عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
الملائكة " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " [ مريم : 45 ] .
قال رضي الله عنه :  ( فنفخ فيها في ذلك الحين ) حين الانبساط والانشراح ( عيسى ) فخرج عيسى عليه السلام منبسطا منشرح الصدر لسراية حال أمه فيه ( فكان جبريل ناقلا كلمة اللّه ) التي هي النفس الرحماني المتعين بالتعينات العيسوية في مرتبة العلم ، فنقله جبريل إلى مرتبة العين في رحم مريم بتحصيل شرائط انتقاله من العلم ، إلى العين .
فالمراد بالكلمة الحقيقة العلمية العيسوية الجامعة بين روحه وجسده الثابتة في العلم ، ويمكن أن يراد بها حقيقته الروحانية المعتين بها النفس الروحاني في مرتبة الأرواح قبل تسوية بدنه ، وتكوّن نقله عبارة عن تحصيل شرائط انتقاله من مقام تجرده إلى مرتبة تعلقه بالبدن العيسوي ، وعلى التقديرين جبريل عليه السلام هو ناقل كلمة اللّه إلى مريم لا موجدها .
قال رضي الله عنه :  ( كما ينقل الرسول كلام اللّه ) المجرد في حدّ ذاته عن الكيفيات الصوتية والحرفية فيكسوها بحسب استعداده بلسان الصوت والحرف وينقلها ( لأمته ) ، أي إلى أمته على أن تكون اللام بمعنى إلى أو لأجل أمته ( و ) الذي يدل على كون جبريل ناقلا كلمة اللّه إلى مريم ( هو قوله تعالى : "وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ " [ النساء  : 171] ).
بذلك النفخ الحاصل من الصورة الاعتدالية المتمثلة البشرية عند انبساطها
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 11:38 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الخامسة الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الخامسة : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .


قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشّهوة في مريم فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم ، ومن ماء متوهّم من جبرئيل ، سرى في رطوبة ذلك النّفخ لأنّ النّفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء .  فتكوّن جسم عيسى من ماء متوهّم ومن ماء محقّق ، وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ، ومن أجل تمثّل جبرئيل على صورة البشر حتّى لا يقع التّكوين في هذا النّوع الإنساني إلّا على الحكم المعتاد . فخرج عيسى يحيي الموتى لأنّه روح إلهيّ ، وكان الإحياء للّه والنّفخ لعيسى كما كان النّفخ لجبرائيل والكلمة للّه . )
 
قال رضي الله عنه :  (فسرت الشهوة في مريم) عليها السلام حين اطمأن قلبها بأنه ملك لا بشر ، وانبسطت عن قبضها ، وانشرح صدرها ، وأمنت منه السوء والفاحشة فخلق جسم عيسى عليه السلام ("مِنْ ماءٍ") ، أي من مني محقق وجوده من مريم عليها السلام ، ولا ينكر منها سريان الشهوة فيها عند رؤية البشر السوي لأنه أمر طبيعي لا يدخل تحت التكليف ، كحالة الجوع والعطش عند رؤية المأكل والمشرب خصوصا ، وليس من جهتها قصد لوجود ذلك ولا إرادة له .
 
وللّه تعالى في ذلك إرادة مقتضية لحكمة عظيمة ، فأنفذها سبحانه على طبق قضائه الأزلي وتقديره ومن ماء متوهم وجوده (من جبريل) عليه السلام لما جاء في صورة البشر السوي ، فإن النفخ كان من فم ذلك البشر السوي ، والفم فيه ماء الريق (سرى ذلك) الماء (في رطوبة ذلك النفخ ، لأن النفخ من الجسم الحيواني) وهو ماء فيه حياة نامية متحركة بالإرادة (رطب لما فيه).
 
أي في ذلك النفخ (من ركن الماء) فكان الهواء والماء من صورة النافخ ، والنار والتراب من صورة المنفوخ فيه ، وهو مريم عليها السلام ، فالنار من الشهوة والتراب من كثافة جرم المني ، فقد اجتمعت العناصر الأربعة على طريقة سائر المولدات (فيكوّن) بسبب ذلك جسم عيسى عليه السلام من ماء متوهم الوجود وماء محقق الوجود كما قال تعالى في حق كل إنسان إنه "خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ( 6 ) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ  "( 7 ) [ الطارق : 6-7] .
 
قال رضي الله عنه :  (وخرج) عيسى عليه السلام (على صورة البشر من أجل أمه) ، فإنها صورة بشر (ومن أجل تمثل جبريل) عليه السلام (في صورة البشر) فقد ظهر بشر من بين بشرين بحسب الظاهر كغيره من الناس (حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على هذا الحكم المعتاد) والأمر في الباطن ليس كذلك ، فإنه ظهور روح من بين روح وبشر ، فرفع مع الأرواح بعد نزوله منها ، وسينزل نزولا آخر على المنارة البيضاء شرقي دمشق نظير نزوله أوّلا على المنارة العذراء البيضاء ، ويغلب عليه حكم تلك المنارة ، فتأخذه الطبيعة النورانية المنيرة له ، فيتزوج وينكح ويتبع الشريعة المحمدية ، ويموت ويدفن بالحجرة كما ذكرناه قريبا .
 
قال رضي الله عنه :  (فخرج عيسى) عليه السلام ("يحى الموتى" لأنه روح إلهي) من أمر اللّه تعالى وكان الإحياء للموتى الظاهر من عيسى عليه السلام للّه تعالى فالمحيي هو اللّه تعالى وحده والنفخ في الطير الذي خلقه من طين وأحياه بالتوجه على أجسام الموتى وأرواحهم المفارقة لعيسى عليه السلام ، فالنافخ هو كما كان في خلقه عيسى عليه السلام النفخ في مريم عليها السلام لجبريل عليه السلام والكلمة ، أي تفصيل حروفها بتبيين أعضاء عيسى عليه السلام وتركيب بنيته وهيئته وتسوية صورته وتوجيه معانيه الباطنية بانتشار قواه الروحانية للّه تعالى وحده ، فالنافخ هو جبريل عليه السلام والمتكلم بإظهار كلمته هو اللّه تعالى .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم فخلق جسم عيسى عليه السلام من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبرائيل سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه ) أي في الجسم الحيواني .
قال رضي الله عنه :  ( من ركن الماء فيكون جسم عيسى عليه السلام من ماء متوهم ) ماء جبرائيل ( و ) من ( ماء محقق ) ماء مريم فكان لكل واحد منهما خواص تظهر من عيسى عليه السلام .
 
قال رضي الله عنه :  ( وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ومن أجل تمثل جبرائيل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني الأعلى الحكم المعتاد ) فإن حفظ هذه الصورة الشريفة واجب على أنه لو لم يكن على هذه الصورة لما كان نبيا مبعوثا إليهم لعدم بقاء المناسبة بينه وبينهم .
قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى عليه السلام ) بسبب تكونه من هذين الأمرين ( يحيي الموتى لأنه روح إلهي وكان الأحياء للَّه والنفخ لعيسى عليه السلام كما كان ) النفخ ( لجبرائيل والكلمة للَّه)


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم: فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء. فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.  فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فسرت الشهوة في مريم ، فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم ومن ماء متوهّم من جبرئيل سرى في رطوبة ذلك النفخ ، لأنّ النفخ من الجسم الحيواني رطب ، لما فيه من ركن الماء ، فخلق جسم عيسى من ماء متوهّم ومن ماء متحقّق .
وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ومن أجل تمثّل جبرئيل في صورة البشر ، حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد ) .
 
قال العبد : أمّا سراية الشهوة في مريم فبأمر الله " لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا " ، ولا سيّما وكان الله قبل ذلك أنبأ مريم وبشّرها " بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ " ابن مريم ، أي تولَّد منها روح حين " قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ " .
وإنّما قالت ذلك بحكم العادة المتعارف في التوليد البشري ، فلو غلب عليها إذ ذاك شهود قدرة القدير ، لم تقل ذلك بحكم العرف ، بل بحكم الكشف والشهود .
فقال الملك : " كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ " ، أي خلق الولد بلا مسّ البشر بصورة الوقاع ، " وَلِنَجْعَلَه ُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا " هذا في وقت النفخ .
والذي قبل ذلك وهي في محرابها " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمن الْمُقَرَّبِينَ " الآية « 6 » ، فانتظرت ذلك من الله .
فلمّا قال جبرئيل : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " تذكَّرت وزال عنها القبض ، فسرت الشهوة من حيث ما اشتهرت ، وتمنّت وقوع ما بشّرها الله به ، فنفخ أمين الله عند انشراح صدرها روح الله .
فخرج منشرح الصدر ، غالبا عليه البسط ، حسن الصورة ، بسّاما ، طليق الوجه ، مستبشرة ، رزقنا الله وإيّاك الاجتماع به يقظة ورؤيا في الدنيا والآخرة ، إنّه قدير .
وأمّا خلق جسم عيسى عليه السّلام من ماء محقّق فمن حيث سراية الشهوة فيها ، ومن ماء متوهّم فمن حيث توهّم مريم أنّ الرسول بشر أو روح في صورة بشرية ، وإذا ظهر الروح في صورة بشرية بأمر الله لإيجاد الولد ، فبما زعمت عرفا لا يكون إلَّا من ماء الرجل ، فتأثّرت بالوهم ، فوجد من ذلك ماء روحاني نوراني ، منه خلق جسم  الروح صلوات الله عليه ثمّ الروح لمّا لم يكن جسمانيا وليس فيه ماء حسيّ عرفا .
ولكن في قانون التحقيق لمّا تحقّقت ممّا أسلفنا في هذا الكتاب أنّ الأرواح وإن كانت غير متحيّزة ولكن في قوّتها ومن شأنها أنّها شاءت أو شاء الحق .
ظهرت في صورة متمثّلة كالمتحيّز وحينئذ أضيف إليها ما يضاف إلى تلك الصورة الجسمية من الأوصاف والأحكام واللوازم ، فلمّا ظهر الروح الأمين لمريم في صورة من شأنها أن يكون الولد عند التوليد من مائها ، أعني صورة البشر السويّ ، أي التامّ الخلق .
فتوهّمت عليها السّلام من حيث هذا السرّ مضافا إلى ما ذكر قبل أن يكون الولد من ماء وبه النفخ الواقع من الصورة الجبرئيلية التمثيلية في صورة البشر .


فظهرت رطوبة الحياة الروحية من ذلك الريح المنفوخ وهو هواء حارّ رطب ، ولا سيّما وجبرئيل سلطان العناصر أجرى في نفسه الرحماني روح الماء والحياة الذي عليه عرش الرحمن ، فتكون صورة الروح الظاهرة من هذا الماء الروحاني الإلهي الرحماني الساري في الماء البشري المريمي القدسي .
وأمّا خروجه على صورة البشر فلأنّ صورته نتيجة الصورة البشرية من جانب جبرئيل ومن جانب أمّه ، فأشبه الأصل ، ولما ذكره سلام الله عليه فاذكر ، حتى لا يكون التكوين والإيجاد الإنسانى إلَّا بالصورة الإنسانية تشريفا لهذه الصورة وتنزيها أن يتكوّن إلَّا عن الإنسان في الإنسان .
فإنّ خلق الإنسان مخصوص بالله من كونه متجلَّيا في صورة إنسانية ، ولهذا خمّر طينة آدم بيديه أربعين صباحا ، فكان الله تبارك وتعالى يتجلَّى في صورة إنسانية وتخمّر طينة في مادّة نورية لاهوتية .


من حيث الأحدية الجمعية البرزخية العظمى التي مرّ مرارا ذكرها ، فتذكَّر ، وكذلك الله ما تجلَّى من حضرة من الحضرات لإيجاد نوع أو جنس فما دونها وما فوقها إلَّا على صورة ذلك النوع والجنس والصنف والشخص الذي يريد إيجاده كائنا ما كان .
وبعد خلقه تامّا كاملا ارتضاه صورة له ، وكان هو ربّه وروحه ، فهو صورة أنانيّة الحقّ ، وهويتها - من حيث ذلك التجلَّي الأوّل الذي تجلَّى لإيجاده - على صورة عينه الثابتة ، فافهم - وما أظنّك تفهم - إن شاء الله العليم .

قال رضي الله عنه : ( فخرج عيسى يحيي الموتى ، لأنّه روح إلهي ، وكان الإحياء لله والنفخ لعيسى ، كما كان النفخ لجبرئيل والكلمة لله ) .
قال العبد : اعلم أن الكلم وإن كانت كثيرة بحسب حضرات المتكلَّم منها ، ولكنّها تنحصر في أمّهات ثلاث :
الأولى : كلمة هي هيئة أحدية جمعية من حروف ظاهرة ملكية شهادية كونية جسمانية كسائر الموجودات الجسمانية ، فإنّ كل موجود موجود جسمانيّ كلمة إلهية كذلك .
الثانية : وكلمة هي هيئة جمعية من حروف باطنة ملكوتية روحانية ، كالموجودات الإبداعية الروحية كالأرواح والعقول والنفوس والملائكة ، فإنّها كلمات رحمانية قدسية طاهرة سبّوحيّة .
والثالثة : كلمة هي هيئة أحدية جمعية بين حقائق حرفية إلهية ، وحروف روحية جسمانية وهي حقائق الكمّل من النوع الإنساني ، ولكنّ الغالب على كل واحد من الكمّل حكم مرتبة من هذه المراتب .


فكانت الكلمة العيسوية المسيحية الظاهرة هيأة أحدية جمعية بين حقائق حرفية إلهية ، وحقائق حرفية روحية إلهية أيضا ، وحقائق حرفية جسمانية روحانية إنسانية في مرتبة البطون ، والغالب على حرف جسمانيته الحروف الروحية والغالب على حرف روحيته الحروف اللاهوتية.
ولهذا قيل فيه : " إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " غلطا من جهة القائل المنحرف .
فلو قالوا : هو الله ، لم يكن غلطا ، فإنّ هوية الصورة العيسوية المسيحية الروحية لله ، كما أنّه هوية الإنيّات كلَّها بلا حصر في شيء منها ، ولكنّهم ادّعوا الحصر ، فكفروا وجهلوا وغلطوا ، فافهم ، فإنّه بحث شريف لطيف عال غال ، حقّقنا الله وإيّاك بتحقّقه وتحقيقه بحسن توفيقه ، إنّه على ما يشاء قدير .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 
قال رضي الله عنه :  (فسرت الشهوة في مريم ، فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ، ومن ماء متوهم من جبريل سرى في رطوبة ذلك النفخ ، لأن النفخ من الجسم الحاوانى رطب لما فيه من ركن الماء ، فتكون جسم عيسى من ماء متوهم ومن ماء محقق ، وخرج على صورة البشر من أجل أمه ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر ، حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنسانى إلا على الحكم المعتاد )
 
إنما سرت الشهوة في مريم حين قال لها ما قال ، لأنها آنست حين كانت في محرابها بقول الملائكة في قوله تعالى : "إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه اسْمُه الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ . وَجِيهاً في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومن الْمُقَرَّبِينَ " .
فكانت منتظرة من الله إنجاز وعده . فلما سمعت قول جبريل تذكرت وعلمت أنه حان وقت ذلك وانبسطت ودنا منها جبريل في صورة البشر عند النفخ فتحركت شهوتها بحكم البشرية لأن أكثر هيجان الشهوة في النساء وقت النقاء من الحيض ، وكان انتباذها من فوتها للاغتسال وقت انقطاع الدم ، وكان الوقت وقت غلبة الشهوة ودنو جبرائيل منها في صورة الشاب الحسن ، وتصورت أنه وقت إنجاز وعد ربها – " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " .
 
فاجتمعت الموافقة لما قدر الله من غلبة الشهوة وتمنى ما بشر الله بها وفرح بمداناة الشاب المليح ، فتحركت الشهوة كما في الاحتلام بعينه ، فاحتلمت وجرى ماؤها مع النفخ إلى الرحم النقي الطاهر فعلقت وخلق من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم متخيل من نفخ جبريل .
 
"" أضاف بالي زادة : ( من ماء متوهم ومن ماء محقق ) فكان لكل واحد منهما خواص تظهر من عيسى اهـ . بالى
فإن حفظ هذه الصورة الشريفة واجب على أنه لو لم يكن على هذه الصورة لما كان نبيا مبعوثا إليهم لعدم بقاء المناسبة بينه وبينهم هذه الصورة صورة الآيات أو صورة عيسى .اهـ بالى . ""
 لأن النفخ من الحيوان رطب فيه أجزاء لطيفة مائية بالفعل مع أجزاء هوائية سريعة المصير إلى الماء ، واجتمع الماءان المحقق والمتكون لتوهمها من مادة النفخ فتكون جسم عيسى روح الله منهما في وقت غلب على أمه البسط والروح بتحقق ما بشرت به في تصورها .
فخرج منشرح الصدر طليق الوجه متبشرا بساطا حسن الصورة غالبا عليه البسط والماء المتوهم ، جاز أن يكون من توهمها أن الولد لا يكون إلا من ماء الرجل فخلق الماء من النفخ بقوة وهمها.


وأن يكون من جهة جبريل لأنه سلطان العناصر يقدر أن يجرى من نفسه الرحماني روح الماء في النفخ فيجعله ماء ، وأما كون عيسى على صورة البشر فلانتسابه إلى أمه ولتمثل جبريل في صورة البشر السوي فكان تكونه على السنة المعتادة والحكمة المتعارفة .
ولأن أشرف الصور هي الصورة الإنسانية المخلوقة على صورة الله تعالى المكرمة عند الله ، ولأن الله لا يتجلى في الحضرات الإيجادية إلا في صورة النوع الذي يوجده أي نوع كان .
ولهذا لما خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا كان متجليا في صورة إنسانية .
ولهذا قال الشيخ رضي الله عنه : حتى لا يقع التكوين الإنسانى إلا على الحكم المعتاد في هذا النوع ، فإن تكوين عيسى كان في هذا النوع .
 
قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى يحيى الموتى لأنه روح إلهي ، وكان الإحياء لله والنفخ لعيسى كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله )
كل موجود كلمة من الله : إما كونية كالأجساد وإما إبداعية كالأرواح ، وإما أحدية جمعية من الظاهر والباطن ، واللاهوت والناسوت كالإنسان الكامل .
والغلبة في كل كامل إنما تكون لمرتبة من المراتب ، وكان الغالب على عيسى حكم اللاهوت فلذلك كان يحيى الموتى وكان الغالب على جسمانيته حكم الروح ، فلذلك رفع إلى الله وبقي عنده في الصورة الروحانية المثالية ، وقد مر أن الفعل والتأثير لا يكون إلا لله ، فلهذا كان الإحياء لله عند نفخ عيسى والكلمة لله عند نفخ جبريل .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 11:45 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 11:44 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الخامسة الجزء الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الخامسة : -    الجزء الثانية
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.  فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم وخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبرئيل . سرى في رطوبة ذلك النفخ من الجسم ، لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء . )
 
اعلم ، أن للشهوة روحا معنويا  وهي المحبة الذاتية التي كانت سببا لوجود العالم ، كما قال : ( فأحببت أن أعرف ) .
فلما تعلق إرادة الله بإيجاد عيسى عليه السلام ، من مريم ، تحرك الشهوة الكامنة فيها بأمر الله ، ونفخ الروح الأمين حين تمثله بالصورة البشرية فيها ماء يشبه البحار ، فإن في النفس أجزاء صغارا مائية مختلطة بالأجزاء الهوائية ، فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ، ومن ماء متوهم من جبرئيل .
 
وإنما جعله متوهما ، لأن النافخ روح متمثل ، والمنفوخ أيضا معنى جزئي تمثل بصورة بخار الحسى في العالم المثالي ، ومن شأن الوهم إدراك المعاني الجزئية ، فكان متوهما : لا محسوسا محضا ولا معقولا صرفا .
وأيضا ، أن مريم لما شاهدت عرفا أن الإنسان لا يتولد إلا من منى الرجل والمرأة ، توهمت أن لهذا المتمثل ماء كماء المولد للولد ، فتأثرت تأثرا تاما بوهمها ، فحصل جسم عيسى .
فعلى الأول تكون جسمه منهما ،
وعلى الثاني تكون من الماء المحقق ، والماء والمتوهم كالشرط لذلك التكون . وأطلق التكون منهما مجازا .
 
فإن قلت : كيف يمكن حصول الولد من ماء الأنثى وحده ، وليس لها حرارة تامة صالحة للتولد وهي من شروط التكوين ؟
وأيضا ، منى الرجل كالبذر الذي به يتولد الولد ، فعند عدمه لا يمكن حصول الولد .
قلت : لم لا يجوز أن يفيض عليها عند ظهور الروح الأمين عندها من الله تلك الحرارة الغريزية الصالحة للتوليد ؟ خصوصا عند إرادة الحق تعالى منها ذلك .
وقد قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبد خيرا هيأ أسبابه ) .
بل في قدرة القادر المطلق أن يوجد من غير وجود الوالدين ، كآدم وعزير ، ومن غير وجود المرأة ، كايجاد حوا من آدم .
 
وكون منى الرجل كالبذر لا ينافي أن يكون منى المرأة أيضا ذلك البذر .
ولا دليل لأحد على عدمه ، بل الدليل ثابت على وجوده .
وهو أن لنفس كل منهما قوة ما يولد المثل ، فالمني الذي حصل منها إن لم تكن صالحا لتوليد المثل ، لا يكون فيها تلك القوة .
غاية ما في الباب ، أن تلك القوة في نفس الرجل أقوى ، وقد يكون نفس المرأة أقوى تأثيرا من نفوس كثيرة من الرجال ، خصوصا إذا صارت مرأة للتجليات الإلهية .
فإذا أرادت النفس التي هذا شأنها حصول النتيجة ، أثرت في بدنها ، فحصلت الحرارة الغريزية الصالحة للتوليد .
كما مر أن العارف بهمته يخلق ما يشاء ، لكونه متصفا بالصفات الإلهية ، والعادة التي هي السنة الإلهية لا تمنع القدرة الخارقة لها .
فبولادة عيسى من غير أب ثبت الأقسام الأربعة التي للولادة : وهو حصول الولد من غير أبوين ، وحصوله بهما ، وبالذكر وحده ، وبالأنثى وحدها .
قال رضي الله عنه :  ( فسبحان الذي هو على كل شئ قدير . فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق ).
 
) قوله : ) وخرج على صورة البشر من أجل أمه ومن أجل تمثل جبرئيل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد .
) جواب سؤال مقدر . وهو قول القائل : لما كان النافخ جبرئيل ، والولد سر أبيه ، كان الواجب أن يظهر عيسى على صورة الروحانيين . فقال : إنما كان على صورة البشر ، لأن الماء المحقق كان من أمه وهي بشر ، ولأجل تمثل جبرئيل عند النفخ بالصورة البشرية والصور التي يشهدها المرأة ويتخيلها حال المواقعة ، لها تأثير عظيم في صورة الولد .
حتى قيل : إن امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر وجسمه جسم الحية . ولما سئل عنها ، أخبرت بأنها حين المواقعة رأت حية .
 
ثم علل الشيخ تمثل جبرئيل بصورة البشر بقوله : ( حتى لا يقع التكوين )
أي ، الإيجاد في هذا النوع ، إلا على السنة المعتادة . وأيضا ، الصورة الإنسانية هي أشرف الصور . وأيضا ، لو كان على صورة غيرها ، لما حصلت المناسبة بينه وبين العباد المبعوث إليهم ، لكنه واجب أن يخلق عليها للدعوة .
كما قال رضي الله عنه  : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ) .
(فخرج عيسى يحيى الموتى ، لأنه روح إلهي ، وكان الإحياء لله والنفخ لعيسى ،
كما كان النفخ لجبرئيل والكلمة لله . )
لما كان وجود عيسى ، عليه السلام ، بالنفخ الجبرئيلي بلا واسطة أب بشرى وروحه فائضا من الحضرة الإلهية بلا واسطة روح من الأرواح أو اسم من الأسماء ، حصل في الوجود الخارجي متصفا بالصفة  الإلهية ، وهو إحياء الموتى ، لغلبة لاهوته على ناسوته وروحانيته على جسمانيته حتى قيل فيه إنه ( روح الله ) . ولذلك ارتفع إلى السماء مقام الملائكة .
 
وإنما أضاف ( الإحياء ) إلى ( الله ) و ( النفخ ) بعيسى ، وإن كان في الظاهر لا يحصل إلا منه ، لأن الصفات الكمالية بالأصالة لله وبالتعبية لغيره ، لذلك أضاف ( النفخ ) إلى جبرئيل ، وأضاف ( الكلمة ) إلى الله.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد. فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 
قال رضي الله عنه :  فسرت الشّهوة في مريم ، فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم ، ومن ماء متوهّم من جبرئيل ، سرى في رطوبة ذلك النّفخ ؛ لأنّ النّفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء ، فتكوّن جسم عيسى من ماء متوهّم ، ومن ماء محقّق ، وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ، ومن أجل تمثّل جبرائيل على صورة البشر حتّى لا يقع التّكوين في هذا النّوع الإنساني إلّا على الحكم المعتاد ، فخرج عيسى يحيي الموتى لأنّه روح إلهيّ ، وكان الإحياء للّه ، والنّفخ لعيسى كما كان النّفخ لجبرائيل والكلمة للّه .)
قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم ، فحصل ) فيها مادة ( جسم عيسى ) ماء محققا مع رطوبة متوهمة من نفخ جبريل ، فخلق جسم عيسى الذي هو محل روحه ( من ماء محقق من مريم ) عن سريان الشهوة فيها ( وماء متوهم من نفخ جبريل ) ، وهو بهذا التوهم أفاد ماءها البارد غير القابل للروح اعتدالا أوجب قبوله إياه ( سرى ) أي : حصل ذلك الماء ضمنا ( في رطوبة ذلك النفخ ) ، فإنها وإن كانت متوهمة فهي من حيث هي عرض لا تتصور بدون المحل ، والأصل في محلها الماء ، وإنما كانت لهذا النفخ رطوبة مع كونه من الملك ؛ لأنه لا تمثل لصورة البشر الذي هو حيوان فلا نفخة عن رطوبة ؛ ( لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه ) أي : في الجسم الحيواني ( من ركن الماء ) .
 
فنفخه ، وإن كان إخراجا للهواء من باطنه ، فهواؤه لا يخلو من اختلاط الماء ، وهو وإن كان متوهما ؛ فهو في حكم المحقق ، ( فيكون جسم عيسى من ماء متوهم ) من نفخ جبريل ، ( وماء محقق ) من سريان الشهوة في مريم ، وكان مقتضى هذا خروج عيسى في صورة مركبة من البشرية والملكية .
ولكنه ( خرج على صورة البشر ) متمحضة ( من أجل أمه ، ومن أجل ) عيسى عليه السّلام ( تمثل جبريل ) في صورة البشر ، فإنه كما أثر توهم الماء اعتدالا في مادته أثر توهم الصورة البشرية تمحض الصورة البشرية في صورته اقتضت الحكمة الإلهية ذلك ؛ ( لئلا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني ) ، وإن كان على خرق العادة في إيجاد الولد بلا أب ( إلا على الحكم المعتاد ) من الجمع بين مائين ، ولو على وجه التوهم رعاية للحكمة بقدر الإمكان ، فكأنه جامع للعادة ولخرقها فهو أعظم من خرق العادة وحده ، وإذا كان روح عيسى من اللّه ، وإن نقله جبريل .
قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى عليه السّلام يحيي الموتى ؛ لأنه روح ) من خواصه الإحياء سيما أنه ( إلهي ) ، ويختص به الإحياء الحقيقي ، والحاصل من الأرواح ظهور الحياة البشرية عليها من اللّه ، فكان ( الإحياء ) العيسوي في الواقع ( للّه والنفخ ) الموجب لإشراقها في الموتى هو الواقع ( لعيسى ) ، فاجتمع في الإحياء العيسوي الذي أسند إليه حقيقة باعتبار الظهور منه ، وإن كان مسندا إلى اللّه باعتبار الإيجاد منه حقيقة .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم ) بذلك النفخ الحاصل من الصورة الاعتداليّة البشريّة تمثّلا عند انبساطها ، ( فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم وماء متوهّم من جبرئيل ، سرى في رطوبة ذلك النفخ ) سريان الشهوة في مريم بالنفخ فإنّ للوهم سلطانا في أمر الشهوة وسائر ما به يعمل القوى الفعليّة في الإنسان .
 
وذلك لأنّ الوهم في المملكة الإنسانيّة بيده إطلاق ديوان التحريك وتحت أمره عمّال قضايا الفعل والتأثير ، ولذلك ترى الوهم يؤثّر في الذائقة - عند تخيّل الحموضة أو رؤيتها وتذكَّر ما يتبع ذوقها - مثل ما يتبعه في الوجود العينيّ .
ومن ثمّة كثيرا ما تتحرك به الشهوة ويستفرغ منه المني ، وذلك إنما يكون عند وجود محلّ يقبل ذلك ، كحالة انبساط مريم عند رؤية الصورة البشريّة الاعتداليّة متوجّهة إليها لأن يسرى فيها الشهوة ، وكحال النفخ في الجسم الحيوان ، لسريان الماء فيه .
 
قال رضي الله عنه :  ( لأنّ النفخ من الجسم الحيوانيّ رطب ، لما فيه من ركن الماء ، فتكوّن  جسم عيسى من ماء متوهّم وماء محقّق ) .
فلئن قيل : إنما يكون الماء متوهّما إذا لم يكن له صورة في العين ، وحيث بيّن أن النفخ من الجسم الرطب الحيوانيّ مشتمل على ركن الماء بالفعل كيف يكون متوهّما ؟
قلنا : إنّ الماء وإن كان له وجود عينيّ وصورة مشخّصة في النفخ المذكور ، ولكن من حيث أنّه يصلح لأن يكون مبدأ لتكوّن جسم إنسانيّ هو معنى جزئيّ إنما يدركه الوهم ، بل الوهم هو الذي حصّل للماء المذكور ذلك المعنى - على ما لا يخفى .
فهذا الوهم من مريم ، لا من جبرئيل - كما توهّمه البعض بأنّه سلطان العناصر - لأنّه لو كان كذلك جعل بسلطنته ذلك الماء محقّقا لا متوهّما ، كيف - ولا يطلق على الملك التوهّم إلا بضرب من التمحّل .
""أضاف المحقق : فيها إشارة إلى ما قاله الكاشاني : الماء المتوهم جاز أن يكون من توهمها أن الولد لا يكون إلا من ماء الرجل ، فخلق الماء من النفخ بقوة وهمها وأن يكون من جهة جبرئيل ، لأنه سلطان العناصر ،يقدر أن يجري من نفسه الرحماني روح الماء في النفخ ، فيحصله ماء.""
 
صورة عيسى عليه السّلام
قال رضي الله عنه :  (وخرج على صورة البشر من أجل امّه ، ومن أجل تمثّل جبرئيل في صورة البشر ، حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد )
وهو أن يكون من الأبوين ، من ذلك النوع ، وعلى صورته الطبيعيّة إذ لو لم يتمثّل جبرئيل في صورة البشر لما كان التكوين على الحكم المعتاد ، وذلك لأن التكوين والإيجاد هو الظهور من المكوّن بصورة الأثر ، فلا بدّ للفاعل من أن يتصوّر بصورة ما أراد مفعوله عليها ، حتّى يتمّ التصوّر بصورته ، فلذلك تمثّل جبرئيل بصورة البشر لأجل ذلك الحكم المعتاد والوجوب العادي.
 
ولذلك أيضا ورد  : " إن الله تعالى يتجلَّى في الصورة الإنسانية عند تخميره طينة آدم " .
ولا بدّ هاهنا من أن يكون مفعوله - وهو جسم عيسى - على الصورة المذكورة من التشكَّل بالشكل المعهود من تلك الأفراد ، لئلَّا يتنفّر منه طباع المستكملين من بني نوعه فيفوت الغاية المطلوبة من الإنباء والإرسال ، وذلك لأنّ تخالف الصور بالشخص تقتضي التوحّش ، كما أنّ توافقها توجب المؤانسة .
 
رمز إحياء الموتى بيد عيسى عليه السّلام
قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى يحيى الموتى لأنّه روح إلهي ) كما سبق بيانه من أنّ معنوية تلك الكلمة وروحها إنّما كذا حصل من الحضور الذي حصل لمريم مع الله بجمعية منها تامّة عند رؤيتها الصورة البشريّة الاعتداليّة في أيّام انتباذها من القوم مكانا شرقيّا ، أعني أيّام نقائها من الحيض ، فإنّ فيها مزيد هيجان لشهوة النسوان ، وزمان وقوعها في مكان يشرق فيها نيّر الإظهار والإشعار .
ثمّ إن أمر التوهّم والتحقّق - الذين في أصل خلقة الكلمة العيسويّة لهما دخل في سائر أحكامها . ولذلك قال : ( وكان الإحياء لله ، والنفخ لعيسى ) في صورة إحياء عيسى الموتى ( كما كان النفخ لجبرئيل والكلمة لله ) في صورة تكوين عيسى .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد. فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .  
 
قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:  فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء. فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر )
 
 قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم ) بذلك النفخ الحاصل من الصورة الاعتدالية المتمثلة البشرية عند انبساطها ( فخلق جسم عيسى من ماء محقق ) من مريم بلا واسطة توهم أحد .
قال رضي الله عنه :  ( ومن ماء متوهم من جبريل ) توهمته مريم فترتب وجود ذلك الماء على توهمها فإن وجود بعض الأشياء قد يترتيب على توهمه كترتب السقوط عن الجذع على توهمه ( سرى ) ذلك الماء المتوهم ( في رطوبة ذلك النفخ ) المتوهمة سراية في وهم مريم فتحقق مطابقا لما توهمته ، وإنما توهمت مريم سراية الماء في رطوبة النفخ.
 
قال رضي الله عنه :  ( لأن ) ذلك ( النفخ ) إنما وقع ( من ) جبريل حال تمثله في صورة الجسم الحيواني الذي هو صورته البشرية والنفخ ، أي الهواء المنفوخ ( من الجسم الحيواني رطب ) لا محالة ( لما فيه من ركن الماء ) ، فتسري منه الرطوبة إلى الهواء المنفوخ فيصير ماء ، فتوهمت مريم نفخ جبريل على هذه الحالة ، فتولدت من توهمها الماء.
قال رضي الله عنه :  ( وكوّن جسم عيسى من ماء متوهم ) حققه وهم مريم ( ومن ماء محقق من مريم ) لا دخل لتوهمها في تحققه ، ويمكن أن يراد بالماء المتوهم الهواء المنفوخ المحقق الذي مائيته متوهمة ، فتكوّن جسم عيسى من ماء تحقق ومن هواء منفوخ توهمت فيه المائية ، أو يراد بالماء المتوهم ما لا يكون له تحقق في الخارج .
ويكون معنى تكون جسم عيسى منه أن له مرتبة الشرطية فمتى لم تتوهم هذا الماء لم يتكون جسم عيسى من الماء المحقق ( وخرج ) عيسى ( على صورة البشر ) دون الملك
 
قال رضي الله عنه :  ( من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد. فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. )
 
قال رضي الله عنه :   ( من أجل أمه ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر ) وإنما مثل في صورة البشر .
( حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد ) الذي جرت به العادة غالبا وهو تولد من شخصين إنسانيين ، ولما ذكر رضي اللّه عنه أن عيسى عليه السلام روح من اللّه نفخه جبريل في مريم وكلمته ألقاها إلى مريم ، وإن تكوّن جسمه إنما هو من ماء محقق وماء متوهم ، أراد أن يبين أن الأحوال الجارية عليه أيضا مناسبة لهذه الأمور .
 
فقال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى عليه السلام ) بحيث كان ( يحيي الموتى لأنه روح إلهي ) ومن خصائص الروح الحياة والإحياء ( وكان ) في صورة إحيائه ، أي إحياء عيسى الموتى ( الإحياء ) بحسب الحقيقة ( للّه والنفخ ) الذي يترتب عليه الإحياء صورة ( لعيسى كما كان ) في صورة تكوين عيسى ( النفخ ) ، أي نفخ الكلمة في مريم ( لجبريل والكلمة ) المنفوخة ( للّه ) فكان النفخ من عيسى بمنزلة النفخ من جبريل .
وكان كون الإحياء حقيقة من اللّه وصورة من عيسى ككون الكلمة حقيقة من اللّه وصورة من جبريل.
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 11:59 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السادسة الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السادسة : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وكان إحياء عيسى عليه السّلام للأموات إحياء محقّقا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمّه . وكان إحياؤه أيضا متوهّما أنّه منه وإنّما كان للّه . فجمع لحقيقته الّتي خلق عليها كما قلناه إنّه مخلوق من ماء متوهّم وماء محقّق ينسب إليه الإحياء بطريق التّحقيق من وجه وبطريق التّوهّم من وجه . فقيل فيه من طريق التّحقيق وَأُحْيِ الْمَوْتى وقيل فيه من طريق التّوهّم فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ [ آل عمران : 49 ] فالعامل في المجرور فيكون ، لا أنفخ . ويحتمل أن يكون العامل فيه أنفخ فيكون طيرا ، من حيث صورته الحسّيّة الجسميّة . وكذلك وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ [ المائدة : 110 ] وجميع ما ينسب إليه وإلى إذن اللّه . وإذن الكناية في مثل قوله :بِإِذْنِي وبإذن الله فإذا تعلّق المجرور بتنفخ ، فيكون النّافخ مأذونا له في النّفخ ويكون الطّائر عن النّافخ بإذن اللّه . وإذا كان النّافخ نافخا لا عن الإذن ، فيكون التّكوّن للطّائر . فيكون العامل عند ذلك فيكون فلو لا أنّ في الأمر توهّما وتحقّقا ما قبلت هذه الصّورة هذين الوجهين . بل لها هذان الوجهان لأنّ النّشأة العيسويّة تعطي ذلك . )
 
قال رضي الله عنه :  (فكان إحياء عيسى) عليه السلام (للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه) في الطير والميت بالتوجه الروحاني ، لأنه كذلك في الحس والعيان (كما ظهر هو) ، أي عيسى عليه السلام (عن صورة أمه) مريم عليها السلام ظهورا متحققا في الحس والعيان وكان إحياؤه ، أي عيسى عليه السلام أيضا ، أي كونه محققا متوهما أنه ، أي ذلك الإحياء منه ، أي من عيسى عليه السلام ، لأنه ظهر به وإنما كان ذلك الإحياء للّه تعالى وحده حقيقة ، لأنه هو الذي يحيي ويميت كما هو معلوم عند كل مؤمن بنبي )فجمع( عيسى عليه السلام )بحقيقته( الإنسانية الروحانية )التي خلق عليها كما قلنا( فيما مر إنه .
 
أي عيسى عليه السلام )مخلوق من ماء متوهم( من نفخ جبريل عليه السلام ومن )ماء محقق( من أمه مريم عليها السلام ، فهو بسبب ذلك )ينسب إليه( ، أي عيسى عليه السلام )الإحياء بطريق التحقيق( باعتبار الظاهر من وجه وبطريق التوهم ظاهرا أيضا )من وجه( آخر فقيل فيه ، أي في عيسى عليه السلام من طريق التحقق وأحيي الموتى من أن المحيي هو اللّه تعالى المتجلي بصورة عيسى عليه السلام.
وقيل فيه من طريق التوهم فتنفخ فيه ، أي فيما خلقه لهم كهيئة الطير فيكون طيرا بإذن اللّه تعالى فالعامل في المجرور ، أي الذي يتعلق به الجار والمجرور في قوله تعالى : بِإِذْنِ اللَّهِ هو قوله فيكون .
 
أي يكون طيرا بإذن اللّه تعالى لا قوله تنفخ فيبقى نفخه مثل نفخ غيره من الناس إذا نفخ ، وإنما الخصوصية في اعتبار اللّه تعالى نفخه ذلك وتكوينه تعالى للطير عقيب نفخه إجابة له وتصديقا لدعواه ويحتمل أن يكون العامل فيه ، أي في المجرور بأن يكون الجار والمجرور متعلقا بـ تنفخ فيكون نفخه بإذن اللّه تعالى ليس كنفخ غيره من الناس .
فالخصوصية في النفخ لا في تكوين اللّه تعالى الطير ، فكل من نفخ مثل ذلك النفخ بإذن اللّه تعالى كان عنه ما أراد كما نقل أن أبا يزيد البسطامي قدس اللّه سره نفخ في نملة ماتت فأحييت بإذن اللّه تعالى فيكون طيرا من حيث صورته الجسمية الحسية على حسب ما خلقه من تلك الهيئة .
 
وكذلك قوله تعالى عنه (وتبريء الأكمه والأبرص) بإذن اللّه تعالى وجميع ما نسب إليه ، أي إلى عيسى عليه السلام وإلى إذن اللّه تعالى وإلى إذن الكناية عن اللّه تعالى وهي ضمير المتكلم في مثل قوله تعالى بإذني وبإذن اللّه تعالى كما ذكرنا فيما مر من قوله تعالى :" وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي" [ المائدة : 110 ] .
وقوله تعالى :"أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ" [ آل عمران : 49 ] .
 
فإذا تعلق الجار والمجرور وهو قوله بإذني وقوله : بإذن اللّه بتنفخ في الآية الأولى وأنفخ في الثانية فيكون النافخ مأذونا له في النفخ من جهة الحق تعالى ويكون الطير ، أي يتكون ويظهر طيرا عن النافخ بإذن اللّه تعالى .
وإذا كان النافخ في الآيتين نافخا لا عن الإذن ، أي إذن اللّه تعالى فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن اللّه تعالى فيكون العامل في تعلق الجار والمجرور به عند ذلك قوله فيكون .
فلولا أن في الأمر الإلهي والشأن الرباني المتوجه على خلق عيسى عليه السلام توهما من وجه وتحققا من وجه آخر فهو متوهم من حيث الصورة ومتحقق من حيث الوجود .
 
فمن هذه صورته ليس هذا فعله ولا تأثير له أصلا ومن هذا وجوده فهو الفاعل المؤثر ولا صورة له فهذا هو وليس هذا هو فهو لا هو فكأنه هو فلا هو إلا هو ما قبلت هذه الصورة العيسوية هذين الوجهين وجه التوهم في كونه يخلق من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيكون طيرا ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ووجه التحقق منه في ذلك أيضا بل لها .
 
أي للصورة العيسوية هذان الوجهان لأن النشأة ، أي الخلقة العيسوية من أصل تكوينها عن جبريل عليه السلام النافخ في مريم عليها السلام تعطي ذلك ، أي الوجهين المذكورين وجه التوهم في صدوره عن ماء متوهم ووجه التحقق في صدوره عن ماء محقق كما مر .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه :  (فكان إحياء عيسى عليه السلام للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخته كما ظهر هو عن صورة أمّه فكان إحياؤه أيضا متوهما أنه ) أي الإحياء ( منه).
( وإنما كان ) أي الإحياء ( للَّه ) حقيقة ولعيسى عليه السلام مجازا ( فجمع ) عيسى عليه السلام هذين الوجهين ( بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه إنه لمخلوق من ماء متوهم ومن ماء محقق لينسب إليه الأحياء بطريق التحقيق من وجه ) أي من حيث أن الإحياء في الحقيقة للَّه .
( فقيل فيه ) أي في حق عيسى عليه السلام ( من طريق التحقيق وتحيي الموتى ) أي أسند الإحياء إليه حقيقة ( وقيل فيه من طريق التوهم فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه فالعامل في المجرور يكون لا قوله : تنفخ ) فيكون الطير صادرا عن اللّه في الحقيقة فما كان لعيسى عليه السلام إلا النفخ .
 
قال رضي الله عنه :  ( ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ فيكون طيرا ) صادرا عن نفخ عيسى عليه السلام ( من حيث صورته الجسمية المحققة ) في الإحياء لعيسى عليه السلام حقيقة وما كان للَّه إلا الإذن بالنفخ ( وكذلك ) أي وكذا القول في قوله تعالى في حق عيسى عليه السلام (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وجميع ما ينسب إليه ( أي إلى عيسى عليه السلام ( وإلى إذن اللّه أو إذن الكناية.
قال رضي الله عنه :  (يقبل الجهتين جهة التحقيق وجهة التوهم ( في مثل قوله تعالى بِإِذْنِي وهو إذن الكناية .
 
قال رضي الله عنه :  ( وبِإِذْنِ اللَّهِ فإذا تعلق المجرور بتنفخ فيكون النافخ مأذونا له في النفخ فيكون الطائر عن النافخ بإذن اللّه ) وهذا هو جهة الحقيقة .
قال رضي الله عنه :  ( وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن فيكون التكوين للطائر طائرا ) نفسه ( بإذن اللّه فيكون العامل عند ذلك يكون ) هذا هو جهة التوهم فثبت أن حقيقة عيسى عليه السلام من ماء متوهم.
 
قال رضي الله عنه :  ( فلو لا أن في الأمر ) أي في حقيقة عيسى عليه السلام ( توهما تحققا ما قبلت هذه الصورة ) صورة الآيات وصورة عيسى عليه السلام ( في هذين الوجهين بل ) ثابت أو مختص ( لها ) أي لهذه الصورة ( هذان الوجهان لأن النشأة ) أي الحقيقة ( العيسوية يعطي ذلك ) الوجهين للصورة العيسوية .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
قال رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه.  وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله. فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ». ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.  وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله. فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون». فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه : (فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محقّقا من حيث ما ظهر عن نفخه) .
يعني : من حيث حصول الإحياء عن نفخه ظاهرا رأي عين ، فتصحّ إضافة الإحياء إليه بمشاهد الحسّ عرفا عاديا وتحقيقا أيضا ، لأنّ هويته الله ، وهو أحدية جمع اللاهوت والروحية والصورة ، فيضاف إليه حقيقة من حيث هويته اللاهوتية ، فافهم .
 
قال رضي الله عنه : ( كما ظهر هو عن صورة أمّه ) .
يعني رضي الله عنه : في المعتاد من إيلاد الأولاد ، وبهذا الوجه أضيف إلى أمّه ونسب إليها ، فقيل فيه : إنّه عيسى بن مريم ، وهكذا إضافة الإحياء إلى الصورة العيسوية النافخة للإحياء .
 
قال رضي الله عنه : ( وكان إحياؤه أيضا متوهّما أنّه منه ، وإنّما كان من الله ، فجمع لحقيقته - التي خلق عليها كما قلناه - أنّه مخلوق من ماء متوهّم وماء محقّق ، ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهّم من وجه ، فقيل فيه من طريق التحقيق : « وتحيي الموتى » و قيل فيه من طريق التوهّم : " فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي " فالعامل في المجرور يكون « تكون » لا « تنفخ »  ويحتمل أن يكون العامل فيه « تنفخ » فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسّية ) .
يشير رضي الله عنه : إلى إنّه لمّا كان أصل خلقته من متحقّق ومتوهّم ، ظهر ذلك في فعله الذي هو فرع عليه متوهّم الإضافة إليه من وجه ، ومتحقّق الإضافة إليه أيضا من آخر ، فاعتبر الحق في العبارة المعجزة القرآنية كلا الوجهين ، لكونهما من مقتضى أصل خلقته ، فقال في الأوّل " فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي " فكان التقدير يكون المنفوخ فيه بإذن الله طائرا ، فيكون العامل في المجرور - أعني « بإذن الله » - « تكون » لا « تنفخ » ، فيكون الموجب لكونه طيرا بإذن الله ، فيكون طائرا بنفخه .
 
سرّ للخواصّ اعلم : أنّ حقيقة الإذن أمر من الله ، يمكَّن المأذون له من إيجاد الفعل الخارق للعادة الذي لا يضاف إلَّا إلى الله عرفا عاديا .
ثمّ إنّ تمكين الله تعالى للعبد وأمره بذلك إنّما يكون بخصوص استعداد ذاتي للعبد من حيث صورته المعلومية لله أزلا وعينه الثابتة ، لأنّ الله علم من حقيقة قفداء العبد أنّ له صلاحية في الوجود وقابلية في الحقيقة لمثل هذا التمكين والأمر من الله بخلاف غير المأذون .
فهو من قدم الصدق الذي كان له عند ربّه المليك المقتدر ، اقتضى هذا العبد بتلك الخصوصية من الله هذا النوع من العناية والتمكين ، فأظهر الله في الوجود العيني من العبد هذا التمكين ممّا كان عليه في وجوده العلمي ، فإذن الله هو تمكين العين الثابتة ، وحسن تأتّيها باستعدادها الذاتي للوجود الحق أن يظهر هذا التمكين والإذن فيه بالحق ، فافهم .
 
قال رضي الله عنه - : ( وكذلك " تُبْرِئُ الأَكْمَه َ وَالأَبْرَصَ " وجميع ما ينسب إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله : " بِإِذْنِي " و " بِإِذْنِ الله " فإذا تعلَّق المجرور بـ « تنفخ » فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله ، وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن ، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله ، فيكون العامل عند ذلك « فتكون » فلو لا أنّ في الأمر توهّما وتحقّقا ، ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين ، بل لها هذان الوجهان ، لأنّ النشأة العيسوية تعطي ذلك ).
قلت : كلّ هذا ظاهر بيّن .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر من نفخه ) .
أي من حيث حصول الإحياء عند نفخه ظاهرا رأى عين فتصح إضافة الإحياء إليه بشاهد الحق عرفا وعادة وتحقيقا أيضا ، لأن هويته هو الله وهو أحدية جمع اللاهوت والناسوت والروحية والصورية ، فيضاف حقيقة من حيث حقيقته اللاهويته .
( كما ظهر هو عن صورة أمه ) أي في المعتادة من ولادة الأولاد ، بهذا الوجه أضيف إلى أمه ونسب إليها فقيل فيه إنه عيسى بن مريم ، وهكذا إضافة الإحياء إلى الصورة العيسوية النافخة للأحياء ( وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله )
وفي نسخة : وإنما كان من الله وهو أصح ( فجمع ) أي الإحياء المحقق والمتوهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه إنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق ، ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه ، وبطريق التوهم من وجه فقيل فيه من طريق التحقيق – فـ " تُحْيِ الْمَوْتى " - وقيل فيه من طريق التوهم – " فَأَنْفُخُ فِيه فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله " - فالعامل في المجرور يكون لا تنفخ ، ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية )
أي لما كان أصل خلقته من ماء محقق وماء متوهم ظهر ذلك في فعله فنسب إليه الإحياء من الوجهين بطريق التحقيق وطريق التوهم .
لأن الفعل فرع على أصل تكوينه فقيل في حقه في الكلام المعجز ما يدل على الوجهين : أما من طريق التحقيق فقوله - فتحى الموتى - وأما من طريق التوهم – " فَأَنْفُخُ فِيه فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله " - على أن العامل في بإذن الله يكون لا تنفخ فيه فيكون الموجب لكونه طيرا إذن الله .
وأمره لا نفخ عيسى ، وإن جعلنا العامل تنفخ كان الموجب لكونه طيرا هو نفخ عسى بإذن الله ، وكان طيرا من حيث أن صورته الجسمية الحسية صورة طير لا طير بالحقيقة .
 
واعلم أن الإذن هو تمكين الله للعبد من ذلك وأمره به ، فيكون عين العبد المأذون له في إيجاد المأمور والخارق العادة التي لا تنسب إلا إلى الله في العادة .
فحشا معينا بها في الأزل مختصة بذلك الاستعداد علم الله تعالى أن يفعل ذلك عند وجوده وحكم به فيكون حكمه بذلك هو الإذن ، وتمكين عينه الثابتة في الأزل باستعدادها الذاتي هو عناية الله في حقه ، والله أعلم.
 
قال رضي الله عنه :  ( وكذلك تبرئ الأكمه والأبرص وجميع ما ينسب إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وإذن الله ، فإذا تعلق المجرور بتنفخ فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النفخ بإذن الله ، وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله فيكون العامل عند ذلك يكون ، فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصور هذين الوجهين ، بل لها هذان الوجهان ، لأن النشأة العيسوية تعطى ذلك ) .
هذا غنى عن الشرح ومعلوم مما مر .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وكان إحياء عيسى ، عليه السلام ، للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخة ، كما ظهر هو عن صورة أمه . وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه ، وإنما كان لله . فجمع بحقيقته التي خلق عليها . كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم ومن ماء محقق ، ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه ، وبطريق التوهم من وجه . )
 
أي ، الإحياء تارة ينسب إلى عيسى ، عليه السلام ، من حيث إنه يظهر من نفخه وحصل من مظهره ، وكان هو السبب القريب فيه على سبيل الحقيقة .
فمن هذه الحيثية يكون إحياؤه إحياء محققا ، كما كان في أصل خلقته ماء محقق وهو ماء مريم ، لأنه منها ظهر بحسب الصورة الحسية .
وأخرى نسب إلى الله على الحقيقة ، لأن الفاعل الحقيقي وصاحب الصفات الكمالية هو الله لا غيره .
فإحياؤه إحياء متوهم ، كما كان في أصل خلقته ماء متوهم . فجمع عيسى بما في حقيقته التي خلق عليها من الماء المحقق والماء المتوهم هذين الوجهين فيما حصل منه من الإحياء وخلق الطير ، فينسب إليه الإحياء تارة على سبيل الحقيقة ، وأخرى على سبيل المجاز .
 
قال رضي الله عنه :  ( فقيل فيه من طريق التحقيق : " ويحيى الموتى " ، وقيل فيه من طريق التوهم " فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله " . فالعامل في المجرور ، " فيكون " لا " تنفخ " . و يحتمل أن يكون العامل فيه " تنفخ " ، فيكون طيرا . )
 
أي ، قال تعالى في حقه : "ويحيى الموتى " . ونسب الإحياء إليه وأضافه بطريق التحقيق ، وإن كان من حيث إنه آلة والفاعل على الحقيقة والمحيي للأموات هو الله ، فنسبة الإحياء إليه بطريق التوهم ، وخلق الطير ينسب إليه بطريق التحقيق ، وبطريق التوهم .
كما قال أيضا في حقه : ( فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ) ومتعلق بإذن الله .
والعامل فيه يجوز أن يكون ( فيكون ) ، ويجوز أن يكون ( فتنفخ ) . وعلى الأول ، فيكون النفخ من عيسى والكون من الطير بإذن الله وأمره . كما مر في ( الفص اللوطي ) أن الأمر من الله والتكون من نفس المأمور ب‍ ( كن ) . أو من أمر الله . وعلى التقديرين ، لا يكون من عيسى إلا النفخ فقط . وعلى الثاني ، يكون الخلق منه حين كونه مأذونا به . فاجتمع فيما صدر منه من الإحياء والخلق جهتا التحقيق والتوهم ، كما اجتمع فيما خلق منه .
 
وقوله : ( من حيث صورته الحسية الجسمية ) قيل معناه : إنه يكون من حيث صورته طيرا ، ولا يكون طيرا بالحقيقة وفيه نظر .
لأن المخلوق الطير بالحقيقة وهو الخفاش لا صورة الطير ، وليس جعل صورة الطير مجردا عن روحه مما يعد من المعجزات .
بل معناه : فيكون طائرا محققا صادرا من عيسى من حيث صورته المحققة في الحس ، لأن كلامه حينئذ في إثبات كونه محققا .
كما قال هذا القائل : ( وإن جعلنا العامل ينفخ ، كان الموجب لكونه طيرا هو نفخ عيسى
بإذن الله ) .
وإذن الله لعبده في الإتيان بخوارق العادات قسمان : ذاتي قديم ، وعرضي حادث أما الأول .
فهو جعل الحق عين العبد مستعدا قابلا للتصرف  في الوجود العيني على سبيل الخرق عند تجليه بفيضه الأقدس الموجب لتعين الأعيان في العلم أزلا . وأما الثاني ، فهو تمكين العبد من التصرف مع إلهام قلبي أو وحى نازل لذلك التصرف حين حصول الوقت المقدر ، وجميع شرائطه بفيضه المقدس .
فلا ينبغي أن يتصور أن الإذن هو الأمر بالتصرف ، سواء كان مستعدا له أولا . فإن روح ذلك الأمر أيضا هو الاستعداد الذاتي الذي يستدعى بلسان الحال من الله إظهار كماله .
 
قال رضي الله عنه :  (وكذلك " تبرئ الأكمه والأبرص " وجميع ما ينسب إليه وإلى إذن الله.)
وكذلك جميع ما ينسب إلى عيسى من خوارق العادات من إبراء الأكمه والأبرص وغيرهما ، يشتمل على الجهتين المذكورتين ، أي ، جهة التحقق وجهة التوهم .
لذلك جاء في الكل ( بإذن الله ) أو ( بإذني ) كما قال : ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني ) .
وهو المراد بقوله : ( أو إذن الكناية في مثل قوله تعالى : " بإذني وبإذن الله " فإذا تعلق المجرور ب‍ ( تنفخ ) فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ، ويكون ) أي ، تحصل .
( الطائر على النافخ بإذن الله . ) هذا إشارة إلى الجهة المحققة كما مر بيانها .
 
قال رضي الله عنه :  ( وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن ، فيكون التكوين للطائر طيرا بإذن الله . ) أي ، يكون عين الطائر نفسه في الخارج . كما مرت الإشارة إليه من أن الأمر من الله ، والتكوين من نفس الشئ المكون .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فيكون العامل عند ذلك "فيكون" . فلولا أن في الأمر توهما وتحققا ، ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين . ) أي ، ولولا أن في أصل الخلقة العيسوية - وهو المراد ب‍ ( الأمر ) - جهتا التوهم والتحقق ، ما قبلت صورة عيسى لهذين الوجهين .

( بل لها هذان الوجهان ، لأن النشأة العيسوية تعطى ذلك . ) ظاهر مما مر .
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 12:05 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السادسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السادسة : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله. فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وكان إحياء عيسى عليه السّلام للأموات إحياء محقّقا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمّه ، وكان إحياؤه أيضا متوهّما أنّه منه ، وإنّما كان للّه ، فجمع لحقيقته الّتي خلق عليها كما قلناه : إنّه مخلوق من ماء متوهّم وماء محقّق ينسب إليه الإحياء بطريق التّحقيق من وجه ، وبطريق التّوهّم من وجه ، فقيل فيه من طريق التّحقيق وَأُحْيِ الْمَوْتى [ آل عمران : 49 ] ، وقيل فيه من طريق التّوهّم فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ [ آل عمران : 49 ] ؛ فالعامل في المجرور فيكون ، لا أنفخ ، ويحتمل أن يكون العامل فيه أنفخ فيكون طيرا ، من حيث صورته الحسّيّة الجسميّة .)
 
قال رضي الله عنه :  (فكان إحياء عيسى عليه السّلام الأموات إحياء محققا ) أي : مسند إليه حقيقة ( من حيث ما ظهر عن نفخه ) المسند إليه حقيقة ، إذ حقيقة النفخ ، وهو إخراج الهواء عن جوف النافخ لا يتصور في حق اللّه تعالى ، ولا منع في إسناد الظهور الحقيقي إلى غير اللّه تعالى .
قال رضي الله عنه :  ( كما ظهر هو عن صورة أمه ) ، وإن كان عن صورة جبريل أيضا ؛ فهو أيضا باعتبار توهم أمه أنها صورته لتمثله لها بتلك الصورة ، ( وكان إحياؤه أيضا ) مستندا إليه حقيقة باعتبار أنه كان ( متوهما أنه منه ) فيسنده الجاهل إليه حقيقة ، فإن الإسناد الحقيقي هو إسناد أمر إلى ما له عند المتكلم في الظاهر .
( وإنما كان ) في الواقع باعتبار الإيجاد ( للّه ، فجمع ) في إسناد الإحياء إليه حقيقة بين الأمر المحقق الذي هو الظهور والمتوهم الذي هو توهم أنه منه ( بحقيقته التي خلق عليها ) ، باعتبار أن روحه في الواقع للّه ، ويتوهم أنه من جبريل ( كما قلنا ) في بدئه ( أنه مخلوق من ماء متوهم ) من نفخ جبريل ، ( وماء محقق ) من مريم .
 
"" أضاف المحقق : فيه إشارة إلى أن النفخ لا يفيد إلا حياة الجسم المنفوخ فيه ، وأما خصوصية كونه طائرا لا من حيث الحقيقة ، وفيه نظر ؛ فإنه إذا تعلقت الحياة بالصورية الطيرية يكون طيرا بالحقيقة لا محالة ، وقيل : هو بيان المناسبة بين المكوّن الذي هو عيسى وبين المكوّن الذي هو الطير لا بدّ منها في التكوين كما في التوليد فيه بعد ( شرح الجامي ص 331 ) . ""
 
فلو لا أن حقيقته جامعة لم تحصل هذه الجمعية في روحه وبدنه ، فالفعل الصادر من الحقيقة الجامعة ينبغي أن يكون جامعا ؛ فلذلك ( ننسب إليه الإحياء ) بالإسناد الحقيقي ( بطريق التحقيق من وجه ) ، وهو أنه ظهر من نفخة ( وبطريق التوهم من وجه ) ، وهو أنه بتوهم أنه منه ، وليس له في الواقع ؛ ( فقيل فيه ) في الكتاب الإلهي الجامع بين الطرق كلها ( من طريق التحقيق) ، وأحي الْمَوْتى[ آل عمران : 49 ] .
 
بإسناد الإحياء إليه باعتبار ظهوره منه ، والأصل فيه الحقيقة ، ولم يشعر بكونه من اللّه ، ( وقيل فيه من طريق التّوهم ،فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ [ آل عمران : 49 ] ) ، فنفى فيه تارة إسناد تكوين الإحياء إلى عيسى ، وأسنده إلى إذن اللّه ، وأسند التكوين إليه تارة باعتبار تعلقه بالصورة الحسية الجسمية للطير ، وهما باعتبار الواقع ، وأسند فيه تكوين الإحياء إلى عيسى تارة باعتبار التوهم .
قال رضي الله عنه :  ( فالعامل في المجرور ) أي : قوله : « بإذن اللّه » هو قوله : يكون من ( فيكون ) فأسند تكوين الطير إلى إذن اللّه ( لا ) قوله : " ينفخ " حتى يستند تكوينه إلى نفخه ، ( ويحتمل أن يكون العامل فيه ) أي : في المجرور ، أعني بإذن اللّه « ينفخ » ، فلا يستند تكوين الطير إلى إذن اللّه ، وليس له في الطائر مستند إليه مع أنه لا بدّ منه ، ولا يستند الإحياء إلى عيسى في الواقع ؛ فهو محمول على تكوين صورته الحسية .
 
قال رضي الله عنه :  ( فيكون طائرا ) عن تكوين عيسى عليه السّلام في الواقع ( من حيث صورته الحسية الجسمية ) لا من حيث اتحاد الحياة فيه لا باعتبار الظهور ، وقد ذكر مرة ؛ فلا يعاد أو باعتبار التوهم ، وسيذكره مع الإشارة إلى عموم طريق التحقيق ، وطريق التوهم كل ما نسب إلى نفخ عيسى ، وإلى إذن اللّه .
 
قال رضي الله عنه :  (وكذلك :وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ [ المائدة 110 ] وجميع ما ينسب إليه ، وإلى إذن اللّه ، وإذن الكناية في مثل قوله :بِإِذْنِي ،وبإذن اللّه فإذا تعلّق المجرور ب « تنفخ » ، فيكون النّافخ مأذونا له في النّفخ ، ويكون الطّائر عن النّافخ بإذن اللّه ، وإذا كان النّافخ نافخا لا عن الإذن ، فيكون التّكوّن للطّائر ، فيكون العامل عند ذلك فيكون فلو لا أنّ في الأمر توهّما وتحقّقا ما قبلت هذه الصّورة هذين الوجهين ، بل لها هذان الوجهان ؛ لأنّ النّشأة العيسويّة تعطي ذلك ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( وكذلك ) أي : مثل قوله : فينفخ فيه ، فيكون طيرا بإذن اللّه ، ( أبرئ الأكمه والأبرص ) مسند حقيقة إلى اللّه تعالى بطريق التحقيق ، وإلى عيسى بطريق التوهم ، ولا يختص هذا بآية دون أخرى ، بل ( وجميع ما ينسب إليه ) أي :
إلى فعل عيسى كنفخه ، ( وإلى إذن اللّه ) أي : المضاف إلى اسم اللّه الجامع للظاهر والباطن .
( وإذن الكناية ) أي : المضاف إلى ياء المتكلم المختص بالباطن ، فالمضاف إلى الكناية ( في مثل قوله : بإذني ) وإلى اسم اللّه في مثل قوله : ( بإذن اللّه ) ، فإن الإسناد التكويني إلى الإذن المضاف إلى أحدهما بطريق التحقيق ، وإلى عيسى عليه السّلام بطريق التوهم .
وإن قلنا : إن إسناده باعتبار الظهور إلى عيسى عليه السّلام بطريق الحقيقة ، فذاك في نفس ظهور الحياة لا ظهور تكوينها ؛ إذ لا فعل في تكوينها لغير اللّه تعالى ؛ فغاية ما يتصور في حقّ عيسى عليه السّلام أنه فعل الظاهر فيه دون المظهر ، فإسناده باعتبار الظهور إلى المظهر نوع من التوهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( فإذا تعلق المجرور ) أي : بإذن اللّه أو بإذني ، ( فينفخ ) أي : بما هو فعل عيسى عليه السّلام حقيقة ، ( فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ) فيتوهم ما ترتب على نفخه من فعل اللّه أنه فعل النافخ ، ( فيكون الطائر عن النافخ ) فيما يتوهم كما قالت المعتزلة في الأفعال المتولدة ، فيسند تكوينه إلى عيسى بطريق الحقيقة جهلا ، ( وإذا كان النافخ نافخا ، لا عن الإذن ) بألا ( يكون ينفخ عاملا ) في المجرور .
قال رضي الله عنه :  ( فيكون التكون للطائر ) طيرا ( بإذن اللّه ) أي : مسند إلى اللّه حقيقة ، وهو طريق التحقيق ، إما باعتبار نفس التكوين ؛ فلا يشك فيه ، وإما باعتبار ظهوره ؛ فلأن الفعل إنما للظاهر لا للمظهر ، قال رضي الله عنه :  ( فيكون العامل ) في المجرور أي : بإذن اللّه أو بإذني ( عند ذلك ) .
أي : عند جعل التكوين للّه كما هو الواقع لفظة يكون ، فاجتمع في عيسى عليه السّلام باعتبار ظهور الفعل منه تحقيقا وتوهما باعتبارين ، فالتحقيق باعتبار الفعل المترتب عليه وهو النفخ والتوهم باعتبار المترتب وهو التكوين .
قال رضي الله عنه :  ( فلو لا أن في الأمر ) أي : في حقيقة عيسى عليه السّلام ( توهما وتحققا ) في روحه وبدنه وظهوره وأفعاله ( ما قبلت هذه الصورة ) أي : صورة إسناد الفعل إلى عيسى عليه السّلام باعتبار الظهور منه ( هذين الوجهين ) من التحقيق باعتبار الفعل الأول ، وهو النفخ والتوهم باعتبار الفعل الثاني .
وهو التكوين ( بل لها ) أي : لهذه الصورة ( هذان الوجهان ) في الواقع ، وإن لم يصرّح بإسناد فعله إليه ، وإلى إذن اللّه ، وإذن الكناية ؛ ( لأن النشأة العيسوية تقتضي ذلك ) ، ومقتضى النشأة لا يتغير بالتصريح وتركه .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )


 قال رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محقّقا من حيث ما ظهر عن نفخه ، كما ظهر هو عن صورة امّه ، وكان إحياؤه أيضا متوهّما أنّه منه ، وإنّما كان لله ) وفي بعض النسخ: « وإنما كان من الله » وهو أظهر .
قال رضي الله عنه :  ( فجمع ) الإحياء المحقق والمتوهّم ( لحقيقته التي خلق عليها - كما قلنا : إنّه مخلوق من ماء متوهّم ، وماء محقّق - نسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه ،وبطريق التوهّم من وجه(.
وقد سرى هذان الوجهان في جملة أوضاعه وأحواله إلى أن سرى فيما انزل من القرآن المجيد في قصّته عليه السّلام ( فقيل فيه من طريق التحقيق : "يحيي الموتى" وقيل فيه من طريق التوهّم : « فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله »  فالعامل في المجرور « يكون » )
أي يكون طيرا بإذن الله أي كونه ووجوده بإذن الله على ما عليه الأمر في نفسه .
 
قال تعالى : " وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيه ِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّه ِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَه َ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّه ِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ ال عمران / 49 ] ."
 
تعلق الإذن بتكوّن الطائر أو بالنفخ ؟
فيكون طائرا صورة ومعنى . لأن الأمر فيه حينئذ تنزّل على مدارجه المقدّرة من المراتب الاستيداعية والاستقرارية ، والموجب لذلك الكون إذا الله ، لا نفخ عيسى فنسبة تكوّنه إليه من طريق التوهّم .
هذا على تقدير أن يكون العامل في المجرور « يكون » ( لا « ينفخ » ) .
( ويحتمل أن يكون العامل فيه « ينفخ » ) وحينئذ يكون الطائر من النافخ بإذن الله ، إذ الإذن في عرف التحقيق نفاذ الأمر . فإذا كان الطائر من النافخ بنفاذ أمر الله فيه ، يكون من عيسى وهو روح الله . فيكون الأمر في تكوّن الطائر على هذا التقدير على غير مدارجه المقدّرة ، لا استيداعية منها ولا استقرارية . بل على معارجه الجعليّة ومرابطة المزاجيّة التوليديّة .
 
وأنت عرفت أن أمر التكوين والتوليد لا بدّ وأن يكون على الحكم المعتاد ، وهو أن يكون تولَّد كل فرد من أبويه النوعي - كما عرفت في قضية تمثّل جبرئيل في صورة البشر - فلا بدّ وأن يكون الاشتراك بتمام الحقيقة بين الوالدين وولده وبين المكوّن والمتكوّن .
وإذ لم يكن الاشتراك هاهنا بين عيسى وما تكوّن من نفخه إلا في معنى الجسميّة والإحساس - الذي هو حقيقة الحيوان - صرّح بذلك إفصاحا بما مهّد أولا ، وإشعارا بما ينبئ عن الوجه المحقّق ثانيا في قوله :
قال رضي الله عنه :  ( فيكون طائرا من حيث صورته الجسميّة الحسيّة ) .
أمّا الأول فظاهر مما مرّ . وأما الثاني فلأن تكوّن الطير من حيث أنّه من عيسى محقّق ، ضرورة أنه ترتّب على نفخه بإذن الله ، فهو منه على طريق التحقيق ، كما أن إحياء الموتى على ما صرّح به من الحيثيّة المذكورة من عيسى على طريق التحقيق .
 
وإذا تقرّر هذا الموضع هكذا لدى المتفطَّن لا يخفى حينئذ عليه وهن ما قيل في توجيهه من أنّه : طير من حيث الجسميّة والحسّ ، لا بالحقيقة ، فإنّه لا حقيقة له وراء ذلك . فظهر أنّه الوجه المحقّق من الوجهين .
""أضاف المحقق:  القائل الكاشاني وقد اعترض عليه القيصري أيضا حيث قال: « وفيه نظر لأن المخلوق الطير بالحقيقة لا صورة الطير ، وليس جعل الصورة مجردة عن روحه مما يعدّ من المعجزات ""
 
لا يقال : الكون والإحياء المحقّق إنما هو من الله ؟
لأنّا نقول : الكلام فيما نسب إلى عيسى : إنّ له وجهين تحقيقيّ وتوهّمي ، ( وكذلك ) جميع ما ينسب إليه من خوارق العادات له هذان الوجهان ، كقوله: ( " تُبْرِئُ الأَكْمَه َ وَالأَبْرَصَ " [ 5 / 110 ] وجميع ما ينسب إليه وإلى إذن الله ) مما يتعلَّق بالكون والوجود ( أو إذن الكناية ) وذلك فيما يتعلَّق بأحوال الوجود وأحكامه ، كما ( في مثل قوله  : "وَتُبْرِئُ الأَكْمَه َ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي "  [ 5 / 110 ] و ) قوله : " فَأَنْفُخُ فِيه ِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله " [ 3 / 49 ] على طريقة اللفّ والنشر .
 
قال رضي الله عنه :  (وإذا تعلَّق المجرور " بـ " ينفخ فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ، ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله . وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن  ، فيكون التكوّن للطائر طائرا بإذن الله ، فيكون العامل عند ذلك " يكون " ، فلو لا أنّ في الأمر توهّما )
كما في الثاني ( وتحقّقا ) كما في الأول  ( ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين ، بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسويّة تعطي ذلك).
 
ما ظهر من عيسى من جهة انتسابه إلى مريم ونفخ جبرئيل عليه السّلام
إنّ سائر ما يظهر من عيسى من جلائل الأحوال وكرائم الأخلاق كلَّها ، إمّا أن يكون محقّقا من جهة مريم - من الأوصاف العبديّة الخلقيّة - وإمّا مقدّرا من جهة جبرئيل وروحانيّته المعنويّة من الله من الأوصاف الإلهيّة
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه. وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه :  (فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمهوكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فكان إحياء عيسى عليه السلام للأموات إحياء محققا ) ، أي انتساب الإحياء إليه أمرا محققا ( من حيث ما ظهر ) ، أي من حيث ظهور ذلك الإحياء ( عن نفخه ) وترتبه عليه ( كما ظهر هو عن صورة اللّه وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه ) .
"" أضاف المحقق : وفي نسخة [ أمه ] بدل [ اللّه ] وهو ما اعتمدناه وأثبتناه في نسخة المتن في الأعلى .""
 
أي وكان انتساب الإحياء إليه بأنه منه أيضا متوهما ، فإن الإحياء بسبب التحقيق إنما هو منتسب إلى اللّه سبحانه ، لأن الفاعل الحقيقي والمؤثر في الوجود إنما هو اللّه سبحانه ، فانتسابه إلى عيسى يكون متوهما من ترتبه على نفخه صورة( وإنما كان ) الإحياء حقيقة ( للّه ) صادرا عنه.
وفي بعض النسخ : وإنما كان من اللّه وهو أظهر
 
قال رضي الله عنه :  ( فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».  ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية. وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه )
 
قال رضي الله عنه :  ( فجمع ) عيسى عليه السلام في الإحياء بين التحقيق والتوهم ( بحقيقته ) ، أي لأجل حقيقته (التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم ومن ماء محقق ) فكما كان للتحقيق والتوهم دخل في حقيقته فكذلك لهما دخل في الإحياء ( ينتسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه ) وهو ظهوره عن نفخه .
قال رضي الله عنه :  ( وبطريق التوهم من وجه ) وهو أن الفاعل الحقيقي إنما هو اللّه سبحانه ، فالإحياء بحسب الحقيقة له وليس لعيسى إلا المظهرية ( فقيل فيه ) ، أي في عيسى ( من طريق التحقيق ) نظرا إلى ترتب الإحياء على نفخه ("ويُحْيِ الْمَوْتى ") فأسند الإحياء إليه لا إلى اللّه سبحانه .
قال رضي الله عنه :  ( وقيل فيه من طريق التوهم ) نظرا إلى أن المحيي في الحقيقة هو اللّه سبحانه ، وإسناد الإحياء إلى عيسى إنما هو على سبيل التوهم ( فتنفخ فيه ) ، أي فيما تخلقكَهَيْئَةِ الطَّيْرِ( فيكون طيرا بإذن اللّه ) ، أي كونه ذا حياة وطيران إنما هو بإذن اللّه ونفاذ أمره  .
قال رضي الله عنه :  (والعامل في المجرور ) على هذا المعنى قوله ( فيكون لا ) قوله ( تنفخ ويحتمل أن يكون العامل فيه ) ، أي في المجرور قوله : ( تنفخ ) ، فإن النفخ أيضا بإذن اللّه يجعل عين النافخ أولا بالقبض الأقدس مستعدا قابلا للتصرف ، وبتمكينه ثانيا بالقبض المقدس في الوجود العيني مع إلهام قلبي أو وحي نازل فيشر بكونه طائرا ذا حياة وطيران على نفخ عيسى فيكون من قبيل الوجه المحقق.
 
قال رضي الله عنه :   ( فيكون ) حينئذ ما خلقه عيسىكَهَيْئَةِ الطَّيْرِ( طائرا ) من جهة نفخه وقوله : ( من حيث صورته الحسية الجسمية ) إشارة إلى أن النفخ لا يفيد إلا حياة الجسم المنفوخ فيه ، وأما خصوصية كونه طائرا لا من حيث الحقيقة وفيه نظر .
فإنه إذا تعلقت الحياة بالصورية الطيرية يكون طيرا بالحقيقة لا محالة .
وقيل : هو بيان المناسبة بين المكوّن الذي هو عيسى وبين المكوّن الذي هو الطير لا بد منها في التكوين كما في التوليد فيه بعد .
وقيل : معناه فيكون طائرا محققا صادرا من عيسى من حيث صورته المحققة الحسية الجسمية ، لأن الكلام في جهة التحقيق ( وكذلك يشتمل ) على جهة التحقيق والتوهم إبراء الأكمة والأبرص المنسوب إلى عيسى عليه السلام بالحقيقة في قوله تعالى : ("وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ" [ المائدة : 110 ] وجميع ما ينسب ) تارة ( إليه ) ، أي إلى عيسى عليه السلام من الأفعال الخارقة للعادات
 
قال رضي الله عنه :  ( وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون». فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. )
 
قال رضي الله عنه :    (و) تارة (إلى بإذن اللّه) ، أي الإذن المضاف إلى اللّه (أو إذن الكناية) ، أي الإذن المضاف إلى ضمير هو كناية عن اللّه ( في مثل قوله بإذني ) كما قال تعالى :" وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي " [ المائدة  :110]
 
قال رضي الله عنه :   (وفي مثل قوله : بإذن اللّه ) كما قال تعالى حكاية عنه :فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ،وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ[ آل عمران : 49 ] .
قال رضي الله عنه :   ( فإذا تعلق المجرور بتنفخ فيكون النافخ مأذونا في النفخ ويكون ) ، أي يوجد ( الطير عن النافخ ) ، أي الذي ينفخ (بِإِذْنِ اللَّهِ) فيترتب وجود الطائر على نفخه الذي وقع بالإذن ويكون ترتبه عليه على وجه التحقيق ( وإذا ) تعلق المجرور بقوله فيكون ( كان النافخ نافخا لا عن الإذن فيكون التكوين ) ، أي التكوين ( للطائر ) بالإذن ( ويكون العامل ) في المجرور ( عند ذلك ) .
 
قوله رضي الله عنه  : ( فيكون ) فنسبة التكوين إلى عيسى عليه السلام وترتبه على نفخه تكون على وجه التوهم ( فلو لا أن الأمر ) ، أي أمر عيسى بحسب أصل خلقته ( توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة ) الكلامية التي وقعت في بيان معجزاته ( هذين الوجهين ) ، أي وجهي التحقيق والتوهم ( بل لها ) ، أي لتلك الصورة الكلامية ( هذان الوجهان ، لأن النشأة العيسوية تعطى ذلك ) كما عرفت .
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 23:06 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السابعة الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السابعة : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).


قال رضي الله عنه :  (وخرج عيسى من التّواضع إلى أن شرّع لأمّته أنيُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [ التوبة : 29 ] وأنّ أحدهم إذا لطم في خدّه وضع الخدّ الآخر لمن لطمه ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه . هذا له من جهة أمّه إذ المرأة لها السّفل ، فلها التّواضع لأنّها تحت الرّجل حكما وحسّا .  وما كان فيه من قوّة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبرئيل في صورة البشر فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر . ولو لم يأت جبرئيل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصريّة من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى عليه السّلام لا يحيي الموتى إلّا حين يتلبّس بتلك الصّورة ويظهر فيها . )
 
قال رضي الله عنه :  (وخرج عيسى) عليه السلام فيه شبهان : شبه بأمه مريم عليها السلام وشبه بأبيه جبريل عليه السلام وهو البشر السوي وإن كان لا يسمى أباه ، لأن اجتماعه بمريم لا على وجه اجتماع الزوجين ، ولا كان حملها منه بإيلاج الذكر ، وإنما هو نفخ في الفم ، وهي عذراء بكر على ما هي عليه ، فكان عيسى عليه السلام (من التواضع) الذي في أخلاقه المرضية (إلى أن شرّع) بالبناء للمفعول .
 
أي شرع اللّه تعالى في ملتنا المحمدية (لأمته) عليه السلام وهم النصارى الزاعمون بقاء ملته وعدم نسخ أحكام التوراة والإنجيل ، فجاء في ملتنا المحمدية الناسخة لجميع الملل والأديان إبقاؤهم على ما يزعمون وإقرارهم على ما في دينهم بالجزية في أموالهم والخراج في أراضيهم حتى ينزل هو عليه السلام من السماء ، فيكذبهم فيما هم فيه ، ويلزمهم باتباع شريعتنا هذه المحمدية ، فيقتلهم أو ليسلموا والذي شرع أن يعطوا الجزية في أموالهم عن يد وهم صاغرون .
أي متذللون كما قال تعالى : " قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ "( 29 ) [ التوبة : 29 ] .
 
وهذا حكمهم في شريعتنا بسبب زعمهم البقاء على ملته واستقرارهم على متابعته ، فاقتضى تواضعه أن يكون من يزعم أنه متابع له قائما في هذه الذلة والصغار وبذل المال .
 
قال رضي الله عنه :  (وأن أحدهم) ، أي الواحد منهم معطوف على أن شرع ، أي خرج من التواضع إلى أن الواحد منهم ، أي من أمته شرع له في ملتهم المنسوخة إذا لطم ، أي لطمه أحد من الناس (في خده وضع الخدّ الآخر لمن لطمه ، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه) ، أي في مقابلة فعله معه هذا الأمر له ، أي لعيسى عليه السلام من جهة شبه أمه مريم عليها السلام إذ ، أي لأن مطلق المرأة لها السفل من الرجل فلها التواضع خلقة لأنها تحت الرجل حيث خلقت منه فهي متواضعة له فأسفل مرتبتها حكما شرعيا . قال تعالى :" وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ "[ البقرة : 228 ] وقال عليه السلام : « أخروهن من حيث أخرهن اللّه » وحسا لنقصانها عنه عقلا كما ورد : أنهن أنقص عقلا ودينا تمكث إحداهن شطر عمرها من غير صلاة .
 
وقال تعالى :" الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ" [ النساء : 34 ] الآية .
(وما كان فيه) ، أي في عيسى عليه السلام (من قوة الإحياء) للموتى (والإبراء) للأكمه والأبرص (فمن جهة) شبه الملك النافخ في أمه حتى حملت به ووضعته لأنه متكوّن من (نفخ جبريل) عليه السلام حين جاء إلى مريم (في صورة البشر) السوي (فكان عيسى) عليه السلام لأجل ذلك يحيي الموتى بصورة البشر التي هو مخلوق عليها مشابهة لصورة البشر السوي التي جاء بها جبريل إلى مريم عليها السلام حين النفخ فيها ولو لم يأت جبريل عليه السلام إلى مريم عليها السلام في صورة البشر السوي ولكن أتى إليها في صورة أخرى غيرها من صورة الأكوان العنصرية .
أي المركبة من العناصر الأربعة التراب والماء والهواء والنار من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى عليه السلام لا يحيي الموتى وكذلك لا يبرئ الأكمه والأبرص إلا حتى يتلبس بتلك الصورة التي جاء بها جبريل إلى أمه عليها السلام ويظهر متمثلا فيها حتى يكون على صورة أبيه وطبيعته المقتضية لنفخ الروح والسر السبوحي .
 
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).
 
قال رضي الله عنه :  ( وخرج عيسى عليه السلام من التواضع إلى أن شرّع ) بتشديد الراء ( لامته ) فسرى ذلك التواضع الحاصل لعيسى عليه السلام من جهة أمّه إلى ( أن يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)  أي متذللون متواضعون جاعلون لأنفسهم حقيرا ذليلا منقادا .
 
قال رضي الله عنه :  ( وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن يلطمه ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه هذا له ) أي هذا التواضع حاصل لعيسى عليه السلام ( من جهة أمّه إذ المرأة لها السفل ) في الحقيقة ( فلها التواضع في الصورة لأنها تحت الرجل حكما ) كما في قوله تعالىالرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ.
 
قال رضي الله عنه :  ( وحسا ) كما في التصرف فما كان فيه وأمته من الضعف فهو من جهة أمّه ( وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبرائيل عليه السلام في صورة البشر فكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى بصورة البشر ) من أجل ذلك .
قال رضي الله عنه :  ( ولو لم يأت جبرائيل عليه السلام في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى عليه السلام لا يحيي الموتى إلا حين يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها ).


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).


قال رضي الله عنه : (وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه. هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.  وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.  ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
 قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).


قال رضي الله عنه : ( وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرّع لأمّته أن " يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ " وأنّ أحدهم إذا لطم في خدّه وضع الخدّ الآخر أن يلطمه ، ولا يرتفع عليه ، ولا يطلب القصاص منه ، هذا له من جهة أمّه ، إذ المرأة لها السفل ، فلها التواضع ، لأنّها تحت الرجل حكما وحسّا ) .
يعني رضي الله عنه : بقوله : « حكما » ما قال الله تعالى : " الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ
وقوله " لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " و " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ " وغير ذلك .
قلت : وأمّا حسّا فظاهر .
 
قال رضي الله عنه : ( وما كان فيه من قوّة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبرئيل في صورة البشر  فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر ، ولو لم يأت جبرئيل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها  من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد ، لكان عيسى عليه السّلام لا يحيي الموتى إلَّا حين يتلبّس بتلك الصورة )
يشير ضي الله عنه : فيما سردنا وأوردنا من نصّ الفصّ إلى أنّ الإحياء والإبراء من خصائص الأرواح ، لكونها جملة أسماء اللاهوت ، وإحياء عيسى لما أحياء من جهة جبرئيل الأمين ، فإنّ الحياة للأرواح ذاتية ، فإنّها أنفاس رحمانية ، وإحياء عيسى وغيره ممّن أحيا فمن الروح الأمين أو غيره ، فلا يكون الإحياء منه إلَّا إذا كان عيسى على تلك الصورة التي كان عليها جبرئيل حين تمثّل لإلقاء الكلمة إلى مريم .
 
وفيما ذكر رضي الله عنه : إشارة أيضا إلى أنّ جبرئيل سلطان العناصر ، وأنّ له أن يظهر في السماوات السبع وما تحتها من العنصريات والعناصر لأهلها بأيّ صورة شاء من صور العنصريات بحسب الموطن والمقام والمناسبة واستعداد من ظهر له ، وأنّ صورته الأصلية غير عنصرية ، بل طبيعية نورية ما بين الثامن والسابع ، وأنّه ليس له أن يخرج عن هذه الطبيعة التي هي له بالأصالة إلى ما فوقها إلَّا أن يشاء الله ، فهو لا يتعدّى سدرة المنتهى .
فلو كان تمثّل جبرئيل عند النفخ في صورة عنصر أو عنصرين ، لما كان الإحياء من عيسى إلَّا بعد ظهوره بتلك الصورة ، ولو كان جبرئيل إذ ذاك في صورته الأصلية الطبيعية النورية ،
 


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).


قال رضي الله عنه :  (وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن يلطمه ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه ، هذا له من جهة أمه إذ المرأة لها السفل فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا )
لما كان ماء المرأة محققا كان الغالب على أحواله الجسمانية الخصال الانفعالية واللين لما في الإناث من السفل حكما لقوله – " الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ " - وقوله – " لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " - و – " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ " - وشهادة امرأتين بشهادة رجل واحد وحسا ظاهر.
 
قال رضي الله عنه :  ( وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر فكان عيسى يحيى الموتى بصورة البشر ، ولو لم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد كان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها )
 
لما كان الإحياء والإبراء من خصائص الأرواح ، لأن الحياة لها ذاتية كانت له خاصية الإحياء من جهة جبريل ، فكان عيسى ينتسب إليه في تلك الخاصية على الصورة التي تمثل بها عند النفخ وإلقاء الكلمة إلى مريم ، لأنه عليه السلام نتيجة تلك الصورة ولهذا يغلب على الولد ما يغلب على الوالد من الأخلاق والهيئات النفسانية حين ينفصل عنه مادة الولد ، ولو أتى بصورة غير الصورة البشرية لما قدر عيسى على الإحياء إلا في تلك الصورة سواء كانت عنصرية عارضية مما له عليها حكم وسلطنة أو نورية طبيعية له .
"" أضاف بالي زادة : ( فكان يقال فيه ) حين تلبسه بالصورتين عند إحيائه الموتى ( هو ) من حيث تلبسه بالصورة البشرية ( لا هو ) من حيث تلبسه بالصورة النورية اهـ بالى . ""


ومعنى قوله : إذ لا يخرج عن طبيعته أنه لا يتجاوز عن صورته النورية الطبيعية إلى ما فوقه ، لأن التمثل بصورة ما تحت قهره وسلطنته في قوته ومنعته كما في صورة العنصريات ، وفيه إشارة إلى أن جبريل سلطان العناصر .
وعلى الأصل الذي قررناه فله أن يتمثل بصورة ما في حيز الفلك السابع وجميع ما تحته ، وليس في قوته أن يتمثل في صورة ما فوق السدرة .
 
هذا على ما ذكره الشيخ قدس سره : وعندي أن جبريل لو لم يتمثل بصورة البشر لم يتولد عيسى من ماء مريم ونفخه لعدم الجنسية بينه وبين مريم ، ولم تسر الشهوة فيها فضلا عن عدم قدرته على الإحياء في تلك الصورة ويعضد ما قلناه قوله : على تقدير تمثل جبريل عن إلقاء الكلمة إليها في الصورة النورية لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية مع الصورة البشرية من جهة أمه .
 
وذلك لأن النسبتين يجب كونهما محفوظين فيه عند فعله فكذا يجب حفظ النسبة بين أصليهما في تكونه ، ولو كان عيسى عند الإحياء متمثلا في الصورة النورية الجبريلية مع الصورة البشرية لما في سنخه لكان متحولا عن الطينة البشرية إلى الجوهر النوري ، ولكان يقال فيه إنه عيسى بحسب الهيئة البشرية ليس بعيسى بحسب الجوهر النوري ، فتقع فيه الحيرة من الناظرين ولم تتحقق فائدة الإعجاز
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).
 
قال رضي الله عنه :  (وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن " يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " ، وأن أحدهم إذا لطم في خده ، وضع الخد الآخر لمن يلطمه ، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه . هذا له من جهة أمه ، إذ المرأة لها السفل ، فلها التواضع ، لأنها تحت الرجل حكما وحسا.)
إنما قال : ( شرع لأمته ) على صيغة الماضي ، والمشرع لها رسول الله ، عليه السلام ، لأنه حين نزوله من السماء لا بد أن يقرر أمر الجزية ، كما شرع عليهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فهو بمعنى المضارع .
ومثله قوله تعالى : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) . أي ، ينادى في الآخرة . وذلك لأن ما هو ثابت في علم الله لا بد أن يكون ، فهو بمنزلة ما كان وتحقق .
 
وفيه سر آخر يظهر لمن عرف أحوال الكمل ودرجاتهم . والمراد أنه لما كان عيسى ، عليه السلام ، من ماء مريم ، وهي الجهة المتحققة في أصل خلقته ، خرج في غاية التواضع إلى أن يشرع لأمته ، أي ، تقرر حكم الشريعة المحمدية لأمته عند نزوله أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون متواضعون جاعلون لأنفسهم حقيرا منقادا ، كما قرر لأمته أنه إذا لطم أحدهم في خده ، يدير الخد الآخر ليلطمه ، و لا يطلب الارتفاع على اللاطم ولا القصاص منه ، لأن المرأة تحت الرجل ( حكما ) .
كما قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء وللرجال عليهن درجة وللذكر مثل حظ الأنثيين ) . و ( حسا ) كما يتصرف الرجل فيها تصرف الملاك في أملاكهم ، فسرى أحكامها في ابنها وأمته  
 
قال رضي الله عنه :  ( وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء، فمن جهة نفخ جبرئيل في صورة البشر، فكان عيسى يحيى الموتى بصورة البشر . ).
أي ، قوة الإحياء والإبراء التي كانت في عيسى ، عليه السلام ، هي مستفاد من نفخ جبرئيل في مريم ، عليها سلام الله ، حين تمثل في صورة البشر ، كما استفاد التواضع من مريم ، فإن الهيئات الغالبة على نفوس الوالدين حال اجتماعهما مؤثرة في نفس الولد وسارية فيها .
فكذلك ظهر عيسى بحيث يحيى الموتى وتبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، كما ظهر
من جهة أمه متواضعا .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولو لم يأت جبرئيل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية ، من حيوان أو نبات أو جماد ، لكان عيسى ، عليه السلام ، لا يحيى الموتى إلا حين يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها . )
أي ، ولو أتى جبرئيل على صورة غير الصور الإنسانية ، لكان عيسى يظهر بتلك الصورة ، إذ الولد أكثر مشابهة لوالده من غيره .

أو حين الإحياء ، كما يظهر بتلك الصورة ، ليؤثر ويتصرف في غيره ، لأن للصورة أيضا مدخلا في العلية . لذلك يخلق من نطفة الإنسان من هو على صورته ، ومن نطفة الحمار ما هو على صورته . فيتحفظ صور الأنواع بمراعاة الصور .

.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 23:09 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السابعة : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).
 
قال رضي الله عنه :  (وخرج عيسى من التّواضع إلى أن شرّع لأمّته أنيُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [ التوبة : 29 ] ، وأنّ أحدهم إذا لطم في خدّه وضع الخدّ الآخر لمن لطمه ، ولا يرتفع عليه ، ولا يطلب القصاص منه ، هذا له من جهة أمّه إذ المرأة لها السّفل ، فلها التّواضع لأنّها تحت الرّجل حكما وحسّا ، وما كان فيه من قوّة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبرائيل في صورة البشر ، فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر . ولو لم يأت جبرائيل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصريّة من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى عليه السّلام لا يحيي الموتى إلّا حين يتلبّس بتلك الصّورة ويظهر فيها ،)
 
ثم أشار إلى أن ظهور التكوين كيف يكون في الواقع من مظهره ، وقد ذكرنا أن ظهوره من أمه ، ومقتضى ذلك العجز ، ومقتضى هذه الأفعال كمال القدرة ، بل عام منشأ هذا الإظهار ظهوره عن صورة جبريل ؛ فقال : ( وخرج عيسى عليه السّلام من التواضع ) جدّا ( إلى أن أشرع لأمته ) إذا عجزوا عن إقامة دينهم قبل نسخه إلا بالقتال أو إعطاء الجزية ( أنيُعْطُوا الْجِزْيَةَ [ التوبة : 29 ] ) .
وإن قدروا على القتال بلا ذلة وصغار"عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ" [ التوبة : 29 ] ، وإلى أن شرع لهم ( أن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن يلطمه ، ولا يرتفع عليه ) بابا فضلا عن طلب الجزاء ، وشرع لهم ( ألا يطلب أحدهم القصاص منه ) أي : من قاتل مورثه ( هذا ) الذي شرع لأمته ثابت ( له ) أولا ( من جهة أمه ) ، وإنما شرع لأتباعه لاكتسابهم استعداد ذلك بمتابعته ، فأنى يكون له من هذه الجهة قوة الإحياء والإبراء .
 
قال رضي الله عنه :  ( إذ المرأة لها ) بالطبع ( السّفل ) الموجب للعجز والتذلل ؛ ( لأنها تحت الرجل حكما ) أي : في الحكم الشرعي ، إذ له الولاية عليها شرعا ( وحسّا ) ؛ لافتقادها إليه في تحصيل المصالح ودفع المضار ، وعلى هذا ( ما كان فيه من قوة ) إظهار ( الإحياء ) أي :
إحياء الطير والموتى ، ( والإبراء ) أي : قوة إظهار وإبراء الأكمه والأبرص الكائنين عن نفخه
ونفسه ، ( فمن جهة نفخ جبريل ) روحه ، وإن كان من اللّه ، فإنما يناسب تكوين ذلك لا ظهوره ، لكن نسبة التكوين إليه أمر متوهم نعم حصول قوة الإحياء له من غير نظر إلى تكوينه أو ظهوره يناسب كونه من اللّه ، وهو المراد بما سبق ، وكان مقتضى هذا أن يكون عند إظهار الإحياء والإبراء على أي صورة تلبس بها جبريل من غير اختصاص بالصورة البشرية إلا أنه اختص بها .
لأن جبريل كان عند النفخ ( في صورة البشر ، فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر ) ؛ لأن نفخه ونفسه صريح نفخ جبريل ، وهذه الصورة ، وإن كانت له باعتبار التخيل والتوهم ؛ فهذا القدر كاف في التأثير المذكور ، وإن كانت لم تتم باعتبار التحقيق ، فليس لها باعتبار كونها امرأة بل لها من حيث كونها إنسانا دلائل منها العجز والذلة من هذه الجهة .
قال رضي الله عنه :  ( ولو لم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة ) غيرها ، فلو أتى في صورة ( الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد ) أشار باستيفاء هذه الصور إلى أن نفخه لم يكن باعتبار الصورة ، إذ لا يأتي من الجماد والنبات ، بل من الجهة الملكية إلا أنه خص بالصورة البشرية لهذه النكتة التي هو بضدها .
 
أعني قوله : ( لكان عيسى عليه السّلام لا يحيي الموتى ) ، ولا يبرئ الأكمه والأبرص ( إلا حين يتلبس بتلك الصورة في نفسه ويظهر فيها ) لعين غيره اعتبرهما جميعا ؛ ليخالف ظهور العبد بصورة غير في نظر العين من غير تلبس بها ، لكنه يلزم بهذا التلبس اجتماع صورتين مختلفتين فيه .
إذ ظهوره بصورة البشر من جهة أمه ، وهو أمر محقق لا يمكن زواله بالأمر المتوهم الذي هو تصور جبريل بصورة البشر.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).
 
ما ظهر من عيسى من جهة انتسابه إلى مريم ونفخ جبرئيل عليه السّلام
إنّ سائر ما يظهر من عيسى من جلائل الأحوال وكرائم الأخلاق كلَّها ، إمّا أن يكون محقّقا من جهة مريم - من الأوصاف العبديّة الخلقيّة - وإمّا مقدّرا من جهة جبرئيل وروحانيّته المعنويّة من الله من الأوصاف الإلهيّة ( و ) من ذلك أنه :
قال رضي الله عنه :  ( خرج عيسى من التواضع ، إلى أن شرع لامّته أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ،وأنّ أحدهم إذا لطم في خدّه وضع الخدّ الآخر لمن لطمه )
 أي لا يكون في صدد الانتقام .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولا يرتفع عليه ، ولا يطلب القصاص منه - هذا له من جهة امّه ، إذ المرأة لها السفل ، فلها التواضع ، لأنها تحت الرجل حكما).
أي من حيث المرتبة والشرف ، ولذلك ترى نصيبه ضعف نصيبها في قوله : " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ " [ 4 / 11 ] وشهادة اثنين منها بشهادة واحد منه ، ( وحسّا ) أي من حيث الوجود واقتضاء أصل الطبيعة ، ووضع الجزية صورة التحتيّة الحكميّة ، كما أنّ احتمال اللطم صورة التحتيّة الحسّية ، هذا ما له من جهة امّه .
وفيه تلويح أنّ الأوضاع المشروعة لامّته ما له من جهة امّه .
قال رضي الله عنه : (وما كان فيه من قوّة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبرئيل عليه السّلام في صورة البشر ) . وأنت عرفت أن من شأن الحكم الإلهي واقتضاء الوجوب ظهور الأثر بصورة مؤثّره ، وتكوّن الولد على هيئة والده ، ولذلك لما أتى جبرئيل عند النفخ بصورة البشر .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر ، ولو لم يأت جبرئيل بصورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصريّة - من حيوان أو نبات أو جماد - لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حين يتلبّس بتلك الصورة ويظهر فيها ،) لا الطبيعة.
 
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. ).
 
قال رضي الله عنه :  (وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه. هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.)
 
قال رضي الله عنه :  ( وخرج عيسى ) ، أي ظهر ( من التواضع إلى أن شرع ) على بناء الفاعل ، أي شرع عيسى ( لأمته أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) متواضعون عاجلون لأنفسهم حقيرا منقادا ( وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر ) وأداره ( لمن يطلمه ) ، أي لا يكون بصدد الانتقام ( ولا يرتفع عليه ) ، أي على اللاطم ( ولا يطلب القصاص منه هذا له من جهة أمه إذ المرأة لها السفل فلها التواضع ) .
وإنما قلنا : المرأة لها السفل ( لأنها تحت الرجل حكما ) ، أي أدون منه في الأحكام الشرعية وغيرها ولذلك ترى جعل نصيبه ضعف نصيبها في قوله :"لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ"[ البقرة : 11 ] وشهادة اثنين منها بشهادة واحد منه ( وحسا ) ، وهو ظاهر
 
قال رضي الله عنه : (وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.  فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر. ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وما كان فيه )، أي في عيسى ( من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل ) عليه السلام حال كونه متمثلا ( في صورة البشر فكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى ) حين تلبسه ( بصورة البشر ولو لم يأت جبريل ) حين النفخ في مريم ( في صورة البشر وأتى في صورة غيرهما من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حين يتلبس بتلك الصورة ) .
أي تمثل تلك الصورة التي أتى فيها جبريل ( ويظهر فيها ) ولكن مع الصورة البشرية من جهة أمه فتلبس عيسى بتلك الصورة إنما يجب بقدر ما يمكن أن يجتمع مع الصورة البشرية .
وذلك لأن ظهور خواص الوالدين وأحكامهما في الولد إنما هو بحسب تكونه على صورتهما ، أي أن البغل المتولد من الفرس والحمار إنما تجري عليه أحكام الفرس من حسن الجري وشدة العدو ولما فيه من الصورة الفرسية .
وكذلك خواص الحمار توجد فيه لما فيه من صورة الحمارية.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 16 ديسمبر 2019 - 13:37 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثامنة الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثامنة : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).


قال رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبرئيل بصورته النّوريّة الخارجة عن العناصر والأركان - إذ لا يخرج عن طبيعته - لكان عيسى لا يحيي الموتى إلّا حين يظهر في تلك الصّورة الطبيعيّة النّوريّة لا العنصريّة مع الصّورة البشريّة من جهة أمّه فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو .  وتقع الحيرة في النّظر إليه كما وقعت في العاقل عند النّظر الفكريّ إذا رأى شخصا بشريّا من البشر يحيي الموتى ، وهو من الخصائص الإلهيّة ، إحياء النّطق لا إحياء الحيوان بقي النّاظر حائرا ، إذ يرى الصّورة بشرا بالأثر الإلهي . فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول ، وأنّه هو اللّه بما أحيا به الموتى ، ولذلك نسبوا إلى الكفر وهو السّتر لأنّهم ستروا اللّه الّذي أحيا الموتى بصورة بشريّة عيسى) .
 
فقال تعالى :" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " [ المائدة : 17 ] فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كلّه لا بقولهم هو اللّه ولا بقولهم ابن مريم .
ولو أتى جبريل إلى مريم عليها السلام بصورته النورية التي خلقه اللّه تعالى عليها الخارجة عن العناصر الأربعة والأركان التي لا بد لكل مولد من المركبات الجسمانية أن يكون مستمدا منها إذ ، أي لأنه يعني جبريل عليه السلام لا يخرج عن طبيعته التي هو مركب الصورة منها .
وهي منقسمة إلى أربعة أقسام نظير العناصر الأربعة والأركان الأربعة ، وهي :
1 - الحرارة
2 - والبرودة
3 -  والرطوبة
4 - واليبوسة .
وأرواح الملائكة العلوية عليهم السلام منفوخة في صور جسمانية لطيفة طبيعية مركبة من هذه الطبائع الأربع المذكورة من العناصر (لكان عيسى) عليه السلام (لا يحيي الموتى) ولا يبرئ الأكمه والأبرص ولا يخلق الطير من الطين أيضا (إلا حين "حتى" يظهر في تلك الصورة) الملكية الجبريلية (الطبيعة النورية لا العنصرية مع) ظهوره أيضا في الصورة البشرية الإنسانية العنصرية من جهة أمه مريم عليها السلام .
لأنه متولد عن هاتين الصورتين حينئذ الصورة الطبيعية الملكية والصورة العنصرية الإنسانية (فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى) وإبراء الأكمه والأبرص حيث يظهر في الصورتين معا فيكون ملكا بشرا (هو) .
أي عيسى عليه السلام من حيث الصورة البشرية ، لأنه بشر ابن مريم عليها السلام (لا هو) عيسى عليه السلام ، لأنه في الصورة الطبيعية الملكية ، لأنه ملك من نفخ جبريل عليه السلام .
(وتقع الحيرة) حينئذ عند العقلاء (في النظر إليه) ، لأنهم يرون بشرا يفعل فعل ملك فيقولون بشر للصورة ، ويقولون ملك للفعل ، كما قالت النسوة المفتتنات بيوسف عليه السلام عنه من فرط حسنه وجماله .
 
وحكى تعالى ذلك حيث قال : " فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " [ يوسف : 31 ] .
(كما وقعت) ، أي الحيرة (في) الإنسان (العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا )، أي من البشر يحيي الموتى وهو ، أي إحياء الموتى من جملة الخصائص الإلهية إحياء النطق الإنساني ، لأنه أبلغ لكمال الحيوان الناطق لا إحياء مطلق الحيوان من غير نطق كإحياء أبي يزيد رضي اللّه عنه النملة .
وإحياء شيخنا الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي اللّه عنه الهرة وكان اسمها لؤلؤة ، وقد ماتت وألقيت على المزبلة فناداها لؤلؤة ، فجاءت مسرعة إليه .
والملا عبد الرحمن الجامي قدس اللّه سره أحيا الدجاجة التي وضعها السلطان مطبوخة قدامه وهي ميتة لا مذبوحة امتحانا له ، فصفق بيديه حتى قامت من الصحن مسرعة .
ومثل هذا الأمر لا يوقع حيرة بل كرامة عند الناظرين ، وإنما الحيرة في إحياء إنسان ، فإنه إذا صار من أحد.
 
قال رضي الله عنه :  (بقي الناظر) إلى ذلك (حائرا) فيه إذ يرى الصورة من ذلك الشخص الذي صدر منه إحياء الميت بشرا وهو مع ذلك ظاهر (بالأثر الإلهي) " والأثر إلهيا " .
الذي هو مخصوص به سبحانه وهو إحياء الموتى فأدى ، أي أوصل هذا الأمر بعضهم ، أي بعض العقلاء فيه ، أي في حق ذلك الشخص الذي أحيا الميت (إلى القول بالحلول) أي حلول اللّه تعالى المخصوص بإحياء الموتى في ذلك الشخص .
 كما قالته طائفة من النصارى في عيسى عليه السلام وفي رهابينهم وقسيسهم .
وتبعتهم الرافضية في علي وأولاده رضي اللّه عنهم .
والدروز والتيامنة والنصيرية في الحاكم بأمر اللّه وفي عقلائهم ، والباطنية في كل شيء ، وهو كفر صريح كما أوضحوا رده في علم الكلام .
 
وقد رميت به المحققون من أهل اللّه تعالى عند من لا خلاق له من جهلة العلماء الذين لا يعرفون اصطلاح الشرع في الكتاب والسنة .
ويعدلون عنه إلى اصطلاح آخر درج عليه أهل الكلام وأدى ذلك أيضا بعضهم وهم طائفة من النصارى أيضا إلى القول في عيسى عليه السلام أنه هو اللّه تعالى بما أحيا به من الموت وذلك مخصوص باللّه تعالى لا يقدر عليه غيره سبحانه ولذلك ، أي لأجل ما صدر منهم من القول المذكور نسبوا في شرعنا المحمدي إلى الكفر كما يأتي .
 
وهو ، أي الكفر معناه الستر لأنهم ، أي القائلين بذلك ستروا اللّه تعالى الذي أحيا الموتى وهو متجل عند الناظرين بصورة بشرية عيسى عليه السلام كما هو متجل بصورة روحانية عنده فقال اللّه تعالى :" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " [ المائدة : 17 ] .
 
وهم النصارى قالوا ذلك من جهلهم بما الأمر عليه في نفسه فجمعوا بين الخطأ بترك ما هو الصواب والكفر في الدين في تمام الكلام الذي قالوه كله وهو قولهم :إ" ِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " ، لا جمعوا بين الخطأ والكفر بقولهم : "هُوَ، أي عيسى عليه السلام اللَّهَ من حيث إنه تعالى متجل بالصورة العيسوية بسبب أنه قيوم عليها إلا أنها مخلوقة له لا بالحلول ولا الاتحاد ولا الانحلال .
 
واللّه تعالى يتجلى في أي صورة شاء في الدنيا والآخرة من غير أن يتغير عن إطلاقه الحقيقي وتنزيهه الذاتي عن مشابهة كل شيء لما ظهر لموسى عليه السلام في صورة النار والشجر "فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى( 11 ) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ " [ طه : 11 - 12 ] .
وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « رأيت ربي في أحسن صورة » . رواه الدارمي والطبري
وقال صلى الله عليه وسلم  : "  ويتحوّل يوم القيامة في الصور لأهل المحشر "  .
كما ورد في حديث مسلم ولا بقولهم أيضا هُوَعيسى عليه السلام ابْنُ مَرْيَمَ، لأنه ابن مريم من غير شبهة .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
 
قال رضي الله عنه :  (ولو أتى جبرائيل عليه السلام بصورته النورية الخارجية عن العناصر ) والسماوات فإن كلها عنصرية .
 
قال رضي الله عنه :  ( والأركان إذ ) أي حيث ( لا يخرج عن ) صورة ( طبيعية ) النورية ( لكان عيسى عليه السلام لا يحيي الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمّه فكان يقال فيه ) أي في حق عيسى عليه السلام حين تلبسه بالصورتين ( عند إحيائه الموتى هو ) من حيث تلبسه بالصورة البشرية ( لا هو )  من حيث تلبسه بالصورة النورية .
 
قال رضي الله عنه :  ( وتقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا سويا من البشر يحيي الموتى وهو ) أي إحياء الموتى ( من الخصائص الإلهية إحياء النطق ) أي يحيي الإنسان الميت ناطقا لعيسى عليه السلام مجيبا لدعوته فكان الأحياء مع النطق .
قال رضي الله عنه :  ( لا احياء الحيوان ) أي لا الإحياء الذي يتحرك الميت ويقوم من قبره بدون النطق إذ لو كان كذلك لم يكن معجزة فلما أحيى سام فقام وشهد نبوته ثم رجع إلى أول حاله تحيروا فيه فاختلفوا على حسب مظهر نظرهم ( بقي الناظر حائرا إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي فأدّى ) نظر ( بعضهم فيه ) أي في حق عيسى عليه السلام ( إلى القول بالحلول ) .
 
يعني قال بعضهم من النصارى أن اللّه تعالى حل عيسى عليه السلام فأحيا الموتى ( وأنه ) أي وبعد قولهم بالحلول قال ذلك البعض أن عيسى ( هو اللّه بما ) أي بسبب الذي ( أحيا به الموتى ) وهو قوله : قمبِإِذْنِ اللَّهِ ( ولذلك ) أي ولأجل أن بعضهم قالوا إن اللّه حل في صورة عيسى عليه السلام وأن عيسى عليه السلام هو اللّه ( نسبوا إلى الكفر وهو الستر لأنهم ستروا اللّه الذي أحيا الموتى ) قوله ( بصورة بشرية ) تنازع فيه ستروا وأحيا فأيهما عمل حذف مفعول الآخر ( عيسى ) عليه السلام بيان لصورة بشرية .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).


قال رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.  فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
 
قال رضي الله عنه :  (ولو أتى جبرئيل في صورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان - إذ لا يخرج عن طبيعته - لكان عيسى لا يحيي الموتى إلَّا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمّه ، فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى : « هو لا هو » وتقع الحيرة في النظر إليه ) .
 
يشير ضي الله عنه : فيما سردنا وأوردنا من نصّ الفصّ إلى أنّ الإحياء والإبراء من خصائص الأرواح ، لكونها جملة أسماء اللاهوت ، وإحياء عيسى لما أحياء من جهة جبرئيل الأمين ، فإنّ الحياة للأرواح ذاتية ، فإنّها أنفاس رحمانية ، وإحياء عيسى وغيره ممّن أحيا فمن الروح الأمين أو غيره ، فلا يكون الإحياء منه إلَّا إذا كان عيسى على تلك الصورة التي كان عليها جبرئيل حين تمثّل لإلقاء الكلمة إلى مريم .
وفيما ذكر رضي الله عنه : إشارة أيضا إلى أنّ جبرئيل سلطان العناصر ، وأنّ له أن يظهر في السماوات السبع وما تحتها من العنصريات والعناصر لأهلها بأيّ صورة شاء من صور العنصريات بحسب الموطن والمقام والمناسبة واستعداد من ظهر له ، وأنّ صورته الأصلية غير عنصرية ، بل طبيعية نورية ما بين الثامن والسابع ، وأنّه ليس له أن يخرج عن هذه الطبيعة التي هي له بالأصالة إلى ما فوقها إلَّا أن يشاء الله ، فهو لا يتعدّى سدرة المنتهى .
فلو كان تمثّل جبرئيل عند النفخ في صورة عنصر أو عنصرين ، لما كان الإحياء من عيسى إلَّا بعد ظهوره بتلك الصورة ، ولو كان جبرئيل إذ ذاك في صورته الأصلية الطبيعية النورية ، لكان الحكم كالحكم في الواقع ، فلم يكن يحيي عيسى إلَّا إذا ظهر في صورة جبرئيل الأصلية مع جمعه بين ذلك وبين صورته البشرية من جهة أمّه ، إذ لا يخرج على كل حال عن صورته الأصلية وطبيعته ، فلا بدّ له من الظهور بصورة أصله من جهة جبرئيل ومن جهة أمّه ، حتى لا يخرج بالكلَّية عن طبيعته وصورته الإنسانية .
فيقال فيه :
« هو لا هو » وفات المراد المطلوب وهو إحياؤه وإبراؤه في صورة بشرية ، وإلَّا لكان إحياء عيسى على ذلك التقدير في تلك الصورة الجبرئيلية مع الصورة البشرية ، فيراه الرائي متحوّلا من صورته العيسوية إلى صورته الجبرئيلية ووقعت الحيرة .
 
قال رضي الله عنه : ( كما وقعت في العاقل عند النظر الفكريّ ، إذا رأى شخصا بشريّا من البشر يحيي الموتى - وهو من الخصائص الإلهية - إحياء النطق لا إحياء الحيوان ، بقي الناظر حائرا ، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر إلهيا ) .
يعني رضي الله عنه : كان يحيي بالنطق ، فيقول : قم حيّا بالله أو بإذن الله أو باسم الله ، فتخرج الموتى بالنطق والدعاء ، فتجيبه فيما كلَّمها به نطقا ، لا إحياء الحيوان الذي يبقى حيّا عمرا على ما نقل في قصّة أنّه أحيا بنطقه سام بن نوح عليه السّلام فشهد بنبوّته ، ثمّ ترجّع على حالته .
 
قال رضي الله عنه : ( فأدّى بعضهم فيه) أي عند إحيائه الموتى
( إلى القول بالحلول ) يعني نسبوا الإحياء إلى الله حال حلوله في صورة عيسى
( وأنّه هو الله بما أحيا به الموتى ، ولذلك نسبوا إلى الكفر وهو الستر ، لأنّهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى ).


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
 
قال رضي الله عنه :  (ولو أتى جبريل بالصور النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو ، وتقع الحيرة في النظر إليه ) .
لما كان الإحياء والإبراء من خصائص الأرواح ، لأن الحياة لها ذاتية كانت له خاصية الإحياء من جهة جبريل ، فكان عيسى ينتسب إليه في تلك الخاصية على الصورة التي تمثل بها عند النفخ وإلقاء الكلمة إلى مريم ، لأنه عليه السلام نتيجة تلك الصورة ولهذا يغلب على الولد ما يغلب على الوالد من الأخلاق والهيئات النفسانية حين ينفصل عنه مادة الولد ، ولو أتى بصورة غير الصورة البشرية لما قدر عيسى على الإحياء إلا في تلك الصورة سواء كانت عنصرية عارضية مما له عليها حكم وسلطنة أو نورية طبيعية له .
"" أضاف بالي زادة : ( فكان يقال فيه ) حين تلبسه بالصورتين عند إحيائه الموتى ( هو ) من حيث تلبسه بالصورة البشرية ( لا هو ) من حيث تلبسه بالصورة النورية اهـ بالى . ""
 
ومعنى قوله رضي الله عنه  : إذ لا يخرج عن طبيعته أنه لا يتجاوز عن صورته النورية الطبيعية إلى ما فوقه ، لأن التمثل بصورة ما تحت قهره وسلطنته في قوته ومنعته كما في صورة العنصريات ، وفيه إشارة إلى أن جبريل سلطان العناصر .
وعلى الأصل الذي قررناه فله أن يتمثل بصورة ما في حيز الفلك السابع وجميع ما تحته ، وليس في قوته أن يتمثل في صورة ما فوق السدرة .
 
هذا على ما ذكره الشيخ قدس سره : وعندي أن جبريل لو لم يتمثل بصورة البشر لم يتولد عيسى من ماء مريم ونفخه لعدم الجنسية بينه وبين مريم ، ولم تسر الشهوة فيها فضلا عن عدم قدرته على الإحياء في تلك الصورة ويعضد ما قلناه قوله : على تقدير تمثل جبريل عن إلقاء الكلمة إليها في الصورة النورية لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية مع الصورة البشرية من جهة أمه .
وذلك لأن النسبتين يجب كونهما محفوظين فيه عند فعله فكذا يجب حفظ النسبة بين أصليهما في تكونه ، ولو كان عيسى عند الإحياء متمثلا في الصورة النورية الجبريلية مع الصورة البشرية لما في سنخه لكان متحولا عن الطينة البشرية إلى الجوهر النوري ، ولكان يقال فيه إنه عيسى بحسب الهيئة البشرية ليس بعيسى بحسب الجوهر النوري ، فتقع فيه الحيرة من الناظرين ولم تتحقق فائدة الإعجاز
 
قال رضي الله عنه :  ( كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا يحيى الموتى ، وهو من الخصائص الإلهية إحياء النطق لا إحياء الحيوان ، بقي الناظر حائرا إذ يرى الصورة بشرا للأثر الإلهي ).
أي لكانت الحيرة واقعة في أنه عيسى أوليس عيسى كما وقعت ، مع كونه غير متحرك لا في صورته ولا في طينته من العقلاء بحسب النظر الفكري ، حين رأوا شخصا بشريا لا شك فيه صدر عنه خاصية إلهية هي إحياء الموتى إحياء النطق والدعاء ، يعنى إحياء بالنطق والدعاء ، فكان يقول : قم حيا بإذن الله أو باسم الله أو باللَّه ، فيحيا ويجيبه فيما كلمه به ويقول لبيك إذا دعاه ، لا إحياء الحيوان الذي يمشى ويأكل ويبقى حيا مدة على ما روى في قصته أنه أحيا بنطقه سام بن نوح فشهد بنبوته ثم رجع إلى حالته ، فبقوا حائرين فيه كيف تصدر الآثار الإلهية من البشر
 
"" أضاف بالي زادة :  قوله ( وهو ) أي إحياء الموتى ( من الخصائص الإلهية إحياء النطق ) أي يحيى الإنسان الميت ناطقا كعيسى مجيبا لدعوته فكان الإحياء إحياء مع النطق ( لا إحياء الحيوان ) أي لا الإحياء الذي يتحرك ويقوم بدون النطق ، إذ لو كان كذلك لم يكن معجزة ، فلما أحيا سام فقام وشهد بنبوته عليه السلام ثم رجع إلى أول حاله تحيروا فيه فاختلفوا على حسب نظرهم بقي الناظر حائرا اهـ بالى""  .
 
قال رضي الله عنه :  ( فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول وأنه هو الله بما أحيا به من الموتى ، ولذلك نسبوا إلى الكفر وهو الستر ، لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى )
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
 
قال رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبرئيل بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان - إذ لا يخرج عن طبيعته - لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية ، لا العنصرية . )
أي ، لو ظهر جبرئيل بصورته النورية التي له في السدرة الخارجة عن طبيعة السماوات والعناصر - فإن كلها عنصرية - لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين تظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية ، لأن تلك الصورة أيضا جزء للعلة ، وهي له طبيعية ، والشئ لا يخرج عن طبيعته بمجرد تنزله إلى مرتبه ما هو تحته . ففي الكلام تقديم وتأخير .
هذا على أن ( إذ ) للتعليل . ويجوز أن يكون بمعنى ( حين ) ، فيكون إذ لا يخرج في موضعه . ومعناه
حينئذ : لو أتى جبرئيل بصورته النورية حين لا يخرج عن طبيعته النورية ولا يتمثل بالصورة العنصرية ، لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة .
 
قال رضي الله عنه :  (مع الصورة البشرية من جهة أمه ، فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى : هو لا هو . )
أي ، كان يظهر عيسى حين الإحياء في الصورة الطبيعية النورية مع الصورة البشرية المستفادة من جهة أمه ، فكان يقال فيه حينئذ : بشر وليس ببشر . كما قال الناظرون في يوسف ، عليه السلام : ( ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ) . لغلبة النورية عليه .
 
قال رضي الله عنه :  ( ويقع الحيرة في النظر إليه ، كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيى الموتى ، وهو من الخصائص الإلهية إحياء النطق لا إحياء الحيوان ، بقي الناظر حائرا . إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي . )
( الباء ) في قوله : ( بالأثر ) باء الملابسة . أي ، ملتبسا بالأثر الإلهي . ومعناه : أنه لو كان
كذلك ، لوقع الناظر إليه في الحيرة ، كما تحير أرباب العقل عند النظر الفكري في
حاله . لأنهم رأوا شخصا بشريا بالصورة أحيا الموتى بقوله : ( قم بإذن الله ) . أو :
قم باسم الله .
 
قال رضي الله عنه :  ( إحياء النطق ) أي ، إحياء للميت الناطق مع نطقه ، فقام الميت ناطقا ملبيا مجيبا لدعوته . لا إحياء كحياة الحيوان حتى يتحرك الميت في قبره ، أو يقوم منه ويمشي بحيث يعلم أنه حي مجردا عن النطق ، إذ لو كان كذلك ، لنسبوه إلى السيميا من النيرنجات والطلسمات وغيرهما .
فلما قام ونطق - كما جاء في قصته أنه أحيا سام بن نوح : فقام وشهد بنبوته ، ثم رجع على ما كان تحيروا في إحيائه ، لأنه من الخصائص الإلهية .
 
قال رضي الله عنه :  ( فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول ، وأنه هو الله بما أحيا به الموتى . ولذلك نسبوا إلى الكفر وهو الستر ، لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى ، عليه السلام . )

أي ، فأدى نظر بعضهم فيه إلى القول بالحلول ، فقالوا : إن الله حل في صورة عيسى ، فأحيى الموتى . وقال بعضهم : إن المسيح هو الله . ولما ستروا الله بالصورة العيسوية المقيدة فقط ، نسبوا إلى الكفر .

.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 23:21 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثامنة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثامنة : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
 
قال رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبرائيل بصورته النّوريّة الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلّا حين يظهر في تلك الصّورة الطّبيعيّة النّوريّة لا العنصريّة مع الصّورة البشريّة من جهة أمّه . فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو ، وتقع الحيرة في النّظر إليه كما وقعت في العاقل عند النّظر الفكريّ إذا رأى شخصا بشريّا من البشر يحيي الموتى ، وهو من الخصائص الإلهيّة ، إحياء النّطق لا إحياء الحيوان بقي النّاظر حائرا ، إذ يرى الصّورة بشرا بالأثر الإلهي ).
 
قال رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل بصورته النورية ) ، وتسمى صورة وإن لم تكن شكلا ولا صورة جسمية ولا نوعية لما في ذلك من تقيد مطلق الطبيعة النورية بقيد خاص ؛ ليقيد الجسم بشكل خاص أو جسمية أو نوعية ، فغاية ذلك أنه يقيد بالصورة ( الخارجة عن ) صور ( العناصر والأركان ) ، لكنها صورة طبيعية نورية .
 
قال رضي الله عنه :  ( إذ لا يخرج عن طبيعته ) النورية ، وإن تقيدت هذه الطبيعة ، فليست ظلمانية مخرجة له عما كان عليه بخلاف الصورة الجسمانية والنوعية والشكل ، فإنها ظلمانية مخرجة للأصل عن طبيعته التي تكون عليها لو فرض مجردا عنها ، فيبقى جبريل في هذه الصورة على تجرده بخلاف الأجسام ، ( لكان عيسى عليه السّلام لا يحيي الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية ) لم يذكر التلبس هاهنا ؛ لامتناع أن يتلبس العنصري بصورة نورية من حيث هو عنصري ، وإن جاز أن يظهر بذلك بغلبة الروحانية على جسمانيته ، ولا يتأتى ذلك لأهل الشعبذة "الشعوذة"؛ فلا حاجة إلى الفرق باعتبار هذه الصورة ، ولكن لا بدّ له
الظهور بهذه الصورة أن يكون مقرونا ( مع الصورة البشرية من جهة أمه ) ؛ لأنه لزمه من أمر محقق ، فإن أمكن الظهور بهما مع امتناع التلبس بهما معا .
 
قال رضي الله عنه :  ( فكان يقال عند إحيائه الموتى : ) ظاهرا بالصورة النورية مع الصورة البشرية ( هو ) عيسى مع أنه يقال أيضا : ( لا هو ) ، ( وتقع الحيرة في النظر إليه ) حيرة يصعب رفعها ؛ لأنها من الأمر المحسوس ( كما وقعت ) الحيرة في إحيائه من غير ظهوره بالصورة النورية ( في العاقل عند النظر الفكري ) حيرة يسهل رفعها ؛ لكثرة المعارضة والمناقضة فيه بخلاف الأمر المحسوس ، فلم نعبأ بوقوع هذه الحيرة .
 
وذلك أنه يتحير العاقل ( إذا رأى شخصا بشريّا ) أي : في صورة البشر مع أنه في الواقع أيضا ( من البشر يحيي الموتى ) من الناطقين ، ( وهو ) أي : الأمر والشأن من ( الخصائص الإلهية إحياء الناطق لا إحياء الحيوان ) ، فإنه قد يظهر به المشعبذ مع أنه لا يظهر بإحياء الناطق أصلا ( بقي الناظر حائرا ) في هذه الحيرة السهلة رفعها ، مع أن هذه السهولة تقتضي عدم بقاء هذه الحيرة ، ( إذ يرى الصورة ) أي :
صورة المحيي ( بشرا ) مضروبا ( بالأثر الإلهي ) المخصوص وهو دون الظهور بالصورة النورية في إفادة هذه الحيرة .
 قال رضي الله عنه : (فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول ، وأنّه هو اللّه بما أحيا به الموتى ، ولذلك نسبوا إلى الكفر وهو السّتر لأنّهم ستروا اللّه الّذي أحيا الموتى بصورة بشريّة عيسى.)
 
قال رضي الله عنه : ( فأدى بعضهم فيه ) أي : في حق عيسى أو في هذا التحير السهل رفعه ( إلى القول بالحلول ) أي : حلول ذات اللّه القائم بها هذا الأثر وبالاتحاد ، وهو ( أنه هو اللّه ) مع أنه لا شكّ في استجماعه الكمالات كلها ، ولم يروا ذلك في عيسى عليه السّلام ، وإنما رأوا فيه إحياء بعض الموتى ، فقالوا : هو اللّه ( بما أحيا به ) أي : بإحيائه من ( الموتى ) أي : بعضهم ، وفيه
"" شعبذ يشعبذ ، وقال الثعالبي : لا أصل لقولهم مشعبذ ، وإنما هو بالواو ، وقد أثبته الزمخشريّ وغيره ، وتقول العامة : الشّعبثة ، ( انظر : تاج العروس )"" .
 
إشارة إلى أنه لو كان اللّه حالا فيه أو متحدا لكان إحياء الجميع منسوبا إليه مع أنه لا ينسب إليه إحياء الجميع بالاتفاق .
قال رضي الله عنه : ( ولذلك نسبوا ) فنسبوا أي : القائلون بالحلول والاتحاد ( إلى الكفر ) بهذا القول لا يجعله مظهرا إلهيّا كما يقوله الصوفية ؛ وذلك لأن الكفر ( هو الستر ) الذي هو نقيض الظهور ، فلا يتأتى في القول به ؛ ( لأنهم ستروا اللّه الذي أحيا الموتى ) ظاهرا في المظهر العيسوي ( بصورة بشرية عيسى عليه السّلام ) ، إذ جعلوا هذه الصورة محلا لذاته ، وليس محليتها للذات كمحلية الجوهر للعرض ، إذ يبعد القول بجعل ذات الحق عرضا لذات غيره بحيث لا يوجد بدونها ، ولا هي كمحلية المكان للمتمكن .
ولا شكّ أن المكان سائر للمتمكن غالبا ، وكذا إذا جعلوا ذات الحق متحدة بذات عيسى مع أنهم يرون عيسى في صورة بشريته ، وهذا المعنى في الاتحاد أتم وأعم .
فقال تعالى :" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " [ المائدة : 17 ] ، فكفرهم في جعلهم جهة الربوبية متحدة بجهة البشرية .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
 
قال رضي الله عنه :  (ولو أتى جبرئيل بصورته النوريّة الخارجة عن العناصر والأركان ) لا الطبيعة .
( إذ لا تخرج عن طبيعتها) - فإنّ الكل داخل تحت الطبيعة بما عرفت من قبل - ( لكان عيسى لا يحيي الموتى إلَّا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النوريّة ) التي عليها الفاعل للإحياء - بناء على الأصل السابق .
 
قال رضي الله عنه :  ( لا العنصريّة مع الصورة البشريّة من جهة امّه ) أي لا يمكن له الإحياء في الصورة العنصريّة التي مع الصورة البشريّة من جهة امّه ، التي هي طرف القابل ، فإنّه في القبول يتبعها .
ومن ثمّة ترى عيسى عند قبوله الأحكام المنزلة بالأوضاع المشروعة إنّما يقبل منها ما يتعلَّق بالانقياد والإذعان كما سبق بيانه آنفا .
وأمّا في الفعل – مثل الإحياء وإظهار المعجزة - فلا يمكن له ذلك إلا بأن يتأسّى الفاعل .
وفي بعض النسخ : « من الصورة البشريّة » وهو أظهر .
 
وملخّص الكلام أنّه لو لم يكن الإحياء منه في صورته العنصريّة التي مع الصورة البشريّة المستحصلة من امّه لوقعت الحيرة حينئذ . ( فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى : هو ) من حيث إحيائه الموتى ، ( لا هو ) من حيث أنّه عيسى . لتبائن الصورتين حينئذ في مداركهم ( وتقع الحيرة في النظر ) الحسّي ( إليه ، كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري ، إذ رأى شخصا بشريّا من البشر يحيي الموتى ، وهو من الخصائص الإلهيّة ) التي لا يمكن ذلك بنوع من الصناعات العمليّة والأعمال الطلسميّة .
فإنّ غاية ما تكلَّموا عليها تهيّؤ مادّة قابلة وتركيب أركان معيّنة ، بمقادير متّزنة بالميزان الذي عندهم ، حتى يفاض عليها نفس من العبد لا إحياء البدن الميّت فإن ذلك مما لا كلام لهم ولغيرهم عليه أصلا ، سيّما إذا كان ( إحياء النطق ) - أي إحياء ناطق من الحيوان - ( لا إحياء الحيوان ) فقط على ما هو المتبادر إلى الأذهان من إحياء الموتى ، فإنّه ليس من الخصائص الإلهيّة في شيء .
""  أضاف المحقق : لعله إشارة إلى ما قاله الكاشاني : " يعني إحياء بالنطق والدعاء ، فكان يقول : قم حيّا بإذن اللَّه أو : باسم اللَّه أو : باللَّه .
فيحيا ويجيبه فيما كلمه به ويقول : « لبّيك » إذا دعاه . لا إحياء الحيوان الذي يمشي ويأكل ويبقى حيّا مدّة - على ما روي في قصّته أنّه أحيا سام بن نوح ، فشهد بنبوته ، ثمّ رجع إلى حالته " .""
 
إذ عند ورود التعفينات وإيرادها على الجيف الموتى لا بدّ من حصول الحيوانات منها وتولدها فيها .
ويمكن أن يحمل إحياء النطق على الإحياء بالكلام والخطاب أو الدعاء منه - كما قيل إنّه ورد كذلك - لولا وقوعه في مقابلة قوله : « لا إحياء الحيوان » فاستشعار ذلك منه على سبيل الإيماء وضرب من الإيهام والإشارة ، لا منطوق اللفظ وفحوى العبارة .
 
علميّة الاعتقاد بالإلهيّة في عيسى عليه السّلام
هذا إذا ثبت ورود ذلك ، وإلا فلا حاجة إليه ، فإن إحياء الموتى مطلقا من الخصائص الإلهيّة ، ولذلك ( بقي الناظر حائرا ، إذ يرى الصورة ) بالصورة ( بشرا ، بالأثر إلها ) فإنّها من الخصائص الإلهيّة ، كما تقرّر عند أهل النظر أنّ وجود الخاصّة يستلزم وجود صاحبها ، فلا بدّ وأن يكون الناظر حائرا عند رؤيته ذلك .
 
قال رضي الله عنه :  ( فأدّى بعضهم فيه ) ذلك النظر ( إلى القول بالحلول ) لما هم عليه أبدا في أصل ذوقهم ومشربهم من ثنويّة العلَّة والمعلول ، فإنّهم ما خلعوا قطَّ نعلي تعدّد المتقابلين ، مع توجّههم وقصدهم على مطايا النيّات بلوغ طوى التنزيه المقدّس عن التثنّي والتغاير .
 
ولذلك ذهبوا إلى القول بالحالّ والمحل ، ( وأنّه هو الله بما أحيا  الموتى ، ولذلك نسبوا إلى الكفر - وهو الستر - لأنّهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشريّة عيسى) ، فقال : "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ" [ 5 / 17 ].
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.).
 
قال رضي الله عنه :  (ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه. فكان يقال فيه عند )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولو أتي جبريل بصورته النورية الخارجة عن طباع العناصر والأركان ) ، أي المرتقية عنها لا عن الطبيعة مطلقا ( إذ ) هو طبيعي نوري ( لا يخرج عن طبيعته النورية ) ، وإن خرج من العناصر والأركان .
 
وذلك لأن جبريل سلطان العناصر وله أن يظهر في السماوات السبع وما تحتها من العناصر والعنصريات لأهليها بأي صورة شاء من صورها بحسب الموطن والمقام والمناسبة واستعداد من ظهر له .
وأن يخرج عن صورها بالترقي عنها والرجوع إلى صورته الأصلية الطبيعية النورية ، فإن صورته الأصلية غير عنصرية بل طبيعية نورية ما بين الفلك الثامن والسابع وليس له أن يخرج عن هذه الطبيعة التي هي له بالأصالة بالترقي إلى ما فوقها وهذا معنى ما روى أنه لا يتعدى سدرة المنتهى .
فإن السدرة هي منتهى السابع صعودا والثامن هبوطا ( لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا ) الصورة ( العنصرية ) ظهورا جامعا ( مع الصورة البشرية من جهة أمه ) فتكون طبيعته نورية غير عنصرية في صورة بشرية
 
 قال رضي الله عنه : ( إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.)
 
قال رضي الله عنه : (فكان يقال فيه ) ، أي في عيسى ( عند إحياء الموتى ) أنه ( هو ) ، أي جبريل بطبيعته النورية الغير العنصرية ( لا هو ) بصورته البشرية ( وتقع الحيرة في النظر إليه ) هل هو جبريل أوليس بجبريل ( كما وقعت الحيرة في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا ) ، أي على صورة البشر ( من نوع البشر يحيي الموتى وهو ) ، أي إحياء الموتى ( من الخصائص الإلهية ) .
 
التي لا تكون لغير اللّه بالصناعات العملية والأعمال الطلسمية ، فإن غاية ما تكلم أربابها عليه بهيئة مادة قابلة وتركيب أركان معينة بمقادير متزنة بالميزان الذي عندهم حتى يفيض عليها نفس من المبدأ أو إرادة الميت حيا صورة لا حقيقة لا إحياء ما مات بعدما كان حيا حقيقة وهو المراد بإحياء الموتى ، فإن ذلك مما لا كلام لأحد عليه أصلا .
 
قال رضي الله عنه : ( إحياء النطق ) منصوب على أنه مفعول مطلق لقوله : محيي الموتى أو مرفوع على أنه بيان وتفسير للضمير المرفوع ، والمراد بالإحياء النطق أما الإحياء الذي يوجب نطق الجسم المائت والذي يحصل بنطق المحيي ودعائه
وقوله : قم بإذن اللّه ، وعلى الأول فهو إما بيان للواقع على ما روى في قصته أنه أحيا سام بن نوح فنطق وشهد بنبوته ثم رجع إلى حالته
وحينئذ معنى قوله : ( لا إحياء الحيوان ) ، أي الحيوان الذي يمشي ويأكل ويبقى حيا مدة ، فحاصله أن الإحياء الواقع من عيسى ذاك لا هذا ، وإما تقييد للإحياء ليصير من الخصائص الإلهية وفيه أن إحياء الجيف مطلقا سواء كانت جيف الحيوانات الناطقة أو غيرها من الخصائص الإلهية.
فإذا ظهر على يد أحد فإما معجز أو كرامة أو استدراج أجراه اللّه على يده . وأما إحياء الحيوان بمعنى جعل المادة قابلة لفيضان الحياة من المبدأ فليس من الخصائص الإلهية فيمكن أن يحصل بالتعملات الصناعية كالتعقبات وغيرها .
 
وعلى الثاني أيضا يحتمل أن يكون بيانا للواقع ، فإن إحياء سام بن نوح كان بنطقه ودعائه ، وإن يكون تقييدا فإن الإحياء بمجرد النطق والدعاء من الخصائص الإلهية لا إحياء الحيوان بتهيئة المادة لفيضان الحال عليها .
والذي يخطر ببالي أن المراد بإحياء النطق إحياء لا يظهر من الحي أثرا من آثار الحياة إلا النطق وبإحياء الحيوان أن يحصل فيه مزاج معدل مسوى بحيث إن تظهر الخواص الحيوانية كلها على الطريقة المعهودة كالمشي والأكل والشرب والبقاء مدة طويلة وغير ذلك.
 قال رضي الله عنه :  ( بقي ) ذلك العاقل ( الناظر حائرا ) في أنه بشرا وإله ( إذ رأى الصورة بشرا متلبسا بالأثر الإلهي ) الذي هو من خصائصه وهو الإحياء ههنا.
 
قال رضي الله عنه :  (فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى. )
 
قال رضي الله عنه :   ( فأدى ) النظر ( بعضهم فيه ) ، اي في الشخص البشري المحيي للموتى ( إلى القول بالحلول ) ، أي حلول اللّه في صورته البشرية ( وأنه ) ، أي وإلى القول بأنه ( هو اللّه سبحانه بما أحيا به من الموتى ) يعني الحكم بإلهيته إنما هو باعتبار ما حل فيه لا باعتبار صورته .
قال رضي الله عنه :  ( ولذلك ) القول بالحلول بأنه هو اللّه من حيث ما حل فيه ( نسبوا إلى الكفر ) والكفر مطلقا ( هو الستر ) والمذموم منه ستر الحق بالباطل ، وإنما صار قوله بالحلول سببا لنسبتهم إلى الكفر ( لأنهم ) لما ذهبوا إلى القول بالحلول ( ستروا اللّه الذي أحيا الموتى ) ، أي حكموا باستتاره .
( بصورة بشرية عيسى ) ، لأن الحال لا محالة مستتر بما حل فيه ولذلك كفرهم اللّه سبحانه
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 23:29 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة التاسعة : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فعدلوا بالتّضمين من اللّه من حيث أحيا الموتى إلى الصّورة النّاسوتيّة البشريّة بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شكّ . فتخيّل السّامع أنّهم نسبوا الألوهيّة للصّورة وجعلوها عين الصّورة وما فعلوا بل جعلوا الهويّة الإلهيّة ابتداء في صورة بشريّة هي ابن مريم ، ففصلوا بين الصّورة والحكم . لا أنّهم جعلوا الصّورة عين الحكم . كما كان جبرئيل في صورة البشر ولا نفخ ، ثمّ نفخ ، ففصل بين الصّورة والنّفخ وكان النّفخ من الصّورة ، فقد كانت ولا نفخ.
فما هو النفخ من حدّها الذّاتي ؟ )
 
قال رضي الله عنه :  (فعدلوا ) ، أي الكافرون (بالتضمين من اللّه ) تعالى ، أي بسبب جعلهم اللّه تعالى في ضمن بشرا آخر غيره وهو الصورة (من حيث) أنهم وجدوا منه إحياء الموتى وذلك مخصوص باللّه تعالى عدولا منهم إلى الصورة العيسوية (الناسوتية البشرية) الظاهرة لهم بقولهم ، أي بسبب قولهم هو المسيح ابن مريم فما قالوا :
هو المسيح فقط ، ولا قالوا هو ابن مريم فقط .
وإنما جمعوا بينهما وقالوا هو المسيح ابن مريم فأخطأوا وكفروا .
فإنه إذا كان هو المسيح من حيث ظهوره في صورته في حال تجليه بها من باب القيومية لا يكون ابن مريم في ذلك الاعتبار لاستهلاك الصورة الناسوتية في الحقيقة الروحانية التي هو من أمر اللّه تعالى .
 
وأمر اللّه تعالى كلمح بالبصر ، وهو مقام الفناء الذي عند العارفين باللّه تعالى ، الذي لا يمكن التحقق بالمعرفة والتجليات الإلهية عندهم إلا به ، وإذا كان هو المسيح ابن مريم باعتبار الصورة الناسوتية لم يكن هو اللّه تعالى أصلا ، ولا كان جانب الروحانية الأمرية معتبرا فيه ، بل المعتبر فيه حينئذ جانب الطبيعة وجهة الالتباس في الخلق الجديد ، فجعله في تلك الحالة هو اللّه قول بكون اللّه مخلوقا ، وهو كفر ، وجمع الشيئين فيه حلول للإله في الخلق وهو كفر أيضا وجهل محض .
 
قال رضي الله عنه :  (وهو) ، أي عيسى عليه السلام باعتبار صورته الناسوتية (ابن مريم بلا شك) ، لأنها ولدته فتخيل السامع في نفسه من قولهم ذلك (أنهم نسبوا الألوهية للصورة) حيث قالوا : إن اللّه هو المسيح ابن مريم ، أي الذي ولدته مريم وتخيل أنهم جعلوها .
أي الألوهية عين الصورة العيسوية الناسوتية وهم ما فعلوا ذلك بل جعلوا الهوية .
أي الذات الإلهية ابتداء ، أي من حين ابتداء ظهور عيسى عليه السلام حالة في صورة بشرية ناسوتية هي .
أي تلك الصورة ابن مريم وقالوا بالحلول وهو كفر ففصلوا بقولهم ذلك بين الصورة البشرية العيسوية الناسوتية والحكم الصادر منها وهو إحياء الموتى لا أنهم جعلوا تلك الصورة العيسوية عين الحكم فكان منها إحياء الموتى ، وإنما قالوا في ذلك كما كان جبريل عليه السلام في صورة بشر ولا نفخ ، فكانت صورة بشرية .
 
قال رضي الله عنه :  (ثم نفخ) فظهر حكم آخر غيرها على خلاف مقتضاها (ففصل بين الصورة) التي ظهر بها أوّلا (والنفخ) الذي ظهر ثانيا (وكان النفخ) ظاهرا من الصورة فأشبه أن يكون منها فيكون النافخ عينها ولكنه تبين (فقد كانت) الصورة البشرية ظاهرة ولا  نفخ منها فما هو النفخ من حدها الذاتي بحيث يكون داخلا في ماهيتها بل هو أمر آخر عرض لها بسبب حلول حقيقة أخرى فيها ، وذلك النفخ ظاهر عن تلك الحقيقة الأخرى وهكذا قولهم في عيسى عليه السلام وهو خطأ وكفر.
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فقال تعالى :لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ *فجمعوا بين الخطأ ) وهو حصر الحق في الصورة العيسوية ( والكفر ) وهو ستر الحق فيهما ( في تمام الكلام كله ) فكفروا بقولهم هذا بالكفر الشرعي ( لا بقولهم هو اللّه ) لأنه هو اللّه من حيث تعينه بالصورة
 
العيسوية وإحياء الموتى وخلق الطير فاللّه ليس هو من حيث تعينه بصورة أخرى فكان عيسى عليه السلام هو لا هو ( ولا بقولهم ابن مريم ) أي لتصديق هذا القول ( فعدلوا بالتضمين ) أي بأن جعلوا الحق في الصورة العيسوية وهو قولهم إن اللّه يحلّ في صورة عيسى عليه السلام .
 
قال رضي الله عنه :  ( من اللّه ) متعلق بعدلوا ( من حيث أنه ) أي من حيث أن اللّه ( أحيا الموتى ) قوله ( إلى الصورة الناسوتية البشرية ) متعلق بعدلوا ( بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك ) وهو دليل عدولهم من اللّه إلى الصورة الناسوتية ( فتخيل السامع ) أي سامع قولهمإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .
قال رضي الله عنه :  ( أنهم ) أي القائلون بهذا القول ( نسبوا الألوهية ) ابتداء للصورة العيسوية ( وجعلوها ) أي الألوهية ( عين الصورة وما فعلوا ) ذلك ( بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء ) حالة ( في صورة بشرية ) صورة عيسى عليه السلام ( وهي ابن مريم ) وهو صورة سترهم ( ففصلوا بين الصورة ) العيسوية ( والحكم ).
أي الهوية الإلهية فكفروا بالكفر اللغوي وهو الستر إذ كل صورة وهي إستار طلعته لأن الكفر الشرعي في تمام الكلام كله وهو معنى قولهم بالحلول أي اللّه حالّ في صورة عيسى عليه السلام فأحيا الموتى فلما قالوا بالحلول حكموا أن اللّه هو عيسى وهو معنى قوله لا بقولهم هو اللّه وحصروا اللّه في المسيح فما جمع الكفر والخطأ إلا في قولهم هذا .
 
قال رضي الله عنه :  ( لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم ) ابتداء وإنما نسبهم الحق إلى الكفر لا إلى الخطأ فإن خطأهم وهو الحصر في قولهم " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ " ظاهر بين .
وأما كفرهم فلا يدل ظاهر الآية عليه لأن ظاهر قولهم "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ " لا يدل على العينية والكفر هو الستر والستر يقتضي المغايرة فلما نسبهم الحق في قولهم هذا إلى الكفر ارتفع تخيل السامع فظهر الحق بما قلناه من أنهم فصلوا بين الصورة والحكم ابتداء.
 
ولو أنهم لم يفعلوا ما قلناه لم ينسبوا إلى الكفر ولم يقل الحق في حقهملَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ *[ المائدة : 17 ] الآية فكانت الهوية ولا عيسى عليه السلام ثم وجد لتحققها بدونه ( كما كان جبرائيل ) متمثلا ( في صورة البشر ولا نفخ ثم نفخ ففصل ) أي فرق ( بين الصورة والنفخ ) سواء كان النفخ من صورة جبرائيل في عيسى عليهما السلام أو من صورة عيسى عليه السلام في الطير ( وكان النفخ ) أي وجد ( من الصورة فقد كانت ) أي وجدت الصورة ( ولا نفخ ) فإذا فصل بين الصورة والنفخ .
 
قال رضي الله عنه :  ( فما هو النفخ من حدها الذاتي ) أي ليس النفخ من الحد الذاتي للصورة سواء كانت الصورة لجبرائيل أو لعيسى عليهما السلام لوجود الصورة بدون النفخ ولا الصورة العيسوية حدا ذاتيا للهوية الإلهية لتحقق الهوية بدون الصورة العيسوية ولا الأحياء حدا ذاتيا للصورة العيسوية لوجودها قبل الأحياء.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )


قال رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.  فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )


قال رضي الله عنه :  ( فقال : "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ "  فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام ). بعد قولهم : إنّ الله هو .
 
وقال : ( لا بقولهم هو الله ) يعني : لم يكفروا بقولهم : إن الله هو ، فإنّ الله هو لنفسه هو .
قال رضي الله عنه :  ( ولا بقولهم : المسيح ابن مريم ) بل بما حصروا الله في هوية عيسى بن مريم ، ولم يكفروا بقولهم : إنّ الله هو حملا لهوية عيسى على الله ، إذ هوية عيسى مع هوية العالم كلَّه هو الله المتجلَّي بوجوده الحق في جميع العالم أبدا ، كما مرّ ، ولكن كفروا بوصفهم هوية الله في صورة ابن مريم على التعيين.
 
قال رضي الله عنه : ( فعدلوا بالتضمين من الله من حيث أحيا الموتى إلى الصورة الناسوتيّة البشرية بقولهم : ابن مريم وهو ابن مريم بلا شكّ ، فتخيّل السامع أنّهم نسبوا الإلهية للصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا ، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم ، ففصلوا بين الصورة والحكم ، لا أنّهم جعلوا الصورة عين الحكم ) .
 
يعني رضي الله عنه : أنّهم قالوا : " إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " ، ففصلوا بين الصورة المسيحية المريمية وبين الله بالهوية .
ولم يقولوا : الله المسيح بن مريم ، فتخيّل السامع أنّهم نسبوا الألوهية القائمة بذات الله إلى الصورة المسيحية وما فعلوا ذلك ، بل فصلوا بالهوية بين الصورة العيسوية وبين الحكم بحمل اللاهوت على الهوية ، فاقتضت حصر الإلهية في عيسى بن مريم .
 
قال رضي الله عنه : « بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم » .
أي جعلوا الله بهويته موضوعا ، وحملوا الصورة عليه فحدّدوا الهوية الإلهية وجعلوها محصورة في صورة الناسوت المعيّنة وهي غير محصورة ، بل له هوية الكلّ ، فجمعوا بين الكفر بأنّ الله هو هذا .
فستروا الهوية الإلهية في عيسى ، وبين الخطأ بأنّه ليس إلَّا فيه - أي هي هي هو لا غير ، وقد كان هو عين الكلّ - ولا في البعض ، بل مطلقا في ذاته عن كل قيد وإطلاق ، كما عرفت .
 
قال رضي الله عنه : « كما كان جبرئيل في صورة البشر ولا نفخ ، ثم نفخ ، ففصل بين الصورة والنفخ ، وكان النفخ من الصورة ، فقد كانت الصورة ولا نفخ ، فما هو النفخ من حدّها الذاتي ».
 
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ هذا الاختلاف كما كان بين حقيقة الصورة البشرية ، لكون الصورة متحقّقة بلا وجود النفخ ، وليس النفخ من ذاتيات الصورة البشرية ، فكذلك كانت الهوية الإلهية موجودة متحقّقة بلا صورة عيسوية .
وكانت الصورة العيسوية أيضا، قبل ظهور الإحياء الإلهية المنسوبة إليه، من حيث ذاك الإحياء ، فليست هذه الصورة من حدّ الألوهية ، ولا الألوهية وهويّته من حدّها ، فكذلك ولذلك وقع الاختلاف بالفصل في هذه الصورة .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )
فقال تعالى : ( " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " - فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لا بقولهم هو الله ولا بقولهم ابن مريم ) .
 
أي فأدى النظر الفكري إلى بقاء الناظر حائرا فأدى بعضهم في حق عيسى إلى القول بالحلول ، وأنه هو الله في صورة المسيح من حيث أحيا المسيح به الموتى ، فنسبوا في ذلك إلى الكفر لأنهم ستروا الله بصورة بشرة عيسى ، حيث توهموا أنه فيها فكفرهم الله تعالى بقوله – " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " - لأنهم بين الخطأ والكفر في تمام الكلام لا في أجزائه لأنهم لم يكفروا بحمل هو على الله لأن الله هو .
"" أضاف بالي زادة :  يعنى قال بعضهم من النصارى : إن الله حل في عيسى فأحيا الموتى ، وبعضهم قال : إنه هو الله بما أحيا اهـ . بالى
قوله ( بصورة بشرية ) تنازع فيه ستروا وأحيا فأيهما عمل حذف المفعول الآخر اه ( فجمعوا بين الخطأ ) وهو حصر الحق في الصورة العيسوية . ( والكفر ) وهو ستر الحق فيها ( في تمام الكلام كله ) فكفروا بقولهم هذا بالكفر الشرعي ( لا بقولهم هو الله ) لأنه هو الله من حيث تعينه بالصورة العيسوية وإحياؤه الموتى ، وليس الله هو من حيث تعينه بصورة أخرى ( ولا بقولهم ابن مريم ) اهـ بالى .""
 
ولا بحمل الله عليه فيقولوا هو الله لأنه الله ، ولا بقولهم ابن مريم لأنه ابن مريم بل بحصر الحق في هوية المسيح ابن مريم وتوهمهم حلوله فيه ، والله ليس بمحصور في شيء بل هو المسيح وهو العالم كله ، فجمعوا بين الخطأ بالحصر وبين ستر الحق بصورة بشرة عيسى .
 
قال رضي الله عنه :  ( فعدلوا بالتضمين من الله من حيث أنه أحيا الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك ، فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية للصورة وجعلوها عين الصورة ، وما فعلوا بل جعلوا الهوية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم ، ففصلوا بين الصورة والحكم لأنهم جعلوا الصورة عين الحكم ) .
 
أي فعدلوا إلى الصورة الناسوتية البشرية من الله من جهة أنه أحيا الموتى بالتضمين : أي بأن جعلوه تعالى في ضمن الصورة الناسوتية وذلك عين الحلول بقولهم :
أي فعدلوا بقولهم ابن مريم وهو كما قالوا ابن مريم ، لكن السامع تخيل أنهم نسبوا الألوهية إلى الصورة وجعلوها عين الصورة ، وهم لم يفعلوا ذلك بل حصروا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم ، ففصلوا بين الصورة المسيحية والحكم عليها بالإلهية بهو الذي الفصل ، فأفاد كلامهم الحصر لا أنهم جعلوا صورة المسيح عين الحكم عليها بالإلهية ، والظاهر أن الشيخ استعمل الحكم بمعنى المحكوم عليه ليطابق تفسيره الآية .
فإن الله في الآية محكوم عليه والمسيح هو المحكوم به . وقد يستعمل الحكم كثيرا بمعنى المحكوم به فلا حرج أن يستعمل بمعنى المحكوم عليه للملابسة ، وأراد أنهم أرادوا حلول الحق في صورة عيسى فأخطئوا في العبارة المتوهمة للحصر فهم السامع أنهم يقولون إن الله هو صورة عيسى ، وهم يقولون بالفصل أي بالفرق ، وهو أن الله في صورة عيسى ، فمعناه حل الحق في عيسى ابن مريم فالحكم على هذا حلول الله .
 
قال رضي الله عنه :  ( كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ ، ثم نفخ ففصل بين الصورة والنفخ ، وكان النفخ من الصورة فكانت ولا نفخ فما هو النفخ من حدها الذاتي ).
 
أي جعلوا الهوية الإلهية في صورة بشرية ففصلوا بينهما كما فصل بين الصورة والنفخ بأن جبريل كان في الصورة البشرية ولا نفخ وكان النفخ ، فليس النفخ من ذاتيات الصورة ، فكذلك كانت الهوية قبل النفخ فليس النفخ من ذاتيات الصورة ، فكذلك كانت الهوية الإلهية متحققة بدون الصورة العيسوية قبلها .
 
"" أضاف بالي زادة :  (ففصلوا بين الصورة والحكم ) أي الهوية الإلهية فكفروا بالكفر اللغوي وهو الستر ، إذ كل صورة هي إستار طلعته لا بالكفر الشرعي ، وهو معنى قولهم بالحلول أي الله حال في صورة عيسى فأحيا الموتى ، فلما قالوا بالحلول حكموا أن الله هو عيسى ، وهو معنى قوله لا بقولهم هو الله وحصروا الله في المسيح .
فما جمع الكفر والخطأ إلا في قولهم هذا ( لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم ) ابتداء ، وإنما نسبهم الحق إلى الكفر لا إلى الخطأ .
فإن خطأهم وهو الحصر في قولهم – "إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " ظاهر بين ، وأما كفرهم فلا يدل ظاهر قولهم عليه لأن ظاهر قولهم إن الله هو المسيح لا يدل إلا على العينية .
والكفر للستر والستر يقتضي المغايرة ، فلما نسبهم الحق في قولهم هذا إلى الكفر ارتفع تخيل السامع ، فظهر أن الحق ما قلناه من أنهم فصلوا بين الصورة والحكم ابتداء ، ولو لم يفعلوا لم ينسبوا إلى الكفر فكانت الهوية ولا عيسى ثم وجد لتحقيقها بدونه اهـ بالى . ""
 
وكذلك كانت الصورة العيسوية متحققة قبل إحياء الموتى المنسوب إلى الإلهية ، فليست إحداهما ذاتية للأخرى ، لا الصورة العيسوية للهوية الإلهية ولا الإحياء المنسوب إلى الإلهية للصورة العيسوية .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فقال الله تعالى : " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم " . فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله . ) أي ، جمعوا بين الكفر ، وهو ستر الحق بالصورة العيسوية ، وبين الخطأ ، وهو حصر هوية الله في كلمة العيسوية .
والمراد بقوله : ( في تمام الكلام ) أي ، بمجموع قولهم ، ( إن الله هو المسيح بن مريم ) .
جمعوا بين الكفر والخطأ .
( لا بقولهم هو الله ، ولا بقولهم ابن مريم . ) لأن قولهم : ( هو الله ) أو ( الله هو ) صادق من حيث إن هوية الحق هي التي تعينت وظهرت بالصورة العيسوية ، كما ظهرت بصورة العالم كله.
وقولهم : ( المسيح بن مريم ) أيضا صادق ، لأنه ابن مريم بلا شك ، لكن تمام الكلام ومجموعه غير صحيح ، لأنه يفيد حصر الحق في صورة عيسى ، وهو باطل ، لأن العالم كله غيبا وشهادة صورته ، لا عيسى فقط . "بل احدي تجلياته في صوره تعالي اللانهائية "
 
قال رضي الله عنه :  ( فعدلوا بالتضمين من الله من حيث أحيا الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم :" ابن مريم " وهو " ابن مريم " بلا شك ) .
( من الله ) متعلق بقوله : ( فعدلوا ) . و ( الباء ) في قوله : ( بالتضمين ) بمعنى ( مع ) . أي ، فعدلوا من الله إلى الصورة البشرية مع تضمينه فيها من حيث إنه إحياء الموتى ، فقالوا : ( المسيح بن مريم ) .
وهو ابن مريم بلا شك ، كما قالوا ، لكن جعلوا الله في ضمن صورته ، وهو القول بالحلول 
 
قال رضي الله عنه :  (فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية للصورة وجعلوها عين الصورة . وما فعلوا ، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم ، ففصلوا بين الصورة والحكم . )
أي ، تخيل السامع أن الذين قالوا بالحلول ، نسبوا الألوهية إلى الصورة العيسوية وجعلوا الألوهية عين تلك الصورة . وليس كذلك .
بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء حالة في الصورة البشرية التي لعيسى ، وتلك الصورة هي ابن مريم ، فالقائلون بالحلول فصلوا أولا بين الصورة وبين الإلهية في الحكم ، أي ، بين الحكم عليها بأنها إله .
أو بين الحكم ، أي ، بين المحكوم عليه وهو الهوية الإلهية . ف‍ ( الحكم ) مستعمل بمعنى المحكوم عليه ، كما يستعمل بمعنى المحكوم به .
 
قال رضي الله عنه :  ( إلا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم ) أي ، فصلوا بين الصورة وبين الهوية الإلهية ابتداء ، إلا أنهم جعلوا الصورة في ثاني الحال عين تلك الهوية في الحمل بقولهم : ( إن الله هو المسيح بن مريم ) . لأن المحمول عين الموضوع في الحمل بالمواطاة .
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية إلى الصورة العيسوية ، فحصروها في تلك الصورة . وهو الخطاء .
وقوله : ( عين الحكم ) أي ، جعلوا الصورة عين ما وقع الحكم عليه .
 
قال رضي الله عنه :  ( كما كان جبرئيل في صورة البشر ولا نفخ ، ثم نفخ ففصل بين الصورة والنفخ ، وكان النفخ من الصورة ، فقد كانت ولا نفخ . )
أي ، كانت الهوية الإلهية وما كانت الصورة العيسوية ، وكانت الصورة العيسوية ، وما كان الإحياء .
كما كان جبرئيل متمثلا في صورة البشر وما كان النفخ حاصلا ، ثم نفخ ، فحصل الفصل بين الصورة والنفخ بأن كانت الصورة موجودة ولا نفخ ، وإن كان النفخ حاصلا من الصورة .
قال رضي الله عنه :  ( فما هو النفخ من حدها الذاتي ) ، ( ما ) بمعنى ( ليس ) . والضمير للفصل .
أي ، فليس النفخ من الحدود الذاتية للصورة وأجزائها ، لتحقق الصورة قبل وجود النفخ .
وكذلك الصورة العيسوية ليست من الحدود الذاتية للهوية الإلهية ، لتحقق الهوية قبل تلك الصورة ، وليس الإحياء أيضا من ذاتيات الصورة العيسوية ، لتحققها مع عدم الإحياء .
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 23:33 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة التاسعة : -    الجزء الثاني

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )


قال رضي الله عنه :  (فقال تعالى :لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [ المائدة : 17 ] ، فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كلّه لا بقولهم هو اللّه ولا بقولهم ابن مريم ، فعدلوا بالتّضمين من اللّه من حيث أحيا الموتى إلى الصّورة النّاسوتيّة البشريّة بقولهم ابن مريم ، وهو ابن مريم بلا شكّ ، فتخيّل السّامع أنّهم نسبوا الألوهيّة للصّورة ، وجعلوها عين الصّورة ، وما فعلوا بل جعلوا الهويّة الإلهيّة ابتداء في صورة بشريّة هي ابن مريم ، ففصلوا بين الصّورة والحكم ، لا أنّهم جعلوا الصّورة عين الحكم ) .

وإليه الإشارة بقوله : ( فجمعوا بين الخطأ ) في جعل الجهتين المختلفتين متحدة ، ( والكفر ) اللغوي يجعل الذات الإلهية الظاهرة في صورة بشرية عيسى مستورة فيها ، وهو نقيض مقتضى الظهور ( في تمام الكلام ) ، وهو قوله :إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ[ المائدة : 17 ] .

ثم قال : ( كله ) ؛ دفعا لتوهم تمامه عند قوله : هو المسيح ، ولو فرض منقطعا عنده يشعر باتحاد الجهتين الموجب للخطأ والكفر ؛ لأن ذكر المسيح يحتمل أن يكون لبيان المظهر ، فكأنهم قالوا : إن اللّه هو الظاهر في هذا المظهر كأنه عينه ، فإذا قيل : ابن مريم ؛ فهذا الوصف ليس لبيان المظهرية بل بيان لجهة البشرية .

فهو مشعر باتحاد الجهتين لدلالته على أنه من جهة كونه ابن مريم هو اللّه ، إذ لا دخل لكونه ابن مريم في المظهرية ، حتى يفهم منه المبالغة في كونه كأنه هو الظاهر فافهم ؛ لأنه ( لا بقولهم : هو اللّه ) المشعر بانفراد جهة الإلهية وإن فرض ظهورها في المسيح ، ( ولا بقولهم : ابن مريم ) المشعر بانفراد جهة العبودية .

والكناية تعود إلى الموجود والقضية مهملة في قوة الجزئية ، أي : بعض الموجودات اللّه وهو الموجود المطلق ، وبعض الموجودات ابن مريم وهو من الموجودات المقيدة ، ويحتمل أن تعود الكناية إلى المحيي أي : المحيي حقيقة هو اللّه ، والمحيي تسببا هو المسيح ؛ لأنه أتى بالنفخ والدعاء سببين له وهو وإن لم يجر له ذكر لكن الإحياء موجب لهذه الحيرة ، فكأنه مذكورا ، فإذا جمعوا بين الكلامين صار المعنى أن اللّه الموجود المطلق هو المسيح من الموجودات المقيدة ، أو أن اللّه المحيي هو المسيح المحيي من حيث كونه ابن مريم.

 فجعلوا جهة العبودية التي يشعر بها كونه ابن مريم عين جهة الربوبية التي بها الإحياء ، ولا يتصور الاتحاد مع فناء الأمرين ؛ لأن الباقي أمر ثالث حدث بعد فنائهما ، ولا مع فناء أحدهما ؛ لأن الباقي لا يتحد مع الفاني ، ولا مع بقائهما بحالهما ، بل إنما يتصور ذلك بجعل أحدهما متضمنا للآخر ، ( فعدلوا بالتضمين ) أي : تضمين جهة الألوهية جهة البشرية عند القول باتحادهما ( من اللّه ).

أي : من القول بظهوره في مظهر المسيح ( من حيث أحيا الموتى ) في هذا المظهر مع أنه لم يظهر فيه بجميع أسمائه وصفاته التي إلهيته بمجموعها لا بعضها ( إلى الصورة الناسوتية ) التي هي عين ( البشرية ) لا تنقلب إلى الألوهية أصلا ، والمظهرية ليست باعتبار هذه الصورة ، بل باعتبار الروح الذي منه ( بقولهم : ابن مريم ) إذ جعلوه وصفا للمسيح من حيث مظهريته ، وهو يشعر بغلبة هذا الوصف لهذه المظهرية على تقدير أن تفعل المظهرية ، لكن لا دخل لكونه ابن مريم في علية هذه المظهرية ، فذكره يشعر باتحاد الجهتين الموجب ستر الذات الإلهية في هذه الصورة الناسوتية البشرية ، وهو الكفر والغلط ، وكيف لا يكون قولا بتضمين جهة الإلهية في جهة البشرية ، ( وهو ابن مريم بلا شكّ ) .

ولو كان التضمين لجهة البشرية في جهة الألوهية ، لكانت جهة الإلهية ظاهرة باختفاء جهة البشرية ، واختفاؤها يوجب الشك في كونه ابن مريم ، لكن لم يشك في ذلك أصلا ، ولا شكّ أن متأخريهم إنما قالوا ذلك بسماعهم إياه من قدمائهم ، ويبعد من قدمائهم القول بالاتحاد ، بل غايته أنهم قالوا هذا القول على قصد الظهور.

أي : أنه تعالى من حيث إحياؤه ظهر في هذا المظهر الذي نقول فيه : إنه ابن مريم ، ( فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية للصورة ) البشرية لعيسى عليه السّلام ؛ وذلك لأنهم ( جعلوها ) أي : الألوهية ( عين الصورة ) لفظا من غير إشعار بحرف التشبيه المحذوف ، بل جعلوا قولهم : ابن مريم مانعا لتقديره لإشعاره باتحاد الجهتين بلا تشبيه ، ولكنهم ( ما فعلوا ) أي : ما قصدوا نسبة الألوهية إلى المسيح ، وما جعلوها عين صورته البشرية .

قال رضي الله عنه :  ( بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء ) أي : في أول الكلام ظاهرة ( في صورة بشرية ) بظهوره في الروح المتعلق بهذه الصورة ، فكأنه ظاهر فيها وجعلوا آخر الكلام دالا على أن هذه الصورة ، وإن ظهرت فيها الهوية الإلهية ( هي ابن مريم ، ففصلوا ) أي : قصدوا الفصل والفرق ( بين الصورة والحكم ) بالإلهية .
وجعلوا لكل واحدة جهة منفصلة عن الأخرى ( لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم ) بالإلهية ، وإن أتوا بلفظ ستشعر بذلك مانع من تقدير حرف التشبيه ، وكيف يقصدون ذلك ولا شك أن هذه الألوهية بالإحياء ، وقد كانت هذه الصورة البشرية مدة بلا إحياء ، ثم ثبت له الإحياء والمتأخر لا يكون غير المتقدم .

قال رضي الله عنه :  (كما كان جبرائيل في صورة البشر ولا نفخ ، ثمّ نفخ ، ففصل بين الصّورة والنّفخ وكان النّفخ من الصّورة ، فقد كانت ولا نفخ ، فما هو النفخ من حدّها الذّاتي؟)

قال رضي الله عنه :  ( كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ ، ثم نفخ ففصل ) تأخر النفخ عن صورة بشريته ( بين الصورة والنفخ ) ، فلم تكن جهة صورة البشرية في جبريل عين النفخ ، وإن تقرر أنه ( كان النفخ من الصورة ) البشرية لا تتصور بدونها ، ومع ذلك لا يكون النفخ عنها لتأخره عنها ، ( فقد كانت ) الصورة البشرية لجبريل لما تمثل لها بشرا سويّا ( ولا نفخ ) .
"قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، فقالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا"[ مريم : 18 ، 19 ] ، فخلف مدة هذه المقالة عن النفخ مع تحقق الصورة البشرية له هذه المدة .

قال رضي الله عنه :  ( ثم نفخ ) وهو في هذه الصورة ، فلو كانت الصورة البشرية عين النفخ أو عين بعضها لكان النفخ ذاتيّا لها ، فلا توجد بدونه لكنه وجدت الصورة بدونه ، ( فما هو ) أي : الأمر والشأن ( النفخ من حدها الذاتي ) لامتناع المقارنة فيه في الأحوال والأزمنة كلها ، فكذلك يحكم بالتغاير بين جهة بشرية عيسى عليه السّلام ، والإحياء الذي به تتوهم إلهيته ، وكيف يحكم على هيئته بالإلهية التي هذا الإحياء بعض صفاتها لا كلها ، وأنه ليس له من الإحياء سوى هذا النفخ الذي يشبه نفخ جبريل ، وكما لم يكن هذا النفخ عن جهة البشرية ، فكذا عيسى عليه السّلام للإحياء ليس عين جهة البشرية ؛ فافهم .
وقد وقعت الحيرة فيه من حيث كونه بشرا يحيي الموتى لا بشريته الإنسانية الحقيقية التي في أمه ، والصورة الممثلة التي كانت في جبريل حين نفخ روحه في أمه إحيائه أنه من كون روحه من اللّه ، وكونه من جبريل .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )

قال رضي الله عنه :  (فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كلَّه ، لأنّه ) - أي الكفر المنصوص عليه في الآية - ( لا بقولهم : « هو الله » ) أي المسيح .
لأنّ مؤدّى قولهم أنّ المسيح من حيث هويّته الله - وفي عبارته هذه إشارة إليه - ولا شكّ في صدقه ، ( ولا بقولهم : " ابْنُ مَرْيَمَ " ) فإنّ المسيح من حيث الصورة ابن مريم بلا شكّ بل بالجمع بينهما ، فإنّهم به ستروا الله بصورة بشريّة عيسى .

ثمّ إنّه لما بيّن أنهم جمعوا بين الخطأ والكفر في قولهم هذا ، وقد بيّن وجه كفرهم فيه ، شرع في تبيين خطأهم بقوله : ( فعدلوا بالتضمين ) - أي بسبب جعلهم الحقّ في ضمن المسيح حالَّا فيه - ( من الله - من حيث أحيا الموتى إلى الصورة الناسوتيّة البشريّة بقولهم : " ابْنُ مَرْيَمَ " فإنّك قد عرفت في مطلع الفصّ هذا أنّ محل الروح عندهم يسمّى بالناسوت .


قال رضي الله عنه :  ( وهو ابن مريم بلا شكّ ) وإن ظهر من هذا أيضا كفرهم ، ولكن الغرض من هذا الكلام تبيين خطأهم .
وذلك لأنّهم عبّروا عن تلك العقيدة بقوله : "إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " بحمل هو هو.
وذلك إنما يقتضي الاتّحاد بين المحكوم عليه وبه ، لا تضمينه له ( فتخيّل السامع ) من عبارتهم هذه ( أنّهم نسبوا الإلهيّة للصورة وجعلوها عين الصورة ) على ما هو مؤدّى مثل ذلك الكلام .
أمّا نسبة الالوهيّة للصورة ، فبحمل المسيح بن مريم بهويّتها على الله بهو هو ، وأما جعلها عين الصورة فبوصفهم المحمول ذلك بالابن ، فحيث يخيّل السامع من كلامهم خلاف ما قصدوه من أصل عقيدتهم التي جبلوا عليها أوّلا.

 قال رضي الله عنه :  ( وما فعلوا ) ذلك النسبة على وفق ما فهم السامع من كلامهم وطبق ما يخيّل من معتقدهم ( بل جعلوا الهويّة الإلهيّة ابتداء في صورة بشريّة - هي ابن مريم - ففصّلوا بين الصورة والحكم ).

وهو نسبة الإلهيّة - تفصيل الحالّ عن المحلّ ، ( لا أنّهم جعلوا الصورة عين الحكم ) على ما هو المفهوم من كلامهم ، والمقصود من خلقتهم ، وهو أنّ الصورة التشبيهيّة عين الحكم المعنويّ التنزيهيّ .
وظاهر أنّ المراد بـ « الحكم » هاهنا هو نسبة الالوهيّة لا المحكوم عليه ، ولا القول بالحلول . وب « الفصل » هو التفرقة ، لا إيراد ضمير الفصل ، فإنّه من التعسّفات البعيدة التي لا يليق سلوكها بالمحصّلين ، فكيف بالمحقّقين  !

"" إضافة المحقق : تعريض للكاشاني حيث قال في شرح هذا المقطع: « حصروا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم ، ففصّلوا بين الصورة المسيحية والحكم عليها بالإلهية بـ « هو » - ضمير الفصل - فأفاد كلامهم الحصر لا أنهم جعلوا صورة المسيح عين الحكم عليها بالإلهية .
والظاهر أن الشيخ استعمل « الحكم » بمعنى المحكوم عليه ، ليطابق تفسيره الآية ، فإنّ اللَّه في الآية محكوم عليه ، والمسيح هو المحكوم به .
وقد يستعمل الحكم كثيرا بمعنى المحكوم به ، فلا حرج أن يستعمل بمعنى المحكوم عليه للملابسة وأراد أنهم أرادوا حلول الحق في صورة عيسى ، وهم يقولون بالفصل ، أي بالفرق وهو أن اللَّه في صورة عيسى .
فمعناه : حلّ الحقّ في عيسى بن مريم . فالحكم على هذا حلول اللَّه " .""

وبـ « الخطأ » هو التعبير بما يخالف مقاصدهم ، بل ينافيه ، لا الحصر المستفاد من الفصل فإنّه من الكفر لا الخطأ .
إذ حصر الحقّ في صورة بشريّة عيسى هو ستره المذكور المفسّر به الكفر فلا بدّ وأن يكون الخطأ معنى وراء ذلك حتّى يصحّ أن يقال : إنّ كلامهم جامع لهما .
تنبيه كاشف لا بدّ من تذكره هاهنا :  الوحدة الإلهية لا تعاند الكثرة
اعلم أنّ الهويّة الإلهيّة - لانتفاء أحكام المتقابلات فيها - وحدتها ليست هي الوحدة المعاندة للكثرة ، بل هي الشاملة لها ، المستجمعة معها ، فعبّر عنها هاهنا بالحكم ، تنبيها على هذه النكتة ، وتنزّلا أيضا إلى مسلك النصارى في ذلك ، فإنّهم جعلوا الالوهيّة موطن ثالث الثلاثة وقالوا فيها بالأقانيم المتكثّرة .

ثمّ إنّهم فصّلوا في المسيح بما كان عليه من إحياء الموتى ( كما كان جبرئيل في صورة البشر - ولا نفخ - ثم نفخ . ففصّل بين الصورة والنفخ و ) الدليل على ذلك أنّه (كان النفخ من الصورة) بشهادة المشاهدة ، وبيّن أن تلك الصورة ما لزمها النفخ ، ( فقد كانت ولا نفخ ) ، فعلم أنّه ليس من ذاتيّات تلك الصورة ولا من لوازمها ( فما هو النفخ من حدّها الذاتي ) فإنّ الذي يدخل في الحدود لا أقلّ من أن يكون من لوازمها .
ثمّ إنّه إذا استمرّ المراء بين أهل النظر في أمر عيسى اختلف آراؤهم فيه .
 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )

قال رضي الله عنه :  ( فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم )

قال رضي الله عنه :  (فقال : "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ" قالُوا " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله ) لا في أجزائه .

وإنما قلنا : الجمع بين الخطأ والكفر في تمام الكلام لا في أجزائه لأنه ، أي الجمع بينهما ( لا ) يتحقق ( بقولهم ) المسيح ( هو اللّه ) ، أو اللّه هو المسيح فقط ، فإن حمل على أن هوية الحق سبحانه هي التي تعينت وظهرت بالصورة المسيحية كما ظهرت بصور العالم كلها من غير أن يلاحظ فيه معنى الحصر فهو صدق لا شك فيه .
وإن لوحظ فيه معنى الحصر فهو كفر وستر لما هو الحق عليه من عموم سريانه في الموجودات كلها ، وإن حمل على أن الهوية الإلهية حالة في الصورة المسيحية فهو أيضا كفر إذ ظهورها في الأشياء ظهور المطلق في المقيد لا ظهور الحال في المحل فليس فيه إلا الكفر على بعض التقادير .

قال رضي الله عنه :  ( و ) كذلك الجمع بينهما ( لا ) يتحقق ( بقولهم ابن مريم ) فقط ، لأنه ابن مريم بلا شك فليس فيه كفر ولا خطأ أصلا فالجمع بينهما أنه هو مجموع الكلام لأنهم ضمنوا المسيح الإلهية واعتقدوها في ضمنه على وجه الحلول ( فعدلوا ) حال كونهم متلبسين ( بالتضمين ) ، أي بجعل اللّه من حيث هو أحيا الموتى في ضمن المسيح ونسبة الإحياء إليه ( من اللّه ) المضمن في صورة المسيح .

قال رضي الله عنه :  ( من حيث ) إنه ( أحيا الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية ) المسيحية فانفهم منه أن اللّه تعالى من حيث أنه أحيا الموتى إنما هو الصورة المسيحية ، وذلك خلاف معتقدهم فهو خطأ منهم ما عمدوه ، ولكن لزم من كلامهم وذلك العدول إنما يظهر ( بقول ابن مريم ) حيث أجروه على المسيح المحمول على اللّه المحيي للموتى

قال رضي الله عنه :  ( فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك. فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم . كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي. )


فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية ( وهو ) من حيث صورته الناسوتية ( ابن مريم بلا شك ) لا من حيث ما أحيا به الموتى فيتبادر الفهم أنه من حيث صورته الناسوتية محمول على اللّه ( فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية ) وأثبتوها ( للصورة وجعلوها ) بل الموصوف بها وهو اللّه ( عين الصورة ) المسيحية ( وما فعلوا ) من ذلك عن قصد بل توهمه السامع من كلامهم .
قال رضي الله عنه :  ( بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء ) ، أي في ابتداء كلامهم حيث قالوا : إن اللّه هو المسيح حالة ( في صورة بشرية هي ابن مريم ) ، لا ما حل فيها ( ففصلوا بين الصورة والحكم ) أي الإلهية التي هي المحكوم بها فإنهم ما حكموا على الصورة بل ما حل فيها.

قال رضي الله عنه :  ( لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم ) ، أي الإلهية على عين الموصوف بها ، ثم إنه رضي اللّه عنه لما بين أنهم فصلوا بين حكم الإلهية والصورة المسيحية شبه هذا الفصل بفصل جبريل بين النفخ والصورة البشرية .

فقال رضي الله عنه  : ( كما كان جبريل في صورة ) البشر أولا ( ولا نفخ منه ) في مريم ( ثم نفخ فيها ففصل بين الصورة ) البشرية ( والنفخ ) حيث تخلق النفخ عنها ( و ) لكن ( كان النفخ ) صادرا ( من الصورة ) آخرا فقد كانت الصورة ولا نفخ منها ( فما هو ) ، أي النفخ ( من حدها الذاتي ) الذي لم يفصل عنها ولا لازمها الخارجي كذلك ، ثم إنه لما استمر من العقلاء أهل النظر النظر في أمر عيسى عليه السلام وكان له وجوه متعددة اختلفت آراؤهم فيه .
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 2:56 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة العاشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة العاشرة : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم، ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبريل، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية، فيقول روح الله، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )

قال رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانيّة البشريّة فيقول هو ابن مريم ومن ناظر فيه من حيث الصّورة الممثّلة البشريّة فينسبه لجبرئيل عليه السّلام ؛ ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى اللّه بالرّوحيّة فيقول روح اللّه ، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه . فتارة يكون الحقّ فيه متوهّما - اسم مفعول - وتارة يكون الملك فيه متوهّما ، وتارة تكون البشريّة الإنسانيّة فيه متوهّمة : فيكون عند كلّ ناظر بحسب ما يغلب عليه ، فهو كلمة اللّه وهو روح اللّه وهو عبد اللّه.)

قال رضي الله عنه :  (فوقع الخلاف بين أهل الملل) ، أي الأديان من المسلمين والكافرين في عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى ما هو في نفس الأمر فمن ناظر فيه عليه السلام من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول عنه إنه هو ابن مريم وهو عبد اللّه ورسوله .
وإحياء الموتى كان من اللّه تعالى المتجلي بصورته ، لأنه قيوم عليه ممسك بقدرته كالذي يمسك السكين مثلا بيده ويقطع بها فالقاطع هو الممسك لا السكين .
ولهذا يرجع إليه المدح والذم ويلحقه الثواب والإثم فيما فعل ، والسكين صورة ظهر منها فعل ممسكها لا هي القاطعة .
وإذا قيل عنها أنها القاطعة كان هذا وصفها باعتبار اليد الممسكة لها لا باعتبارها هي في نفسها ، ولا حلول لليد فيها ولا اتحاد لها ، وإنما هي حقيقة واليد حقيقة أخرى ، وهكذا جميع الأسباب عند المهتدين .

وللّه المثل الأعلى في السماوات والأرض ، وأهل هذا القول هم المسلمون المحمديون ، فإذا أحيا اللّه تعالى الموتى بصورة عيسى عليه السلام لا يلزم أن يكون اللّه تعالى هو عيسى عليه السلام ، كما أن الكاتب إذا كتب بالقلم مثلا لا يلزم أن يكون الكاتب هو القلم .
وإذا اعتبر القلم لا مدخل له بالكلية في الكتابة ، وإنما الكتابة فعل ، والكاتب وحده يصح أن يقال حينئذ إن الكاتب هو القلم بعد فناء القلم واضمحلاله في وجود الكاتب حيث لا تأثير له البتة .

وفي عيسى عليه السلام كذلك إذا لم يعتبر فيه وجوده المستفاد من القيوم عليه واضمحلت رسوم الأنانية في حقيقته يصح فيه ذلك قولهم عنه بعد ذلك إنه ابن مريم واعتبار وجود صورته الناسوتية يأبى ذلك ومن ناظر فيه ، أي عيسى عليه السلام

قال رضي الله عنه :  (من حيث الصورة ) الروحانية (المتمثلة البشرية فينسبه لجبريل) عليه السلام ويقول فيه : إنه مثل جبريل عليه السلام لما تمثل في صورة البشر السوي ، فهو ملك بشر وهو قول المسلمين أيضا ، والمحيي للموتى هو اللّه تعالى أيضا متجليا بصورته كما تجلى على مريم بصورة جبريل عليه السلام بعد تصوّره في صورة البشر السوي ، ونفخ سبحانه في مريم ، فكان عيسى عليه السلام ، ولهذا نسب تعالى النفخ فيه ، فقال :"وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا"[ الأنبياء : 91 ] .
فيكون هنا في إحياء الموتى بعيسى عليه السلام للّه تعالى تجل بثلاث صور : صورة جبريل الأصلية من غير أن تتغير ، وصورة البشر السوي التي جاء بها جبريل إلى مريم عليها السلام ، وصورة عيسى عليه السلام ، وذلك في إبراء الأكمه والأبرص .

وهذا هو التثليث الصحيح في الملة العيسوية المعبر عنه باسم الأب ، وهو صورة البشر السوي ، والابن وهو صورة عيسى عليه السلام ، وروح القدس وهو جبريل عليه السلام بصورته الأصلية النورية الملكية . وهذه الثلاثة هو اللّه تعالى باعتبار تجليه سبحانه بهذه الصور الثلاث التي بعضها فوق بعض بالمراتب الوجودية ، على معنى أنه قيوم عليها وهي ممسوكة به ، لا أن له حلولا في شيء منها ، ولا اتحادا له بها ، ولا انحلالا لها منه : "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ( 3 ) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ"( 4 ) [ الإخلاص  3 - 4 ] .

قال رضي الله عنه :  (ومن ناظر فيه) ، أي عيسى عليه السلام (من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى اللّه) تعالى (بالروح) ، أي بسبب روحه الأمري المنفوخ فينقطع استهلاكه بالصورة الناسوتية في الحقيقة اللاهوتية فيقول فيه إنه روح اللّه كما قال سبحانه :وَرُوحٌ مِنْهُ وهذا القول قريب مما قبله لكن لا اعتبار فيه للصورة المتمثلة أي به ، يعني بعيسى عليه السلام الذي هو روح اللّه ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه من الطير والموتى ، وهذا القول أيضا للمسلمين لورود القرآن والسنة به ، وإنما الكافرون أخذوا القول الأوّل منها وهو كونه ابن مريم وادعوا حلول الألوهية فيه .

وبعضهم أخذ القول الثاني وادعى اتحاد الألوهية ، وأنه بهذا الاعتبار نفس الإله ، فقالوا : إن الإله تثلث وانقسم إلى أب وابن وروح قدس .
ثم قالوا : إله واحد ، وجعلوا الثلاثة أقانيم ، والأقنوم في لغتهم معناه الأصل ، أي أصول ثلاثة ، ثم سموها ثلاث صفات فقالوا : وجود وحياة وعلم .
ثم قالوا : حل أقنوم العلم وحده في عيسى ابن مريم .
ثم قالوا فيه : أنه صلب ناسوته فانفصل منه أقنوم العلم ورجع إلى أصله وخبطوا خبطا فاحشا وجهلوا جهلا خبيثا .
وقد رد عليهم أهل الكلام بعد رد القرآن العظيم حيث كفروا كفرا : "تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ( 90 ) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً ( 91 )  وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً"( 92 )[ مريم : 90 ] .

والحق ما عليه أئمة الإسلام وهو الصواب في نفس الأمر أن عيسى عليه السلام كانت حقيقته الظاهرة قابلة لثلاث اعتبارات بحسب ما ذكر فتارة يكون الحق تعالى فيه ، أي في عيسى عليه السلام متوهما بصيغة اسم مفعول حيث هو من روح اللّه والروح من أمر اللّه كما قال تعالى:  "وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" [ الإسراء : 85 ] .

وبهذا الاعتبار تكون ملكيته وبشريته مستهلكتين في أمر اللّه تعالى النازل بالحقيقة العيسوية وتارة يكون الملك بفتح اللام واحد الملائكة عليهم السلام فيه ، أي في عيسى عليه السلام متوهما بصيغة اسم مفعول لأنه نشأ في فرج أمه مريم عليها السلام بنفخ الملك فيها بأمر اللّه تعالى ، لأن الملائكة عليهم السلام لا يعملون إلا بأمر اللّه تعالى .

قال سبحانه :" وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " [ الأنبياء 27 ] ولا ينشأ عن الملك إلا ملك كما أنه لا ينشأ عن الإنسان إلا إنسان وعن الطير إلا طير .
وهكذا وبهذا الاعتبار تكون الحضرة الأمرية الإلهية والنشأة البشرية غائبتين في الحقيقة الملكية الروحانية منه .
وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه أي في عيسى عليه السلام متوهمة أيضا بصيغة اسم مفعول ، لأنه نشأ عن صورة البشر السوي الموهومة وعن الصورة البشرية المحققة من أمه مريم عليها السلام ولا ينشأ عن البشر إلا بشر فيكون ، أي عيسى عليه السلام عند كل ناظر إليه كما ذكر بحسب ما يغلب عليه ، أي على ذلك الناظر من اعتبار النشأة العيسوية بحسب الوجوه الثلاث فهو ، أي عيسى عليه السلام كلمة اللّه تعالى وقول اللّه كما قال تعالى :وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.


وقال سبحانه : " ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ"[ مريم : 34 ] .
باعتبار الوجه الأوّل لكون الحق تعالى فيه متوهما اسم مفعول .
وهو أيضا روح اللّه كما قال سبحانه : "وَرُوحٌ مِنْهُ ".
باعتبار الوجه الثاني لكون الملك فيه متوهما وهو أيضا عبد اللّه .
كما قال تعالى  : "إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ" [ الزخرف : 59 ] ، وقال تعالى : " لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً"  [ النساء : 172 ] .
وقال تعالى : " إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً"  [ مريم : 93 ] .
وقال تعالى :" إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" [ آل عمران : 59 ] .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم، ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبريل، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية، فيقول روح الله، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )

قال رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى عليه السلام ما هو فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول : هو ابن مريم ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبرائيل ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من احياء الموتى فينسبه إلى اللّه بالروحية فيقول : روح اللّه أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه فتارة يكون الحق فيه متوهما اسم مفعول ) . من حيث إحيائه الموتى.

قال رضي الله عنه :  ( وتارة يكون الملك فيه متوهما ) اسم مفعول من حيث كونه عن نفخ جبرائيل ( وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهما ) من حيث أنه ابن مريم ( فيكون ) عيسى عليه السلام  (عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه فهو كلمة اللّه ) لكونه حاصلا عن نفخ جبرائيل قال رضي الله عنه :  ( وهو روح اللّه ) لظهور الحياة فيمن نفخ فيه ( وهو عبد اللّه ) لكونه على الصورة البشرية .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم، ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبريل، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية، فيقول روح الله، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )

قال رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟  فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم، ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبريل، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية، فيقول روح الله، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه. فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )
 معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم، ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبريل، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية، فيقول روح الله، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )

قال رضي الله عنه : « فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته البشرية ، فيقول : هو ابن مريم . ومن ناظر فيه من حيث الصورة المتمثّلة البشرية ، فينسبه لجبرئيل . ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى ، فينسبه إلى الله بالروحية » .
يعني رضي الله عنه : يقول من حيث إنّه أحيا الموتى : هو روح الله ، أو كلمة الله ، أو هو الله ، أو هو ابن الله على الخلاف المشهور بين المسيحيّين ، وأنّه ابن مريم من حيث الصورة الناسوتية ، ومنهم من ينسبه إلى الروح الأمين من كونه نافخا له في الصورة البشرية .

قال رضي الله عنه : ( فيقول : روح الله ، أي منه ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه ، فتارة يكون الحق فيه متوهّما - اسم مفعول - وتارة يكون الملك فيه متوهّما ، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهّمة ، فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه ، فهو كلمة الله وهو روح الله ، وهو عبد الله (
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ صورة عيسى تكون بنفخ الروح الأمين ، فجسمه روح متجسّد متمثّل في مادّة ، يعني الرطوبة التي في النفخ للإحياء والحياة ، وغير عيسى ليس كذلك ، لأنّ الملك - بإذن الله - أو الله ينفخ فيه الروح بعد تسوية الجسم وإعداد الصورة البشرية المسوّاة المخلَّقة في الرحم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف لذلك بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية ، فيقول هو ابن مريم .
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل .
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله .  أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )

قال رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف لذلك بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية ، فيقول هو ابن مريم .ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل .ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله .  أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه )

أي لما اختلفت فيه الحيثيات الثلاث نسبه كل واحد من الناظرين إلى ما غلب عليه في ظنه بحسب نظره ، فمن نظر فيه من حيث ما رأى منه من إحياء الموتى المختص باللَّه نسبه إلى الله بالروحية فقال إنه روح الله وكلمة الله .
وقد اختلف في هذه الجهة دون الأولين لقصور النظر في الجهة الأولى ، فمنهم من قال هو الله ومنهم من قال هو ابن الله على الخلاف المشهور بين المسيحيين.

قال رضي الله عنه : ( فتارة يكون الحق فيه متوهما اسم مفعول ، وتارة يكون الملك فيه متوهما ، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه ، فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )
أي ليس ذلك الخلاف في الصورة الحسية بسبب التوهمات لغير عيسى ، لأنه تكون بنفخ الروح الأمين من غير أب وصدر منه الفعل الإلهي ، وكان أحد جزأى طينته ماء متوهما ، وغيره لم يكن كذلك .
"" أضاف بالي زادة :  (فهو كلمة الله ) لكونه حاصلا عن نفخ جبريل ( وهو روح الله ) لظهور الحياة به فيمن نفخ (وهو عبد الله) لكونه على الصورة البشرية (وليس ذلك) الاجتماع (لغيره) اهـ بالى . ""


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف لذلك بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية ، فيقول هو ابن مريم .
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل .
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله .  أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )

قال رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية ، فيقول هو ابن مريم . ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية ، فينسبه لجبرئيل . ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى ، فينسبه إلى الله تعالى بالروحية ، فيقول روح الله ، أي ، به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه . فتارة يكون الحق فيه متوهما - اسم مفعول - وتارة يكون الملك فيه متوهما ، وتارة يكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة ، فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه . فهو كلمة الله ، وهو روح الله ، وهو عبد الله . ) كله ظاهر
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة العاشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة العاشرة : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف لذلك بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية ، فيقول هو ابن مريم .
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل .
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله .  أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله )
 
قال رضي الله عنه :  (فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟  فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانيّة البشريّة فيقول : هو ابن مريم ، ومن ناظر فيه من حيث الصّورة الممثّلة البشريّة فينسبه لجبرائيل عليه السّلام ؛ ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى اللّه بالرّوحيّة فيقول : روح اللّه ، أي : به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه ، فتارة يكون الحقّ فيه متوهّما اسم مفعول ، وتارة يكون الملك فيه متوهّما .وتارة تكون البشريّة الإنسانيّة فيه متوهّمة : فيكون عند كلّ ناظر بحسب ما يغلب عليه ، فهو كلمة اللّه ، وهو روح اللّه ، وهو عبد اللّه.)
قال رضي الله عنه :  (فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ) صورته الإنسانية البشرية ، ( فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية ) الحقيقية لا باعتبار جمعيتها في ظاهره الجسماني وباطنه الروحاني ، بل من حيث ( البشرية ) فقط ، .
( فيقول : هو ابن مريم ) ويقتصر على وهم اليهود ، ( ومن ناظر فيه من حيث الصورة البشرية ) التي ظهر بها جبريل عند النفخ ، وقيد البشرية ؛ ليشعر بأن نظره أيضا باعتبار الظاهر.
قال رضي الله عنه :  ( فينسبه لجبريل ) باعتبار بشريته ، وهم المتكلمون ، فقالوا : إنه بشر بلغ رتبة الملك ، ففعل فعله من الإحياء الذي هو من خصائص الأرواح .
قال رضي الله عنه :  (ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر فيه من إحياء الموتى ، فينسبه إلى اللّه ) باعتبار كون روحه من اللّه ، وكون جسمه في حكم روحه ، كما قال ( بالروحية ، فيقول : ) هو باعتبار جسمه وروحه ( روح اللّه ) يحيى بإحيائه لا بمعنى أنه يوجد الحياة في المنفوخ فيه ، بل بالمعنى الذي قاله ( أي : به ) .
يعني : بعيسى من حيث كونه من اللّه بلا واسطة ( ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه ) ، وهذا يقرب من قول المحققين من الصوفية ، ولكنهم خرجوا عن الحيرة فلم يجعلوا جسمه متحدا بروحه كما لم يفعل هو لا روحه متحدا بالحق ، بل أضافوه إليه ، ولكن وقع في الحيرة من وقع بسبب هذا الإحياء ، فجعله بعضهم بروحه وجسمه متحدا بالحق ، وبعضهم بالملك ، وبعضهم اقتصروا في ذلك على البشرية .
قال رضي الله عنه :  ( فتارة يكون الحق فيه متوهما ) ، فيقال : إحياؤه حقيقي تكويني هو عين إحياء الحق ، فهو عين الحق فيكون الحق فيه متوهما ( اسم المفعول ) تتوهمه الطائفة القابلة باتحاده ، وليس في الواقع حتى يكون الحق متوهما اسم الفاعل كونه فيه باتحاده به ، ( وتارة يكون الملك فيه متوهما ) ، فيقال : إن إحياءه بملكيته الممثلة بالصورة البشرية ، فهو الملك عنه.
قال رضي الله عنه :  ( وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة ) ، فيقال : إن إحياءه كان تكوينيّا مع كونه بشرا ، وهو غلط لاستوائه مع سائر الأشخاص الإنسانية في هذا المعنى إلا أنهم يقولون : إن النفوس الإنسانية مختلفة الحقائق يتأتى من بعضها من الأفعال ما لا يتأتى من غيره.
 
قال رضي الله عنه :  ( فيكون ) عيسى باعتبار صورته الحسية ( عند كل ناظر بحسب ما يغلب نظره عليه ) ، ولكنه يتحير في جعل ذلك له باعتبار صورته الحسية ، وله ذلك باعتبار المجموع من روحه وجسمه من غير أن يكون إلها ، ولا ملكا ، ولا مكونا للحياة أصلا ، ولا مظهرا إلهيا باعتبار بشريته .
قال رضي الله عنه :  ( فهو ) باعتبار كون روحه من اللّه ( كلمة اللّه ) لوجوده بكلمة « كن » ، ( وهو ) باعتبار كونه مظهرا للحياة ( روح اللّه وهو ) باعتبار كل جزء من أجزائه ، وحال من أحواله ( عبد اللّه ) من البشر لا يتعداه إلى الألوهية ، ولا إلى الملكية .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف لذلك بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية ، فيقول هو ابن مريم .
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل .
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله .  أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله ).
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ، ما هو ؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانيّة البشريّة فيقول : « هو ابن مريم » ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثّلة البشريّة ) بظهور أوصافها الروحيّة وملكاتها الكماليّة منها ، مما لا يمكن صدوره من الصور الهيولانيّة الجسميّة.
قال رضي الله عنه :  ( فينسبه لجبرئيل ، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحيّة ) ، وبيّن أن لكل شخص حسّي من الإنسان صورة هيولانيّة جسمانيّة هي مبدأ النسبة إلى أمه ، فإنّها مقتضى أصل القابليّة الأولى ، ضرورة أنّها هي الآخر ،فلذلك وسمها بابن مريم.
وفي جمع بيّنات عدده معه ما يدلَّك على تولَّد الصورة منها .
 
وإذ كان ذلك هو موطن تمام الظهور والإظهار أشار في النسبة إليها بصريح القول ، وصورة جسدانيّة هي مبدأ النسبة إلى أبيه ، فإنّ الخيال والوهم الذين هما جناحا تأثيرها ورجلا تقوّمها ليس للفعل مبدأ غيرهما فلذلك نسبها إلى جبرئيل .
ثمّ إنّ الحاصل من الصورتين والنتيجة الكاشفة عن مؤدّى تينك المقدّمتين إنما هي آثارها من الأفعال والأحوال الظاهرة من هيئة جمعيّتهما فهي إذن صورة جمعيّة الكل ، فلذلك نسبها إلى الله بذلك الاعتبار.
 
 الاعتبارات الثلاث في عيسى عليه السّلام
وإذ كان فيها أمر تمام الإظهار بالفعل ، صرّح فيه أيضا بالقول حيث قال : ( فنقول : « روح الله » أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه ، فتارة يكون الحق فيه متوهّما - اسم مفعول ) ، حيث يعتقد فيه مبدئيّة ظهور الحياة ، فإنّها معنى جزئيّ .
قال رضي الله عنه :  ( وتارة يكون الملك فيه متوهّما ) حيث يعتقد فيه ويعتبر مبدئيّة الأفعال الروحانيّة والملكات الملكيّة ، ( وتارة تكون البشريّة الإنسانيّة فيه متوهّمة ) حيث يعتبر منه ظهور الانفعالات البشريّة .
قال رضي الله عنه :  ( فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه ) في اعتقاده : ( فهو كلمة الله ) باعتبار حصوله من نفخ جبرئيل ، ( وهو روح الله ) باعتبار مبدئيّته للإحياء ، ( وهو عبد الله ) باعتبار صورته البشريّة .
 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف لذلك بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية ، فيقول هو ابن مريم .
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل .
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله .  أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله ).


قال رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية، فيقول هو ابن مريم. ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية)
 
قال رضي الله عنه :  ( فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو ؟ فمن ناظر فيه من حيث صورته ) الهيولانية الجسمانية ( الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم ، ومن ناظر فيه من حيث الصورة المتمثلة البشرية ) التي تمثل بها جبريل حين النفخ
 
قال رضي الله عنه :  ( فينسبه إلى جبريل. ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله.   أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه. فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه. فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله،)
 
فقال رضي الله عنه  : ( فينسبه لجبريل عليه السلام ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى ) الذي هو من الخصائص الإلهية ( فينسبه إلى اللّه بالروحية فيقول روح اللّه ، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه ) من الموتى ، فتسميته روحا إنما هو باعتبار ظهور الحياة واختصاصه باللّه ، لأن تغذية الحياة إلى ما لا تعلق به كالبدن من الخواص الإلهية دون الأولتين لعموم النظر فيها .
فمنهم من قال : هو اللّه ، ومنهم من قال : هو ابن اللّه على الخلاف المشهور بين المسيحيين ( فتارة يكون الحق فيه متوهما اسم مفعول ) م ن حيث تصدر عنه الصفات الإلهية من الإحياء والإبراء وغيرهما .
 
فقال رضي الله عنه  : ( وتارة يكون الملك فيه متوهما ) حيث تشاهد فيه الصفات الروحانية والملكات الملكية ( وتارة تكون البشرية ) الحقيقية ( الإنسانية ) لا الصورة الملكية ( فيه متوهمة ) حيث تظهر منه الأفعال البشرية كالأكل والشرب وغيرهما .
وإيراد التوهم ههنا على سبيل المشاكلة إن كان مقابلا للتحقق ، وإذا أريد به إدراك المعنى الجزئي فيمكن أن يتكلف له وجه في جميع هذه الصور ( فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه ) في اعتقاده حين مشاهدته حقا كان أو باطلا ( فهو ) عند أهل الحق ( كلمة اللّه ) باعتبار حصوله من نفخ جبريل ( وهو روح اللّه ) .
 
باعتبار مبدئيته للإحياء كما قال اللّه تعالى فيهما :"وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ "[ النساء : 171 ] ( وهو عبد اللّه ) باعتبار صورته البشرية كما قال تعالى :" إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ "[ مريم : 30 ] .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 16 ديسمبر 2019 - 13:42 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 3:05 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الحادية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الحادية عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).


قال رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصّورة الحسّيّة لغيره ، بل كلّ شخص منسوب إلى أبيه الصّوري لا إلى النّافخ روحه في الصّورة البشريّة .  فإنّ اللّه إذا سوّى الجسم الإنسانيّ كما قال :فَإِذا سَوَّيْتُهُ [ الحجر : 29 ] نفخ فيه هو تعالى من روحه . فنسب الرّوح في كونه وعينه إليه تعالى . وعيسى ليس كذلك ، فإنّه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشريّة بالنّفخ الرّوحيّ ، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله .  فالموجودات كلّها كلمات اللّه الّتي لا تنفذ ، فإنّها عن « كن » وكن كلمة اللّه . فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيّتها أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول « كن » فيكون قول كن لتلك الصّورة الّتي نزل إليها وظهر فيها ؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطّرف الواحد ، وبعضهم إلى الطّرف الآخر ، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري . )
 
قال رضي الله عنه :  (وليس ذلك) ، أي الوجوه الثلاثة المذكورة (في الصورة الحسية لغيره) ، أي عيسى عليه السلام من جميع الناس ولا لآدم عليه السلام ، فإن اللّه تعالى ما خلقه بواسطة ملك تصوّر في صورة بشر ، وإنما خمر طينته بقدرته سبحانه ، ثم سواها بلا واسطة ونفخ فيه من روحه بلا واسطة ، والمثلية في قوله تعالى :إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍثم قال له كن فيكون باعتبار ما ذكره من خلقه من تراب ، ثم تكوينه له بنفخ الروح فيه ولا واسطة بالنظر إليه تعالى ، ولهذا قال في عيسى عليه السلام : فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [ الأنبياء : 91 ] .
 
ولم يذكر سبحانه واسطة نفخ الملك ، وهذا معنى التقييد بالعندية في قوله تعالى :إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ، ولم يطلق سبحانه : فإِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ.
وأما مثله عندنا فليس كذلك لاعتبارنا الواسطة كما هي كذلك في عيسى عليه السلام دون آدم عليه السلام .
ولهذا اعتبرها سبحانه في موضع آخر من كلامه حيث قال : " فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ( 18 ) قالَ: " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " ( 19 ).
بل كل شخص من الناس منسوب إلى أبيه الصوري المتوجه على إلقاء نطفته في رحم أمه ؛ ولهذا قال تعالى : " ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ " [ الأحزاب : 5 ] .
وقال تعالى : "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ"  [ البقرة : 332 ] ، وهو الأب ، فإذا زال حكم الدنيا وتكوين الناس فيها عن الوسائط الظاهرة في الطبيعة وكان يوم القيامة ظهرت عندية اللّه .
 
قال تعالى : " فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ" [ المؤمنون : 101 ] ، وسبب ذلك النشأة الأخرى التي يتكوّن فيها الكل عن أمر اللّه تعالى من غير واسطة .
وقال تعالى  " :يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ( 34 ) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ " [ عبس : 34 - 35 ].
 
وذلك لبطلان النشأة التي كانت في الدنيا مبنية على السببية بالوسائط وارتفاع الأنساب بالنشأة التي قال تعالى : " وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى( 47 )" [ النجم : 47 ]
فيشبه الناس حينئذ خلق آدم عليه السلام بظهور الأمر لهم في عين ما طلبه إبراهيم عليه السلام في الدنيا بقوله :" رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى" [ البقرة : 260 ] .
فيريهم اللّه تعالى كلهم كيف يحيي الموتى في ذلك اليوم الآخر وهو قوله تعالى : " يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ "( 6 ) [ المطففين : 6 ] ، أي لا لأنفسهم ولا لبعضهم بعضا لا منسوب إلى الحق تعالى النافخ فيه روحه من أمره تعالى في الصورة البشرية التي صورناها من النطفة في رحم الأم بالملك الذي أرسله لذلك .
 
فإن اللّه تعالى إذا سوى الجسم الإنساني من النطفة في الرحم كما قال تعالى في آدم عليه السلام من غير واسطة ، وفي غيره بواسطة الملك المرسل إلى الرحم كما ورد في الحديث فإذا سويته والتسوية تصويره في الصورة الإنسانية ونفخ فيه ، أي في ذلك الجسم المسوّى هو ، أي اللّه تعالى من روحه فنسب الروح في كونه ، أي وجوده لنفسه وفي عينه ، أي تعينه بالصورة المخصوصة المنفوخ هو فيها إليه تعالى فقيل : روح اللّه .
وقال تعالى: " فَأَرْسَلْنا إليها رُوحَنا " [ مريم : 17 ]
وقال تعالى : " وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي"  [ الحجر : 29 ] .
 فالروح منسوب إلى اللّه تعالى قبل النفخ وبعده ، لأنه مخلوق من أمره بلا واسطة .
وعيسى عليه السلام في خلقته ليس كذلك ، أي ليس مثل كل شخص من الناس فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي فيه فكان النافخ مسويا جسمه وصورته الإنسانية ومعطيا له الروح فيها بفعل واحد وهو النفخ الواحد وغيره .
 
أي غير عيسى عليه السلام من كل شخص من الناس كما ذكرناه قريبا لم يكن مثله ، أي مثل عيسى عليه السلام بل كان جسمه الإنساني قد سوّاه اللّه تعالى أوّلا ، فلما تمت تسويته نفخ فيه من روحه فلم يخلق اللّه تعالى أحدا كخلقه عيسى عليه السلام أصلا ، ولهذا صحت فيه الوجوه الثلاثة المذكورة دون غيره من المخلوقات .
وإن صح في كل شيء أن يقال إنه كلمة اللّه وإنه روح اللّه وإنه عبد اللّه باعتبار خلق اللّه تعالى كل شيء بقوله :كُنْ فَيَكُونُوقيام كل شيء به تعالى ، لأنه الحي القيوم وبأمره سبحانه كما قال : "أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ " [ الروم : 25 ] ، ويتنزل الأمر بينهنّ .
وقال :" ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ " [ الطلاق : 5 ] ، وأخبر
 
أن كل شيء يسبح بحمده ولا يسبح إلا ذو روح ، فكل شيء له روح من أمر اللّه قيوم عليه باللّه ، وكل شيء عبد اللّه كما قال سبحانه :إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً( 93 ) [ مريم : 93 ].
 ولكن لم يخلق اللّه تعالى شيئا مثل كيفية خلقه لعيسى عليه السلام كيفية باعتبار ترتيب الوسائط لا باعتباره وهو سبحانه الخالق لكل شيء ، لأنه مافِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ[ الملك : 3 ]
وخلقه كله سواء بالنسبة إليه تعالى كما ذكرناه ، وإنما الفرق بالنسبة إلينا ؛ ولهذا قال تعالى :إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِكما قدمناه .
 
فالموجودات كلها المحسوسات منها والمعقولات والموهومات كلمات اللّه تعالى التي لا تنفد
كما قال سبحانه : " قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً "( 109 ) [ الكهف : 109 ] .
وقال تعالى : " وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ " [ لقمان : 27 ] فإنها ، أي جميع الموجودات صادرة عن اللّه تعالى بقوله سبحانه كن لكل شيء منها فيكون وكن كلمة اللّه تعالى ، وقد تضمنت الشيء لتوجهها به عليه ، فالشيء لها بمنزلة الحروف الحاملة بطريق الدلالة للمعنى المراد ، وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُوهو كن لتوجهها منه تعالى لأنها أمره ، فالأمر الإلهي هو الكلام النفسي ، والخلق بمنزلة الكلام اللفظي كما قال تعالى :"أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ "[ الأعراف : 45 ].
  
فهل تنسب الكلمة الإلهية التي هي كن إليه تعالى بحسب ما هو تعالى عليه من التنزيه المطلق الذي لا يعلم به إلا هو فلا تعلم ، أي لا يعلم أحد ماهيتها ، أي تلك الكلمة كباقي حضراته تعالى فنسلمها له ونؤمن بها على ما يعلمه هو منها لا على ما نعلم نحن ، لأنه تعالى يعلم ونحن لا نعلم جميع ما يكون له سبحانه كما قال :وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ البقرة : 216 ] .
وقال الملائكة : " سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا " [ البقرة : 32 ]
أو نقول : ينزل هو ، أي اللّه تعالى إلى صورة من يقول من ملائكة أو بعض خلقه كن للشيء الذي يريده اللّه تعالى .
 
فيكون حينئذ قول كن حقيقة معلومة لنا منسوبة لتلك الصورة التي نزل إليها الحق تعالى فتجلى بها وظهر فيها بقيوميته عليه
فبعض العارفين من أهل اللّه تعالى يذهب إلى الطرف الواحد وهو الأوّل.
وبعضهم أي العارفين يذهب إلى الطرف الآخر وهو الثاني
وبعضهم ، أي العارفين يحار في الأمر الإلهي ولا يدري ما هو .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  
 
قال رضي الله عنه :  ( وليس ذلك ) الاجتماع أوليس ذلك النفخ الحاصل في الصورة الحسية العيسوية حاصلا ( في الصورة الحسية ) البشرية ( لغيره ) حتى وقع فيه الخلاف الواقع بين أهل الملل في عيسى عليه السلام ( بل كل شخص ) لعدم اجتماع حقائق هذه الوجوه فيه ( منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية ).
وإنما لم يكن لغير عيسى عليه السلام من البشر ما كان لعيسى عليه السلام ( فإن اللّه تعالى إذا سوى الجسم الإنساني كما قالفَإِذا سَوَّيْتُهُ *) فنفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين .
 
قوله رضي الله عنه  : ( نفخ فيه هو تعالى من روحه ) جواب لقوله إذا سوّى الجسم الإنساني ( فنسب الروح في كونه ) أي في وجود الإنسان ( وعينه ) الحسي ( إليه تعالى ) فكان نسبة الروح إلى اللّه في حقه بعد التسوية ففصل بين تسوية الجسم والنفخ الروحي في غيره فلم يسم روح اللّه ( وعيسى عليه السلام ليس كذلك فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي ) فلم يفصل بين تسوية الجسم العيسوي وبين روحه فلا يتقدم تسوية جسمه على نفخ روحه .
 
قال رضي الله عنه :  ( وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله ) أي لم يكن مثل عيسى عليه السلام في الخلقة فلا يكون غير عيسى عليه السلام محلا للخلاف كما كان عيسى عليه السلام فإذا كان نافخ الروح هو اللّه ( فالموجودات كلها كلمات اللّه التي لا تنفد فإنها ) أي الموجودات صادرة (عن كن وكن كلمة اللّه ) فتنسب كلمة كن إلى اللّه .
إما بحسب مرتبة ألوهية وإما بحسب نزوله إلى صورة من يقول كن لإحياء الموتى ، وإليه أشار بقوله ( فهل تنسب الكلمة إليه تعالى بحسب ما هو عليه ) من مقام ألوهيته بدون النزول وتكلم بلسانه بكلمة كن فأحيا الموتى وخلق الطير من صورة عيسى عليه السلام ( فلا تعلم ماهيتها ) حينئذ إذ كلمته عين ماهيته فلا تعلم ماهيته فلا تعلم كلمته .
 
قال رضي الله عنه :  ( أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول ) له ("كُنْ فَيَكُونُ " قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل ) الحق ( إليها وظهر فيها ) وتكلم بكن لإحياء الموتى وخلق الطير ( فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ) وهو أن اللّه متكلم بكلمة كن في مقام ألوهيته وهو المحيي والخالق لا العبد ( وبعضهم إلى الطرف الآخر ) وهو أن اللّه متنزل في صورة من يتكلم بكلمة كن فالخالق والمحيي هو العبد بإذن اللّه .
قال رضي الله عنه :  ( وبعضهم يحار في الأمر ) أي في صدور الأمر الخارق من العبد كالإحياء وخلق الطير ( ولا يدري ) من أي شيء هو أمن الحق أم من العبد لأن هذا العارف يعلم أن الإحياء من الخصائص الإلهية فشاهد صدوره من العبد فيحار في نسبته إلى اللّه وإلى العبد لعدم ذوق هذا العارف من تلك المسألة.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  
 
قال رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية. فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله. فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟ فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  
 
قال رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسيّة البشرية لغيره ، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية ، فإنّ الله إذا سوّى الجسم الإنساني - كما قال : " فَإِذا سَوَّيْتُه ُ " نفخ فيه هو تعالى من روحه ، فنسب الروح في كونه وعينه إلى الله تعالى ، وعيسى ليس كذلك ، فإنّه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي ، وغيره - كما ذكرنا - ليس  كذلك ) .
 
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ صورة عيسى تكون بنفخ الروح الأمين ، فجسمه روح متجسّد متمثّل في مادّة ، يعني الرطوبة التي في النفخ للإحياء والحياة ، وغير عيسى ليس كذلك ، لأنّ الملك - بإذن الله - أو الله ينفخ فيه الروح بعد تسوية الجسم وإعداد الصورة البشرية المسوّاة المخلَّقة في الرحم .
 
ثم قال رضي الله عنه : ( فالموجودات كلَّها كلمات الله التي لا تنفد ، فإنّها عين « كن » و « كن » كلمة الله ، فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه ، فلا تعلم ماهيتها ، أو ينزل هو - تعالى - إلى صورة من يقول له : « كن » فيكون قول : « كن » حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها ؟ فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ، وبعضهم إلى الطرف الآخر ، وبعضهم يحار في الأمر ، ولا يدري ) .
 
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الموجودات كلَّها لمّا كانت تعيّنات الوجود الحق وتنوّعات صور تجلَّياته الإلهية ، فهي كلمات الله على ما مرّ مرارا ، ولأنّها صور «كن» فهي تحتمل اعتبارين:
أحدهما : اعتبارها من حيث وجودها الحقّ : فتترك مطلقة على حقيقتها ، فلا تعلم حقائقها ، فإنّها كلمات الله المطلقات ، كهو مطلقا .
والاعتبار الثاني : اعتبار تنزّل الوجود الحق إلى صور التعيّنات ، فيكون المتعيّن عين التعيّن ، فيكون كلمة « كن » إذن عين الصورة ، فذوق بعض العارفين اعتبر الوجه الأوّل ،
فقال : التعيّن عين المتعيّن بذلك التعين ، والمتعين عين الحقيقة المطلقة غير المتعيّنة ، وعلى إطلاقه .
وبعضهم قالوا : نزل عن الإطلاق بالتعين فتعين ، فكان الوجود الحق المتعيّن في كل تعيّن عين التعيّن وبحسبه على التعيين .


وبعضهم رأى احتمال الاعتبارين معا من غير ترجيح ، فحار الحيرة الكبرى التي للأكابر . وأمّا أهل الأكملية من أرباب الكمال فلم يحاروا ، بل قالوا بتحقّق الأمرين معا دائما في كل عين عين ، وهذا الذوق من مشرب الختم ، ويختصّ بالخاتميّين والمحمديّين ، جعلنا الله وإيّاك منهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  
 
قال رضي الله عنه :  ( بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية ، فإن الله إذا سوى الجسم الإنسانى كما قال – " فَإِذا سَوَّيْتُه " - نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى ، وعيسى ليس كذلك فإنه أدرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي وغيره كما ذكرنا لم يكن مثله ) .
هذا تقرير لما ذكر من أن صورة عيسى روحانية غلبت عليها الصورة الممثلة المثالية المنتسبة إلى النفخ بخلاف سائر البشر ، لأن كل شخص إذا سوى الله جسمه الصوري نفخ فيه روحه بعد تسوية جسده فنسب الروح في كونه وعينه إلى الله ، بخلاف عيسى فإنه نفخ في أمه مادة جسده فسوى جسده وصورته البشرية بعد النفخ فصارت الروحانية جزء جسده .
 
قال رضي الله عنه ( فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد فإنها عن كن ، وكن كلمة الله فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا يعلم ماهيتها ، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول كن فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ، وبعضهم إلى الطرف الآخر ، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدرى )
 
أي الموجودات كلها تعينات الوجود المطلق الحق وصور التجليات الإلهية فهي كلماته الكائنة بقول كن وكن عين كلمة الله فإما أن يكون الوجود الحق من حيث حقيقته المطلقة ظهر في صورة الكلمة فلا يعرف حقيقة الكلمة كما تعرف حقيقة الحق .
وإما أن ينزل الحق عن حقيقته المطلقة إلى صورة من يتعين بذلك التعين أي من يقول كن فيكون المتعين عين الكلمة التي هي صورة ما نزل إليه وظهر فيه وهو نفس التعين وعين كن .
 فبعض العارفين وجد الأول ذوقا فذهب إليه ، وبعضهم إلى الثاني.
 
 وبعضهم وقع في الحيرة فلم يدر حقيقة الأمر وهي الحيرة الكبرى التي للأكابر ..
وأما الأكامل من المحمديين فلم يحاروا بل قالوا بتحقيق الأمرين معا ، فإن كل عين هي نفس المتعين وكل متعين متقيد هو عين المطلق .
فإن المطلق ليس هو المقيد بالإطلاق الذي يقابل المقيد ، بل الحقيقة المطلقة من حيث هو هو فيكون مع كل تعين وتقيد هو هو على إطلاقه ، وعين المقيد الذي نزل إلى صورته ، وعين التعين الذي ظهر في صورته فلا حيرة أصلا .
 
"" أضاف بالي زادة :  ( وكن كلمة الله ) فتنسب كلمة كن إلى الله إما بحسب مرتبة الألوهية وإما بحسب نزوله إلى صورة من يقول كن لإحياء الموتى ، وإليه أشار بقوله ( فهل تنسب الكلمة إليه تعالى ) اهـ
( للطرف الواحد ) هو أن الله متكلم بكلمة كن في مقام ألوهيته ( والطرف الآخر ) أن الله متنزل في صورة من يتكلم بكن ، فالخالق للعبد بإذن الله والحيرة في أنه هل هو من الحق أم من العبد ، ومعلوم أنه من الخصائص الإلهية لأن هذا العارف يعلم أن الإحياء من الخصائص الإلهية ، فشاهد صدوره من العبد ، فيحار في نسبته إلى الله وإلى العبد لعدم ذوق هذا العارف من تلك المسألة اهـ بالى . ""
 

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 3:09 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 3:08 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الحادية عشر الجزء الثانيل .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الحادية عشر : -    الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  
 
قال رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره ، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري ، لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية . )
أي ، وليس ذلك الخلاف والتوهمات لغير عيسى في الصورة الحسية ، وإن كان النافخ لأرواحهم الحق تعالى أو الملك .
بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى من نفخ أرواحهم في صورهم ، وإن كان وقع الإحياء وغيره من خوارق العادات على أيدي عباد الله من الأولياء والأنبياء أحيانا . أو وليس مثل ذلك النفخ لغير عيسى ليقع فيه الخلاف كما وقع في عيسى .
وتعليله بقوله : ( فإن الله ) يدل على الثاني . وقوله : ( وغيره ، كما ذكرناه ، لم يكن مثله ) تصريح بأن المراد هو الثاني .
(فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني ، كما قال : ( فإذا سويته ) ، نفخ فيه هو تعالى من روحه ) تقدير الكلام : فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني ، نفخ فيه كما قال : ( فإذا سويته ) - الآية .
 
قال رضي الله عنه :  (فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى . وعيسى ليس كذلك ، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي ،وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.).
 
 تعليل لقوله : ( وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره ) لأن الله إذا سوى جسم آدم ، نفخ فيه الروح ، كما قال : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) .
فنسب ( الروح ) في كونه ، أي وجوده وعينه ، إلى الله تعالى . وجميع أولاد آدم أيضا كذلك : فإن تسوية أبدانهم قبل نفخ أرواحهم . وتسوية جسم عيسى وصورته البشرية ليست كذلك .
فإنها كانت مندرجة في النفخ الروحي بحيث لم يتميز بين أجزاء جسمه ، وهو الماء المحقق من ماء مريم والماء المتوهم من جبرئيل ، والروح المنفوخ في تلك الصورة العيسوية ، ولم يتقدم حصول جسمه على روحه ، فما كانت تسوية جسمه قبل النفخ ، كما كانت لغيره ، فحصل الفرق .
وليس في هذا الكلام إشارة إلى أن بدن عيسى بدن مثالي ، كما توهم بعضهم .
ولو كان اندراج الأجزاء المثالية الروحانية في الأجزاء الجسمانية موجبا لصيرورة البدن بدنا مثاليا ، لكانت أبداننا أيضا أبدانا مثالية ، إذ لا يمكن أن يوجد منها جزء مجرد عن الأجزاء الروحانية التي هي من جنس الجوهر المثالي ، وهي الروح الساري في أجزاء البدن .
 
قال رضي الله عنه :  ( فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد ، فإنها عن ( كن ) ، و( كن ) كلمة الله . )
لما كان كلامه في عيسى وأنه كلمة من كلماته تعالى الصادرة بقول ( كن ) ، أعقب بأن الموجودات كلها كلمات الله التي لا نهاية لها ، فإنها كلها صادرة عن قول ( كن ) .
كما قال رضي الله عنه  : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )  و ( كن ) أيضا كلمته ، إلا أنه أصل لتكوين غيرها من الكلمات .
والفرق بينه وبين غيره من الكلمات ، أنه كلمة قولية صادرة من الاسم ( المتكلم ) ، وغيره كلمة
وجودية . وإطلاق الكلمات عليها مجاز ، من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب بهذا الاعتبار.
وإن كان باعتبار آخر على الحقيقة ، وهو : أن كلا من الكلمات القولية والوجودية عبارة عن تعينات واقعة على النفس ، إذا القولية واقعة على النفس الإنسانية ، والوجودية على النفس الرحماني .  كما مر في صدر الكتاب وسيأتي في هذا الفص .
 
قال رضي الله عنه :  ( فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه ، فلا تعلم نفس ماهيتها ؟ أو تنزل هو تعالى إلى صورة من يقول ( كن ) فيكون . قول (كن) حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها. )
 
قال رضي الله عنه :  ( اللام ) في ( الكلمة ) للعهد ، والمعهود كلمة ( كن ) ، وضمير ( إليه ) عائد إلى الحق .
وقوله : ( فلا تعلم ) وقوله ( فيكون ) جواب للشرط المقدر .
معناه : هل تنسب كلمة ( كن ) إلى الله تعالى بحسب ما هو عليه في مرتبة إلهيته ؟ أو تنسب إليه بحسب تنزله تعالى إلى مرتبة الأكوان .
فإن كان بحسب ما عليه الحق في مقام إلهيته ، فلا يعلم مهية كلمة ( كن ) ، لأن كلامه عين ذاته
ومهية الذات غير معلومة لبشر .
وإن كان بحسب تنزله إلى مرتبة الأكوان ، إلى صورة من يقول ( كن ) ، فيكون قول ( كن ) حقيقة ، أي ، حقيقة تابعة لتلك الصورة القائلة ب‍ ( كن ) التي نزل الحق إليها وظهر فيها وتكلم بكن ، فأحيا الأموات وخلق الطير ، لأن الهوية الإلهية هي التي ظهرت في تلك الصورة ،
وأظهرت بعض صفاتها المختصة بمقام الإلهية لا غيرها .
قال رضي الله عنه :  ( فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ) وهو أن الله هو المتكلم بكلمة ( كن ) ، وهو المحيى والخالق لا غيره .
قال رضي الله عنه :  ( وبعضهم إلى الطرف الآخر ) وهو أن المتكلم بكلمة (كن) والمحيي والخالق هو العبد بإذن الله.
قال رضي الله عنه :  ( وبعضهم يحار في الأمر ولا يدرى . ) كالعارف الذي لا يميز بين المراتب ويعلم حقيقة القولين ، فيحار في النسبة ، لأنه يعلم أن الإحياء من خصائص الله ويشاهد صدوره من العبد وهو مؤمن به ، فلا يقدر أن ينسبه إلى الله تعالى ولا إلى العبد ، إذ لا ذوق للحائر منه .



خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  
 

قال رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصّورة الحسّيّة لغيره ، بل كلّ شخص منسوب إلى أبيه الصّوري لا إلى النّافخ روحه في الصّورة البشريّة).
قال رضي الله عنه :  ( وليس ذلك ) التوهم ( في الصورة الحسية لغيره ) ، وإن كان روحه كلمة اللّه حاصلا فيه بنفخة أو نفخ الملك ؛ فإنه لا ينسب باعتبار صورته الحسية إلى اللّه ، ولا إلى الملك فضلا عن أن تتوهم فيه الإلهية أو الملكية بكل شيء ، ( بل كل شخص ) باعتبار صورته الحسية ( منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية ) .
سواء قلنا : هو اللّه أو الملك لسبق صورته الحسية منسوبة إلى مزاج جسمه على نفخ ذلك الروح المنسوب إلى اللّه في حقّ الغير ؛ فلا يكون الروح المتأخر عين الصورة الحسية المتقدمة أو عين الجسم المتقدم .


قال رضي الله عنه :  (فإنّ اللّه إذا سوّى الجسم الإنسانيّ كما قال :فَإِذا سَوَّيْتُهُ [ الحجر: 29  ] نفخ فيه هو تعالى من روحه ، فنسب الرّوح في كونه وعينه إليه تعالى ، وعيسى ليس كذلك ، فإنّه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشريّة بالنّفخ الرّوحيّ ، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله ، فالموجودات كلّها كلمات اللّه الّتي لا تنفذ . فإنّها عن « كُنْ »وكن كلمة اللّه ، فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيّتها أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول: " كُنْ فَيَكُونُ" [ مريم : 35 ] قول كن لتلك الصّورة الّتي نزل إليها وظهر فيها ؟ فبعض العارفين يذهب إلى الطّرف الواحد ، وبعضهم إلى الطّرف الآخر ، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري ) .

قال رضي الله عنه :  ( فإن اللّه إذا سوى الجسم الإنساني ، كما قال : فَإِذا سَوَّيْتُهُ [ الحجر : 29 ] ) ( نفخ فيه هو تعالى من روحه ) كما قال :وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ الحجر : 29 ] ، وفي عينه أي : في ثبوته في علمه إليه تعالى إذ لا واسطة بينهما بخلاف الجسم المسوى ؛ فإنه تتوقف تسويته على وسائط كثيرة فلا ينسب ( إليه تعالى ) باعتبار كونه ، ( وعيسى ليس كذلك ) أي : لم يتوقف نفخ الروح فيه على التسوية ، ولا على حصول الصورة الحسية ، ( فإنه اندرجت تسوية جسمه ) أي : اعتدال مزاجه .

قال رضي الله عنه :  ( وصورته الحسية ) التابعة لهذه التسوية ( بالنفخ الروحي ) ، فتوهم أن صورته الحسية وجسميته عين روحانيته ، وإن روحانيته لكونها فاعلة فعل الحق أو الملك عين الحق أو الملك ، فهو بصورته الحسية عين أحدهما ، ( وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله ) في هذه الجسمية والصورة الحسية ، فلم يتوهم فيها ذلك ، وإن صح فيها أنها كلمة اللّه كما صح في الأرواح كلها ذلك .

قال رضي الله عنه :  ( فالموجودات كلها كلمات اللّه ) بدليل أن اللّه تعالى وصفها بأنها التي ( لا تنفذ ) ، مع أن كلامه تعالى واحد لا ينفصل إلا بحسب تعلقه بالموجودات ، فلا تكون الكلمات التي لا تنفد سوى الموجودات التي لا تتناهى لا بمعنى أنها عين كلمته تعالى حتى تكون عين ذاته من وجه ، كما نقول في صفاته تعالى : إنها عين الذات من وجه ، بل بمعنى أنها حصلت عن كلماته .

قال رضي الله عنه :  ( فإنها عن قول :" كُنْ " وكن كلمة اللّه ) إذ هي الكلمة الموجدة للموجودات كلها سواء صدرت عن اللّه أو عن مظهر من مظاهره ، فإذا صدرت عن بعض المظاهر ( فهل تنسب الكلمة إليه ) أي : إلى اللّه تعالى على أنها المعنى القائم بذاته ، وهو ( بحسب ما هو ) أي : الحق ( عليه ) من التنزيه ؛ لأنه إنما اعتبرت من حيث هي كلمة موجدة ، ولا تعلق للإيجاد باللفظ من حيث هو لفظ ، فتكون الكلمة صفة للحق تعالى .

قال رضي الله عنه :  ( فلا تعلم ماهيتها ) كما لا تعلم ماهية صفات اللّه تعالى ، وهو سبب التحير المتوهم كون صفته تعالى قائمة بالمظهر العيسوي ، إذ هو توهم كون ذلك المظهر غير الحق الموصوف بها ؛ لامتناع قيام الصفة الواحدة بموصوفين ، أو أن هذه الكلمة من جملة الألفاظ ، وإن كان كلامه تعالى منزها عنها ، فإن ذلك التنزه إنما هو باعتبار استقراره في مقر غيره ، وهو غير اعتبار ظهوره في هذه المظاهر ، فلا تكون كلمة باعتبار صدورها من بعض المظاهر منزهة .

قال رضي الله عنه :  ( أو ) بفرض أنه تعالى ( نزل هو تعالى ) عن مستقر غيره ( إلى صورة من يقول كن ) من المظاهر ، ( فيكون ) على هذا الوجه ( قول : كن ) حقيقة ( لتلك الصورة ) ، إذ الألفاظ لا تسند إلى اللّه تعالى حقيقة ، وإنما تسند إلى المحدثات ، ويكون إسنادها إلى اللّه تعالى مجازا .

لأنها نسبت إلى الصورة ( التي نزل ) الحق عن مستقر غيره ( إليها وظهر فيها ) ، فتكلم المظهر بكلمة تناسب المظهر في اللفظ والظاهر باعتبار المعنى ، فتكون نسبة اللفظ إليه مجازا.

قال رضي الله عنه :  ( فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ) ، وهو اعتبار المعنى حيث تصير صفة ، فإنه بذات اللّه تعالى ومنسوبا إليه حقيقة ، ( وبعضهم إلى الطرف الآخر ) ، وهو اعتبار اللفظ ، حتى يجعله مستندا إلى المظهر حقيقة ، وإن قام معناه بالحق تعالى ، ( وبعضهم يحار في الأمر ) ؛ لأنه لو اعتبر اللفظ ؛ فلا تعلق الإيجاد به أصلا ، وإن اعتبر المعنى وحده ، فهو قائم بذاته تعالى لا تعلق له بهذا المظهر ، وإنما يتعلق باعتبار اللفظ مع أنه ينسب إليه الإحياء مجازا ، ( ولا يدري ) وجه هذا المجاز .
 

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  


تمايز عيسى عليه السّلام عن غيره من بني نوعه
قال رضي الله عنه :  ( وليس ذلك ) الوجوه ( في الصورة الحسيّة لغيره ) من بني نوعه ( بل كلّ شخص منسوب إلى أبيه الصوري ، لا إلى النافخ روحه في الصورة البشريّة ) ضرورة تخالفهما وتباينهما ، حيث يكون الكثرة الكونيّة هو الغالب عليه ( فإن الله إذا سوّى الجسم الإنسانيّ - كما قال : " فَإِذا سَوَّيْتُه ُ " نفخ فيه هو تعالى من روحه ، فنسب الروح في كونه ) حيث قال : " وَنَفَخْتُ فِيه ِ " ( وعينه ) حيث أضاف إلى نفسه بقوله :  "من رُوحِي " [ 15 / 29 ] .
قال رضي الله عنه :  ( إليه تعالى ، وعيسى ليس كذلك ) لغلبة الوحدة الوجوبيّة عليه ، فليس لتلك التفرقة عليه قهرمان ( فإنّه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشريّة بالنفخ الروحي ) - فإنّ جسمه من الماء المتوهّم من نفخ جبرئيل - ( وغيره - كما ذكرناه - لم يكن مثله ) .


كلمة كن
ثمّ إنّه لما بيّن وجه اختصاص عيسى وامتيازه عن سائر الكلمات ، أخذ يكشف عن وجه اشتراك الكلمات كلها ، لما تحقّق به عيسى ، وتحقيق سريان الوجوه الثلاثة المذكورة وصور اختلاف الملل فيها ، تبيينا للمماثلة المنصوصة عليها بقوله تعالى : " إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ " [ال عمران : 59]  .


بقوله رضي الله عنه  : ( فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد ، فإنّها عن : « كن » ) من حيث أنّ ظهورها من مستجنّ الغيب إلى مراتب المخارج بانبساط النفس الرحماني المعبّر عنه بـ « كن » فهي صور تنوعاته ( و " كُنْ " كلمة الله ، فهل تنسب الكلمة ) هذه ( إليه تعالى بحسب ما هو عليه ، فلا تعلم ماهيّتها ) .
أي الكلمة ما هي : أمن مقولة القول ، أو نسبة خاصّة من اجتماع الأسماء ، أو غير ذلك ؟
قال رضي الله عنه :  ( أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول : " كن"  فيكون قول " كن " حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها ، وظهر فيها ) .

واختلف العارفون في هذه الكلمة اختلاف الملل في الكلمة العيسويّة : ( فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ، وبعضهم إلى الطرف الآخر ، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري و ) .
 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. ).  

قال رضي الله عنه :  (وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية. )

قال رضي الله عنه :  ( وليس ذلك ) الخلاف والاختلاف لتعدد الوجوه ( في الصورة الحسنة لغيره ) ، أي لغير عيسى من بني نوعه إذ ليس شخص مثل عيسى منسوبا إلى جبريل ( بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه ) ، حال كون ذلك النافخ متمثلا ( في الصورة البشرية ) ضرورة أنه ليس لأحد غير عيسى نافخ .

كذلك على أن يكون الجار ظرفا مستقرا ، ولا إلى النافح روحه في صورته البشرية ، فإنه في غير عيسى غير مشهود وعلى هذا يكون الجار ظرفا لغوا للنفخ ، وإنما قلنا : ليس لغير عيسى نافخ متمثل في صورة بشرية إذ ليس النافخ في صورته مشهودا


قال رضي الله عنه :  ( فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.  وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله. فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى )

قال رضي الله عنه :   ( فإن اللّه إذا سوى الجسم الإنساني كما قال الشيخ رضي الله عنه :  "فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ" هو ) بنفسه ( تعالى من روحه ) لا بواسطة جبريل في صورة بشرية كما قال تعالى :وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ( فنسب الروح في كونه ) ، أي وجوده حيث قال : ونفخت فيه ، إذ نفخ الروح هو تكوينه فيه ( وعينه ) أي في ذاته حيث .

قال : من روحي فنسب وجود الروح وذاته ( إليه تعالى ) لا إلى جبريل متمثلا بالصورة البشرية ففي كل شخص إنساني غير عيسى التسوية مقدمة على نفخ الروح والنافخ هو اللّه سبحانه بلا واسطة جبريل في صورة بشرية ( وعيسى ليس كذلك ) لانتفاء الأمرين فيه ( فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي ) ، أي في النفخ الروحي .

فإذا اندرجت التسوية في النفخ كانا معا ومعلوم أن ذلك النفخ كان من جبريل في صورة بشرية ، أو يراد بالنفخ الروحي الصادر من جبريل فإنه أيضا روح ( وغيره ) ، أي غير عيسى ( كما ذكرناه ) من تقدم التسوية على النفخ وكون النافخ في صورة البشرية ( لم يكن مثله ) .
ولما انجر كلامه رضي اللّه عنه إلى أن تجلى عيسى عليه السلام بأنه كلمة اللّه أراد أن ينبه على أن هذا الحكم عام لكل موجود لا اختصاص له بعيسى كما كان لبعض توهمات الناظرين فيه اختصاص به .

فقال رضي الله عنه  : ( فالموجودات كلها ) روحانية أو مثالية أو جسمانية ( كلمات اللّه التي لا تنفذ ) ، أي لا تتناهى وإنما سميت كلمات اللّه ( فإنها ) صادرة ( عن ) قوله : ( كن وكن كلمة اللّه ) فسمي ما صدر عنها بالكلمة تسمية للمسبب باسم السبب ، وإنما يذكر للتسمية بها وجه آخر وهو ما اشتهر فيما بينهم من الكلمات الوجودية هي تعينات واقعة على النفس الرحماني ، كما أن الكلمات اللفظية تعينات واقعة على النفس الإنساني .
وإذا كان كلمة كن كلمة اللّه ( فهل تنسب ) تلك ( الكلمة إليه سبحانه بحسب ما هو عليه ) في مقام الجمع من التنزه عن أن يكون كلامه من مقولة الصوت والحروف ( فلا تعلم ) حينئذ ( ماهيتها ) ، أي ماهية كلمة كن لأن في ذلك المقام لا مغايرة بين الذات والصفات .


فكما لا تعلم حقيقة الذات لا تعلم ماهية الصفات أيضا ( أو ) تنسب إليه ( حين ينزل هو تعالى ) في موطن المثال والخيال أو الحس ( إلى صورة من يقول : "كُنْ فَيَكُونُ " قول كن ) المركب من هذه الحروف.

قال رضي الله عنه :  ( إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟  فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. )

قال رضي الله عنه : ( حقيقة لتلك الصورة التي نزل ) الحق سبحانه ( إليها وظهر فيها ) بحسبها لا للحق الظاهر فيها الإنباء على اتحاد الظاهر والمظهر فوقع الخلاف في كلمة كن كما وقع في عيسى (فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد ) ، أي طرف كان فينسب مثلا كلمة كن إلى اللّه سبحانه ( وبعضهم إلى الطرف الآخر ) ، المقابل فينسب كلمة كن إلى العبد ( وبعضهم يحار في الأمر ) ، أي أمر كلمة كن وشأنها أو في الأمر الذي هو كلمة كن فإنها صيغة أمر .

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 4:04 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلّا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النّملة الّتي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد .  وأمّا الإحياء المعنويّ بالعلم فتلك الحياة الإلهيّة الذّاتيّة العليّة النّوريّة الّتي قال اللّه فيها :أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ[ الأنعام  122 ]. فكلّ من يحيي نفسا ميتة بحياة علميّة في مسألة خاصّة متعلّقة بالعلم باللّه ، فقد أحياه بها فكانت له نورا يمشي به في النّاس أي بين أشكاله في الصّورة . )
 
قال رضي الله عنه :  (وهذه) ، أي مسألة الأمر الإلهي المتوجه على إيجاد الكائنات من قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) (مسألة) عظيمة (لا يمكن أن تعرف) ، أي يعرفها أحد (إلا ذوقا ) ، أي كشفا من نفسه وهو النظر التام في قوله تعالى :أ " َفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ( 17 ) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ( 18 ) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ( 19 ) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"  [ الغاشية : 17 - 20 ] .
وقوله تعالى : " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً" [ النحل : 48 ] .
 
وهو نظر الاعتبار ورؤية المعرفة والاستبصار كأبي يزيد البسطامي رضي اللّه عنه حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت بإذن اللّه تعالى فأمات وأحيا بإذن اللّه تعالى فعلم ، أي أبو يزيد عند ذلك ، أي عند الإحياء بمن ينفخ ، أي بربه القيوم عليه فنفخ به سبحانه لا بنفسه هو بحيث كان النافخ هو الحق تعالى بفم أبي يزيد ، مثل جبريل كما نفخ عيسى عليه السلام في مريم عليها السلام ، فإن نفخه ذلك كان باللّه تعالى ، بل هو نفخ تعالى بجبريل عليه السلام .
وكذلك عيسى عليه السلام لما أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص ونفخ في الطير كان ذلك منه باللّه تعالى ، بل من اللّه تعالى به .
وأبو يزيد رضي اللّه عنه ذاق ذلك في نفسه وتحقق به (فكان عيسوي المشهد) ، أي يشهد من الحق تعالى ما يشهد عيسى عليه السلام وهذا في الإحياء الحسي .
 
قال رضي الله عنه :  (وأما الإحياء المعنوي بالعلم) باللّه تعالى للموتى بالجهل به كالكافرين والمشركين والمغرورين والغافلين فتلك هي الحياة الإلهية ، أي المنسوبة إلى الإله تعالى الذاتية ، أي التي لا تفارق من اتصف بها ، لأنها كمال له باعتبار ذاته لا عرضية مفارقة له كالحياة الحسية العلية ، لأنها حياة الحق تعالى .
والحياة الحسية التي هي بسريان الروح الأمري في الجسم مستحيلة على الحق تعالى ، لأنها حياة سفلية طبيعية النورية ، لأنها بالنور الذي هو العلم الإلهي ، والحياة الحسية ظلمانية ، لأنها بالغير والغير ظلمة .
وإن كان لا حياة في نفس الأمر إلا بالعلم الإلهي والحياة بالروح كذلك ، لأنها إذا لم يصحبها العلم باللّه عن ذوق وكشف كانت مجرد حركات طبيعية وإدراكات وهمية في أجسام حيوانية وعقول شيطانية في نفوس شهوانية .
 
فهي موت لا حياة وإن عدها صاحبها حياة لعدم ذوقه الحياة كما قال تعالى وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ[ فاطر : 22 ] .
ولهذا كان شرط وجود الحياة العلمية الحقيقية الموت من تلك الحياة الطبيعية الوهمية النفسانية فقال عليه السلام : « موتوا قبل أن تموتوا »  ، أي موتوا اختيارا قبل أن تموتوا اضطرارا التي قال اللّه تعالى فيها ، أي في تلك الحياة المذكورة " أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً " [ الأنعام : 122 ] .
ذكره ابن حجر العسقلاني في الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع يعني بالجهل باللّه تعالى وهو الموت الحقيقي فَأَحْيَيْناهُ بالحياة العلمية النورانية الحقيقية المذكورة "وجعلنا له نورا" [ الأنعام : 122 ] .
 
وهو الروح العلمي الذي نفخه فيه فأحياه بالحياة المذكورة " يَمْشِي بِهِ " [ الأنعام : 122 ] ، أي بذلك النور وهو قوله تعالى :اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ النور : 35 ] .
وفي الحديث : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه " في الناس ، أي بين أمثاله فيعرفهم ولا يعرفونه ويؤمن بهم ويجحدونه ، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ولو جعل اللّه تعالى لهم ما جعل له من النور لمشوا به فيه كما مشى هو به فيهم .
قال تعالى :" وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ " [ النور : 40 ] .
 
فكل من أحيا نفسا ميتة بالجهل باللّه تعالى بالحياة العلمية الألوهية ولو في مسألة خاصة متعلقة بالعلم باللّه تعالى لا بما سواه فإن ذلك ليس بعلم أصلا في نفس الأمر عند العارف ، وإن سماه الجاهل علما ، لأن أحوال الناس متفاوتة كما قال تعالى :"كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" [ المؤمنون : 53 ] .
فقد أحياه بها ، أي بتلك المسألة الإلهية حياة ذاتية لا عرضية علوية ، ولا سفلية نورانية ، ولا ظلمانية قلبية ، ولا نفسانية حقيقية ، ولا وهمية باقية ، ولا فانية دينية ، ولا دنيوية .
وكانت ، أي تلك المسألة له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله وأمثاله في الصورة الآدمية فيعلو عليهم بالعلم ويسفلون عنه بالجهل
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه :  ( وهذه ) أي الإحياء والخلق ( مسألة لا يمكن أن تعرف ) بكنه الحقيقة ( إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت ) بسبب نفخه ( فعلم عند ذلك ) النفخ ( بمن ينفخ فنفخ فكان ) أبو يزيد ( عيسوي المشهد ) فعلم منه أن كل ما صدر من الأولياء مثل هذا كان بواسطة روحانية عيسى عليه السلام هذا هو الإحياء الصوري .
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الذاتية العلمية النورية التي قال تعالى فيها ) أي في حق هذه الحياة ( أو من كان ميتا ) بالجهل ( فأحييناه ) بالحياة العلمية (وجعلنا له نورا ) وهو العلم ( يمشي به ) أي بالنور ( في الناس ) فيدرك بذلك النور ما في أنفسهم ( فكل من يحيي نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم باللّه فقد أحياه بها وكانت ) هذه الحياة العلمية ( له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله ) قوله ( في الصورة ) .
 
هو متعلق بأشكاله وضمير أشكاله لمن له النور فظهر أن الإحياء الحسي والمعنوي إما من اللّه بواسطة الإنسان الكامل بإذن اللّه فكان لكل واحد من الحق والعبد مدخل في وجود حادث فيستند الوجود إلى الحق والعبد


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد. وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
معناه ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه : « وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلَّا ذوقا كأبي يزيد - رضي الله عنه - حين نفخ في النملة التي قتلها ، فحييت ، فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ ، وكان عيسويّ المشهد».
يشير : إلى أنّ معرفة الإحياء وكيفية نسبته إلى الحق في صورة عبده أو إلى النافخ بالله لا تحصل إلَّا بالذوق ، فمن لم يحي ولم يحي هكذا شهودا محقّقا ، لم يعرف ، ذوقا كيف الإحياء ؟ فإنّ الكيفيات لا تعلم بالحكاية ، وهو لا يتحكَّى كما قيل قبل .
 
قال رضي الله عنه : « وأمّا الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الإحياء الإلهية الذاتية العلمية النورية التي قال الله فيها : " أَوَمن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناه ُ وَجَعَلْنا لَه ُ نُوراً يَمْشِي به في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُه ُ في الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها " فكلّ من أحيا نفسا ميتة بحياة علميّة في مسألة خاصّة متعلَّقة بالعلم بالله ، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس  أي بين أشكاله في الصورة » .
يعني رضي الله عنه : أنّ الإحياء المعنويّ الحقيقيّ هو إحياء النفس الميتة بالجهل بالعلم ، فإنّه الحياة الحقيقية لنفوس العالمين العارفين بالله في الطبقة العليا ولنفوس الموتى بالجهل لله وأسمائه وآياته وكلماته وأنبائه.
 ولكن لا مطلقا في جميع مراتب العلم الكونيّ - أعني ليس لكلّ علم هذه الحياة والإحياء - بل هو العلم بالله خاصّة ، وقد أعطى الله ذلك لكمّل أوليائه وندّر الأفراد ، فهم يحيون بنفائس أنفاسهم نفوس المستعدّين ، ويفيضون عليهم أنوار الحياة العلمية النورية الذاتية ، وذلك أنّهم


أقيموا في مقام التحقّق بالعليم وعلَّام الغيوب وعالم الغيب والشهادة وبالحيّ المحيي بهذه الحياة العلمية الإلهية الذاتية النورية ، وهي مخصوصة بالله ومن أحياه بهذا العلم خاصّة من خاصّة الخاصّة وصفوة الخلاصة ، فأقامهم الله به وقام بهم ، وهذا الإحياء مثل إحياء الموتى صورة ، فإنّ كلا من خصائص الله ومن أعطاه ذلك وأذن له أو أمره به .
بل هو أعني الإحياء بالحياة العلمية أعلى وأرفع ، لأنّه إحياء النفوس والأرواح ، وذلك إحياء الأجسام والأشباح ، ولكن لمّا قلّ طلَّاب هذه الحياة وكثر طلَّاب الآخرة ، وجد حصول هذا من كمّل الرسل والأنبياء والأولياء ، وشوهد كثيرا .
ولم يشهد إحياء الأجسام والموتى في الناس إلَّا في عيسى ومن كان عيسويّ المشهد من الأولياء ، وذلك بالنادر مع توفير الرغبات في ذلك ، واستشراف النفوس إلى ذلك ، استعظموا ذلك ، لعزّته وعدم الظفر به ، وأنّه - والله - عظيم ولكن إحياء النفوس بهذه الحياة العلمية النورية أعظم وأعزّ وأشرف ، لكون الأرواح والنفوس أشرف من الأجسام ، فافهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا : كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ ، وكان عيسوى المشهد )
يعنى معرفة الإحياء وكيفية نسبة الحق في صورة عبده إلى النافخ باللَّه ، لا يحصل إلا بالذوق فمن لم يحيى لم يحي كما فعل أبو يزيد لم يشهده سهوا محققا ولم يعرفه إلا ذوقا ، فإن الإحياء من الكيفيات والكيفيات لا تعرف بالتعريفات ، ولا يتجلى بالوجودات كما ذكر قبل .
 
قال رضي الله عنه :  (وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الذاتية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها – " أَومن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناه وجَعَلْنا لَه نُوراً يَمْشِي به في النَّاسِ " - فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم باللَّه فقد أحياه بها ، وكانت له نورا يمشى به في الناس ، أي بين أشكاله في الصورة ) .
 
يعنى أن الإحياء الحقيقي هو الإحياء المعنوي بالعلم للنفس الميتة بالجهل ، فإن العلم هو الحياة الحقيقية الدائمة السرمدية العلية النورية لنفوس العارفين العالمين باللَّه .
 
"" أضاف بالي زادة فعلم منه أن كل ما صدر من الأولياء مثل هذا كان ذلك بواسطة روحانية عيسى عليه السلام ، هذا هو الإحياء الصوري ( وأما الإحياء المعنوي ) اهـ بالى .
( بين أشكاله في الصورة ) فظهر أن الإحياء الحسي والمعنوي ، إما من الله بواسطة الإنسان الكامل ، وإما من الإنسان الكامل بإذن الله فكان لكل واحد من الحق والعبد مدخل في وجود حادث ، فيستند الوجود إلى الحق وإلى العبد اهـ بالى . ""
 
ولكن لا كل علم بل العلم باللَّه وصفاته وأسمائه وآياته وكلماته وأفعاله وقد أعطاه الله أولياءه الكمل الأصفياء يحيون بنفائس أنفاسهم نفوس المستعدين ، ويفيضون عليهم أنوار الحياة النورية العلية العلمية فيحيون بها عن موت الجهل ويمشون في الناس بنورهم ، كما قال تعالى :  " أَومن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناه " .
والمتحقق بهذا الإحياء هو المتحقق باسم الله المحيي بالحقيقة وبالحي والإحياء بهذا المعنى أعز وأشرف من الإحياء بالصورة ، فإنه إحياء الأرواح والنفوس وهي أشرف من الأجساد والصور ، ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان أفضل من عيسى وليس له الإحياء بالصورة بل بالعلم ، لكن الأول أندر وأقل وجودا ، واستشراف النفوس إليه أكثر ، ولذلك عظم وقعه في النفوس :



مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا . كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها ، فحييت ، فعلم عند ذلك بمن ينفخ ، فنفخ فكان عيسوي المشهد . )
إنما كانت المسألة لا تعرف إلا بالذوق ، لأن المدرك لا يدرك شيئا كان ما كان إلا بما منه
فيه . ومن لا يكون عنده من قوة الإحياء والخلق ، لا يقدر على إدراكه ذوقا .
فإن التعريفات لا تنتج إلا بالتصور وهو غير كاف في إدراك الحقائق ووجدانها ، خصوصا في الكيفيا ، لأنها لا تحصل إلا بالذوق والوجدان . كما لا يمكن معرفة لذة الوقاع إلا بالذوق .
وإذا حصل إدراكه ذوقا لأحد ، يعلم ذوقا من النافخ : عينه أو ربه .
وفي قوله : ( فكان عيسوي المشهد ) إشارة إلى أن كل من حصل له هذا المقام من الأولياء ، يكون ذلك بواسطة روحانية عيسى ، عليه السلام .
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما الإحياء المعنوي بالعلم ، فتلك الحياة الإلهية الذاتية العلية النورية التي قال الله فيها : " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " . فكل من يحيى نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقه بالعلم بالله ، فقد أحياه بها ، وكانت له نورا يمشى به في الناس ، أي ، بين أشكاله في الصورة . )
إنما جعل الحياة الحاصلة بالعلم حياة إلهية ذاتية ، لأن حقيقة العلم عين الذات ، وكذلك حقيقة الحياة أيضا . فالعلم والحياة في المرتبة الأحدية شئ واحد .
 
ولما كان العلم أشرف الصفات الإلهية - إذ به تظهر الحقائق الإلهية والكونية - وصفه بالعلو .
ومن حيث إنه يظهر الأشياء ، وصفه بالنورية ، إذ النور هو ما يظهر بنفسه ويظهر لغيره . ووصفه رضي الله عنه  إياها بالصفات الكمالية إشارة إلى أن الحياة العلمية أشرف من الحياة الحسية ، لأنها حياة الروح ، والحياة الحسية حياة الجسد ، والروح أشرف من الجسد ، فحياته أيضا كذلك .
لكن الحسية أوقع في النفوس من العلمية ، لأنها مترتبة على القدرة التامة التي هي أيضا من الخصائص الإلهية ، لذلك صار أعز وجودا وأعظم وقعا .
ولما كان للعلم مراتب ، وأعظمها العلم بالله وأسمائه وصفاته ، خصه بالذكر ، وإن كان بحسب كل منها يحصل حياة مناسبة لها .
 
وقد أعطى الله أولياءه الكمل نصيبا تاما من الحياة العلمية ، ليفيضوا على نفوس المستعدين المؤمنين بهم منها ، فيحيونهم بالنور الإلهي ويمشون به في الناس .
كما قال : ( أو من كان ميتا ) أي ، بموت الجهل . ( فأحييناه ) أي ، بالحياة العلمية ( وجعلنا له نورا ) وهو العلم .
( يمشى به في الناس ) فيدرك ما في بواطنهم من استعداداتهم وخواطرهم ونياتهم ، وما في ظواهرهم من أعمالهم المخفية من الناس بذلك النور .
وقوله : ( أي بين أشكاله في الصورة ) المراد بالشكل ماله التشكل ، وهو البدن . أي ،ذلك النور يسرى بين أبدان الناس ، فيدرك ما فيها من النفوس ولوازمها واستعداداتها التي لا يطلع عليها إلا من شاء الله من الكمل .
 
ويجوز أن يكون المراد منها الهيئات والأوضاع التي للبدن الظاهرة في الصورة الإنسانية ، إذا المتفرسون يدركون منها ما في نفوسها وقواها وما هي عليها من الأعمال والأفعال .
ولما ذكر إن الإحياء الحسى والمعنوي إما من الله بواسطة الصورة الإنسانية وإما من العبد بإذن الله وأمره ، بقوله شعر : (فلولاه ولو لأنا   ...... لما كان الذي كانا )

.
يتبع 

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 4:07 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثانية عشر : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه :  (وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلّا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النّملة الّتي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد ، وأمّا الإحياء المعنويّ بالعلم فتلك الحياة الإلهيّة الذّاتيّة العليّة النّوريّة الّتي قال اللّه فيها :أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ [ الأنعام : 122 ] ، فكلّ من يحيي نفسا ميتة بحياة علميّة في مسألة خاصّة متعلّقة بالعلم باللّه ، فقد أحياه بها فكانت له نورا يمشي به في النّاس أي : بين أشكاله في الصّورة ) .
ثم قال رضي الله عنه  : ( وهذه مسألة ) أي : مسألة نسبة الإحياء إلى المظهر بكلمة « كن » باعتبار المعنى مع أنه قائم بذات اللّه تعالى لا بالمظهر ( لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا ، كأبي يزيد ) أي : كمعرفة أبي يزيد إياها ( حين نفخ في النملة التي قتلها ) ، وهذا النفخ مظهر للمعنى القائم بذات اللّه تعالى قام بهذا المظهر ، ( فحييت ) تلك النملة بالمعنى القائم بذات اللّه الظاهر في النفخ القائم بهذا المظهر ، ( فعلم ) أبو يزيد ذوقا ( عند ذلك ) أي : وجه نسبة الإحياء إلى المظهر أنه من نفخه ، إذ علم أنه ( بمن ينفخ ) أي : يراه الذي هذا النفخ مظهر المعنى القائم به ، إذ لا يقوم معنى الإحياء إلا به ، (فنفخ ) عن شهود هذا المعنى حتى أثر في أعيانها ، ( فكان عيسوي المشهد ) ، فحصل ذلك في بعض الأتباع المحمديين ، فعلم تنزل درجة هذا الإحياء عن الإحياء المحمدي ، بل إحياء العلماء من أمته ، كيف وهذه الحياة الحاصلة من ذلك حياة فانية موجبة للخلق حيرة مذمومة ؟ !
 
وأما الإحياء المعنوي الذي اختص كماله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم هو المقصود من إرسال الرسل ، وإظهار المعجزات ، وهو الذي يصير عيسى عليه السّلام تابعا له بل يقتدي ببعض أمته ، وهو المهدي من أجله ، وهو الإحياء ( بالعلم ) الذي هو صفة باقية .
قال رضي الله عنه :  ( فتلك الحياة الإلهية ) الدائمة دوام الأرواح الحية بها ( العلية ) ؛ لكونها صفة الأرواح التي لها العلو على الأجسام النورية التي تنير لها طريق الحق بخلاف الحياة الحيوانية ؛ فإنها تفنى بفناء أجسامها ، وهي سفلية جاذبة إلى الأمور المحسوسة السافلة بظلمة حاجبة عن اللّه تعالى ( التي قال اللّه فيها :أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً [ الأنعام : 122 ] .
 
أي : لجهله باللّه ، وبالنبوة ، وبالملائكة ، وبالكتب ، وبالأمور الأخروية ،( " فَأَحْيَيْناهُ " [ الأنعام : 122 ] ) بالعلم بها فنسبت فيه الحياة إلى اللّه تعالى ؛ فهي حياة إلهية دائمة عليه ،( وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً )[ الأنعام : 112 ]
يكشف له عن الأحوال والمقامات ، وعن سائر الأمور الغيبية يمشي ( به في الناس ) يحييهم بهذه الحياة ، ويفيدهم العلوم اللدنية التي يستفيدها من هذه الحياة ، ومن هذه الأمور ( فكل من أحيا ) من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء ( نفسا ميتة ) بجهل الأمور المذكورة ( بحياة علمية ) أي : بنوع منها ، ولو ( في مسألة خاصة ) دون جميع ما اطلع عليه ( متعلقة بالعلم باللّه ) الباقي ببقاء الروح لا الفاني بفناء البدن مما يتعلق بالأمور الدنيوية ؛ ( فقد أحياه ) أي : ذلك الشخص بجميع أجزائه من النفس والروح ، والقلب ، والسر الخفي ، والبدن ، والقوى ( بها ) أي : بتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية .
 
قال رضي الله عنه :  ( وكانت له نورا ) إلى اللّه تعالى وإلى مقامات الأنبياء والملائكة والكمّل من الناس ، وإلى الأمور الأخروية ( يمشي به في الناس أي : ) ينشره ( بين أشكاله في الصورة ) ، فيكلمهم بواسطة مناسبتهم الصورية التي هي أعم وجوه المناسبة إلى المراتب العالية هذا في حق من أحيا نفسا واحدة بمسألة واحدة ، فكيف من أحيا الدنيا بنور العلم الإلهي الذي لا تتناهى مسائله ؟
 
فظهرت فضيلة هذه الحياة والإحياء بها على الحياة التي أتى بها عيسى عليه السّلام ، وأحيا نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم العالمين بهذه العلوم الجليلة الرفيعة التي لم تتيسر لأرباب الرياضة والنظر مدى الدهور مع مخالفة بعضها لما كانوا جازمين بها ، فبيّن لهم غلطهم في ذلك مع أنه عليه السّلام لم يكن له بأكثر ذلك شعور إلى أربعين سنة ، ولم يستفد شيئا منها من إنسان أصلا أشد إعجازا من إحياء عيسى عليه السّلام ، وأكمل فائدة منه ، وكيف لا وهو المقصود بالذات من خلق العالم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
لكن ( هذه مسألة ) - يعني مسألة تصوّر الوجهين هذه وتنزّل الحقّ إلى صورة القائل - لبعده عن المدارك العقليّة .
 
قال رضي الله عنه :  ( لا يمكن أن تعرف إلا بذوق كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت ، فعلم عند ذلك بمن ينفخ ، فنفخ ، فكان عيسويّ المشهد ) فعلم أنّ الإحياء ليس مختصّا بعيسى هذا في الإحياء الصوريّ بالكون العرضي المفارق .
 
الإحياء المعنوي
( وأما الإحياء المعنويّ بالعلم ) الذي هو أتمّ أصناف نوعه ، أعني إحياء النفوس البشرية المستهلكة في ظلمات القوى الطبيعية بإشراب ماء حياة العلم باللَّه من العين الخاصّ الختميّ ومشرب ذوقه الكماليّ ، الذي هو أتمّ أنواع الحياة وأشرفها - فإنّ هذه الحياة أعني إحياء الأجسام بالنفخ هي الحياة الكونيّة العرضيّة السفليّة الظلمانيّة .
 
قال رضي الله عنه :  ( فتلك الحياة الإلهيّة الذاتيّة العليّة النوريّة التي قال الله فيها : " أَوَمن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناه ُ وَجَعَلْنا لَه ُ نُوراً يَمْشِي به في النَّاسِ " ) [6 : 122]   
(فكلّ من أحيا نفسا ميتة بحياة علميّة في مسألة خاصّة متعلَّقة بالعلم باللَّه ، فقد أحياه بها ، وكانت له نورا يمشى به في الناس . أي بين أشكاله في الصورة ) .
 
من بني نوعه ،فإنّ المشاكلة والمماثلة إنما تستدعي التورّط فيما هم عليه من الضلالة في ظلمات العادات وغياهب الاعتقادات ، فالإنسان في تلك الورطات إذا ممّا لا مندوحة له عمّا يهتدي به من الأنوار الكاشفة عن الطريق فلذلك صرّح في النص التنزيلي به .
 
ثمّ إنّه لما انساق الكلام إلى هذه الجمعيّة الختميّة ، حرّكه بواعث الشوق والانبساط إلى التنقّل من منثورات الحقائق نحو منظومات اللطائف ، بما ينبئ عن كمال ذوق هذه الورثة الختميّة ، وعلوّ قدرهم في فنون المعارف بقوله :
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. ).
 
قال رضي الله عنه :  (وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد. وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» . فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة. )
 
 
قال رضي الله عنه :  ( ولا يدري إلى أي من الطرفين ) ينسبها . ( وهذه ) ، أي نسبة كلمة كن إلى الحق أو العبد .
( مسألة لا يمكن أن تعرف ) كما هو عليه ( إلا ذوقا ) ووجدانا ( كأبي يزيد حين قتل نملة ) تحت قدمه وتألم من قتلها ( ثم نفخ في النملة التي قتلها فحييت ) النملة ( فعلم ) أبو يزيد ( عند ) إرادة ( ذلك ) النفخ ( أن ينفخ ) بربه أو بنفسه ( فنفخ فكان حينئذ عيسوي المشهد ) والمقام مستعدا من روحانية عيسى صلى اللّه عليه وسلم .
وفيه إشارة إلى أن كل من يحصل له هذا المقام يكون بواسطة روحانيته ، فعلم أن الإحياء ليس مختصا بعيسى ، وما ذكر من الإحياء فهو إحياء صوري بحياة كونية عرضية سفلية ظلمانية .
قال رضي الله عنه :  ( وأما الإحياء المعنوي ) يعني إحياء النفوس البشرية في ظلمات الجهل . ( بالعلم فتلك الحياة ) ، أي ثمرة ذلك الإحياء ونتيجة تلك الحياة.
 
قال رضي الله عنه :  ( الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال اللّه فيهاأَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً) .
أي بموت الجهل (فَأَحْيَيْناهُ) بالحياة العلمية ("وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً") ، أي علما ("يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ"، فكل من أحيا نفسا ميتة ) بموت الجهل (بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم باللّه ) في ذاته وصفاته وأفعاله وإنما قيده به لأن العلم بما عدا ذلك هو والجهل سواء .
قال رضي الله عنه :  ( فقد أحياه بها وكانت ) تلك الحياة (لَهُ نُوراً) [ الأنعام : 122 ] علميا ( يمشي ) متلبسا ( به في الناس أي بين أشكاله ) ، أي
أمثاله فإن الشكل لغة هو المثل وهذه المماثلة إنما تكون ( في الصورة ) فقط فإنه بحسب المعنى متميز عنهم بذلك النور ، فهو يمشي بينهم وهم محرومون منهمكون في جهالاتهم ، ولا يبعد أن يقال معنى يمشي في الناس ينفذ بنوره العلمي في حقائقهم وبواطنهم فيعلم ما لا يعلمون من أنفسهم ، ولما ذكر أن الموجودات كلها صادرة عن كلمة كن وهي إما منسوبة إليه تعالى بحسب ما هو عليه في حد ذاته .
أو بحسب نزوله إلى صورة من يقول : كن وهو الإنسان الكامل أكده بقوله
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 16 ديسمبر 2019 - 13:46 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 4:15 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثالثة عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
 
شعر :
قال رضي الله عنه : 
(  فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا)
قال رضي الله عنه :  (فلولاه )، أي الحق تعالى الذي هو نور السماوات والأرض بالعلم الإلهي الظاهر في القابل المستعد له من أهل السماوات والأرض على حسب قابليته واستعداده ، والكل قابل ومستعد لما هو فائض عليه من ذلك النور ومن طلب فوق قابليته واستعداده لا يجد ذلك ؛ ولهذا قال :
ولولانا فإن النور عين الوجود ، وقد اتصف بالوجود كل شيء ، فهو متصف بالعلم ولا علم إلا باللّه كما أنه لا جهل إلا باللّه تعالى ، والجاهل ناقص العلم باللّه تعالى ، فلا جهل باللّه من كل وجه بل الكل عالم باللّه .
ولكن قال تعالى : " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " [ يوسف : 76 ] ، وأخبر أنه سبحانه :"رَفِيعُ الدَّرَجاتِ"[ غافر 15 ] ،
وقال سبحانه : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ " [ المجادلة 11 ]
والكل آمنوا ولو من وجه والكل أُوتُوا الْعِلْمَ ولو بشيء ، فهم مرفوعون ولكن رفعتهم درجات متفاوتة ، وذلك عين ما هم فيه وهي درجاته ، لأنه رفيع الدرجات لما كان الذي كانا وهو الظهور الصفاتي في عين البطون الذاتي ؛ ولهذا قال .
 
(فإنا أعبد حقا  ... وإن الله مولانا)
قال رضي الله عنه :  (فإنا) معشر الكائنات (أعبد) جمع عبد (حقا) على حسب ما في كل واحد من العبودية ، فالبطون بالربوبية على مقدار الظهور بالعبودية .
فمن كثرت عبوديته كثر فيه ظهور ربوبية اللّه تعالى .
ومن قلّت فيه العبودية ، كثر فيه بطون الربوبية .
وأن اللّه سبحانه (مولانا) بربوبيته لنا وهذا حكم الظهور والبطون وهما تجليان صفاتيان.
 وأما التجلي الذاتي فقد أشار إليه بقوله:  
 
(وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا )
قال رضي الله عنه :  (وأنا) معشر الكائنات أيضا (عينه) ، أي بعد فنائنا في أنفسنا ذوقا وكشفا ،لأنه لا يبقى إلا هو.
(فاعلم) يا أيها السالك هذه الأنانية الذاتية بعد تلك الأنانية الصفاتية الاسمائية ، وهذا الجمع بعد ذلك الفرق إذا ما قلت أنت أو أنا إنسانا فإن الإنسان هو الكامل في النشأة ، العارف بنفسه وبربه الجامع بالمعنى الفارق بالصورة ، وما عداه من الناس فهو إنسان ناقص ، غلبت عليه الحيوانية ، ولم يكمل فيه ظهور الربوبية لنقصان العبودية .
 
(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا )
قال رضي الله عنه :  (فلا تحجب) يا أيها السالك عن العين الإلهية الحقيقة الوجودية المطلقة (بإنسان) كامل أو ناقص ، فإنه ظهور لتلك العين المطلقة على التمام أو على النقص .
فقد أعطاك ، أي الحق تعالى برهانا فيك على أنه عينك تشهده منك ذوقا وكشفا في طور كمالك ، وهو قوله تعالى في يوسف عليه السلام :" لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ " [ يوسف : 24 ] .
 
ثم أشار إلى جمع الجمع وهو الفرق الثاني بعد الجمع بقوله :
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
قال رضي الله عنه :  (فكن) يا أيها السالك (حقا) بعين وجودك القائم الدائم (وكن خلقا) بصورك الثلاث الصورة الروحانية العقلية ، والنفسانية الخيالية ، والجسمانية الطبيعية العنصرية .
تكن حينئذ باللّه تعالى متحققا من حيث صورتك الروحانية العقلية رحمانا مستويا بصورتك النفسانية الخيالية على عرش جسمانيتك الطبيعية العنصرية.
 
وصورتك الجسمانية الطبيعية العنصرية لها قلب وهو عرشها ، ودماغ وهو كرسيها ، وصفات سبعة هي كواكبها ، في أفلاك سبعة ، وهي قواها العرضية ، في مواضع سبعة هي سمواتها ، ويظهر عن تلك الكواكب في سباحتها في أفلاكها مواليد أربعة جماد العمل القاصر ، ونبات العمل المتعدي ، وحيوان الاعتقاد القاصر ، وإنسان الاعتقاد المتعدي ، عن عناصر أربعة : تراب الخاطر ، وماء النية ، وهواء العزم ، ونار الهمة .
 
وهو قوله :
(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا )
قال رضي الله عنه :  (وغذّ) أمر من الغذاء وهو القوت الذي به القوام (خلقه) تعالى ، أي مخلوقاته وهي المواليد الأربعة فيك العمل القاصر والمتعدي ، والاعتقاد القاصر والمتعدي ، فعملك واعتقادك خلقه سبحانه .
وذلك في يوم القيامة متصوّر في صورة حسنة أو قبيحة ، يحشر مع صاحبه ويوزن ويحاسب عليه ويجازى به ، فأمره أن يغذيه أي يقيته ويمده منه تعالى بماء النية ومأكل الإخلاص تكن حينئذ يا أيها الفاعل ذلك روحا لذلك العمل والاعتقاد القاصر والمتعدي الذي خلقه اللّه فيك فيكون عملك حيا .
 
وكذلك اعتقادك بنوعيه فيحملك بكونه مظهرا لك كونك متجليا به ، فهو كلمك الطيب الصاعد بك إلى ربك كما قال سبحانه: " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" [ فاطر : 10 ]
كما أن عمل ربك حي بربك ، وعلمه كذلك فهو مظهر له لأنه متجل به ، فهو نازل إليك منه تعالى وتكن ريحانا ، أي زكاء أو طيبا لعملك  واعتقادك القاصر والمتعدي ، أو أن المعنى قيام السالك بالفرق والجمع حتى يكون متحققا في نفسه بجمع الاسم اللّه ، وظاهرا بين الناس بفرق الاسم الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء .
فهو مأمور حينئذ أن يغذي خلق اللّه من كل من وجده مؤمنا به بالغذاء الرحماني ، وهو العلم الإلهي منه تعالى لا من نفسه بحسب فتوح الوقت ، فإنه يكون له حينئذ روحا معنويا بنفخه فيه ، فيحييه به حياة علمية ذاتية إلى الأبد ، وريحانا : أي جنة معنوية يدخله فيها ، عيونها جارية وقطوفها دانية .
 
(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا )
قال رضي الله عنه :  (فأعطيناه ) ، أي الحق تعالى (ما يبدو) ، أي يظهر من العمل والاعتقاد بنوعيه به ، أي بقدرته فينا ، وهو الكلم الطيب الذي يصعد إليه ، وإذا أعطيناه ذلك فلا يبقى عندنا دعوى له ، فإذا قدمنا عليه لا نقدم عليه بشيء بل نقدم عليه به ، لأنه هو الذي يبقى عندنا فنعمل به ما نعمل وأعطانا هو أيضا ما يبدو ، أي يظهر بنا من عمله وعلمه وهو كلماته التامات .
فإذا قدم علينا لا يقدم علينا أيضا بشيء ، وإنما يقدم علينا بنا لأننا نحن الذين نبقى عنده فيعمل بنا ما يعمل ، أو المعنى أن الذي نغذي به خلقه من الطالبين لمعرفته إذا أعطيناهم إياه فقد أعطيناه ما يظهر به سبحانه فينا من فيضه ، وأعطانا هو أيضا ما يظهر بنا فيه من استعدادنا لكماله وفيض جلاله وجماله
 .
(فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا )
قال رضي الله عنه :  (فصار) بسبب ما ذكر منا ومنه سبحانه الأمر الإلهي الواحد (مقسوما ) بيننا وبينه بإياه وهو البطون والجمع وإيانا وهو الظهور والفرق .


(فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا  )
قال رضي الله عنه :  (فأحياه) سبحانه من حيث ظهوره بنا الوجود الحق (الذي) هو (يدري) به ، أي يعلمه فلا يعلمه غيره وهو لقلبي الذي وسعه كما ورد : « ما وسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن ".
حين أحيانا نحن أيضا من حيث بطونه عنا بما أحيا به نفسه في ظهوره بنا .
 
(فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا   )
قال رضي الله عنه :  (فكنا) بانقلاب الأمر الذي وسعناه به وهو قلبنا (فيه) سبحانه (أكوانا) جمع كون وأعيانا جمع عين وأزمانا جمع زمان ، وذلك جميع العوالم في بصائر العارفين كلها ثابتة من غير وجود لأنه عين الوجود ، فلا يصير وصفا لغيره وهو قوله تعالى :" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا" [ إبراهيم : 27 ].
أي يجعلهم ثابتين لا منفيين فإن المنفي هو المحال وهم ممكنون والمضارع حكاية الأزل .
ثم قال تعالى بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وهو عين الوجود الحق من حيث هو أمر نازل كلمح بالبصر .
ثم عمم تعالى هذا الحكم فيهم فقال: " فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ" [ إبراهيم : 27 ] ، أي يحيرهم فلا يهديهم إلى معرفة الأمر على ما هو عليه لظلمهم لأنفسهم أو لغيرهم ، فكلما عدلوا عن الحق عدل بهم " فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ"[ يونس : 32 ] .
 
(وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا )
(وليس) ما ذكر من شهود الثبوت في الوجود (بدائم فينا) معاشر المؤمنين (ولكن ذاك أحيانا )، أي في أوقات دون أوقات ، فلا بد من شهود الثبوت في الوجود ، وشهود الوجود في الثبوت ، فالوجود واحد والثبوت كثير ، والوجود مطلق والثبوت مقيد ، والوجود له الظهور والبطون والثبوت له الظهور والبطون ، وهما كالليل والنهار ، بل الليل والنهار كما قال تعالى :" وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وهي القمر وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً"[ الإسراء : 12 ] وهي الشمس .
وفي الحديث : " فإنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " رواه الترمذي في سننه
. وفي رواية أخرى : " كما ترون الشمس في الظهيرة ". رواه الدارقطني
 
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)


قال رضي الله عنه :   
(فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا )
( فلولاه ولولانا ) أي ولو لم يكن الحق وأعياننا ( لما كان الذي كانا ) أي لما ظهر في الكون ما ظهر وهو بيان لاتحاد الإنسان مع الحق في الربوبية
( فأنا أعبد حقا  .... وأن اللّه مولانا )
وهو بيان للفرق
( وأنا عينه فاعلم   ..... إذا ما قلت إنسانا )
أي إذا سميت عينك بإنسان أي لا ينافي عينيتنا مع الحق إنسانيتنا
(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا )
( فلا تحجب ) على صيغة المجهول ( بإنسان ) أي لا تحجب بأن تسمى بالإنسانية عن عينيتك مع الحق ( فقد أعطاك ) على عينيتك أو عينيتنا مع الحق ( برهانا ) وهو قوله كنت سمعه وبصره وغير ذلك
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا )
( فكن حقا ) بحقيقتك وروحك ( وكن خلقا ) بنشأتك العنصرية (تكن باللّه رحمانا)  أي عام الرحمة بإفاضتك الكمالات الإلهية على عباده
(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا)
( وغذ خلقه منه ) الضميران عائدان إلى اللّه ( تكن روحا ) وغذاء روحانية الخلق يغتذي بك ويتلذذ بك ( وريحانا ) تشم من نفخات إنسك مع الحق .
(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا )
( فأعطيناه ما يبدو به ) أي أعطيناه الحق ما يظهر به من صورة استعدادنا ( فينا ) من الأسماء والصفات كالحياة والعلم والقدرة فيظهر فينا بهذه الصفات بحسب استعدادنا وفاعل ما يبدو ضمير عائد إلى الحق وبه عائد إلى الموصول ( وأعطانا ) ما ظهرنا به من وجودنا وأحوالنا  ومقتضيات ذواتنا
(فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا )
( فصار الأمر مقسوما بإياه ) أي بما أعطيناه إياه ( وإيانا ) أي بما أعطاه إيانا
(فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا )
( فأحياه ) الضمير للقلب المذكور حكما أي أحيى قلبي بالحياة العلمية ( الذي يدري بقلبي ) أي يعلم قلبي واستعداده الأزلي ( حين أحيانا ) بالحياة الحسية .
(فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا )
( وكنا فيه ) أي وكنا في غيب الحق قبل الحياة ( أكوانا وأعيانا وأزمانا ) لا حياة لنا بالحياة الحسية والعلمية
(وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا )
( وليس ) هذا المذكور وهذا التقرب مع اللّه ( بدائم فينا ولكن ذاك أحيانا ) أي وقتا دون وقت كما قال عليه السلام:


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
 
قوله : فلولاه و لولانا لما كان الذي كانا يعني لولا لاهوته تعالى لما أحيا عيسى الموتى وإبراء الأكمة والأبرص 
ولولانا سوتنا وهو قسط عيسى من أمه، لما حصل التواضع من عيسى 
حتى قال لأصحابه: إذا لطمك على خدك فأدر له الخد الآخر وإذا أخذ رداءك فزده قميصك وإذا سخرك ميلا فامض معه ميلين، 
فصح قوله: فلولاه ولولانا لما كان هذا الوصفان التواضع والرفعة.
قوله: 
فإنا أعبد حقا   ….. وأن الله مولانا 
يعني بال" أعبد"، الأعيان الثابتة وهي الممکنات عنده.
قوله: 
وإنا عينه فاعلم   ….. إذا ما قلت إنسانا 
يعني أنه إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه إنسان عين الحق وقد تقدم ذكر  ذلك في كلمة آدم عليه السلام.
قوله: 
فلا تحجب بإنسان  …… فقد أعطاك برهانا
يعني لا تستبعد أن يكون الإنسان هو إنسان عین الحق فقد أعطاك برهانا على ذلك. ذكره في حكمة آدم، عليه السلام، وفي غيرها.
قوله: 
فكن حقا وكن خلقا   …… تکن بالله رحمانا
يعني" فصرح في نفسك بأنك حق خلق باعتبار الأسماء الكونية والأسماء الإلهية التي فيك بما أنت إنسان فتصير بذلك رحمانا أي جامعا لوجودات المراتب.
قوله: 
وغذ خلقه منه     …… تکن روحا وريحانا
يعني ما تقدم مما ذكره أن الخلق غذاء الحق وبالعكس وقد تقدم ذكر ذلك. قال: وإذا صرت غذاء فأنت الروح له والريحان.
قوله: 
فأعطيناه ما يبدو   ….. به فينا وأعطانا 
يعني أن ظهورنا في وجوده أعطيناه به أنه الآخر والظاهر من كوننا آخرا وظاهرين وأعطانا هو الوجود فإن الوجود له لا لنا. 
قوله: 
فصار الأمر مقسوما  ……. بإياه وإيانا
یعنی صارت الحضرة الإلهية مجموع الأسماء الكونية والأسماء الإلهية وهي منا ومنه.
قوله: 
فأحياه الذي أدري     ….. بقلبي حين أحيانا
وأحياه الذي أدري أي ظهورنا أحياه، أي أحيا له اسما كالخالق المتحصل من المخلوق والرازق المتحصل من المرزوق وحصول حياته لو كانت حين حصلت لنا الحياة منه.
قوله: 
فكنا فيه أقواتا    …. وأعيانا وأزمانا 
يعني بالأقوات " ما تقدم من الغذاء ويعني بالأعيان ظهوراتنا بأزمانها.
قوله: 
وليس بدائم فينا   … ولكن ذاك أحيانا 
يعني لا يدوم لنا هذا الشهود أي أنه غذاؤنا ونحن غذاؤه، وأنا أحييناه كما هو أحيانا، فإن هذا إنما يظهر في بعض الأوقات.
وأقول: إن الشهود إذا حصل لا يتغير وأما توهم الشهود، فهو الذي يتغير وما تجلي الله لشيء، فاحتجب عنه بعد ذلك.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
 
قال رضي الله عنه  : ( فلولاه ولولانا  .... لما كان الذي كانا)
يعني رضي الله عنه : أنّه لا بدّ في كون الأفعال الكونية والإلهية من الله من صدور وجود أعيانها ، ولا بدّ أيضا من الحقائق الكلَّية الكمالية العبدانية القابلة للوجود الحق الواحد وأكوانه الفعلية من التجليات والتعيّنات ، فنحن بعبوديّتنا ومألوهيّتنا ومربوبيتنا نظهر كونه ذا أسماء وتجلَّيات .
والله بإلهيته وربوبيته يفيض علينا الوجود وعلى الأكوان وعلى الأفعال الصالحة ، إضافة إلى الله من وجه ، و إلينا من وجه ، ولا بدّ منه .
كما قلنا في الغرّاء التائية :
فلا بدّ منه     .... إنّه كلّ بدّنا
ولا بدّ منّا ....  في أصحّ الأدلَّة
قال رضي الله عنه  :
(فإنّا أعبد حقّا ..... وإنّ الله مولانا)
(وإنّا عينه فاعلم  ..... إذا ما قلت إنسانا)
يعني : أنّ المظهر كهو في ذاته بخلاف غير الإنسان من الأعيان ، وإن كان الحق عين الكلّ وعين كلّ عين ، ولكن كون الحق في كل عين بحسبها لا بحسب الحق ، فلا يصحّ فيها أن يقال : إنّ هذا العين عين الحق ، بخلاف الإنسان مع كون الحق عينه يكون هو عين الحق .
 
قال رضي الله عنه  :
(فلا تحجب بإنسان ......   وقد أعطاك برهانا )
يعني : أنّ الإنسان وإن كان في العرف اسما من أسماء الأكوان من حيث شخصه ، ولكنّه في الحقيقة هو اسم للحق مع كونه - تعالى - عين الأعيان والوجود والمراتب ، فإنّ الحق من كونه إنسانا هو عين العالم لا من كونه ربّا إلها ، فإنّ الإله إله أبدا لا مألوه ، والربّ ربّ أبدا لا مربوب ، والإنسان - برزخيّة بين بحرى الربوبية والمربوبية - عين البحرين ، فافهم ، فإنّه البرهان الذي أعطاكه الإنسان .
 
قال رضي الله عنه - :
(فكن حقا وكن خلقا   ...... تكن بالله رحمانا)
يشير رضي الله عنه : إلى تمام المدّعى أنّك بإنسانيتك وبرزخيتك لك أن تكون عين الحق ، فتقوم بك جميع الأشياء الإلهية ، ولك - بما ذكرنا كذلك - أن تكون خلقا فتكون في أعمّ الحقائق والأعيان ، فتعمّ الحق بمظهريتك الكلَّية الجامعة للذات الإلهية والأسماء كلَّها ، وتعمّ الخلق برحمة الله وفيضه الواصل إلى العالم كلَّه ، من كونك خليفته والواسطة ، وتقوم بجميع ما يحتاج العالم إليه وتسعه ، فتسع الحق والخلق بعين ما وسع الحقّ بك ذلك ، فتكون رحمانا ، لعموم وجودك .
 
قال رضي الله عنه :
( وغذّ خلقه منه   ..... تكن روحا وريحانا)
يشير رضي الله عنه :  إلى ما قرّرنا من قبل أنّ الحقّ بالوجود غذاء الخلق ، إذ به قوامه وبقاءه وحياته ، كالغذاء به يكون قوام المغتذي وحياته وبقاؤه .
وكذلك تغذّي أنت بالوجود الحق الفائض جميع الخلق ، لأنّك النائب في ذلك عن الله ، وكذلك تغذّي الوجود الحقّ بأحكام الكون وصوره ، وتوجد بذلك له أسماء وصفات ونعوتا وأحكاما ونسبا وإضافات ، وبهذا تكون روحا للحقائق الكونية العدمية تريحها بالوجود عن العدم ، وتروّحها عن ظلمتها بنور القدم ، وكذلك تكون ريحانا للوجود الحق بالروائح الخلقية الكيانية والنشآت الصورية الإمكانية .
 
قال رضي الله عنه  :
(فأعطيناه ما يبدو ..... به فينا وأعطانا)
( فصار الأمر مقسوما  ..... بإيّاه و إيّانا )
أي أعطانا الحق من خصوصيات قابلياتنا ما يظهر به فينا في تعيّنه بنا ، وأعطانا وجودا به أيضا ظهورنا لنا ، فصار الأمر الوجودي ذا وجهين له نسبة إلينا ونسبة إليه ، فيقسم في العقل قسمين لا في العين فقرّبنا عين العينين ، ولهذا سمّانا إنسان العين لأهل الإشارة والفوز بالحسنيين في الطرفين .
 
قال رضي الله عنه  :
( فأحياه الذي يدري .... بقلبي حين أحيانا )
(وكنّا فيه أكوانا    ......   وأزمانا وأعيانا )
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الحقائق الكلَّية الإنسانية أعيان الشؤون الذاتية الإلهية ، والوجود الحق مظهر ومجلى لتلك الأعيان ، فإنّا نحن فيه أكوانه الأزلية التي كان بنا ولم نكن معه لأعياننا ، لكوننا عين كونه الذي كان ولم نكن في غيب العلم الأزلي .
وكذلك في الوجود العيني بكوننا ، ويكون سمعنا وبصرنا وأعياننا وقوانا وجوارحنا في قرب النوافل ، ونكون أيضا كذلك سمعه وبصره ولسانه وأعيان أسمائه وأكوانه .
وأمّا كوننا أزمانا فيه فمن حيث إنّ مظهرياتنا موجبة لتقدّر الاسم الدهر ، فإنّ مبدأ إضافة الوجود وتعيّنه امتداد النفس الرحماني والفيض الوجودي إلى أبد الأبد ، لا يتقدّر ولا يتعين إلَّا بحسب القوابل ، والزمان مقدار حركة الفلك المحيط عرفا فلسفيا  وهو عند المحقّق صاحب الكشف صورة الزمان لا حقيقته ، وحقيقته معنى امتداد أمداد الأنفاس الرحمانية والتجلَّيات الوجودية بالتعلَّقات الإرادية الإلهية إلى الحقائق والأعيان لإيجاد الأكوان في حضرة الإمكان .
 
فلو لا الحقائق الكيانية ، وأقدارها في قابلياتها وخصوصياتها في مراتبها الذاتية ، وتقدّمها وتأخّرها المرتبتان الذاتيتان ، لما تعيّنت المقادير الإيجادية ، فنحن بكمال قابلياتنا وسعتها نقبل أمداد الأنفاس الرحمانية بالتقدّم وبالتأخّر في القابليات الناقصة التابعة ، فإنّ الحقائق منها تابعة ومنها متبوعة ، وملزومة ولازمة ، ولوازم لوازم وعوارض ولواحق .
فالحقائق المتبوعة الملزومة الكاملة تقبل الوجود أوّلا ومنها ينفذ نور الوجود إلى التوابع واللوازم وما ذكر ، فتحقّق بين المبادي والغايات حقيقة التقدّم والتأخّر الذاتي والمرتبي بحقيقة معقولية امتداد الوجود من أوّل قابل - مثلا - إلى آخر موجود .
فحقيقة الزمان معقولية ذلك الامتداد ، ومعقولية تعلَّقه بكل عين عين حقيقة الآن الذي لا ينقسم ، فإنّ تعلَّق النور النفسي الوجودي الحق بكل عين غير قبوله باستعداده الذاتي ، ومعقولية أحدية جمع الامتدادات والتعلَّقات النورية الوجودية النفسية الإلهية إلى ما لا يتناهى حقيقة الاسم الدهر ، فمن حيث إن الوجود بنا وبحقائقنا يتقدّر ويتعين كنّا فيه أزمانا .
 
وقد قال بعض المحقّقين من أهل الحق :
الوقت وعاء لما قدّر أو فيه ، ونحن كذلك أوعية لما يتقدّر فينا من التجلَّي والتعين وتنوّعاتهما إلى الأبد ، فافهم .
وفيه إشارة أيضا إلى أنّا بحقائقنا وأعياننا الثابتة كنّا في الحق قبل قبول الوجود أزمانا لا تعرف أوّليّة ، إذ لا مبدأ وأزماننا بمعنى الحقيقة الذاتية ، لا بصورة الزمان ، فافهم ذلك .
 
قال رضي الله عنه :
( وليس بدائم فينا   .... ولكن ذاك أحيانا )
يشير إلى ما قاله زين العابدين عليه السّلام : « لنا وقت يكوننا فيه الحق ولا نكونه » وإلى قوله صلى الله عليه وسلم « لي مع الله وقت » وهو زمان غلبة حقّية الإنسان الكامل على خلقيته ، وليس ذلك بدائم فيه ، فإنّ ذلك مقتضى الحقيقة الإنسانية الكمالية ، فإنّه الحق الخلق الجامع بين بحري الوجوب والإمكان ، المطلق في جمعه بين الحقّية والخلقية عن الجمع والإطلاق دائما ، فليس له أن يكون على الدوام حقا محضا ، فإنّ ذلك لحقيقة الحق لا غير ، لا شريك له في خصوصه سبحانه .
 
وفي هذا المقام سرّ للخواصّ وهو :
أنّ الإنسان الكامل في كل عصر يقابل دائما بمألوهيته ومربوبيته وعبوديته الذاتية وخلقيته الكاملة حضرة الألوهية ، والربوبية والحقّية ، وكذلك يقابل بربوبيته وبما فيه من الألوهة وصورة الله من جهة خلافته وتحقّقه بجميع الأسماء الإلهية حضرة الكون والخلق بالإمداد والفيض الواصل إلى العالم بواسطته ولا بدّ ، وإلَّا فلا يكون خليفة ، فهو يسع بأحد طرفيه ما يقابله من الحقية والخلق ، وبجمعه بينهما يحاذي ويقابل الجمعية الإلهية بين حضرات الأسماء والمسمّيات وحقائق المسمّيات - بكسر الميم اسم فاعل - والمعيّنات كذلك وهي - دون تعيّن حقا وخلقا - جانب إطلاق الحق ، فهو من هذا الوجه حق دائما ، وخلق دائما ، جامع بينهما ، مطلق في كل ذلك ، كما هو ربّه ، فيكون على هذا الذوق .
قوله رضي الله عنه : « وليس بدائم فينا » فافهم هذا السرّ .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)


يقول رضي الله عنه  :
( فلولاه ولولانا    .... لما كان الذي كانا )
أي لا بد في الأكوان والتجليات الفعلية من الحق الذي هو منبع الفيض والتأثير، ومن الأعيان القابلة التي تقبل التأثير وتتأثر فتظهر التجليات الأسمائية والأفعالية ، ووجه الارتباط بما قبله أن الإحياءين وجميع الأفعال والأكوان لا بد لها من الألوهية والعبدانية ليتحقق الفعل والقبول والتجلي والمجلى
"" أضاف بالي زادة :  (فلولاه ولولانا ) أي فلو لم يكن الحق وأعياننا ( لما كان الذي كانا ) أي لما ظهر في الكون ما ظهر وهو بيان لاتحاد الإنسان مع الحق في الربوبية : ( فأنا أعبد حقا  وإن الله مولانا )
وهو بيان للفرق ( وأنا عينه فاعلم إذا ما قلت إنسانا ) أي إذا سميت عينك بإنسان لا ينافي عينيتنا مع الحق إنسانيتنا اهـ بالى . ""
 
يقول الشيخ رضي الله عنه  :
( فأنا أعبد حقا      ..... وإن الله مولانا )
(وأنا عينه فاعلم   ...... إذ ما قلت إنسانا )
 
أي أنا أعبد الحقيقة لأنا نعبده بالعبادة الذاتية أي الأحدية الجمعية ، وإن الله بجميع الأسماء متولينا وولينا ومدبر أمورنا بخلاف سائر الموجودات ، فإنهم عبيده ببعض الوجوه والله مولاهم ببعض الأسماء . وأما الإنسان الكامل فإنه عين الحق لظهوره في صورته بالأحدية الجمعية ، بخلاف سائر الأشياء ، فإنها وإن كان الحق عين كل واحد منها فليست عينه لأنها مظاهر بعض أسمائه فلا يتجلى الحق فيها على صورته الذاتية ، وأما إذا قلت إنسانا أي إنسانا كاملا في الإنسانية فهو الذي يتجلى الحق على صورته الذاتية فهو عينه


.
يتبع 

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 4:15 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثالثة عشر : -    الجزء الثاني
تابع شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
( فلا تحتجب بإنسان ....   فقد أعطاك برهانا )
أي فلا تحتجب بالإنسان عن الحق من حيث أن الإنسان اسم من أسماء الأكوان من حيث شخصه ، فإنه من حيث الحقيقة اسم من أسماء الحق من حيث كونه تعالى عين الأعيان بل هو الاسم الأعظم المحيط بجميع الأسماء .
"" أضاف بالي زادة :  ( فلا تحتجب ) بصيغة المجهول ( بإنسان ) أي بأن تسمى بالإنسانية عينيتك مع الحق ( فقد أعطاك ) على عينيتك أو عينيتنا مع الحق ( برهانا ) وهو قوله « كنت سمعه وبصره » اهـ بالى . ""
 
إلا أن الله تعالى إله رب دائما ، وما يطلق عليه اسم السوي مألوه مربوب دائما ، والإنسان برزخ بين مجرى الإلهية والمألوهية ، والربوبية والمربوبية عين البحرين ، فلا تكن محجوبا بمألوهيته عن إلهيته فقد أعطاك برهانا على إلهيته وربوبيته :
 
( فكن حقا وكن خلقا  .... تكن باللَّه رحمانا )
هذا تمام المدعى : أي كن بنور حبك حقا بحسب الحقيقة ، وكن خلقا بحسب الصورة البشرية ، فتقوم بك من حيث حقيقتك جميع الأسماء الإلهية
وتعم بخليقتك جميع الحقائق والأعيان فتعم الحق بحقيقتك الجامعة للذات الإلهية والأسماء كلها .
وتعم الخلق من رحمة الله وفيضه الواصل إلى العالم كله من حيث أنك خليفته على العالم ورابطة وجوده .
وتقوم بجميع ما يحتاج إليه العالم فوسع الحق والخلق بعين ما وسع الحق بك ذلك فتكون رحمانا لعموم وجودك وسعة رحمتك وجودك .
"" أضاف بالي زادة :  (فكن حقا ) بحقيقتك وروحك ( وكن خلقا ) بنشأتك العنصرية ( تكن باللَّه رحمانا ) أي عام الرحمة بإفاضتك الكمالات الإلهية على عباده اه ( وغذ خلقه منه ) أي من الله ( تكن روحا ) أي غذاء روحانيا لخلقه يغتذي بك ويتلذذ بك ( وريحانا ) حتى تشم من نفحات أنسك مع الحق .
( فأعطيناه ما يبدو . به ) أي أعطينا الحق ما يظهر به من صور استعدادنا ( فينا ) من الأسماء والصفات كالحياة والعلم والقدرة فيظهر فينا بهذه الصفات بحسب استعدادنا ، وفاعل ما يبدو ضمير عائد إلى الحق ، وبه عائد إلى الموصول ( وأعطانا ) ما ظهرنا به من وجودنا وأحوالنا اهـ بالى زادة ""
 
قال الشيخ رضي الله عنه:
( وغذ خلقه منه   .... تكون روحا وريحانا )
إشارة إلى ما سبق من أن الحق بالوجود غذاء الخلق ، إذ به قوامه وبقاؤه وحياته كالغذاء الذي به قوام المتغذى وبقاؤه وحياته ، فغذ أنت بالوجود الحق لأنك النائب في ذلك عن الله ، وقد تغذى الحق بأحكام الكون وصور الخلق كما تقرر من قبل .
فظهر له بذلك أسماء وصفات ونعوت وأحكام ونسب وإضافات ، فيكون هذا روحا للحقائق الكونية العدمية تريحها بالوجود عن العدم وتروحها عن ظلمتها بنور القدم ، وتكون ريحانا للوجود الحق بالروائح الحقيقية الكائنة والنشأة الصورية الإمكانية :
( فأعطيناه ما يبدو   .... به فينا وأعطانا)
(فصار الأمر مقسوما  ..... بإياه وإيانا )
 
أي أعطينا الحق من قابلياتنا ما يظهر به فينا بنا ، وأعطانا الوجود الذي به ظهرنا ، فصار الأمر الوجودي ذا وجهين : نسبة إلينا ، ونسبة إليه تعالى .
"" أضاف بالي زادة :  ( فصار الأمر مقسوما بإياه ) أي بما أعطيناه إياه ( وإيانا ) أي بما أعطاه إيانا .اهـ بالى""
 
 منقسما باعتبار العقل لا في العين إلى قسمين :
 قسم له منا ، وقسم لنا منه
 وقد وضع الضمير المنصوب المنفصل موضع المجرور المتصل ، لأن المراد اللفظ أي بهذين اللفظين .
كأنه قال : بأن أعطينا الظهور بنا إياه وأعطى الوجود به إيانا .
( فأحياه الذي يدرى   .... بقلبي حين أحيانا)
 
أي حين أحيانا وأوجدنا بوجوده أحياه وأظهره الذي يعلمه في قلبي من حياته بحياتنا وظهوره بصورنا وسمعنا وبصرنا كما ذكرنا في قرب الفرائض ، ومنه قوله : سبحان من أودع ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب ، ثم بدا في خلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب .
"" أضاف بالي زادة :  ( فأحياه ) الضمير القلب المؤخر لفظا المقدم معنى : أي أحيا قلبي بالحياة العلمية ( الذي يدرى . بقلبي ) أي يعلم قلبي واستعداده الأزلي ( حين أحيانا )  بالحياة الحسية . اهـ بالى
( وكنا فيه ) أي وكنا في غيب الحق قبل الحياة ( أكواناوأعيانا وأزمانا) لا حياة لنا بالحياة الحسية والعلمية اهـ ( وليس ) هذا المذكور أو هذا التقريب مع الله ( بدائم فيناولكن ذاك أحيانا) أي وقتا دون وقت كما قال « لي مع الله وقت لا يسعني » الحديث اهـ بالى . ""
 
( فكنا فيه أكوانا   .... وأعيانا وأزمانا )
وكنا في الأزل قبل أن يوجدنا أكوانا في ذاته : أي كانت حقائقنا أعيان شؤونه الذاتية الإلهية ، والوجود الحق مظهرا لنا ومجلى لتلك الأعيان ، فكنا فيه أكوانه الأزلية التي كان بنا ، ولم نكن معه لكوننا عين كونه الذي كان ، ولم نكن في غيب العالم الأزلي وكذلك في الوجود العيني أحيانا ، وكوننا بأن كان سمعنا وبصرنا وقوانا وجوارحنا ، وفي الجملة أعياننا في قرب النوافل فكنا سمعه وبصره ولسانه وأعيان أسمائه وأكوانه في قرب الفرائض .
وأما كوننا أزمانا فيه فلتقدم الدهر بتقدم بعضنا على بعض وتأخر بعضنا عن بعض في الوجود والمرتبة ، فإن كل متنوع منا وملزوم من أحوالنا يتقدم في الوجود والمرتبة والشرف تابعة ولازمة ، فكنا في الحق أزمانا بالتقدم والتأخر في المظهرية ، وصار امتداد النفس الرحماني بنا أنفاسا وأوقاتا وامتداد الدهر أزمانا .
 
( وليس بدائم فينا   ..... ولكن ذلك أحيانا )
أي وليس ذلك القرب أي قرب الفرائض والنوافل دائما فينا ولكن أحيانا ، لقوله عليه الصلاة والسلام « لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل »
وقول زين العابدين : لنا وقت يكوننا فيه الحق ولا يكوننا ، وهو زمان على حقيقة الإنسان الكامل على خلقه .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
قال رضي الله عنه :  
(فلولاه ولو لأنا   ...... لما كان الذي كانا )
أي ، فلو لا الحق الذي هو منبع القوى والقدرة ومعدن الكمالات الظاهرة في البشر المفيض بأسمائه وصفاته الأنوار في العالم ، ولولا أعيان الثابتة في العدم ، لما حصل في الوجود ما حصل ، ولا ظهر في الكون ما ظهر .
والمراد بقوله : ( ولولا نا ) ليس الإنسان فقط ، بل أعيان العالم كله .

قال رضي الله عنه :  
(فإنا أعبد حقا   ...... وإن الله مولانا )
لقبول ما يفيض علينا وإظهار صفاته الغيبية فينا ، والعبودية تطلب الربوبية ، فربنا ومولانا المفيض علينا الصفا ت الكمالية هو الله لا سواه . وإنما جاء بالاسم ( الله ) دون غيره من الأسماء ، لأنه هو الاسم الجامع للأسماء كلها ، والعالم بأسره مظاهره .

قال رضي الله عنه :  
( وإنا عينه فاعلم  ...... إذا ما قلت إنسانا )
أي ، إنا وأعيان العالم عين الله ، لأنها أسماؤه ، والأسماء من وجه عين المسمى ، وهو من وجه ( الأحدية ) . كما مر في المقدمات .
ومعنى ( إذا ما قلت إنسانا ) أي ، إذا جعلت العالم من حيث أحدية جمعه ، مسمى بالإنسان لكبير ، وإنا عين الله ، إذا ما قلت إنه هو الذي ظهر بصورة الإنسان الكامل ، فيسمى باسم الإنسان .

كما قال رضي الله عنه  شعر :
( سبحان من أظهر ناسوته  ..... سر سنا لاهوته الثاقب )
( ثم بدأ في خلقه ظاهرا  ..... في صورة الآكل والشارب )  
لأنا مشتركون في الحقيقة الإنسانية مع الكامل .
فقوله : ( إنا ) يكون عن لسان أفراد الإنسان ، لا العالم .

قال رضي الله عنه :  
( فلا تحجب بإنسان  ...... فقد أعطاك برهانا )
على صيغة المبنى للمفعول . أي ، فلا يحجبنك أحد بأنك مسمى بالإنسان ، والحق مسمى بالله . أو على صيغة المبنى للفاعل . أي ، فلا يحجب نفسك بأن تجعلها مسمى بالإنسان ، وتجعل الحق : مسمى بالله .
( فقد أعطاك ) البرهان الكشفي إنك عينه باعتبار الحقيقة ، وغيره باعتبار التعين والتقيد . وأعطاك البرهان النقلي إنك عينه ، كما قال : ( كنت سمعه وبصره ) - الحديث . وقال : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شئ عليم ) . وغير ذلك من الأخبار الواردة فيه.

قال رضي الله عنه :  
( فكن حقا وكن خلقا  ...... تكن بالله رحمانا )
أي ، فكن حقا باعتبار روحك ، وخلقا باعتبار جسدك . أو فكن حقا باعتبار حقيقتك الجامعة للحقائق كلها الإلهية والكونية ، وكن خلقا باعتبار تعينك وتقيدك وكونك مظهرا للصفات الإلهية . تكن بالله عام الرحمة على العالم ، إذ بواسطتك يحصل له ما فيه من كمالاته دنيا وآخرة ، علما وعينا ، فتكون عين اسم ( الرحمان ) المشتمل على الأسماء .

قال رضي الله عنه :  
( وغذ خلقه منه  ...... تكن روحا وريحانا  )
قد مر مرارا أن الحق غذاء الخلق من حيث وجودهم وبقائهم وجميع كمالاتهم ، إذ الحق هو الذي يختفي في صورة الخلق اختفاء الغذاء في المغتذى .
وبقاء الخلق بالحق ، كبقاء المغتذى بالغذاء . والخلق غذاء الحق من حيث إظهار أحكام أسمائه وصفاته ، إذ بالخلق تظهر الأحكام الأسمائية ، وبهم بقاؤها ، ولولا الخلق ، ما كان له أسماء وصفات .

فضمير ( خلقه ) و ( منه ) عائد إلى الله تعالى . أي ، غذاء العالم من وجود الحق بأسمائه وصفاته ، لأنك خليفة في ملكه . تكن ذا روح وراحة ، لأنك حينئذ تكون رحمة للعالمين ، فتستريح من أنفاسك الأرواح وتشم من نفحات عطرك الأشباح ، فتكون ريحانا للعالم بروحك ، وراحة للأكوان بعينك ، وأمانا  للخلق بوجودك ، فإن الدنيا لا تخرب ما دام كونك فيه .
قال تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) . والخطاب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وللوارثين نصيب منه  

قال رضي الله عنه :  
( فأعطيناه ما يبدو  ...... به فينا وأعطانا )
أي ، فأعطيناه الحق ما يظهر بوجوده فينا من الحياة والعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات الكمالية . فأعطيناه إياها برجوعنا إليه وفناءنا فيه ذاتا وصفة وفعلا ، كما قال : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) .
وأعطانا ما علم وظهر له من أعياننا من الإمكان والحدوث والفقر والعجز ، وفي الجملة ، ما طلبت استعداداتنا من صفات الكمال والنقصان بإيجادها وإظهارها في الوجود الخارجي  

قال رضي الله عنه :  
(فصار الأمر مقسوما   ....... بإياه وإيانا )
أي ، فصار الأمر الوجودي منقسما بما أعطيناه إياه من أحوالنا التي كنا عليها حال كوننا معدومين ، وبما أعطاه إيانا من الوجود والكمالات اللازمة له مع مقتضى أعياننا .

قال رضي الله عنه :  
( فأحياه الذي يدرى ....   بقلبي حين أحيانا )
أي ، أحيا قلبي بالحياة العلمية الذي هو عالم به واستعداده الحاصل له في الأزل حين أحيا أرواحنا وقلوبنا بالحياة الذاتية الحسية .

تقديره :
( الذي يدرى بقلبي   ..... أحياه حين أحيانا )
( فكنا فيه أكوانا  ..... وأعيانا وأزمانا )
أي ، فكنا في غيب الحق وفي علمه أعيانا ثابتة ، وفي عالم الأرواح أكوانا موجودة
مبدعة ، وكنا عند نزولنا إلى غيوب السماوات والأرض ومرورنا بهذه المنازل
وغيرها من منازل المعادن والنباتات والحيوانات إلى حين الوصول إلى هذه الصورة
الإنسانية أزمانا ودهورا في الغيب حتى ظهرنا في هذه الدار .
ولما ذكر كوننا في علم الحق ومراتب غيوبه وشهاداته دائما ، ذكر ما يتعلق

بطرف الحق أيضا بقوله رضي الله عنه   :
(وليس بدائم فينا  ..... ولكن ذاك أحيانا )
أي ، وليس الحق بحسب ظهوره وتجليه بدائم فينا ، ولكن ذاك أحيانا يحصل لقلوبنا استعداد ذلك التجلي الذي به يحصل الشهود والعلم الحقيقي الموجب للحياة الروحانية ، وبه يصير الحق سمع العبد وبصره وجوارحه ، والعبد سمع الحق وبصره وباقي صفاته .


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...    لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...      وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)

قال الشيخ رضي الله عنه :  
( فلولاه ولولانا   ..... لما كان الّذي كانا )
كما قال : ( فلولاه ولولانا ) أي : فلو لا العلم الذي به الحياة الإلهية النورية الدائمة العلية والعلماء به ، ( لما كان الذي كان ) من المخلوقات كما قال : « كنت كنزا مخفيّا ، فأحببت أن أعرف » .
ولا شكّ أن الحكمة في إيجاد الخلق إظهار نسبة الربوبية بالعبودية ، كما قال :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ الذاريات : 56 ] ، ولا يتم إلا ممن كمل في ذلك العلم .

(فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا)
( فأنا أعبد ) عبادة ( حقّا ) ، وذلك ( أن اللّه مولانا ) تدلى بذاته ، وجميع أسمائه المنفصل ظهورها في العالمين فيّ ، وأنا بكمال هذا التجلي في..

(وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا)
كأني عينه ؛ فاعلم إذا ما قلت إنسانا كاملا ، فإن كماله بظهور صور الحق والخلق فيه :

(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا)
( فلا يحجب بإنسان ) حادث ذليل عن ظهور رب قديم جليل فيه بذاته وأسمائه ، ( فقد أعطاك برهانا ) على ذلك مثل قوله على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : « كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها » . رواه البخاري وابن حبان

وإذا لم يحجب :
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
( فكن حقّا ) أي : متحققا بما تجلى فيك تؤثر به في غيرك كأنك الحق ، ( وكن ) مع ذلك ( خلقا ) ؛ لأنه أصلك فلا تتوهم انقلابك إلى الحق ، ولا إنصافك بعين صفاته ، فلا تدع الربوبية لنفسك ( تكن باللّه رحمانا ) تفيض على الخلق فيضا عامّا تستفيضه منه بمناسبتك الطرفين ، وإن لم تسم بالرحمن على الإطلاق ؛ لامتناع ذلك في حق عين اللّه تعالى .
ولا يتجوز في ذلك لإيهامه المعنى الحقيقي كمثل ما يترك استعمال اللفظ في معناه الحقيقي فرارا من التوهم ، فكيف في المعنى المجازي ، وإنما استعمله الشيخ - رحمه اللّه - لتصريحه بالقرينة الرافعة للإيهام ، وفي قوله : « باللّه » أي : باللّه الذي هو الرحمن بالذات .
ثم قال : ولا يقتصر على إفاضة الفيض الرحماني ، بل :

(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا )
( غذّ ) أي : أكمل ( خلقه منه ) أي : من تجليه الخفي ، وهو الفيض الرحيمي ( تكن روحا ) أي : مفيد راحة عظيمة بتكليمهم في العلم الحقيقي ، والمقامات العلية ، والأحوال السنية ، ( وريحانا ) أي : مفيدا روائح السير في اللّه ، وباللّه ومن اللّه .
وإذا كان لنا عموم الفيض الرحماني ، وخصوص الفيض الرحيمي ، وهي التغذية باعتبار حقيقتنا وخلقيتنا :
 

(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا)
( فأعطيناه ) أي : الخلق بحقيتنا ( ما يبدو به ) الحق ( فينا ) من صور تجلياته ، وباعتبار خلقيتنا ما ( أعطانا ) من آثارها :

(فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا)
( فصار الأمر ) أي : أمر فيضنا مقسوما بإياه ، وإيانا بعضه من صور الحق ، وبعضه من صور الخلق .
وإذا كان كذلك :
(فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا)
( فأحياه ) أي : الخلق الذي يحييه بالحياة الإلهية بالعلم مثال علمه ونوره ( الذي يدري بقلبي ) لكنه نسب إلينا ؛ لأنه إنما أحياه فترتب إحياؤه على ( إحيائنا) :
 

(فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا)
(فكنا ) سبب ذلك ، وكان المحيي حقيقة هو العلم الإلهي الذي كما ( فيه أكوانا ) محدثة ، ( وأزمانا ) متغيرة ، ( وأعيانا ) ثابتة فلا تغير فيه ، وإنما هو في إفاضته وتعلقه بنا وكذا في تجليه علينا.

ولذلك :
(وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
( ليس بدائم ) ثم ( فينا ) وإن كان الأصل في تجليه ، ( ولكن ذلك ) المتجلي يكون (أحيانا) حين ارتفاع الحجب ، وهي ترتفع بالموت فيدوم بدوامه في نفسه ، فلا حجاب إلا أن يعود حجاب الكفر أو المعاصي والعياذ باللّه من ذلك .
فلذلك تسمى هذه الحياة الإلهية عليه نورية بخلاف الحياة الحيوانية ، فإنها ليست من صور أسمائه ؛ فلذلك لا يلزمها العلم الكامل ، بل هي من الآثار الحاصلة من نفسه الرحماني الذي النفخ العيسوي من مظاهره .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 16 ديسمبر 2019 - 13:50 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 4:25 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة عشر الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثالثة عشر : -    الجزء الثالث
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
 
قال رضي الله عنه :
( فلولاه ولولانا  ... لما كان الذي كانا )
يمكن أن يجعل كناية « لولانا » عبارة عن الذين أحياهم الشرب من المشرب الختميّ ، وعين الحياة الحقيقيّة ويمكن أن يجعل لمطلق الإنسان ، وعلى الأول يكون قول :
(وإنا أعبد حقا ....   وإنّ الله مولانا )
(وإنّا أعبد حقّا)  تعريضا بما حكى عن عيسى  " إني عبد الله " أي نحن العبيد الحقيقي لله .
( وإنّ الله مولانا ) نحن وعلى الثاني معناه أنّ العبوديّة والالوهيّة الحقيقيّتين بالإنسان وقوله
 
(وإنّا عينه فاعلم ......   إذا ما قلت إنسانا)
 (وإنّا عينه ) أيضا يحتمل الوجهين : فعلى الأوّل ضميره عائد إلى الحقّ . وعلى الثاني عائد إلى « الذي كانا » وهو عبارة عن الإنسان ، أي الإنسان عين الحقّ ، أو المحمّديّون هم العيون في هذا النوع ، إذ لكلّ امّة من الأمم منزلة قوّة منه ، فهم الذين يدركون أنفسهم بهم ، وذلك مخصوص بالعين بين المشاعر ( فاعلم ) ذلك( إذا ما قلت إنسانا )أي إنّه إنسان عين الحق ، أو الوجود .
(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا)
( فلا تحجب بإنسان ) ( فقد أعطاك ) بالعين ( برهانا ) تطلع به على جميع الحقائق - إلهيّة وكيانيّة - وتحيط منه بالكل إحاطة إنسان العين بالشخص.
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
( فكن حقّا وكن خلقا )بتلك الإحاطة الوجوديّة والشعوريّة ( تكن بالله ) وتأييده ( رحمانا ) أي مبدأ فيضان الرحمة من المعارف المحيية للنفوس الهالكة .
 
(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا)
( وغذّ خلقه منه ) أي من الله ( تكن روحا ) لروحك ( وريحانا ) للمستنشقين منك روائح الحياة الأبديّة .
 
ثمّ لما بيّن أمر الجمع والإجمال بما لا مزيد عليه محرّضا للطالبين والواجدين أن يطعموا الخلائق من تلك الأغذية الإجماليّة ، فإنها اسّ العلوم الذوقيّة والمعارف الوجدانيّة ، أشار إلى مبدأ التفرقة الكونيّة من تلك الجمعيّة المشار إليها بحيث يفضي إلى ما هو المقصد هاهنا بقوله:
(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا)
( فأعطيناه ) عطفا على قوله : « فلا يحجب » أي نحن في ذلك التعيّن العيني أعطيناه ( ما يبدوا ) ( به فينا ) من الصور والقوالب المشتملة عليها القوابل ، ( فأعطانا ) الظهور بها وهذه النسبة منشأ التفرقة .
 
( فصار الأمر مقسوما  .... بإيّاه وإيّانا)
( بإيّاه وإيّانا ) ثمّ إنّ الظهور والوجود وأحكامه من العلم والحياة لما كان هو سهم الحقّ في هذه القسمة :
(فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا)
( فأحياه الذي يدري )  ( بقلبي )حياة علميّة هي أشرف أنواعها كما سبق .
فلئن قيل : إنما يصحّ ذلك لو لم تكن تلك الحياة له أزلا ، فإنّه على تقدير أزليّة حياته وعلمه لا يتصوّر إحياؤه بوجه .
قلنا : إنّ العلوم والمعارف لله قسمان - على ما صرّح به الشيخ في أكثر تصانيفه - : منها ما يكون قديما أزليّا لازما لذاته تعالى ، ومنها ما يكون حادثا متجدّدا بتجدّد الكاملين من أشخاص الإنسان .
ووجود القسم الثاني هو الغاية لإيجاد الخلق . وفي قوله : « الذي يدري بقلبي » إشعار بخصوصيّة القسم الأخير .
فعلم أنّ الذي يعلم ويدرى بالقلب إحياؤه تعالى في هذا المظهر والنشأة ( حين أحيانا ) ثمّ لما بيّن نصيب الحق وسهمه في تلك القسمة أشار إلى نصيب العبد ، منها بقوله :
(فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا)
( فكنّا فيه أكوانا ) متحوّلة ( وأعيانا ) ثابتة ( وأزمانا ) بها نتحوّل ونثبت ، فإنّ الأمور الكونيّة منحصرة في هذه الأقسام .
 
وفيه إشارة إلى قرب الفرائض ، فإنّ العبد بجميع جوارحه وقواه في هذه الحضرة متجدّدة معها بالفعل ، فلا تتوهّم من : « كنّا » أنّ ذلك كان في الأزل ، كما توهّمه البعض فإن « كان » في أمثال هذه المواضع يفيد استمرار الأزمنة .
كما قال الشيخ - فيما ألحق بقوله « كان الله ولم يكن معه شيء » يعني : « والآن كما كان » :  إنّه لا حاجة إلى ذلك لدلالة " كان " عليه . اللهم إلَّا للإفصاح ودفع الاحتمال .
وبيّن أن كون العبد آلة للحق وتبعا له في الوجود والشعور كما هو قرب الفرائض أمر ذاتيّ للعبد ، فهو من الضروريّات التي لا يحتاج فيها إلى تعيين وقت وحين ، دون عكسه ، وهو كون الحقّ آلة للعبد ، وهو المعبّر عنه عندهم بقرب النوافل ، فإنّه أمر عرضي إنما يتحقّق في بعض الأحيان ولذلك أشار إلى ذلك في صورة حينيّة بقوله :
(وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
 ( وليس بدائم فينا ولكن ذاك أحيانا )فهو إشارة إلى قرب النوافل ، لا إلى قرب الفرائض ، كما توهّمه البعض  فإنّ كون الحقّ في العبد هو بأن يكون سمعه وبصره على ما لا يخفى ، فهو صريح في ذلك القرب .
 
كيف يصدر المادي من الروحاني 
ثمّ إنّه إذ قد ذكر ما استغربه العقول المحجوبة بالحجج النظريّة من أمر امتزاج النفخ الروحاني مع الصورة البشريّة العيسويّة ، وتركَّب مادّتها الجسمانيّة منهما ، أخذ يحقّق ذلك بإثبات القاعدة الكليّة المقنّنة الذوقيّة ، وانطباق أصول الحكم المتقنة الكشفيّة على ذلك .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
 
قال رضي الله عنه :  ( فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا ... إنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا .. وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا ... فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا ... فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا ... وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا ... فأعطيناه ما يبدو ... به فينا وأعطانا )
 
قال رضي الله عنه :
(فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا)
 ( فلولاه ) لتصدر عنه بعض الموجودات بواسطة كلمة كن المنسوبة إليه تعالى بحسب نزوله إليهم البعض الآخر من الموجودات ( ولولانا لما كان الذي كانا ) يعني لما وجد الذي وجد لأن الموجودات منحصرة في هذين القسمين.
 
(فإنا أعبد حقا ...    وإن الله مولانا)
( فإنا ) معشر الكاملين ( أعبد ) ، أي عباد مطيعون له ممتثلون أمره لنا بقول : كن ( حقا . . وإن اللّه مولانا ) وسيدنا فيجب علينا طاعته فيما أمرنا به
 
(وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا)
( وإنا عينه فاعلم . . إذا ما قلت ) أنت لنا ( إنسانا ) ، أي كاملا فإن ما علمنا أنه ليس بإنسان حقيقة وإنما حكم بعينية الإنسان الكامل .
لأن كماله لا يتيسر إلا بإفناء جهة خلقيته.
 
(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا)
( فلا يحجب ) على البناء للمفعول ، أي لا يحجب عن شهود هذه العينية ( بإنسان ) ، أي بالصورة الإنسانية والهيئات البشرية ( فقد أعطاك ) اللّه سبحانه ( برهانا ) على تلك العينية وهو أن كلمة كن بمنزلة كن منه
 
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
( فكن حقا ) بإفناء جهة خلقيتك في حقيقته ( وكن خلقا ) بقيامك في مقام العبودية بحسب الصورة ( تكن ) جامعا بين جهتي الحقيقة والخلقية وواسطة بين الحق والخلق .
فحينئذ يكون ( باللّه ) ، أي بتجلياته الذاتية والأسمائية ( رحمانا ) ، أي عام الرحمة على العالمين إذ بواسطتك يحصل لهم ما يحصل من الكمالات الدينية والدنيوية .
 
قال رضي الله عنه :
(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا)
( وغذ ) بتلك الجامعية والوساطة ( خلقه منه ) سبحانه باستفاضة الوجود والكمالات منه وإفاضتها عليهم ( تكن روحا ) ، أي راحة وتنفيسا لهم عن كرب العدم والنقصان ( وريحانا )  يستنشقون منك روائح الحياة العلمية والكمالات الوجودية
 
(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا)
( فأعطيناه ) بالفناء فيه والرجوع إليه ( ما يبدو ) من الوجود وكمالاته ( به ) ، أي بتجلياته
(فينا ) بحسب حقائقنا واستعداداتها ( وأعطانا ) بالبقاء بعد الفناء عما أفنيناه فيه عند الفناء فيه


قال رضي الله عنه :  ( فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا .. فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا .. فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا .. وليس بدائم فينا ...  ولكن ذاك أحيانا)
 
فصار الأمر مقسوما   ... بإياه وإيانا)
( فصار الأمر ) ، أي المعطى له ( مقسوما بإياه وإيانا ) ، أي به وبنا فتارة هو سبحانه المعطى له وتارة نحن ، أو صار الأمر المعطى مقسوما بما أعطيناه إياه وبما أعطاه إيانا .
وإنما أتى بالضمير المنصوب مع أن الظاهر المجرور ، لأنه حكاية عن الضمير المنصوب المتصل الذي هو مفعول للإعطاء ، فلما ترك الفعل صار منفصلا.
 
قال رضي الله عنه :
(فأحياه الذي يدري  ... بقلبي حين أحيانا)
( فأحياه ) ، أي جعله سبحانه موصوفا بالحياة الشريفة العلمية المظهرية الحادثة ( الذي يدري ) ويعلم الأمور ( بقلبي ) وبقلب أمثالي وهو أنا وأمثالي ، فحين ظهر في أنانيتنا جعلناه موصوفا بهذه الحياة .
وأما الحياة العلمية الغير المظهرية فهي لازمة لذاته سبحانه أزلا وأبدا لا مدخل لنا في اتصافه بها وذلك الإحياء إنما كان ( حين أحيانا ) بتجليه علينا بالحياة العلمية فانصبغت فينا فحدثت لنا نسبة مخصوصة لخصوص قابلياتنا ، فهي مأخوذة مع تلك النسبة حادثة ، واتصاف الحق بها إنما هو فينا ، فنحن جعلناه موصوفا بها فهذا هو المراد بإحيائه سبحانه .
 
(فكنا فيه أكوانا    ... وأعيانا وأزمانا)
( وكنا ) على سبيل الاستمرار ظاهرين ( فيه ) ، أي في مرآة وجوده تارة ( أكوانا ) ، أي مكونين مبتدعين في مرتبة الأرواح ( و ) تارة ( أعيانا ) ثابتة في مرتبة العلم ( و ) تارة ( أزمانا ) ، أي ذوي أزمان في الزمانيات .
 
(وليس بدائم فينا   ... ولكن ذاك أحيانا)
( وليس ) الحق ( بدائم ) ، أي بدائم التجلي ( فينا ) بالتجلي الشهودي .
وإن كان دائم التجلي بالتجلي الوجودي ( ولكن ذاك ) ، أي التجلي الشهودي يكون ( أحيانا ) بحسب الاستعدادات التي تحصل لقلوبنا .
قال عليه السلام : " لي مع اللّه وقت لا يسعني ملك مقرب ولا نبي مرسل ".
ثم أنه لما ذكر الشيخ رضي اللّه عنه : ما استغربته العقول المحجوبة من امتزاج النفخ الروحاني مع الصور البشرية العيسوية بتركب مادتها الجسمانية منهما ، أراد أن يزيل ذلك الاستغراب.
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 4:38 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الرابعة عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وممّا يدلّ على ما ذكرناه من أمر النّفخ الرّوحاني مع صورة البشر العنصريّ هو أنّ الحقّ وصف نفسه بالنّفس الرّحماني ولا بدّ لكلّ موصوف بصفة أن يتبع جميع ما تستلزمه تلك الصّفة ، وقد عرفت أنّ النّفس في المتنفّس ما يستلزمه فلذلك قبل النّفس الإلهيّ صور العالم . فهو لها كالجوهر الهيولانيّ ، وليس إلّا عين الطّبيعة . فالعناصر صورة من صور الطّبيعة وما فوق العناصر وما تولّد عنها فهو أيضا من صور الطّبيعة ، وهي الأرواح العلويّة الّتي فوق السّموات السّبع . )
 
قال رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه) في مسألة (أمر النفخ الروحاني ) الذي هو من اللّه تعالى (مع صورة البشر العنصري) ولا يمكن أن يعرف إلا ذوقا كواقعة أبي يزيد رضي اللّه عنه المذكورة هو ، أي الذي يدل على ذلك أن الحق تعالى وصف نفسه بسكون الفاء.
أي ذاته على لسان نبيه عليه السلام بالنفس بفتح الفاء الرحماني قال عليه السلام : " أني لأجد نفس الرحمن يأتيني من جهة اليمن " ، ولا بد لكل موصوف بصفة أن تتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة من الأمور التي لا ثبوت لتلك الصفة إلا بها .
 
وقد عرفت يا أيها السالك أن النفس بفتح الفاء ، أي الهواء الداخل إلى الجوف الحيواني ثم الخارج منه في المتنفس به من الحيوانات ما يعني أي شيء يستلزمه من الحرارة أو البرودة أو الاعتدال وانفتاح صور الصوت فيه وصور الحروف والكلمات ، وحيث اتصف الحق تعالى بالنفس فقد اتصف نفسه بما يتصف به النفس من صور الطبائع والعناصر والمولدات فلذلك ، أي لما ذكر قبل النفس بفتح الفاء الإلهي صور العالم كلها محسوسها ومعقولها وموهومها فهو ، أي النفس الإلهي لها ، أي لصور العالم كلها كالجوهر ، أي الجزء الذي لا يتجزأ الهيولاني حيث يتركب منه الجسم فيكون ذلك الجسم هيولي ، أي مادة الصور كثيرة تجعل منه كالخشبة تجعل الباب والصندوق والكرسي ، والطين يجعل منه الكوز والجرة والخابية ، والعجين يجعل منه الرغيف والقرص والكعك ونحو ذلك .
 
قال رضي الله عنه :  (وليس)  كالجوهر الهيولاني (إلا عين الطبيعة) الكلية الحاملة لصور العالم التي تنقسم إلى أربعة أقسام وتتكاثف بالعناصر (فالعناصر) المنقسمة إلى أربعة أيضا (صورة من صور الطبيعة) وجميع ما فوق العناصر وفوق ما تولد عنها ، أي عن العناصر من السماوات السبع وملائكتها عليهم السلام فهو أيضا من صور الطبيعة المذكورة وهي ، أي ما فوق العناصر والمتولد منها الأرواح العلوية وهم الملائكة عليهم السلام التي فوق السماوات السبع ملائكة العرش والكرسي .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )


قال رضي الله عنه :  ( لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبي مرسل )  . ذكره الكلاباذي في بحر الفوائد يعقوب و السيوطي فى شرح سنن ابن ماجه و  لمناوي في فيض القدير
""و قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لي مع الله وقتا لا يسعني فيه غيره» ذكره الكلاباذي في بحر الفوائد ""
قال رضي الله عنه :  ( ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري ) يعني أن جبرائيل نفخ الروح العيسوي مع صورة البشر العنصري العيسوي بلا تقدم الاستواء على النفخ لا كما لغيره من أولاد آدم فإن استواء صورتهم البشرية العنصرية مقدم على نفخ أرواحهم بخلاف عيسى عليه السلام فإن تسوية جسمه مندرجة في نفخ روحه تحصل مع حصول روحه .
 
والدليل على ذلك هو ( أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزم تلك الصفة ) فإذا وصف الحق نفسه بالنفس فلا بد أن يصف نفسه بما يستلزم النفس ( وقد عرفت أن النفس ) الإنساني ( في المتنفس ما تستلزمه ) أي أيّ شيء الذي يستلزمه من إزالة الكرب وصور الحروف والكلمات النطقية وغير ذلك فاتبع المتنفس بالنفس جميع ما تستلزمه من إزالة الكرب وصور الحروف والكلمات النطقية .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلذلك ) أي فلأجل اتباع الموصوف جميع ما تستلزمه تلك الصفة ( قبل النفس الإلهي صور العالم فهو ) أي النفس الإلهي صور العالم ( لها ) أي لصور العالم ( كالجوهر الهيولاني وليس ) النفس الإلهي ( إلا عين الطبيعة ) التي هي تقبل الصور فقبل نفخ جبرائيل الصورة البشرية لعيسى بحيث لا تنفك عن النفخ الروحي .
قال رضي الله عنه :  ( فالعناصر ) الأربع وهي الماء والتراب والهواء والنار والسماوات السبع ( صورة من صور الطبيعة وما فوق العناصر وما تولد عنها ) أي عن فوق العناصر أنث الضمير باعتبار كثرة الفوق ( فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السماوات السبع ) وهي صورة من صور الطبيعة غير العنصرية .
والمراد بفوق السماوات السبع العرش والكرسي وبالأرواح العلوية ما تولد منهما من ملائكتهما وأرواحهما مع صورها وغيرها من العقول والنفوس المجردة كل ذلك غير عنصرية فالسماوات وما تولد منها داخلة في العناصر يدل على ذلك قوله :


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )
 
قال رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.  وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم. فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة. وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. (
 
قوله:  ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني إلى آخره. 
يعني أن الحق تعالی وصف نفسه بأن له نفسا فتناسب أن يكون منه النفخ، إذ النفخ هو ضرب من النفس. 
قال: وبالنفخ كانت الطبيعة والعناصر والمولدات بل وأرواح السماوات وأعيانها وهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر إشارة إلى قوله تعالى:
"ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها" (فصلت: 11) يعني من حقيقة هذا الدخان.
قال: وملائكة ذلك عنصريون 
قال: ومن فوقهم طبيعيون، 
قال: ولذلك وصفهم بالاختصام في ایرادهم أن الملأ الأعلى يختصمون 


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )
 
قال رضي الله عنه : ( وممّا يدلّ على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أنّ الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بدّ لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع  ما تستلزمه تلك الصفة ، وقد عرفت أنّ النفس في المتنفّس لم يلزمه ، فلذلك قبل النفس الإلهيّ صور العالم . فهو لها كالجوهر الهيولاني ، وليس إلَّا عين الطبيعة ، فالعناصر صورة من صور الطبيعة ، وما فوق العناصر وما تولَّد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السماوات السبع ، )
 
يعني رضي الله عنه : أنّ النفس لمّا نسب إلى الرحمن وكان صفة له ، فإنّه يضاف وينسب إلى الحق الرحمن جميع ما يستلزمه النفس من التنفيس وقبول صور الحروف والكلمات الكونية والأسماء الإلهية والحرارة والرطوبة والحياة وسرّ التقابل الذي في حقيقة الجمعية الأحدية والنفسية الرحمانية .
فإنّ النفس عبارة عن الوجود الفائض بمقتضيات الأسماء الإلهية ومقتضيات قوابلها وحقائقها جميعا ، فله أحدية جمع الجمعين مع الوجود بين المتقابلات والمتماثلات والمتنافيات والمتشاكلات الإلهية والكونية جميعا ، وفيه أيضا سرّ الجمع بين الفعل والانفعال ، والهيولانية المّادّة القابلة للصور كلَّها والطبيعة الفعّالة لها فيه ، كما قد أشرنا إلى كل ذلك في الفصّ الآدمي والشيثي وغيرهما بما فيه مقنع للأولياء ، فاذكر .
ونزيد هاهنا بما لم يذكر وهو أنّ الطبيعة الكلَّية وإن كانت - كما ذكرنا - هي الحقيقة الفعّالة للصور كلَّها إلهيّها وكونيّها ، علوا وسفلا ، فإنّها أيضا عين المادّة التي حصرت قوابل العالم كلَّه ، ففيه قابلية هيولانية لأن يفعل في النفس جميع الصور ، فهي بانفعالاتها المادية الهيولانية تفعل صور الفاعليات الأسمائية أيضا من الوجود الحق ، فهي فاعلة من وجه ، منفعلة من آخر ، لحقيقتها الجمعية الأحدية النفسية ، فإنّها عين النفس الممتدّ من حقيقة الحقائق الكبرى بأحدية جمع الحقائق الفعلية والانفعالية جامعا لحقائق المراتب والوجود ، فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )
 
قال رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الروحاني ، ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة ، وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم فهو لها كالجوهر الهيولاني وليس إلا عين الطبيعة )
 
النفس الرحماني : هو فيضان وجود الممكنات التي إذا بقيت في العدم على حال ثبوت أعيانها بالقوة كانت كرب الرحمن إذا وصف نفسه بالنفس وجب أن ينسب إليه جميع ما يستلزمه النفس من التنفيس وقبول صور الحروف والكلمات ، وهي هاهنا الكلمات الكونية والأسمائية ، فإن الوجود إنما يفيض بمقتضيات الأسماء الإلهية ومقتضيات قوابلها .
 
فللنفس أحدية جمع الفواعل الأسمائية والقوابل الكونية والتقابل الذي بين الأسماء وبين القوابل وبين الفعل والانفعال ، فكذلك وجود الإنسان الذي هو من النفس يستلزم الفاعل الذي هو النافخ ، والقابل الذي هو صورة البشر العنصري ، والفعل والانفعال الذي هو النفخ وحياة الصورة .
فلذلك قبل النفخ صور العالم أي وجودات الأكوان ، كما يقبل نفس المتنفس صور الحروف والكلمات ، وبظهورها يحصل النفس عن كرب الرحمن .
 
فالنفس لها أي لصورة العالم كالجوهر الهيولاني للصور المختلفة ، وليس ما يستلزمه النفس الرحماني إلا عين الطبيعة يعنى الطبيعة الكلية ، وهي اسم الله القوى .
وهي التي لا تكون أفعالها إلا على وتيرة واحدة سواء كانت مع الشعور أو لا معه ، فإن التي لا شعور له معه له شعور في الباطن عند أهل الكشف .
فلا حركة عندهم إلا من الشعور ظاهرا وباطنا حتى إن الجماد له شعور في الباطن ، فالطبيعة الكلية بهذا المعنى تشمل الأرواح المجردة الملكوتية والقوى المنطبعة في الأجرام ، ويسميها الإشراقيون النور القاهر .
"" أضاف بالي زادة :  ( ومما يدل ) يعنى أن النفخ في الصورة العيسوية بلا تقدم الاستواء على النفخ لا كغيره من الإنسان ، فإن استواء صورهم مقدم على نفخ الروح .
والدليل على ذلك قوله ( هو أن الحق وصف ) .اهـ بالى
( في المتنفس ما يستلزمه ) ما : استفهام أو موصول ، أي الذي يستلزمه من صور الحروف والكلمات وإزالة الكرب وغير ذلك ، فاتبع المتنفس بالنفس جميع ما يستلزمه من إزالة الكرب وصور الحروف والكلمات النطقية ( فلذلك ) أي فلأجل اتباع الموصوف جميع ما تستلزمه تلك الصفة ( قبل النفس الإلهي صورة العالم ) اهـ بالى
( وليس إلا عين الطبيعة ) التي هي تقبل الصور ، فقبل نفخ جبريل الصورة العيسوية بحيث لا تنفك عن الروح النفخى فالعرش والكرسي مع أرواحهما وملائكتهما طبيعيون ، فما من صورة من الصور مما سوى الله إلا وهي صورة من صور الطبيعة ، وما من صورة من صور الطبيعة إلا وهي إما عنصرية وإما طبيعية . اهـ بالى . ""
 
ثم قسموا الأنوار القاهرة أي القوية في التأثير إلى قسمين :
المفارقات ، وأصحاب الأصنام . والمفارقات : هم الملأ الأعلى ، لأن كل واحد من أهل الجبروت والملكوت لا يفعل ما يفعله إلا على وتيرة واحدة ، ولا يفعل بعضهم أفعال بعض كما حكى الله عنهم – " وما مِنَّا إِلَّا لَه مَقامٌ مَعْلُومٌ " - وأصحاب الأصنام هم القوى المنطبعة في الجوهر الهيولاني وخصصها أي الأنوار القاهرة باسم الطبائع .
فإن الطبيعة عند الفلاسفة قوة سارية في جميع الأجسام تحركها إلى الكمال وتحفظها ما دامت تحمل الحفظ ، فوافق وجدان الشيخ وذوقه مذهب الإشراقيين ، فمن الطبيعة الكلية القوى المنطبعة في الأجسام الهيولانية القابلة للصور .
ومن لوازم النفس الرحماني الطبيعة الكلية ، وهيولى العالم القابلة على ما ذكرنا أن النفس يستلزم الفواعل والقوابل وله أحديتهما ، فإن الوجود الإضافي صورة أحدية الفواعل والقوابل حتى تصير الجملة به موجودا واحدا وكلمة هي حروفها كالحيوان والنبات وسائر الأكوان.
 
قال رضي الله عنه :  ( فالعناصر صورة من صور الطبيعة ، وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة ، وهي الأرواح العلوية إلى فوق السماوات السبع .)
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )
 
قال رضي الله عنه :  ( ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري ، هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ، ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما يستلزمه تلك الصفة ، وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه ، فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم ، فهو لها كالجوهر الهيولاني ، وليس إلا عين الطبيعة.)
 
يريد أن يؤكد ما قرره أولا من أن الروح الأمين نفخ الروح العيسوي مع صورة البشر العنصري ، لا أنها كانت مسواة قبل النفخ ، فنفخ ، كما لغيره من آدم وأولاده .
وقد مر مرارا أن ( النفس الرحماني ) هو التجلي الوجودي الذي يتعين ويصير أعيانا موجودة ، أرواحا كانت أو أجساما .
وهو العين الجوهر القابل للصور الروحانية والجسمانية . ولا بد لكل ملزوم إذا استلزم شيئا ، أن يستلزم توابع ذلك الشئ أيضا ، لعدم انفكاك اللازم عن ملزومه ، وقد علمت أن النفس في المتنفس ، أي الإنسان ، ما يستلزمه ، أي أي شئ يستلزمه ، أي ، علمت أنه يستلزم إزالة الكرب ووجدان الراحة ، وظهور الكلمات والكمالات النطقية وغيرها ، فوصف الحق نفسه بالنفس ، وصف منه نفسه بجميع لوازم النفس .
 
وليس ذلك النفس الذي أصل تلك اللوازم إلا عين الطبيعة في الحقيقة ، إذ بها يحصل الفعل والانفعال في الفواعل والقوابل وما يترتب عليهما ، وهي كالصور النوعية للنفس .
فهي أول تعين عرض على النفس ، ثم بواسطتها تتعين الحروف والكلمات الوجودية ، كما تعرض أولا على النفس الإنسانية الصوت ، ثم تتعين الحروف والكمالات بمرور النفس مع الصوت على مراتب يظهر فيها الحروف وهي المخارج .
فالطبيعة عبارة عندهم عن معنى روحاني سار في جميع الموجودات ، عقولا كانت أو نفوسا ، مجردة وغير مجردة أو أجساما ، وإن كانت عند أهل النظر عبارة عن القوة السارية في الأجسام ، بها يصل الجسم إلى كماله الطبيعي .
 
فما عند أهل النظر نوع من تلك الطبيعة الكلية . وفي التحقيق نسبة الطبيعة الكلية إلى النفس الرحماني بعينها نسبة الصورة النوعية التي للجسم الكلى إلى الجسم ، فإنه نوع من أنواع الجوهر ، فلا بد له من الصورة النوعية والروحانية المقومة له ، والامتداد المطلق الذي هو الصورة الجسمية مستفاد منها .
فلذلك ، أي فلذلك الاستلزام للطبيعة الكلية ، قبل النفس الإلهي صور الموجودات الروحانية والجسمانية ، كما قيل : النفس صور الحروف ، والكلمات بواسطة الصوت.
  
( فهو لها ) أي ، فالنفس لصور العالم كالجوهر الهيولاني الذي للأجسام ، لأنها فائضة عليه متعينة فيه ، فليس ما يستلزم النفس الرحماني إلا عين الطبيعة الكلية والصور فائضة عليها ، فالعناصر أيضا صورة من صور الطبيعة كما يذكر ، وكان نفخ الروح الأمين نفسه فيها منضما مع الصورة العنصرية وهو المطلوب .
 
قال رضي الله عنه :  (فالعناصر صورة من صور الطبيعة وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة . )
أي ، الصور النوعية التي للعناصر ، روحانية كانت أو جسمانية ، هي من جملة الصور الفائضة على الطبيعة الكلية والصور التي فوق العناصر الأربعة ، كصور السماوات السبع ، وما تولد منها من صور الملائكة السماوية أيضا من صور الطبيعية .
فضمير ( عنها ) راجع إلى ما أنثه باعتبار الكثرة التي في معناها ، وهي صور السماوات
وصور الملائكة المتولدة من السماوات . ويجوز أن يكون راجعا إلى ( العناصر ) .
ومعناه ، والصور التي فوق العناصر التي هي السماوات ، وفوق ما تولد من العناصر بعد وجود السماوات ، وهي الصور الملائكة السماوية ، فهي أيضا من صور الطبيعة .
 
ولما كانت السماوات وما تولد منها عنصرية وما فوقها من صورة العرش والكرسي والملائكة التي فيها طبيعة غير عنصرية ، قال : ( وهي الأرواح العلوية التي فوق السماوات السبع ) فالضمير عائد إلى الصور التي هي فوق العناصر والسماوات المعبر عنها بقوله .
( وأما فوق العناصر وما تولد عنها من صور الطبيعة ) أي ، الصور التي فوق السماوات ، هي صور الأرواح . أي ، الملائكة العلوية التي للعرش والكرسي وما فوقها من العقول والنفوس المجردة .

وإنما جعل السماوات داخلة في العناصر ، لتولدها منها ، كما جاء في الحديث : ( أنها خلقت من دخان ) . العناصر . وقال تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) .
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 4:42 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الرابعة عشر : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.  
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )

قال رضي الله عنه :  (وممّا يدلّ على ما ذكرناه من أمر النّفخ الرّوحاني مع صورة البشر العنصريّ هو أنّ الحقّ وصف نفسه بالنّفس الرّحماني ، ولا بدّ لكلّ موصوف بصفة أن يتبع جميع ما تستلزمه تلك الصّفة ، وقد عرفت أنّ النّفس في المتنفّس ما يستلزمه فلذلك قبل النّفس الإلهيّ صور العالم ؛ فهو لها كالجوهر الهيولانيّ ، وليس إلّا عين الطّبيعة .)

قال رضي الله عنه :  ( ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني ) أي : المفيد حصول الروح في المنفوخ فيه من كونه مظهر الآحاد الذي هو من آثار الاسم الحي ، ومظهر معنى قول : كن القائم بذات الحق من حيث ما فيه من قول : كن ، لكن هذا النفخ ( مع صورة البشر العنصري ) الذي يجوز كون نفخه متكيف بالحروف اللفظية بخلاف النفخ الصادر من سائر الحيوانات ، وإنما ذكر الصورة ليشير إلى أن النفخ الجبريلي كان في حكمه إلا أنه لم يكن عنصريّا بل كان مثاليّا ، فيكون الروح المنفوخ من جهته وإن كان من جملة الآثار مشابها للصور الإلهية ، بخلاف الروح المنفوخ من جهة عيسى عليه السّلام .

ولذلك أسرع إليه الفساد بمقارنة البدن ؛ لكون العناصر قابله له ومعنى الأثر فيها أظهر بخلاف روح عيسى عليه السّلام ، فإنه كان قابلا للفساد إلا أنه لا يسرع إليه أن الحق ( وصف نفسه ) أي : ذاته على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بالنفس الرحماني ، إذ قال عليه السّلام : « إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن » . رواه أحمد وابن حبان  .

فيخرج هذا النفس ما استعدت له الأعيان الثابتة من القوة إلى الفعل ، وهذا النفس المشابهته النفس الإنساني حامل لصورة الحياة التي هي من جملة الحروف الكونية حمل النفس الإنساني صور الحروف اللفظية ، إذ ( لا بدّ لكل موصوف بصفة أن يتبع ) الصفة ، أي : يوجد بتبعيتها ( جميع ما تستلزمه تلك الصفة ) ، فإن كانت حقيقية يلزم أن يوجد معها جميع لوازمها الحقيقية ، وإن كانت مجازية لزم جميع اللوازم المشابهة بالمشابهة لتلك اللوازم لامتناع وجود اللزوم بدون اللازم .

قال رضي الله عنه :  ( وقد عرفت أن النفس في المتنفس ) الإنساني ( ما يستلزمه ) من صور الحروف اللفظية فيجب أن يستلزم هذا النفس الإلهي صور الحروف الكونية ؛ ( فلذلك قبل النفس الإلهي ) عند ظهوره من باطن الحق ( صور العالم ) التي من جملتها صورة الحياة ، فحملها النفخ الجبريلي والعيسوي عند نزول الحق إلى صورتهما للمتكلم بكلمة « كن » في ضمن النفخ ، فسرت بسريانه إلى المنفوخ فيه .

وإنما قلنا : إنه من جملة الآثار لا من صور الأسماء ؛ لأنها بمثابة صور المرايا ، وهذه من الصورة الجسمانية والنوعية القائمة بالهيولى ؛ وذلك لأنه قبل النفس الإلهي صور العالم ، وهي لا تقوم إلا بالهيولى .

قال رضي الله عنه :  ( فهو ) أي : النفس الرحماني ( لها ) أي : لصور العالم ( كالجوهر الهيولاني ) ، لكن الصفة لا تكون جوهر ؛ ولذلك لا بدّ من جواهر أخرى تقوم به هذه الصورة الكونية ، ( وليس ) في الظاهر ما يقبلها ( إلا عين الطبيعة ) ، إذ هي عبارة عن مبدأ الفعل والانفعال الذاتيين ، وقبول كل شيء صورته من جملة الانفعالات ؛ فهي القابلة للصور بالفعل بعد ما حملها النفس بالقوة ، ولا شكّ أن الفعل والانفعال من جملة الآثار ، فصور الطبيعة من جملة الآثار ، والكل داخل فيها ، وإن كان أكثرها مرايا صور لأسماء الإلهية أيضا .

قال رضي الله عنه :  (فالعناصر صورة من صور الطّبيعة ، وما فوق العناصر ، وما تولّد عنها ؛ فهو أيضا من صور الطّبيعة ، وهي الأرواح العلويّة الّتي فوق السّماوات السّبع )

قال رضي الله عنه :  ( فالعناصر ) أي : النار والهواء والماء والتراب ( صورة من صور الطبيعة ) ؛ لأنها من عالم الكون والفساد ، فالفعل والانفعال فيها أظهر وما فوق العناصر ، وفوق ما تولد عنها من المركبات منها ، ومن أرواحها وقواها ، إذ هي في حكم العناصر ، وإن تجردت في ذواتها ، فهو أيضا من صور الطبيعة إذ اختلاف أفعالها من صورها ، فهي صور الطبيعة ، وإن كان المشهور انحصار الطبيعة في أعراض العناصر والمركبات منها ، ( وهي ) أي : ما فوق العناصر ( الأرواح العلوية ) .

وليس المراد منها أرواح السماوات السبع كما تقوله العامة ، بل هي ( التي فوق السماوات السبع ) البعيدة عن العنصرية ؛ فلذلك لا تفارق أجرامها ، ولا تحترق تلك الأجرام ، وتلك الأجرام ، وإن لم تكن عنصرية ؛ فهي مناسبة لها بخلاف أرواحها ؛ فلذلك لم يذكرها ،

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )

بقوله رضي الله عنه  : ( وممّا يدلّ على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصريّ هو أنّ الحقّ وصف نفسه بالنفس الرحماني ، ولا بدّ لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة )
من الترويح باستخراج أبخرة جسمانيّة صالحة لأن يتصوّر بصور الحروف والكلمات الحائزة سائر المراتب الوجوديّة - جسمانيّة كانت أو روحانيّة إلهيّة أو كيانيّة - ويعبّر بذلك عما انطوى عليه باطنه مما يقتضي الإظهار ، فيستريح به من تعب طلبه وما يلزمه من همّة وكربة وإليه أشار بقوله رضي الله عنه  :

قال رضي الله عنه :  ( وقد عرفت أنّ النفس في المتنفّس ما يستلزمه ، فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم ، فهو لها كالجوهر الهيولاني ) الذي إنما يتقوّم في الخارج ، ويظهر فيه بتلك الصور ، تقوّم النفس وتصوّره في الخارج بصور الحروف .

الطبيعة وإطلاقاتها
( وليس ) ذلك الجوهر الهيولاني ( إلَّا عين الطبيعة ) وإذا كان الكلّ عين الطبيعة فلا يبعد أن يكون النفخ من الروحانيات مادّة للصورة البشريّة العنصريّة .

لا يقال : إنّما تنحسم بهذا مادّة الاستبعاد لو لم تكن الطبيعة حقائق مختلفة ؟
لأنّه قد ظهر بما بيّن في أمر النفس أنّه في العنصريّة والروحانيّة هي الطبيعة بما هي طبيعة ، وهذا يوافق إطلاق قدماء الحكماء - على ما حكى عنهم جابر رضي الله عنه : - « أنّهم في عرفهم العامّ كما يطلقون الطبيعة على مبدأ الحركة والسكون لما هي فيه بالذات ، فقد يطلقونها في الخاصّ من عرفهم على معان آخر : منها الطريق إلى الكون ، ومنها ذات الشيء » .
ولا يخفى أن هذا العرف منهم لا يخالف ما أطلق عليه الشيخ بالعموم والخصوص ، بل يساويه مفهوما وذاتا .


وما قيل هاهنا : « إنّها هي التي لا يكون أفعالها إلا على وتيرة واحدة ، سواء كان مع الشعور أو لا معه » ، فهو مما لا يناسب هذا الكلام أصلا ، فإنّه يقتضي أن يكون سائر المركبات - من الماديات - خارجة عن حيطة الطبيعة ، فإنّ للمركَّب من حيث أنّه مركَّب أفعالا متنوّعة على أنحاء شتّى .
وأيضا يلزم أن يكون الملأ الأعلى - على ما ذهبوا إليه - خارجة عنها ، إذ منها ما انزل فيه أنّه " شَدِيدُ الْقُوى " [ 53 / 5 ] وسيشير إليه الشيخ بإثبات الاختصام لهم .

مادّة تكوّن الأرواح والعناصر
فإذا كان الكلّ طبيعيّة ( فالعناصر صورة من صور الطبيعة وما فوق العناصر وما تولَّد عنها ، فهو أيضا من صور الطبيعة ، وهي الأرواح العلويّة التي فوق السماوات السبع)
تولَّد لطيف الأجزاء الدخانيّة من كثيف الأجزاء الناريّة ، فإنّ ألطف أجزاء النار هي التي يعلوها في صورة الدخان ، وفي الدخان أيضا أجزاء لطيفة وكثيفة ، فاللطيف منها يتولَّد منه أرواح السماوات.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع.)

قال رضي الله عنه :  (ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري)
فقال رضي الله عنه  : ( ومما يدل على ما ذكرناه من أمر النفخ الروحاني ) ، وشأنه ( مع صورة البشر العنصري ) من أن المنفوخ بذلك النفخ وهو الماء المتوهم ممزوجا بالماء المحقق مادة لصورة البشر العنصري العيسوي.

قال رضي الله عنه :  ( هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.  وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه. فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم. فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.  فالعناصر صورة من صور الطبيعة. وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع. )

فقال رضي الله عنه  : ( هو أن الحق سبحانه وصف نفسه بالنفس الرحماني ) ، حيث قال على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم : « إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن » .

فقال رضي الله عنه  : ( ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع ) ذلك الموصوف ( الصفة ) التي اتصف بها ( جميع ما يستلزمه تلك الصفة ) فلا بد للحق الموصوف بالنفس أن يتبع النفس الذي هو من صفاته جميع ما يستلزمه النفس ( وقد عرفت أن النفس في المتنفس ) حقا كان أو خلقا ( ما يستلزمه ) ، أي شيء يستلزمه النفس كما يستلزمه التنفيس من الكرب ، وقبوله صور الحروف والكلمات لفظية كانت أو غير لفظية .

فقال رضي الله عنه  : ( فلذلك قبل في النفس الإلهي صور العالم ) التي هي بمنزلة صور الحروف والكلمات اللفظية للنفس الإنساني ( فهو ) ، أي النفس الإلهي ( لها ) ، أي لصور العالم ( كالجوهر الهيولاني ) الجسماني للصور الجسمانية كذلك النفس الإلهي يقبل صور العالم ( وليس ) النفس الإلهي الذي يقبل صور العالم ( إلا عين الطبيعة ) الكلية العالية الفعالة للصور كلها ولكن لا مطلقا بل من وجه وهو وجه باطنتيتها التي هي الأحدية الذاتية الجمعية .
فإن للنفس الإلهي ظاهرا وباطنا ، فهو من حيث ظاهره قابل للصور ومن حيث باطنه فعّال لها ومن هذه الحيثية تسمى بالطبيعة .
وهذه الحقيقة هي النفس الرحماني وكانت تسميته بالطبيعة بناء على أنه مبدأ الفعل والانفعال ، فإنه يؤثر في التعينات بإظهارها ويتأثر باعتبار تقيدها به ، وإذا كان الكل عين الطبيعة فلا يبعد أن يكون ما نفخه جبريل في مريم مادة للصور البشرية العيسوية ، لأنه إما أمر روحاني أو مثالي أو حسي .
وعلى كل تقدير فهو من صور الطبيعة فلا يستبعد أن يمتزج مع ما مر ، ثم الذي هو أيضا من صور الطبيعة ويصير المجموع مادة للصورة العيسوية .

فقال رضي الله عنه  : ( فالعناصر صورة من صور الطبيعة وما ) هو ( فوق العناصر ) التي هي أصول المركبات العنصرية فوقية مرتبة ( وما ) هو ( تحتها ) بحسب المكانة وإن كان فوقها بحسب المكان ( عما تولد عنها ) ، أي عن العناصر كأعيان السماوات السبع وأرواحها فإنها عنصرية كما سيجيء ( فهو ) ، أي ما هو فوق العناصر وما هو متولد من العناصر .

فقال رضي الله عنه  : ( أيضا من صور الطبيعة وهي ) إما فوق العناصر باعتبار أنها صورة طبيعية ( الأرواح العلوية التي فوق السماوات السبع )  وهي الملائكة التي للعرش والكرسي وما فوقها.

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 23:02 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الخامسة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الخامسة عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السماوات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.  )  
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا أرواح السّموات السبع وأعيانها فهي عنصريّة ، فإنّها من دخان العناصر المتولّد عنها . وما تكوّن من كلّ سماء من الملائكة فهو منها ، فهم عنصريّون ومن فوقهم طبيعيّون ، ولهذا وصفهم اللّه بالاختصام - أعني الملأ الأعلى - لأنّ الطّبيعة متقابلة .
والتّقابل الّذي في الأسماء الإلهيّة الّتي هي النّسب إنّما أعطاه النّفس . ألا ترى الذّات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين ؟ فلهذا خرج العالم على صورة من أوجدهم ، وليس إلّا النّفس الإلهيّ . )
 
قال رضي الله عنه :  (وأما أرواح) ، أي ملائكة (السماوات السبع وأعيانها) ، أي أعيان السماوات السبع وهي ذواتها (فهي عنصرية فإنها) متكونة من دخان العناصر وبخارها يوم خلقها اللّه تعالى (المتولد) ذلك الدخان عنها ، أي عن العناصر وما تكون بتشديد لواو (عن كل سماء) من السماوات السبع من الملائكة بيان للمتكون فهو ، أي ذلك المتكون منها ، أي من نوع تلك السماء .
 
قال تعالى :" وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها " [ فصلت : 12 ] ، وهو الذي تعمل به ملائكة تلك السماء كما قال تعالى :" وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " [ الأنبياء : 27 ] فهم ، أي ملائكة السماوات السبع عنصريون ، أي مخلوقون من دخان العناصر الأربعة فهم ألطف من الجن والشياطين المخلوقين من العناصر الأربعة وفي الكل قوّة التشكل والتصوّر في الصور المختلفة على حسب ما يريدون من غير أن يتغيروا عن صورهم الأصلية العنصرية لغلبة الروحانية ولطافة الجسمانية ومن فوقهم ، أي من فوق ملائكة السماوات السبع عليهم السلام ملائكة طبيعيون ، أي مخلوقون من الطبيعة لا من العناصر ؛ ولهذا ، أي لكونهم طبيعيين وصفهم اللّه تعالى في القرآن بالاختصام ، أي المجادلة والاختلاف فيما بينهم أعني بهم الملأ الأعلى وهم ملائكة العرش والكرسي وما شاكل ذلك .
 
قال تعالى عن نبيه عليه السلام :" ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ" [ ص : 69 ] وفي حديث الترمذي بإسناده عن ابن عباس .
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " أتاني الليلة آت من ربي " .
وفي رواية : « أتاني الليلة ربي في أحسن صورة ، فقال : يا محمد ، فقلت : لبيك ربي وسعديك ، قال هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟
قلت : لا أعلم . قال : فوضع يديه بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي ، أو قال في نحري ، فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ، أو قال ما بين المشرق والمغرب .
قال : يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ، قلت : نعم في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات . وانتظار الصلاة بعد الصلاة ومن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
قال : يا محمد ، قلت : لبيك وسعديك ، قال : إذا صليت فقل : اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون .
قال : والدرجات إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام " . رواه الترمذي والدارقطني
لأن الطبيعة باعتبار أقسامها الأربعة متقابلة فبعضها يقابل بعضا ، وبالتقابل يقع الاختلاف ويصدر الاختصام .
 
قال رضي الله عنه :  (والتقابل الذي في الأسماء الإلهية) المنقسمة إلى أسماء جلال وأسماء جمال وأسماء ذاتية وأسماء فعلية (التي هي) مجرد (النّسب) جمع نسبة وهي الاعتبارات الذاتية إنما أعطاه ، أي أعطى التقابل المذكور (النّفس) بفتح الفاء (الرحماني) الحامل لصور العالم كلها وهو عالم الإمكان والأعيان الثابتة بلا وجود التي هي غير مجعولة ألا ترى الذات الإلهية الخارجة عن هذا الحكم وهو التقابل الذي هو مقتضى النسب الأسمائية الصادر عن النفس الرحماني ، والعالم الإمكاني المعدوم الفاني كيف جاء فيها ، أي في تلك الذات الغنى عن العالمين .
 
قال تعالى : " واللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ " [ آل عمران : 97 ] ، فلهذا ، أي لكون التقابل الاسمائي مقتضى النفس الرحماني خرج العالم من العدم إلى الوجود على صورة من أوجدهم ، أي أشخاص العالم المختلفة وليس الذي أوجدهم إلا النّفس بفتح الفاء الرحماني الإلهي ثم ذلك النفس المذكور انبعث عنه القلم الأعلى ، وهو العقل الأوّل وهو الروح القدسي ، ثم بقيّة الأرواح المهيمة الذين سماهم اللّه تعالى بالعالمين من الملائكة عليهم السلام .
 
فقال لإبليس :أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ[ ص : 75 ]  ، ثم انبعث عن القلم الأعلى نفسه وهو اللوح المحفوظ وهو الروح الأعظم المنفوخ منه في جميع العالم على حسب الاستعداد ، ثم ظهر عن اللوح المحفوظ عالم الطبيعة فالقلم واللوح والطبيعة منطويات في النفس الإلهي ، لأنها اعتبارات فيه ، وكذلك ما بعدها إلى آخر المراتب . ولهذا قال صلى اللّه عليه وسلم : « إني لأجد نفس الرحمن يأتيني من جهة اليمن » .
كان ذلك هو الأنصار من أهل الصفة مع أنهم أجسام إنسانية ، فانطوت مراتبهم كلها في أصلهم الثابت فسماهم به .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي. )  
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السماوات السبع ) المدبرة لأجسامها ( وأعيانها ) أي وأجسام السماوات السبع ( فهي عنصرية ) وصورة من الطبيعة ( فإنها ) أي السماوات السبع متولدة ( من دخان العناصر المتولد عنها ) أي الدخان الذي تولد عن العناصر فالأرواح المنطبعة المدبرة بالعناصر أيضا عناصر .
قال رضي الله عنه :  (وما تكون) من التكون (عن كل سماء من الملائكة فهو) أيضا ( منها ) أي من العناصر(فهم ) أي الملائكة الذين تكونوا من السماوات السبع ( عنصريون ) كالسماوات ( و ) ما تكون ( من فوقهم ) أي من فوق هذه الملائكة طبيعيون فالعرش والكرسي مع أرواحهما وملائكتهما ( طبيعيون ) فما من صورة من الصور مما سوى اللّه إلا وهي صورة من صور الطبيعة ما عدا الملائكة المهيمة ومنهم العقل الأول فإنهم نوريون وإن كانوا طبيعيين  لكنهم لا داخلون تحت حكم الطبيعة وما من صورة من صور الطبيعة الإلهية إلا وهي إما عنصري وإما طبيعية
 
قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي ولأجل كون الملائكة التي فوق السماوات السبع طبيعيين ( وصفهم اللّه بالاختصام ) في الحديث القدسي قوله ( أعني الملأ الأعلى ) تفسير للملائكة الموصوفة بالاختصام وإنما وصف الحق الملأ الأعلى بالاختصام ( لأن الطبيعة متقابلة ) وهي مظهر ولاية الأسماء المتقابلة فأجسام الأرواح الملائكة العلوية المسماة بالأعلى لملإ الأعلى والملائكة المهيمية المخلوقة من جلال اللّه أجسام نورية طبيعية وهي أول ما خلق اللّه من الأجسام.
 قال رضي الله عنه :  ( والتقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب إنما أعطاه النفس ) الرحماني وهو عين الطبيعة فكان التقابل للطبيعة لذاتها وللأسماء بسبب كون الطبيعة محلا لولايتها فكان التقابل في الأسماء والطبيعة لا في الذات من حيث هي ( ألا ترى الذات ) وهي الذات الأحدية ( الخارجة عن هذا الحكم ) أي عن حكم التقابل ( كيف جاء فيها الغني عن العالمين ) ولم يجئ في حق الذات الداخلة في حكم التقابل الغني عن العالمين .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلهذا ) أي فلأجل كون التقابل حاصلا في الحضرة الاسمائية ( خرج العالم على صورة من أوجدهم ) أي العالم ( وليس ) من أوجدهم إلا ( النفس الإلهي ) فخرج العالم يتقابل بعضها بعضا فالطبيعة والعالم والنفس الإلهي يقتضي كل واحد منها التقابل .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كشيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.  )  
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس. ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟. فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.  )  
 
يعني: أن الحق تعالی وصف نفسه بأن له نفسا فتناسب أن يكون منه النفخ، إذ النفخ هو ضرب من النفس. 
قال: وبالنفخ كانت الطبيعة والعناصر والمولدات بل وأرواح السماوات وأعيانها وهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر إشارة إلى قوله تعالى:
"ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها" (فصلت: 11) يعني من حقيقة هذا الدخان.
قال: وملائكة ذلك عنصريون 
قال: ومن فوقهم طبيعيون، 
قال: ولذلك وصفهم بالاختصام في ایرادهم أن الملأ الأعلى يختصمون 
ثم ذكر أن التقابل الذي بين الأسماء ليس هو من هذا القبيل بل من النفس الرحماني، وهذا عندي فيه توقف، لأن النفس وحداني فلا يعطي التقابل 
وإنما التقابل الأسمائي عرضي من حركة النفس. 
وأما الغني عن العالمين، فهو في مقام «کنت کنزا لم أعرف" 
وهو بعينه الذي عرف ثم أخذ ينسب إلى الإنسان وقوع الاختلاف في أخلاقه وأحواله، وإنما هو للاختلاف الذي بين اليدين إشارة إلى قوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " (ص: 75) .
فكونهما يدين اثنين دل على اختلاف طبيعة الإنسان، وأما احتقاره بالعنصريات فما يقدر أن يرد عليه السلام .


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.  )


قال رضي الله عنه :  (وأمّا أرواح السماوات السبع وأعيانها فهي عنصرية ، فإنّها من دخان العناصر المتولَّد عنها ، وما يكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها ، فهم عنصريون ، ومن فوقهم طبيعيون ، ولهذا وصفهم الله بالاختصام ، أعني الملأ الأعلى ، لأنّ الطبيعة متقابلة ، والتقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب إنّما أعطاه النفس ، ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين ؟ فلهذا خرج العالم على صورة من أوجدهم وليس إلَّا النفس الإلهيّ  ) .
 
يعني رضي الله عنه : أنّ النفس لمّا نسب إلى الرحمن وكان صفة له ، فإنّه يضاف وينسب إلى الحق الرحمن جميع ما يستلزمه النفس من التنفيس وقبول صور الحروف والكلمات الكونية والأسماء الإلهية والحرارة والرطوبة والحياة وسرّ التقابل الذي في حقيقة الجمعية الأحدية والنفسية الرحمانية .
فإنّ النفس عبارة عن الوجود الفائض بمقتضيات الأسماء الإلهية ومقتضيات قوابلها وحقائقها جميعا ، فله أحدية جمع الجمعين مع الوجود بين المتقابلات والمتماثلات والمتنافيات والمتشاكلات الإلهية والكونية جميعا ، وفيه أيضا سرّ الجمع بين الفعل والانفعال ، والهيولانية المّادّة القابلة للصور كلَّها والطبيعة الفعّالة لها فيه ، كما قد أشرنا إلى كل ذلك في الفصّ الآدمي والشيثي وغيرهما بما فيه مقنع للأولياء ، فاذكر .
 
ونزيد هاهنا بما لم يذكر وهو أنّ الطبيعة الكلَّية وإن كانت - كما ذكرنا - هي الحقيقة الفعّالة للصور كلَّها إلهيّها وكونيّها ، علوا وسفلا ، فإنّها أيضا عين المادّة التي حصرت قوابل العالم كلَّه ، ففيه قابلية هيولانية لأن يفعل في النفس جميع الصور ، فهي بانفعالاتها المادية الهيولانية تفعل صور الفاعليات الأسمائية أيضا من الوجود الحق ، فهي فاعلة من وجه ، منفعلة من آخر ، لحقيقتها الجمعية الأحدية النفسية ، فإنّها عين النفس الممتدّ من حقيقة الحقائق الكبرى بأحدية جمع الحقائق الفعلية والانفعالية جامعا لحقائق المراتب والوجود ، فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي. )
 
قال رضي الله عنه :  (وأما أرواح السماوات السبع وأعيانها فهي عنصرية ، فإنها من دخان العناصر المتولدة عنها ) .
هكذا ذهب بعض الصوفية وأهل الشرع وكثير من الحكماء الإسلاميين والقدماء الإشراقيين في كون السماوات السبع وعلى هذا المذهب الأرواح العلوية ، إشارة إلى ما فوق العناصر وأرواح السماوات وأعيانها إلى ما تولد عنها :
أي العناصر ( وما تكون عن كل سماء من الملائكة ) أي نفوسها المنطبعة ( فهو منها ) أي من العناصر .
قال رضي الله عنه :  ( فهم عنصريون وما من فوقهم طبيعيون ، ولهذا وصفهم الله بالاختصام أعنى الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة )
هذا معلوم مما ذكرناه آنفا ، والاختصام بين الملإ الأعلى إنما هو لاختلاف نشأتهم ، لأن الغالب على بعضهم صفة القهر وعلى بعضهم قوة المحبة وصفتها فتختلف مقتضيات نشأتهم فيختصمون.
 
قال رضي الله عنه :  ( والتقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب إنما أعطاه النفس الرحماني ، ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين ، فلهذا خرج العالم على صورة من أوجدهم )
إنما التقابل الذي في الأسماء أعطاه النفس أي الوجود لأن التقابل لا يكون بين الأشياء العدمية والمعاني العلمية ، فإن عين الحرارة والبرودة والسواد والبياض في العقل والعلم معا أي منها يجتمع في ذهن الناس ولا تقابل ، والأسماء لا تتقابل إلا في صورها التي يتحقق بها حقائق تلك النسب الأسمائية ، ولولا وجوداتها بظهورها في الصور لم تتقابل وذلك الظهور هو النفس الرحماني ، فلهذا ما كانت الإلهية بالأسماء غنية عن العالمين .
إنما الغنى هو الذات الخارجة عن حكم النفس ، فلهذا خرج العالم على صورة من أوجده من الإله أي الحضرة الواحدية الأسمائية .
 
"" أضاف بالي زادة :  قوله ( لأن الطبيعة متقابلة ) وهي مظهر ولاية الأسماء المتقابلة فأجسام الأرواح والملائكة العلوية المسماة بالملإ الأعلى والملائكة المهيمة المخلوقة من جلال الله أجسام نورية طبيعية ، وهي أول ما خلق الله تعالى من الأجسام اهـ بالى
قوله ( والتقابل الذي في الأسماء إنما أعطاه النفس الرحماني ) وهو عين الطبيعة فكان التقابل الطبيعة للذات أو للأسماء بسبب كون الطبيعة محلا لولايتها ؟؟؟ ،
فكان التقابل في الأسماء والطبيعة لا في الذات من حيث هي .
قوله ( فلهذا ) أي فلأجل كون التقابل حاصلا في الحضرة الأسمائية ( خرج العالم على صورة من أوجدهم وليس إلا النفس الإلهي ) فخرج العالم يتقابل بعضهم بعضا ، فالطبيعة والعالم والنفس الإلهي يقتضي كل واحد منها التقابل اهـ بالى""
 
قال رضي الله عنه :  ( وليس ) من أوجد أعيان العالم ( إلا النفس الإلهي ) والضمير المنصوب في أوجدهم للعالم باعتبار أعيانه على التغليب.
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي. )  
 
لذلك قال رضي الله عنه: ( وأما أرواح السماوات السبع وأعيانها فهي عنصرية ، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها . ) وإليه ذهب الحكماء الإسلاميون
والمحققون أصحاب الذوق والشهود وكثير من الحكماء الإشراقيين .
وأرواح السماوات نفوسها المنطبعة المدبرة لها ، لا عقولها ونفوسها المجردة ، فإنها من صور الطبيعية النورية العنصرية .
قال رضي الله عنه :  ( وما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها . ) ، ( تكون ) من ( التكون ) .
أو بالياء من ( الكون ). أي وما يكون عن جنس كل سماء ومادتها من الملائكة فهو من العناصر .
ولا ينبغي أن يتوهم أن المراد بالملائكة هنا نفوسها المنطبعة فقط ، فإن لكل سماء نفسا منطبعة ، وملائكة خلقها الله من مادة كل منها بحيث كادت لا يتناهى .
 
قال رضي الله عنه في الباب الثالث عشر من فتوحاته :
( ثم خلق جوف الكرسي أفلاكا فلكا من جوف فلك . وخلق في كل فلك عالما منه يعمرونه ، سماهم ( ملائكة ) يعنى رسلا .
قال رضي الله عنه :  ( فهم عنصريون ومن فوقهم طبيعيون . ) أي ، الملائكة السماوية عنصريون ، ومن فوقهم من ملائكة العرش والكرسي ونفوسهما الناطقة والمنطبعة والعقول المجردة - كلها طبيعيون .
قال رضي الله عنه  في الباب الثالث عشر من فتوحاته :
( إن أول جسم خلقه الله أجسام أرواح الملائكة المهيمة في جلال الله . ومنهم العقل الأول والنفس
الكلية وإليها انتهت الأجسام النورية المخلوقة من نور الجلال . وما ثم ملك من هؤلاء الملائكة من وجد بواسطة غيره إلا النفس التي دون العقل .
وكل ملك خلق بعد هؤلاء ، فداخلون تحت حكم الطبيعة . فهم من جنس أفلاكها التي خلقوا منها وهم عمارها والمراد هاهنا بالطبيعة ، الطبيعة العنصرية .
لذلك قال : فهم من جنس أفلاكها . وبالجسم النوري الجسم الطبيعي الغير العنصري .
قال رضي الله عنه :  (ولهذا وصفهم الله ب‍ " الاختصام " ، " أعني الملأ الأعلى " لأن الطبيعة متقابلة ) أي ، ولأجل أن الملائكة التي فوق السماوات ، وهم الملأ الأعلى ، طبيعية ، وصفهم الله بالاختصام ، لأن الطبيعة متقابلة .
 
وذلك لأنها محل ولاية الأسماء ومظهر أحكامها . والأسماء الإلهية متقابلة :
فإن ( الرحيم ) يقابل ( المنتقم ) ، ( القهار ) و ( المعز ) يقابل ( المذل ) . وكذلك جميع الأسماء .
ولما كانت الصفات المتقابلة التي في المرتبة الإلهية لا يظهر تقابلها إلا في مظاهرها - الموجودة في الخارج ومادة الوجود الخارجي التي منها يتعين الموجودات هو النفس الرحماني .
قال رضي الله عنه :  ( والتقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب ، إنما أعطاه النفس . )
أي ، أظهره النفس بقابليته ، لأن التقابل غير حاصل في الأسماء ، ثم يحصل منه ، فإن التعينات الأسمائية في الحضرة الإلهية والعلمية يقتضى ذلك التقابل .
ولو لم يكن تقابلها في الباطن ، لم يكن أيضا في الظاهر ، إذا الظاهر صورة الباطن ، والوجود الخارجي يخرج ما في الباطن إلى الظاهر .
وكون أعيان السواد والبياض والحرارة والبرودة في الذهن مجتمعة ، لا يمنع تقابلها ، كما لا يمنع التقابل الذي بين النقيضين المجتمعين في العقل ، دون الخارج .
فلا يقال : الأسماء لا يتقابل إلا في صورها التي يتحقق بها حقائق تلك النسب ، ولولا وجوداتها بظهوراتها في الصور ، لم يتقابل ( ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم . )
أي ، عن حكم التقابل .
وهي الذات الإلهية من حيث المرتبة ( الأحدية ) . ( كيف جاء فيها الغنى عن العالمين ؟ ) وقد مر في أول الكتاب أن الذات الإلهية من حيث أحديتها موصوفة بالغنى عن العالمين ، ومن حيث إلهيتها وأسمائها موصوفة بالافتقار حيث
 
قال : ( فالكل مفتقر   ...... ما الكل مستغن )
وهذا أيضا دليل على أن التقابل في الحضرة الأسمائية حاصل    
 
قال رضي الله عنه : ( فلهذا خرج العالم على صورة من أوجدهم ، وليس إلا النفس الإلهي .)
أي ، فلهذا خرج العالم يتقابل بعضها بعضا ، كما يتقابل الأسماء بعضها بعضا .
فهو موجود على صورة من أوجدهم . وليس ذلك الموجود إلا ( النفس الرحماني ) .
وضمير المفعول في ( أوجدهم ) عائد إلى ( العالم ) . جمعه باعتبار ( الأعيان ) .
واعلم ، أن ظاهر هذا الكلام أن ( النفس الرحماني ) عين المرتبة الإلهية ، وفي الحقيقة هو التجلي الوجودي الظاهر عن المرتبة الإلهية ، وصورتها الحاملة أحكام الأسماء ، ولهذا نسب إلى ( الرحمان ) الذي هو الاسم الجامع .

ولما كان حاملا لما في المرتبة الإلهية من الأسماء وأحكامها وصورة كلية لها ، جعل النفس عين من أوجدهم ، كما يقال لنبينا ، صلى الله عليه وسلم ، الاسم الأعظم . وهو صاحبه ، لكونه مظهرا للإسم ( الله ) .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 23:07 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 23:04 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الخامسة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الخامسة عشر : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.  )  
 
قال رضي الله عنه : ( وأمّا أرواح السّموات السبع وأعيانها ؛ فهي عنصريّة ، فإنّها من دخان العناصر المتولّد عنها ، وما تكوّن من كلّ سماء من الملائكة فهو منها ، فهم عنصريّون ومن فوقهم طبيعيّون ، ولهذا وصفهم اللّه بالاختصام أعني الملأ الأعلى ؛ لأنّ الطّبيعة متقابلة ، والتّقابل الّذي في الأسماء الإلهيّة الّتي هي النّسب إنّما أعطاه النّفس).  
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السماوات السبع وأعيانها ) أي : أفلاكها ، ( فهي عنصرية ) ، وإن أجمع أكثر الفلاسفة على أن هذه الأفلاك ليست عنصرية فضلا عن أرواحها .
 
واستدل على كون السماوات السبع عنصرية بقوله : ( فإنها من دخان العناصر ) على ما هو مذهب المسلمين ، وقدماء الإشراقيين بموجب قوله تعالى :ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ[ فصلت : 11 ] ، وهي دخان الآية ، والدخان ، وإن لم يكن إحدى العناصر الأربعة ، فلا شكّ في تولده منها كما قال ( المتولد عنها ).
وقد روي أنه تعالى خلق جوهرا ؛ فنظر إليه بعين الهيبة ، فذاب فصار نصفه ماء ونصفه نارا ، فتموج الماء بالنار ، فارتفع منه دخان صار منه السماء ، وتلطفه بعضه ، فصار منه الهواء .
ثم أشار إلى عنصرية أرواحها بقوله : ( وما تكون عن كل سماء من الملائكة ) ، وإن لم تكن أجسامها ، ( فهو منها ) كالقوى الجسمانية والأرواح الحيوانية ، ( فهم عنصريون ) حاملون طبائعها ؛ فلذلك تفارق أجرامها ، وتحترق كما ورد به الشرع ، فالأثر به فيها أظهر ( ومن فوقهم ) من الأرواح العلوية ( طبيعيون ) ، وإن أنكر جمهور الفلاسفة ، ولم يظهر لها معنى الأثر بمفارقة أجرامها ؛ فقد ظهر فيها اختلاف الأفعال .
 
ثم استدل على طبيعتها لكونها خلاف المشهور بقوله : ( ولهذا وصفهم اللّه بالاختصام ) ، وهو إما فيما بينهم باعتبار التقابل الذي في أفعالهم ، أو في اعتراضهم على اللّه في خلق آدم ، وذلك قوله تعالى ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ )[ ص : 69 ] ، وهم الأرواح العلوية ؛ ولذلك بيّن الضمير في قوله : « وصفهم » بقوله : ( أعني :بِالْمَلَإِ الْأَعْلى[ ص : 69 ] )، وهذا الاختصام لا بدّ له من مبدأ فيهم ، فهو إما الطبيعة وإما الأسماء الإلهية لكن الأول أظهر.
 
قال رضي الله عنه :  ( لأن الطبيعة متقابلة ) بالذات إذ بها اختلاف ، فالأفعال والانفعالات الذاتية ، ( والتقابل الذي في الأسماء الإلهية ) ليس من ذواتها ؛ لأنها عبارة من المعاني المتضمنة للأمور ( التي هي النسب ) بين الذات الإلهية وسائر الكائنات التي هي صور الطبيعة التي تضمنها النفس ، فالتقابل فيها ليس من ذواتها إذ النسب لا يقتضي شيئا إلا باعتبار طرفيها .
إما من الذات أو النفس أو الطبيعة ، لكن الأسماء الإلهية من حيث تقدمها لا تقبل شيئا من الطبيعة الحادثة ، فهو إما من الذات أو من النفس الذي هو مبدأ الطبيعة ، لكن الذات ليس فيها اختلاف الجهات ، فهذا التقابل في الأسماء ( إنما أعطاه النفس ) إياها .
 
قال رضي الله عنه : (ألا ترى الذّات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين ؟  فلهذا خرج العالم على صورة من أوجدهم ، وليس إلّا النّفس الإلهيّ )
 
واستدل على أنه ليس من إعطاء الذات بقوله : ( ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم ) أي : حكم النفس والإيجاد ( كيف جاء فيها الغنى عن العالمين ) ، فلو كان التقابل في الأسماء من الذات الإلهية كان فيها الاختلاف أولا ، ويكون فيها مجملا لوحدتها ؛ فلا بدّ لذلك من تفصيل ، وحينئذ فيما فيه هو الموجب بالذات اختلاف الصور الكونية كإيجاب النفس الإنساني اختلاف صور الحروف اللفظية .
قال رضي الله عنه :  ( فلهذا ) أي : فلأجل غنى الذات عن العالمين لم يخرج العالم على صورتها ليس فيه شيء من التقابل ، كما أنه ليس في الذات بل ( خرج العالم على صورة من أوجدهم ) أي : أفراده المتقابلة علوّا وسفلا ، وحركة وسكونا ، وهو إما الطبيعة أو الأسماء الإلهية أو النفس ، لكن الطبيعة قابلة فلا تكون فاعلة والأسماء قديمة فلا تكون فاعلة للأمر الحادث بلا واسطة ، فتعين أنه ( ليس ) موجدهم لقريب ( إلا النفس ) ، فهو حامل للمعاني المناسبة لما في العالم من مبدأ الفعل والانفعال .
وكما أن النفس الإنساني حامل للطبائع الأربعة من : الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة التي هي مبادئ الفعل والانفعال ، فكذلك النفس ( الإلهي ) حامل لما يوجب أفعالها وانفعالاتها ،
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.  )  
 
قال رضي الله عنه :  (وأما أرواح السماوات وأعيانها فهي عنصريّة ، فإنّها من دخان العناصر المتولَّد عنها )
تولَّد لطيف الأجزاء الدخانيّة من كثيف الأجزاء الناريّة ، فإنّ ألطف أجزاء النار هي التي يعلوها في صورة الدخان ، وفي الدخان أيضا أجزاء لطيفة وكثيفة ، فاللطيف منها يتولَّد منه أرواح السماوات وإليه أشار بقوله رضي الله عنه  :
قال رضي الله عنه :  ( وما تكوّن عن كلّ سماء من الملائكة فهو منها ، فهم عنصريّون ومن فوقهم ) من العقول المجرّدة المسمّاة بلسان الشريعة ب « الملإ الأعلى » طبيعيّون ، فلهذا وصفهم الله بالاختصام - أعني الملأ الأعلى - لأنّ الطبيعة متقابلة ، والتقابل الذي في الأسماء الإلهيّة التي هي النسب إنّما أعطاه النفس )
 
مبدأ التقابل في العالم
فعلم من هذا أنّ التقابل وما يستتبعه من الاختصام إنّما هو أولا  وبالذات من النفس ، وثانيا وبالعرض من الأسماء ، فلا تعلَّل اختصام الملإ الأعلى بتقابل الأسماء ، فإنّ النفس هو مبدأ التقابل وأصله .
قال رضي الله عنه :  ( ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين ؟ )
 وهو مما يسقط نسبة العالم عنها مطلقا ، ( فلهذا ) أي لأنّ الذات لها الغنى ( خرج العالم على صورة من أوجدهم ) فإنّها مستغنية عن نسبة الإيجاد ( وليس ) الموجد ( إلا النفس الإلهي ) فعلم من هذا الفرق بين نفس الحقّ المتّصفة بالنفس وبين ذاته .
وكأنّك قد نبّهت في المقدّمة أنّ من الجلالة ما يلوّح عليهما تلويحا بيّنا فلا نعيده .
وليس في الوجود بمراتبه ظاهرا وباطنا إلا النفس الإلهي.
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.  )  
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس )


قال رضي الله عنه :  ( وأما أرواح السماوات السبع ) يعني نفوسها المنطبعة فإن عقولها ونفوسها المجردة من الصور الطبيعية النورية لا العنصرية ( وأعيانها فهي عنصرية فإنها من دخان العناصر المتولد عنها ) ، كما تتولد الأجزاء اللطيفة الدخانية عن النار ، فإن ألطف أجزاء النار هي التي تعلوها في صورة الدخان وفي دخان النار أجزاء لطيفة وكثيفة ، وكذلك في دخان العناصر ، فمن كثيف دخانها خلقت أعيان السماوات ومن لطيفها أرواحها .
قال رضي الله عنه :  ( وما تكون عن ) مادة ( كل سماء من الملائكة ) التي هي عمادها ( فهو ) مخلوق ( منها ) ، أي من مادتها كما أن آدم وبنيه الذين هم عماد الأرض مخلوقون من الأرض .
قال رضي اللّه عنه في الباب الثالث عشر من الفتوحات :
خلق في جوف الكرسي أفلاكا فلكا في جوف فلك وخلق في كل فلك عالما منه يعمرونه وسماهم ملائكة .
"" أضاف الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الرابع عشر عن الكرسي وعماره من الملائكة:-
"ثم أوجد الكرسي في جوف هذا العرش وجعل فيه ملائكة من جنس طبيعته
فكل فلك أصل لما خلق فيه من عمارة كالعناصر فيما خلق منها من عمارها
كما خلق آدم من تراب وعمر به وببنيه الأرض
وقسم في هذا الكرسي الكريم الكلمة إلى خبر وحكم وهما القدمان اللتان تدلتا له من العرش كما ورد في الخبر النبوي
ثم خلق في جوف الكرسي الأفلاك فلكا في جوف فلك
وخلق في كل فلك عالما منه يعمرونه سماهم ملائكة يعني رسلا
وزينها بالكواكب وأَوْحى في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها إلى أن خلق صور المولدات.أهـ. ""
 
قال رضي الله عنه :  ( فهم ) ، أي الملائكة المتكونون من مادة كل سماء كلهم ( عنصريون ومن فوقهم ) من ملائكة العرش والكرسي ونفوسهما المنطبعة والمجردة والعقول المسمون بلسان الشريعة بالملأ الأعلى كلهم ( طبيعيون ولهذا ) ، أي لكونهم طبيعيين ( وصفهم اللّه تعالى بالاختصام أعني ) يعني بالضمير المنصوب في وصفهم اللّه ( الملأ الأعلى )
حيث قال : ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ، وإنما كان كونهم طبيعيين مقتضيا لوصفهم بالاختصام ( لأن الطبيعة )  من حيث ظاهرها حاملة للصور المتقابلة وقابلة إياها.
 
ومن حيث باطنها فعالة لها ففيها قوة الفعل والانفعال والتأثير والتأثر ولا شك أن هذه الأمور فيها ( متقابلة ) وليس المراد بالاختصام إلا التقابل بحيث يقتضي كل واحد منهم خلاف ما يقتضيه الآخر ( والتقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب ) اللاحقة للذات الإلهية باعتبار توجهها إلى عالم الظهور ( إنما أعطاه النفس ) فإنه إن لم يمتد الوجود الحق من غيبه الإطلاقي إلى مرتبة الظهور لم تتعين الأسماء .
ولا شك أن النفس إنما هو الوجود الحق باعتبار هذا الامتداد ، فلو لم تكن النفس لم تتعين الأسماء فكيف يتحقق التقابل بينها ، فظهر أنه ما أعطى الأسماء الإلهية التقابل إلا النفس ، وكذلك لا يظهر هذا التقابل في الخارج إلا بالنفس فإنه إذا لم يمتد الوجود على الماهيات الممكنة لم يظهر التقابل بين الأسماء بظهور آثارها المتقابلة .
ولما ذكر أن التقابل الذي بين الأسماء إنما أعطاه النفس لا الذات من حيث نوره وأوضحه
 
قال رضي الله عنه :  ( ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.   فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.)
 
بقوله رضي الله عنه  : ( ألا ترى الذات ) البحت ( الخارجة عن هذا الحكم ) ، أي عن حكم النفس ( كيف جاء فيها الفناء عن العالمين ) ولا شك أن في مرتبة الفناء وهي مقام الأحدية الذاتية لا تتقابل الأسماء لعدم تعينها حينئذ فضلا عن تقابلها ( فلهذا ) ، أي الفناء الذات عن العالمين ( خرج العالم على صورة من أوجدهم ) أورد ضمير ذوي العلم تغليبا أو بناء على أن الكل ذو العلم في نظر أهل الكشف .
 
قال رضي الله عنه :  ( وليس ) الموجد ( إلا النفس الإلهي ) ، لأن الذات البحت لها الفناء عن نسبة الإيجاد ، وليس إيجاد النفس الإلهي للأشياء إلا ظهوره بصورها فليس في الوجود مراتبه ظاهرا وباطنا إلا النفس الإلهي .
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السادسة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السادسة عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها وهي متقابلة.  فجاء باليدين )
 
قال رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا ، وبما فيه من البرودة والرّطوبة سفل ، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل ، فالرّسوب للبرودة والرّطوبة ؛ ألا ترى الطّبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه ، فإذا رآه راسبا علم أنّ النّضج قد كمل فيسقيه الدّواء ليسرع في النّجح . وإنّما يرسب لرطوبته وبرودته الطّبيعيّة .  ثمّ إنّ هذا الشّخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان وإن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ، ولو لم يكن إلّا كونهما اثنين أعني يدين .لأنّه لا يؤثّر في الطّبيعة إلّا ما يناسبها وهي متقابلة ، فجاء باليدين . )
 
قال رضي الله عنه :  (فبما) ، أي فبالذي (فيه) ، أي في النفس الإلهي (من الحرارة) ، عن اعتبار الطبيعة فيه في ثالث مرتبة من مراتبه (علا) ، أي النفس على مراتب الأكوان كلها وبما فيه ، أي في النفس بالاعتبار المذكور من البرودة والرطوبة سفل ، فانتهى إلى آخر المراتب في عالم الأجسام العنصرية الأرضية وبما فيه ، أي النفس من اليبوسة ثبت على مقدار واحد وميزان واحد ولم يتزلزل كما هو ظاهر في الحس والعقل . قال تعالى :وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ( 19 ) [ الحجر : 19 ] .
قال رضي الله عنه :  (فالرسوب) على وزن واحد بحيث يلتبس بالجمود كما قال تعالى :وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً[ النمل : 88 ] ، وهي عام في الدنيا والآخرة والخاص في الآخرة قوله تعالى :وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ (للبرودة والرطوبة) في النفس الرحماني باعتبار كونه طبيعة كما ذكرنا .
وذلك للثقل الذي فيهما ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد من المرضى ينظر أوّلا في قارورة مائة ، أي بوله بوضع بوله في قارورة من زجاج فينظر فيه فإذا رآه ، أي ماءه يعني بوله رسب ، أي صفا وسكن علم أن النضج في طبيعة ذلك الداء قد كمل فيسقيه الدواء المناسب له ليسرع في النجح فإن الداء إذا لم يأخذ حده في الاستحكام ويكمل في الإنضاج لا يمكن أن يزول ، لأنه يكون في الزيادة وهي ضد النقصان .
 
قال رضي الله عنه :  (وإنما يرسب) الماء ، أي البول (لرطوبته وبرودته الطبيعية ثم)  اعلم (أن هذا الشخص الإنساني عجن) الحق تعالى (طينته) المجموعة من جميع أجزاء الأرض بيديه سبحانه وهما أسماؤه الجمالية وهي يده اليمنى ، وأسماؤه الجلالية وهي يده اليسرى وهما ، أي اليدان متقابلتان بالجمال والجلال .
وإن كانت كلتا يديه تعالى يمينا كما ورد في الخبر ، لأن صفاته تعالى كلها جمالية ، وسمي بعضها جلالية باعتبار أحوال الممكنات التي بها تعين ذلك .
فإذا رجعت تلك الأحوال إلى ثبوتها الأصلي العدمي عادت صفاته تعالى كلها إلى الجمال ولهذا ورد أن الرحمة تسبق الغضب لزوال ما يقتضي ظهور الرحمة غضبا والجمال جلالا وهذا معنى قوله : « كلتا يديه يمين » . رواه مسلم
وقد ورد : « أن اللّه جميل يحب الجمال » رواه مسلم.
 
وقال تعالى :" بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [ آل عمران : 26 ] فما في يده تعالى إلا الخير ، والأشياء إما أن تستعد للخير أو للشر .
فالاستعداد اقتضى وجود النوعين ما دام له حكم في الممكن ، فإذا وضع الجبار قدمه في النار يوم القيامة كما ورد في الخبر زال حكم الاستعداد وظهر الخير المحض والجمال الصرف وهو قوله : « كلتا يديه يمين » فلا خفاء مع ذلك لما بينهما .
أي اليدين من الفرقان ظاهرا فإن حكم الاستعداد إذا زال في العبد استحكامه باطنا زال في تأثر النفوس به لا في ظاهر الاتصاف بمقتضاه ، فالنار لا تزول عن كونها نارا بعد وضع الجبار قدمه فيها وانزواء بعضها إلى بعض . وقولها : قط قط .
 
فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما ورد عنه أنه أخبر بذلك لم يخرجها عن كونها نارا ، أو أهلها الذين هم أهلها لا يزالون فيها كذلك ولو لم يكن في اليدين بصيغة التثنية كما قال تعالى لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي إلا كونهما ، أي اليدين اثنتين أعني يدين لا يد واحدة لأنه ، أي الشأن لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها من طبيعة أخرى وهي ، أي الطبيعة متقابلة بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فجاء سبحانه في خلق آدم عليه السلام باليدين معا .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها وهي متقابلة. فجاء باليدين   )
 
قال رضي الله عنه :  ( فبما ) أي فبسبب الذي ( فيه ) أي حاصل في النفس الإلهي ( من الحرارة ) بيان لما ( علا ) ما ( علا من العالم كالنار والهوى وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل ) من العالم ما سفل كالتراب والماء فتقابل من العالم بعضا بالعلو والسفل لتقابل طبيعتها بالحرارة والبرودة فخرج العالم على صورة النفس الإلهي من التقابل .
 
قال رضي الله عنه :  ( وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل ) أي لم يتحرك ( فالرسوب ) وهو مقابل الثبوت والتزلزل ( للبرودة ) أي لمقتضى البرودة ( والرطوبة ألا ترى الطبيب إذا أراد سقى دواء لأحد ينظر في قارورة مائه فإذا رآه ) أي قارورة مائية ذكر الضمير لاستواء التذكير والتأنيث في قارورة أو باعتبار تعلقه لأحد ( رسبا علم ) الطبيب ( أن النضج ) أي أن قابلية اندفاع المرض عن هذا الشخص ( قد كمل فيسقيه ) أي هذا المريض ( الدواء ليسرع ) الدواء ( في النضج ) أي في النجاح لا ليرسب .
 
قال رضي الله عنه :  ( وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعة ) فظهر أن الرسوب للرطوبة والبرودة والإسراع للدواء فاختلف العالم بالكيفيات المختلفة في الطبيعة ( ثم أن هذا الشخص الإنساني ) وهو آدم عليه السلام ( عجن ) أي خمر الحق ( طينته بيديه ) وهو إشارة إلى قوله خمرت طينه آدم بيديّ أربعين صباحا ( وهما متقابلتان ) كنايتان عن صفتيه الجلال والجمال الجامعتين بجميع الصفات القهرية واللطفية ( وإن كانت كلتا يديه يمينا ) أي وإن كانتا متحدين في الأخذ والقوة لكنهما متقابلتان بالآثار.
 
قال رضي الله عنه :  ( فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ) بالآثار والأحكام ( ولو لم يكن ) بينهما من الفرقان من كونهما يمينا مباركا موصولا إلى المطلوب متساويا في القدرة والتأثير ( إلا ) لكن ( كونهما اثنتين أعني يدين ) دليل واضح على أن بينهما من الفرقان يعني لو لم يكن بينهما تقابل لما قال تعالى بيديّ بالتثنية بل قال بيدي بالوحدة وإنما تقابل اليدان ( لأنه ) أي الشأن ( لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها وهي ) أي الطبيعة ( متقابلة فجاء ) في حق تخمير طبيعة هذا الشخص ( باليدين ) المتناسبتين للطبيعة في التقابل فعلم منه أنه لا يؤثر العلة في المعلول إلا بشرط وجود المناسبة بينهما فأوجد آدم باليدين بهذه المناسبة .
 

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها وهي متقابلة.  فجاء باليدين )
 
قال رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.  ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.  ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.  فجاء باليدين )
 
يعني أن الحق تعالی وصف نفسه بأن له نفسا فتناسب أن يكون منه النفخ، إذ النفخ هو ضرب من النفس. 
قال: وبالنفخ كانت الطبيعة والعناصر والمولدات بل وأرواح السماوات وأعيانها وهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر إشارة إلى قوله تعالى:
"ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها" (فصلت: 11) يعني من حقيقة هذا الدخان.
قال: وملائكة ذلك عنصريون 
قال: ومن فوقهم طبيعيون، 
قال: ولذلك وصفهم بالاختصام في ایرادهم أن الملأ الأعلى يختصمون 
ثم ذكر أن التقابل الذي بين الأسماء ليس هو من هذا القبيل بل من النفس الرحماني، وهذا عندي فيه توقف، لأن النفس وحداني فلا يعطي التقابل 
وإنما التقابل الأسمائي عرضي من حركة النفس. 
وأما الغني عن العالمين، فهو في مقام «کنت کنزا لم أعرف" 
وهو بعينه الذي عرف ثم أخذ ينسب إلى الإنسان وقوع الاختلاف في أخلاقه وأحواله، وإنما هو للاختلاف الذي بين اليدين إشارة إلى قوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " (ص: 75) .
فكونهما يدين اثنين دل على اختلاف طبيعة الإنسان، وأما احتقاره بالعنصريات فما يقدر أن يرد عليه، 
وكذلك جعل الملائكة العالين أفضل من الإنسان لا نوافقه فيه " ولا نرد عليه 
وأما العالين الذين قيل فيهم: "أستكبرت أم كنت من العالين" (ص: 75) فما أراد إلا على المكان.
وأما المكانة فالإنسان أعلى مرتبة منهم وأما كون النفس به نفس الله تعالی کرب الأسماء، فالأسماء الإلهية لا توصف بالكرب.


"" أضاف الجامع :
 من الفص الشعيبي شرح الشيخ التلمساني  "قال: ولما كان الإيجاد رحمة، فهو أول رحمة وسعت كل شيء، فشملت الرحمة أسمائه الحسنى حيث حصل لها بالايجاد عالما نفس من كرب الأسماء الإلهية باعطائها ما طلبته من حقائق العالم."
 
وتقول د. سعاد الحكيم في المعجم الصوفي :
" ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن، لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية، من إيجاد صور العالم، التي قلنا هي: ظاهر الحق، إذ هو الظاهر. . . فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء. . . " (فصوص 1/ 112).
نستخلص منه ما يلي:
1 - أن الجملة " ولهذا الكرب تنفس " تفيدنا وجود الكرب من جهة، والتنفس الذي اعطى المرتبة اسمه النفس من جهة ثانية.
- " فالكرب ": موجود على مستوى الأسماء الإلهية، التي تطلب الكون لظهور ربوبيتها.
يقول: " فأول ما نفسّ عن الربوبية بنفسه، المنسوب إلى: الرحمن، بإيجاده العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها وجميع الأسماء الإلهية. . . " (فصوص 1/ 119).
- و " التنفس ": الذي وقع، كانت صورته: " العماء "، من حيث إن العماء الذي هو السحاب يتولد من الأبخرة، ونفس الرحمن، بخار رحماني.أهـ . ""


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.  فجاء باليدين )
 
قال رضي الله عنه : ( فبما فيه من الحرارة علا في الصور الأسمائية الربانية ، وبما فيه من البرودة سفل).
يعني رضي الله عنه : في الصور الكيانية والعوالم الإمكانية
 
قال رضي الله عنه : ( وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل ، فالرسوب للبرودة والرطوبة ، ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ، ينظر في قارورة مائه ، فإذا رآه رسب ، علم أنّ النضج  قد حصل ، فيسقيه الدواء ليسرع في النجح ، وإنّما رسب لرطوبيته وبرودته الطبيعية ، ثمّ إنّ هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان وإن كانت كلتا يديه يمينا ، فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ، ولو لم يكن إلَّا كونهما اثنتين أعني اليدين ، لأنّه لا يؤثّر في الطبيعة إلَّا ما يناسبها ، وهي متقابلة فجاء باليدين ) .
 
يشير رضي الله عنه :  في كلّ ذلك إلى أنّ التقابل في الأمر الواحد من جهتين مختلفتين موجود ومشهود ، وأنّ الطبيعة التي لها التضادّ والتقابل عامّة الحكم في الصور الأسمائية والكونية ، ولولا أنّ في حقيقة الحق قبول كلّ ذلك ، لما وجدت هذه المتقابلات منها .
ولأنّ في طبيعة البشر جمعا بين المتقابلات توجّه الحق في إيجاده باليدين المتقابلتين ، وهما الفعل والانفعال اللذين في حقيقتي الربّ والمربوب ، والإله والمألوه في الذات ، أو الجلال والجمال ، واللطف والقهر في الإلهيات ، وكل ذلك مشير إلى التقابل في الأصل ، فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.  فجاء باليدين )
 
قال رضي الله عنه :  ( فيما فيه من الحرارة علا ) في الصور الأسمائية الربانية ( وبما فيه من الرطوبة والبرودة سفل ) في الصورة الكائنة من آخر العالم .
 
قال  رضي الله عنه :  ( وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل فالرسوب للبرودة والرطوبة ألا ترى الطبيب إذا أراد سقى دواء لأحد ينظر في قارورة مائه ، فإذا رآه رسب علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح ، وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية ) .
 
النضج عند الأطباء تهيؤ المادة للاندفاع ، ولا يسهل الاندفاع إلا بالسيلان الذي هو بالرطوبة ، والتسفل والنزول الذي هو بالبرودة ، فإذا رسب في القارورة علم أن الخلط سهل الاندفاع .
"" أضاف بالي زادة :  ( فيما فيه ) أي في النفس الإلهي ( من الحرارة على ) ما علا من العالم كالنار والهواء ( وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل ) من العالم ما سفل كالتراب والماء فتقابل بعض العالم بعضا بالعلو والسفل لتقابل الطبيعة ، فخرج العالم على صورة النفس الإلهي من التقابل اهـ بالى .
فظهر أن الرسوب الرطوبة والبرودة ، والإسراع للدواء ، فاختلف العالم بالكيفيات المختلفة في الطبيعة من كل الوجوه فافهم اهـ . بالى زادة ""
 
ولهذا قالت الأطباء :
إن القوة الدافعة لا يتمكن على فعلها إلا بمعونة البرودة ، والمقصود أن النفس الذي هو الوجود الواحد يقتضي التقابل بما يستلزمه من الجهتين المختلفتين في الأمر الواحد ، وهو الطبيعة المقتضية للأمور المتضادة .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم إن هذا الشخص الإنسانى عجن طينته بيده وهما متقابلتان ، وإن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ، ولم يكن إلا كونهما اثنتين أعنى يدين ، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها وهي متقابلة فجاء باليدين ) .
 
ولما كانت الطبيعة مقتضية للتقابل كانت الأسماء الإلهية متقابلة لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها ، فأخبر أن الله تعالى عجن طينة آدم أي الشخص الإنسانى بيديه وهما المتقابلان من أسمائه ، وهو وإن كانتا كلتاهما يمينا أي متساويتين في القوة فالفرق بينهما ظاهر ، فإن الجلال والجمال والقهر واللطف لا خفاء في تقابلهما ، وكذا الفعل والانفعال والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة في الطبيعة ، ولو لم يكن في تقابلهما إلا كونهما اثنين اكتفى في تقابلهما ، فعبر عن كل متضادين باليدين .
"" أضاف بالي زادة :  ( باليدين ) المناسبتين للطبيعة في التقابل ، فعلم منه أنه لا تؤثر العلة في المعلول إلا بشرط وجود المناسبة بينهما فأوجد آدم باليدين لهذا اهـ بالى . ""
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح.
وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.  فجاء باليدين )
 
قال رضي الله عنه :  ( فيما فيه من الحرارة علا ، وبما فيه من الرطوبة والبرودة سفل ، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل ، فالرسوب للبرودة والرطوبة . ألا ترى الطبيب إذا أراد سقى دواء لأحد ، ينظر في قارورة مائه ، فإذا رآه رسب ، علم أن النضج قد كمل ، فيسقيه الدواء ليسرع في النضج . وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية . )
ضمير ( فيه ) عائد إلى ( النفس ) . أي ، فيما فيه هذه الكيفيات المتقابلة المتضادة علا
بعض الأعيان لاقتضاء الاسم الحاكم عليه العلو ، كالنار والهواء والملائكة التي فيها ، وسفل بعضها لكون ربه طالبا للمركز في الوجود ، كالتراب . وإنما يحصل الرسوب في الماء المستشهد لأنه مشتمل على الأركان الأربعة .
 
فالأجزاء الصغار الأرضية إذا رسبت ، علم الطبيب أن الأخلاط البدنية استعدت أن ينفصل بعضها عن بعض ، وصارت قابلة للاندفاع ، وهو المراد ب‍ ( النضج ) .
فبالرطوبة يحصل السيلان ، وبالبرودة النزول ، إذ البرودة تكثفها ، فيندفع الطبيعة حينئذ ما زاد على الحاجة ويمسك ما يحتاج إليها .
 
واعلم ، أن كل من علم هذه المباحث النفسية ، ظهر له كون الخلأ ، محالا ، كما هو مقرر عند الحكماء أيضا ، إذ لو خلا النفس الرحماني عن الصورة ، لاندكت الجبال وانشقت السماء لتجلى الحق بارتفاع تلك الصورة الحجابية ، وظهر له وجود الهيولى الكلى ، وعروض الصور الروحانية والجسمانية عليه ، وكون الصور السماوية قابلة للتبديل والتغير بتجليه واظهاره لها مرة أخرى ، وكون الأبعاد غير متناهية ، إذا النفس الإلهي غير متناه .
كما قال : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ) . أي ، منقطعا . لكنه ما شاء انقطاعه ، فما انقطع ، وأن فوق الأطلس ، المسمى بالعرش الكريم ، أجسام نورية ، كالعرش المجيد وكرسيه والعرش العظيم ، كما صرح في الفتوحات بها .
ومنتهاها من هذا الطرف فلك الثوابت ومن الطرف الآخر هو الوجود البحت الحق والنور المطلق .
( فسبحان ربك رب العزة عما يصفون ) . وتعالى الله عما يقول الظالمون المحجوبون
علوا كبيرا .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم ، إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه ، وهما متقابلتان ، وإن كانت كلتا يديه يمينا ، فلا خفاء بما بينهما من الفرقان . ولو لم يكن إلا كونهما اثنين ، أعني يدين . )
لما ذكر أن الطبيعة متقابلة والأسماء الإلهية متقابلة - وكان عجن طينة آدم بيديه وهما متقابلتان - نقل الكلام إليه . وإنما كانت يداه متقابلتان ، لأنهما عبارة عن الصفات الجمالية والجلالية ، كالرضا والغضب واللطف والقهر .
وكونهما يمينا ، أي ، مباركا رحمانيا موصلا إلى الكمال ومتساويا في القدرة والقوة والتأثير ، والفرقان بينهما باقتضاء كل منهما صفة تقابل مقتضى الآخر ، وأقل مراتب الفرقان بينهما كون تعين أحدهما مغائرا لتعين الآخر ، ولذلك صار اثنين ، أي ( يدين ) .
 
ثم ، قال الشيخ رضي الله عنه : ( لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها ، وهي متقابلة ، فجاء باليدين)

تنبيها على أن المناسبة ثابتة بين العلة ومعلولها . فلما كان المعلول مقتضيا للتقابل بقابليته ، كانت العلة أيضا مقتضية له بفاعليتها .
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السادسة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السادسة عشر : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.  فجاء باليدين )

قال رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا ، وبما فيه من البرودة والرّطوبة سفل ، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل ، فالرّسوب للبرودة والرّطوبة ؛ ألا ترى الطّبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه ، فإذا رآه راسبا علم أنّ النّضج قد كمل فيسقيه الدّواء ليسرع في النّجح ، وإنّما يرسب لرطوبته وبرودته الطّبيعيّة ، ثمّ إنّ هذا الشّخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان ، وإن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ، ولو لم يكن إلّا كونهما اثنين أعني يدين ، لأنّه لا يؤثّر في الطّبيعة إلّا ما يناسبها وهي متقابلة ، فجاء باليدين .)

قال رضي الله عنه :  ( فبما فيه ) أي : في النفس الإلهي ( من الحرارة ) أي : من المعنى المناسب لها ( علا ) بعض العالم ، كالنار والهواء ، ( وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل ) بعضه كالماء والتراب ، ( وبما فيه من اليبوسة رسب) بعضه كالتراب ، و ( لم يتزلزل ) إذ ليس فيه ما يوجب الحركة من الحرارة والرطوبة ؛ ولهذا كان الماء فوق الأرض ، وإن اجتمع فيه سبب الرسوب لما فيه من موجب الحركة - أعني : الرطوبة - ولا يتأتى مع لزوم السكون فيما تحت الأرض إذ منع من التزلزل للأرض ، فكيف لا يمنع ما تحتها ؟ !

قال رضي الله عنه :  ( فالرسوب للبرودة والرطوبة ) لا لليبوسة في الأرض ، وإلا كان للنار رسوب لكن لها العلو المطلق ، ولو لم يكن للرطوبة ذلك لم يكن للهواء رسوب بالنسبة إلى النار ؛ لأن حرارته توجب العلو ، ولو لم يكن للبرودة رسوب لم يكن للأرض أصلا ، ولا للماء بالنسبة إليها لاجتماع سببه فيه ، وإنما تحركت النار مع اليبوسة لمعارضة الحرارة إياها فتبعت فلك القمر في حركته .
ولما كان المذكور في الكتاب من أن العلو من الحرارة ، والسكون من اليبوسة ، والرسوب من البرودة والرطوبة ، وهو خلاف المشهور من أن العلو للخفة ،والرسوب للسفل ، والحركة من الرطوبة ،والسكون من اليبوسة استدل على ما ذكره بأمر تجريبي لا يفيد الدليل العقلي على خلافه.

فقال رضي الله عنه  : ( ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه ، فإذا رآه راسبا ) علم أن النضج ، وهو تهيؤ المادة للاندفاع ( قد كمل ، فيسقيه الدواء ؛ ليسرع في النّجح ) بالاندفاع بالسيلان الحاصل على التفرق والرسوب ، ( وإنما يرسب ) عند النضج المفيد للخفة ( لرطوبته وبرودته الطبيعية ) ؛ قيد بذلك للإشارة إلى أن الرطوبة والبرودة العارضة لا توجب الرسوب ، كما في بعض أجزاء الهواء ، فهذا تأثر النفس الإلهي في العناصر .
ثم أشار إلى إثارة في الأسماء الإلهية باعتبار ظهورها الكامل الذي في الإنسان .

فقال :رضي الله عنه   ( ثم ) إن هذا الشخص الإنساني ، يعني : آدم عليه السّلام الجامع لأسرار أولاده ( عجن طينته ) الشاملة على الطبائع المذكورة ( بيديه ) أي : أسماؤه المتقابلة ليظهر منها آثارها التي تقتضيها طبائعها التي أخذتها من النفس الإلهي ، وإنما فسرناهما بالأسماء المتقابلة إذ ( هما ) أي : اليدان بالمعنى المتعارف ( متقابلتان ) .

فينبغي أن يعتبر ما يناسب هذا التقابل في يدي اللّه تعالى ، ( وإن كانت كلتا يديه يمينا ) ، كما صحّ في الخبر : « أنه يوضع للمقسطين منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين . رواه ابن بطة والبيهقي .
وذلك للإشارة إلى أنه لا تفاوت في تأثير يديه مثل التفاوت في تأثير يدي الإنسان ؛ فإن يمينه أقوى من شماله غالبا ، ( فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ) في حق اللّه تعالى ، ( وإن لم يكن ) ذلك الفرقان ( إلا كونهما اثنين ) ؛ لأنه موجب للتغاير الذي هو عين الفرقان ، لكن حملنا هذا الفرقان على التقابل المفهوم من اليدين المتعارفتين ؛ فلذلك قال : ( أعني يدين ) سيما إذا فرضنا مباشرين لطينة آدم الشاملة على الطبائع المتقابلة .
 قال رضي الله عنه :  ( لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها ) لما قرر من وجوب التناسب بين الفاعل والقابل ، ( وهي ) أي : الطبيعة ( متقابلة ) ضرورة تقابل الحرارة للبرودة ، وتقابل الرطوبة لليبوسة ، والأولان مبدأ الفعل ، والآخران مبدأ الانفعال ؛ فبيّن مجموعهما تقابل آخر .
( فجاء باليدين ) للتأثير فيهما ؛ ليؤثر كل اسم بحسب طبيعته في عصر يناسب طبيعته ، ويؤثر مجموعهما باعتبار ما فيها من التقابل في مجموع طبائعه المتقابلة لإكمال هذا المعنى فيه ؛ فلذلك كان من عنايته بهذا النوع الإنساني .

 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.  فجاء باليدين )

قال رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا ، وبما فيه من الرطوبة سفل ، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل ، فالرسوب ) في العالم الكبير ( للبرودة والرطوبة ) كذلك فيما يماثله من أفراد الإنسان .
قال رضي الله عنه :  ( ألا ترى الطبيب إذا أراد سقى دواء لأحد ينظر في قارورة مائه ، فإذا رآه رسب علم أنّ النضج ) وهي استعداد أخلاط المزاج وتهيّؤ موادّه للصلاح بما يقبل تصرّف الطبيب فيه  (قد كمل ، فيسقيه الدواء ليسرع في النجح) فإنّه بدون النضج التامّ لا يتوقّع ذلك.
( وإنّما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعيّة ) فهما المقتضيان لكمال النضج المنجح ، والمزاج الحاصل منهما هو المسمى بالطين .

خلق الإنسان بيديه تعالى
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثمّ إنّ هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه ، وهما متقابلان) ممّا يظهر منه الآثار المتقابلة : كالخير والشرّ ، واللطف والقهر ، والرحمة والغضب ( وإن كانت كلتا يديه يمينا ) في مصدريّة الرحمة واللطف كما قال في غير هذا الموضع أنّ وجود الغضب والقهر لرحمته عليهما .
وإليه أشار بقوله : " سبقت رحمتي غضبي " ( فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ) فإن ذلك لا ينفي الفرقان والثنويّة ، فلا بدّ من التكثّر ( ولو لم يكن إلا كونهما اثنين ، أعني يدين ) وإنما لزم ذلك ( لأنه لا يؤثّر في الطبيعة ) بعجن الطينة المشتملة على المتقابلين ( إلا بما يناسبها ، وهي متقابلة فجاء باليدين) .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.  فجاء باليدين )

قال رضي الله عنه :  (فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.  ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح. وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية. ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين )

قال رضي الله عنه :  ( فبما فيه ) ، أي النفس بما فيه ( من الحرارة ) طبيعية كانت أو عنصرية ( علا وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل فالرسوب ) في العالم الكبير ( للبرودة والرطوبة ) كذلك فيما يماثله من العالم الصغير الذي هو الإنسان ( ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه فإذا رآه رسب علم أن النضج ) وهو استعداد أخلاط المزاج للصلاح يتصرف الطبيب فيها ( قد كمل فيشفيه الدواء ليسرع ) الدواء ( في النجع ) ، أي إصابة الطلبة التي هي إصلاح المزاج ( وإنما يرسب ) ما يرسب في القارورة ( لرطوبته وبرودته الطبيعية ) فالرطوبة والبرودة كما يقتضيان الرسوب والتسفل في العالم الصغير كذلك يقتضيانهما في العالم الكبير .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم أن هذا الشخص الإنساني ) ، أي شخص كان ( عجن ) الحق سبحانه ( طينته بيديه ) الجمالية والجلالية أو الفاعلية والقابلية ( وهما متقابلتان وإن كانت كلتا يديه يمينا مباركا ) في مصدرية الرحمة واللطف فإن وجود الغضب والقهر لرحمته عليهما .

قال رضي الله عنه( فلا خفاء بما بينهما من الفرقان ولو لم يكن ذلك ) الفرقان ( إلا كونهما اثنتين أعني يدين ) ، فإن الاثنينية نسبة تقتضي اختصاص كل من طرفيها بأمر لا يوجد في الآخر وذلك فرقان بيّن وإنما عجن طينته بيديه المتقابلتين

قال رضي الله عنه :  ( لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة. فجاء باليدين ).
قال رضي الله عنه :  ( لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها ) ، أي الطبيعة ( وهي متقابلة فجاء باليدين ) المتقابلتين لتحصل المناسبة بين المؤثر والمؤثر فيه .

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 23:36 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السابعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السابعة عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولمّا أوجده باليدين سمّاه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه .  وجعل ذلك من عنايته بهذا النّوع الإنسانيّ فقال لمن أبى عن السّجود له :ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ على من هو مثلك - يعني عنصريّا -أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ[ ص : 75 ] عن العنصر ولست كذلك . ويعنى بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النّوريّة عنصريّا وإن كان طبيعيّا . فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصريّة إلّا بكونه بشرا من طين ؛ فهو أفضل نوع من كلّ ما خلق من العناصر من غير مباشرة .
فالإنسان في الرّتبة فوق الملائكة الأرضيّة والسّماويّة والملائكة العالون خير من هذا النّوع الإنساني بالنّص الإلهيّ .)
 
قال رضي الله عنه :  (ولما أوجده) ، أي آدم عليه السلام (باليدين) معا سماه تعالى بشرا فقال سبحانه :وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً[ الحجر : 28 ] من طين للمباشرة اللائقة ، أي المناسبة بذلك الجناب الإلهي القديم المنزه عن مشابهة كل شيء باليدين متعلق بالمباشرة المضافتين ، أي المنسوبتين إليه تعالى على حد ما يعلمه هو سبحانه من ذلك لا على حد ما نعلمه نحن ، لأن الحادث لا يعلم من القديم إلا ما يليق بحدوثه ، ولولا الإيمان بالغيب لتساوى المسلم والكافر .
 
قال رضي الله عنه :  (وجعل) تعالى ذلك الفعل من عنايته ، أي اعتنائه (بهذا النوع الإنساني) ، لأنه ذكره في معرض التفضيل والمنة عليه فقال اللّه تعالى : لمن أبى ، أي امتنع عن السجود له ، أي لآدم عليه السلام وهو إبليس ما منعك ، يعني أي شيء كان مانعا لك أن تسجد ، أي عن سجود كلِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ بتشديد الياء الثانية تثنية يد أستكبرت ، أي تكبرت على من هو مثلك وهو آدم عليه السلام يعني عنصريا ، أي مخلوقا من العناصر الأربعة أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ[ ص : 75 ] جمع عال وهو المرتفع عن كثافة العنصر ولست ، أي يا إبليس كذلك ، أي من الملائكة العالين الذين لم يؤمروا بالسجود لآدم عليه السلام لعدم معرفتهم به من كمال استغراقهم في شهود اللّه تعالى .
 
قال رضي الله عنه :  (ونعني) ، أي نريد نحن معشر العارفين بالعالين كل من علا ، أي ارتفع بذاته عن أن يكون في نشأته ، أي خلقته النورية عنصريا ، أي منسوبا إلى العنصر وإن كان في نشأته طبيعيا ، أي منسوبا إلى الطبيعة فما فضل الإنسان غيره من جميع الأنواع العنصرية ، أي المخلوقة من العناصر الأربعة إلا بكونه ، أي ذلك الإنسان بشرا مخلوقا من طين فهو ، أي البشر من الطين أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر الأربعة وما تولد منها من غير مباشرة باليدين الإلهيتين فالإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية ودخل فيهم الجن لأنهم عنصريون والملائكة السماوية ، لأنهم من دخان العناصر المتولد منها هم وسماواتهم السبع .
 
(والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني) ، لأنهم طبيعيون لا عنصريون ، والطبيعة أقرب إلى الأمر الإلهي وألطف من العنصر بالنص الإلهي وهو هذه الآية في قوله تعالى :" أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ " ، أي الذين لم يؤمروا بالسجود لآدم عليه السلام ، لأنهم أفضل من هذا النوع الإنساني وخير منه لا أنت خير منه ردا لقوله :" أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" [ الأعراف : 12 ] .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما وجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب ) لا المباشرة الغير اللائقة به وهي المباشرة الجسمية الحسية فإنه منزه عن هذه المباشرة ( باليدين المضافتين إليه ) لا اليدين الغير المضافتين إليه تعالى وهما العضوان المخصوصان من أعضاء الإنسان فإنها محال أن يضاف إلى اللّه تعالى .
قال رضي الله عنه :  ( وجعل ذلك ) الإيجاد وهو إيجاد باليدين ( من عنايته بهذا النوع الإنساني واستدل على جعل الحق ذلك الإيجاد من عنايته بهذا النوع بقوله تعالى فقال تعالى لمن أبى عن السجود له ) أي لآدم عليه السلام (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ على من هو مثلك يعني عنصريا ) أي لا مثلك في الخلقة فإنه خلقته بيديّ وخلقتك بيد واحدة .
فالذي خلق باليدين أعلى وأشرف على من هو بيد واحدة فلم لم تسجد لما فضلت عليك في الخلقة ما سبب منع سجدتك لما خلقت بيديّ أمجرد الاستكبار (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ[ ص : 75 ] عن العنصر ولست كذلك ) أي ولست من العالين عن العنصر فتعين أن المانع من السجود استكبارك القبيح اللازم لشأنك الخبيث .
قال رضي الله عنه :  ( ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا ) وهم الملائكة المهيمون والملائكة المقربون كجبرائيل وغيره من ملائكة العرش والكرسي .
 
قال رضي الله عنه :  ( فما فضل الإنسان ) أي نوع الإنسان ( غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة ) باليدين وغيره من العنصريات الأرضية والسماوية حاصلة بمباشرة يد واحدة أو من غير ورود النص في مباشرته .
قال رضي الله عنه :  ( فالإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والمساوية والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي ) وهو قوله " :أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ " .
وقوله : "ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" فالإنسان من حيث كونه جامعا بجميع ما في الحقائق الكونية والإلهية خير من الملائكة العالين .
فكان بعض أفراد هذا النوع كالأنبياء والمرسلين أفضل من هذه الملائكة وغيرها من الموجودات فيكفي خيرية الملائكة من هذا النوع الإنساني خيريتهم من بعض أفراد النوع كما قال المحققون من علماء الشريعة .
رسل الملائكة أفضل من عامة البشر فكل واحد من الإنسان والملائكة العالين فاضلا ومفضولا فالإنسان من حيث حقيقته الجامعة لجميع المراتب أفضل من الموجودات العنصرية والطبيعية فكان الإنسان أفضل من الملائكة العالين من ذلك الوجه .
والعالون أفضل من الإنسان ، من حيث أنه لم يكن نشأتهم النورية عنصريا وإليه أشار بقوله ويعني بالعالين .
فالمراد بالخيرية بالنص هي هذه الخيرية لا الخيرية من كل الوجوه .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه. وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك. ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا. فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة. والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.)
 
يعني : أن الحق تعالی وصف نفسه بأن له نفسا فتناسب أن يكون منه النفخ، إذ النفخ هو ضرب من النفس. 
قال: وبالنفخ كانت الطبيعة والعناصر والمولدات بل وأرواح السماوات وأعيانها وهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر إشارة إلى قوله تعالى:
"ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها" (فصلت: 11) يعني من حقيقة هذا الدخان.
قال: وملائكة ذلك عنصريون 
قال: ومن فوقهم طبيعيون، 
قال: ولذلك وصفهم بالاختصام في ایرادهم أن الملأ الأعلى يختصمون 
ثم ذكر أن التقابل الذي بين الأسماء ليس هو من هذا القبيل بل من النفس الرحماني، وهذا عندي فيه توقف، لأن النفس وحداني فلا يعطي التقابل 
وإنما التقابل الأسمائي عرضي من حركة النفس. 
وأما الغني عن العالمين، فهو في مقام «کنت کنزا لم أعرف" 


وهو بعينه الذي عرف ثم أخذ ينسب إلى الإنسان وقوع الاختلاف في أخلاقه وأحواله، وإنما هو للاختلاف الذي بين اليدين إشارة إلى قوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " (ص: 75) .
فكونهما يدين اثنين دل على اختلاف طبيعة الإنسان، وأما احتقاره بالعنصريات فما يقدر أن يرد عليه، 
وكذلك جعل الملائكة العالين أفضل من الإنسان لا نوافقه فيه " ولا نرد عليه 
وأما العالين الذين قيل فيهم: "أستكبرت أم كنت من العالين" (ص: 75) فما أراد إلا على المكان.
وأما المكانة فالإنسان أعلى مرتبة منهم وأما كون النفس به نفس الله تعالی کرب الأسماء، فالأسماء الإلهية لا توصف بالكرب.


"" أضاف الجامع :
 من الفص الشعيبي شرح الشيخ التلمساني  "قال: ولما كان الإيجاد رحمة، فهو أول رحمة وسعت كل شيء، فشملت الرحمة أسمائه الحسنى حيث حصل لها بالايجاد عالما نفس من كرب الأسماء الإلهية باعطائها ما طلبته من حقائق العالم."
 
وتقول د. سعاد الحكيم في المعجم الصوفي :
" ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن، لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية، من إيجاد صور العالم، التي قلنا هي: ظاهر الحق، إذ هو الظاهر. . . فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء. . . " (فصوص 1/ 112).
نستخلص منه ما يلي:
1 - أن الجملة " ولهذا الكرب تنفس " تفيدنا وجود الكرب من جهة، والتنفس الذي اعطى المرتبة اسمه النفس من جهة ثانية.
- " فالكرب ": موجود على مستوى الأسماء الإلهية، التي تطلب الكون لظهور ربوبيتها.
يقول: " فأول ما نفسّ عن الربوبية بنفسه، المنسوب إلى: الرحمن، بإيجاده العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها وجميع الأسماء الإلهية. . . " (فصوص 1/ 119).
- و " التنفس ": الذي وقع، كانت صورته: " العماء "، من حيث إن العماء الذي هو السحاب يتولد من الأبخرة، ونفس الرحمن، بخار رحماني.أهـ . ""


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه : ( ولمّا أوجده باليدين سمّاه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه ، وجعل ذلك من عنايته لهذا النوع الإنسانيّ ، فقال لمن أبي عن السجود له : " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ " على من هو مثلك يعني عنصريا " أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ " عن العنصر ولست كذلك . ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريّا وإن كان طبيعيّا ، فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلَّا بكونه بشرا من طين ، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة باليدين ) .
يعني : من كونه باشر الله خلقه بيديه ، وهو حقيقة الجمع بين المتقابلات والمتماثلات كلَّها .


قال رضي الله عنه : ( فالإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية ، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنصّ الإلهي ) .
يعني : أنّ الملائكة العالين وهم المهيّمة في سبحات وجه الحق - لفناء خلقيتهم واستهلاكهم عن أنفسهم وعن سوى الحق في الحق خير من نوع الإنسان الحيوان لا الإنسان الكامل ، لكون هذا النوع حقيقتهم مستهلكة في خلقيتهم ونوريتهم في ظلمتهم ، بعكس الملائكة العالين ، وقد ذكرنا فتذكَّر .
 
 شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه ، وجعل ذلك من عنايته لهذا النوع الإنسانى ، فقال لمن أبى عن السجود له – " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ " - على من هو مثلك يعنى عنصريا – " أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ " - عن العنصر ولست كذلك )
المباشرة اللائقة بالجناب الإلهي باليدين هو التوجه نحوه بإيجاده الأسماء المتقابلة وذلك من كمال عنايته ، ولهذا وبخ إبليس بالامتناع عن سجود من خلقه باليدين ، أي بالجمع بين الصفات المتقابلة ، فيه إشارة منه تعالى إلى فضل من توجه إليه في إيجاده باليدين على من ليس كذلك.
"" أضاف بالي زادة ( العالين ) هم الملائكة المهيمون والملائكة المقربون ، كجبريل وغيره من ملائكة العرش والكرسي اهـ
قال المحققون : رسل الملائكة أفضل من عامة البشر ، فكل واحد من الإنسان والملائكة العالين فاضل ومفضول .
فالإنسان من حيث حقيقته الجامعة لجميع المراتب أفضل من الموجودات العنصرية والطبيعية فكان الإنسان أفضل من الملائكة العالين عن ذلك الوجه .
والعالون أفضل من الإنسان من حيث أنه لم تكن نشأتهم النورية عنصرية وإليه أشار بقوله
( ويعنى بالعالين ) فالمراد بالخيرية بالنص الإلهي هي هذه الخيرية لا الخيرية  وإنما توقف معرفة النفس الإلهي إلى معرفة العالم ( فإنه ) أي لأنه ( من عرف نفسه ) وهو جزء من العالم ( عرف ربه ) فإن نفسه تفصيل وتعريف لربه ، فمن عرفها عرفه اهـ بالى"" .
 
قال رضي الله عنه :  ( ويعنى بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا ، فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين ، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة باليدين )
العالون : هم الملائكة المهيمون في سبحات جمال وجه الحق لفناء خليقتهم ، لغلبة أحكام الوجوب في نشأتهم عن أحكام الإمكان لنشأتهم النورية وفنائهم عن أنفسهم ، فما فضل الإنسان غيره من الكائنات العنصرية بكونه نوريا بل بكونه بشرا من طين باشر الله خلقه باليدين ، فهو أفضل من كل ما خلقه لا بالمباشرة : أي باليد الواحدة بأن لا يجمع فيه بين المتقابلات بل بالصفات المتماثلة فحسب
 
قال رضي الله عنه :  ( فالإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنسانى بالنص الإلهي )
أي الإنسان الذي هو الحيوان لاستهلاك الحقيقة في هذا النوع الخلقية والنورية في الظلمة والظهور بأنفسهم بخلاف العالين ، والنص قوله : "أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ " .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ولما أوجده باليدين ، سماه ( بشرا ) للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه. )
أي ، سماه ( بشرا ) في قوله : ( إني خالق بشرا من طين ) . لما باشره بيديه في خلقه .
وفيه إشارة إلى أن ( البشر ) مأخوذ من ( المباشرة ) ، كما يقال : يسمى ( الخمر ) خمرا لتخميره للعقل .
ولما علم أن المحجوب يتوهم من ( اليدين ) العضو الخاص ، ومن المباشرة المباشرة الحسية ، نزه بقوله : ( للمباشرة اللائقة بجنابه ) . و ( باليدين ) الممكنة إضافتهما إلى حضرته .
والمباشرة اللائقة بجنابه اقتضاء عنايته الذاتية ومشيئته الأصلية ومحبته الأزلية إظهار موجود جامع لصفاته المتقابلة ، ومحل لائق لسلطنة أسمائه المتعالية ، كما أشار إليه في صدر الكتاب .
 
قال رضي الله عنه :  ( وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني ، فقال لمن أبى عن السجود له : " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت " على من هو مثلك ، يعنى عنصريا . " أم كنت من العالين ؟ " عن العنصر ؟ ولست كذلك . ونعني ب‍ " العالين " من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا . ) .
 
المراد ب‍ ( العالين ) الملائكة المهيمون في أنوار جمال الذات ، المتجلية لها بالتجلي الجبالي . وهم الكروبيون والملائكة المقربون ، كجبرئيل وميكائيل وغيرهم من طبقتهم . لذلك وصفهم
بأنهم نوريون طبيعيون لا عنصريون .
 
قال رضي الله عنه :  (فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين ، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة . )
أي ، فما فضل الإنسان غيره من الموجودات إلا بما باشر الحق بيديه في خلقه ، ليجمع بين الصفات المتقابلة ، وباشر غيره بيد واحدة ، ليظهر بصفة واحدة بلا واسطة ، كالصنف الأول ، أو بواسطة كالصفوف التي بعده .
 
قال رضي الله عنه :  ( فالإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية ، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي . ) النص الإلهي قوله تعالى : ( أم كنت من العالين ؟ )
وقال في الفتوحات : ( إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فسألته أن الإنسان أفضل أم الملائكة ؟ فقال ، عليه السلام : " أما سمعت بأن الله يقول : من ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ " . ففرحت بذلك .
فالملأ الذي خير منهم هم العالون . وهذه الخيرية إنما هي بحسب عموم أفراده ، لا بحسب الخصوص .
 
وتحقيقه : أنك قد علمت أن لكل موجود من الموجودات وجها خاصا لربه لا يشاركه فيه غيره ، والإنسان جامع لجميع تلك الوجوه ، لأنه جامع لجميع الحقائق الكونية والإلهية ، كما هو مقرر عند جميع المحققين ، فالإنسان من حيث حقيقته خير من جميع الموجودات ، لذلك صار خليفة عليها . ومن حيث خلقيته أيضا الإنسان الكامل والأقطاب والأفراد خير من جميعها ، لظهور الحق فيهم بجميع كمالاته وصفاته دون غيره .
وغيرهم من الأناسي لا يخلو إما أنه وقع في النصف الأعلى من دائرة حقيقة الإنسان ، أي وقع في الطرف الكمالي ، أو في النصف الأسفل ، أي الطرف النقصاني .
الأول خير من الملائكة الأرضية والسماوية جميعا ، لتسبيحهم للحق وتقديسهم له بألسنة أكثرهم ، بل كلهم كالمتوسطين في الكمال المتوجهين إلى حضرة ذي الجلال .
والنصف الثاني أدنى مرتبة من الملائكة السماوية ، دون الأرضية ، إلا من وقع في أسفل سافلين
من الإنسان ، فإنه شر من كل حيوان وأدنى مرتبة من كل شيطان .
وهذا مجمل شأنا ، فعليك تفصيله بيانا . والله أعلم بالمراتب .

.
يتبع 

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 4 ديسمبر 2019 - 23:40 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة السابعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السابعة عشر : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ولمّا أوجده باليدين سمّاه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه ، وجعل ذلك من عنايته بهذا النّوع الإنسانيّ ؛ فقال لمن أبى عن السّجود له :ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ [ ص : 75 ] ، على من هو مثلك يعني عنصريّاأَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ [ ص : 75 ] ، عن العنصر ، ولست كذلك ، ويعنى بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النّوريّة عنصريّا ، وإن كان طبيعيّا ، فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصريّة إلّا بكونه بشرا من طين ؛ فهو أفضل نوع من كلّ ما خلق من العناصر من غير مباشرة ، فالإنسان في الرّتبة فوق الملائكة الأرضيّة والسّماويّة والملائكة العالون خير من هذا النّوع الإنساني بالنّص الإلهيّ )
 
كما أشار إليه بقوله : ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا ) لا لما يتوهم من كونه من ظاهر الأرض وبشرته بل ( للمباشرة اللائقة بذلك الجناب ) من التأثير بلا واسطة الأسباب السماوية التي هي متوسطة بينه تعالى وبين الحوادث الزمانية ( باليدين المضافين إليه ) ؛ فلا يكونان من الجوارح ، ولا مباشرتهما مباشرة الأجسام ؛ ولذلك ( جعل ذلك ) الإيجاد لكونه  بلا واسطة ذلك ( من عنايته ) تعالى ( بهذا النوع الإنساني ) حيث باشر أول أفراده بيديه ، فجعله بذلك مستحقا للسجود ممن ليس له ذلك .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال لمن أبى عن السجود له :ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ [ ص : 75 ] على من هو مثلك ) لم يرد به المثلية في مباشرة اليدين مع كونه عنصريّا ، بل ( يعني ) مثلا ( عنصريّا ) ، وإن اختلف العنصران الغالبان عليهما مكانا علوّا وسفلا ، يعني لو تجردت عنصريته عن مباشرة اليدين ، وكان عنصره أدنى مكانا من عنصرك لم يكن لك أن تتكبر عليه ، فكيف وقد فاق عليك بشرف مباشرة اليدين المضافين لطينته " أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ" [ ص : 75 ] .
"" أضاف المحقق : العالون : هم الملائكة المهيمون والملائكة المقربون ، كجبريل وغيره من ملائكة العرش والكرسي ، قال المحققون : رسل الملائكة أفضل من عامة البشر ، فكل واحد من الإنسان والملائكة العالين فاضل ومفضول ؛ فالإنسان أفضل من الملائكة العالين من ذلك الوجه ، والعالون أفضل من الإنسان من حيث إنه لم تكن نشأتهم النورية عنصرية ( شرح القاشاني ص 223 ) . ""
 
قال رضي الله عنه :  (عن العنصر ) الموجب للدنو المعارض لعلو مباشرة اليدين ، ( وليست ) ، فليعرف العالم الذي هو له النفس الإنسانية الذي للرب تعالى من حيث إن معرفة ظهورها فيه توجب معرفته تعالى .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولمّا أوجده باليدين سمّاه بشرا ، للمباشرة اللائقة بذلك الجناب ) فإنّ المباشرة حقيقة هي الإفضاء بالبشرتين . والبشرة : ظاهر الجلد .
وذلك المباشرة إنما تكون ( باليدين المضافتين إليه ) تعالى . أعني مبدأ التأثير من حيث التعدّد والتكثّر ، الذي هو طرف ظاهريّة الحق وبشرة مباشرته .
قال رضي الله عنه :  ( وجعل ذلك من عنايته لهذا النوع الإنساني ) فلذلك أمر ذوي العقول الشريفة بسجودهم له ( فقال لمن أبى عن السجود له : " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ"[ 38 / 75 ]  .
"يوميئ" موميا فيه أن سبب استيهلاله لسجود الكل إنما هو مخلوقيته باليدين ( " أَسْتَكْبَرْتَ " على من هو مثلك عني عنصريا  " أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ " عن العنصر ، ولست كذلك ، ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النوريّة عنصريّا ، وإن كان طبيعيّا ) .
 
فضل الإنسان على سائر المخلوقات
قال رضي الله عنه :  (فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصريّة إلا بكونه بشرا من طين ) فإنّه مزاج كمال النضج المنجح كما سبق تحقيقه .
قال رضي الله عنه :  ( فهو أفضل نوع من كلّ ما خلق من العناصر من غير مباشرة ) وأنت عرفت معنى المباشرة من ملامسة ظاهر الجلد وملاقاته ، وقد سبق لك أنّ الإنسان بسمعه وبصره عند أحد القربين يتحقّق فيه ملاقاة الظاهرين ، كما لا يخفى - دون غيره من الأنواع ، علويّة شريفة كانت أو سفليّة خسيسة  ( فالإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضيّة والسماويّة ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( والملائكة العالون ) - أي الذين ظهروا في الوجود قبل ظهور عوالم الإمكان كما أفصح عنه النظم الذي هو مطلع كتاب عقلة المستوفز ، وهو :
الحمد لله الذي بوجوده      ..... ظهر الوجود وعالم الهيمان
والعنصر الأعلى الذي بوجوده  .... ظهرت ذوات عوالم الإمكان
- فهم ( خير من هذا النوع الإنساني بالنصّ الإلهي ) كما علم من قوله: "أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ" .
وذكر الشيخ في فتوحاته المكيّة:
« إنّي رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسألت أنّ الإنسان أفضل أم الملائكة ؟ فقال عليه السّلام : أما علمت بأن الله يقول : " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " .
ففرحت بذلك » . فالملأ الذي خير منه هم العالون .
 
"" أضاف الجامع :  قال الشيخ رضي الله عنه قى الفتوحات الباب الثالث والسبعون في إجابة السؤال التاسع والعشرون على الحكيم الترمذي :
" وأما المسألة الطفولية التي بين الناس واختلافهم في فضل الملائكة على البشر
فإني سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الواقعة
فقال لي إن الملائكة أفضل
فقلت له يا رسول الله فإن سألت ما الدليل على ذلك فما أقول؟
فأشار إلى أن قد علمتم أني أفضل الناس وقد صح عندكم وثبت وهو صحيح إني قلت عن الله تعالى أنه قال : "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ".
وكم ذاكر لله تعالى ذكره في ملأ أنا فيهم فذكره الله في ملأ خير من ذلك الملإ الذي أنا فيهم .
فما سررت بشيء سروري بهذه المسألة
فإنه كان على قلبي منها كثير وإن تدبرت قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ"
 
لا مفاضلة ولا أفضل من جهة الحقائق :-
وهذا كله بلسان التفصيل وأما جهة الحقائق فلا مفاضلة ولا أفضل لارتباط الأشخاص بالمراتب وارتباط المراتب بالأسماء الإلهية .
وإن كان لها الابتهاج بذاتها وكمالها فابتهاجها بظهور آثارها في أعيان المظاهر أتم ابتهاجا لظهور سلطانها
كما تعطي الإشارة في قول القائل المترجم عنها حيث نطق بلسانها من كناية نحن المنزل عن الله في كلامه وهي كناية تقتضي الكثرة
نحن في مجلس السرور ولكن ..... ليس إلا بكم يتم السرور
فمجلس السرور لها حضرة الذات وتمام السرور لها ما تعطيه حقائقها في المظاهر وهو قوله بكم وذلك لكمال الوجود والمعرفة لا لكمال الذات إن عقلت أهـ ""
 
وينبغي أن يعلم أنّ الخيريّة هاهنا هو غلبة أحكام الوجود - أعني الوجوب وما يتبعه - وذلك هو الشرف والقرب بالمبدأ ، دون الكمال الذي هو جمعيّة الوجوه ، إمكانيّة كانت أو وجوبيّة فعلم أن الخيريّة هاهنا ليست بحسب عموم الأفراد فقط ، وأنّه لا تدافع بين خيريّة بعض الملإ الأعلى لإنسان ، وبين ما له عندهم من الكمال الجمعيّ الإحاطيّ ، الذي به استحقّ خلافة الحقّ .
ثمّ إذا عرفت أنّ العالم على صورة من أوجده - أعني العالم  - وهو المعبّر عنه بالنفس الرحماني - كما ثبت آنفا .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.  وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك. ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا. فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة. والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي)


قال رضي الله عنه :  ( ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب ) المقدس عن توهم التشبيه فإن المباشرة حقيقة هي الإفضاء بالبشرتين والبشرة هي ظاهر الجلد ( باليدين المضافتين إليه وجعل سبحانه ذلك ) الإيجاد باليدين ( من ) مقتضيات ( عنايته بهذا النوع الإنساني فقال ) تعالى آمرا الملائكة اسجدوا لآدم .
وقال تغييرا ( لمن أبى عن السجود له) :  ("ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ") [ ص : 75 ] موميا إلى أن استحقاقه لسجود الملائكة إنما هو لمخلوقيته باليدين ( استكبرت على من هو مثلك يعني ) ، بالمثل ( عنصريا ) ، أي على من هو عنصري مثلك فلا يكون استكبارك واقعا موقعه ( أم كنت من العالين عن العنصر ) فحري بك أن تستكبر ( ولست كذلك ) يعني من العالين حريا بالاستكبار .
قال رضي الله عنه :  ( ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا . مما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا ) باشره الحق سبحانه بيديه عند خلقه ( من طين فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر ) ملكا كان أو غيره ( من غير مباشرة ) باليدين المضافتين إليه سبحانه بيد واحدة .
قال رضي الله عنه :  ( فالإنسان في الرتبة ) ، أي رتبة الفضيلة والكمال بل في شرف الحال أيضا ( فوق الملائكة الأرضية والسماوية ) أيضا ، لأنهم كلهم عنصريون مخلوقون بيد واحدة فلا لهم شرف حاله ولا مرتبة كماله ( والملائكة العالون خير ) في أم كنت من العالين . والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.
 
قال الشيخ رضي اللّه عنه في فتوحاته المكية :
إني رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألته أن الإنسان أفضل أم الملائكة ؟
فقال صلى اللّه عليه وسلم : « أما علمت بأن اللّه يقول من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم .
ثم قال عليه السلام : " وكم من ملأ ذكر اللّه فيهم وأنا بين أظهرهم ففرحت بذلك " .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 16 ديسمبر 2019 - 14:20 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 18:01 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثامنة عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النّفس الإلهيّ فليعرف العالم .  فإنّه من عرف نفسه فقد عرف ربّه الّذي ظهر فيه أي العالم ظهر في نفس الرّحمن الّذي نفّس اللّه تعالى به عن الأسماء الإلهيّة ما تجده من عدم ظهور آثارها ، فامتنّ على نفسه بما أوجده في نفسه . فأوّل أثر للنّفس الرحماني إنّما كان في ذلك الجناب ثمّ لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد)

قال رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس) بفتح الفاء (الإلهي فليعرف العالم) بفتح اللام ، لأنه مقتضى ذلك النفس والنفس حامل له كما أن المتأوّه من أمر إذا تنفس الصعداء كان نفسه متضمنا صورة المعنى الذي في قلبه فإنه ، أي الشأن من عرف نفسه بسكون الفاء ما هي في الوجود الظاهر (فقد عرف ربه) ، أي خالقه الذي ظهر هو فيه سبحانه.

قال رضي الله عنه :  (. أي العالم ظهر في نفس) بفتح الفاء الرحمن الذي نفّس بتشديد الفاء ، أي فرج اللّه تعالى به ، أي بذلك النفس عن حضرة الأسماء الإلهية ما تجده تلك الأسماء من عدم ظهور آثارها المتوجهة من الأزل على إظهار تلك الآثار بظهور متعلق بنفس آثارها على حسب ترتيبها المستعدة به لقبول فيض التجلي الدائم .

قال رضي الله عنه :  (فامتن) سبحانه على نفسه بفتح الفاء بما أوجده سبحانه من العوالم المختلفة على طبق ما في علمه في نفسه بفتح الفاء فأوّل أثر كان للنفس الإلهي إنما كان في ذلك الجناب أي في حضرة الأسماء الإلهية بالتنفيس عما تجده من ذلك الأمر المذكور ثم لم يزل الأمر الإلهي ينزل شيئا فشيئا بتنفيس الغموم ، وتفريج الغيوم إلى آخر ما وجد من آثار الحي القيوم

 شعر :
(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس  )
(فالكل) ، أي جميع الموجودات الحادثة من محسوسات ومعقولات
وموهومات (في عين )، أي ذات النفس بفتح الفاء وهو النفس الرحماني المذكور كالضوء الظاهر آخر الليل في ذات الغلس ، أي نفس الغلس وهو الظلمة بعد طلوع الفجر قبل أن ينتشر الضوء جدا ، فإن ذلك الضوء يظهر في تلك الظلمة التي هي بقية ظلمة الليل شيئا فشيئا حتى ينتشر ويملأ الوجود وتختفي الظلمة فيه .

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
(والعلم ) باللّه تعالى (بالبرهان) العقلي حاصل في وقت سلخ النهار ،أي تمييزه وانفصاله عن ظلمة الليل كالجلد ينسلخ عن الشاة فينفصل منها.
قال تعالى :" وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ" [ يس : 37 ] لمن نعس ، أي غفل عن الأمر على ما هو عليه لاعتماده على نظره العقلي ، فإنه داخل في عين النفس الإلهي قائم به وهو برهانه ذلك من غير شعور منه .

(فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس)
فيرى ، أي يرى صاحب العلم بالبرهان وهو الناعس من الغفلة الأمر الذي قد قلته من الكلام في قيام العوالم كلها بالنفس الرحماني ، ولكن رؤيا منام لا رؤيا يقظة ، لأنه لم يمت بالموت الاختياري من توهم القيام بنفسه والنظر بعقله وحسه . قال عليه السلام : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ".
وقال عليه السلام : "  المؤمنون ينظرون بنور اللّه "  تدل تلك الرؤيا المنامية التي يراها في نوم غفلته عينها على معرفته بهذا النفس الرحماني وقيام العوالم به ، ولكن معرفته مطموسة بالغفلة والغرور واللهو واللعب .
قال تعالى :" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[ العنكبوت : 61 ] ، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ، وقال تعالى :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ( 63 )" [ العنكبوت : 63 ] .

وقال تعالى : " قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 84 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ( 85 ) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 86 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ ( 87 ) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ( 88 )" [ المؤمنون : 84 - 88 ] .

(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
(فيريحه) ، أي الذي قلته ، أو النفس يريح صاحب البرهان الغافل من كل غم هو فيه من إشكال حاصل له في حال تلاوته قوله تعالى :عَبَسَ وَتَوَلَّى ( 1 ) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ( 2 ) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ( 3 ) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى( 4 ) [ عبس : 1 - 4 ] الآية نزلت في النبي صلى اللّه عليه وسلم لما طمع في إيمان بعض المشركين ، فكان يلين لهم الكلام .
فدخل ابن أم مكتوم وكان أعمى ، فعبس صلى اللّه عليه وسلم منه وأعرض عنه لاشتغاله بما هو فيه من الأهم ، فأنزل اللّه تعالى عليه ذلك يعاتبه في حق المؤمن به كما عاتبه تعالى في حق الأنصار ، ومن عرف ظهور الصور في النفس الرحماني لم يشكل شيئا من ذلك ، فيستريح من كل إشكال في الدين مطلقا .


(ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
(ولقد تجلى) ، أي انكشف النفس الرحماني المذكور الذي قد جاء في طلب القبس وهو الشعلة من النار ، وذلك أن موسى عليه السلام لما قال لأهله :امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً[ طه : 10 ] ،


(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
(فرآه) ، أي النفس الرحماني (نارا وهو نور) ظاهر في صور الملوك ملوك الدنيا والآخرة وهم العارفون ، أو ملوك الدنيا فقط وهم كبارها وفي صور العسس ، أي الخدام وهم السالكون السائرون في ليل نفوسهم على تهذيب أخلاقها وخدمة ملوك الدنيا ، أو هم الرعايا ، يعني يعم الكلام للعالي والدون من الناس ، يعني أن النفس الرحماني واحد في صورة كل شيء ، وهو نور حق على ما هو عليه وإن اختلفت عليه الصور فاختلفت الأحكام لاختلاف الصور .

(فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس)
(فإذا فهمت) يا أيها الإنسان السالك (مقالتي) هذه في شأن هذا النفس الإلهي الظاهر لموسى عليه السلام في صورة النار مع أنه نور في نفس الأمر ، لأنه كان طالبا للنار فظهر له في صورة حاجته الذي هو طالب لها .
تعلم أنت بطريق الذوق حيث ظهر في صورة كل شيء ظهر لك (بأنك مقتبس) ، أي مفتقر إلى صورها ظهر لك بها وإن لم تعلم حقيقة ذلك .
قال تعالى : " وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" [ البقرة : 216 ] .

(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
(لو كان) ، أي موسى عليه السلام (يطلب غير ذا) ، أي غير القبس من النار (لرآه) ، أي النفس الإلهي ظاهرا له (فيه) ، أي في ذلك الغير من كل ما هو محتاج إليه (وما نكس) ، أي انقلب عما رآه من ذلك .
 

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي ) بحقيقته ( فليعرف العالم ) الذي هو صورته وإنما توقف معرفة النفس الإلهي إلى معرفة العالم ( فإنه ) أي لأنه ( من عرف نفسه ) وهو جزء من العالم ( فقد عرف ربه ) فإن نفسه تفصيل وتعريف لربه فمن عرفها عرفه.

ولما يوهم قوله ( الذي ظهر فيه ) صفة للرب فسره ليعلم ابتداء أنه صفة للعالم لا للرب فقال : ( أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس اللّه به ) أي بسبب الرحمن ( عن الأسماء الإلهية ) قوله : ( ما ) مفعول نفس ( تجده ) ضمير الفاعل عائد إلى الأسماء ( من عدم ظهور آثارها ) متعلق بتجد بيان لما والذي تجده من عدم ظهور آثارها هو الكرب ( بظهور آثارها ) متعلق بنفس أي نفس اللّه عن الأسماء الكرب بسبب ظهور آثارها .

أي أزال عنها الكرب بسبب إظهار كمالاتها التي في كونها ولو بقي آثارها في بطونها ولم تظهر في أوقاتها لزم الكرب للأسماء فأظهرها اللّه في أوقاتها لئلا يلزم الكرب لأن الكرب يحصل ثم أزاله اللّه بتنفيسه عن الأسماء فإن هذا محال في حق اللّه وحق الأسماء.

 قال رضي الله عنه :  ( فامتنّ على نفسه ) بقوله الحمد للَّه ( بما أوجده ) أي بالذي أوجده من صور الأعيان ( في نفسه ) بفتح الفاء متعلق بأوجد ( فأول أثر كان ) أي حصل ( للنفس ) أي من النفس الرحماني ( إنما كان في ذلك الجناب الإلهي ) أي عن الحضرة الاسم اللّه الجامع ( ثم لم يزل الأمر يتنزل بتنفيس الغموم إلى آخر ما وجد ) .

شعر :
(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس )
( فالكل ) أي ظهور العالم كله ( في عين النفس ) الرحماني ( كالضوء ) أي كظهور الضوء بدون الشمس ( في ذات الغلس ) أي في آخر ظلمة الليل فكما أن الليل والنهار لا يظهر أحدهما بدون الآخر كذلك لا يظهر كل واحد من النفس الرحماني والعالم بدون أحدهما .

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس  )
( والعلم ) أي العلم الحاصل ( بالبرهان في سلخ النهار ) أي في آخره ( لمن نعس ) أي لمن نام ولم يتحصل علم ما قلته بالكشف العياني قبل سلخ النهار فقوله لمن يتعلق بالعلم وفي سلخ النهار كذلك .

( فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس )
( فيرى ) الناعس ( الذي ) مفعول يرى ( قد قلته ) من تحقيق أنفس الرحماني والعالم ( رؤيا ) مفعول ثان ليرى ( تدل على النفس ) صفة للرؤيا .

(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس» )
( فيريحه ) أي يريح هذا العلم الناعس ( من كل غم ) أي من كل جهل حاصل ( في تلاوته ) .
أي في فكره ( عبس ) أي كأنه تلا بلسان الحال "عَبَسَ وَتَوَلَّى" حيث كانت نفسه في ضيق الجهل وعبوس الفكر .
لكن هذا العلم لا يجديه نفعا لأنه تعبير واستدلال بنظر العقل فلا يستلزم علم حقيقته ما يراه فهذه الأبيات في حق من طلب العلم بنظر عقلي لا من طلب بالكشف والبرهان وأما الذي طلب بطريق التجلي والكشف فحصل مطلوبه . فهو الذي قال في حقه

 ( ولقد تجلى للذي ....  قد جاء في طلب القبس )
شبه السالكين بحال موسى عليه السلام في حصول مطلوبهم فكما تجلى اللّه لموسى عليه السلام في طلب القبس من النار ، كذلك تجلى اللّه للسالكين الذين جاءوا في طلب القبس من النور فنفع علمهم لحصوله في وقته .

(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
( فرآه ) أي رأى موسى عليه السلام الحق ( نارا ) وهي صورة مطلوبة ( وهو نور في الملوك ) وهم الذين خلصوا عن ظلمة الطبيعة  وملكوا نور الحق فلا دليل عندهم والعالم كله نهار عندهم .

( وفي العسس ) وهم السالكون الذين لم يصلوا درجة التحقيق ولم يخلصوا عن ظلمة طبيعتهم وهم يتصرفون في ظلمة طبيعتهم بالنور الإلهي كما يتصرف العسس في ظلمة الليالي بالنار فكما أن العسس تابع في التصرف بالملوك كذلك السالكون المتوسطون تابعون في تصرف طبيعتهم الظلمانية بالكمل والمرشدين هم ملوك الطريقة وسلاطين الحقيقة.

( فإذا فهمت مقالتي   ..... تعلم بأنك مبتئس )
"مبتئس" أي فقير ليس لك شيء من العلم بالحقائق فدعوتك غني بالعلم كدعوة الفقير غني بالمال .
وهذا دعوة من الشيخ رضي اللّه عنه في تحصيل العلم من طريق العقل إلى طريق الكشف .

(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
( لو كان ) موسى عليه السلام ( يطلب غير ذا ) أي غير النار ( لرآه ) أي لرأى الحق ( فيه ) أي مطلوبة أي مطلوب كان ( وما نكس ) الحق في إعطاء مطلوب كل طالب إذا توجه إليه فتجلى له الحق في صورة مطلوبه وهو منزه عن الصورة والصورة تنشأ عن بصر الرائي.
ولما فرغ عن بيان الحقيقة العيسوية وما يتعلق بها شرع في بيان حكمته وتحقيق الآيات الواردة في حقه عليه السلام .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)

 
قوله رضي الله عنه  : 
فالكل في عين النفس   …… كالضوء في ذات الغلس
يعني حضرة الحق وحضرة الخلق كلها في ذات النفس، وعنده أن النفس هو من الحق تعالى وهو ضوء، وحضرة الإمكان التي هي الخلق جعلها كالغلس .
هذا ما هو ذوق التوحيد، لأن الضوء هو وجود وهو يوجد فإن نسبته إلى أنه ضوء والإمكان غلس.
فالإمكان ما ينتفي بالنور وجعل البرهان انسلاخ النهار، لأنه جعل الضوء کاقبال النهار وجعل الإمكان انسلاخ النهار فكما أن اقبال النهار يعطي ظهور الضوء، وانسلاخه يعطي عدمها.


(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
ويعني بقوله: لمن نعس، يعني ألا ترى انسلاخ النهار كيف يعطي النوم وهو إشارة إلى العدم.


(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
وأما قوله: في تلاوته عبس، فهو إشارة إلى قوله تعالى: "أو يذكر فتنفعه الذكرى" (عبس: 4) .
يعني فإذا تذكر كيف الأمر استراح، لأنه يشهد سر القدر وقد تقدم كيف يستريح بذلك.


(ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
قوله: ولقد تجلى، يعني موسی فرآها نارا وهي نور وأراد بالمبتئس الفقير
 

(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس )
قوله: لو كان يطلب غیر ذا، لوجده في ذاته.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)

قال رضي الله عنه : ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي ، فليعرف العالم ، فإنّ من عرف نفسه عرف ربّه الذي ظهر فيه : أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفّس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها فامتنّ على نفسه ) .
يعني: على أسمائه ونسبه وشئونه الذاتية ، فإنّها فيه عينه لا غيره ، فامتنّ عليها .

قال رضي الله عنه : ( بما أوجده في نفسه ، فأوّل أثر كان للنفس إنّما كان في ذلك الجناب ، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس الهموم إلى آخر ما وجد ) .
قال العبد : هذه المباحث ذكرت مرارا ، فلا حاجة إلى الإعادة .

قال رضي الله عنه :
(فالكلّ في عين النفس   .... كالضوء في ذات الغلس)
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ صور الأسماء الإلهية والحقائق الوجوبية وصور الممكنات والحقائق الكونية المربوبية في عين النفس كالضوء في المادّة المشتعلة بالنور ، فالربّ بصور جميع الحقائق الربانية الحقّية في عماء الربّ في أعلى النفس والخلق ، وكذلك تصوّر جميع الحقائق الخلقية منها في عماء الكون من هذا النفس ، فتذكَّر .

قال رضي الله عنه :
(والعلم بالبرهان في  .... سلخ النهار لمن نعس )
(فيرى الذي قد قلته   ...... رؤيا تدلّ على النفس)

يشير إلى أنّ العلم بالنفس وما ذكرت من لوازمه لا ينال إلَّا بالكشف .
وأمّا البرهان الفكري - بتركيب المقدّمات واستنتاج النتائج منها والاستدلال بذلك على المطالب - فليس إلَّا لمن سلخ نهار الكشف عن يوم عمره ، فهو في ليل الحجاب والغفلة نائم عن التجلَّي الوجودي والنهار الكشفي الشهودي والفيض الدائم النوري الجودي ، تهبّ عليه مع الأنفاس فوائح روائح الأنفاس ، وهو لا يهبّ من النعاس ، يعتبر في تعبير رؤياه في المنام ، حقائق ما قلت ممّا يدلّ على النفس عند الكاشف العلَّام ، أنّها أضغاث أحلام .

قال رضي الله عنه :
(فيريحه عن كلّ  ..... كرب في تلاوته عبس) 
يشير إلى أنّ الذي تذكَّره ويذكره إن هو تفكَّر فيه فتدبّره يريحه عن كلّ كرب وضيق يجده في ظلمة حجابه بما أكشف له وأشهده وألقّنه على وجهه سرّ " وُجُوه ٌ يَوْمَئِذٍ ( مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ ) مُسْتَبْشِرَةٌ " بعد عبوسه في تلاوة " عَبَسَ وَتَوَلَّى " حال جهله بمن هو دائما كان عليه يتجلَّى .
 
قال رضي الله عنه  :
( ولقد تجلَّى للذي  ..... قد جاء في طلب القبس)
يعني : طالما انجلى هذا السرّ الخفيّ لمن طلب الحق الجليّ ، كما ظهر لموسى بن عمران لمّا كان مجدّا في طلب الجذوة ، فرآه رأي العيان .

قال رضي الله عنه :
(فرآه نارا وهو نور  .... في الملوك وفي العسس)
يعني : تجلَّى له نور وجهه في مثال النار على صورة الشجرة ، فظنّه نارا وكان نورا هو نور الأنوار ، فلم يعبّر رؤياه ولم يعبر عن صورة مطلبه الطبيعي إلى حقيقة ما رآه ، فلو عبّر ، وعبر ، واعتبر الحقيقة ، واستبصر ، لعلم أنّه النور الحق المتجلَّي في الملوك والشرفاء العلويّين والعمّال في أدنى الأعمال الليلية الحجابية السفليّين ، فإنّ ظهوره بحسب القوابل ، وإلَّا فهو هو في الأواخر والأوائل .


قال رضي الله عنه  :
( فإذا عرفت مقالتي ....   تعلم بأنّك مبتئس )
إذا فهمت ما قلت ، فهمت فيما نلت ممّا أعطيتك ، ونلت أنّك في طلب أمر سواه فقير مبتئس ، ومغبون ، سحر ، مفلس " كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُه ُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَه ُ لَمْ يَجِدْه ُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِنْدَه ُ " حاضرا لم يزل ، وبدا له من الله ما لم يحتسب ولم يتخيّل .

 
قال رضي الله عنه :
(لو كان يطلب غير ذا  .... لرآه فيه وما نكس )
يعني : أنّ موسى ما طلب غير النار ، فلمّا بلغ غاية طاقته في الجهد والطلب ، تجلَّى له الحق في صورة مطلوبه ، ولو طلب غير ذلك ، لرآه في ذلك الآخر ، وأنت أيضا حيث تطلب أمرا سواه ، فاعلم أنّك محجوب ، فمطلوبك في زعمك ومبلغ علمك ، فمحتجب عنك بصورة مطلبك الله ، فطوبى لمن لم تتعلَّق همّته بغير مولاه ، ولم يطلب طول عمره إلَّا إيّاه .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم ، فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه ، أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله تعالى به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها ، فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه ، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب ، ثم لم يزل الأمر يتنزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد ) .
إنما علق معرفة النفس الإلهي بمعرفة العالم ، لأن العالم ليس إلا ظهور صور الأعيان ، وذلك الظهور هو النفس ، وعلل التعليق بالحديث المذكور لأن الإنسان هو العالم الصغير ، والعالم هو الإنسان الكبير .

فلما بان من عرف نفسه عرف أن ربه هو الذي ظهر فيه ، فكذلك عرف أن الذي ظهر في نفس الرحمن من العالم هو الأسماء الإلهية التي نفس الله تعالى بنفسه عنها كربها الذي تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها في صور العالم في النفس ، فامتن على نفسه أولا بما أوجده في نفسه من صور أسمائه فإن الأسماء عين ذاته .
فالامتنان عليها بظهور آثارها امتنان منه على نفسه بنفسه ، فأول أثر كان للنفس إنما كان في الجناب الإلهي بإظهار أسمائه وآثارها لم يزل ينزل الأمر من ظهور الأسماء ثم الآثار بل الأسماء بالآثار إلى آخر ما وجد ، ولا آخر لظهور الأسماء بالآثار والآثار بالأسماء إلى ما لا يتناهى و « ما » في ما تجده موصولة منصوبة المحل بنفس :

قال الشيخ رضي الله عنه :  (
( فالكل في عين النفس   .... كالضوء في ذات الغلس )
الغلس : ظلمة آخر الليل : أي صور الأسماء الإلهية والأكوان والآثار والأعيان الظاهرة في عماد النفس كالضوء الفاشي في ظلمة آخر الليل ، فإن الضوء يظهر دون الغلس فكذلك يظهر الأسماء وآثارها أي صورها دون النفس ، فإن النفس ما هو إلا هو ظهور هذه الأشياء :
( والعلم بالبرهان في   .... سلخ النهار لمن نعس )
(فيرى الذي قد قلته      ..... رؤيا تدل على النفس )
يعنى أن العلم بالنفس وما ذكر من لوازمه لا ينال إلا بالكشف ، وأما العلم به من طريق البرهان بتركيب المقدمات واستنتاج النتائج فهو من نعس في وقت سلخ ضوء نهار الكشف عن ظلمة ليل الغفلة ، فيرى رؤيا يعبرها ما قبله من النفس ، ولوازمه عند أهل الكشف يشبه العلم الفكري من وراء حجاب بالرؤيا التي تدل على التعبير على المعنى المكشوف بالتجلي :
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 5 ديسمبر 2019 - 18:04 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 18:02 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثامنة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الثامنة عشر : -    الجزء الثانية
تابع شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
عند أهل الكشف يشبه العلم الفكري من وراء حجاب بالرؤيا التي تدل على التعبير على المعنى المكشوف بالتجلي :
( فيريحه عن كل كرب  .... في تلاوته عبس )
أي فيريحه العلم الحاصل بالبرهان عن كل كرب وضيق وعبوس يجده في حال حجابه وتفكره فيه أرواحه ، يظهر بها على وجهه سر قوله – " وُجُوه يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ - ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ " - بعد عبوسه في تلاوته – " عَبَسَ وتَوَلَّى " - عند احتجابه :

( ولقد تجلى للذي     ..... قد جاء في طلب القبس )
يعنى أن العلم البرهاني قد يفيد سرور الوجدان من وراء حجاب ، وأما طالب الكشف فقد يتجلى له جلية الحق دائما ، كمن جاء في طلب القبس مجدا في طلبه فتجلى له حقيقة هذا السر الخفي عيانا يعنى موسى بن عمران :

( فرآه نارا وهو نور  ..... في الملوك وفي العسس )
أي تجلى له نور وجهه في مثل النار على شجرة نفسه ، وكان نور الأنوار نور الحق المتجلى في إكمال الواصلين السابقين الذين هم ملوك أهل الجنة .
والعمال في الأعمال الحجابية من السعداء والأبرار ، فإن ظهور نوره وتجليه في الشريف الرفيع العلوي .
كظهوره في الدنىء الوضيع السفلى ، والتفاوت في المراتب بالكمال والنقصان إنما يكون بحسب القوابل وإلا فهو في الأوائل والأواخر والحقيقة واحدة :

( فإذا فهمت مقالتي   .... فاعلم بأنك مبتئس )
وفي بعض النسخ : يعلم بحمل إذا على إن كان فإن فهمت ،
وفي نسخة : عرفت ، أي إن فهمت ما قلت لك فاعلم بأنك في وقوفك خلف الحجاب أو طالب أمر سواه فقير مفلس .

( لو كان يطلب غير ذا  .... لرآه فيه وما نكس )
أي لو طلب موسى غير النار لرأى الله في صورته ، يعنى لما بلغ غاية جهده وطاقته في الطلب تجلى له الحق في صورة مطلوبه الجسماني الضروري .
وأنت أيضا لو لم تتعلق همتك بغير الحق وغلبت محبتك إياه على محبة الكل عليك لرأيته في صورة ما أهمك .
ولو طلبت غيره وأجلته فأنت محجوب عن الحق بمطلوبك ، فطوبى لمن لم يتعلق بقلبه غير حب مولاه ،ولا يطلب في قصد طول عمره إلا إياه.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي ، فليعرف العالم ) لأن العالم صورته ، فإذا عرفت العالم بحقيقته ، عرف النفس الإلهي ونفسك أيضا .
( فإنه من عرف نفسه ، فقد عرف ربه ) لأن نفسه صورة ربه ومظهره ، فمن عرف نفسه معرفة تامة ، عرف ربه الذي ظهر فيه ضرورة .

قال رضي الله عنه :  ( الذي ظهر فيه ، أي ، العالم ظهر في النفس الرحماني الذي نفس الله تعالى به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها . فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه .)

قوله : ( الذي ظهر فيه ) صفة ( للعالم ) وإن كان صالحا أن يكون صفة للرب ، لذلك فسر بقوله : ( أي ، العالم ظهر في النفس الرحماني ) فالحديث اعتراض بين الصفة والموصوف ودليل للحكم .

والمقصود ، أن أعيان العالم هي التي ظهرت على النفس الرحماني ، وبظهورها نفس الله تعالى عن الكرب الذي كان يجده في نفسه ، لأن الأسماء التي هي النسب كانت طالبة لظهورها وأحكامها ، والأعيان الثابتة كانت طالبة لكمالاتها ، فكانت كرب الرحمان ، فبظهورها وظهور آثارها زال ذلك الكرب ، فامتن الله بنفسه على نفسه بما أظهره في نفسه من صور أعيان الموجودات .
ولما كان التنفيس للحق من حيث الأسماء ، لا من حيث الذات الغنية عن العالمين .

قال رضي الله عنه: ( نفس الله ) من الأسماء . و(ما) في (ما تجده) بمعنى (الذي) ،وضمير الفاعل عائد إلى (الأسماء) .
( فأول أثر كان للنفس الرحماني ، إنما كان في ذلك الجناب ، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس الغموم إلى آخر ما وجدا . ) .
أي ، فأول أثر حصل من النفس الرحماني ، كان في الجناب الإلهي ، أي ، أول ما نفس من الاسم ( الله ) ، ثم من باقي الأسماء الكلية ، ك‍ ( الرحمان ) و ( الرحيم ) ، ثم من الأسماء التالية لها إلى أن نفس من الأسماء الجزئية التي يقتضى أعيان الموجودات الشخصية وتوابعها من الجزئيات المضافة إليها والتابعة لها .

وفيه إشارة إلى ما مر في المقدمات من أن أول ما تعين من الأعيان والمهيات في العلم ، عين الإنسان الكامل التي هي المظهر للإسم ( الله ) ، ولكونها جامعا للأسماء له أشد الكرب ، فوجب أن يكون أول التنفيس من جنابه ، ثم من غيره من الحضرات .

(فالكل في عين النفس ...... كالضوء في ذات الغلس )
( الغلس ) ظلمة آخر الليل . إنما شبه حصول جميع الأعيان الموجودة والأكوان الظاهرة والآثار الصادرة منها في عين النفس الرحماني بالضوء الحاصل في ظلمة الليل.
إشارة إلى قول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق الخلق في ظلمة ، ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور ، اهتدى ، ومن أخطأ ، ضل وغوى " .
وفي هذا التشبيه إيماء أيضا إلى كون العالم بأسره أعراضا ، فإن الضوء عرض والنفس عرض ، لأنه عبارة عن انبساط التجلي الوجودي وامتداده وظهوره ، ومعروضه حقيقة الوجود الحقيقي الذي هو الحق المطلق .


(والعلم بالبرهان في   ..... سلخ النهار لمن نعس )
( النعاس ) النوم . ( سلخ ) النهار آخره . أي ، إدراك هذه المعاني إنما هو بالكشف العياني ، لا بالدليل البرهاني ، فمن وجده كشفا وعيانا ، فقد أصاب ، لأنه أدرك الأمر على ما هو عليه ، ومن حصله بالنظر والبرهان من وراء ستور الحجب مع أن شمس الحقيقة طالعة ويوم الكشف الإلهي قد لاح صباحه بوجود العين المحمدي في هذه النشأة الدنياوية وبقى على حجابه إلى سلخ هذا اليوم الذي مقداره ألف سنة ، فهو ناعس في نوم الغفلة .

كما قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( الناس نيام ، فإذا ماتوا ، انتبهوا ) .
( فيرى الذي قد قلته  ...... رؤيا تدل على النفس )
أي ، الناعس المحجوب يرى ما قررته وأشرت إليه من النفس الرحماني وآثاره بنظر عقله ، كما يرى النائم رؤيا تعبيره وجود النفس المذكور .
وإنما شبهه بالرؤيا التي يجب التعبير عنها ، لأن الرائي صورة ما في نومه ، يدرك نفسه معنى ما من وراء حجابية تلك الصورة المتجسدة ، وقد يعلم حقيقة ما يراه وقد لا يعلم ، وكذلك صاحب النظر يحكم بعقله على ما يجد من وراء الحجاب ،وقد يكون على يقين من ربه ، وقد لا يكون.


( فيريحه من كل غم  ..... في تلاوته عبس )
أي ، فيريحه العلم الحاصل بالبرهان عن كل غم وعبوس كان يجده حال عدم إدراكه وحين جهله . فكأنه كان تاليا ( عبس وتولى ) بلسان الحال ، إذ كانت نفسه في عبوس الفكر وضيق الجهل ، ثم زال ذلك عنه بالبرهان الذي حصل له لا بالقال .

( ولقد تجلى للذي  ...... قد جاء في طلب القبس )
أي ، العالم بالبرهان لو اجتهد وطلب من روحه القدسي نورا يرى به الأشياء كما هي ، يحصل له ذلك . كما حصل لمن سافر في ظلمة ليل طبيعته ، وطلب من قواه الروحانية نارا ينور بها بيت قلبه واجتهد في ذلك صادقا وتوجه إلى ربه ، فكشف له الحق وتجلى ، فعلم يقينا مطلوبه .


(فرآه نارا وهو نور   ...... في الملوك وفي العسس)
أي ، أراه نارا ، وهو في الحقيقة نور إلهي متجل به للكمل والأقطاب الذين هم ملوك الطريقة وسلاطين الولاية ، وعلى المتوسطين في السلوك ، الذين لا وصول لهم إلى عين الكمال الحقيقي بحسب مقاماتهم ودرجاتهم في العالم المثالي المطلق والخيال المقيد .
وإنما أطلق عليهم ( العسس ) ، لأنه له السلطنة في ظلمة الليل ، كما لهم التصرف في الوجود مع عدم الوصول إلى مقام الجمع الإلهي .


( فإذا فهمت مقالتي  ...... تعلم بأنك مبتئس )
( المبتئس ) الفقير . و ( إذا ) بمعنى ( إن ) . أي ، إن علمت ، يا عالم بالبرهان ، مقالتي في النفس الرحماني ولوازمه المدركة بالكشف ، تعلم بأنك مبتئس فقير مفلس ، فلا تدعى أنك عالم بالحقائق ، كما لا يليق بالمفلس أن يدعى الغنى ، حتى لا يكون كمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه : ( المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور ) . وفي بعض النسخ : ( فاعلم فإذا بمعناه ) .
وقد يجزم ب‍ ( إذا ) في الشعر ضرورة ، كقول الشاعر :
(وإذا تصبك من الحوادث نكبة فاصبر ، فكل غيابة فستنجلي) فيكون ( تعلم ) مجزوما للضرورة .

(  لو كان يطلب غير ذا  ...... لرآه فيه ومانكس )
أي ، لو طلب موسى ، عليه السلام ، غير النار ، لرأى الحق في صورة مطلوبه كان ما كان ، وما نكس الحق وجهه عن المطلوب الحقيقي لقوة صدقه في الطلب وكثرة توجهه إلى الحق ، فلو طلب ما طلب ، لظهر له الحق فيه وما قلب وجهه عن حضرته . فطوبى لمن لا يتوجه إلا إليه ، ولا يضع رأسه إلا بين يديه .


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
 
قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم ، فإنّه « من عرف نفسه ؛ فقد عرف ربّه » الّذي ظهر فيه أي العالم ظهر في نفس الرّحمن الّذي نفّس اللّه تعالى به عن الأسماء الإلهيّة ما تجده من عدم ظهور آثارها ، فامتنّ على نفسه بما أوجده في نفسه ، فأوّل أثر للنّفس الرحماني إنّما كان في ذلك الجناب ثمّ لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد).

قال رضي الله عنه :  ( فإنه « من عرف نفسه ؛ فقد عرف ربه » الذي ظهر نفسه فيه ) ؛ لأنه إنما يعرف الحق من حيث ما فيه مما يناسب صفاته من الحياة ، والعلم ، والإرداة ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، فيظهر له أن هذه الصفات موجودة في ربه ، فيعرف بذلك ربه والعالم مع النفس الرحماني ( كذلك ) ، أي : العالم ظهر في ( النفس الرحماني ) بعد كمونة في أسماء الحق كونا موجبا فيها ما يشبه الكرب ، فأزاله الحق عنها بهذا النفس ( الذي نفس اللّه به عن الأسماء الإلهية ) ( ما ) كانت ( تجده ) مما يشبه الكرب الحاصل لها ( عن عدم ظهور آثارها ) ، فنفس عنها ( بظهور آثارها ) التي هي الصورة الروحانية والجسمانية.

ثم أشار إلى فائدة هذه المعرفة بأنها مزيلة لأنواع الكرب كلها ، فقال : ( فامتن على نفسه ) أي : ذاته باعتبار أسمائه التي كانت هذه الذات غالبة عليها قبل ظهور هذه الآثار بما ( أوجده في نفسه ) من آثار أسمائه بأن جعل النفس محل ظهور هذه الآثار الموجب كونها ما يشبه الكرب في الأسماء بل في الذات باعتبار عينيتها .

قال رضي الله عنه :  ( فأول أثر كان للنفس الرحماني ) بإزالة الغموم ، ( إنما كان في ذلك الجناب ) ، وإن جل عن قبول الآثار ؛ لتنزهه عن أن يكون محلا للحوادث ، لكن هذا يشبه الأثر بإزالة ما يشبه الكرب الذي في الأسماء ، باعتبار نسبتها إلى هذه الآثار ، فكأنه كان هذا الكرب في الأسماء ، وهي كأنها عين الذات حينئذ ، فكأنه كان الكرب هناك فأزيل عنها .

قال رضي الله عنه :  ( ثم لم يزل الأمر ) أي : أمر النفس الإلهي ( ينزل ) إلى سائر المراتب بتنفيس ( الغموم إلى آخر ما وجد ) ؛ فمنه تأثير نفخ عيسى عليه السّلام من حيث مظهريته لذلك النفس في إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، ومنه بقيات أهل الدعوات والرقى ، ومنه نفس الإنسان المنفس له عما يجد من الحرارة الروحانية في باطنه بإخراجه ، وإدخال الهواء البارد من الخارج ، وإذا كان ظهور

(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس)
( الكل في النفس كضوء ) الكواكب ، وغيرها الظاهر ( في ) الهواء ( ذات الغلس ) ، وهو ظلمة آخر الليل تظهر فيه عدم قيامها به ، وهذا الأمر واضح لأهل الكشف .

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
( والعلم ) بهذا الظهور ، مع عدم قيام الظاهر بالمظهر ( بالبرهان ) ، مع كون هذا المعلوم في الموضوح ( في سلخ النهار ) لدى أهل الكشف إنما يحتاج إليه ( لمن نعس ) أي :
نام ، فإنه لا يرى شيئا في سلخ النهار ؛ فإذا برهن لتمثله


(فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس)
( فيرى الذي قد قلته رؤيا تدل على النفس ) دلالة صور المنام على ما تعبر هي به .
لكن هذه الرؤيا البرهانية إذا رآها


(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
( فيريحه عن كل كرب ) كان يجده في الشدائد ، فيراها من حيث كونها من صور النفس المنفس لها بنفسه من وجه آخر ، فتزول عنه عبوسته التي يقال فيها لأجله : إنه ( في تلاوته عبس ) .

ثم أشار إلى ذلك البرهان ، وهو القياس على ظهور النار لموسى عليه السّلام في جناب الحق مع أنه ليس محلا لصور الحوادث ، بل إنها رؤيت فيه ؛ فهي محررة كصورة الشخص في المرآة ،


(ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
( ولقد تجلى ) أي : الحق بلا خلاف ( الذي ) ( قد جاء في طلب القبس ) ، وهو موسى عليه السّلام ،


(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
(فرآه ) أي : الحق (نارا) بظهور صورة النار فيه ، (وهو نور) ليس بمحل الصورة شيء ، وهذا المعنى معروف (في الملوك) أهل الكشف ، (وفي العسس) علماء الظاهر .


(فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس  )
( فإذا فهمت مقالتي ) ، وعرفت أن الصورة الظاهرة في الحق غير حالة فيه ، بل هي كصور الشخص في المرآة ( تعلم بأنك مبتئس ) فقير ، وإن ظهرت في الحق أو ظهر فيك الحق ، بل غايته أنه قائم بخيال الرأي بتبدل هذه الصور بحسب ذلك حتى أنه :


(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
( لو كان ) موسى عليه السّلام ( يطلب غيرنا ) لقبس ( لرآه ) أي : ذلك غير الحق ( فيه ) ، أي : فالحق صورته ، ( وما نكس ) عن الحق عن عدم رؤية المطلوب ، فهو إنما رأى النار لكونها صورة مطلوبة ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .
ولما فرغ رضي الله عنه عن بيان ما يتعلق بالنفس الإلهي من حيث ظهور الآثار رؤية ، وإن كان بعضها صورا للأسماء الإلهية ، لكن من حيث هي آثاره ؛ شرع في بيانه من حيث هو صورته :


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم ، فإنّه « من عرف نفسه عرف ربه » الذي ظهر فيه ) أي في ربّه ، فإنّ العالم ظاهر والربّ مظهره  .

قال رضي الله عنه :  ( أي العالم ظهر في النفس الرحماني الذي نفّس الله به عن الأسماء الإلهيّة ما تجده ) من الكرب ( من عدم ظهور آثارها ) بظهور أثرها ، ( فامتنّ على نفسه بما أوجده في نفسه ، فأوّل أثر كان للنفس إنّما كان في ذلك الجناب ) بظهور آثار الأسماء الإلهيّة بأعيانها الثابتة
(ثمّ لم يزل الأمر يتنزّل بتنفيس الغموم إلى آخر ما وجد ) وهو الإنسان بمراتبه من مدارج الإيقان ثم أخذ في تفصيله نظما بقوله :


(  الكلّ  في عين النفس   ..... كالضوء في ذات الغلس )
أي ظهور حروف الحقائق الكيانيّة في عين النفس الرحماني كظهور الضوء في مطلع تباشير إصباح الإظهار عند انغمار أشعّة الأضواء المظهرة للأكوان العدميّة المتكثّرة في ظلمة الوحدة الإطلاقيّة الذاتيّة ، فإن « الغلس » هو ظلمة آخر الليل ، وهذا أوّل نهار الإظهار .

كما أنّ العلم بالبرهان في آخر نهاره ، وذلك لأنّه إنّما يتحقّق في اللطيفة الإنسانيّة التي هي آخر أجزاء ذلك النهار ، ونهاية مراتب ظهوره عند إعراضها عن هذه التماثيل الموهمة ومشاعرها المشوّشة ، ذاهلا عن الموادّ الهيولانيّة ، ناعسا عن قواها فإنّ النفس الإنسانيّة حينئذ لا بدّ وأن ترى عند توجّهها إلى مبدئها الفيّاض بالذّات رؤيا تدلّ على ذلك النفس الجامع للكلّ ، وهي المرتبة المسمّاة عندهم بالعقل المستفاد . وإليه أشار بقوله :

( والعلم بالبرهان في   ..... سلخ النهار لمن نعس )
( فيرى الذي قد قلته   ...... رؤيا تدلّ على النفس )
فعلم أنّ البرهان من امّهات صور النفس الرحماني ،فإنّه عليه يترتّب الإيقان المنفّس له عن هموم الظنون والشكوك والجهالات المضلَّة كما قال.

( فيريحه من كل غمّ   .... في تلاوته عبس )
وذلك لأنّ من توجّه تلقاء حضرة الجواد لا يمكن أن يخيب منه الآمال ، ومن استوهب المواهب من الوهّاب بالذات لا بدّ وأن يرجع مقضيّ الحوائج على كلّ حال أما رأيت موسى عليه السّلام لما جدّ في طلب القبس قد ظهر له في صورة مطلوبه الناري معاينا له ، مع أنّه نور لملوك نهار الكشف وعسس ليالي البرهان وغياهب الحجاب كما أشار إليه بقوله :

( ولقد تجلَّى للذي   ..... قد جاء في طلب القبس )
( فرآه نارا - وهو نور  ..... في الملوك وفي العسس )
وإذا فهمت هذه المقالة علمت أنّ الطالب لا بدّ له من إظهار الاحتياج والافتقار ، متشمّرا أذيال التوجّه في مواقف الاستكانة والاضطرار ، فإنّه عليه السّلام لما استجمع فيه شروط الطلب ، لو كان يطلب غير النار لرآه فيه ، وما خاب من سعيه وطلبه كما قال :

( وإذا فهمت مقالتي   ..... تفهم بأنك مبتئس )   أي فقير
( لو كان يطلب غير ذا  ..... لرآه فيه وما نكس )

ما حكاه القرآن من محاورة عيسى عليه السّلام في القيامة
ثمّ إنّه لما بيّن أن شخص الأب الأولى - المعبّر عنه بآدم - له الختم بحسب الوجود من حيث استيعابه أحكام الكثرة الأسمائيّة ، وأحديّة الجمع الذاتيّة ، أخذ يبيّن أنّ الكلمة العيسويّة لها تلك المرتبة بحسب الشهود.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
 
قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها. فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد. )

وإذا كان العالم صورة النفس الإلهي ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه ( التي هي العالم الصغير ( عرف ربه الذي ظهر ) نفسه ( فيه ) ، أي ربه فإن العالم باعتبار ظاهر والرب مظهر وهو باعتبار مراتبه الرب للمربوب ، ولما كان هذا الكلام محتملا لاعتبار مظهرية العالم وظاهر الرب دفعه.
 بقوله : ( أي العالم ظهر في النفس الرحماني).

وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه في نفس الرحمن ( الذي نفس اللّه تعالى به عن الأسماء الإلهية الإلهية ما تجده ) ، أي الكرب الذي تجده الأسماء ( من عدم ظهور آثارها ) وذلك التنفس إنما لا يكون إلا بظهور آثارها .
قال رضي الله عنه :  ( فامتن ) اللّه تعالى ( على نفسه ) فسكون الفاء حين أزال كربه وكرب أسمائه ( بما أوجد في نفسه ) بفتح الفاء من صور أعيان الموجودات التي هي مظاهر الأسماء وآثارها .

قال رضي الله عنه :  ( فأول أثر كان للنفس الرحماني ) وهو التنفيس عن الكروب ( إنما كان في ذلك الجناب ) ، أي في الجناب الإلهي ( ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد ) وهو الإنسان مما يحصل به من التنفيس أكثر مما يحصل بغيره ولكن لا يتناهى ذلك التنفيس . والتنفيس أبد الآباد لعدم انتهاء تجلياته سبحانه دنيا وآخرة .


(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس)
( فالكل ) ، أي الحقائق كلها ( في عين النّفس ) الإلهي ( كالضوء في ذات الغلس ) ، وهو ظلمة آخر الليل والمقصود تشبيه المجموع المركب من الحقائق والنفس بالمجموع الممتزج من الضوء والغلس ووجه الشبه هو أن الضوء بدون الغلس نور صرف لا يمكن إدراكه .
وكذلك الظلمة المحضة لا تدرك والممتزج منها وهو الضياء يتعلق به الإدراك ، وكذلك النفس من غير تقيده بالحقائق لا تدرك لصرافة نوريته والحقائق من غير تلبسها بالنفس لا تدرك
لكونها من هذه الحيثية ظلمة محضة ، والمجموع المركب منهما يتعلق به الإدراك ، فظهر من هذا التقرير أنه ليس المراد من هذا الكلام تشبيه الحقائق بالضوء والنفس بالغلس ليرد أن تشبيه الحقائق بالغلس وتشبيه النفس بالضوء أظهر وإن أمكن أن يتكلف للأول أيضا وجه.

 

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
( والعلم بالبرهان ) الكشفي بأن يكون المعلوم هو البرهان ويحتمل أن يكون معناه والعلم بما ادعيناه من أن الكل في عين النفس ، التنبيه حاصل بسبب البرهان الكشفي عليه ( في . . سلخ النهار ) ، أي في آخر نهار الظهور وهو مرتبة الإنسان لما ورد في الحديث : من أن آدم خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة .
ولكن العلم بذلك البرهان ليس حاصلا لكل إنسان بل ( لمن نعس ) ، أي عطل حواسه الجزئية عن التوجه بمتعلقاتها المتعددة المتكثرة المانعة عن مشاهدة الوحدة وصار أحدي الهم والهمة في التوجه إلى الحق المطلق .
 

(فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس)
( فترى الذي قد قلته ) وهو من نعس فاسم الموصول فاعل يرى ومفعوله ( رؤيا تدل على النفس ) ، أي يرى الناعس عن المحسوسات رؤيا تدله على النفس عن كرب الاحتجاب بها وهذه الرؤيا إنما هي مشاهدة سريان نفس الرحمن في الحقائق كلها وإنما سماها رؤيا لأنها مرتبة في حال النعاس وإن لم يحتج إلى التعبير أو لإمكان أن تكون تلك المشاهدة في صورة مثالية تحتاج إلى التعبير .


(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
( فيريحه ) ، أي يريح العلم بالبرهان الناعس ( من كل غم ) كائن ( في ) وقت ( تلاوته ) سورة ( عبس ) والمراد بتلاوته إياها تحققه بالعبوس المفهوم منها ، ثم استشهد على ما ذكر بقصة موسى عليه السلام .
 (ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
( ولقد تجلى ) الحق سبحانه ( للذي قد جاء في طلب القبس ) التجلي الصوري المثالي


(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
( فرآه نارا في صورة ) مطلق به حال كونه مستعجمعا شرائط التجلي من التوجه التام إلى الحق سبحانه والانقطاع عما سواه ( وهو ) في الحقيقة ( نور ) سار ( في الملوك ) ، أي الكمل الذين هم سلاطين نهار الكشف ( في العسر ) ، أي السالكين السائرين في أمالي ظلمة الاحتجاب .

(فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس  )
( فإذا فهمت ) مضمون ( مقالتي ) هذه وهو أن التجلي في صورة ما يطلبه العبد المتجلى له إنما يقع إذا كان مستجمعا لشرائط التجلي ( تعلم ) أنك في حال الحجاب ( بأنك مبتئس ) فقير فاقد للتجلي لفقدان شرائطه ، وإنما تجلى الحق سبحانه لطلب القبس في صورة لأنه كان أحدي الهم والهمة في طلبها ، فوقع التجلي في صورتها ليكون أوقع في نفسه .


( لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
ولهذا ( لو كان يطلب غير ذا ) القبس ( ليراه ) ، أي الحق المتجلي ( فيه ) ، أي في غير القبس لا في القبس ( وما نكس ) رأسه خجلا من عدم فوزه بذلك التجلي .

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 18:54 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة التاسعة عشر : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا هذه الكلمة العيسويّة لمّا قام لها الحقّ في مقام « حتّى نعلم ويعلم » استفهم عمّا نسب إليها هل هو حقّ أم لا مع علمه الأوّل بهل وقع ذلك الأمر أم لا .
فقال له :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.  فلا بدّ في الأدب من الجواب للمستفهم . لأنّه لمّا تجلّى له في هذا المقام وهذه الصّورة اقتضت الحكمة الجواب في التّفرقة بعين الجمع.   فقال وقدّم التّنزيه سُبْحانَكَ فحدّد بالكاف الّتي تقتضي المواجهة والخطاب .ما يَكُونُ لِيمن حيث أنا لنفسي دون كأَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ أي ما تقتضيه هويّتي ولا ذاتي .إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ لأنك أنت القائل في صورتي ، ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللّسان الّذي أتكلّم به كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ربّه في الخبر الإلهي فقال : « كنت لسانه الّذي يتكلّم به » . 
فجعل هويّته عين لسان المتكلم ؛ ونسب الكلام إلى عبده . ثمّ تمّم العبد الصّالح الجواب بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي.  والمتكلّم الحقّ . ولا أعلم ما فيها فنفى العلم عن هويّة عيسى عليه السّلام من حيث هويّته لا من حيث إنّه قائل وذو أثر .وَلا أَعْلَمُ [ المائدة : 116 ] فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلّا اللّه . ففرّق وجمّع ووحّد وكثّر ، ووسّع وضيّق . )
 
قال رضي الله عنه :  (وأما هذه الكلمة) الإلهية (العيسوية) التي قال تعالى فيها :" وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ" [ النساء : 171 ] (لما قام لها الحق) تعالى (في مقام) : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتّى نعلم الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ" [ محمد : 31 ] .
قرأ القراء السبعة بالنون ، وقرأ أبو بكر شعبة عن عاصم وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين منكم والصابرين ويبلو أخباركم بالياء المثناة التحتية في الثلاثة يعني حتى نعلم أو يعلم هو تعالى من حيث نزوله إلى صورة العارفين به الكاملين بوصف القيومية في ظواهرهم وبواطنهم .
فإن علمهم نزول علمه وباقي صفاتهم وأسمائهم وأنها لهم كذلك استفهمها ، أي العيسوية الحق تعالى عما نسب بالبناء للمفعول ، أي نسب الكافرون إليها من دعوى الإلهية هل هو حق أم لا مع علمه تعالى بعدم وقوع ذلك منه عليه السلام العلم الأوّل الذي له باعتبار ذاته قبل النزول بالقيومية إلى صور الكاملين ، فإن علم الكاملين في هذا النزول الإلهي علمه تعالى أيضا العلم الثاني الترتيبي ، والأوّل هو العلم المجموعي بهل متعلق باستفهامها (وقع ذلك الأمر) وهو دعوى الألوهية أم لا ، أي لم يقع منه .
قال رضي الله عنه :  (فقال) تعالى له ، أي لعيسى عليه السلام (أأنت قلت للناس) ، أي لقومك من بني إسرائيل " اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ" ، أي معبودينم ِنْ دُونِ اللَّهِ، أي مع اللّه تعالى حتى يبقى المعبود ثلاثة .
 
وهذا المذكور مرجع أمر الكافرين ومحط قولهم في التثليث فلا بد في مقام الأدب من الجواب للمستفهم ، أي طلب الفهم ، ولو في التقدير والتنزيل لأنه تعالى لما تجلى ، أي انكشف تعالى له ، أي لعيسى عليه السلام في هذا المقام المذكور وهو النزول بالقيومية إلى الصورة العيسوية من قوله تعالى :أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ[ الرعد : 33 ] .
والتجلي في هذه الصورة اقتضت فيه الحكمة الإلهية الجواب عما وقع السؤال عنه في حال التفرقة بين المتجلي والصورة في مقام الفرق ليكون مخاطبا اسم فاعل ومخاطبا اسم مفعول بعين الجمع بينهما في وحدة الأمر .
 
قال رضي الله عنه :  (فقال) عيسى عليه السلام (وقدم التنزيه )على التشبيه (سبحانك) فسبحان كلمة تنزيه ، أي أنزهك عن ظاهر معنى هذا الاستفهام من حيث أنت ، وعما لا يليق بك فحدد ، أي شبه بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب للحق تعالى وذلك يقتضي امتيازه بالصورة والتعيين عن غيب إطلاقه ما يكون ، أي يليق ويحسن لي ، أي (من حيث أنا لنفسي دونك أن أقول) ، أي قولي فاعل يكون ما ليس لي بحق ، أي ما تقتضيه ، أي تتهيأ له وتستعد لقبوله هويتي ، أي ماهيتي الحادثة ولا ذاتي المخلوقة الثابتة في علمك القديم قبل وجودها ، وبعد هذا الاعتذار إليك مما كذب علي الكافرون إن كنت قلته .
أي ما سبق من دعوى الألوهية فَقَدْ عَلِمْتَهُ[ المائدة : 116 ] فلا يخفى عليك لأنك تكون أنت القائل حينئذ ، لأن لساني ينطق بك وذاتي كلها قائمة بك لك ، فقولي ظهور قولك كما أن ذاتي ظهور ذاتك ، لا قولي قولك وذاتي ذاتك ، كما يظن المشركون .
 
قال رضي الله عنه :  (ومن قال أمرا )، أي كلاما (فقد علم ما قال) خصوصا الذي لا يضل ولا ينسى ومع ذلك أيضا أنت اللسان وهو تشبيه الذي أتكلم به تنزيه لذلك التشبيه ، أي لا اللسان الذي لا يتكلم به وهو القطعة من اللحم في الفم كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ربه تعالى في الخبر الإلهي ، أي الحديث القدسي فقال فيه من جملة ما قال كما سبق ذكره (وكنت لسانه الذي يتكلم به .)
 
قال رضي الله عنه :  (فجعل) الحق تعالى (هويته) ، أي ذاته التي هي الوجود المطلق عين لسان المتكلم من حيث انصباغه بنور الوجود المطلق نظير كل شيء كما قال اللّه تعالى :اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ[ النور : 35 ] ، أي القيوم عليها بوجوده المطلق .
(ونسب) تعالى (الكلام) في هذا الخبر الإلهي إلى عبده لا إليه تعالى بقوله الذي يتكلم به (ثم تمم العبد الصالح) وهو عيسى عليه السلام (الجواب بقوله : )
 
قال رضي الله عنه :  (تعلم) يا أيها الحق المطلق ما في نفسي من حيث إني الحق المقيد بالصورة الصادرة منك والمتكلم بهذا القول هو عيسى عليه السلام باعتبار أنه الحق المقيد المذكور ولا أعلم أنا من حيث أني مجرد هوية وحادثة وصورة حسية ومعنوية ما فيها .
أي في النفس التي هي الحق المقيد بهويتي المذكورة وصورتي المزبورة لأنها حينئذ نفسك.
ولا أعلم ما في نفسك فنفى الحق تعالى العلم عن هوية عيسى عليه السلام ، أي عن ذاته الحادثة وصورته التي هي قيد ذلك الإطلاق من حيث هويته .
أي ماهيته المخلوقة المقيدة لإطلاق القديم بقيوميته عليها لا نفي العلم عنه من حيث إنه ، أي عيسى عليه السلام قائل .
أي متكلم بقوله : تعلم ما في نفسي ، لأنه حينئذ هو الحق المقيد المذكور ولا من حيث إنه ذو أثر كخلق الطير وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فإنه حينئذ هو الحق المقيد أيضا كما ذكرنا .
والحاصل أن الحق تعالى له اعتباران وعيسى عليه السلام له اعتباران أيضا ، والأمر واحد وهو الحق المطلق تقيد بالصورة ، فالاعتباران الأوّلان :
الحق المطلق
والحق المقيد بالصورة .
والاعتباران الآخران :
عيسى عليه السلام من حيث إنه الحق المقيد بالصورة .
ومن حيث إنه نفس الصورة المقيدة للحق ، والمستفهم بقوله :
أأنت قلت للناس هو الحق المطلق في مقام نزوله إلى الحق المقيد بالصورة ؟
استفهم من عيسى عليه السلام من اعتبار كونه نفس الصورة المقيدة للحق حتى يعلم من حيث إنه الحق المقيد بالصورة .
والجواب منه من جهة عيسى عليه السلام من اعتبار كونه نفس الصورة بتكلم عيسى عليه السلام من اعتبار كونه الحق المقيد بالصورة إنك أنت العليم الحكيم فجاء.
 أي المتكلم وهو عيسى عليه السلام من اعتبار أنه الحق المقيد تكلم عنه من حيث إنه نفس الصورة والقيد للحق المطلق بالفصل .
أي ضمير الفصل وهو قوله : أنت ويسمى العماد عند الكوفيين من علماء النحو تأكيدا ، أي على وجه زيادة التأكيد إذ التأكيد حاصل من إن واسمية الجملة للبيان ، أي إظهار مضمون هذه الجملة واعتمادا ، أي على وجه الاعتماد من المتكلم عليه ، أي على البيان المذكور إذ ، أي لأنه لا يعلم الغيب مما ذكر وغيره إلا الله تعالى فقرق .
أي عيسى عليه السلام في جوابه المذكور بينه وبين الحق تعالى بقوله :" سُبْحانَكَ " في ابتداء كلامه وبما بعد ذلك وجمع أيضا بينه وبين الحق تعالى بقوله : إن كنت قلته فقد علمته ، وبما بعده ووحّد الحق تعالى
 
بقوله : إنك أنت وكثر أيضا ذلك الواحد بالصور فاثبت تسبيحا ومسبحا اسم فاعل وهو نفسه ، ومسبحا اسم مفعول وهو الحق تعالى ، وقولا وحكما على ذلك القول بأنه ليس بحق ، وحقا مخلوقا وهو ما تقتضيه الهوية والذات الحادثة ، وأثبت للحق تعالى نفسا وله أيضا نفسا ، وللحق علما وله أيضا علما ووسع بقوله : إن كنت قلته فقد علمته ، وهو توسعة في أن كل ما يقوله العبد أو يفعله ، فهو يعلم الحق تعالى وهو فعل الحق تعالى .
فليقل العبد ما شاء ويفعل ما شاء ، فهو للحق حقيقة ، وله مجازا ونسبته كما قال تعالى :اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ فصلت : 40 ] .
وقال تعالى :قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا( 84 ) [ الإسراء : 84 ] وضيق أيضا بقوله :ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ[ المائدة : 116]
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )
 
فقال رضي الله عنه  : ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها ) أي الكلمة العيسوية في اليوم الآخر ( الحق في مقام حتى نعلم ) بالمتكلم ( ويعلم ) بالغائب ( استفهمها ) أي استفهم الحق كلمة عيسى عليه السلام ( عما نسب إليها ) أي إلى كلمة عيسى عليه السلام وإلى أمها من الألوهية حتى يعلم الحق.
فقال رضي الله عنه  : ( هل هو ) أي المنسوب إليها وهو الألوهية ( حق ) واقع في نفس الأمر ( أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا ) لكنه استفهم ليظهر علمه الأول عن صورة عيسى عليه السلام وإنما لم يقل عما نسب إليهما مع أن الألوهية منسوبة إليهما إذ لا يقع دعوى الألوهية عن المرأة لذلك استفهم عيسى عليه السلام عن الألوهية المنسوبة إلى أمه دون أمه فجمعها في الاستفهام .
 
فقال رضي الله عنه  : ( فقال له ) أي فقال اللّه لعيسى عليه السلام :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ[ المائدة : 116 ] يعني أأنت نسبت الألوهية إليك وأمرت بالناس باتخاذكما آلهين من دون اللّه أم الناس نسبوا الألوهية واتخذوكما آلهين من عند أنفسهم.
( فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم ) أي لا بد في الأدب أن يجيب المستفهم الذي استفهمه جوابا موافقا لسؤاله ( لأنه لما تجلى له ) الحق ( في هذا المقام ) وهو مقام التفرقة وهو ضمير الخطاب ( و ) في ( هذه الصورة ) وهي صورة الاستفهام الإنكاري.
فقال رضي الله عنه  : ( اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ) أي اقتضت الحكمة الجواب الجامع لمقام الفرق والجمع .
 
فقال رضي الله عنه  : ( فقال وقدم التنزيه سبحانك فحدّد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب ) فميز أوّلا بين العبودية والألوهية وهو التفرقة فخاطبه في الجواب كما خاطبه في السؤال ( ما يكون لي من حيث أنا لنفسي ) أي من حيث عبوديتي وآنيتي (دونك ) من دون ربوبيتك وهويتك ( أن أقول ما ليس لي بحق أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي ) فإن مقتضى ذاتي العبودية لا الألوهية فلا أكون أقول ما لا تقتضيه ذاتي .
فقال رضي الله عنه  : ( أن كنت قلته ) أي ما ليس لي بحق وهو الألوهية  (فقد علمته لأنك أنت القائل ) في صورتي ( ومن قال أمرا فقد علم ما قال وأنت اللسان الذي أتكلم به ) والوجود واللسان والقول كله لك وما لي إلا العدم وهذا هو جهة الجمع ( كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تعالى عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال : « كنت لسانه الذي يتكلم به » ) في أنه أخبر عن الأشياء على ما هي عليه فإن العبد إذا تقرب إليه علم الأشياء على ما هي عليه فأخبر عنها فعلمه علم الحق ولسانه لسان الحق .
 
فقال رضي الله عنه  : ( فجعل ) الحق ( هويته ) أي هوية نفسه بقوله كنت لسانه ( عين لسان المتكلم ) لكونه عين المتكلم بحسب الحقيقة ( ونسب الكلام إلى عبده ) بقوله الذي يتكلم به لكونه غير المتكلم بحسب التعين فالمتكلم هو العبد لكنه بالحق يتكلم وهو نتيجة قرب النوافل فجمع التنزيه والتشبيه في كلام واحد .
فقال رضي الله عنه  : ( ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله تعلم ما في نفسي ) من الكمالات والنقائص المستترة بهويتي لأن نفسي بحسب الحقيقة عين نفسك ( والمتكلم ) أي والحال أن المتكلم بهذا القول (الحق ) لكنه بلسان عيسى عليه السلام وهو إشارة إلى نتيجة قرب الفرائض ( ولا أعلم ما فيها فنفى ) الحق بلسان عيسى عليه السلام ( العلم عن هوية عيسى عليه السلام من حيث هويته ) فإنه حينئذ عدم .
 
فقال رضي الله عنه  : ( لا من حيث أنه ) أي لا من حيث أن عيسى عليه السلام ( قائل وذو أثر ) فإنه من هذه الحيثية عين الحق ( أنك أنت علام الغيوب فجاء بالفصل والعماد ) وهو أنت ( تأكيدا للبيان واعتمادا عليه إذ لا يعلم الغيب إلا اللّه ففرق ) عيسى عليه السلام الحق بجعله مخاطبا بقوله سبحانك ( وجمع ) بقوله إن كنت قلته فقد علمته ( ووحد ) وهو لازم للجمع ( وكثر ) وهو لازم للتفرقة ( ووسع ) من حيث سريان هويته جميع الموجودات وهو قوله " تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي" ( وضيق ) باعتبار الظاهر وهو قوله "وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" وأتى كله بالتشديد للمبالغة .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله». فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي. 
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».
فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده. ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر. 
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.  ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق )
 
قوله رضي الله عنه  : وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى يعلم ونعلم، يعني أنه مقام" لعيسى في مقام قوله تعالى: "لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منگم والصابرين (محمد: 31) .
وهو مقام معلوم أي يكون الحق تعالى يعلم الأمر على ما هو عليه ومع ذلك يستفهم عنه لتقوم حجته على العباد بالمعاينة .
فهذا هو المقام الذي عامل به الحق تعالی عیسی علیه السلام، في قوله:"أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"  (المائدة: 116) مع علمه تعالی بما قال.
وقد التزم" عيسى عليه السلام، الأدب في كونه أجاب مع علمه أن الله تعالی عالم بالحال غیر محتاج إلى الجواب.
لكن حيث يسئله فلا بد أن يجيب في التفرقة، لأن السؤال إنما يقع في لسان التفرقة لكونه عليه السلام، يعلم أن التفرقة هي عين الجمع.
لأن السؤال كان مع العلم فالجمع حاصل والذي يقتضيه هويته أنه ليس له من الأمر شيء .
وعلل کونه تعالى يعلم بأنه هو القائل واللسان نفسه .
ولي في هذا المعنى أبيات: 
شهدت نفسك فينا وهي واحدة    ….. كثيرة ذات أوصاف وأسماء
ونحن فيك شهدنا بعد كثرتنا     …… عينا بها اتحد المرآئی والرائي
فأول أنت من قبل الظهور لنا  ……. وآخر عند عود النازح النای
وظاهر في سواد العين أشهده  ….. وباطن في امتیازاتی واخفاء
أنت الملقن سري ما أفوه به   …… أنت نطقي والمصغي لنجواي
وهو قول الشيخ رضي الله عنه: 
وأنت اللسان الذي اتكلم به واستشهد بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما ذكره إلى آخر الحكمة ظاهر.
 


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )
 
قال رضي الله عنه  : ( وأمّا هذه الكلمة العيسوية لمّا قام لها الحق في مقام « حتى نعلم ويعلم » استفهمها عمّا نسب إليها هل هو حق أم لا ؟ مع علمه الأوّل بهل وقع ذلك الأمر أم لا ؟
فقال له : " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " فلا بدّ من الأدب في الجواب للمستفهم ، لأنّه لمّا تجلَّى له في هذا المقام وبهذه الصورة ، اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ، فقال - وقدّم التنزيه - : « سُبْحانَكَ » فحدّد بالكاف الذي يقتضي المواجهة والخطاب ) .
يعني : لمّا تجلَّى الحق لتحقيق العلم المطلق في التعيّن المقيّد - مع أنّ الحقيقة تقتضي الوحدة - فقام بعيسى مقام المخاطبة وثنّى وانفرد ، وكلّ منهما بتعيّنه الاختبار بأنّه هل يعلم مع علمه عمّا يستفهمه ، وهذا معنى قيام الحق له في مقام « حَتَّى نَعْلَمَ » من حيث تعيّننا في مادّة هذا التجلَّى والمادّة العيسوية .
وحتى يعلم هو من كونه هو ، لا من كونه نحن ، فحدّد عيسى بكونه عبدا مخاطبا ، فقال : " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله "  فاقتضت الحكمة العيسوية أن يثبت للتجلَّي بحسبه ، فأفرد الحق أيضا كذلك وحدّده بالكاف في " سُبْحانَكَ " كما أفرده الحق وحدّده في " قُلْتَ " وأجابه في التفرقة بعين الجمع كما خاطبه الحق .
قال : « " ما يَكُونُ لِي " من حيث أنا لنفسي دونك " أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ " .
يعني : من حيث الامتياز والانفراد دونك من حيث التعين ما ليس لي بحق أن أقول مثل هذا ، فليس حقّا للمتعيّن المتقيّد أن يدعو إلى نفسه مطلقا من دون الله بالعبادة .
 
ثمّ قال رضي الله عنه : ( أي ما تقتضيه هويّتي ولا ذاتي ذلك " إِنْ كُنْتُ قُلْتُه ُ فَقَدْ عَلِمْتَه ُ " لأنّك أنت القائل ، ومن قال أمرا ، فقد علم ما قال ، وأنت اللسان الذي أتكلَّم به ، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربّه في الخبر الإلهي . فقال : « كنت لسانه الذي يتكلَّم به » فجعل هويته عين لسان المتكلَّم ونسب الكلام إلى عبده . 
ثم تمّم العبد الصالح الجواب بقوله : " تَعْلَمُ ما في نَفْسِي " والمتكلَّم الحق ، ولا أعلم ما فيها من كونها أنت ، فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنّه قائل وذو أثر ) .
يعني : أنّ القائل والمتكلَّم حق ، لما قدّم أنّ الحق عين لسانه .
 
قال رضي الله عنه  : (" إِنَّكَ أَنْتَ " فجاء بالفصل والعماد ،تأكيدا للبيان واعتمادا عليه أن لا يعلم الغيب إلَّا الله).
يعني : أكَّد المخاطبة بالتفرقة في عين الجمع بالفصل والعماد ، وهو تحقّق الإفراد للحق المطلق من حيث تعيّنه في إطلاقه وفصله عن تعيّنه الشخصي ونسبة العلم كلَّه إلى الله في الإطلاق والتقييد والجمع والفرق ، فإنّه هو علَّام الغيوب .
 
قال رضي الله عنه : « وفرّق وجمع ووحّد وكثّر ووسّع وضيّق » .
يعني بالتفرقة إفراد المخاطب عن المخاطب ، وبالجمع أنّه جعل الله في المادّة العيسوية وفي كل عالم من العالم وفي ذاته مطلقا ، وكثّر من حيث هذا الفرقان ، ووحّد من حيث الجمع ، وضيّق ووسّع كذلك .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )
 
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى نعلم ويعلم ، استفهمها عما نسب إليها هل هو حق أم لا ، مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا ، فقال له : "أأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " - فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم ، لأنه لما تجلى له في هذا المقام وفي هذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ، فقال وقدم التنزيه  " سُبْحانَكَ " فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب ) .
أي لما تجلى للكلمة العيسوية بتحقق العلم المطلق في المتعين المقيد مع أن الحقيقة تقتضي وحدة المطلق والمقيد والمستفهم ، قام لعيسى في مقام الاثنينية المتكلم والخاطب ، وأفرد كل منهما بتعينه ابتلاء له بظهور علمه المطلق في المظهر العيسوى مقيدا بالإضافة وهو مقام حتى نعلم ويعلم ، أي حتى يظهر علمنا فيه ويعلم هو من حيث هو هو ، لا من حيث هو نحن مستفهما إياه عما هو أعلم به منه مما نسب إليه هل هو حق أم لا ؟
 
"" أضاف بالي زادة (لما قام لها ) أي للكلمة العيسوية في اليوم الآخر ( الحق في مقام حتى نعلم ) بالتكلم ( ويعلم ) بالغائب ( استفهمها ) أي استفهم الحق كلمة عيسى  (عما نسب إليها ) أي كلمة عيسى اهـ. بالى زادة
( فقال له ) أي لعيسى ، وإنما لم يستفهم عن أمه مريم إذ لا تقع دعوى الألوهية عن المرأة ( أأنت قلت ) يعنى أأنت نسبت الألوهية إليكما أم الناس نسبوا ( في هذا المقام ) وهو مقام التفرقة وهو ضمير الخطاب ( وفي هذه الصورة ) أي صورة الاستفهام الإنكارى ( فقال ) أي فميز بين العبودية والربوبية وهو التفرقة ، فخاطب في الجواب كما خاطبه في السؤال. اهـ بالى زادة ""
 
ليظهر علمه تعالى في الصورة العيسوية عند إجابته إياه بعين الجمع صورة التفرقة ، فيكون تعين عيسى عينه بعينه تعالى في الصورة العيسوية وعلمها المضاف إليه علمه ، وهذه حكمة الاستفهام مع علمه بأن المستفهم عنه وقع أم لا ؟ لأنه إذا قال له : " أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " - لم يكن لعيسى أن يقدم التنزيه المطلق الدال على نفى التعدد عن الإلهية .
ودعوى الإلهية والغيرية مع رعاية الأدب في التجلي مع الخطاب ، والغيرية بإضافة سبحان إلى الكاف فأفرده بالتنزيه وحدده بالإضافة بحكم تجلى الخطاب في أنت قلت في مقام التجلي في جوابه ، وحدد الحق مجيبا في التفرقة بعين أحدية الجمع .
(" ما يَكُونُ لِي " - من حيث أنا لنفسي دونك – " أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي ")  من حيث أنا متعين  .
 
قال رضي الله عنه :  ("بِحَقٍّ " أي ما يقتضيه هويتى ولا ذاتي " إِنْ كُنْتُ قُلْتُه فَقَدْ عَلِمْتَه " لأنك أنت القائل ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الإلهي فقال: « كنت لسانه الذي يتكلم به » فجعل هويته عين لسان المتكلم ونسب الكلام إلى عبده ، ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله " تَعْلَمُ ما في نَفْسِي "  والمتكلم الحق - " ولا أَعْلَمُ ما " – فيها) من كونها أنت
( ففي العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث أنه قائل وذو أثر ) أي القائل والمتكلم هو الحق
قال رضي الله عنه :  ( إنك أنت ، فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه إذ لا يعلم الغيب إلا الله )
يعنى أدى الخطاب بالتفرقة في عين الجمع بالفصل والعماد تحقيقا لإفراد الحق من حيث تعينه في إطلاقه وفصله عن تعينه الشخصي ، ليكون العلم كله منسوبا إليه في الإطلاق والتقييد والجمع والفرق ، فإنه هو  "عَلَّامُ الْغُيُوبِ " .
 
قال رضي الله عنه :  ( ففرق وجمع ووحد وكثر ووسع وضيق ) أي فرق بإفراد المخالطب وتمييزه عن المخاطب ، وجمع بجعل الحق متعينة في الصورة العيسوية وفي كل شيء من العالم وفي ذاته مطلقا ، ووحد بهذا الجمع من حيث أحديته المطلقة وكثر من حيث هذا الفرقان في المتعينات وضيق بجعله كل واحد من التعين ، ووسع من حيث شموله للكل من حيث هو كل .
 
"" أضاف بالي زادة ( ما يكون لي من حيث أنا لنفسي ) أي من حيث عبوديتى وإنيتى ( دونك ) من دون ربوبيتك وهويتك ( أن أقول ما ليس لي بحق أي ما تقتضيه هويتى ولا ذاتي ) فإن مقتضى ذاتي العبودية لا الألوهية .اهـ بالى زادة
( وأنت اللسان الذي أتكلم به ) والوجود واللسان والقول كله لك ومالي إلا العدم ، وهذا هو جهة الجمع إلى قوله ( ونسب الكلام إلى عبده ) بقوله الذي يتكلم به ، فالمتكلم هو العبد لكنه بالحق يتكلم ، وهو نتيجة قرب النوافل ، فجمع التنزيه والتشبيه في كلام واحد ( ثم تمم العبد الصالح الجواب "تَعْلَمُ ما في نَفْسِي " - ) من الكمالات والنقائص المستترة بهويتي لأن نفسي بحسب الحقيقة عين نفسك وهو إشارة إلى قرب الفرائض اهـ بالى زادة. ""
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 19:11 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة التاسعة عشر : -    الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام " حتى نعلم " ويعلم ، استفهمها عما نسب إليها هل هو حق أم لا ، مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا ؟ ) .
لما تكلم في الإحياء الحسى الجسماني والإحياء المعنوي الروحاني في حكمة الكلمة العيسوية ، شرع في بيان مطلعات ما جاء في كلمته من الآيات .
ومعناه : أن الحق لما قام لها ، أي للكلمة العيسوية في مقام : ( حتى نعلم ويعلم ) الأول بالنون للمتكلم والثاني بالياء للغائب أي في مقام الفرق .
كما قال تعالى :( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) . وقد تقدم بأنه كلمة محققة المعنى ، أي حتى نعلم ما تعطيه ذاته المعينة لنا من أحوالها ويعلم هو ما تعطيه تلك الذات له من حيث تعينها الموجب للفرق بيننا وبينه ، استفهم عن كلمته عما نسب إليها من الألوهية ، هل هو حق ؟ أي ، فهل ذلك المنسوب إليك ثابت في نفس الأمر ، أم لا . وهل وقع منك الأمر به ، أم لا.

قال رضي الله عنه :  ( فقال له : " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " . )
ولما كان الاستفهام بقوله : ( أأنت قلت ) مفيدا معنى قوله : ( حتى نعلم ) ، قال أولا : ( قام لها الحق في مقام "حتى نعلم " )
( فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم ) أي ، يجيبه من مقام التفرقة لا مقام الوحدة ، فإن فيها نوعا من دعوى الألوهية . والأنبياء والأولياء الكمل لا يزالون مختارون مقام العبودية لما فيه من مراعا ت الأدب مع الله .

قال رضي الله عنه :  ( لأنه لما تجلى له في هذا المقام وفي هذه الصورة ، اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع . )
أي ، لأنه تعالى يتجلى في مقام التفرقة ، فاستفهم على صورة الإنكار بقوله : ( أأنت قلت ؟ ) بضمير الخطاب مرتين ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يجب في مقام التفرقة التي هي في عين الجمع . فإن الكمل لا تحجبهم التفرقة عن مقام الجمع ، ولا الجمع عن التفرقة .

قال رضي الله عنه :  ( فقال وقدم التنزيه : ( سبحانك ) . فحدد ب‍ ( الكاف ) التي يقتضى المواجهة والخطاب . )
أي ، نزه الحق أولا عن مقام هو فيه ، وهو العبودية المنعوتة بالإمكان ونقائصه اللازمة له ، وميز بين مقام الألوهية والعبودية - بكاف الخطاب - والمواجهة ، كما خاطبه الحق بضمير الخطاب ، وذلك التنزيه والتميز هو التحديد .
كما مر في ( الفص النوحي ) . لذلك قال : ( فحدد بالكاف ) . (

( ما يكون لي ) من حيث أنا لنفسي دونك ( أن أقول ما ليس له بحق ) . أي ، ما يقتضيه هويتي ولا ذاتي . ) قد مر مرارا أن لكل موجود جهتين : جهة الربوبية وجهة العبودية ، والثاني متحقق بالأول .
فقوله رضي الله عنه  : ( ما يكون لي ) أي ، لنفس من جهة العبودية والأنانية مجردة عن جهة الربوبية والهوية الإلهية أن أقول ما ليس لنفسي بحق ثابت في نفس الأمر .

وقوله : ( أي ، ما يقتضيه هويتي ولا ذاتي . ) ، تفسير لقوله : ( ما يكون لي ) .
ومعناه : ما يقتضيه عيني وهويتي أن يظهر بدعوى الألوهية من حيث نفسها المتعينة ، كالفراعنة ، وإلا ما كانت نبيا ولا من المرسلين .
قال رضي الله عنه :  ( إن كنت قلته فقد علمته ) لأنك أنت القائل في صورتي ، ومن قال أمرا ، فقد علم ما قال .
(وأنت اللسان الذي أتكلم به ) أي ، أنت القائل في صورتي ، وأنت اللسان الذي أتكلم به بحكم أنك متجل في هويتي وعيني ومحل لها بتلك الكمالات ، فهي لك في الحقيقة ، ومالي إلا العدم .
فإن قلت : ذلك تكون أنت القائل ، والقائل لا بد أن يعلم القول الذي صدر منه .
فإن قلت قوله : ( لأنك أنت القائل ) يدل على أن الحق هو المتكلم ، وقوله : ( وأنت اللسان الذي أتكلم به ) تدل على أن العبد هو المتكلم لا الحق ، فبينهما منافاة .
قلت : الأول إشارة إلى نتيجة قرب الفرائض .
والثاني إلى نتيجة قرب النوافل .
وفي الأول ، المتكلم هو الحق بلسان العبد ، وفي الثاني ، المتكلم هو العبد بلسان الحق ، فتغايرت الجهتان .
ولما فسره بما هو مناسب الحديث الرباني ، قال رضي الله عنه : ( كما أخبرنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن ربه في الخبر الإلهي فقال : "كنت لسانه الذي يتكلم به " . فجعل هويته عين لسان المتكلم ونسب الكلام إلى عبده . )

أي ، قال الله في حق عبده : ( فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه . فبي ينطق وبي يبصر وبي يسمع ) . فالمتكلم والسميع والبصير هو العبد ، لكن بالحق .
وذلك لأن هذا المقام ، أي مقام الفناء في الصفات ، مقام نتيجة النوافل لا مقام الفناء في الذات مقام نتيجة الفرائض .

قال رضي الله عنه :  ( ثم ، تمم العبد الصالح الجواب بقوله : " تعلم ما في نفسي " . ) أي ، تعلم ما في نفسي من هويتك وكمالاتك المستترة في هويتي ، وما يخطر في خاطري .
( والمتكلم الحق . ) أي ، والحال أن المتكلم بهذا الكلام هو الحق من مقام تفصيله بلسان عيسى ، عليه السلام . و ( التاء ) للخطاب إلى مقام جمعه ، فهو السامع ، كما أنه هو المتكلم .

قال رضي الله عنه :  ( ولا أعلم ما فيها . فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته ،لا من حيث إنه قائل وذو أثر.) أي ، نفى الحق المتكلم بلسان عيسى العلم عن هوية عيسى حتى لا يكون له العلم بها . وذلك النفي من حيث هويته العدمية ، لا من حيث إنه قائل أو قادر ، فإنه من هذه الحيثية حق لا غيره.

وإنما قال رضي الله عنه : ( ولا أعلم ما فيها ) ولم يقل : ( ما في نفسك ) . كما في القرآن ، تنبيها على أن نفسه عين نفس الحق في الحقيقة ، وإن كانت غيره بالتعين )  . (إنك أنت ) . فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان ، واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلا الله . ) أي ، فقال : ( إنك أنت علام الغيوب ) . فجاء بضمير الفصل والعماد ، وهو ( أنت ) ، تأكيدا للبيان ، وأنه هو علام الغيوب لا غيره . أو تأكيدا لبيان الفرق في عين الجمع ، وتحقيقا لفردانية الحق ووحدانيته ، ليكون هو علام الغيوب جمعا وتفصيلا .

قال رضي الله عنه : ( ففرق وجمع ووحد وكثر ووسع وضيق ) إنما جاء بالتشديد في الكل للمبالغة .
كما يقال ( قطع ) للمبالغة في القطع . ومعناه : فرق بإفراد الحق وجعله مخاطبا ، وجمع بجعله ظاهرا في صورته وصورة كل العالم .
ووحد من حيث ذاته الأحدية ، وكثر من حيث مظاهره التفصيلية . ووسع من حيث شمول هويته
للكل ، وضيق في كل من مظاهره الشخصية ، إذ لا يسعه فيها غيره .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.  «إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )


قال رضي الله عنه :  (وأمّا هذه الكلمة العيسويّة لمّا قام لها الحقّ في مقام « حتّى نعلم ويعلم » استفهم عمّا نسب إليها هل هو حقّ أم لا مع علمه الأوّل بـ هل وقع ذلك الأمر أم لا ، فقال له :"أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ "[ المائدة : 116 ] . فلا بدّ في الأدب من الجواب للمستفهم ؛ لأنّه لمّا تجلّى له في هذا المقام ، وهذه الصّورة اقتضت الحكمة الجواب في التّفرقة بعين الجمع ، فقال وقدّم التّنزيه :سُبْحانَكَ ،فحدّد بالكاف الّتي تقتضي المواجهة والخطاب "ما يَكُونُ لِي أَنْ " من حيث أنا لنفسي دونك "أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ".  أي : ما تقتضيه هويّتي ولا ذاتي ،إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ [ المائدة : 116 ] ؛ لأنك أنت القائل في صورتي ، ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللّسان الّذي أتكلّم به كما أخبرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ربّه في الخبر الإلهي ؛ فقال : « كنت لسانه الّذي يتكلّم به » ، فجعل هويّته عين لسان المتكلّم ، ونسب الكلام إلى عبده ، ثمّ تمّم العبد الصّالح الجواب بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي ،والمتكلّم الحقّ ، ولا أعلم ما فيها فنفى العلم عن هويّة عيسى عليه السّلام من حيث هويّته لا من حيث إنّه قائل وذو أثر ،وَلا أَعْلَمُ[ المائدة : 116 ] ، فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلّا اللّه ، ففرّق وجمّع ووحّد وكثّر ، ووسّع وضيّق).

فقال رضي الله عنه  : ( وأما هذه الكلمة العيسوية ) التي هي صورة النفس الإلهي القائمة بفعله كالأحياء والأموات ( لما قام لها الحق في مقام حتى نعلم ) ، وهو يعلم مقام يشبه الفرق مع الحمى ، وهو أنه ( يعلم ) الحوادث الزمانية بالعلم الأول مع تغير نسبته بأن علم بأنها حصلت في أوقاتها لا قبل ذلك ، فكأنه يتجدد له ذلك العلم مع ثبوت علمه الأول ؛ وذلك لأن للنفس هذا المقام ؛ فإن له التفرقة مثل الآثار مع اجتماعها بالقوة في أسمائها .

قال رضي الله عنه :  ( استفهم عما نسب إليها ) من القول بالتفرقة المحضة مع إبهام تصويرها بصورة الجمع ( هل هو حق ) واقع صدوره منه ( أم لا ) ، وهو الاستفهام ناظر إلى الفرق في المستفهم ( مع علمه الأول ) باعتبار جمعيته ( هل وقع ذلك الأمر أم لا ) ، ( فقال له :أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ المائدة : 116 ] ، فاستفهم بطريق التفرقة مع كونه في مقام الجمع ، ( فلا بدّ في ) مقتضى ( الأدب ) الواجب رعايته في هذا المقام ( من الجواب المستفهم ) من غير أن يقتصر المجيب على قوله : أنت السائل والمجيب ، ولا أن يسكت عنه بالكلية بخلاف مقام الجمع ، فإنه لا أدب فيه ، ولا جواب لعدم تميز العبد هناك ، وأما هنا فلابدّ منهما .

قال رضي الله عنه :  ( لأنه لما تجلى في هذا المقام ) المثبت للعبد وجودا ، وهو الحق ، وفي ( هذه الصورة ) التي هي صورة السائل الطالب للجواب ( اقتضت الحكمة ) الموجبة رعاية مقتضى المقام ( الجواب ) الكامل ( في التفرقة ) قائمة ( بعين الجمع ) ؛ ليناسب الجواب المقام الذي أقام فيه السائل الذي هو الحق ، ( فقال : ) في الجواب المشعر بالتفرقة المحضة في الظاهر مع مقارنتها للجمع في الباطن ، ( وقدّم التّفرقة ) المشعرة بالجمع ؛ ليقارنها به ( سبحانك ) ، ( فحدد ) المنزه في مقام الجمع ( بالكاف ) المشعرة بالتفرقة ؛ لأنها ( التي تقتضي ) التفرقة ؛ لاقتضائها ( المواجهة والخطاب ) ، ولا يتصور أنه من الأمر الواحد من حيث هو واحد ، بل لا بدّ من مغايرة « ما » ، ولو اعتبارية كاعتبار القائلية والسامعية ، فيكون الجمع مقرونا بالتفرقة ؛ليدل بطريق الانعكاس على أن الفرق المذكور بعده مقرون بالجمع.

وهو قوله :ما يَكُونُ لِيإذ ظاهره التفرقة ، ولكنه متضمن للجمع ؛ فلذلك حسن في تفسيره أن يقال : ( من حيث أنا لنفسي دونك ) أي : باعتبار التفرقة المحضة ، وإن تضمنت في الواقع الجمعأَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [ المائدة : 116 ] أي : ثابت .

ولما عم الثابت بالذات وبغير وهو ثابت له بغير ، لكنه إنما يتأتى باعتبار الجمع ، وهو نفاه هاهنا فسره بقوله رضي الله عنه : ( أي : ما تقتضيه هويتي ) أي : شخصيتي ( ولا ذاتي ) التي هي الإنسانية ، فإنهما من حيث هما من التفرقة الصرفة المانعة ثبوت ذلك لهما ، فهو إنما يتصور باعتبار الجمع ، فقال : ( إن كنت قلته ) أي : باعتبار الجمع ، ( فقد علمته ) حتى أنه لو فرض عدم علمك بالحوادث الزمانية ، لوجب أن تعلم هذا ؛ ( لأنك أنت القائل : في صورتي ) بهذا الاعتبار .

قال رضي الله عنه :  ( ومن قال أمرا ؛ فقد علم ما قال ) ، وإن جاز أن يكون من خلق شيئا لا يعلمه لو خلقه بالواسطة على زعم الفلاسفة في الحوادث الزمانية أنها مستندة إلى الحركات السماوية ؛ وذلك لأنه ليس هذا القول الإيجاد الكلام في غير كما تقوله المعتزلة أنه تعالى متكلم بكلام يوجده في جسم آخر .

بل ( أنت اللسان الذي أتكلم به ) بالنظر إلى هذا الجمع ، وإن قورن بالفرق من حيث نسبة اللسان والكلام إليّ ( كما أخبرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ربه ) لا بلسان الحال بل ( في الخبر الإلهي ) الذي سمعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحضرة الجامعة .

( فقال : " كنت لسانه الذي يتكلم به "  ، فجعل هويته باعتبار الجمع عين لسان المتكلم ) ، ويلزمه كون كلامه عينية صورة المرآة لصور الشخص المحاذي لها ، وإن قارن هذا الجمع بالتفرقة إذ ( نسب الكلام إلى عبده ) ، ولكن باعتبار الجمعية لا يكون من قبيل خلق الكلام في محل مغاير أو بواسطة ؛ فيلزمه العلم لا محالة ، فلا وجه لاستفهامه بالنظر إليها .
 

قال رضي الله عنه :  (ثم تمم العبد الصالح يعني : عيسى عليه السّلام الجواب )
 بإلحاق ما يفيد فوائد زائدة من إثبات العلم للّه ، باعتبار استقراره في مقر غيره ، وباعتبار ظهوره في الظهر الجامع ، ونفيه عن عيسى باعتبار هويته المشيرة إلى الفرق ، وإن أخذ مع الجمع ، بل إنه يعلمه باعتبار الجمع فقط ، ولكنه لا يكون علما محيطا بالغيوب ، بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي[ المائدة : 116 ] ، فبتعلم ما فيها من صورة كلامك كيف ( والمتكلم ) باعتبار الجمع سيما في الكلام النفسي ( الحق ولا أعلم ما فيها ) أي : ما في نفسي باعتبار الفرق ، وإن قورن بالجمع حتى صح فيها أنها نفس الحق فأصغت إليه تعالى ، وإنما هي لعيسى نسبت إليه نسبة يد العبد ولسانه إليه .

قال رضي الله عنه :  ( فنفى العلم عن هوية عيسى عليه السّلام ) المشيرة إلى الفرق لا من حيث إنه قائل بذلك القول باعتبار الجمع ، ولا ( من حيث إنه ذو أثر ) بهذا القول في الإحياء والإبراء ، فإنه ليس باعتبار الهوية بل باعتبار الجمع ، إذ لا بدّ للتأثير من كونه صورة الحق ، فلا يمكن نفي العلم من تلك الجهة .
ثم قال :"إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ "[ المائدة : 116 ] ، ( فجاء بالفصل والعماد ) أي : بالضمير المسمى ضمير الفصل عند نحاة البصرة ، وبالعماد عند نحاة الكوفة تأكيدا للبيان ؛ ليدل على أن الإحاطة بالمغيبات في اللّه على سبيل الجزم ، فلا يكون للعبد ، وإن بلغ مقام الجمع أصلا ، وإنما يكون له شيء منه بعد انقشاع التجلي الجمعي ، واعتمادا عليه لا على ما يتوهم من صيرورة العبد حينئذ في حكم الرب في العلم كما صار في التأثير ، وليس كذلك .
 

قال رضي الله عنه :  ( إذ لا يعلم الغيب ) المطلق ( إلا اللّه ) إذ لو علمه العبد ، فإما في حال الجمع ولا بقاء له حينئذ أو بعد ذهابه ، فلا يبقى عنده إلا قدر استعداده ، وإذا فهمت هذا ( ففرق ) عيسى عليه السّلام قوله :ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ[ المائدة : 116 ].
( وجمع ) بقوله :إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ[ المائدة : 116 ] ، ( ووحد ) بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي[ المائدة : 116 ] .
( وكثر ) بقوله :وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ[ المائدة : 116 ] ، (ووسع) بجعله علام الغيوب ، (وضيق) بحصر علم الغيب فيه .
فانظر إلى هذه التّنبئة الرّوحيّة الإلهيّة ما ألطفها وأدقّها أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [ المائدة : 117 ] ، فجاء بالاسم « اللّه » لاختلاف العبّاد في العبادات واختلاف الشّرائع ؛ ولم يخصّ اسما خاصا دون اسم ، بل جاء بالاسم الجامع للكلّ  .

 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر. «إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )


قائلا : ( وأما هذه الكلمة العيسويّة ) تبيينا لقوله تعالى : " إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ " [ 3 / 59 ] .
وذلك لأنّها ( لمّا قام لها الحقّ في مقام « حَتَّى نَعْلَمَ » و « يَعْلَمِ » ) يعني مقام الاختبار المفيد للمختبر تجدّد العلم وحصول الحادث من نوعي العلم - على ما نبّهت إليه آنفا .
مقتبسا من قوله تعالى : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " [ 3 / 142 ] .
ومن قوله : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ " [ 47 / 31 ]
فإنّ هذا المقام كما يفيد اختبار المخاطب يقتضي استخراج ما عليه كلمته ، من الحكم الكاشفة عن الأمر نفسه ، تنبيها للطالبين من الحاضرين ، وتبيينا للمسترشدين من الأمم الآتية ، طريق الحقّ.
وفي صيغة " حَتَّى نَعْلَمَ " وتكراره ما يدلّ على هذا .

(استفهمها عما نسب إليها : « هل هو حقّ أم لا » ؟ مع علمه الأول بـ « هل وقع ذلك الأمر أم لا » ؟
فقال : " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " [ 5 / 116 ]ولا بدّ في الأدب من الجواب للمستفهم )
 تفصّيا عن اختباره وما يتبعه من إظهار الأمر على ما عليه في نفسه .
وذلك ( لأنّه لما تجلَّى له في هذا المقام ) وهو مقام « حتى يعلم ونعلم » ( وهذه الصورة ) يعني صورة اتّخاذه وامّه إلهين والسؤال عنه : ( اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ) الذي هو العبارة الكاشفة عن التوحيد الختمي ، جوابا للصورة المسؤول عنها ، وأداء لما هو مقتضى المقام .

قال رضي الله عنه :  (فـ " قالَ " وقدّم التنزيه - : " سُبْحانَكَ " فحدّد بالكاف الذي يقتضي المواجهة والخطاب ) اللذين إنّما يتحقّقان بالتشبيه ، فأتى بالقرآن الجامع في مطلع كلامه ، ثمّ فصّله بقوله :
قال رضي الله عنه :  ( " ما يَكُونُ لِي " من حيث أنا لنفسي دونك " أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ " أي ما يقتضيه هويّتي ولا ذاتي ) ذلك القول ( " إِنْ كُنْتُ قُلْتُه ُ فَقَدْ عَلِمْتَه ُ " لأنّك أنت القائل ، ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللسان الذي أتكلَّم به ) .

قرب النوافل والفرائض في مكالمة عيسى عليه السّلام
وبيّن أنّ في ظاهر كلامه هذا تدافع ، حيث نسب القول إلى الله والكلام إلى نفسه ، فدفع ذلك التدافع بقوله :
قال رضي الله عنه :  ( كما أخبرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربّه في الخبر الإلهي فقال: « كنت لسانه الذي يتكلم به » فجعل هويّته عين لسان المتكلَّم ، ونسب الكلام إلى عبده).
فظهر أنّه لا تدافع بين أن يكون القائل أعني اللسان عين هويّة الحقّ . وبين أن يكون الكلام للعبد ، كما ورد به الحديث القدسي . وعلم أنّ هذا كلَّه قرب النوافل . وإذ كان مقامه يستوعب القربين .

أشار إلى ذلك بقوله : ( ثمّ تمّم العبد الصالح ) - أي المتقرّب بالنوافل - ( الجواب ) عند مقاربته ومخاطبته بقرب الفرائض ، حيث يكون الحقّ متكلَّما والعبد آلته ( بقوله : " تَعْلَمُ ما في " نَفْسِي " والمتكلَّم الحق " وَلا أَعْلَمُ " ما فيها ) .
ثمّ لما استشعر أن يقال هاهنا : إذا كان المتكلَّم فيها هو الحقّ ، كيف يصدق منه قوله : « لا أعلم ما فيها ؟ » .
قال رضي الله عنه  : ( فنفى العلم عن هويّة عيسى من حيث هويّته ، لا من حيث أنّه قائل وذو أثر ) .
وإذ قد كان هذا القرب يستلزم الاتحاد الذاتي نبّه إليه بقوله : « ولا أعلم ما فيها » - بإيراد الضمير وبإيراد الفصل على الاتّحاد الوصفي ، الدالّ على مبدأ القول المسؤول عنه - واصله بقوله : ( " إِنَّكَ أَنْتَ " ) "عَلَّامُ الْغُيُوبِ " [ 5 / 116 ] .

قال رضي الله عنه  : ( فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلَّا الله ) .
ثمّ إنّه لما بيّن أنّه قد أتى في هذا الجواب بالتفرقة ، التي هو عين الجمع ، أفصح عن ذلك .
بقوله رضي الله عنه  : ( وفرّق وجمع ) - بالتنزيه والخطاب - ( ووحّد وكثّر ) من حيث انتفاء القول عن نفسه وإثباته للسانه الذي هو الحقّ تعالى ( ووسّع وضيّق ) من إثبات علم الحقّ بنفسه وسلبه عنها ، وبيّن أنه حينئذ قد أتى بالمتقابلين في صورة التثليث .
وذلك هو تمام الكثرة كما لا يخفى على الواقف بأساليب علم العدد . فيكون هذا غاية فيما اقتضت الحكمة من أصل الجواب بالتفرقة التي هي عين الجمع .

وإذ قد كان السؤال المذكور إنّما هو عن مصدريّته للقول المذكور وبلاغه إلى الناس - وما سبق منه إنّما يفيد نفي استحقاقيّته من حيث هويّته لذلك القول وأن الذي يستحقّ ذلك من هو ، ثمّ تمم بتحقيق مواطن ذلك المستحقّ وتبيين مبدأ القول المذكور - أعني العلم - ولا دلالة له أصلا على قوله للناس وبلاغه لهم على ما هو مقتضى مقام النبوة .
ومبتنى أصل السؤال - لا بد في الجواب من التعرّض لذلك وأنّ القول المنبّأ به إليهم ما هو ، حتى يتمّ الجواب.

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 5 ديسمبر 2019 - 19:13 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 19:11 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة عشر الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة التاسعة عشر : -    الجزء الثالث
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر. «إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه :  (وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله». فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع،)

قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى نعلم ) بصيغة التكلم ( ويعلم ) بصيغة الغيبة فالأول إشارة إلى قوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ " [ محمد : 31 ]
والثاني : إشارة إلى قوله تعالى :" أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ "  [ آل عمران  : 142].

والمراد بمقام حتى نعلم ويعلم مقام الاختبار المفيد للمخبر تجدد العلم وحصول الحادث من نوع القلم ( استفهمها ) أي الكلمة العيسوية ( عما نسب إليها ) وإلى أمها من الألوهية ليعلم بعلمه الثاني الاختباري ( هل هو حق ) واقع بقوله وأمره ( أم لا مع علمه الأول ) الأزلي ( بهل وقع منذ ذلك الأمر ) ، أي الأمر باتخاذهما إلهين أو القول بالاتخاذ ( أم لا فقال له تعالى :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِولا بد ) [ المائدة : 116 ].

للمخاطب ( في ) مقام ( الأدب من الجواب للمستفهم ) وأنه كان عالما بأنه يعلم ما يجيب به ( لأنه لما تجلى له في هذا المقام ) ، أي في مقام الاختبار ( و ) في ( هذه الصورة ) ، أي صورة السؤال عن قوله : " لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ " على أن مقصود المستفهم إنما هو العلم المتجدد الاختباري لا العلم مطلقا ليحيل العلم عليه فلا جرم .
 

قال رضي الله عنه :  ( اقتضت الحكمة الجواب في ) صورة ( التفرقة ) بين الحق والخلق والتنزيه والتشبيه حيث فرق بين المستفهم والمجيب وأقام كل واحد في مقامه لكن لا بحيث يحجبه ذلك الجواب عن مشاهدة عين الجمع بل إنما وقع ( بعين الجمع ) بين الحق والخلق والتنزيه والتشبيه فشاهد أن الحقيقة واحدة تسمى باعتبار مقام التنزيه حقا وباعتبار مقام التشبيه خلقا .

قال رضي الله عنه :  ( فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي. «إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به». فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده. ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر. )

 
قال رضي الله عنه :  ( وقال ) عيسى عليه السلام ( وقدم التنزيه ) المفهوم من التسبيح ( سبحانك فحدد ) بعدما نزه بالتسبيح حدد ( بالكاف الذي تقتضي المواجهة والخطاب ) اللذان هما يقتضيان التشبيه والتحديد فجمع في هذه الكلمة .
( ثم قال ) عليه السلام (ما يَكُونُ لِيمن حيث أنا ) ملاحظ ( لنفسي ) فقط ( دونك ) ، أي دون أن ألاحظ أن أظهر بصورة نفسي أنت وهذا لسان التفرقة ( أن أقول ما ليس لي بحق أي ما تقتضيه هويتي ) الغيبية وعيسى الثانية ( ولا ذاتي ) الموجودة خارجا .
( إن كنت قلته فقد علمته لأنك أنت القائل في صورتي ) بمقتضى قرب الفرائض ( ومن قال أمرا فقد علم ما قال وأنت اللسان الذي أتكلم به ) بمقتضى قرب النوافل فأنت الفاعل وآلة أيضا وهذا لسان الجمع ( كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الخبر الإلهي ) .

والحديث القدسي الوارد في قرب النوافل ( وقال ) تعالى : ( كنت لسانه الذي يتكلم به فجعل هويته عين لسان المتكلم ونسب الكلام إلى عبده ) كما يقتضيه قرب النوافل ، فإن الفاعل في قرب النوافل إنما هو العبد والحق آلة ، ولما كان مقامه يستوعب القربين.

أشار إلى ذلك بقوله : ( ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله : تعلم ما في نفسي والمتكلم بهذا ) القول ( هو الحق ) كما تقتضيه قرب الفرائض وعيسى عليه السلام آلة للحق في هذا التكلم وكذا المتكلم.
 بقوله رضي الله عنه  : ( ولا أعلم ما فيها ) هو الحق لكن من حيث التعين العيسوي ولما كان المتكلم بقوله : تعلم ما في نفسي هو الحق بكون ضمير المتكلم فيه كناية عن الحق سبحانه فتكون النفس نفسه فيكفي في قوله : ولا أعلم ما فيها إرجاع الضمير المجرور إلى النفس ولا حاجة إلى التصريح كما في القرآن حيث قال : " وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" .
أو المراد : لا أعلم ما في نفسي فكيف أعلم ما في نفسك ( فنفى العلم عن هوية عيسى ) بل عن نفسه ( من حيث هويته لا من حيث أنه ) ، أي عيسى ( قابل وذو أثر ) فإنه من هذه الحيثية هو الحق لا غير.

قال رضي الله عنه :  («إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله. ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )


( قابل وذو أثر ) فإنه من هذه الحيثية هو الحق لا غير ("إِنَّكَ أَنْتَ " عَلَّامُ الْغُيُوبِ ).
( فجاء بالفصل والعماد ) وهما لفظة أنت ( تأكيدا للبيان ) ، أي بيان الحكم أنه هوعَلَّامُ الْغُيُوبِ *على وجه يفيد انحصار المحكوم به فيه .
( واعتمادا عليه ) ، أي على ذلك البيان في إبانة المطلوب وإنما أكد ( لأنه لا يعلم الغيب إلا اللّه ) ، فإذا حكم عليه بأنه يعلم الغيب ينبغي أن يكون على وجه يفيد التأكيد وانحصار ذلك الحكم فيه .
( ففرق ) حيث ميز بين الحق والخلق وخص كلا منهما الحكم ( وجمع ) حيث رد الكل إلى الحق سبحانه وعلى هذا القياس التوحيد والتكثير والتوسعة والتضييق المذكورة .
في قوله : ( ووحد وكثر ووسع وضيق).
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 19:20 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة العشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة العشرون : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ قال متمّما للجواب ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِه ِفنفى أوّلا مشيرا إلى أنّه ما هو ثمّة . ثمّ أوجب القول أدبا مع المستفهم ، ولو لم يفعل كذلك لاتّصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك ، فقال :إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ وأنت المتكلّم على لساني وأنت لساني.  فانظر إلى هذه التّنبئة الرّوحيّة الإلهيّة ما ألطفها وأدقّها أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فجاء بالاسم « اللّه » لاختلاف العبّاد في العبادات واختلاف الشّرائع ؛ ولم يخصّ اسما خاصا دون اسم ، بل جاء بالاسم الجامع للكلّ .
ثمّ قال :رَبِّي وَرَبَّكُمْ ومعلوم أنّ نسبته إلى موجود ما بالرّبوبيّة ليست عين نسبته إلى موجود آخر ، فلذلك فصّل بقوله :رَبِّي وَرَبَّكُمْ بالكنايتين كناية المتكلّم وكناية المخاطب .إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ[ المائدة : 117 ] فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديّته ، إذ لا يؤمر إلّا من يتصوّر منه الامتثال وإن لم يفعل . )
 
ثم قال ، أي عيسى عليه السلام متمما للجواب عن الاستفهام المذكور ما قُلْتُ لَهُمْ، أي للناس إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ [ المائدة : 117 ] فنفى ، أي عيسى عليه السلام من حيث إنه الحق المقيد بالصورة يعني نفى قوله لهم أوّلا ، أي في ابتداء هذا الكلام حال كونه مشيرا بقوله هذا إلى أنه ، أي عيسى عليه السلام من حيث إنه نفس الصورة المقيدة للحق تعالى ما هو ، أي موجود ثم بالفتح ، أي
هناك يعني في حضرة الحق المطلق المستفهم له في حضرة تقيده بالصورة .
 
ثم أوجب ، أي نقض ذلك النفي بإيجاب القول أدبا مع المستفهم الحق فإنه استفهمه عن حضرة نفس الصورة المقيدة للحق حتى ينفي القول عنها مطلقا ، وإنما استفهمه عن حضرة كونه الحق المقيد بالصورة .
 
ولو لم يفعل ، أي عيسى عليه السلام كذلك ، أي ينفي القول عنه من حيثية كونه نفس الصورة ، ويشتبه من حيثية كونه الحق المقيد بالصورة ، يعني ما قلت لهم شيئا من تلقاء نفسي ، أي قولا بنفسي ، وإنما قلت لهم :ما أَمَرْتَنِي بِهِ، أي قولا بأمرك .
 وذلك من حضرة كونه ملكا روحانيا كما قال تعالى عن الملائكةوَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَوالقول عمل اللسان لا تصف عليه السلام بعدم معرفة علم الحقائق وحاشاه من ذلك الاتصاف ، لأنه رسول الحقيقة إلى بني إسرائيل أرسل بها إليهم ليكمل شريعتهم .
 كما أرسل موسى عليه السلام بالشريعة إليهم ، فلما كذبوه وما آمن معه إلا قليل أرسل اللّه تعالى محمدا صلى اللّه عليه وسلم إلى كافة العالمين بالشريعة والحقيقة معا ليظهره على الدين كله وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ[ التوبة : 32 ] .
 
فقال ، أي عيسى عليه السلام :ما قُلْتُ لَهُمْإِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِوأنت المتكلم على لساني وفي المشرب المحمدي الذاتي أنت لساني الذي أتكلم به وهو الإشارة إلى كونه ما قال إلا من كونه الحق المقيد بالصورة فانظر يا أيها السالك إلى هذه التثنية  في قوله :أَمَرْتَنِيفأثبت نفسه مأمورا مع ربه الآمر له الروحية ، أي المنسوبة إلى الروح لأنه روح اللّه الإلهية لأنه عبد اللّه ما ألطفها من حيث اقتضاؤها الآمر والمأمور ، والروح من أمر اللّه تعالى بحكم قوله :وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي[ الإسراء : 85 ] .
 وأمره تعالى كما قال :إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[ النحل : 40 ] ومنه قوله تعالى :إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( 59 ) [ آل عمران : 59 ] .
 
فعيسى عليه السلام روح اللّه وهو من أمر اللّه وهو مأمور اللّه وهو مخلوق اللّه وهو كلمة اللّه وهو قول اللّه وهو عبد اللّه وما أدقها .
أي هذه التثنية أيضا لخفاء معناها عند الكشف عنها في مقام الأرواح الأمريةأَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، أي افعلوا عبادته تعالى يا أيها المكلفون بها .
فجاء ، أي عيسى عليه السلام باسم اللّه دون غيره من الأسماء الإلهية
 (لاختلاف العبّاد) جمع عبد أو بالتشديد جمع عابد في العبادات فكل عبد أو عابد يعبده تعالى بمقدار استطاعته في حضوره في تلك العبادة وبالكيفية المتوجهة عليه منها فيكون أثرا عن تجلي اسم إلهي خاص ولأجل اختلاف الشرائع.
 
 فكل شريعة لأمة من الأمم تكليفا باعتبار ما تقتضيه بحقائقها ، وتستعد له بنفوسها من حضرات الأسماء الإلهية متوجهة على تأثيرها ، كذلك فالأمر من اللّه تعالى لعيسى عليه السلام أن يأمر من لقيهم من الناس تأكيدا للشرائع التي كانت عليها بنو إسرائيل في زمان أنبيائهم ، وحثا لقومه على لزوم أحكامهم وإلزاما لهم بالشريعة المحمدية إن أدركوها في زمانها ، وهذا معنى اختلاف الشرائع في أمر عيسى عليه السلام بالعبادة المختلفة فيها .
 
قال رضي الله عنه :  (ولم يخص) ، أي عيسى عليه السلام اسما خاصا كقوله : اعبدوا الرحمن أو اللطيف أو القدير أو العليم ونحو ذلك دون اسم آخر من تلك الأسماء الإلهية بل جاء بالاسم الجامع للكل وهو اسم اللّه الجامع لجميع أسمائه سبحانه جمعية ذاتية تقتضي انفراد كل اسم بحيطته الخاصة به ، وإن كان كل اسم إلهي جامعا لجميع الأسماء الإلهية أيضا ، ولكنها جمعية صفاتية لا ذاتية ، لأنها تدخل تحت حيطة ذلك الاسم الجامع لها لا تحت حكم الذات بما تقتضيه ثم قال ، أي عيسى عليه السلام رَبِّي وَرَبُّكُمْ[ آل عمران : 51 ] .
 
فكان فصل إجمال أسمائه تعالى المجموعة في الاسم اللّه بظهور الربوبية في كل مربوب ومعلوم أن نسبته تعالى إلى وجود ما ، أي شيء من الأشياء بالربوبية التي اقتضت وصف العبودية في كل شيء ليست عين نسبته سبحانه بالربوبية أيضا إلى موجود آخر غير الأوّل فلذلك فصل مجمل ما في لفظ اللّه من الأسماء الكثيرة بقوله :رَبِّي وَرَبُّكُمْتفصيلا حاصلا بالكنايتين وهما الضميران المتصلان كناية ، أي الضمير المتكلم ، وهو الياء المثناة التحتية في الأوّل وكناية المخاطب وهو الكاف والميم الدالة على جميع المذكور في الثانيإِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِفأثبت ، أي عيسى عليه السلام نفسه مأمورا بأمر اللّه تعالى له .
 
قال رضي الله عنه :  (وليست) نفسه المأمورة ، إذ لا نفس له لأنه روح اللّه ، والروح من أمر اللّه وأمر اللّه تعالى قيوميته على خلقه سوى عبوديته ، أي اتصاف روحه بوصف العبودية للّه تعالى إذ ، أي لأنه لا يؤمر بأمر من الأمور إلا من يتصور منه الامتثال لذلك الأمر وإن لم يفعل ما أمر به لموته قبل وقت المأمور أو امتناعه منه ، وعيسى عليه السلام وإن لم يكن له نفس ففيه قبول وصف العبودية للّه تعالى باعتبار الحقيقة الملكية والصور الآدمية ، ونفسه التي قال عنها :"تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي" هي الحق المقيد
بالصورة كما تقدم ذكره لا نفس الصورة والحق المقيد هو الأمر النازل بالروح والطبيعة ومجموع العناصر .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال ) العبد الصالح ( متمما للجواب ) إذ الجواب يحصل بقوله إن كنت قلته فقد علمته فعدّ ذلك من متمماته ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني فنفى أوّلا ) عن نفسه قولا ( مشيرا إلى أنه ما هو ثمة ) أي إلى أن عيسى عليه السلام ليس هو موجودا في هذا المقام حتى يقول قولا بل الوجود كله اللّه ( ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم ولو لم يفعل كذلك لا تصف ) عيسى عليه السلام ( بعدم العلم بالحقائق وحاشاه من ذلك ) فلو لم يثبت الهوية الإلهية بعد نفيه الهوية العيسوية لكان نفيا مطلقا وليس كذلك بل الأمر الإثبات بعد النفي أو نفي بعد الإثبات فأثبت الهوية الإلهية ( فقال : إلا ما أمرتني به وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني ) فأثبت الهوية الإلهية في ضمن الهوية العيسوية فالقول قول الحق واللسان لسان الحق لكن ظهر في الصورة العيسوية .
قال رضي الله عنه :  ( فانظر إلى هذه التنبئة ) من الأنباء على وزن تفعله ( الروحية الإلهية ) أي فانظر إلى هذا الإخبار الروحي الإلهي ومن التنبي باعتبار السؤال من طرف الحق والجواب من عيسى عليه السلام يعني فانظر إلى هذا السؤال والجواب ( ما ألطفها ) بعبارتها ( وما أدقها ) بإشارتها ( أن اعبدوا اللّه فجاء ) عيسى عليه السلام ما أمر اللّه به  .
 
قال رضي الله عنه :  ( بالاسم اللّه لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع ولم يخص اسما خاصا دون اسم ) ولم يقل أن اعبدوا الرحمن أو غيره من الأسماء الخاصة .
( بل جاء بالاسم الجامع للكل ) أي لجميع الأسماء ( ثم قال ) عيسى عليه السلام ( له ) : أي اللّه ( ربي وربكم ومعلوم أن نسبته ) أي نسبة الحق ( إلى موجود ما بالربوبية غير نسبة إلى موجود آخر ) فإن عبد الرحيم ليس عبد القهار.
 قال رضي الله عنه :  ( فلذلك ) أي فلكون نسبة الربوبية باختلاف المظاهر ( فصل ) عيسى عليه السلام الرب ( بقوله رَبِّي وَرَبَّكُمْ بالكنايتين كناية المتكلم به وكناية المخاطب إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ فأثبت نفسه مأمورا وليست نفسه سوى عبوديته إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال ) إلى الأمر .
( وإن لم يفعل ) فكان نفسه عين عبوديته وإلا لما قال إلا ما أمرتني.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )
 
قوله: وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى يعلم ونعلم، يعني أنه مقام" لعيسى في مقام قوله تعالى: "لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منگم والصابرين (محمد: 31) .
وهو مقام معلوم أي يكون الحق تعالى يعلم الأمر على ما هو عليه ومع ذلك يستفهم عنه لتقوم حجته على العباد بالمعاينة .
فهذا هو المقام الذي عامل به الحق تعالی عیسی علیه السلام، في قوله:"أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"  (المائدة: 116) مع علمه تعالی بما قال.
وقد التزم" عيسى عليه السلام، الأدب في كونه أجاب مع علمه أن الله تعالی عالم بالحال غیر محتاج إلى الجواب.
لكن حيث يسئله فلا بد أن يجيب في التفرقة، لأن السؤال إنما يقع في لسان التفرقة لكونه عليه السلام، يعلم أن التفرقة هي عين الجمع.
لأن السؤال كان مع العلم فالجمع حاصل والذي يقتضيه هويته أنه ليس له من الأمر شيء .
وعلل کونه تعالى يعلم بأنه هو القائل واللسان نفسه .
ولي في هذا المعنى أبيات
شهدت نفسك فينا وهي واحدة    ….. كثيرة ذات أوصاف وأسماء
ونحن فيك شهدنا بعد كثرتنا     …… عينا بها اتحد المرآئی والرائي
فأول أنت من قبل الظهور لنا  ……. وآخر عند عود النازح النای
وظاهر في سواد العين أشهده  ….. وباطن في امتیازاتی واخفاء
أنت الملقن سري ما أفوه به   …… أنت نطقي والمصغي لنجواي
وهو قول الشيخ رضي الله عنه: 
وأنت اللسان الذي اتكلم به واستشهد بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما ذكره إلى آخر الحكمة ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )
 
قال رضي الله عنه : ( ثم قال متمّما للجواب : “ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به “ فنفى أوّلا مشيرا إلى أنّه ما هو ثمّ )
يعني في قوله : « ما قُلْتُ لَهُمْ » (ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم )
يعني في قوله : « إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به » .
 
قال رضي الله عنه  : ( ولو لم يفعل كذلك ، لاتّصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك ، فقال : « إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به » وأنت المتكلَّم على لساني وأنت لساني ) .
قال رضي الله عنه : « فانظر إلى هذه التنبئة الروحية ما ألطفها وأدقّها ! »
يعني في قوله : « ما أَمَرْتَنِي » مع أنّه عينه ، فأفرد الحق بتاء الكناية عن المخاطب ، وحدّد نفسه وميّزه من حيث مأموريته بياء كناية المتكلَّم « أَنِ اعْبُدُوا الله » فجاء بالاسم « الله » لاختلاف العبّاد في العبادات واختلاف الشرائع ، ولم يعيّن اسما خاصّا دون اسم ، بل جاء بالاسم الجامع للكلّ .
 
ثم قال رضي الله عنه : « رَبِّي وَرَبَّكُمْ » ومعلوم أنّ نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر . فلذلك فصّل بقوله : « رَبِّي وَرَبَّكُمْ » بالكنايتين : كناية المتكلَّم وكناية المخاطب . « إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به » فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته ، إذ لا يؤمر إلَّا من يتصوّر منه الامتثال وإن لم يفعل ).
 
ويقول العبد : “ اغْفِرْ لِي “ فهو الآمر ، والحق المأمور ، فما يطلبه الحق من العبد بأمره هو بعينه ما يطلبه العبد من الحق بأمره » يعني الإجابة « ولهذا كان كلّ دعاء  مجابا ولا بدّ وإن تأخّر ، كما تتأخّر بعض المكلَّفين ممّن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة ، فلا يصلَّي في وقت فيؤخّر الامتثال ويصلَّي في وقت آخر إن كان متمكَّنا من ذلك ، ولا بدّ من الإجابة ولو بالقصد .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب " ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به " - فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو ثمة ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم ، ولو لم يفعل كذلك لا تصف بعدم العلم بالحقائق وحاشاه من ذلك ، فقال – " إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به " وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني ، فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها )
في قوله « ما أَمَرْتَنِي به » مع أنه عينه فأفرد الحق بتاء الكناية عن المخاطب ، وحدد نفسه وميزه من حيث مأموريته بتاء كناية المتكلم .
 
قال رضي الله عنه :  (" أَنِ اعْبُدُوا الله " - فجاء باسم الله لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع ولم يعين اسما خاصا دون اسم بل بالاسم الجامع للكل ، ثم قال – " رَبِّي ورَبَّكُمْ " - ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر فلذلك فصل بقوله – " رَبِّي ورَبَّكُمْ " - بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب – " إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به "- فأثبت نفسه مأمورا وليست) أي المأمورية
"" أضاف بالي زادة :  (ما هو ثمة ) إشارة إلى أن عيسى ليس هو موجودا في هذا المقام حتى يقول قولا بل الوجود كلمة الله ( وحاشاه من ذلك ) فلو لم يثبت الهوية الإلهية بعد ففي الهوية العيسوية لكان نفيا مطلقا وليس الأمر كذلك ، بل الأمر الإثبات بعد النفي أو النفي بعد الإثبات اهـ بالى .
فإن عبد الرحيم ليس بعبد القهار ( فلذلك ) أي فلكون نسبة الربوبية باختلاف المظاهر ( فصل بقوله  "رَبِّي ورَبَّكُمْ " ) اهـ بالى . ""
 قال رضي الله عنه : (سوى عبوديته ، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل . )

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 5 ديسمبر 2019 - 19:31 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 19:26 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة العشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة العشرون : -    الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )

قال رضي الله عنه :  (ثم ،قال متمما للجواب : "ما قلت لهم إلا ما أمرتني به" فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو ثمة) لما كان ( ما ) في ( ما قلت ) للنفي ، قال : ( نفى أولا ) .
وهذا النفي إشارة إلى نفى وجوده وفناء تعينه في وجود الحق وتعينه الذاتي ، فما كان الوجود العيسوي باقيا ليقول قولا .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم ، أوجب القول أدبا مع المستفهم . ولو لم يفعل كذلك ، لا تصف بعدم علم الحقائق حاشاه عن ذلك ، فقال : " إلا ما أمرتني به " . وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني )
أي ، أثبت أمر الحق وهويته . وقوله بلسان الصورة العيسوية بقوله : ( إلا ما أمرتني به ) بعد نفى هويته العدمية .
ولو لم يفعل كذلك ، لكان غير عالم بالحقائق ، إذ نفى الهوية العيسوية بلا إثبات الهوية الإلهية يكون نفيا مطلقا ، وليس ذلك من شأن العلماء الراسخين . ولما أثبت القول لعيسى والقائل هو الحق .
قال رضي الله عنه عن لسان عيسى ، عليه السلام : ( وأنت المتكلم وأنت لساني . )
( فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها . ) ( التنبئة ) تفعلة من ( نبأ ) . وأكثر الناظرين فيه قرأوا ( تثنئة ) من الثنى .
وهو تصحيف منهم ، إذ هذه الحكمة حكمة نبوية ولا يحتاج لتثنئة ، بالثاء ، إلى الوصف الروحية والإلهية أي ، فانظر إلى هذا الإنباء الروحاني الإلهي ما ألطفها ، أي عبارة ، وما أدقها ، أي إشارة .
وما جعلني الله مطلعا إلى مثل هذه الإشارات اللطيفة في هذا الكتاب إلا بعون ومدد من روحانية هذا الكامل ، رضي الله عنه ، وأرضاه منه .

قال رضي الله عنه :  ("أن اعبدوا الله " . فجاء بالاسم ( الله ) لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع ، ولم يخص اسما خاصا دون اسم ، بل جاء بالاسم الجامع للكل. )
أي ، جاء بالاسم ( الله ) الجامع للكل ، فإن لكل من العباد ربا خاصا من هذه الحضرة الإلهية ، ولكل شريعة اسما حاكما عليه من مطلق الشريعة الرحمانية .
قال رضي الله عنه :  ( ثم ، قال له : "ربى وربكم " . ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ،ليست عين نسبته إلى موجود آخر ) لأن عبد ( المنعم ) ليس عبد ( المنتقم ) وعبد ( الرحيم ) ليس عبد ( القهار).

قال رضي الله عنه :  ( فلذلك فصل بقوله : "ربى وربكم" بالكنايتين : كناية المتكلم وكناية المخاطب ) ظاهر .

قال رضي الله عنه :  ("إلا ما أمرتني به " فأثبت نفسه مأمورا ، وليست سوى عبوديته ، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل . ) نقل الكلام إلى ما مر ، ليقرر ما يتعلق بمقام العبودية .
أي ، قال : ( ما أمرتني به ) فجعل نفسه مأمورا .
وليست هذه الحالة ، أو المأمورية ، سوى مقام العبودية ، إذ لا يؤمر إلا من يمكن أن يمتثل بالأمر .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )

قال رضي الله عنه :  (ثمّ قال متمّما للجواب :ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ[ المائدة : 117 ] ، فنفى أوّلا مشيرا إلى أنّه ما هو ثمّة ، ثمّ أوجب القول أدبا مع المستفهم ، ولو لم يفعل كذلك لاتّصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك ، فقال :إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ[ المائدة : 117 ] ، وأنت المتكلّم على لساني وأنت لساني ) .

قال رضي الله عنه :  ( ثم قال ) عيسى عليه السّلام ( متمما للجواب ) بإلحاق زيادة تفيد أنه كما لا علم له باعتبار هويته المشعرة بالتفرقة ، فلا قول له أيضا ، وإنما هو للحق وهو به أمر ، والعبد وإن ظهر بصورته يكون به مأمورا( ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ [ المائدة : 117 ] ، فنفى أولا ) القول باعتبار نسبته إلى هويته ، ( مشيرا ) بذلك النفي ( إلى أنه ) أي : القول ( ما هو ثمة ) أي :

في هويته من حيث هو هويته ، ( ثم أوجب القول ) أي : المستفهم ( أدبا مع المستفهم ) بأن المستفهم منه ، وإن اعتبر منسوبا في نظر التفرقة المتضمنة للجمع ( لا تصف بعدم علم الحقائق ) ؛ لإشعاره بتصور نظره على التفرقة مع تضمنها للجمعية ، ( وحاشاه من ذلك ) .
ولما كان عالما بالحقائق غلب عليه نظر الجمع الذي كان في ضمن التفرقة ، ( فقال : إلّاما أَمَرْتَنِي بِهِ [ المائدة : 117 ] ) ، فإنه وإن كان على لساني في نظر التفرقة إلا أنه لا أمر سواك ، ( وأنت المتكلم على لساني ) ، وإن ظهرت التفرقة ، ولكن نظري الجمعية ، فكيف أكون متكلما بلسانك ، وهو أبعد من أن أكلمك بلساني .

قال رضي الله عنه :  ( فانظر إلى هذه التثنية الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها ) في قوله :إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ[ المائدة : 117 ] ، في جعله القول لربه في نظر التفرقة ، باعتبار تضمنها الجمعية مع نفيها عن التفرقة من حيث هي تفرقة ، ومع اعتبار الجمعية جعل الحق المتكلم على لسانه أمرا ، وجعله مع ذلك مأمورا مع ظهوره بصورة الأمر في حق من دونه ، بقوله :" أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ " [ المائدة : 117 ] ، وإنما ذكر التثنية للإشارة إلى أن هذه اللطيفة الدقيقة لا تكاد تنكشف على الأولياء إلا بواسطة الأنبياء وتبينهم ، بل لا تنكشف لكل نبي إلا لمن غلبت عليه الروحية الإلهية .

قال رضي الله عنه :  ( فجاء ) في بيان المعبود ( بالاسم ) الجامع ( اللّه ) ؛ ليشير إلى أنه يأمر كل عابد أن يعبد من الأسماء الإلهية ما تتأتى له عبادته في استعداده مع أنه لا يمكن التنصيص على تلك الأسماء بأعيانها ، فاقتصر على ذكر الاسم الجامع لها ؛ وذلك ( لاختلاف العبادة ) من العباد من حيث استنادهم إلى الأسماء الخاصة الطالبة للعبادة المخصوصة ، (واختلاف الشرائع).

الموجبة لاختلاف العبادات ، وهو عليه السّلام ، وإن خص شريعته ؛ لكنه علم أنها تنسخ بشريعة نبينا عليه السّلام ، وأنه سينزل في أمته ، فلابدّ من أمرهم بإقامة هذه الشريعة حينئذ ، وقد بشر عليه السّلام قومه بمجيء نبينا عليه السّلام بعده ، فكأنه أمرهم أيضا بمتابعته عند مجيئه صلّى اللّه عليه وسلّم ، ولم يعين لبيان المعبود ( اسما خاصّا ) ، وإن وقعت عبادة كل عابد للاسم الخاص ،بل جاء ( بالاسم الجامع للكل ) من الأسماء.

"" أضاف المحقق : الاسم الجامع : هو اسمه تعالى ؛ لأنه اسم الذات المسماة بجميع الأسماء الموصوفة بجميع الصفات ( لطائف الإعلام ص 21 ) .""

قال رضي الله عنه : ( ثمّ قال :رَبِّي وَرَبَّكُمْ[ المائدة : 117 ] ، ومعلوم أنّ نسبته إلى موجود ما بالرّبوبيّة ليست عين نسبته إلى موجود آخر ، فلذلك فصّل بقوله :رَبِّي وَرَبَّكُمْ [ المائدة : 117 ] ، بالكنايتين كناية المتكلّم وكناية المخاطب ،إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ ،[ المائدة : 117 ] ، فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديّته ، إذ لا يؤمر إلّا من يتصوّر منه الامتثال وإن لم يفعل )
وإن لم تتأت عبادته إلا من الإنسان الكامل مع أنه أمر للعامة ؛ لأنه علم بالقرينة أنه ليس المراد عبادة هذا الاسم من حيث جمعه ، بل من حيث الأسماء الداخلة تحته .

وإليه الإشارة بقوله : ( ثم قال :رَبِّي وَرَبَّكُمْ [ المائدة : 117 ] ) ؛ وذلك لأنه ( معلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى آخر ) ، وكل نسبة تقتضي اسما خاصّا ، فلا يعبد أحدا عند الأمر بعبادة هذا الاسم الجامع سوى الاسم الخاص الداخل فيه .
قال رضي الله عنه :  ( فلذلك فصل ) تلك الأسماء نوع تفصيل ، ( بقوله :رَبِّي وَرَبَّكُمْ [ المائدة : 117 ]

قال رضي الله عنه :  (بالكنايتين )  المضاف إليهما اسم الرب ( كناية المتكلم ) ، وإن لم تتأت عبادة ذلك الرب إلا من الكمّل لا من كل كامل ، بل ممن كان عيسوي القلب من الأولياء ، فأمرهم أولا لسبقهم نسبه إليهم ، وامتثالا لأوامره ، ( وكناية المخاطب ) وهو يشمل الأسماء الجزئية التي لا تنحصر ؛ لكونها بعدد عابديها ، فلا يمكن التنصيص على كل منها لمخصوصها ، كما لا يمكن التنصيص على كل واحد منهم ، وإنما كان للاسم الجامع هذا التفصيل ؛ لأن ظهوره في المظاهر إنما يكون بحسبه ؛ فلذلك لما قال الحق في مظهره :اعْبُدُوا اللَّهَ[ المائدة : 117 ] ، أمرا .


قال عيسى عليه السّلام : ( إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ [ المائدة : 117 ] ، فأثبت نفسه مأمورا ) ، إذ ليس لنفسه في أمر التكليف سوى المأمورية . ثم فسّر مأموريته بعبوديته ، وإن لم تكن مطلق المأمورية عبودية ؛ وذلك لأن مأموريته ( ليست سوى عبوديته ) ؛ لأنها امتثال أمر التكليف ، ومطلق الأمر يقتضي مطلق الامتثال ( إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال ) فيقصد منه ذلك ، ( وإن لم يفعل ) فإن كان الأمر للتكليف كان الامتثال عبوديته وإلا كانت إجابة دعاء .
وذلك لأن الأمر يكون بحسب الأمر والمأمور كالتجلي الإلهي بحسب المحل.
 

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )

فلذلك قال رضي الله عنه  : ( ثمّ قال متمّما للجواب : " ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به " فنفى أولا مشيرا إلى أنّه ما هو ) عيسى ( ثمّ ) - أي عند القول - ( ثمّ أوجب القول أدبا مع المستفهم ) لأنّه سأل عن القول وبيّن أنّ عين العبد وإن كانت ممحوّة الوجود بالذات فينفى عنه الصفات الوجوديّة ضرورة .
ولكن باعتبار أنّه عبد مأمور لا يخلو عن الوجود ، فلا ينفى عنه الوجود وأوصافه من جميع وجوهه ، بل بوجه ووجه ( ولو لم يفعل كذلك لا تصف بعدم علم الحقائق - حاشاه من ذلك ) فإنّ صاحب علم الحقائق يعرف كل حقيقة بوجهها - وجه نفي - كما قال : " ما قُلْتُ لَهُمْ " ووجه إثبات ( فقال : " إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به " [ 5 / 117 ] وأنت المتكلَّم على لساني ) - أي في قرب الفرائض - ( وأنت لساني ) يعني في قرب النوافل .

قال رضي الله عنه :  ( فانظر إلى هذه التثنية الروحيّة الإلهيّة ) التي قد اشتملت عليها الكلمة العيسويّة ، وكيفيّة سريانها في سائر أحوالها وأفعالها وأقوالها:
أوّلا في أمر التحقّق والتوهّم اللذين في أصل خلقته .
"" أضاف المحقق : في شرح القيصري: « التنبئة » . وقال : « التنبئة تفعلة من نبأ . وأكثر الناظرين فيه قرؤا « تثنية » من الثني .
وهو تصحيف منهم إذ هذه الحكمة نبوية ولا يحتاج التثنية - بالثاء - إلى الوصف بالروحية والإلهية .
أي فانظر إلى هذا الإنباء الروحاني الإلهي ما ألطفها - أي عبارة - وما أدقها - أي إشارة».""
وثانيا في الآية التي نزلت في حكاية إحيائها الموتى واحتمالها للوجهين كما سبق بيانه .
وثالثا في السؤال عنها : " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ " حيث ثنّى الخطاب والإلهيّة . وكذلك في الجواب حيث ثنّى ضمير المتكلم في " كُنْتُ قُلْتُه ُ" وثنّى القول وثنّى العلم مرتين ، وثنّى ضمير الخطاب بـ " إِنَّكَ أَنْتَ " .
وفي استيناف الجواب أيضا تثنية ، وكذلك اشتماله على النفي والإيجاب فيه تثنية .

اللطائف الذوقيّة في محاورة عيسى عليه السّلام 
ثمّ إنّ هذا الجواب مع دلالته على التوحيد الجمعي الختمي وإشارته إلى القربين له لطيف معنى ودقيق فحوى . وإليه أشار بقوله رضي الله عنه  : ( ما ألطفها وأدقّها ! ) أما وجه لطفها فهو إيراد الجواب مطابقا للسؤال ، حيث أنّ في السؤال ثنويّة في مقولة ، يعني قوله : " اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ " أتى في جوابه بمثل ذلك .
ووجه دقّتها هو أنّه قد أدرج في عبارته ما يلوّح على الثنويّة المشتمل عليها كلمته من التروّح والتأله ، حيث قال : " إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به " وذلك لأن « الأمر » إشارة إلى طرف تروّحه - فإنّ الروح منه  - والتاء إلى التألَّه ، فإنّه مع اشتماله عليه كناية عن الحقّ .
وهاهنا تلويح آخر ، وهو أنّ التمييز بين الكنايتين - أعني التاء والياء المشار بهما إلى الحقّ والعبد - تميّز نسبيّ اعتباريّ ، لا حقيقيّ في الدرج ، أعني في عالم الامتزاج والتركيب .
وذلك لأنّه إنما يتمايزان بتحتيّة النقطتين وفوقيّتهما .
ويمكن أن يشار بوجه الدقة واللطف إلى هذا التلويح 
 
وذلك المأمور به الذي قيل لهم : ( " أَنِ اعْبُدُوا الله " فجاء باسم " الله " لاختلاف العباد في العبادات والشرايع ، ولم يخصّ اسما خاصا دون اسم ) من الأسماء الجزئيّة التي تتحوّل أحكامها بتجدّد الأزمنة والاستعدادات .
( بل جاء باسم الجامع للكل ) فإن كلامه لا بدّ وأن يكون تامّا كاملا شاملا ليطابق ما أصله في الجواب من الجمع بين التنزيه والتشبيه والنفي والإثبات ، وسائر المتقابلات .

ثمّ إنه لما أمرهم بعبادة الله - وهو الدالّ على جميع الأرباب إجمالا - أتى بما يخصّ تفصيلا ، إفصاحا بما هو المطلوب من دعوة الامّة المختصّة به ، وتمكينا لذلك في خواطرهم - فإنّ التفصيل بعد الإجمال أمكن وأوقع - وتطبيقا لما جبل عليه الكلمة العيسويّة من الثنويّة بقوله :
( ثمّ قال " رَبِّي وَرَبَّكُمْ " ومعلوم أن نسبته إلى موجود بالربوبيّة ليست عين نسبته إلى موجود آخر ) ضرورة لزوم تغاير النسبة عند تغاير أحد المنتسبين .
 

قال رضي الله عنه :  ( فلذلك فصّل بقوله : "رَبِّي وَرَبَّكُمْ " بالكنايتين : كناية المتكلم وكناية المخاطب ) اللتان هما أدلّ ما يفصّل به الإجمال ويميّز به العام ، ولذلك قيل : "إنهما أعرف المعارف في صناعة آداب الألفاظ " .
ثمّ إنّه قد أشار في هذه الآية إلى أنّه عابد لله في قوله لهم ذلك ، فإنّه تحت حكم الأمر في ذلك الفعل ، على ما أشار إليه قوله : ( " إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به " فأثبت نفسه مأمورا ، وليست ) نفسه في أفعاله وأقواله : ( سوى عبوديّته)

 
فعلم أن ذلك القول منه لهم عين عبوديّته لله على أيّ معنى حمل ، وذلك هو مقتضى أصل استعداده .
قال رضي الله عنه :  ( إذ لا يؤمر إلا من يتصوّر منه الامتثال وإن لم يفعل ولمّا كان الأمر تنزل بحكم المراتب ) فإن الأمر هاهنا بمعنى طلب الفعل ، فهو فعل ، وهو آخر مراتب التنزّلات ، وله الإحاطة وبه تحصل المرتبة.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.   )

قال رضي الله عنه :  ( ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو. ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني. فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء  )

قال رضي الله عنه :  (ثم قال ) عليه السلام ( متمما للجواب ما قلت لهم ) ، أي الناس ( إلا ما أمرتني به ، فنفى أولا ) بكلمة النفي القول عن نفسه .
( مشيرا ) بهذا النفي ( إلى أنه ما هو ثمة ) بل هو فإن الحق مستهلك تعينه في الوجود المطلق ، فإن القول متحقق لا محالة ، فالمنفي هو نسبته آل عيسى عليه السلام وانتفاء النسبية إنما هو بانتفاء المنسوب إليه .

قال رضي الله عنه :  ( ثم أوجب القول ) بعد نفيه ( أدبا مع المستفهم ولو لم يفعل كذلك ) ، أي لم يجمع بين النفي والإيجاب ( لاتصف بعدم علم الحقائق ) فإنه لو اقتصر على النفي أخل بالصورة لثبوت القول له صورة ، ولو اقتصر على الإيجاب أخل بالحقيقة إذ لا قابل إلا اللّه ( وحاشاه من ذلك ) ، أي من عدم علم الحقائق فإن رتبة الكلام النبوي تأبى ذلك .
قال رضي الله عنه :  ( فقال ) تفسير وبيان لإيجاب القول ("إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ "وأنت المتكلم ) بهذا الكلام ( على لساني ) كما يقتضيه قرب الفرائض .


قال رضي الله عنه :  ( وأنت لساني ) كما يقتضيه قرب النوافل ( فانظر إلى هذه التثنية ) أي تثنية الفرق بالجمع والتنزيه بالتحديد والوحدة بالكثرة والسعة بالضيق والنفي بالإيجاب وقرب الفرائض بقرب النوافل ( الروحية ) ، أي الصادرة من عيسى الذي هو روح اللّه صورة .
قال رضي الله عنه :  ( والإلهية حقيقة ما ألطفها وأدقها ) لدلالتها على الجمعية الكمالية وصحح بعض الشارحين التنبئة بالنون بفعله من النبأ لا بالثاء المنقوطة ثلاث نقاط .

قال رضي الله عنه :  ( بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل. ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب. «إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل. )

وقال رضي الله عنه  : التثنية بالثاء تصحيف ولا يخفى أن الأولى الحكم بالتصحيف عليها أولى كيف وهذه الكلمة صححت في النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه بالثاء المثلثة ثم بين الأمر المأمور به ( أن اعبدوا اللّه ، فجاء بالاسم اللّه ) الجامع لجميع الأسماء ( لاختلاف العباد ) جمع عابد ( في العبادات ) فلكل وجهة من تلك الأسماء هو موليها ( واختلاف الشرائع ) ، أي الطرق الموصلة المسلوكة لهم ، فإن كل طريق شريعة ، وإن كان الكل داخلا تحت شريعة واحدة ، وحمل الشرائع على الشرائع المختلفة التي للأنبياء يخدشه أن عيسى عليه السلام لا يأمر أمته إلا بالعبادة على شريعة خاصة ( ولم يخص اسما خاصا دون اسم ) آخر ( بل جاء بالاسم اللّه الجامع للكل ) ، أي لكل الأسماء أو لكل العباد والشرائع .

وقال رضي الله عنه  : ( ثم قال ) عيسى عليه السلام تفصيلا ( له ) ، أي للاسم اللّه ( ربي وربكم ومعلوم أن نسبته ) ، أي نسبة الاسم اللّه ( إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر ) ،لأن لكل موجود خصوصية ليست لسائر الموجودات تطلب أسما خاصا يربيه.

وقال رضي الله عنه  : ( فلذلك فصل ) بالتشديد ما أجمل في الاسم اللّه ( بقوله : ربي وربكم بالكنايتين : كناية المتكلم وكناية المخاطب ) ، يعني المخاطبين فإن تفصيل المضاف إليه تفصيل المضاف ويجوز أن يكون فصل بالتخفيف ، أي فصل بعض الأسماء عن بعض ثم أعاد رضي اللّه عنه قوله (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) لبيان ما يتعلق بمقام عبوديته ( فأثبت ) عيسى عليه السلام ( نفسه مأمورا ) ثانيا بعدما نفاه أولا .

وقال رضي الله عنه  : ( وليست ) علة إثبات مأموريته أو ليست نفسه المأمورة من هذه الحيثية ( سوى عبوديته إذ لا يؤمر ) بشيء ( إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل ). أي الحال والشأن الذي تتصف به أهل المراتب.
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 19:56 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الحادية والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الحادية والعشرون : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولمّا كان الأمر يتنزّل بحكم المراتب ، لذلك ينصبغ كلّ من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة . فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كلّ مأمور .  ومرتبة الآمر لها حكم يبدو فهي كلّ آمر . فيقول الحقّ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [ البقرة : 43 ] فهو الآمر ، والمكلّف المأمور . ويقول العبدرَبِّ اغْفِرْ لِي [ الأعراف : 151 ] فهو الآمر والحقّ المأمور .
فما يطلب الحقّ من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحقّ بأمره . ولهذا كان كلّ دعاء مجابا . ولا بدّ وإن تأخّر كما يتأخّر بعض المكلّفين ممّن أقيم مخاطبا بإقامة الصّلاة فلا يصلّي في وقت فيؤخّر الامتثال ويصلّي في وقت آخر إن كان متمكّنا من ذلك . فلا بدّ من الإجابة ولو بالقصد).
 
قال رضي الله عنه :  (ولما كان الأمر) الإلهي (ينزل) من حضرة الحق تعالى إلى أعيان الكائنات الثابتة في العدم الأصلي (بحكم المراتب) الكونية ، أي على مقتضى ما يليق بها في الحكمة الإلهية لذلك ، أي لأجل ما ذكر ينصبغ كل من ظهر من تلك الأعيان الكونية في مرتبة ما من المراتب المذكورة بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة من الحكم اللائق بها فمرتبة المأمور من المكلفين في كل حال وقت وشريعة لها حكم يظهر ذلك الحكم في كل مأمور بحسبه ومرتبة الآمر ، أي الذي يصدر منه الأمر لها أيضا حكم يبدو ، أي يظهر في كل أمر من الأمرين بحسبه ، فأمر اللّه تعالى لإبليس بلا واسطة اقتضت مخالفته الكفر .
 
وأمره تعالى بواسطة النبي للأمة اقتضت مخالفته الفسق ، والعصيان دون الكفر ، وأمر الناقل عن النبي اقتضت مخالفته في بعض الأحكام كراهة تحريمية أو تنزيهية ، وخلاف الأولى في البعض الآخر ، وكلما ضعفت الواسطة خف الأمر وسهلت مخالفته ، وكلما قوي ثقلت مخالفته فيقول الحق تعالى لعباده أَقِيمُوا الصَّلاةَ فهو ، أي الحق تعالى الآمر الذي صدر منه هذا الأمر بإقامة الصلاة والمكلف من العباد ، أي العاقل البالغ منهم المسلم في قول دون آخر المأمور بإقامة الصلاة .
قال رضي الله عنه :  (ويقول العبد ) في مقابلة ذلك (رَبِّ) ، أي يا رب (اغْفِرْ لِي) ، أي استر
ذنوبي بمسامحتك لي فهو ، أي العبد الآمر الذي صدر منه هذا الأمر بالمغفرة والحق تعالى وهو ربه المأمور بذلك فكل من العبد والرب آمر ومأمور ، وإنما هي طاعات بطاعات ، فمن أطاع اللّه أطاعه اللّه ومن عصى اللّه عصاه اللّه .
 
قال رضي الله عنه :  (فما يطلب الحق) تعالى (من العبد بأمره له) في حكم من الأحكام (هو بعينه )، أي ما يطلبه الحق (ما يطلب العبد من الحق) تعالى بأمره له فكل من استجاب لدعاء ربه بحكم قوله تعالى :وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ[ يونس : 25 ] ، أي الجنة .
يعني بالأمر بالأعمال الصالحة ، وقوله تعالى :اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ[ الشورى : 47 ] ، فإن اللّه تعالى يستجيب له دعاءه .
قال تعالى :" ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " [ غافر : 60 ] ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد ، أي هو أمر محقق بعين الإجابة من المدعو ولا اعتبار لخصوص الوصف ، لأنه عين صيغة النفس الآمرة للأمر المطلوب من المأمور ، فمن دعا اللّه تعالى في أمر من الأمور الدنيوية أو الأخروية.
 
فإن ذلك عين أمر اللّه تعالى له في ذلك الوقت بما هو متوجه عليه في الشرع من الفعل أو الكف ، فإن أراد أن الحق تعالى يستجيب له ما دعاه به فليستجب هو للحق تعالى عين ذلك الأمر في ذلك الوقت على أتم وجوه الاستجابة بعد البحث عنه وضبطه بعينه ، فإنه يجده عين إجابة الحق تعالى له فيما طلب ، وأدنى ذلك أن يجد نفسه قادرا على عين ما دعا الحق تعالى به ، أو متسلية عنه بأعلى منه .
 
وإن نقص في الإجابة للحق تعالى نقصت الإجابة منه تعالى عن الصفة التي طلبها بمقدار ما نقص من الصفة التي طلبها الحق تعالى منه ، إلى أن تنعدم الاستجابة منه للحق تعالى ببطلان عمله المأمور به من حيث لا يشعر ، إما لجهله أو لغفلته ، فتنعدم الإجابة له فيما دعاه بالكلية ، إلا أن يستدرج وربما يقول دعوت اللّه تعالى في أمر كذا فلم يجبني ويكون ذلك لعدم إجابته هو لأمر اللّه تعالى الذي دعاه به ، وأمر اللّه تعالى بالسجود لإبليس لم يوجد منه استجابة له بالوصف المطلوب ، فلم يوجد من الحق تعالى استجابة لدعائه بالوصف المطلوب له في قوله : قال رب أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ( 14 ) [ الأعراف : 14 ]
 
وكان مطلوبه وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ( 40 ) [ الحجر : 39 - 40 ] ، فقال له :فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ( 37 ) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ( 38 ) [ الحجر : 37 - 38 ] .
ولم يقدره على إضلال جميع من سوى المخلصين ، بل جعله سببا في دخول الجنة للكثير ممن يخالفه في وسواسه ، وجعل لمن جاهده أجر المجاهدين ورفعه في الدنيا والآخرة بالامتناع منه فقد استجاب إبليس بعض ما أمر به في تعظيم آدم عليه السلام بكونه سببا لشرف بعض ذريته ، فكان في مقابلة ذلك إنظار الحق تعالى له إلى يوم الوقت المعلوم ، فإن ذلك بعض ما دعاه به ، إذ ليس مراده مجرد الإنظار وطول العمر بل مراده الأهم ومقصده الألزم إقداره على إغواء كل بني آدم ، وإضلال غير المخلصين منهم ، ولم يعطه اللّه تعالى ما دعاه به كله بل بعضه في مقابلة أنه ما أعطى الحق تعالى ما أمره به كله بل بعضه من حيث لا يشعر .
 
وهكذا عادة اللّه تعالى جارية في جميع خلقه لمن دقق النظر وأعمل الفكر وإن تأخر ذلك الدعاء إلى وقت آخر في الدنيا أو الآخرة ، فاستجابه اللّه تعالى له في الوقت الذي يريده تعالى لحكمة يعلمها سبحانه كما يتأخر بعض المكلفين عن سرعة الإجابة ممن أقيم مخاطبا اسم مفعول بإقامة الصلاة فلا يصلي تلك الصلاة في وقت وجب عليه فعلها فيه فيؤخر الامتثال للأمر ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا .
أي المخاطب بالصلاة من ذلك الامتثال بأن كان قادرا عليه فلا بد من الإجابة من العبد القادر ولو كان بالقصد للإجابة ونية الامتثال في وقت عجزه ومن الرب سبحانه ولو بالقصد للإجابة في الوقت الذي يريد وكتابته في اللوح وإعلام الملائكة به .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ) أي أمر الحق عباده بالتكليف ( ينزل ) من الحضرة الجامعة لجميع الأسماء وهو الاسم اللّه ( بحكم المراتب ) أي بحكم المظاهر الكونية فيتصف بصفاتها من الحدوث والإمكان وغير ذلك من الصفات الامكانية .
قال رضي الله عنه :  ( لذلك ) أي لأجل نزول الأمر التكليفي بحكم المراتب ( ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما ) من المراتب ( بما ) أي بالذي ( تعطيه حقيقة تلك المرتبة ) فإن القرآن الكريم بالنسبة إلى الحق القديم قديم وباعتبار نزوله وظهوره في مراتبنا حادث وجواب لما محذوف تقديره لما كان الأمر ينزل نزل بحكم المراتب أو قوله ينصبغ لأن قوله لذلك مؤخر عنه معنى ( فمرتبة المأمور ) وهي مرتبة كلية مشتملة على مراتب مخصوصة جزئية .
 
قال رضي الله عنه :  ( لها حكم ) وهو التسليم والطاعة والقبول بأمر أمره ( يبدو ) أي يظهر ذلك الحكم ( في كل مأمور ) أي في كل مرتبة من جزئيات تلك المرتبة الكلية ( ومرتبة الأمر ) وهي مرتبة جامعة لجميع مراتب مخصوصة وهي مرتبة الاسم اللّه .
قال رضي الله عنه :  ( لها حكم ) يحكم به على المأمور وهو التكليف الشرعي للمأمور ( يبدو في كل آمر ) من خصوصيات تلك المرتبة الكلية الآمرية ( فيقول الحق أقيموا الصلاة فهو الأمر والمكلف ) بكسر اللام ( المأمور ) العبد فكان الحق في مرتبة الآمر يظهر منه الحكم والعبد في مرتبة المأمور يظهر منه الطاعة لأمره ( ويقول العبد رب اغفر لي فهو الآمر ) بحسب مفهوم الصيغة واللغة لا بحسب الاصطلاح وكذا قوله : ( والحق المأمور ) ولا يسمى بحسب الشرع بأنه مأمور بأمر شيء لكن أهل اللّه قد يطلقون لكشف المعاني المستورة على أعين أهل الحجاب لحكمة تقتضي كشفها فكان كل واحد من الحق والعبد آمرا ومأمورا .
لكن المأمور في حق الحق بمعنى المطلوب والآمر في حق العبد في رب اغفر لي بمعنى الطالب
 
وإليه أشار بقوله : ( فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلب العبد من الحق بأمره ) وليس ما طلبه كل واحد من الآخر بأمره إلا الإجابة .
وكانت الإجابة مطلوبة فمطلوب العبد من الحق بقول رب اغفر لي وجود الغفران ومطلوب الحق من العبد بقوله :"وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ *[ البقرة : 43 ] .
إقامة الصلاة إذ لا يتصور إقامة الصلاة إلا من فعل العبد فحصول الصلاة من الحق محال لذلك طلب حصولها من العبد كما أن حصول الغفران لا يكون إلا من الحق لذلك طلب العبد من اللّه .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي ولأجل كون المطلوب من الطرفين الإجابة ( كان كل دعاء ) أي طلب سواء كان من الحق أو من العبد ( مجابا ) ليحصل المجازاة بينهما .
 
كما قال من أطاعني فقد أطعته ومن عصاني فقد عصيته ( ولا بد وإن تأخر ) حصول الدعاء عن وقت الطلب ( كما يتأخر ) حصوله ( عن بعض المكلفين فمن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت ) أي في وقت كونه مخاطبا ( فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا ) أي قادرا بالإقامة ( من ذلك ) أي في ذلك الوقت ( فلا بد من الإجابة ) من العبد ( ولو )  تأخر الأمر التكليفي ( بالقصد ) أي بقصد العبد .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة: فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر. فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.  فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره. ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 ما ذكره  ظاهر.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولمّا كان الأمر ينزل بحكم المراتب ، لذلك ينصبغ كلّ من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة ، فمرتبة المأمور ، لها حكم يظهر في كل مأمور ، ومرتبة الآمر ، لها حكم يبدو في كل آمر ، فيقول الحق : “ أَقِيمُوا الصَّلاةَ “ فهو الآمر ، والمكلَّف المأمور . ويقول العبد “ اغْفِرْ لِي “ فهو الآمر ، والحق المأمور ، فما يطلبه الحق من العبد بأمره هو بعينه ما يطلبه العبد من الحق بأمره » يعني الإجابة « ولهذا كان كلّ دعاء  مجابا ولا بدّ وإن تأخّر ، كما تتأخّر بعض المكلَّفين ممّن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة ، فلا يصلَّي في وقت فيؤخّر الامتثال ويصلَّي في وقت آخر إن كان متمكَّنا من ذلك ، ولا بدّ من الإجابة ولو بالقصد . )
 
يعني : بعين شهودهم أنفسهم بالحق ، فأراد أن يفصل بينه وبين ربّه حتى يعلم أنّه هو ، لكونه عبدا في الواقع وأنّ الحق هو الحق ،لكونه ربّا له ، فجاء لنفسه بأنّه شهيد وفي الحق بأنّه رقيب .
يعني : لأنّ الشهيد يكون بالنسبة إلى وقت دون وقت وبالنسبة إلى مشهود دون مشهود ، والرقيب يقتضي دوام الرقبى إلَّا إذا أضيف إلى الحق الدائم الوجود ، فيقتضي دوام الشهود ، فافهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  (ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور ، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل أمر فيقول الحق " أَقِيمُوا الصَّلاةَ " فهو الآمر والمكلف المأمور ، ويقول العبد  " رَبِّ اغْفِرْ لِي " فهو الآمر والحق المأمور ، فما يطلب الحق من العبد بأمره ، هو بعينه يطلب العبد من الحق بأمره ) يعنى بالإجابة .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولهذا كان كل دعاء مجابا ، ولا بد إن تأخر كما يتأخر عن بعض المكلفين فمن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلى في وقت فيؤخر الامتثال ويصلى في وقت آخر ،إن كان متمكنا من ذلك فلا بد من الإجابة ولو بالقصد.)
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر يتنزل بحكم المراتب ، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبه ما ، بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة . ) جواب ( لما ) محذوف ، يدل عليه ( لذلك ينصبغ ).
 
تقديره : لما كان الأمر بحيث ينزل في المراتب الإلهية والكونية ، كان منصبغا بحكم كل من تلك المراتب .
والمراد ب‍ ( الأمر ) هنا الأمر المكلف ، أي ، أمر الحق بالتكليف يتنزل من مقام الجمع الإلهي ، فيتصف بالصفات الكونية ، كالحدوث والإمكان كباقي صفاته : فإن الأمر المضاف إلى القديم قديم واجب الإتيان به ، والأمر المضاف إلى المحدث حادث غير واجب الإتيان به . وأمر الشرع أمر الحق ، لذلك يجب الإتيان به.
 
ولأجل هذا الانصباغ تنصبغ وجود كل من ظهر في مرتبة من المراتب الوجودية بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة . ألا ترى أن الانسان قبل أن يولى له القضاء ، لا يسمع كلامه ولا ينفذ أحكامه ، وبعد التولي يسمع كلامه في دماء الناس وفروجهم وأموالهم ، والشخص الشخص في الحالتين .
فالحكم نتيجة القضاء . وكذلك غيره من المراتب .
( فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور . ) وذلك الحكم هو الانقياد للأمر والطاعة للحكم والإجابة للدعاء .
( ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر . ) وهو التكليف للمأمور والحكم عليه .
( فيقول الحق : "أقيموا الصلاة" . فهو الأمر ، والمكلف والمأمور العبد .  
 
ويقول العبد : ( رب اغفر لي ) . فهو الأمر ، والحق المأمور . فما يطلب الحق من العبد بأمره
هو بعينه ما يطلب العبد من الحق بأمره . ) ( ما ) بمعنى ( الذي ) . وضمير ( بأمره ) الثاني عائد إلى ( العبد ) . أي ، الذي يطلبه الحق من العبد بالأمر هو الذي بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره وقوله : ( رب اغفر لي ) وذلك المطلوب هو الإجابة .
أي ، كما يطلب الحق من العبد إجابة ما أمره ، كذلك العبد يطلب من الحق إجابة ما يأمره ويطلبه .
( ولهذا كان كل دعاء مجابا . ) ولأجل أن العبد أجاب الحق وأتى بأوامره ، أجاب الحق أيضا كل دعاء للعبد ، لتحصل المجازاة الموعودة .
لذلك قال عليه السلام : ( رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله
لأبره ) وذلك لكونه مطيعا لله في جميع أوامره ، فصار الحق أيضا مطيعا له في مطالبه بحكم ما أمره . كما قال تعالى : ( من أطاعني ، فقد أطعته ، ومن عصاني ، فقد عصيته ) .
واعلم ، أن قوله : ( كل دعاء مجاب ) مع أنه حديث نبوي محمول على الدعاء بلسان الاستعداد والحال ، لا بلسان النفس والقال ، ولذلك لا يحصل كثير من مطالب المحجوبين والكفرة لا في الدنيا ولا في الآخرة . وعدم الحصول للرحمة عليهم ، فإن أكثر مطالبهم مما تضرهم ولا تنفعهم .
( ولا بد وإن تأخر ) أي ، حصول الإجابة . ( كما يتأخر بعض المكلفين )
 
أي ، كما تتأخر الإجابة عن بعض المكلفين ، ( ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة ، فلا تصلى في وقت ، فيؤخر الامتثال ، ويصلى في وقت آخر ، إن كان متمكنا عن ذلك ، فلا بد من الإجابة ولو بالقصد . ) أي ، فلا بد من الإجابة من العبد ، ولو كان تأخير العبد ذلك المأمور بالقصد .
.
يتبع 

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 20:05 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الحادية والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الحادية والعشرون : -    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  (ولمّا كان الأمر يتنزّل بحكم المراتب ؛ لذلك ينصبغ كلّ من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة . فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كلّ مأمور . ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كلّ آمر ) .  
 
كما أشار إليه بقوله : ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب ) ؛ لكونه من صفات الحق ، فيكون في الظهور مثل سائر صفاته ؛ ( لذلك يتصف كل من ظهر ) من صفات الحق ( من مرتبة ما ) من المراتب الحقيّة أو الخلقية ( بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة ) من الكمال والنقص والحدوث والقدم ، فكذلك الأمر يظهر في مرتبة الأمر والمأمور بحسبهما بعد أن يكون لكلّ واحدة من هاتين المرتبتين حكم عام يعم الحق والخلق .
قال رضي الله عنه :  ( فمرتبة المأمور ) حقّا أو عبدا لها حكم عام هو كونه مطلوب الامتثال منه ( يظهر في كل مأمور ) بحسبه ، فإن كان عبدا ظهر بالعبودية ، وإن كان ربّا بإجابة الدعاء ، ( ومرتبة الآمر ) حقّا أو عبدا ( لها حكم ) عام هو كونه طالبا للامتثال ( يبدو في كل آمر ) بحسبه .
 
قال رضي الله عنه :  (فيقول الحقّ "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ "[ البقرة : 43 ] فهو الآمر ، والمكلّف المأمور ، ويقول العبدرَبِّ اغْفِرْ لِي [ الأعراف : 151 ] ؛ فهو الآمر والحقّ المأمور ، فما يطلب الحقّ من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحقّ بأمره ، ولهذا كان كلّ دعاء مجابا ، ولا بدّ وإن تأخّر كما يتأخّر بعض المكلّفين ممّن أقيم مخاطبا بإقامة الصّلاة فلا يصلّي في وقت فيؤخّر الامتثال ويصلّي في وقت آخر إن كان متمكّنا من ذلك ؛ فلابدّ من الإجابة ولو بالقصد) .
 
قال رضي الله عنه :  (فيقول الحق) :وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [ البقرة : 110 ] ، ( فهو الآمر المكلف ) اسم الفاعل سواء قاله في مستقر غيره أو في مظهر العبد ، ( والمكلف المأمور ) هو العبد ، وإن كان مظهرا لهذا القول ، ويقول العبد :رَبِّ اغْفِرْ لِي[ الأعراف : 151 ] ، ( فهو الآمر ) الداعي ( والحق المأمور ) بالإجابة ، فهذا التفصيل باعتبار المحل لا باعتبار الأمرية والمأمورية ، ولا باعتبار الأمر نفسه ( فما يطلب الحق من العبد بأمره ) من الامتثال ( هو بعينه ) ما ( يطلبه العبد من الحق بأمره ) ، وإن صار أحد الامتثالين بحسب المحل عبودية والآخر إجابة ، كما كان أحد الأمرين تكليفا والآخر دعاء .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي : ولكون مطلوب كل أمر امتثال المأمور ( كان كل دعاء مجابا ) أي : مقصود إجابته ، ويحتمل أن يقال ؛ ولهذا أي : ولكون مطلوب العبد بالدعاء من الحق مثل مطلوب الحق بالتكليف من العبد ، كان كل دعاء من العبد الممتثل مجابا ، كما يجيب ذلك العبد أمر ربه
.
قال رضي الله عنه :  ( ولا بدّ ) من إجابة الحق للعبد الممتثل أوامره ، ( وإن تأخر ) زمان وقوعها ، ( كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة ) أي : زمان امتثاله ، ( فلا يصلي في وقت ) هو من أوائل أوقات توجه الأمر ، ولكن يقصد فعله آخرا ، ( فيؤخر الامتثال ) قصدا ، ( فيصلي في وقت آخر ) ، فيصير ممتثلا بالفعل ( إن كان متمكنا من ذلك ) الامتثال في ذلك الوقت بعد ما تركه للمطلوب منه مطلقا ، ( فلابدّ من الإجابة ) في حق هذا العبد ( ولو بالقصد ) أي : بقصد فعلها في زمان آخر ، فيأتي بالمطلوب حينئذ ، وأما من لا يمتثل لأمر الحق ولا يقصد ذلك أصلا ، فليس ممن لا بدّ من إجابته ؛ فافهم .
ثم قال:   "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً" [ المائدة : 117 ] أخذ مقام الجمع لنفسه ومقام الفرق لهم ؛ لأنه لما أقام له الحق في مقام الفرق المقرون بالجمع غلب على كل منهم ما تقتضيه حقيقته من الجمع والتفرقة .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولمّا كان الأمر تنزل بحكم المراتب لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة ) فإن الأمر هاهنا بمعنى طلب الفعل ، فهو فعل ، وهو آخر مراتب التنزّلات ، وله الإحاطة وبه تحصل المرتب من الآثار والأفعال .
( فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور ) حقّا كان أو عبدا ، ( ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر ) كذلك .
 
قال رضي الله عنه :  ( فيقول الحقّ : " أَقِيمُوا الصَّلاةَ ") [ 2 / 43 ] ( فهو الآمر والمكلَّف المأمور  ويقول العبد : « رب اغفر لي » فهو الآمر والحقّ المأمور . فما يطلب الحقّ بأمره هو بعينه يطلب العبد من الحقّ بأمره ) وإن اختصّ طلب العبد بالدعاء في عرف الأدب ، وطلب الحقّ بالأمر .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولهذا كان كلّ دعاء مجابا ولا بدّ ، وإن تأخّر كما يتأخّر بعض المكلَّفين ممّن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلَّي في وقت ، فيؤخّر الامتثال ويصلَّي في وقت آخر إن كان متمكَّنا من ذلك ، فلا بدّ من الإجابة ولو بالقصد )
بأن يجيب الدعاء من جانب الحقّ ، أو يؤديّ الصلاة من جانب الخلق .
وملخّص كلامه هذا أن عيسى عليه السّلام عند قوله المذكور منصبغ بما يعطيه أمره المنزل عليه ، غير قادر على السكوت عنه .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة: فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، )
 
قال رضي الله عنه :  (ولما كان الأمر ) أي الحال والشأن الذي تتصف به أهل المراتب ( ينزل ) عليهم ويتصفون به ( بحكم المراتب ) ، أي بسبب أن المراتب يحكم به عليهم ويقتضيه ( لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ) ما ، حقا كان أو خلقا ( بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة ) من الأحوال والأحكام ( فمرتبة المأمور ) ، أي المأمور به ( لها حكم يظهر في كل مأمور ) فذلك الحكم هو الانقياد ، وذلك إذا كان المأمور مأمورا بالأمر الإيجادي فقط أو الإيجادي والإيجابي معا .
وأما إذا كان مأمورا بالأمر الإيجابي فقط فليس مأمورا بالحقيقة هذا إذا كان المأمور هو العبد ، وأما مأمورية الحق سبحانه فإنما تتحقق إذا كان دعاء العبد بلسان الاستعداد فقط ، أو به مع القول ، وأما المأمور بلسان القول فقط فليس مأمورا بالحقيقة
 
قال رضي الله عنه :  (ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.  فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.  ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور. فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.  ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد. )
 
قال رضي الله عنه :  ( ومرتبة الآمر )، أي الأمر به ( لها حكم يبدو في كل آمر ) وهو الحكم على المأمور وإنفاذه فيه .
( فيقول الحق سبحانه ) قولا إيجاديا أو إيجابيا مع الإيجاد (أَقِيمُوا الصَّلاةَ فهو الآمر ) [ الأنعام : 72 ] .
والمكلف حقيقة ( و ) العبد ( المكلف ) هو ( المأمور ويقول العبد ) بلسان الاستعداد سواء قارنه قول اللسان أم لا ؟ ( رب اغفر لي فهو الآمر والحق المأمور فما يطلب ) ، أي الذي يطلبه ( الحق من العبد بأمره ) وهو الانقياد ( هو بعينه ما يطلبه الحق من العبد بأمره ) ، أي دعائه فإن العبد يقصد بدعائه الإجابة التي هي الانقياد من الحق فمطلوب كل من الحق والعبد بأمره هو الانقياد .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) ، أي لكون كل مرتبة من المأمور والآمر لها حكم يظهر في أصحابها أو يكون طلوب كل واحد من الحق والخلق هو الانقياد ( كان كل دعاء ) حقيقي ( مجابا ) بل كل أمر حقيقي مطاعا ( ولا بد ) من حصول الإجابة ( وإن تأخر ) لفقدان شرط أو وجود مانع.
 
قال رضي الله عنه :  ( كما يتأخر ) ويتقاعد ( بعض المكلفين عن الإجابة ) والطاعة ( ممن أقيم ) في مقام التكليف ( مخاطبا بإقامة الصلاة ) مثلا ( فلا يصلي في وقت ) أمر بإقامتها فيه ( فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك ) الامتثال بأن يكون الأمر الإيجادي واقعا ( فلا بد من الإجابة ) في الوقت المأمور فيه ( ولو كان ) تأخير الامتثال ( بالقصد ) والعمد فكيف إذا كان بالغفلة والنسيان .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 20:11 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية والعشرون الجزء الأولى .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الثانية والعشرون : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ قال :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربّي وربّكم شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ لأنّ الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم .فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أي رفعتني إليك حجبتهم عنّي وحجبتني عنهم كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ في غير مادتي ، بل في موادّهم .  إذ كنت بصرهم الّذي يقتضي المراقبة . فشهود الإنسان نفسه شهود الحقّ إيّاه .
وجعله بالاسم الرّقيب لأنّه جعل الشّهود له . فأراد أن يفصّل بينه وبين ربّه حتّى يعلم أنّه هو لكونه عبدا في الواقع وأنّ الحقّ هو الحقّ لكونه ربّا له ، فجاء لنفسه بأنّه شهيد ، وفي الحقّ بأنّه رقيب .  وقدّمهم في حقّ نفسه فقال :عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْإيثار لهم في التّقدّم وأدبا ، وأخّرهم في جانب الحقّ عن الحقّ في قوله :الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْلما يستحقّه الرّبّ من التّقدّم بالرّتبة . )
 
قال رضي الله عنه :  (ثم قال) ، أي عيسى عليه السلام (وكنت عليهم) ، أي على الناس الذين كانوا في زمانه ، ولم يقل أيضا على نفسي معهم كما قال الشيخ رضي الله عنه :  اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ
عَلَيْهِمْ شَهِيداً، أي شاهدا مطلقا ما دُمْتُ[ المائدة : 117 ] ، أي مدة دوامي قائما فِيهِمْ. لأن الأنبياء والمرسلين عليهم السلام أرسلهم اللّه تعالى ليكونوا شهداء على أممهم ما داموا قائمين فيهم ، قال تعالى :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً( 45 ) [ الأحزاب : 45 ] . وقال تعالى :لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً[ البقرة : 143 ] .
 
قال رضي الله عنه :  (فلما توفيتني) بالوفاة الاختيارية وهي الموت الاختياري بغلبة أحكام الروحانية على مقتضيات البشرية (أي رفعتني إليك) ، يعني من حضيض النفس البشرية إلى أوج حضرتك القدسية وحجبتهم ، أي الناس بإشغالهم بأحكام نفوسهم وغفلاتهم المستولية على قلوبهم عني من حيث أني الروح الخالص المصفى من كدرات الطبائع وأوساخ العناصر وحجبتني عنهم بدوام شهودك في حضرة وجودك على بساط كرمك وجودك كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم ْبهم لا بي في غير مادتي وهي نشأته الروحانية الطبيعية العنصرية بل في موادهم الروحانية الطبيعية العنصرية إذ ، أي لأنك كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة لأفعالهم وإن لم يشعروا بذلك لنفاذ حكمك فيهم بالغواية عن الحق المبين .
 
قال رضي الله عنه :  (فشهود الإنسان ) ، أي رؤيته ومعاينته نفسه بغفلته أولا ويبصر ثانيا شهود الحق تعالى إياه ، أي رؤيته تعالى ومعاينته لنفس ذلك الإنسان ثانيا في حال اتصافه بالوجود بعد شهوده له أوّلا في حال اتصافه بالثبوت في عدمه الأصلي ، وكما أن الإنسان في شهوده نفسه ورؤيته لها ومعاينته إياها له بصيرة قلبية هي المشاهدة الرائية في نفس الأمر ، وله بصر هو مظهر بصيرته وصورة تجليها على بعض مدركاتها ، فكذلك الحق تعالى له بصر قديم هو صفة من صفات ذاته الأزلية يضاف إليه الشهود والرؤية حقيقة في نفس الأمر ، وله بصيرة وبصر خلقهما لعبده فهما مظهر لبصره القديم ، وصورة تجليه من حيث اسمه البصير كما تجلى باسمه القادر وصفة القدرة في قدرة عبده الحادثة .
 
وهكذا باقي الأوصاف والأسماء بصفة القيومية واسم القيوم بلا حلول ولا اتحاد .
قال رضي الله عنه :  (وجعله ) ، أي شهود الحق تعالى لهم باسم الرقيب في قوله :كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ لأنه عليه السلام جعل الشهود له بقوله :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فأراد أن يفصل ، أي يفرق بينه وبين ربه تعالى حتى يعلم بالبناء للمفعول أي يعلم السامع لهذا الكلام من الناس أنه ، أي عيسى عليه السلام هو ، أي عيسى عليه السلام لكونه عليه السلام عبدا من عبيد اللّه تعالى.
 
كما قال عليه السلام أول ما نطق وهو في المهد :إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وأن الحق تعالى القيوم عليه وعلى نفسه بما كسبت هو الحق تعالى لكونه سبحانه ربا ، أي مالكا له ، أي لعيسى عليه السلام فجاء عليه السلام لنفسه في كلامه بأنه شهيد وجاء في الحق تعالى بأنه رقيب عليهم وقدمهم ، أي الناس في حق نفسه فقال :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [ المائدة : 117 ] .
فقوله : شهيدا مؤخر عن قوله عليهم إيثارا ، أي سماحة لهم في التقدم الذكرى وأدبا في المسارعة إلى امتثال الأمر ، لأن الحق تعالى أرسله وأمره بالشهود عليهم ، فإنهم ركن في الامتثال ، فقدمهم مراعاة للأدب مع مولاه الذي أمرهم وأخرهم .
أي الناس في جانب الحق تعالى عن ذكر الحق تعالى في قوله : كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ لما يستحقه الرب سبحانه من التقدم على الكل بالرتبة فإن رتبته أعلى من أن يقال إنها أعلا من كل الرتب .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال ) عيسى عليه السلام ( وكنت عليهم ) أي على الأمم ( ولم يقل على نفسي معهم ) أي لم يفصل من نفسه وأنفسهم ( كما قال ربي وربكم ) أي كما فصل بين ربه وربهم بقوله " رَبِّي وَرَبَّكُمْ " ( شهيدا ما دمت فيهم ) .
وإنما قال هذا القول ( لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم فلما توفيتني أي رفعتني إليك ) وإنما فسر توفيتني برفعتي ليثبت حياة عيسى عليه السلام ( وحجبتهم عني وحجبتني عنهم كنت أنت الرقيب عليهم في غير مادتي بل في موادهم ) بمعنى المعية بحكم واللّه معكم لا بمعنى الحلول في موادهم الروحانية والجسمانية فإنه محال في حق اللّه كما ثبت عند أهل اللّه .
 
قال رضي الله عنه :  ( إذا كنت ) تعليل لقوله بل في موادهم ( بصرهم الذي يقتضي المراقبة ) وهو البصر المجرد عن المواد وهو النور الإلهي ( فشهود الإنسان ) أي الإنسان الكامل ( نفسه شهود الحق إياه ) لكون الحق بصر الإنسان الكامل دون غيره .
( وجعله ) أي جعل عيسى عليه السلام ذلك الشهود في الحق ( بالاسم الرقيب لأنه ) أي لأن عيسى عليه السلام ( جعل الشهود له ) أي للحق في قوله " وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً" لأن شهود عيسى عليه السلام شهود الحق في مادة عيسى عليه السلام فلم يفصل بينه وبين ربه ( فأراد أن يفصل بينه وبين ربه ) كما هو عادة العالمين بالحقائق .
 
قال رضي الله عنه :  ( حتى يعلم أنه هو ) أي أن عيسى عليه السلام هو عيسى عليه السلام ( لكونه عبدا ) في الواقع ( و ) يعلم ( أن الحق هو الحق ) في الواقع ( لكونه ربا له فجاء لنفسه بأنه شهيد ) لأن الشهيد قد يؤخذ بمعنى الشاهد على الشخص الحاضر عنده .
( و ) جاء ( في الحق بأنه رقيب ) لأن الرقيب هو الشاهد على الشيء أزلا وأبدا وفرق بين نفسه وبين ربه في الشهود عليهم لذلك قيد شهوده بقولهما دُمْتُ فِيهِمْوأطلق في الحق بقوله "أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ".
 
قال رضي الله عنه :  ( وقدمهم في حق نفسه فقال " عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ " إيثارا لهم في التقدم وأدبا وآخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله "الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " لما يستحق الرب من التقدم بالرتبة ثم اعلم ) عيسى عليه السلام على صيغة الماضي.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
قال رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.  «فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.  فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه. وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
ما ذكره  ظاهر.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
قال رضي الله عنه :  (ثم قال : “ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ “ ولم يقل : على نفسي معهم . كما قال : “ رَبِّي وَرَبَّكُمْ “ ، " شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ " لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم . " فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي " أي رفعتني إليك وحجبتهم عنّى وحجبتني عنهم. " كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " في غير مادّتي بل في موادّهم ، إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة ، فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إيّاه ، وجعله باسم « الرقيب »)  لأنّه جعل الشهود له  .
يعني : بعين شهودهم أنفسهم بالحق ، فأراد أن يفصل بينه وبين ربّه حتى يعلم أنّه هو ، لكونه عبدا في الواقع وأنّ الحق هو الحق ،لكونه ربّا له ، فجاء لنفسه بأنّه شهيد وفي الحق بأنّه رقيب .
يعني : لأنّ الشهيد يكون بالنسبة إلى وقت دون وقت وبالنسبة إلى مشهود دون مشهود ، والرقيب يقتضي دوام الرقبى إلَّا إذا أضيف إلى الحق الدائم الوجود ، فيقتضي دوام الشهود ، فافهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( وقدّم « هم » في حق نفسه ، فقال : " عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ " إيثارا لهم في التقدّم وأدبا ) .
يعني: إيثار التربية والرقيب  بلا وساطة كله لأمرهم إلى ربّهم وربّه وأدبا مع ربّهم .
 
قال رضي الله عنه : ( وأخّر « هم » في جانب الحق عن الحق في قوله : " الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " لما يستحقّه الربّ من التقدّم في الرتبة .)
يعني : حجاب تعيّن عيسى وحجابيّتهم ، فإنّهم إنّما حجبوا بالصورة الشخصية التعيّنية وحصروا الحق فيه ، فكفروا أي ستروا وغابوا عن الحق المتعيّن فيه وفيهم وفي الكلّ من غير حصر ، وذلك الحجاب الستر كان غيبا لهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة. فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال : " وكُنْتُ عَلَيْهِمْ "  ولم يقل على نفسي معهم ، كما قال – " رَبِّي ورَبَّكُمْ " ، "شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ " لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم  " فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي " . أي رفعتني إليك وحجبتهم عنى وحجبتني عنهم " كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " في غير مادتي بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه ، وجعله باسم الرقيب لأنه جعل الشهود له )
أي لنفسه فعظم الله ونزهه عن أن يشاركه في الاسم أدبا بعين شهودهم أنفسهم بالحق .
 
قال رضي الله عنه :  ( فأراد أن يفصل بينه وبين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا ، وأن الحق هو الحق لكونه ربا له ، فجاء لنفسه بأنه شهيد وفي الحق بأنه رقيب ، وقدمهم في حق نفسه فقال : "عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ" ( إيثارا لهم في التقدم وأدبا )
لأن الحق في أنفسهم شهيدا عليهم أيضا ومع الحق فإن التقدم يفيد الاختصاص : أي كنت عليهم خاصة شهيدا دون غيرهم ، لأنه ليس في وسعي الشهادة على جميع الأمم ، فما كنت شهيدا إلا على ما أشهدتنى عليه ، وأما أنت فكنت أنت الرقيب عليهم ، وعلىّ وعلى كل شيء .
 
قال رضي الله عنه :  ( وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله : " أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " لما يستحقه الرب من التقدم بالرتبة ) ومن الرقبة على كل أحد كما ذكر .

.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 20:16 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الثانية والعشرون : -    الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة. فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال : ( وكنت عليهم ) ولم يقل : على نفسي معهم . كما قال : " ربى وربكم شهيدا ما دمت فيهم " . لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.)
أي ، قال : "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " .
ولم يقل : وكنت شهيدا على نفسي ، وأنفسهم المشهود عليهم . كما فصل بين ربه وربهم بقوله : ( ربى وربكم ) لأن الأنبياء شهداء على أممهم ، و ( الشهيد ) اسم من أسماء الحق ، فهم مظاهره ، فالحق هو الشهيد عليهم بأعيان الأنبياء ، لا غيره
 .
قال رضي الله عنه :  ("فلما توفيتني " أي ، رفعتني إليك وحجبتهم عنى وحجبتني عنهم "كنت أنت الرقيب عليهم" في غير مادتي ، بل في موادهم . )
أي ، كنت أنت الرقيب عليهم في عين موادهم الروحانية والجسمانية بحكم المعية وبحكم الهوية الظاهرة فيهم المتسترة بهم .
قال رضي الله عنه :  ( إذ كنت بصرهم الذي يقتضى المراقبة . فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه وجعله بالاسم الرقيب . ) أي ، جعل عيسى ذلك الشهود للحق بالاسم الرقيبي .
( لأنه جعل الشهود له . ) أي ، لأن عيسى ، عليه السلام ، جعل الشهود للحق بقوله : " كنت أنت الرقيب عليهم " . ومعناه : أن الحق يرقبهم ويشاهدهم من عين أعيانهم وهم لا يشعرون  
 
( فأراد أن يفصل بينه وبين ربه حتى يعلم أنه هو ) أي ، ليعلم أن عيسى هو العبد .
( لكونه عبدا ) في الواقع . ( وأن الحق هو الحق ، لكونه ربا له ، فجاء لنفسه بأنه شهيد ، وفي الحق بأنه رقيب . ) أي ، أراد عيسى ، عليه السلام ، أن يفصل بينه وبين ربه ، فجاء لنفسه بالشهيد ، وللحق بالرقيب .
و ( الشهيد ) تارة يؤخذ بمعنى المشاهد ، فيكون بمعنى الرقيب . وتارة يؤخذ بمعنى الشاهد الذي
يشهد على الشخص والحاضر عنده .
ولما كانت الأنبياء شهداء على أممهم يوم القيامة بالمعنى الأخير ، أتى في حق نفسه بالشهيد وفي الحق بالرقيب ، لأنه يشهد عليهم ما دام فيهم لا غير ، والحق رقيب عليهم أزلا وأبدا حيث كانوا دنيا وآخرة .
( وقدمهم في حق نفسه ، فقال : "عليهم شهيدا ما دمت فيهم " . إيثارا لهم في التقدم وأدبا ، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله : "الرقيب عليهم " لما يستحقه الرب من التقدم بالرتبة . ) أي ، قدم ضمير ( هم ) على الاسم ( الشهيد ) الذي جاء لنفسه بقوله : (عليهم شهيدا) وأخر ضمير ( هم ) عن الاسم ( الرقيب ) في قوله : ( كنت أنت الرقيب عليهم ) لما يستحق الرب من التقديم في المرتبة ، وتأخير ما جاء لنفسه ، لإيثار التقدم ولمراعاة الأدب بين يدي الحق ، إذ الكلام معه ، أو الأدب معهم ، لأنهم أيضا مظاهره ، وليتعلموا منه ذلك فيتأدبوا.
 
وأيضا ، التقديم يفيد الحصر فهو في حق الحق صادق ، إذ معناه : أنت الرقيب عليهم لا غيرك ، وفي حق نفسه لم يصدق ، لأنه ليس هو الشهيد عليهم فقط .  ( ثم ، أعلم ) على صيغة الماضي من ( الإعلام ) .


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ قال :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ [ المائدة : 117 ] ، ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربّي وربّكم شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [ المائدة : 117 ] ؛ لأنّ الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم ،فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي [ المائدة : 117 ] ، أي : رفعتني إليك وحجبتهم عنّي وحجبتني عنهم كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [ المائدة : 117 ] ، في غير مادتي ، بل في موادّهم ، إذ كنت بصرهم الّذي يقتضي المراقبة ؛ فشهود الإنسان نفسه شهود الحقّ إيّاه ، وجعله بالاسم الرّقيب لأنّه جعل الشّهود له ، فأراد أن يفصّل بينه وبين ربّه حتّى يعلم أنّه هو لكونه عبدا في الواقع وأنّ الحقّ هو الحقّ لكونه ربّا له ، فجاء لنفسه بأنّه شهيد ، وفي الحقّ بأنّه رقيب ).
 
قال رضي الله عنه :  (ثم قال :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً )[ المائدة : 117 ] أخذ مقام الجمع لنفسه ومقام الفرق لهم ؛ لأنه لما أقام له الحق في مقام الفرق المقرون بالجمع غلب على كل منهم ما تقتضيه حقيقته من الجمع والتفرقة ، ( ولم يقل : كنت على نفسي معهم ) شهيدا باعتبار التفرقة في الكل مقرونة بالجمعية ، ( كما قال :رَبِّي وَرَبِّكُمْ )[ هود : 56 ] .
فأخذ التفرقة في الاسم الجامع الإلهي على مقتضى ما أقام له الحق في مقام التفرقة مقرونة بالجمع ؛ لأن هذا الاقتران كان في الكل أولا ، ثم غلب على كل ما تقتضيه حقيقته ، ثم قيد شهادته عليهم بدوامه فيهم ، فقال : شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [ المائدة : 117 ] .
 
وإن كان مقتضى الجمع الغالب عليه ألا تنقطع شهادته أبدا ؛ لأن شهادته عليهم ليس باعتبار هذه الجمعية بل باعتبار كونه بينهم ، فتقيد شهادته عليهم بمدة نبوته لهم ؛ ( لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم ) ؛ لأن نبوتهم مقيدة بتلك المدة ، ولا تمكن الشهادة بعد ذلك منهم كما أشار إليه بقوله :فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي[ المائدة : 117 ] .
ولما كان المشهور في معناه الإماتة ، وهو عليه السّلام حي فسره ، بقوله : ( أي : رفعتني إليك ) ، كما قال عزّ وجل إذ قال اللّه :يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ[ آل عمران : 55 ] ، وهذا الرفع وإن قربه من علام الغيوب لا يبقي له شهادة عليهم ، أي : يحجبون عنه عند مزيد استغراقه في الحق ، كما يحجبون عنه مع غاية إشراق نور الحق عليه .
 
وإليه الإشارة بقوله : ( وحجبتهم عني ) ، فلم يمكنهم مراجعتي في موضع الشبهات ، (وحجبتني عنهم ) ، فلم يمكنني الاطلاع على أفعالهم القبيحة لأمنعهم عنها ، (كنت أنت الرقيب عليهم ) .
ولما كان ظاهره الحصر مع أن كل واحد مراقب لنفسه قيده بقوله : ( في غير مادتي ) ، فلم أكن رقيبا عليهم ، ولا شهيدا لا بنفسي ولا بك .
ثم قال : ( بل في موادهم ) مع أن شهود الحق للأشياء لا يتوقف على كونه ظاهرا في مادة شخص ؛ لأن المراقبة تقتضي ذلك إذ لا يكون إلا بالبصر الظاهر ، فكأنه قال : كنت أنت الرقيب عليهم في موادهم ، ( إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة ) ، وإن لم يصر بصرهم عين الحق لاختصاص ذلك بالكمّل وهم أهل القصور.
قال رضي الله عنه :  ( فشهود الإنسان نفسه ) كاملا أو قاصرا ( شهود الحق إياه ) ، فإنه لما لم يكن وجوده من ذاته كان من ظهور الحق فيه فهو من جملة مظاهره ، ولكن لقصوره لا القصور يتجوز فيه بأنه هو لإشعاره بتناسي التشبيه ، ولا يتأتى في المظاهر القاصرة ، وهذا الشهود وإن كان أعم من المراقبة ؛ لتوقفها على البصر الظاهر دونه لم يستعمله في حق اللّه تعالى مع عموم شهوده باعتبار كونه في مقر غيره ، واعتبار ظهوره في الماديات ، بل ( جعله ) أي :
شهود الحق ( بالاسم الرقيب ) المقيد بظهوره في الماديات ، أي : عيسى عليه السّلام ( جعل الشهود ) له أولا ؛ ليشعر بأن كونه شهيدا عليهم لا يتقيد بكونه في مادته أو مادتهم ، بل يشاهدهم في شهود الحق إياهم ، باعتبار التفرقة التي أقام الحق فيها لعيسى عليه السّلام مع الجمعية ، فلو أتى بهذا اللفظ في حق اللّه لالتبس بالحق .
 
قال رضي الله عنه :  ( فأراد أن يفصل بينه وبين ربه ) بتميز اللفظين المستعملين فيهما ؛ لأنه يدل على أنه إنما يميز بينهما لتمييزهما في الواقع ، ( حتى يعلم أنه هو ) وإن بلغ ما بلغ عند تجلي الحق في مادته ، فإنه يتميز عنه ( بكونه عبدا ) ، وإن الحق وإن ظهر في مظهره ( هو الحق ) تميز عنه ( بكونه ربّا ) ، فلابد مما يشعر بهذا التميز وأقله تميز الألفاظ ، ( فجاء لنفسه بأنه شهيد ، وفي الحق بأنه رقيب ) ؛ ليشعر بأنه باعتبار ظهور الحق فيه ، صار شهوده عامّا بالنظر إلى سابق حاله ، والحق باعتبار ظهوره في مادته ، صار شهوده خاصّا بقدر ما تقتضيه حقيقة عيسى عليه السّلام .
 
قال رضي الله عنه :  (وقدّمهم في حقّ نفسه فقال :عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [ المائدة : 117 ] ، إيثارا لهم في التّقدّم وأدبا ، وأخّرهم في جانب الحقّ عن الحقّ في قوله :الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ )[ المائدة : 117 ] ، لما يستحقّه الرّبّ من التّقدّم بالرّتبة )
 
ثم أشار إلى مبالغة عيسى عليه السّلام في هذه العبودية بغاية التذلل ؛ فقال : ( وقدمهم ) أي :
اللفظ الدال عليهم على اللفظ الدال عليه ( في حق نفسه ، فقال :عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ )[ المائدة : 117 ] ، وإنما ذكره ؛ ليشير بأن تقدمه في كنت ودمت ؛ لضرورة اتصال الضمير ( إيثارا لهم في التقدم ) الذي أعطيه ، فتعاظم به ، وهو خلاف التواضع اللازم للعبودية ، ( وأدبا ) ؛ لئلا يتكبر على عباد اللّه ، ولو فيهم كافر ، ( وآخرهم في جانب الحق عن الحق ) وإن اعتبر ظهوره فيهم في المراقبة وهو متأخر عنهم في ( قوله :كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ )[ المائدة : 117 ] ، كما ( في قوله :وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [ المائدة : 117]
( لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة ) ، فلابدّ من اعتباره مع اعتبار ظهوره فيهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )  
 
 قال رضي الله عنه :  (ثمّ قال : " وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ " - ولم يقل : « على نفسي معهم » كما قال : " رَبِّي وَرَبَّكُمْ " ، " شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ" لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم) .
 
وفي تكرار ضميري المتكلَّم والغائب ما هو مقتضى الكلمة العيسويّة ( " فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي " أي رفعتني إليك وحجبتهم عنّي ، وحجبتني عنهم ، " كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " في غير مادّتي ، بل في موادّهم ، إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة ، فشهود الإنسان نفسه شهود الحقّ إيّاه . وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له ) - لدلالته على الحضور.
 
قال رضي الله عنه :  ( فأراد أن يفصل بينه وبين ربّه حتى يعلم أنّه هو ) يعني أن عيسى في غيب كمونة وعدميّته الأصليّة ( لكونه عبدا ، وأنّ الحقّ هو الحقّ ) أي الحيّ القائم الدائم الباقي ( لكونه ربّا له ، فجاء لنفسه بأنّه شهيد ، وفي الحقّ بأنّه رقيب ) .
ووجه اختصاص نفسه بالشهيد لإشعاره بأنّ عيسى في الهويّة الإطلاقيّة وصرافة غيبها من حيث أنّه عبد ، وبيّن أنّ لتلك الهويّة تعانق الأطراف وجمعيّة الأضداد - على ما بيّن غير مرّة - فلا بدّ وأن يكون ذلك الغيب هو الحضور ، والشهيد هو الحاضر .
ثمّ إنّ الحضور أمر نسبي إنما يتصور بين اثنين ، فإنّ الحاضر إنما يقال له ذلك باعتبار قرينه ، فعلم على مسلك الاشتقاق الكبير وجه مناسبة الرقيب  واختصاصه هاهنا بالحقّ .
 
على أنّ هاهنا تلويحا يكشف عن وجهي الاختصاص كشفا بيّنا ، فإنّ الشهيد مع أن عقده عقد العبد ، فإن بيّناتهما يتوافقان بالموادّ ، كما أنّ الرقيب باعتبار ملاحظة الأوّل والآخر هو الربّ ، وعقد الربّ بفضله هو عقده .
قال رضي الله عنه :  (وقدّمهم في حقّ نفسه فقال : " عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ "  إيثارا لهم في التقدّم ، وأدبا ) لما هو مقتضى مقام تواضع الكمّل وإشارة أيضا على اختصاص شهادته بهم.
 
قال رضي الله عنه :  ( وأخّرهم في جانب الحق عن الحقّ في قولهم: " الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ " لما يستحقّه الرب من التقدّم بالرتبة ) وعدم اختصاص رقابته تعالى بهم .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم. «فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة. فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه. وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة.)
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال : "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ " ولم يقل على نفسي معهم كما قال : ربي وربكم "شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ" لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم ) لا على أنفسهم مع الأمم ( فلما توفيتني ) .
ولما كان التوفي ظاهرا في الإماتة وعيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه اللّه إلى السماء فسره رضي اللّه عنه بقوله : ( أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم ) ، فلما لم أبق متمكنا من الشهادة عليهم (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [ المائدة : 117 ] باعتبار مقام الفرق ( في غير مادتي بل في موادهم ) وأما باعتبار مقام الجمع ففي غير مادة ( إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه ) في مقام الفرق .
 
قال رضي الله عنه :  ( و ) إنما ( جعله ) أي جعل عيسى الحق مذكورا ( بالاسم الرقيب ) ولم يذكره مثل نفسه بالشهيد ( لأنه ) عليه السلام ( جعل الشهود له ) ، أي لنفسه ( فأراد أن يفصل بينه وبين ربه ) فيما يعبر به عنهما ( حتى يعلم أنه هو ) ، أي عيسى هو عيسى لا الحق بوجه ( لكونه عبدا ) أو وجه العبودية التي هي جهة التعين والتقيد غير وجه الربوبية والحقية ( وأن الحق هو الحق ) ، لا عيسى ( لكونه ربا له ) وجهة الربوبية التي هي جهة الإطلاق غير جهة العبدية ( فجاء عيسى لنفسه بأنه شهيد ) وإنما خصه بالشهيد لما سبق من أن الأنبياء شهداء على أممهم ( وجاء في الحق بأنه رقيب ) فرقا بينه وبين الحق .
 
قال رضي الله عنه :  ( وقدمهم في حق نفسه فقال :عَلَيْهِمْ شَهِيداً) لا شهيد عليهم (ما دُمْتُ فِيهِمْ إيثارا لهم ) على نفسه ( في التقدم ) كما يقتضيه مقام تواضع الكمل ، وإشارة أيضا إلى اختصاص شهادته لهم دون سائر الأمم ( وأدبا ) ، أي قدمهم على نفسه لمراعاة الأدب بين يدي الحق إذ الكلام معه أو لمراعاة الأدب معهم لأنهم مظاهره ( وآخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله الرقيب عليهم بما يستحقه الرب من التقدم بالرتبة ) ولعدم اختصاص رقابته.

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 20:21 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الثالثة والعشرون : -    الجزء الأولى
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ أعلم أنّ للحقّ الرّقيب الاسم الّذي جعله عيسى لنفسه وهو الشّهيد في قوله عَلَيْهِمْ شَهِيداً فقال :وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فجاء بكُلِّ للعموم وبشَيْءٍ لكونه أنكر النكرات وجاء بالاسم الشّهيد ، فهو الشّهيد على كلّ مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود . فنبّه على أنّه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال : وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [ المائدة : 117 ] فهي شهادة الحقّ في مادّة عيسويّة كما ثبت أنّه لسانه وسمعه وبصره . )
 
قال رضي الله عنه :  (ثم اعلم) يا أيها السالك (أن للحق) تعالى الرقيب سبحانه الاسم الذي جعله عيسى عليه السلام لنفسه وهو الاسم الشهيد في قوله : أي عيسى عليه السلام وَكُنْتُ عليهم شهيدا ما دُمْتُ فِيهِمْ فقال عليه السلام :وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فجاء بكل في قوله :كُلِّ شَيْءٍ للعموم ، أي عموم الأشياء وجاء بشيء في قوله له كل شيء أيضا لكونه ، أي الشيء أنكر النكرات لأنه اسم لكل مجهول ، فإذا عين باسم أخص وعلم كحجر ومدر وجاء بالاسم الشهيد فهو تعالى الشهيد فعيل بمعنى الفاعل ، أي شاهد من المشاهدة وهي المعاينة على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود من كونه محسوسا أو معقولا أو موهوما ونحو ذلك من الأقسام فنبه ، أي عيسى عليه السلام على أنه .
 
أي الحق  (تعالى هو الشهيد) ، أي الشاهد على قوم عيسى عليه السلام حين قال ، أي عيسى عليه السلام وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [ المائدة : 117 ] .
فهي ، أي هذه الشهادة شهادة الحق تعالى ، لأنه على كل شيء شهيد في جميع الأحوال والأزمان في مادة ، أي نشأة وخلقة عيسوية منسوبة إلى عيسى عليه السلام بصفة القيومية الإلهية عليها كما ثبت في الحديث القدسي من المقام المحمدي الذاتي أنه ، أي الحق تعالى لسانه ، أي لسان عيسى عليه السلام وسمعه وبصره حيث قال محمد نبينا صلى اللّه عليه وسلم : « فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به » الحديث .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
 قال رضي الله عنه :  ( ثم اعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى عليه السلام لنفسه وهو الشهيد في قوله " عَلَيْهِمْ شَهِيداً " فقالَ " وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" ) يعني أنا شهيد على قوم مخصوص ما دمت فيهم وأنت شهيد عليهم وعلى كل شيء أزلا وأبدا هي شهادة الحق في مقام الجمع والإطلاق .
 
قال رضي الله عنه :  ( فجاء بكل للعموم وشيء لكونه أنكر النكرات وجاء بالاسم الشهيد ) فإذا كان الأمر كذلك ( فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود فنبه ) عيسى عليه السلام بقوله " وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ".
 
قال رضي الله عنه :  ( على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى عليه السلام حين قال "عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ" فهي ) أي شهادة عيسى عليه السلام ( شهادة الحق ) عليهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ) فأثبت الشهادة أوّلا لنفسه بقولهوَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداًونفي ثانيا بإثباتها وحصرها للحق بقوله " وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " لا غير .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».  فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات. وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.)
ما ذكره  ظاهر.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  (وأعلم  أنّ للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو « الشهيد » في قوله : " عَلَيْهِمْ شَهِيداً " فقال "َأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " فجاء بـ « كلّ » للعموم وبـ « شيء » لكونه أنكر النكرات . وجاء بالاسم الشهيد فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود ، فنبّه على أنّه - تعالى - هو الشهيد على قوم عيسى حين قال : " وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ " فهي شهادة الحق في مادّة عيسوية ، لما ثبت أنّه لسانه وسمعه وبصره .)
 
يعني : حجاب تعيّن عيسى وحجابيّتهم ، فإنّهم إنّما حجبوا بالصورة الشخصية التعيّنية وحصروا الحق فيه ، فكفروا أي ستروا وغابوا عن الحق المتعيّن فيه وفيهم وفي الكلّ من غير حصر ، وذلك الحجاب الستر كان غيبا لهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ثم اعلم أن للحق الرقيب الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله : " عَلَيْهِمْ شَهِيداً " . فقال : " وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " فجاء بكل العموم وبشيء لكونه أنكر النكرات ، وجاء بالاسم الشهيد فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود )
ففرق بين الشهادة وأيضا بينه وبين ربه بأن خصص شهادته بأنها عليهم خاصة دون غيرهم ، وعمم شهادة الحق كل شيء.
 
قال رضي الله عنه :  ( فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال – " وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ "  فهي شهادة الحق في مادة عيسوية ، كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ، ) أي لعلو شأنها ورفعة مكانها عنده .
"" أضاف بالي زادة :  " وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " يعنى أنا شهيد على قوم مخصوصين ما دمت فيهم وأنت عليهم وعلى كل شيء شهيد أزلا وأبدا ، وهي شهادة الحق في مقام الجمع والإطلاق ، فأثبت الشهادة أولا بنفسه بقوله : "وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ".
 ونفى ثانيا بإثباتها وحصرها للحق بقوله " وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " - اهـ بالى .
( ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية ) وهي " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ " - الآية أي ألحقه بالكلام السابق المحرر اه والمراد ( بالمشهود الحاضر ) عالم الشهادة وبما يراد به هو الحق تعالى ، أي يشاهد الحق بالمشهود الحاضر ويستدل به فكان الحق نفسه مشهودا بالعالم الشهادة ، وهم لا يشاهدون الحق بالمشهود ، ولا يستدلون به لكون الغيب سترا وحجابا لهم فكانوا محجوبين عن الحق اهـ بالى .  ""
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم ، أعلم ) على صيغة الماضي من ( الإعلام ) .
( أن للحق " الرقيب " الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو ( الشهيد )
في قوله : ( عليهم شهيدا ) فقال : "و أنت على كل شئ شهيد" . فجاء بكل للعموم ، وبشئ ، لكونه أنكر النكرات . وجاء بالاسم (الشهيد) فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما يقتضيه حقيقة ذلك المشهود . )
أي ، ثم أخبر إن الاسم ( الشهيد ) الذي قال في حق نفسه : "وكنت عليهم شهيدا " أيضا للحق بقوله : ( وأنت على كل شئ شهيد ) فجاء بلفظ ( الكل ) الذي هو للعموم ، وبلفظ ( الشئ ) الذي هو أنكر النكرات ، تفريقا بين كونه شهيدا وبين كون الحق شهيدا ، فإنه شهيد لقومه مدة بقائه فيهم ، والحق شهيد عليهم وعلى كل شئ أزلا وأبدا بحسب ما يقتضيه حقائقهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال : "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم". فهي شهادة الحق في مادة عيسوية ، كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره . )
أي ، نبه بقوله : "وأنت على كل شئ شهيد " أنه هو الشهيد أيضا في الصورة العيسوية ، لا غيره .
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 20:27 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الثالثة والعشرون : -    الجزء الثانية
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ثمّ أعلم أنّ للحقّ الرّقيب الاسم الّذي جعله عيسى لنفسه وهو الشّهيد في قوله عَلَيْهِمْ شَهِيداً [ المائدة : 117 ] ، فقال :وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[ المائدة : 117 ] ، فجاء بكُلِّ [ المائدة : 117 ] للعموم ، وبشَيْءٍ [ المائدة : 117 ] لكونه أنكر النكرات وجاء بالاسم الشّهيد ، فهو الشّهيد على كلّ مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود ، فنبّه على أنّه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى عليه السّلام حين قال :عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [ المائدة : 117 ] ، فهي شهادة الحقّ في مادّة عيسويّة كما ثبت أنّه لسانه وسمعه وبصره ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم أعلم ) عيسى عليه السّلام ( أن للحق الرقيب ) أي : الذي خصه عيسى عليه السّلام بهذا الاسم المقيد بكونه عند ظهوره في المادة ، ( الاسم الذي جعله عيسى عليه السّلام لنفسه ) العام ، فهو أولى بالحق من عيسى عليه السّلام ، ( وهو ) أي : في ذلك الاسم ( الشهيد ) ، فقال :وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ المائدة : 117 ] .
 
فجاء للدلالة على معنى العموم الذي فيه بكل للعموم ، وبشيء لكونه أنكر النكرات ؛ لنفي توهم الاختصاص من لفظ الرقيب ؛ ولذلك لم يذكر هذا الاسم هاهنا ، بل جاء بالاسم الشهيد الدال بالتصريح على العموم مع عموم متعلقه دفعا لما توهم من الاختصاص بالكلية ، ( فهو الشهيد على كل مشهود ) من الماديات وغيرها ، ( بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود ) .
فإن كانت حقيقته مادته احتاج شهودها بوجه إلى البصر ، فيشاهد ذلك باعتبار ظهوره في الماديات ، وإلا شهده في مستقر غيره مع أنه يشاهد الكل في مستقر غيره بوجه آخر غير هذا البصر الظاهر المختص بنوع إدراك ولا يلزم حدوثه فيه ؛ لأنه أيضا بواسطة بصره الذي قوة إدراك ذلك ، لكن بواسطة هذا البصر الظاهر ، كما توقف إدراك بصره بالفعل على وجود البصر .
 
ولما دل هذا على أن شهود الماديات بالبصر الظاهر شهود الحق فيه ( على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى ) بشهوده ، ( حين قال :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً )[ المائدة : 117]
 
وإن قيده بقوله :ما دُمْتُ فِيهِمْ[ المائدة : 117 ] ، مع أن شهادة الحق أبدية غير منقطعة ، ( فهي شهادة الحق إياهم في مادة عيسوية ) تنقطع بانقطاعها ، والتي لا تنقطع مع شهادته عليهم هي شهادته باعتبار استقراره في مقر غيره ، ولا تتعدى كون شهادة الحق في مادة عيسوية مع تنزه الحق عن المادة ، ( كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ) ، وإن تنزه عن الجسمية والقوى الجسمانية ، ولكنه يجوز أن يظهر فيها ظهور الشمس التي في السماء الرابعة في المرآة .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ثمّ اعلم أنّ للحقّ : الرقيب . الاسم الذي جعله عيسى لنفسه ، وهو الشهيد في : "كنت عَلَيْهِمْ شَهِيداً " فقال : " وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " ) ففي مقابلة تخصيص شهادته المستفاد من تقديم « عليهم » تعميم شهادة الحق .
( فجاء بـ « كل » للعموم ، وبـ « شيء » لأنّه أنكر النكرات . وجاء بالاسم الشهيد فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود ) على ما هو مقتضى تعميمه .
ثمّ إنّ هذا التعميم والتخصيص إنما يستفادان من التركيب بحسب ظاهره وخواصّه التي هي مطمح نظر علماء الرسوم في صناعة المعاني .
 
فلذلك قال رضي الله عنه : " اعلم " فإنّ ما سبق من المعاني وأكثر ما يتعرّض له من اللطائف الشريفة على الآيات الكريمة في هذا الكتاب وغيره إنّما يظهر بضرب من الإيماء ويفصح عنه لسان الإشارة والتنبيه ، دون الإعلام ، كما في دلالة هذه الآية على أنّ الحقّ هو الشهيد في المادّة العيسويّة ، فإنّه أيضا بلسان التنبيه .
 
فلذلك قال رضي الله عنه  : ( فنبّه على أنّه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال :  "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ " فهي شهادة الحقّ في مادّة عيسويّة كما ثبت أنّه لسانه وسمعه وبصره ) .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :  ( ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».  فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات. وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.)
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم اعلم ) عيسى عليه السلام على صيغة الماضي من الإعلام ( أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه و ) ذلك الاسم ( هو ) الاسم ( الشهيد في قوله "عَلَيْهِمْ شَهِيداً" فقال ) عيسى عليه السلام (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فجاء بـ « كل » للعموم وبـ « شيء » لأنه أنكر النكرات ) وأشملها .
 
قال رضي الله عنه :  ( وجاء بالاسم الشهيد فهو سبحانه الشهيد ) لا غيره ( على كل مشهود بحسب ما يقتضيه حقيقة ذلك المشهود ) وإنما دلت هذه العبارة على انحصار الشهيد فيه سبحانه مع أنها ليس فيها من أدوات الحصر شيء لا انضمام مقدمة معلومة معها ، وهي أن كل صفة تظهر في المظاهر إذا كانت صالحة ، لأن تكون للظاهر فهي للظاهر تقيدت وتخصصت بحسب المظاهر .
فإذا دلت هذه العبارة على إثبات الشهادة له سبحانه وانضمت إلى تلك المقدمة المعلومة فأدت الحصر .
 
ولهذا ترتب عليه قوله رضي الله عنه :  : ( فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال :وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فهي شهادة الحق تعالى ولكن في مادة عيسوية كما يثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 5 ديسمبر 2019 - 21:08 من طرف عبدالله المسافربالله

السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الرابعة والعشرون : -    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ قال كلمة عيسويّة ومحمّديّة : أمّا كونها عيسويّة فإنّها قول عيسى بإخبار اللّه تعالى عنه في كتابه ؛ وأمّا كونها محمّديّة فلموقعها من محمّد صلى اللّه عليه وسلم بالمكان الّذي وقعت منه ، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر .إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ المائدة : 118 ] . « وهم » ضمير الغائب كما أنّ « هو » ضمير الغائب . كما قال :هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا[ الفتح : 25 ] بضمير الغائب ، فكان الغيب سترا لهم عمّا يراد بالمشهود الحاضر . فقال :إِنْ تُعَذِّبْهُمْ بضمير الغائب . وهو عين الحجاب الّذي هم فيه عن الحقّ . )
 
قال رضي الله عنه :  (ثم قال) ، أي عيسى عليه السلام بعد ذلك (كلمة عيسوية) ، أي منسوبة إليه عليه السلام (ومحمدية) ، أي منسوبة إلى نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم أما كونها ، أي الكلمة عيسوية فإنها قول عيسى عليه السلام من مقامه الروحاني الإلهي بإخبار اللّه تعالى عنه .
أي عن عيسى عليه السلام بذلك في كتابه تعالى وهو القرآن العظيم وأما كونها ، أي الكلمة (محمدية فلوقوعها من محمد صلى اللّه عليه وسلم بالمكان) ، أي المقام والمحل (الذي وقعت منه) صلى اللّه عليه وسلم من حيث المشرب العيسوي والمرتبة الروحانية الإلهية.
فقام ، أي محمد صلى اللّه عليه وسلم بها ، أي بهذه الكلمة المذكورة ليلة كاملة يرددها .
 
أي يكررها في القرآن في القراءة في الصلاة النافلة لم يعدل عنها إلى غيرها حتى طلع الفجر
الثاني وهي قوله :إِنْ تُعَذِّبْهُمْ، أي القائلين من الناس أن عيسى وأمه عليهما السلام إلهين من دون اللّه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، أي أصحاب عبودية لك وهي غاية الذل بين يديك ولم يشعروا بذلك من نفوسهم لانطماسها بالكفر بك .
("وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ")، أي تستر عنهم المؤاخذة على كفرهم ، لأنه أمر جائز منك غير مستحيل وقوعه فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ[ المائدة : 118 ] ، أي صاحب العزة والعظمة عن أن يقدروا أن يغضبوك بمخالفتهم لك فتشتفي منهم بعذابك لهم .
 
ونظيره ما روى أبو نعيم في الحلية عن يوسف بن الحسين الرازي قال : سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : سمعت أبا سليمان الداراني يقول : ليس أعمال الخلق بالتي ترضيه ولا تسخطه ، إنما رضي عن قوم فاستعملهم بأعمال الرضى ، وسخط على قوم فاستعملهم بأعمال السخط الْحَكِيمُ.
أي صاحب الحكمة البالغة ، فلو غفر لهم لكان ذلك هو الحكمة منك ، فإنها دائرة مع أفعالك كيفما فعلت ، فهو الحكمة ، لا هي أمر مخصوص بحيث تنحصر أفعالك فيها ، تعاليت عن ذلك علوا كبيرا وهم ( ) - من قوله :إِنْ تُعَذِّبْهُمْ، ضمير الغائب كما أن هو ضمير الغائب لكنه للواحد كما قال اللّه تعالى في نظير ضمير الغائب المجموع هم الذين كفروا .
 
بضمير الغائب المجموع لغيبتهم عن الحضور مع اللّه تعالى فكان الغيب الذي هم فيه بجهلهم وكفرهم سترا ، أي ساترا لهم عما ، أي عن الخلق الذي يراد ، أي يقصد عند العارفين بالمشهود ، لأنهم يشهدونه الحاضر لحضورهم بين يديه على بصيرة منهم بذلك ويقين تام .
فقال ، أي عيسى عليه السلام فيما أخبر اللّه تعالى به عنه إِنْ تُعَذِّبْهُمْ بضمير الغائب المجموع وهو ، أي نواب المفهوم من ضمير الغائب عين الحجاب الذي هم فيه عن شهود الحق تعالى والحضور بين يديه على علم .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال ) الحق ( كلمة عيسوية ومحمدية ) مقول قال ( أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى عليه السلام بإخبار اللّه عنه في كتابه وإما كونها محمدية فلوقوعها عن محمد عليه السلام بالمكان الذي وقعت منه فقام ) محمد عليه السلام ( بها ).
 أي بهذه الكلمة ( ليلة كاملة ) وقرأها ( يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى طلع الفجر ) فهذه الكلمة المنسوبة إلى عيسى وإلى محمد عليهما السلام قوله تعالى :" إِنْ تُعَذِّبْهُمْ " بجرمهم وهو جعلهم شركاء للَّه ( فإنهم عبادك ) لا اعتراض على المولى المطلق فيما يفعل بعبيده بما استحقوا به .
قال رضي الله عنه :  ( وإن تغفر لهم )  أي تسترهم عن الذنوب " فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " أي أنت القادر القوي على عفو المجرمين .
فإن عذبت فعدل فإن غفرت ففضل هذا تفسيرها .
وأما إشاراتها ولطائفها فسنبينك ( وهم ) في قوله " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ"، "وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ " ( ضمير الغائب كما أن هو ) في قوله تعالى :" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وفي غير ذلك ( ضمير الغائب كما قال هم الذين كفروا بضمير الغائب فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر ) .
والمراد بالمشهود الحاضر عالم الشهادة وبما يراد به هو الحق تعالى .
أي يشاهد الحق بالمشهود والحاضر ويستدل به فكان الحق نفسه مشهودا بالعالم الشهادة وهم لا يشاهدون الحق بالمشهود يستدلون به لكون الغيب سترا وحجابا لهم فكانوا محجوبين عن الحق فإذا كان الغيب سترا لهم .
قال رضي الله عنه :  ( فقال إن تعذبهم بضمير الغائب وهو ) أي الغيب ( عين الحجاب الذي هم ) كانوا ( فيه ) أي في ذلك الحجاب الذي ( عن الحق ) أي حصل عن الحق ، فغيب الحق تسترهم فالحق معهم في حجابهم بل الحق عين حجابهم وهم لا يشعرون بذلك .
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر. «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم». و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر. فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.)
ما ذكره  ظاهر.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.  )
 
قال رضي الله عنه :  ثم قال كلمة عيسويّة ومحمدية ، أمّا كونها عيسويّة فإنّها قول عيسى بإخبار الله في كتابه . وأمّا كونها محمدية فلموقعها من محمّد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه ، فقام بها ليلا كاملا يردّدها لم يعدل إلى غيرها ، حتى طلع الفجر " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " و « هم » ضمير الغائب كما أنّ « هو » ضمير الغائب كما قال : " هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا " بضمير الغائب ، فكان الغيب سترا لهم عمّا يراد بالمشهود الحاضر ، فقال : " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ " بضمير الغائب ،وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق ).
 
يعني : حجاب تعيّن عيسى وحجابيّتهم ، فإنّهم إنّما حجبوا بالصورة الشخصية التعيّنية وحصروا الحق فيه ، فكفروا أي ستروا وغابوا عن الحق المتعيّن فيه وفيهم وفي الكلّ من غير حصر ، وذلك الحجاب الستر كان غيبا لهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.  )
 
قال رضي الله عنه :  (ثم قال : كلمة عيسوية ومحمدية أما كونها عيسوية فإنه قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه ، وأما كونها محمدية فلوقوعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه ) أي لعلو شأنها ورفعة مكانها عنده .
 
"" أضاف بالي زادة " وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " يعنى أنا شهيد على قوم مخصوصين ما دمت فيهم وأنت عليهم وعلى كل شيء شهيد أزلا وأبدا ، وهي شهادة الحق في مقام الجمع والإطلاق ، فأثبت الشهادة أولا بنفسه بقوله : "وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ".
 ونفى ثانيا بإثباتها وحصرها للحق بقوله " وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " - اهـ بالى .
( ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية ) وهي " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ " - الآية أي ألحقه بالكلام السابق المحرر اه والمراد ( بالمشهود الحاضر ) عالم الشهادة وبما يراد به هو الحق تعالى ، أي يشاهد الحق بالمشهود الحاضر ويستدل به فكان الحق نفسه مشهودا بالعالم الشهادة ، وهم لا يشاهدون الحق بالمشهود ، ولا يستدلون به لكون الغيب سترا وحجابا لهم فكانوا محجوبين عن الحق اهـ بالى .  ""
 
قال رضي الله عنه :  ( فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى طلع الفجر – " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " - وهم ضمير الغائب ، كما أن هو : ضمير الغائب . كما قال :  " هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا " بضمير الغائب فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر فقال : " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ " – بضميرالغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق ) .
 
أي حجاب بعين عيسى وحجابيتهم ، فإنهم إنما حجبوا بالصورة الشخصية المتعينة ، وحصروا الحق فيه بقولهم " إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " فكفروا - أي ستروا وغابوا عن الحق المتعين فيهم وفي الكل من غير حصر ، وذلك الحجاب والستر كان غيبا.
 
قال رضي الله عنه :  ( فذكرهم الله النبي قبل حضورهم ) الحق المتجلى في الفرقان يوم الجمع والفصل ( حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين ) أي من حيث أحدية جمع العين .
 
"" أضاف بالي زادة ( حتى إذا حضروا ) بين يدي الله ، وشاهدوا ما كانوا عليه قبل ذلك من الحجاب ( تكون الخميرة ) هي ما أودع في طينة أبدانهم من استعداد الوصول إلى حضرة الحق ، والعجين طينة أبدانهم فمقتضى العجين الستر والحجاب والخميرة الكشف عن الحق ، فقد تحكم خميرتهم على عجينتهم في الدنيا فتصيرها مثله في الستر ، فإذا قامت قيامتهم انتهى حكم العجين فتحكمت فيه كما تحكم فيها اهـ بالى .
( أي المنيع الحمى ) يعنى أن ذاتك بحسب الاسم العزيز والغفور ويقتضي مظهرا يظهر بهما كمال الظهور ولا أكمل مظهرا ممن جعل لك شريكا ، فإن لم تسترهم من العذاب فائت هذه الحكمة التي يراد وقوعها ، وهو ظهور الحق بكمال الغفارية أي منيع الحمى ، وما حماه إلا عين عبده ( يريد به المنتقم ، والمعذب من الانتقام والعذاب )
فمقتضى هذا الاسم منع العذاب عن العبد المذنب لذلك التجأ في دعائه إليه فأجاب الله دعاءه حفظا
عن إضاعة مجاهدته في ليلة كاملة ( تقديم الحق وإيثار جنابه ) من أن الحق يريد القهر والانتقام منهم ( فدعا عليهم لما لهم ) لأن الأنبياء لا يريدون إلا ما يريده الحق ، فلو لم يلاحظ العفو ما بالغ في دعائه ليلة كاملة ، فما نزلت الآية عليه إلا أن يشفع لهم ، ولا يشفع إلا لمن يقبل الشفاعة اهـ  بالى زادة. ""
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم ، قال : كلمة عيسوية ومحمدية . أما كونها عيسوية ، فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه . وأما كونها محمدية ، فلوقوعها من محمد ، صلى الله عليه وسلم ، بالمكان الذي وقعت منه ، فقام بها ليلة كاملة يرددها ، لم يعدل إلى غيرها حتى طلع الفجر : "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" . ) .
 
أي ، ثم قال عيسى كلمة ينسب إليه وإلى محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وهي : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك . . . ) أما نسبتها إلى الكلمة العيسوية ، فبإخبار الله في كتابه عنه ، وأما نسبتها إلى المحمدية ، فيكونه ، عليه السلام ، قام بها ليلة كاملة يقرأها ويكررها حتى طلع الفجر . ولما قال : ( وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) . وكان الفقر سترا - وضمير الغائب أيضا يدل عليه فإن الغائب عن الحس مستور عنه - نبه عليه بقوله : ( و ( هم ) ضمير الغائب ، كما أن ( هو )
ضمير الغائب ، كما قال : ( هم الذين كفروا ) بضمير الغائب . فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر ، فقال : ( إن تعذبهم ) بضمير الغائب )
أي ، ( هم ) في قوله : "إن تعذبهم وإن تغفر لهم " ضمير الغائب . كما أنه ( هو ) في قوله : " قل هو الله أحد " . و (هو الذي في السماء اله وفي الأرض إله ) و (هو الله الذي لا إله إلا هو).
 
وأمثاله ضمير الغائب . فيكون الغيب الذي يدل عليه ضمير ( لهم ) و ( هم ) سترا وحجابا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر . كما قال : ( هم الذين كفروا ) بضمير ( هم ) ووصفهم بالكفر الذي هو الستر . ففي الكلام تقديم وتأخير .
تقديره :
فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر ، كما قال هم الذين كفروا .
والمراد ب‍ ( المشهود الحاضر ) هو الحق الذي ظهر بنفسه الرحماني ، وصار مشهودا في مراتب عالم الأرواح المجردة بالصور النورية ، وفي عالم المثال والحس بالصور الحسية ، وذكر أيضا مرارا أن الأعيان ما شمت رائحة الوجود بعد ، وكل ما في الوجود هو تعينات وصور طارية على الوجود ، مثالا لها وعكسا ، فإن الأعيان لا تشاهد إلا في مرآة الوجود ، والوجود هو الحق ، فالمشهود الحق لا غير .
 
قال رضي الله عنه :  ( وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق . ) أي ، ذلك الستر هو عين الحجاب الذي حجبهم عن الحق ، أي ، ذلك الغيب الذي يدل ضمير الغائب عليه ، عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق ، فإن الغيب من حيث هو غيب شئ واحد ، وهو غيب الحق الذي يتستر الكاملون من العباد فيه عند فنائهم من صفاتهم ، وهو الغيب الذي يحصل من التقرب بالنوافل .
كما قال الشاعر المحقق :
( تسترت عن دهري بظل جناحه .... فعيني ترى دهري وليس يراني)

(فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت .... وأين مكاني ما درين مكاني )
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السـفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السـفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» الفقرة الأولي السفر الخامس فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى