المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم :: القرآن الكريم و علومه :: إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
صفحة 1 من اصل 1
08022024
المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي 673 هـ
المزاج يغلب قوّة الغذاءواعلم ، أنّه كما أنّ الغذاء إذا ورد على محلّ قد غلب « 5 » عليه كيفيّة مّا ، فإنّه يستحيل إلى تلك الكيفيّة ، وكون المزاج - إذا كان قويّا - أبطل قوة الغذاء وحكمه بغلبة قوّته عليه ، فلم يظهر أثر للخواصّ المودعة في ذلك الغذاء ، التي لو لم تصادف هذا المقام والقاهر ، لبدا أثرها :
فكذلك حكم الخواصّ والقوى الروحانية المودعة في كلّ غذاء مع المزاج الروحاني الذي للمتناول « 6 » ، الحاصل « 7 » - كما قلنا - من اجتماعات القوى الروحانيّة والصفات النفسانيّة العلميّة منها والعمليّة ؛ فإنّ هذا المزاج ينتهي في القوّة « 8 » إلى حدّ يقلب « 9 » أعيان الصفات الروحانيّة إلى الصفة المحمودة الكاملة ، الغالب حكمها على صاحب هذا الحال والمزاج الروحاني المشار إليه ، ويضمحلّ قواها وخواصّها في جنب قوّة هذا الشخص وروحه .
..........................................................
( 1 ) . ق : لها . ( 2 ) . ق : أحكاما .
( 3 ) . ق : ذكرنا . ( 4 ) . ق : الأعيان .
( 5 ) . ق : غلبت . ( 6 ) . ق : للمشارك .
( 7 ) . في بعض النسخ : الخاص .
( 8 ) . ق : القوى للمتن .
( 9 ) . ق : يغلب .
164
وهكذا الأمر في الطرف المذموم ومقام النقائص بالنسبة إلى من هو في مقابلة أهل الكمال ؛ فإنّ الفيض الإلهي وآثار القوى العالية « 1 » والتوجهات الملكيّة تصل إليهم في غاية التقديس والطهارة متميّزا « 2 » بعضها عن بعض ، فإذا اتّصلت بهم انصبغت بحسب أحوالهم والصفة الناقصة المذمومة المستولية عليهم ، فانقهرت الآثار الأسمائيّة والتوجّهات الروحانيّة تحت حكم طبيعتهم وأمزجتهم المنحرفة الناقصة ، وظهر عليها سلطان صفاتهم المذمومة ، فحجبتها وأخفت حكمها ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في سرّ التجليات ، فافهم .
ومن تفاصيل هذا السرّ والمقام تستشرف على سرّ الحلّ والحرمة أيضا ، كما نبّهت عليه ، فتعلم أنّ ثمّة أمورا هي بالنسبة إلى بعض الخلق نافعة وبالنسبة إلى غيرهم غير نافعة ، ونظير هذا في المرتبة الطبيعيّة الظاهرة أشياء شتّى كالعسل - مثلا - بالنسبة إلى المحرور المحترق المزاج ، وبالنسبة إلى المبرود والمرطوب الغالب على مزاجه البلغم .
والضابط لك في هذا الباب أنّه مهما ظهر لك حكم من هذه الأحكام في الطبيعيّات فاعتبر مثله في المراتب الروحانيّة والصفات المعنويّة النفسانيّة ، واستحضر ما أسلفت لك في النكاحات الخمسة وأسرارها من أنّ الأحكام الطبيعيّة ناتجة « 3 » متحصّلة عن الأحكام الروحانيّة ، والروحانيّة ناتجة عن الحقائق الغيبيّة فإن كنت من أهل الكشف والشهود ، فتذكّر بهذا الكلام وتنزّه ، وإلّا فسلّم واطلب ؛ فإنّ الرزّاق ذو القوّة المتين ، ما هو على الغيب بضنين ولتعتبر « 4 » أيضا بعد اعتبارك لتبعيّة الطبيعيّات للروحانيّات تولّد الأرواح الجزئيّة عن الأمزجة الطبيعيّة ، وما للمزاج فيها وفيما يختصّ بها من الأحكام والآثار من حيث إنّها متعيّنة بقدر « 5 » الأبدان ، وبحسب المزاج ، و « 6 » ارق به بعد ذلك إلى حكم الأعيان مع الأسماء والوجود الواحد المطلق ، على ما نبّهتك عليه أوّلا ، وانظر ما يبدو لك من المجموع ، تر العجب العجاب ، وتنزّه في عموم حكم الغذاء في كلّ مرتبة ، فغذاء الأسماء أحكامها بشرط المظاهر التي هي محلّ الحكم ، وهذا هو عالم المعاني والحقائق الغيبيّة ، وغذاء الأعيان
.............................................................
( 1 ) . ق : الغالبة .
( 2 ) . ق : في بعض النسخ : متميّزة .
( 3 ) . ق : لا توجد .
( 4 ) . ق : لنعتبر .
( 5 ) . ق : بعد .
( 6 ) . ق : لم يرد .
165
الوجود ، وغذاء الوجود أحكام الأعيان ، وغذاء الجواهر الأعراض ، وغذاء الأرواح علومها وصفاتها ، وغذاء الصور العلويّة حركاتها وما به دوام حركتها الذي هو شرط لدوام استمدادها من أرواحها المستمدّة من الحقائق الأسمائيّة ، وغذاء العناصر ما به بقاء صورها المانع لها من الاستحالة إلى المخالف والمضادّ ، وغذاء الصور الطبيعيّة الكيفيّات التي منها تركّبت تلك الصورة والمزاج ، فالحرارة لا تبقى إلّا بالحرارة ، وكذا البرودة وغيرهما « 1 » من الكيفيّات الروحانيّة ، والرطوبة الأصليّة التي هي مظهر الحياة « 2 » لا تبقى إلّا بالرطوبة المستمدّة من الأغذية لكن لا يتأتّى قيام المعنى بالمعنى وانتقاله إليه حقيقة وحكما إلّا بواسطة الموادّ والأعراض اللازمة وهي شروط يتوقّف الأمر عليها ، وليست مقصودة لذاتها ولا مرادة بالقصد الأوّل الأصلي ، فوظيفتها أنّها توصل المقصود وتنفصل ، فيعقبها المثل ، وهكذا الأمر في كلّ غذاء ومغتذ على اختلاف مراتب الأغذية والمغتذين الذين سبق ذكر مراتبهم .
ولمّا كان الوجود واحدا ولا مثل له كانت تعيّناته الحاصلة والظاهرة بالأعيان هي التي يخلف بعضها بعضا مع أحديّة الوجود ، فافهم .
وهنا أسرار لا يمكن كشفها ، لكن من تدبّر ما أومأت إليه واطّلع على مقامه وأصله ، عرف سرّ ظهور صور العالم بأسرها ، وسرّ أرواحه والنشآت الدنياويّة والأخرويّة والبرزخيّة وغيرها ، وعرف ما تنتشي من الحركات والأفعال والأحوال ، من كلّ متحرّك وفاعل ذي حال ، ومن كلّ كون وفساد واقع في العالم ، وما [ هو ] المراد بالقصد الأوّل من المجموع وفيه ، وما [ هو ] المراد بالتبعيّة وبالقصد الثاني ، وما هو شرط فحسب من وجه واحد ، مراد باعتبار واحد ، وما هو شرط في مرتبة ، وتبع وهو بعينه مراد ومتبوع في مرتبة أخرى ، وحكم الوقت والحال والمرتبة والموطن في مجموع ما ذكر من حيث التقيّد بالموطن والوقت وغيرهما ، وكيف تكون هذه الأمور أيضا تارة في مرتبة المتبوعيّة والمشروطيّة ، وأخرى في مرتبة الشرطيّة والتبعيّة ، وحكم الوقت والحال . وما ذكرنا بالنسبة إلى من يتعيّن بها وبحسبها وبالنسبة إلى من تتعيّن به ، وليس شيء مرادا في كلّ مرتبة بالقصد الأوّل غير الإنسان الكامل في دوره وعصره . ومن الأشياء ما هي مرادة بقصد أوّل وثان في
.................................................................
( 1 ) . ق : غيرها .
( 2 ) . ق : الحرارة .
166
زمان واحد باعتبارين ، وما المرتبة التي تتضمّن هذه التفاصيل قبل ظهور الإنسان الكامل ، وهل يصحّ ذلك أم لا ؟ ويعرف سرّ الدوام والحياة والبقاء والإبقاء ، وسرّ الزوال والموت والفناء والإفناء ، وغير ذلك من العلوم التي يتعذّر تفصيلها ، وتفصيل ترجمتها مع تعذّر تسمية « 1 » بعضها بأحقّ أسمائها ؛ لما في ذلك من الأخطار .
وفيما ذكرنا غنية للمستبصرين « 2 » وتذكرة للمشاركين وعبرة للمعتبرين وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ « 3 » وَ « 4 » يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ « 5 » .
لسان الظاهر
الْعالَمِينَ التفسير : العالمين جمع عالم « 6 » ، والعالم مأخوذ من العلامة ، وهو عبارة عن كلّ ما سوى اللّه .
ولمّا وردت هذه السورة من حضرة الجمع ومتضمّنة سرّه ، « 7 » وذكر الاسم « الربّ » فيها ذكرا مضافا إلى كلّ ما سوى اللّه ؛ تنبيها على عموم حكمه الذي كشفت لك بعض أسراره ؛ فإنّ إضافات هذا الاسم كثيرة وهذا أعمّها ، وأخصّ إضافاته المتضمّن لهذا العموم إضافته إلى الإنسان الجامع الكامل سيّدنا محمد صلّى اللّه عليه وآله ، كقوله تعالى : فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وكقوله أيضا وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ « 8 » وكقوله : وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى « 9 » فإنّه لمّا كان صلّى اللّه عليه وآله عبد اللّه كما سمّاه اللّه لكماله وجمعيّته وكذا كلّ كامل كانت إضافته إلى الاسم « الربّ » بعد ذلك محمولة على أعمّ أحكام الربوبيّة وأكملها وأجمعها ، وما سوى هاتين الإضافتين فمراتب تفصيليّة جزئيّة تتعيّن فيما بينهما .
لسان الباطن
وإذا عرفت هذه ، فنقول في شرح العالم بلسان الباطن ثم بما بعده : اعلم أنّ الحقّ سبحانه
.........................................................
( 1 ) . ق : تسميته . ( 2 ) . ق : للمستقصرين .
( 3 ) . الأحزاب ( 33 ) الآية 4 .
( 4 ) . ق : وهو . ( 5 ) . يونس ( 10 ) الآية 25 .
( 6 ) . كذا في الأصل . والأولى : العالم .
( 7 ) . كذا في الأصل . والظاهر زيادة الواو وكون « ذكر » جواب لمّا .
( 8 ) . الانعام ( 6 ) الآية 133 .
( 9 ) . النجم ( 53 ) الآية 42 .
167
قد جعل كلّ فرد من أفراد العالم علامة ودليلا على أمر خاصّ مثله ، فمن حيث وجوده المتعيّن هو علامة على نسبة من نسب الألوهيّة المسمّاة اسما الذي « 1 » هذا الشيء الدالّ مظهر له ، ومن حيث عينه الثابتة فهو دليل على عين ثابتة مثله ، ومن حيث كونه عينا ثابتة متّصفة بوجود متعيّن هو علامة على مثله من الأعيان المتّصفة بالوجود .
فالأجزاء من حيث هي أجزاء علامة على أجزاء مثلها ، ومن حيث مجموعها وما يتضمّنه كلّ جزء من المعنى الكلّي هي علامة على الأمر الكلّي الجامع لها والوجود المطلق الذي يتعيّن منه وجودها .
وجعل أيضا مجموع العالم الكبير من حيث ظاهره علامة ودليلا على روحه ومعناه ، وجعل جملة صور العالم وأرواحه علامة على الألوهيّة الجامعة للأسماء والنسب ، وعلى مجموع العالم .
وجعل الإنسان الكامل بمجموعه من حيث صورته وروحه ومعناه ومرتبته علامة تامّة ودليلا دالّا عليه سبحانه وتعالى دلالة كاملة .
وكلّ ما عدا الحقّ والإنسان الكامل فليس كونه علامة على ما دلّ عليه شرطا ضروريا مطّرد الحكم ، لا يمكن معرفة ذلك الشيء بدونه ، بل ذلك بالنسبة إلى أكثر العالم والحكم الغالب ، بخلاف الحقّ والإنسان الكامل ؛ فإنّه قد يعلم بكلّ منهما كلّ شيء ، ولا يعلم أحدهما إلّا بالآخر ، أو بنفسه .
وموجب ما ذكرنا وسرّه هو أنّ الإنسان نسخة من كلّ شيء ، ففي قوّته ومرتبته أن يدلّ على كلّ شيء بما فيه من ذلك الشيء ، فقد يغني في الدلالة على كلّ شيء عن كلّ شيء .
وهكذا الأمر في الجناب الإلهي ؛ فإنّ الحقّ محيط بكلّ شيء ، فمن عرفه معرفة تامّة فقد « 2 » يعرف حقيقة كلّ شيء بطريق التضمّن أو الالتزام .
والأمر في سوى الحقّ والإنسان الكامل كما بيّنّا ؛ فإنّ من عباد اللّه من يكون مبدأ فتحه الحقّ ، فيعرف الحقّ بالحقّ ، فإذا تحقّق بمعرفته وشهوده ، سرى حكم تلك المعرفة وذلك الشهود في مراتب وجوده ، فيعلم كلّ شيء بالحقّ ، حتى نفسه التي هي أقرب الأشياء
...........................................................
( 1 ) . ق : الذي هو .
( 2 ) . ه : قد .
168
نسبة إليه ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل .
وإذا سبق العلم بشرطيّة بعض الأشياء ، وأنّه يكون سببا في معرفة أمر ما لا محالة ، تجلّى الحقّ سبحانه للعبد الذي حاله ما ذكرنا وأمثاله في مرتبة ذلك الشيء وعينه ، فعرفوه من تلك الحيثيّة في تلك المرتبة ، ثم عرفوا به ما توقّف معرفته على هذا الشرط ، ولكن من حيث النسبة الإلهيّة المشار إليها ، وارتفاع حكم النسب الكونيّة ، وسريان حكم الوجه الخاصّ ، فلم يعرفوه « 1 » إذا إلّا بالحقّ كما بيّنّا ذلك في سرّ الطرق ، فبعض التجلّيات علامة له على تجلّيات أخر أنزل منها مرتبة من حيث إنّ المعرّف يجب أن يكون أجلى من المعرّف ومتقدّما « 2 » عليه ، ولا خلاف في تفاوت التجلّيات عند المحقّقين من حيث القوابل ، وبحسب تفاوت الأسماء والحضرات التي منها يكون التجلّي وفيها يظهر ، وبعض مظاهر التجلّيات من كونه مظاهر يكون علامة على مظاهر أخرى ، كما أنّ بعض التجلّيات والمظاهر يكون حجابا على تجلّيات ومظاهر وغيرها ، مع أحديّة المتجلّي في الجميع ، فافهم .
فالتفاوت بالمراتب ، والاطّلاع على المراتب بحسب العلم ، « 3 » ولحصول العلم أسباب كثيرة من العلامات والطرق وغيرهما « 4 » يطول ذكرها .
ثم أقول : وقد تحصل لبعض النفوس في بعض الأحيان عند هبوب النفحات الجوديّة الإلهيّة أحوال توجب لها الإعراض عمّا سوى الحقّ ، والإقبال بوجوه قلوبها - بعد التفريغ التامّ - إلى حضرة غيب الذات ، في أسرع من لمح البصر ، فتدرك من الأسرار الإلهيّة والكونيّة ما شاء الحقّ ، وقد تعرف تلك النفس هذه المراتب والتفاصيل ، وقد لا تعرف ، مع تحقّقها بما حصل لها من العلم المتعلّق بالحقّ أو بالكون ، ممّا لم يكن له دليل ولا علامة غير الحقّ ، بل كان الحقّ عين العلامة ، كما أشرنا إلى ذلك من قبل ، والعوالم كثيرة جدّا ، وأمّهاتها هي الحضرات الوجوديّة التي عرّفتك ما هي .
وأوّل العوالم المتعيّنة من العماء عالم المثال المطلق ، ثم عالم التهييم ، « 5 » ثم عالم القلم
......................................................
( 1 ) . ق : فلم يعرفوا .
( 2 ) . ب : مقدّما .
( 3 ) . ق : العالم .
( 4 ) . ب : غيرها .
( 5 ) . ق : التهيم .
169
واللوح ، ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام بحقيقتي الهيولى والجسم الكلّ ثم العرش هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا ، ثم عالم البرزخ ، ثم عالم الحشر ، ثم عالم جهنّم ، ثم عالم الجنان ، ثم عالم الكثيب ، ثم حضرة أحديّة الجمع والوجود ، الذي هو ينبوع جميع العوالم ، فافهم واللّه الهادي .
قوله تعالى : الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، التفسير : لمّا تكلّمت على مفردات قوله تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وبيّنت ما يختصّ بكلّ كلمة منها من الأسرار الكلّيّة والأحكام الجمليّة اللازمة لها ، احتجت [ إلى ] أن أتكلّم على هذه الآية مرّة أخرى بتنبيه وجيز جملي ، لتفهم من حيث جملتها وتركيبها ، كما علمت من حيث مفرداتها ، وهكذا أفعل في باقي السورة - إن شاء اللّه - ثم أضيف إلى ما سبق ذكره من التنبيه الجملي المذكور الكلام على الاسمين :
« الرّحمن » ، « الرّحيم » حسب ما يستدعيه هذا الموضع ، وإن كان فيما سلف غنية ولكن لا بدّ من التنبيه على حكمهما هنا مع تقدّم ذكرهما في البسملة ، فنقول :
اعلم ، أنّه لمّا كان ظهور الحمد من الحامدين للمحمودين إنّما يكون في الغالب بعد الإنعام وفي مقابلة الإحسان ، وأنهى من « 1 » ذلك الحمد الصادر من العارفين المخلصين لا في معرض أمر مخصوص ؛ فإنّ نفس معرفتهم - المستفادة من الحقّ بأنّه سبحانه يستحقّ الحمد لذاته وما هو عليه من الكمال - من أجلّ النعم وأسناها ، ولم « 2 » يخل أحد من أن يكون على إحدى حالتين ؛ الراحة أو « 3 » النكد ، وصحّ عند المحقّقين أنّ الحقّ أعرف بمصالح عباده وأرعاها لهم منهم ، لا جرم جمع سيّد العارفين والمحقّقين صلّى اللّه عليه وآله حكم الحمد في
قوله في السرّاء : « الحمد للّه المنعم المفضل »
وفي قوله في الضرّاء : « الحمد للّه على كلّ حال » « 4 »
تنبيها على أنّ الحال الذي لا يوافق أغراضنا وطباعنا لا يخلو عن مصلحة أو مصالح لا ندركها ، يعود نفعها « 5 » علينا ، فتلك « 6 » الأحوال وإن كرهناها فللّه فيها رحمة خفيّة ، وحكمة عليّة يستحقّ منّا الحمد عليها ، وذلك القدر من الكراهة هو حكم بعض أحوالنا عاد علينا مع التجاوز الإلهي عنّا في
.........................................................
( 1 ) . ه : عن .
( 2 ) . ق : ولما لم .
( 3 ) . ق : و .
( 4 ) . جامع المسانيد ، ج 29 ، ص 262 .
( 5 ) . في بعض النسخ : نفعه .
( 6 ) . ق : وتلك .
171
أمور كثيرة ، كما أخبر بقوله تعالى : ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ « 1 »
ويقول نبيّه صلّى اللّه عليه وآله في آخر حديث أبي ذرّ رواية عن ربّه « 2 » : « فمن وجد خيرا فليحمد اللّه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه » .
فما من حال يكون فيه أحد من العباد حتى المكروهة إلّا والحقّ يستحقّ منه الحمد على ذلك من حيث ما في ضمنه من المصالح التي يشعر بها كلّ أحد ، كمسألة عمر رضي اللّه عنه ومن تنبّه لما أدركه « 3 » وهذا من شمول النعمة وعموم الرحمة ، فافهم .
ثم اعلم ، أنّ الحمد يتولّد بين إحسان المحسن وبين من هو محل لإحسانه وهكذا الأمر في سائر الأوصاف الكماليّة المضافة إلى الحقّ إنّما يظهر بين هاتين المرتبتين : الإلهيّة والكونيّة .
ولمّا كان أقوى موجبات الحمد ومنتجاته « 4 » الإحسان ، وكان قول القائل : « الحمد للّه » ، تعريفا بأنّ الحقّ مالك الحمد ومستحقّه والمختصّ به دون غيره ، على اختلاف مراتبه التي سبق بيانها وتفصيل أحكامها الكلّيّة ، وكان الحمد حقيقة كلّيّة مطلقة ، وكذا « 5 » الاسم « اللّه » المضاف إليه هذا الحمد المطلق ، كما بيّنّا ولم يمكن أن يتعيّن للمطلق حكم من حيث هو مطلق ؛ لما أسلفنا ، جاء التعريف بعدهما بالاسم « الربّ » الذي قلنا : إنّه لا يرد إلّا مضافا ، وأضافه إلى « العالمين » ؛ تعريف لمسمّى الاسم « اللّه » في هذه المرتبة ومن هذا الوجه .
وأضاف الربّ إلى العالمين ؛ بيانا لعموم سلطنة ربوبيّته وشمول حكم ألوهيّته « 6 » وإثبات نفوذ أمره في العالم وقدرته من جهة الملك والتربية والتصريف وغير ذلك ، ممّا مرّ بيانه .
فلمّا عرف الإنعام وتعيّنت مرتبة المنعم المحمود على الإنعام ، « 7 » احتيج « 8 » بعد ذلك إلى أن يعرف أنّ وصول الإنعام المثمر للحمد والمبيّن علوّ المحمود على الحامدين وربوبيّته وشمول حكمهما إلى العالمين ، الذين هم محالّ هذه الأحكام ، ومظاهر هذه النسب والصفات ، بأيّ طريق هو ؟ وكم هي أقسامه ؟ فإنّ ذلك ممّا يستفيد المنعم عليه منه معرفة بالمنعم والإنعام ، فيكمل حضوره في الحمد ، ويعلو ويتّسع ، فلا جرم ذكر سبحانه بعد ذلك ،
...........................................................
( 1 ) . الشورى ( 42 ) الآية 30 .
( 2 ) . ب : اللّه سبحانه وتعالى .
( 3 ) . ق : أدرك .
( 4 ) . ق : مثمراته .
( 5 ) . ق : كذلك .
( 6 ) . ب : الألوهية .
( 7 ) . ق : الإنعام بالإنعام .
( 8 ) . ب : احتجّ .
172
الاسمين : « الرّحمن » ، « الرّحيم » دون غيرهما ، إشارة إلى أنّ الإنعام والإحسان المثمرين للحمد والشكر هما من توابع هذين الاسمين ؛ فإنّه لولا الرحمة وسبقها الغضب لم يكن وجود الكون ، ولا ظهر للاسم « المنعم » و « المحسن » وأخواتهما عين ، ولهذا كان الاسم « الرّحمن » تلوا في الحيطة والحكم والتعلّق والجمعيّة للاسم « اللّه » .
فعرّف سبحانه بهذين الاسمين هنا أنّ لوصول إنعامه طريقين ، وأنّ إنعامه على قسمين ، فإحدى الطريقين سلسلة الترتيب ومرتبة الأسباب والوسائط والشروط ، والطريق الأخرى مرتبة رفع الوسائط ، وما ذكروا « 1 » الإنعام من الوجه الخاصّ الذي ليس للأسباب والأكوان فيه حكم ولا مشاركة . وقد نبّهت على ذلك غير مرّة .
وأمّا القسمان فالعموم والخصوص ، فالعموم للوجود المختصّ بالرحمن ؛ فإنّ الرحمة كما بيّنّا نفس الوجود ، والغضب يتعيّن بالحكم العدمي اللازم للكثرة « 2 » الإمكانيّة ، والسبق هو الترجيح الإيجادي . والرحمن اسم للحقّ « 3 » من كونه عين الوجود ؛ فإنّ أسماء الحقّ إنّما تنضاف إليه بحسب الاعتبارات المتعيّنة بالآثار والقوابل ، ولهذا كثرت مع أحديّة المسمّى .
ولمّا كان التخصيص حكما من أحكام العموم وفرعا عليه ، اندرج الاسم « الرّحيم » في « الرّحمن » ولمّا كانت الألوهيّة - من حيث هي - مرتبة معقولة لا وجود لها ، وكانت من حيث الحقّ المنعوت بها والمسمّى لا تغايره ؛ لما بيّنّا أنّ الاسم من وجه هو المسمّى ، كان الاسم « اللّه » جامعا للمراتب والموجودات ، وكان « الرّحمن » أخصّ منه ؛ لدلالته على الوجود فحسب ، واختص الاسم « الرّحيم » بتفصيل « 4 » حكم الوجود وإظهار تعيّناته في الموجودات .
فإن فهمت ما بيّنته لك ، وتذكّرت ما أسلفته في شرح هذين الاسمين وسرّ الاستواء وسرّ العرش والكرسي ، تحقّقت بمعرفة هذه الأسماء ، واستشرفت على كثير من أسرارها .
ثم نقول : وكلّ شيء فلا بدّ وأن يكون استناده إلى الحقّ من حيث المرتبة أو « 5 » الوجود جمعا وفرادى ، فلهذا عبّر « 6 » سبحانه بهذين الاسمين في مرتبة التقدم والرئاسة على باقي
...............................................................
( 1 ) . ق ، ه : وما ذكر و .
( 2 ) . ق : لكثرة .
( 3 ) . ق : الحق .
( 4 ) . ب : بتخصيص .
( 5 ) . ب : و .
( 6 ) . ق : عين .
173
الأسماء ، فقال عزّ وجلّ : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى« 1 » .
ثمّ اعلم ، أنّ الرحمة حقيقة واحدة كلّيّة ، والتعدّد المنسوب إليها ، المشار إليه
في الحديث « بأنّ للّه مائة رحمة »
راجع إلى مراتبها ، واختصاصها بالمائة إشارة إلى الأسماء الكلّيّة المحرّض على إحصائها ، وهكذا الأمر في الدرجات الجنانيّة ، فما من اسم من أسماء الإحصاء إلّا وللرحمة فيه حكم ؛ فإنّ الأسماء - كما بيّنّا - من وجه عين المسمّى ، والمسمّى هو الرحمن الذي له الوجود المطلق ، وقد عرفت ممّا أسلفنا أنّ الأسماء لا يظهر حكمها إلّا بمظاهرها ، ومظاهرها إذا لم تعتبر من حيث وجودها كانت نسبا عدميّة أيضا ، ولا اعتبار للنسب إلّا بالوجود ، فحكم الأسماء والأعيان التي هي المظاهر تابع للوجود ، وهذا من سرّ عموم حكم الاسم « الرّحمن » الذي نبّهنا عليه .
فالرحمة الواحدة المرسلة إلى الدنيا هي النسبة الجامعة من نسب الرحمة ظهرت في الموطن الجامع ؛ لما بيّنّا من أنّ تجلّي الحقّ وحكم أسمائه يتعيّن في كلّ حال ووقت وموطن بحسب القوابل والأحكام المختصّة بها .
والتسعة والتسعون رحمة هي عبارة عن مراتب الرحمة وأحكامها في أسماء الإحصاء فالنسبة الجامعة تظهر حكم الرحمة من الوجه الكلّي ، وبالأسماء المذكورة تظهر أحكامها التفصيليّة ، وبأحديّة جمعها يظهر في آخر الأمر سرّ سبقها للغضب .
وقد بيّنّا غير مرّة أنّ الآخر نظير الأوّل ، بل هو عينه خفي بين الطرفين ، لتداخل أحكام النسب المتعيّنة بين البداية والنهاية ، ثم تكمّل حكم الأوليّة في آخر الأمر ، فتظهر له الغلبة في النهاية ، فإنّ الحكم في كلّ أمر هو للأوّليّات ، ولكن بسرّ الجمع كما أشرت إلى ذلك مرارا ، فإذا كان يوم القيامة ، وانضافت هذه النسبة الجامعة إلى التسعة والتسعين المتفرّعة في الأسماء ، وانتهى حكم الاسم « المنتقم » و « القهّار » وأخواتهما ، ظهر سرّ سبق الرحمة الغضب في أوّل الإنشاء « 2 » ، فافهم .
ولمّا كانت الموجودات مظاهر الأسماء والحقائق ، وكان الإنسان أجمعها وأكملها ،
........................................................
( 1 ) . الإسراء ( 17 ) الآية 110 .
( 2 ) . ق : الأشياء .
174
اقتضى الأمر الإلهي أن يكون في عباد اللّه من هو مظهر هذا الحكم الكلّي والتفصيلي المختصّين بالرحمة ، فكان ذلك العبد صاحب السجلّات ، الذي وردت قصّته في الحديث ، وكانت بطاقته الحاملة سرّ أحديّة الجمع هي التي فيها لا إله إلّا اللّه ، ولها الأوّلية والجمعيّة والأحديّة ، فغلبت لذلك أحكام الأسماء كلّها .
وفي التحقيق الأتمّ أنّ الرحمة لمّا كانت سارية الحكم في مراتب الأسماء ، بنسبة التفصيل والكثرة في « 1 » مرتبة « 2 » جمعيّتها وأوّليّتها بأحديّة الجمع ، كانت الغلبة والمغلوبيّة حكمين راجعين إليها ، فهي - من حيث أحديّتها وجمعيّتها للنسب التفصليّة - غالبة ، وهي بعينها - من حيث تفاريعها ونسبها الجزئيّة المتعيّنة في مرتبة كلّ اسم بحسبه - مغلوبة ، فهي الغالبة المغلوبة ، والحاكمة المحكومة ، وهكذا سرّ الحكم في المظهر المشار إليه ؛ فإنّ التسعة والتسعين سجلّا هي نسخ حاملة ما قبح من أفعال ذلك العبد ، والبطاقة المتضمّنة لا إله إلّا اللّه هي نسخة ما حسن من فعله ، فغلب الفعل الحسن المضاف إليه تلك الأفعال السيّئة « 3 » ، فهو من حيث فعله الحسن غالب ، ومن حيث فعله القبيح مغلوب .
ومن ارتقى فوق هذا المقام ، رأى أنّ الفعل بالفاعل غلب نفسه ، فإن كمل ذوق المرتقي في هذا المقام ، رأى أنّ جميع « 4 » الصفات والأفعال المنسوبة إلى الكون صادرة من الحقّ وعائدة إليه ولكن بالممكنات ، وهي شروط فحسب كالموادّ الغذائيّة الحاملة للمعاني التي بها يحصل التغذّي ، فيصل المطلوب بها إلى الطالب ويتّحد به مع عدم المغايرة ، وتنفصل هي من البين ، فيرتفع البين ، فافهم . وقد بقيت تتمّة تختصّ بالاسم « الرّحمن الرّحيم » « 5 » نذكرها ونختم الكلام بها عليهما إن شاء اللّه « 6 » ، فنقول :
حضرات الرحمة
اعلم ، أنّ الحضرات الكلّيّة المختصّة بالرحمة ثلاث : حضرة الظهور ، وحضرة البطون ، وحضرة الجمع . وقد سبق التنبيه عليها في شرح مراتب التمييز ، وفي مواضع أخر أيضا .
.......................................................
( 1 ) . ه : وفي .
( 2 ) . ب : مرتبة و .
( 3 ) . ق : السببية .
( 4 ) . ب : سائر .
( 5 ) . ق : والرحيم .
( 6 ) . ب : اللّه تعالى .
175
وكلّ موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها ، وعلى هذه المراتب الثلاث تنقسم أحكام الرحمة في السعداء والأشقياء ، والمتنعّمين بنفوسهم دون أبدانهم ، كالأرواح المجرّدة وبالعكس ، والجامعين بين الأمرين والسعداء في الجنّة أيضا من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم ؛ لكونهم لم يقدّموا في جنّة الأعمال ما يستوجبون به النعيم الصوري ، وإن كان ، فنزر يسير بالنسبة إلى سواهم ، وعكس ذلك كالزهّاد والعبّاد الذين لا علم لهم باللّه ، فإنّ أرواحهم قليلة الحظّ من النعيم الروحاني ، لعدم المناسبة بينهم وبين الحضرات الإلهيّة العلميّة ، ولهذا - أي لعدم المناسبة - لم يتعلّق هممهم زمان العمل بما وراء العمل وثمرته ، بل ظنّوه الغاية ، فوقفوا عنده واقتصروا عليه ، رغبة فيما وعدوا به أو رهبة ممّا حذّروا منه .
وأمّا الجامعون بين النعيمين تماما فهم الفائزون بالحظّ الكامل في العلم والعمل كالرسل - صلوات اللّه عليهم - ومن كملت وراثته منهم أعني الكمّل من الأولياء .
ولمّا كانت الرحمة عين الوجود ، والوجود هو النور ، والحكم العدميّ له الظلمة ، كما نبّهتك عليه ، كان كلّ من ظهر فيه حكم النور « 1 » أتمّ وأشمل ، فهو أحقّ العباد نسبة إلى الحقّ وأكمل ، ولهذا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ربّه أن ينوّر ظاهره ، وعدّد الأعضاء الظاهرة كالشعر والجلد واللحم وغير ذلك ، ثمّ عدّد القوى الباطنة كالقلب والسمع والبصر ، فلمّا فرغ من التفصيل ، نطق بلسان أحديّة جمعه ،
فقال : « اجعل لي نورا واجعلني نورا » « 2 » .
وهذا هو عموم حكم الرحمة ظاهرا وباطنا ، وإجمالا وتفصيلا من جميع الوجوه .
وصاحب هذا المقام لا يبقى فيه من الحكم الإمكاني الذي له وجه إلى العدم إلّا نسبة واحدة من وجه واحد ، بها تثبت عبوديّته ، وبها يمتاز عمّن هو على صورته ، وتذكّر تعريف الحقّ سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه وآله بأنّه أرسل رحمة للعالمين ، وأنّه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، وتضرّع إلى اللّه في أن ترث من هذا السيد الأكمل هذا المقام الأشرف الأفضل ، وصاحبه هو الإنسان الكامل ، والحال المذكور هو من أكبر « 3 » أجزاء حدّ الكمال ، ومن أتمّ الأوصاف المختصّة به ،
.......................................................
( 1 ) . ق : النور فيه .
( 2 ) . ر . ك : معجم مستدرك الوسائل ، ج 5 ، ص 78 .
( 3 ) . ب : الأكمل .
176
فاعلم ذلك . ثم نرجع إلى ما كنّا بسبيله ، فنقول :
وهكذا الأمر في جهنّم ؛ فإنّ المؤمن لا تؤثّر النار في باطنه ، والمنافق لا يعذّب في الدرك الأعلى المتعلّق بالظاهر ، بل في الدرك الأسفل المختصّ بالباطن ، والمشرك يعذّب في الدرك الأعلى والأسفل ، في مقابلة السعيد التامّ السعادة .
وهنا أمور لا يمكن ذكرها يعرفها اللبيب ممّا سبقت الإشارة إليه من قبل . ولهذه الأقسام تفاصيل وأحكام يفضي ذكرها إلى بسط كثير ، فأضربت عن ذكرها لذلك ، واقتصرت على هذا القدر ، وسأذكر عند الكلام على قوله : أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ « 1 » ما يبقى من جمل أسرار هذا المقام حسب ما تستدعيه الآية ويقدّره « 2 » الحقّ - إن شاء اللّه تعالى - ثم لتعلم « 3 » أنّ التخصيص الذي هو حكم الاسم « الرّحيم » على نوعين تابعين للقبضتين كما مرّ بيانه :
أحدهما : تخصيص أسباب النعيم لأهل السعادة برفع الشوائب ، كما أخبر به الحقّ بقوله :
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ « 4 » ، فإنّ الدنيا دار جمع ومزج ، فهي للمؤمنين في الدنيا ممزوجة بالأنكاد والأحكام الموطنيّة ، وهي لهم في الآخرة خالصة .
فالاسم « الرّحيم » هو المصفّي أسباب النعيم وسوابغ الإحسان عن شوائب الأكدار والأنكاد .
والنوع الآخر من التخصيص هو مطلق تمييز السعداء من الأشقياء و « 5 » التخليص من حكم التشابه الحاصل في الدنيا ، بسبب عموم حكم الاسم « الرّحمن » وما للأشقياء في الدنيا من النعيم والراحة ونحوهما من أحكام الرحمة ، وبضدّ ذلك لسعداء المؤمنين من الآلام والأنكاد .
وأيضا فالرحمن عامّ المعنى ، خاصّ اللفظ ، والرحيم عام اللفظ ، خاصّ المعنى ، على
..........................................................
( 1 ) . الفاتحة ( 1 ) الآية 7 .
( 2 ) . في بعض النسخ : يقدّر .
( 3 ) . ق : ليعلم .
( 4 ) . الأعراف ( 7 ) الآية 32 .
( 5 ) . ق : لم يرد .
177
رأي جماعة من أكابر علماء الرسوم ، وهذا القول من وجه موافق لبعض ما أشرنا إليه بلسان التحقيق وإن لم يكن من مشرب أهل الظاهر ، فافهم .
وانظر إلى كمال معرفة الرسل - صلوات اللّه عليهم - بالأمور وقول الخليل - على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة - الذي حكاه الحقّ لنا عنه في كتابه العزيز لأبيه : يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ « 1 » فراعى - صلوات اللّه عليه - من له الحكم من الأسماء على أبيه يومئذ وهو الاسم « الرّحمن » فإنّه كان في سلامة وراحة ، فنبّهه على أنّ الاسم « الرّحمن » اسم جامع وتحت « 2 » حيطته أسماء لها أحكام غير الرحمة تظهر بحكم التخليص « 3 » الرحمي « 4 » في دار الفصل فتمتاز حصة الرحمة الخالصة عن « 5 » كلّ ما ينافيها وتظهر خاصّيّة كلّ اسم بحسبه ، فكأنّه قال له : لا تغترّ بما أنت عليه من الأمن والدعة ؛ فإنّ الاسم « المنتقم » إذا انفصل عنه حكم الاسم « الرّحمن » بالتمييز والتخليص المذكور ، ظهرت لك أمور شديدة تخالف ما أنت عليه الآن ، فاستدرك ما دام الأمر والوقت موافقين « 6 » ، فحجب اللّه إدراكه عن معرفة ما أشار الخليل إليه ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا .
وهنا سرّ عزيز أنبّه عليه ونختم به الكلام على هذه الآية ، وهو أنّ التخصيص المضاف إلى الاسم « الرحيم » هو حكم الإرادة ؛ فإنّ الإرادة - كما بيّنّا - من الأسماء الأصليّة الأول ، والرحيم وإن عدّ من الكلّيّات باعتبار ما تحت حيطته ، فهو من الأسماء التالية للأمّهات الأول المذكورة .
ثم التخصيص المنسوب إلى الإرادة هو في التحقيق الأتمّ من حكم العلم ؛ إذ لو توقّف كلّ تخصيص على الإرادة ، لكان نفس تخصيصها بكونها إرادة إمّا أن يتوقّف عليها ، فيفضي إلى توقّف الشيء على نفسه وكونه سببا « 7 » لنفسه ، وهذا لا يصحّ أو يتوقّف على إرادة أخرى ، متقدّمة على هذه الإرادة ، والكلام في تلك كالكلام في هذه ، فيفضي الأمر إلى الدور أو التسلسل ، وكلاهما محال في هذه الصورة ، ولكان تخصيص العلم والحياة أيضا متوقّفا
.............................................................
( 1 ) . مريم ( 19 ) الآية 45 .
( 2 ) . ق : في .
( 3 ) . ق : التلخيص .
( 4 ) . ق : الرحيمي .
( 5 ) . ق : ه : من .
( 6 ) . ق : مواتبين .
( 7 ) . ق : مبنيا .
178
على الإرادة ، مع ثبوت تبعيّتها لهما وتأخّر مرتبتهما عن مرتبتهما ، ولا يصحّ ذلك ، فالإرادة ، في التحقيق تعلّق خاصّ للذات ، يتعيّن بالعلم وتظهر التخصيصات الثابتة في العلم ، لا أنّها تخصيص ما لم يثبت تخصيصه في العلم ، والعلم من كونه علما تعلق خاصّ من الذات ، يتعيّن حكمه في المعلوم والمراد بحسبهما ، فمعقوليّة القبول من الممكن لنسبة الترجيح الإيجادي ولوازمه تعيّن الحكم العلمي المعيّن لنسبة الإرادة والاختيار وأحكامهما « 1 » ، فافهم .
ولهذا المقام أسرار يحظى بها الأمناء ، الذين رقوا بقدمي الصدق والعناية إلى ذروته ، فإن كنت من أهل الهمم العالية والاستعدادات التامّة ، فتوجّه إلى الحقّ في أن يطلعك على مخزن هذه الأسرار ، وينبوع هذه الأنوار ، فإن منحت الإجابة فارق وانظر وتنزّه ولا تنطق اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ « 2 » .
قوله تعالى : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يتضمّن عدّة مسائل : إحداها سرّ الملك ، وسرّ « 3 » اليوم « 4 » ، وسرّ الدين ، من كونه يدلّ على العبادة « 5 » ، وعلى الجزاء ، وعلى الانقياد وعلى غير ذلك ممّا ننبّه عليه - إن شاء اللّه تعالى - فلنبدأ أوّلا - بعون اللّه - بالكلام على هذه الأمور من حيث الانفراد ، ثم من حيث الجمع كما فعلت ذلك فيما مرّ ، فنقول :
سرّ الملك
الملك : القوّة والشدّة ، ويطلق على القدرة أيضا ، والتصرّف . وملك الطريق في اللغة :
وسطه ، وملك الدابّة - بضم الميم واللام - : قوائمها وهاديها أيضا . والملكوت مبالغة ؛ لكونه يشمل الظاهر والباطن .
وهذه المعاني التي تتضمّنها هذه الكلمة كلّها صادقة في حقّ الحقّ سبحانه وتعالى ؛ فإنّ الحقّ ذو القوّة المتين ، والهادي القيّوم ، والقادر على كلّ شيء ، والفاعل ما يشاء ، ومن بيده ملكوت كلّ شيء . وفي الملكوت سرّ لطيف ، وهو أنّه مبالغة في الملك ، والملك يتعلّق
.......................................................
( 1 ) . ق : أحكامها .
( 2 ) . الشورى ( 42 ) الآية 19 .
( 3 ) . لا توجد .
( 4 ) . لا توجد .
( 5 ) . ق : العادة .
179
بالظاهر دون الباطن ؛ لأنّ الملك والمالك من الخلق لا يمكنهما ملك القلوب والبواطن ، بخلاف الحقّ سبحانه ؛ فإنّه يملكهما جميعا . أمّا باطنا فلأنّ
« القلب بين إصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء »
وكلّ ظاهر في باب الفعل والتصرّف فتبع للباطن ، فملك الباطن يستلزم ملك الظاهر دون العكس .
ولهذا نجد من الناس من إذا أحبّ أحدا ، انفعل « 1 » له بباطنه وظاهره ، وإن لم يكن المحبوب ملكه وسلطانه ، ولا سيّده ومالكه بالاصطلاح المتقرّر .
على أنّ التحقيق الكشفي أفاد أنّ كلّ محبّ فإنّما أحبّ في الحقيقة نفسه ، ولكن قامت له صورة المعشوق كالمرآة لمشاهدة نفسه من حيث المناسبة التامّة والمحاذاة الروحانيّة ، فكان المسمّى معشوقا شرطا في حبّ المحبّ نفسه ، وفي تأثيره في نفسه .
ومن أسرار ذلك أنّ الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهيّة والكونيّة ، وكلّ شيء فيه كلّ شيء وإن لم يتأتّ إدراكه على التعيين لكلّ أحد ؛ للقرب المفرط والإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة ، فإذا قام شيء بشيء « 2 » في مقام المحاذاة المعنويّة والروحانيّة كالمرآة إمّا منه أو ممّا يناسبه ، صار ذلك القدر من الامتياز والبعد المتوسّط مع المسامتة سببا لظهور صورة الشيء فيما امتاز به عنه ، أو عن مثله فأدرك نفسه في الممتاز عنه ، وتأتّى له شهودها ؛ لزوال حجاب القرب والأحديّة ، فأحبّ نفسه في ذلك الأمر الذي صار مجلاه ، فافهم .
ولهذا المقام أسرار أخر شريفة جدّا لا يقتضي هذا الموضع ذكرها ، وإنّما هذا تنبيه وتلويح .
ثم نقول : وقد قرئ - كما علمت - ملك يوم الدّين و مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ولكلّ منهما من حيث اللغة معان ينفرد بها لا يشاركه فيها غيره .
وأهل الظاهر قد ذكروا بينهما فروقا شتّى ، ورجّح بعضهم قراءة « ملك » ورجّح آخرون قراءة « مالك » بالألف ، واستدلّ كلّ منهم على صحّة ما اختاره بوجوه تقتضيها اللسان ، ولست ممّن ينقل هنا تفاصيل مقالاتهم غير أنّي أذكر من ذلك ما يفهم منه الفرق بين
..................................................
( 1 ) . ق : يفعل .
( 2 ) . ق ، ه : لشيء .
180
يتبع
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي :: تعاليق
المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الكلمتين ، ليتّضح بذلك حكم اللسان ، ثم أتكلّم بما فتح الحقّ به عليّ في ذلك وما يقتضيه ذوقي ، ولولا قصد تطبيق الأمور الذوقيّة على ما يقتضيه المفهوم من حيث الاصطلاح اللغوي ، لم أورد شيئا من كلام أهل النقل ، ولكن قد استثنيت في أول التزامي المذكور في مقدّمة الكتاب هذا القدر لهذه الحكمة التي نبّهت عليها ، فأقول :
من جملة ما ذكروا في الفرق بين الملك والمالك أنّ المالك مالك العبد ، والملك ملك الرعيّة ، والعبد أدون حالا من الرعيّة ، فوجب أن يكون القهر في المالكيّة أكثر منه في الملكيّة ، فالمالك إذا أعلى حالا من الملك ، والملك يملك من بعض الوجوه مع قهر وسياسة ، والمالك يملك على كلّ حال ، وبعد الموت له الولاء .
وقالوا أيضا : الحقّ تمدّح بكونه مالك الملك - بضمّ الميم - ولم يتمدّح بكونه ملك « 1 » الملك - بكسر الميم - وذلك قوله تعالى : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ « 2 » ؛ فثبت أنّ المالك أشرف من الملك .
وقالوا أيضا : الملك قد يكون مالكا وقد لا يكون مالكا ، كما أنّ المالك قد يكون ملكا وقد لا يكون ، فالملكيّة والمالكيّة قد تنفكّ كلّ واحدة منهما عن الأخرى إلّا أنّ المالكيّة سبب لإطلاق التصرّف ، والملكيّة ليست كذلك ، فكان المالك أولى .
اعلم ، أنّه لمّا كان سائر المفهومات التي تتضمّنها هذه الكلمة من صفات الكمال - بالألف وبدونه - كلّها ثابتة للحقّ ، لهذا وردت القراءة بالروايتين ، فإنّ الجمع أولى وأكمل ، و « 3 » لمّا « 4 » كان أمر الحقّ واحدا ، والترجيح في كلّ مرتبة من مراتب الأسماء والصفات لا يصحّ إلّا لشيء واحد من نسبة واحدة ، فبذلك الأمر الراجح يصل الأمر الإلهي الوحداني إلى غيره من الأشياء المرجوحة ، في ذلك المقام وتلك المرتبة ، وهو مظهر الحقّ ، وحامل سرّ الربوبيّة والتحكّم على ما تحت حيطته حالتئذ ، كما ذكر من قبل ، ويذكر أيضا عن قريب - إن شاء اللّه - اقتضى الأمر الذوقي ترجيح إحدى « 5 » القراءتين مع جواز القراءة بهما .
.............................................................
( 1 ) . ق : مالك .
( 2 ) . آل عمران ( 3 ) الآية 26 .
( 3 ) . ه : لم يرد .
( 4 ) . ق : ولكن .
( 5 ) . ق : أحد .
181
ومتعلّق « 1 » ذلك الترجيح « 2 » القراءة ب « ملك يوم الدّين » دون « مالك » ؛ لأسرار تقتضيها قواعد التحقيق :
أحدها : أنّ المالك مندرج في الاسم « الربّ » فإنّ أحد معاني الاسم « الربّ » في اللسان المالك ، والقرآن العزيز ورد بسرّ الإعجاز والإيجاز ، فلو ترجّحت القراءة بمالك ، لكان ذلك نوع تكرار ينافي الإيجاز ، والكشف التامّ أفاد أن لا تكرار « 3 » في الوجود ، فوجب ترجيح القراءة إذا ب « ملك » دون « المالك » ، والسرّ الآخر فيما ذكرنا يظهر بعد التنبيه على مقدّمتين :
إحداهما : استحضار ما ذكرت أنّ الآخر نظير الأوّل ، بل هو عينه ؛ فإنّ الخواتم عين السوابق .
والمقدّمة الأخرى : أنّ جميع الأمور الحاصلة في الوجود لم تقع عن اتّفاق ، بل بترتيب إلهي مقصود للحقّ ، وإن جهلته الوسائط والمظاهر .
وليس في قوّة الممكنات المتّصفة بالوجود في كلّ وقت قبول ما هو أشرف من ذلك ولا أكمل ، فإن لم تهتد العقول إلى سرّ ذلك الترتيب وسرّ الحكم الإلهيّة المودعة فيه ، فذلك للعجز الكوني والقصور الإمكاني ، وقد لوّحت بشيء من ذلك على سبيل التنبيه والتذكرة عند الكلام على أسرار حروف البسملة .
وإذا تقرّر هذا ، فأقول : آخر سور القرآن في الترتيب الإلهي الواقع المستمرّ الحكم - سواء « 4 » عرف ذلك حال الترتيب أو لم يعرف - هو قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ « 5 » وهذا الاسم ورد في هذه السورة بلفظ « الملك » دون « المالك » وذكر عقيب الاسم « الربّ » مع عدم جواز القراءة فيها ب « مالك » ، فدلّ على أنّ القراءة ب « ملك » أرجح .
وأيضا فإنّ الحقّ يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحديّة على الكثرة في القيامة الكبرى ، والقيامة الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقيق بالوصول ، عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ « 6 » والحاكم على الملك هو الملك ، فدلّ على أنّه أرجح .
.........................................................
( 1 ) . ق : ويتعلّق .
( 2 ) . ق : الترجّح .
( 3 ) . ق : تكرّر .
( 4 ) . في الأصل : وسواء .
( 5 ) . الناس ( 114 ) الآية 1 .
( 6 ) . غافر ( 40 ) الآية 16 .
182
وأيضا فالأسماء المستقلّة ، لها تقدّم على الأسماء المضافة ، والاسم « الملك » ورد مستقلّا بخلاف « المالك » وممّا يؤيّد ذلك أنّ الأسماء المضافة لم تنقل في أسماء الإحصاء الثابتة بالنقل ، مثل قوله عزّ وجلّ : فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً « 1 » و ذِي الْمَعارِجِ وشبههما .
وأيضا فالأحاديث النبويّة مبيّنات لأسرار القرآن ، ومنبّهات عليها ،
وقد ورد في الحديث في بعض الأدعية النبويّة « لك الحمد لا إله إلّا أنت ربّ كلّ شيء وملكه « 2 » »
ولم يرد و « مالكه » وهذا السياق مناسب لسياق الأسماء المذكورة في أوّل الفاتحة .
وأيضا ما « 3 » ذكروه في ترجيح المالك على الملك - من أنّ المالك مالك العبد ، وأنّه مطلق التصرّف فيه ، بخلاف الملك فإنّه إنّما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه - فقياس لا يصحّ ولا يطّرد إلّا في المخلوقين لا في الحقّ ؛ فإنّه من البيّن أنّه مطلق التصرّف ، وأنّه يملك من جميع الوجوه ، فلا تقاس ملكيّة غيره عليه ، ولا تضاف النعوت والأسماء إليه إلّا من حيث أكمل مفهوماتها ، وسيّما مما سبق وضوحه بالشرع والبرهان ، فاعلم ، فدلّ ذلك على ترجيح القراءة بملك يوم الدّين .
وأمّا سرّ المالك من حيث الباطن فقد اندرج فيما ذكرته في شرح الاسم « الربّ » فأغنى ذلك عن الإعادة ، فافهم وتذكّر ، واللّه المرشد .
سرّ اليوم
لا بدّ قبل الشروع في الكلام على أسرار هذه الكلمة من تقديم مقدّمة تكون مذكّرة ببعض ما سلف من الأصول المنبّهة على حقيقة الزمان وما يختصّ به وما [ هو ] مستنده في الإلهيّات ، فأقول :
قد علمت ممّا مرّ أنّ الغيب الإلهي المطلق لا يحكم عليه بالتناهي ولا التعيين « 4 » ولا التقييد ولا غير ذلك ، وأنّ الممكنات غير متناهية ، لكنّ الداخل في الوجود من الممكنات والظاهر
.........................................................
( 1 ) . الأنعام ( 6 ) الآية 96 .
( 2 ) . ق : مليكه .
( 3 ) . ق . فما وفي بعض النسخ : ممّا والصحيح ما أثبتناه .
( 4 ) . ق : التعيّن .
183
من الغيب الذاتي - في كلّ وقت ومرتبة وحال وموطن ، وبالنسبة إلى كلّ اسم - لا يكون إلّا أمرا متعيّنا ذا بداية وغاية مقدّرة .
والحقائق الكلّيّة والأسماء الإلهيّة الحاكمة في الأكوان متناهية الأحكام ، لكنّ بعضها ينتهي حكمه جملة واحدة ، وبعضها ينتهي حكمه من الوجه الكلّي لا الجزئي التفصيلي .
وبيّنت أيضا أنّ الإنسان متعيّن متميّز متقيّد بعدّة أمور وصفات لا يمكنه الانفكاك عن كلّها لكن عن بعضها ، فكلّ ما يصل إليه من غيب الحقّ من تجلّ وخطاب وحكم فإنّه يرد بحسبه ، وينصبغ بحكم حاله ومرتبته ، ومبدأ الحكم الإلهي ومنشأه هو من التعيّن الأوّل ، وله النفوذ والاستمرار على نحو ما بيّن من قبل .
وإذا وضح هذا ، فنقول : أصل الزمان الاسم « الدهر » وهو نسبة معقولة كسائر النسب الأسمائيّة والحقائق الكلّيّة ، وهو من أمّهات الأسماء ، ويتعيّن أحكامه في كلّ عالم بحسب التقديرات المفروضة ، المتعيّنة بأحوال الأعيان الممكنة وأحكامها وآثار الأسماء ومظاهرها السماوية والكوكبيّة .
ولمّا امتاز كلّ اسم - من حيث تقيّده بمرتبة معيّنة - بأحكام مخصوصة ينفرد بها مع اشتراكه مع غيره من الأسماء في أمور أخر ، اقتضى الأمر أن يكون محلّ نفوذ أحكام كلّ اسم ومعيّنات تلك الأحكام أعيانا مخصوصة من الممكنات هي مظاهر أحكامه ومحلّ ربوبيّته فإذا انتهت أحكامه المختصّة به في الأعيان القابلة لتلك الأحكام من الوجه الذي يقتضي لها الانتهاء ، كانت السلطنة لاسم آخر في أعيان أخر ، وتبقى أحكام ذلك الاسم إمّا خفيّة في حكم التبعيّة لمن له السلطنة من الأسماء ، وإمّا أن ترتفع أحكامه ، ويندرج هو في الغيب ، أو في اسم آخر أتمّ حيطة منه وأدوم حكما ، وأقوى سلطانا ؛ هكذا الأمر على الدوام في كلّ عالم ودار وموطن ، ولهذا اختلفت الشرائع والإلقاءات والتجلّيات الإلهيّة ، وقهر ونسخ بعضها بعضا مع صحّة جميع ذلك وأحديّة الأصل وحكمه من حيث هو وأمره ، فافهم .
ولا تكون السلطنة والغلبة في كلّ وقت بالنسبة إلى كلّ مرتبة وموطن وجنس ونوع وعالم إلّا لاسم واحد ، ويبقى حكم باقي الأسماء في حكم التبعيّة كما أشرت إلى ذلك غير مرّة ؛ لأنّ السلطان للّه وحده ، والألوهيّة الحاكمة الجامعة للأسماء واحدة وأمرها واحد ،
184
فمظهر « 1 » ذلك الأمر في كلّ وقت وحال لا يكون إلّا واحدا ؛ إذ بالوحدة الإلهيّة يحصل النظام ، ويدوم حكمه في الموجودات جميعها وإليه الإشارة بقوله عزّ وجلّ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا « 2 » وهذا من البيّن عند المحقّقين.
وإلى هذا الأصل يستند القائلون بالطوالع في أحكام المواليد وغيرها ، فيجعلون الحكم مضافا إلى أوّل ظاهر من الأفق حين الولادة والشروع في الأمر والانتهاء إليه ، وما سوى الأوّل الذي له السلطنة حينئذ فتبع له ، ومنصبغ بحكمه ، فافهم .
وقد عرفت أنّ الحقّ هو الأوّل والظاهر ، وقد نبّهت في هذا الكتاب على كثير من أسرار الأوّليّة في غير موضع « 3 » منه ، فتذكّر ترشد - إن شاء اللّه تعالى - .
ثم نقول : فتعيين الأوقات والأيّام والشهور والأعوام والأدوار العظام ، كلّها تابعة لأحكام الأسماء والحقائق المذكورة ، والعرش والكرسي والأفلاك والكواكب مظاهر الحقائق والأسماء الحاكمة المشار إليها ومعيّنات لأحكامها ؛ فبالأدوار تظهر أحكامها الكلّيّة الشاملة المحيطة ، وبالآنات تظهر أحكامها الذاتيّة من حيث دلالتها على المسمّى وعدم مغايرتها له ،
كما بيّنّا ذلك من قبل ، وما بين هاتين المرتبتين من الأيّام والساعات والشهور والسنين فيتعيّن باعتبار ما يحصل بين هذين الأصلين من الأحكام المتداخلة ، وما يتعيّن بينهما من النسب والرقائق ، كالأمر في الوحدة التي هي نعت الوجود البحت ، والكثرة التي هي من لوازم الإمكان ، والموجودات الظاهرة بينهما والناتجة عنهما ، فافهم .
وانظر اندراج جميع « 4 » الصور الفلكيّة وغيرها في العرش مع أنّه أسرعها حركة ، وكيف يتقدّر بحركته الأيّام ؟ ! وارق منه إلى الاسم « الدهر » من حيث دلالته على الذات وعدم المغايرة كما بيّنّا ، واعتبر الآن الذي هو الزمن الفرد غير المنقسم ، فإنّه الوجود الحقيقي وما عداه فأمر معدوم سواء فرض ماضيا أو مستقبلا ، فللوجود الآن ، وللدور حكم الكثرة والإمكان ، ولمعقوليّة الحركة التعلّق الذي بين الوجود الحقّ وبين الأعيان ، فبين الآن والدوران المدرك مظهره في العيان ، وبين الوجود والإمكان المدرك بالكشف والمعقول في
........................................................
( 1 ) . ق : فظهر .
( 2 ) . الأنبياء ( 21 ) الآية 22 .
( 3 ) . في الأصل : غير ما موضع .
( 4 ) . ق : جمع .
185
الأذهان تظهر الأكوان والألوان ، وتتفصّل أحكام الدهر والزمان ، فمستند الأدوار
« أكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة »
ومستند الآن ومحتده « كان اللّه ولا شيء معه »
وقوله : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ « 1 » فافهم .
فبالآن تتقدّر الدقائق ، وبالدقائق تتقدّر الدرج ، وبالدرج تتقدّر الساعات ، وبالساعات يتقدّر اليوم ، وتمّ الأمر بهذا الحكم الرباعي والسرّ الجامع بينهما .
فإن انبسطت سمّيت أسابيع وشهورا وفصولا وسنين ، وإلّا كان الزائد على اليوم تكرارا ، كما أنّ ما زاد على السنة في مقام الانبساط تكرار .
ومن تحقّق بالشهود الذاتي ، وفاز بنيل مقام الجمع الأحدي لم يحكم بتكرار ولم ينتقل من حكم الآن إلى الأدوار ؛ فإنّ ربّه أخبره أنّه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ « 2 » فلمّا أضاف اليوم إلى الهو ، عرف شهودا وإخبارا أنّه الآن الذي لا ينقسم ؛ لأنّ يوم كلّ مرتبة واسم بحسبه وللهو الذات الوحدة التي تستند إليها المرتبة الجامعة للأسماء والصفات ، ومن هذا المقام يستشرف هذا العبد وأمثاله على سرّ قوله عزّ وجلّ : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ « 3 » فيعلم الأقرب أيضا ويشهده « 4 » وإن لم يكيفه ، فاعلم ، واللّه المعلّم الهادي .
سرّ الدِّينِ
هذه الكلمة لها أسرار كثيرة لا تتشخّص في الأذهان ، ولا تنجلي لأكثر المدارك والأفهام ، إلّا بعد استحضار عدّة مقدّمات عرفانيّة ذوقيّة يجب تقديمها قبل الكلام عليها بلسان التفصيل ، وحينئذ نذكر ما تشتمل عليه من المعاني - إن شاء اللّه تعالى - وليست فائدة هذه المقدّمات مقصورة على فهم ما تتضمّنه هذه الكلمة من الأسرار المنبّهة عليها ، بل هي عامّة الفائدة ينتفع بها فيما سبق من الكلام وما يذكر من بعد وفيما سوى ذلك .
وإذا عرفت هذا ، فنقول : اعلم ، أنّ الصفات والنعوت ونحوهما تابعة للموصوف والمنعوت بها بمعنى أنّ إضافة كلّ صفة إلى موصوفها إنّما تكون بحسب الموصوف ،
............................................................
( 1 ) . الحديد ( 57 ) الآية 4 .
( 2 ) . الرحمن ( 55 ) الآية 29 .
( 3 ) . القمر ( 54 ) الآية 50 .
( 4 ) . ق : شهده .
186
وبحسب قبول ذاته إضافة تلك الصفة إليها ، والحقّ سبحانه وإن لم يدرك كنه حقيقته ، فإنّه قد علم بما علّم وأخبر وفهّم أنّ إضافة ما تصحّ نسبته إليه من النعوت والصفات لا تكون على نحو نسبتها إلى غيره ؛ لأنّ ما سواه ممكن ، وكلّ ممكن فمنسحب عليه حكم الإمكان ولوازمه ، كالافتقار والقيد والنقص ونحو ذلك وهو سبحانه من حيث حقيقته مغاير لكلّ الممكنات لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ « 1 » فإضافة النعوت والصفات إليه إنّما تكون على الوجه المطلق الكلي الإحاطي الكامل .
ولا شكّ أنّ العلم من أجلّ النسب والصفات ، فإضافته ونسبته إلى الحقّ إنّما تكون على أتمّ وجه وأكمله وأعلاه ، فلا جرم شهدت الفطر بنور الإيمان ، والعقول السليمة بنور البرهان ، والقلوب والأرواح بأنوار المشاهدة والعيان بأنّه لا يعزب عن علمه علم عالم ، ولا تأويل متأوّل ، ولا فهم فاهم ؛ لإحاطة علمه بكلّ شيء كما أخبر وعلّم .
وكلامه أيضا صفة من صفاته أو نسبة من نسب علمه على الخلاف المعلوم في ذلك بين أهل الأفكار ، لا بين المحقّقين من أهل الأذواق . والقرآن العزيز هو صورة تلك الصفة ، أو النسبة العلميّة - كيف قلت - فله الإحاطة أيضا كما نبّه على ذلك بقوله تعالى : ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ « 2 »
وبقوله أيضا : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ « 3 » فما من كلمة من كلمات القرآن ممّا يكون لها في اللسان عدّة معان إلّا وكلّها مقصودة للحقّ ، ولا يتكلّم متكلّم في كلام الحقّ بأمر يقتضيه اللسان الذي نزل به ، ولا تقدح فيه الأصول الشرعيّة المحقّقة ، إلّا وذلك الأمر حقّ ومراد للّه ، فإمّا بالنسبة إلى الشخص المتكلّم ، وإمّا بالنسبة إليه وإلى من يشاركه في المقام والذوق والفهم .
ثم كون « 4 » بعض معاني الكلمات في بعض الآيات والسور يكون أليق بذلك الموضع وأنسب لأمور مشروحة من قرائن الأحوال كأسباب النزول وسياق الآية والقصّة أو الحكم ، أو رعاية الأعمّ والأغلب من المخاطبين وأوائلهم ، ونحو ذلك ، فهذا لا ينافي
...................................................................
( 1 ) . الشورى ( 42 ) الآية 11 .
( 2 ) . الأنعام ( 6 ) الآية 38 .
( 3 ) . الأنعام ( 6 ) الآية 59 .
( 4 ) . كذا في الأصل . والظاهر زيادة « كون » .
187
ما ذكرنا ؛ لما سبق التنبيه عليه في سرّ القرآن ، وأنّ له ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا ، ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن وإلى سبعين .
وإذا تقرّر هذا ، فلتعلم أنّ للفظة « الدّين » في اللسان عدّة معان ، منها الجزاء ، والعادة ، والطاعة ، والشأن ، و « دانه » في اللغة : أذلّه واستعبده وساسه وملكه .
والديّان : المالك ، والدين : الإسلام أيضا ، فهذه المعاني كلّها تتضمّنها لفظة « الدّين » وهي بأسرها مقصودة للحقّ ، لكمال كلامه وإطلاقه وحيطته ، وتنزّهه عن التقيّد بمفهوم خاصّ، أو معنى معيّن ، كما مرّ بيانه.
وأنا أومئ - إن شاء اللّه - إلى ما ييسّر الحقّ ذكره من معاني هذه الكلمات « 1 » بإشارات وجيزة كما فعلت ذلك فيما مرّ ، ثمّ أبيّن معاقد أحكام هذه الآية من حيث الترتيب ، وسرّ انتهاء القسم الأوّل من أقسام الفاتحة بانتهاء هذه الآية ، ثم أنتقل إلى الآية الأخرى المشتملة على القسم الثاني - إن شاء اللّه تعالى - فلنبدأ أوّلا بشرح الجزاء الذي هو المفهوم الأوّل القريب من هذه الكلمة في هذا الموضع ، مع أنّي أدرج فيه نكتا شريفة تنبّه على جمل من أسرار أحوال الآخرة وغيرها ، فمن أمعن النظر فيما نذكره بنور الفطرة الإلهيّة ، استشرف على أمور جليلة ، عظيمة الجدوى ، واللّه الهادي .
اعلم ، أنّ الحقّ سبحانه ربط العوالم والموجودات - جليلها وحقيرها ، كبيرها وصغيرها - بعضها بالبعض ، « 2 » وأوقف ظهور بعضها على البعض ، وجعل بعضها مرائي ومظاهر للبعض ، فالعالم السفلي بما فيه مرآة للعالم العلوي مظهر لآثاره ، وكذلك العالم العلوي أيضا مرآة تتعيّن وتنطبع فيه أرواح أفعال العالم السفلي تارة ، وصورها تارة ، والمجموع تارة أخرى ، وعالم المثال الكلّي من حيث تقيّده في بعض المراتب ، ومن حيث عموم حكمه وإطلاقه أيضا مرآة لكلّ فعل وموجود ومرتبة ، وانفرد الحقّ سبحانه بإظهار كلّ شيء على حدّ علمه به ، لا غير ، وجعل ذلك الإظهار تابعا لأحكام النكاحات الخمسة ، التابعة للحضرات الخمس ، وقد سبق التنبيه على كلّ ذلك ، فظهور الموجودات - على اختلاف أنواعها وأشخاصها - متوقّف على سرّ الجمع النكاحي ، على اختلاف مراتبه المذكورة ، وأحكامها
.........................................................
( 1 ) . ق : الكلمة .
( 2 ) . ق : على البعض .
188
المشار إليها من قبل .
وإذا عرفت هذا ، فأقول : الجزاء المراد بيان سرّه ، عبارة عن نتيجة ظاهرة بين فعل فاعل ، وبين مفعول لأجله بشيء « 1 » [ وفي شيء ] والباعث على الفعل هو الحركة الغيبيّة الإراديّة ، التابعة لعلم المنبعث على الفعل . ولتلك الحركة بحسب علم المريد حكم يسري في الفعل الصادر منه ، حتى ينتهي إلى الغاية التي تعلّق بها العلم ، وعلّق بها الإرادة ، فكلّ فعل يصدر من فاعل فإنّ مبدأه ما أشرت إليه ، ولا بدّ له أيضا من أمر به تتعيّن الغاية وتظهر صورة الفعل ، وإليه الإشارة بقولي : « مفعول لأجله بشيء وفي شيء ، ولا بدّ له أيضا من نتيجة وأثر يكون متعلّقه غاية ذلك الفعل ، وكما له .
وهذه الأمور تختلف باختلاف الفاعلين وقواهم وعلومهم ومقاصدهم ؛ وحضورهم ومواطنهم ونشآتهم ، إن كانوا من أهل النشآت المقيّدة ، والفاعل المطلق في الحقيقة لكلّ شيء وبكلّ شيء وفي كلّ شيء هو الحقّ ، ولا يتصوّر صدور الفعل من فاعل ويكون خاليا عن أحكام هذه القيود النسبيّة المذكورة إلّا النشآت المقيّدة ؛ فإنّ أفعال الحقّ من حيث الأسماء والوجه الخاصّ وآثار الحقائق الكليّه والأرواح ، لا تتوقّف على النشآت المقيّدة ، ولكن تتوقّف على المظهر ولا بدّ إلّا أنّه ليس من شرط المظهر .
وأقرب من ينضاف إليه ذلك الفعل أن يكون عارفا بما ذكرنا أو حاضرا معه ؛ فإنّ من الأفعال ما إذا اعتبر بالنظر إلى أقرب من ينسب إليه سمّي لغوا وعبثا بمعنى أنّ فاعله ظاهرا لم يقصد به مصلحة مّا ، ولا كان له فيه غرض ، والشأن في الحقيقة ليس كذلك ؛ فإنّ فاعل ذلك الفعل في الحقيقة الذي لا فعل لسواه هو الحقّ عزّ وجلّ ، ويتعالى أن ينسب إليه العبث ؛ فإنّه كما أخبر وفهّم أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً « 2 » وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا « 3 » بل له سبحانه في كلّ تسكينة وتحريكة حكم عجيبة ، وأسرار غريبة ، لا تهتدي أكثر الأفهام إليها ، ولا تحيط العقول دون تعريفه بكنهها ، ولا تستشرف النفوس عليها .
فلا بدّ لكلّ فعل من ثمرة وبداية وغاية ، ولا بدّ أن يصحبه حكم القصد الأوّل والحضور
( 1 ) . كذا في الأصل . ولعلّه سقط « وفي شيء » كما سيأتي .
..............................................................
( 2 ) . المؤمنون ( 23 ) الآية 115 .
( 3 ) . ص ( 38 ) الآية 27 .
189
التابعين للعلم المتعلّق « 1 » بالغاية كما مرّ ، لكن للفعل ولمن ينسب إليه مراتب ، فربما نعت الفعل في بعض المراتب بنعوت عرضت له من حيث النسبة والإضافة في مرتبة معيّنة أو حالة مخصوصة أو بحسب مراتب وأحوال ، فيظنّ من لا يعرف السرّ أنّ الفعل يستند إلى فاعلين أو أنّ ذلك النعت ذاتي للفعل واجب الحكم عليه به على كلّ حال وفي كلّ مرتبة ظهر منها ، وليس كذلك بل الأمر كما قلنا .
ثم اعلم ، أنّ الأفعال على أقسام : ذاتيّة ، وإراديّة ، وطبيعيّة ، وأمريّة .
والأمريّة على قسمين : قسم يتّحد بالأفعال الإراديّة ولا يغايرها ، كفعال الملائكة والأرواح النوريّة ، وقسم يخالف الإراديّة من بعض الوجوه كالتسخير المنسوب إلى الشمس والقمر وبعض الملائكة .
والطبيعيّة في التقسيم كالأمريّة، وتتّحد في بعض الصور بالنسبة إلى بعض الموجودات بالإراديّة كاتّحاد الأمرية بالإراديّة.
وثمّ قسم جامع لهذه الأقسام الستّة ، وصدور هذه الأقسام الفعليّة من الموجودات على أنواع ؛ فإنّ من الموجودات ما يختصّ بقسم واحد من هذه الأقسام المذكورة ، ومنها ما يختصّ بقسمين وثلاثة على الانفراد والتركيب ، بمعنى أنّ أفعاله تصدر مركّبة من هذه الأقسام . أو يكون في قوّته أن يصدر منه بحسب كلّ قسم فعل أو أفعال شتّى ، ومنها ما يجمع سائرها بالتفسير المذكور . ومظاهر هذه الأقسام الأرواح النوريّة والناريّة والصور العلويّة والعناصر وما تولّد عنها ، وخصوصا الإنسان وما تولّد عنه في كلّ نشأة وحال وموطن ومقام .
وقد بقي من هذا الأصل أمر واحد وهو إسناد « 2 » كلّ قسم من أقسام الأفعال إلى من « 3 » يختصّ به من الموجودات على التعيين ، والكلام عليه يستدعي بسطا وكشف أسرار لا يجوز إفشاؤها ، ومن عرف من ذوي الاستبصار ما أومأت إليه ، تنبّه لبعض ما سكتّ عنه ولما تركت ذكره ، ثم نرجع إلى تتميم ما يختصّ بالإنسان من هذا الأصل ، فإنّه العين
...............................................................
( 1 ) . ق : المطلق .
( 2 ) . ق : استناد .
( 3 ) . ق : ما .
190
المقصودة والمثال الأتمّ والنسخة الجامعة . فنقول :
الإنسان جامع لسائر أقسام الفعل وأحكامها ، وله من حيث مجموع صورته وروحه في الحياة الدنيا أفعال كثيرة ، وله من حيث روحانيّته حال الانسلاخ بالمعراج الروحاني أفعال وآثار شتّى ، تقتضي أمورا شتّى ونتائج جمّة ، مع بقاء العلاقة البدنيّة والتقيّد من بعض الوجوه بحكم هذه الدار ، وهذه النشأة العنصريّة ، وله أيضا بعد مفارقة النشأة العنصريّة بالكلّيّة في نشأته البرزخيّة والحشريّة والجنانيّة وغيرها أفعال وأحوال مختلفة ، ولكن « 1 » كلّها تابعة للنشأة العنصريّة وناتجة عنها ، وبتوسّطها تتعدّى أفعال الإنسان من الدنيا إلى البرزخ ، ثم إلى « 2 » الآخرة ، وتتشّخص في الحضرات العلويّة ، ويثبت ويدوم حكمها كيف كان الإنسان ، وحيث كان من المراتب والعوالم والمواطن ، فإنّه لا يعرى عن أحكام المزاج العنصري ولوازمه ونتائجه التي يظهر بها وفيها نفسه ؛ إذ لا غنى له عن مظهر .
ومظاهر الإنسان لا تعرى عن حكم الطبيعة أبدا ، فافهم .
...............................................................
( 1 ) . ق : لا توجد .
( 2 ) . ق : لا توجد .
191
وصل من هذا الأصل
اعلم ، أنّ أهمّ ما يجب ذكره وبيانه من هذه التقاسيم كلّها هو أفعال المكلّفين ، المضمون لهم عليها الجزاء وهم الثقلان ؛ وللحيوانات في ذلك مشاركة من جهة القصاص لا غير ، وليس لها - على ما ورد - جزاء آخر ثابت مستمرّ الحكم .
وأمّا الجنّ فنحن وإن كنّا « 1 » لا نشكّ في أنّهم يجازون على أفعالهم ، لكن لا نتحقّق أنّهم يدخلون الجنّة ، وأنّ المؤمن منهم يجازى على ما عمل من خير في الآخرة ؛ فإنّه لم يرد في ذلك نصّ ، ولا يعرف من جهة الذوق في هذه المسألة ما يوجب الجزم ، فقد يجنون ثمرة خيرهم في غير الجنّة ، حيث شاء اللّه .
وأمّا الإنسان فعليه مدار الأمر وهو محلّ تفصيل الحكم .
فنقول : فعله لا يخلو إمّا أن لا يقصد به مصلحة مّا ، فهو المسمّى عبثا ، وقد سبق التنبيه عليه وعلى أنّه غير مقصود للحقّ في نفس الأمر ، وإمّا أن يكون مقصودا ومتعلّقا بأمر هو غايته ، وذلك الأمر إمّا أن يكون الحقّ أو ما منه .
فما متعلّقه الحقّ ، فإنّ مجازاته سبحانه عليه تكون بحسب عنايته بالعبد الذي هذا شأنه ، وبحسب علم العبد بربّه ، الذي لا يطلب بما يفعله شيئا سواه ، وبحسب اعتقاده فيه ، وحضوره معه حين الفعل من حيث العلم والاعتقاد ، ولهذا المقام أسرار يحرم كشفها .
وما من الحقّ يتعلّق تفصيله بأربع مقامات : مقام الخوف ، ومقام التقوى ، ومقام الرجاء ، ومقام حسن الظنّ .
وهذه المقامات تابعة لمقامات المحبّة ؛ فإنّ الباعث على الفعل هو الحكم الحبّي ،ومتعلّقه باعتبار ما من الحقّ .
...........................................................
( 1 ) . ق : لا توجد .
192
إمّا طلب ما يوافق الطالب ، أو دفع ما لا يوافقه عنه ، أو الاحتزاز من وقوع غير الموافق ، أو ترجّي جلب الموافق بالفعل ، أو به وبحسن الظنّ بمن يرجو من فضله نيل ما يروم حصوله من كون المرجوّ جوادا محسنا ونحو ذلك ، أو العصمة ممّا يحذر وقوعه منه من كونه قاهرا شديد العقاب ، فيخشى أن يصل إليه منه ألم وضرر .
ثم كلّ ذلك إمّا أن يتقيّد بوقت معيّن وحالة مخصوصة ودار دون دار ، كالدنيا والآخرة وما بينهما من المواطن ، وإمّا أن لا يتقيّد بشيء ممّا ذكرنا ، بل يكون مراد الفاعل أحد أمرين :
إمّا جلب المنافع ، أو دفع المضارّ على كلّ حال وفي كلّ وقت ودار بما تأتّى له من الطرق ، أو يكون الباعث له على فعل الخير هو نفس معرفته بأنّه حسن ، واحترازه من الشرّ هو نفس معرفته بأنّه قبيح مضرّ .
ونتيجة كلّ قسم من أقسام الأفعال تابعة لحكم الأمر الأوّل ، الموجب للتوجّه نحو ذلك الفعل والباعث عليه مع مشاركة من حكم الاسم « الدهر » و « الشأن » الإلهيّين . وحكم الموطن والنشأة والنقص والإتمام وما سوى هذا فقد سبق التنبيه عليه .
وظهور كلّ فعل من حيث صورته في مقام المجازاة والإنتاج تابع لحكم الصفة الغالبة على الفاعل حال التوجّه نحوه .
ومنتهى « 1 » الفعل حيث مرتبة الفاعل من الوجه الذي يرتبط بتلك الصفة الغالبة ، وبحسب متعلّق همّته ، لكنّ الغلبة المنسوبة إلى الصفات الجزئيّة من حيث أوّليّتها تابعة للغلبة الكلّيّة الأولى ، المشتملة على تلك الجزئيّات ، كالأمر فيما سبق به القلم من السعادة والشقاء بالنسبة إلى محاسن الأفعال الجزئيّة ومقابحها الظاهرة بين السابقة والخاتمة ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك كلّه غير مرّة ، وبيّنت أنّ الحكم في الأشياء هو لأحديّة الجمع ويظهر بالأوّليّات ، فتذكّر .
ثم اعلم ، أنّ كلّ فعل يصدر من الإنسان فإنّ له في كلّ سماء صورة تتشخّص حين تعيّن ذلك الفعل في هذا العالم وروح تلك الصورة هو علم الفاعل وحضوره بحسب قصده حال الفعل ، وبقاؤها هو بإمداد الحقّ - من حيث اسمه الذي له الربوبيّة - على الفاعل حين الفعل ،
.......................................................
( 1 ) . « منتهى » مبتدأ و « حيث » خبره و « بحسب » عطف على « حيث » .
193
وكلّ فعل فلا يتعدّى مرتبة الصفة الغالبة ، الظاهرة الحكم فيه حين تعيّنه من فاعله .
والشرط في تعدّي الأفعال الحسنة وحكمها من الدنيا إلى الآخرة أمران هما الأصلان في باب المجازاة ودوام صور الأفعال من حيث نتائجها ، أحدهما : التوحيد ، والآخر : الإقرار بيوم الجزاء ،
وأنّ الربّ الموجد « 1 » هو المجازي ، فإن لم يكن الباعث على الفعل أمرا إلهيّا كليّا ، أو معيّنا تابعا للأصلين وناتجا عنهما ، فإنّ الصورة المتشخّصة في العالم العلوي ، المتكوّنة « 2 » من فعل الإنسان لا تتعدّى السدرة ، ولا يظهر لها حكم إلّا فيما دون السدرة خارج الجنّة ، في المقام الذي يستقرّ فيه فاعله آخر الأمر ، هذا إن كان فعلا حسنا .
وإن كان سيّئا ، فإنّه - لعدم صعوده وخرقه عالم العناصر - يعود ، فتظهر نتيجته للفاعل سريعا ، وتضمحلّ وتفنى أو تبقى في السدرة ؛ لما يعطيه سرّ الجمع الكامن في النشء الإنساني وما تقتضيه دار الدنيا ، الجامعة لأحكام المواطن كلّها . فإذا كان يوم الحشر ، ميّز اللّه الخبيث من الطيّب ، كما أخبر : وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ « 3 » الآية .
وهذه صفة أفعال الأشقياء الذين لا يصعد لهم عمل حسن على اختلاف مراتبهم .
والسرّ في ذلك أمران :
أحدهما : أنّ للكثرة « 4 » حكم الإمكان كما بيّنّا ولا بقاء لها ولا وجود إلّا بالتجلّي الوجودي الأحدي والحكم الجمعي ، فأيّ موجود لم يعقل استناده إلى أحديّة المرتبة الإلهيّة ، تلاشت أحكام كثرته وآثارها ، ولم تبق ؛ لعدم الاستناد إلى المرتبة التي بها يحفظ الحقّ ما يريد حفظه ، ولولا انسحاب حكم ميثاق « ألست » ونفوذه بالسرّ الأوّل ، لتلاشى هو بالكلّيّة .
والأمر الآخر فيما ذكرنا يتضمّن « 5 » أسرارا غامضة جدّا ، يجب كتمها ، فأبقيناها في خزائن غيبها ، يظهرها الحقّ لمن شاء كيف شاء .
وأمّا الموحّدون ومن يكون فعله تابعا للأمر الإلهي الكلّي والجزئي المعيّن ، فإنّ صور أفعاله تنصبغ - كما قلنا - بصفة علمه ، ويسري فيها روح قصده ، ويحفظها الحقّ عليه من حيث رحمته وإحصائه بموجب حكم ربوبيّته .
................................................................................................
( 1 ) . في بعض النسخ : الموحّد .
( 2 ) . ق : المنكوبة .
( 3 ) . الأنفال ( 8 ) الآية 37 .
( 4 ) . ق ، ه : الكثرة .
( 5 ) . ه : تتضمّن .
194
فإن غلب على الفعل حكم العناصر وصورة النشأة العنصريّة ، انحفظت في سدرة المنتهى ، منبع الأوامر الشرعيّة الباعثة على الفعل ؛ فإنّها غاية العالم العنصري ومحتد الطبيعة من حيث ظهورها بالصور العنصرية ، فجعلها الحقّ غاية مرتقى الآثار العنصريّة ؛ فإنّ أفعال المكلّفين بالنسبة الغالبة نتيجة الصور والأمزجة المتولّدة من العناصر والمتركّبة منها ، فلهذا لم « 1 » يمكن أن يتعدّى الشيء أصله ، فما من العناصر لا يتعدّى عالم العناصر ، فإن تعدّى فبتبعيّة حقيقة أخرى تكون لها الغلبة إذ ذاك والحكم ، فافهم .
فإن خرقت همّة الفاعل وروحانيّته عالم العناصر بالغلبة المذكورة - لاقتضاء مرتبته ذلك وحاله - تعدّى إلى الكرسي وإلى العرش وإلى اللوح وإلى العماء بالقوّة والمناسبة التي بينه وبين هذه العوالم ، وكونه نتيجة من سائرها ، فانحفظ في أمّ الكتاب إلى يوم الحساب .
فإذا كان يوم الفصل ، انقسمت أفعال العباد إلى أقسام :
فمنها : ما تصير هباء منثورا ، وهو الاضمحلال الذي أشرت إليه .
ومنها : ما يقلبها إكسير العناية والعلم بالتوحيد أو به وبالتوبة ، فيجعل قبيحها حسنا ، والحسن أحسن ، فتصير « 2 » التمرة كأحد ، ويوجر من أتى معصية جزاء من أتى مثلها من الحسنات بالموازنة ، فالقتل بالإحياء ، و « 3 » الغصب بالصدقة والإحسان ونحو ذلك .
ومنها : ما يعفو الحقّ عنه ويمحو حكمه وأثره .
ومنها : ما إذا قدم الفاعل عليه ، وفّاه له مثلا بمثل خيرا كان أو ضدّه .
ونموّ الجميل من الفعل وغلبته « 4 » الظاهرة بصورة الترجيح تارة ، وبالحكم الماحي تارة أخرى راجع إلى العناية والعلم الشهودي التامّ مع الحضور وسبق الرحمة والشفاعة المختصّة بالتوحيد والإيمان ، المتفرّعة في الملائكة والرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنين ، والآخريّة للعناية السابقة المضافة إلى الحقّ آخرا من كونه أرحم الراحمين .
ومن الأفعال ما يكون حكمها في الآخرة هو كسر سورة العذاب الحاصل من نتائج الذنوب ، وقبائح الأفعال .
.................................................................
( 1 ) . ب : يتعدّ سدرة المنتهى التي منبع الأوامر الشرعية الباعثة على الفعل ؛ لأنّ الشيء لا يتعدّى أصله . توجد إضافة .
( 2 ) . ه : فيصير .
( 3 ) . ق ، ه : لم يرد .
( 4 ) . في بعض النسخ : غلبة .
195
ومن الأفعال ما يختصّ بأحوال الكمّل ، ونتائجها خارجة عن هذه التقاسيم كلّها ، ولا يعرف حكمها على التعيين إلّا أربابها ، والواصل من الحقّ في مقابلتها إلى من ظهرت به لا يسمّى جزاء ولا معاوضة .
وتسمية المحقّق مثل هذا جزاء وأجرا إنّما هي من حيث إنّ العمل المشروع يستلزم الأجر ؛ لكونه ناتجا عنه وظاهرا به ، كما أنّ الإنسان شرط في ظهور عين العمل في الوجود ، وتلك سنّة إلهيّة في هذا ونحوه ، لا أنّ هذا النوع من الجزاء يطلب من ظهر منه العمل أو به غير أنّه لمّا لم يكن العمل يقتضي لذاته قبول الأجر والانتفاع به ؛ لأنّه نسبة لا أمر وجودي ، أعاده الحقّ بفضله على من أضيف إليه ذلك الفعل ظاهرا من أجل ظهوره به وتوقّف وجوده عليه ، ولاستحالة عوده من هذا الوجه على الحقّ ، فإنّه كامل الغنى يتنزّه ويجلّ أن يعود من خلقه إليه وصف لم تكن ذاته من حيث هي مقتضية لذلك . وسرّ الأمر أنّ المطلوب من كلّ مرتبة من مراتب الوجود وبها وفيها ليس غير الكمال المختصّ بتلك المرتبة ومظاهرها ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
وللأفعال والأعمال مرتبة ، ولها بداية وكمال ، فمبدؤها الحركة الحبّية والتوجّه الإرادي الكلّي ، المتعلّق بظهور الكمال الذي سبق التنبيه عليه عند الكلام على سرّ الإيجاد وبدئه .
وكمالها هو ظهور نتائجها التي هي غاية كلّ فعل وعمل .
فكمال الأعمال ونتائجها إنّما يتمّ حصوله بصدورها عن الحضرة الذاتيّة الغيبيّة ، وبروزها إلى مرتبة الشهادة التي هي محلّ سلطنة الاسم « الظاهر » الذي هو مرآة الاسم « الباطن » ومجلاه ومقام نفوذ حكمه ، فإذا كملت في مرتبة الشهادة بظهور امتياز نتائجها عنها وتبعيّتها لها ، عاد الأمر كلّه إلى الحقّ مفصّلا « 1 » على نحو امتيازه عنده في حضرة علمه أزلا ، مع أن لا فاعل سواه ، لكن توقّف ظهور الأفعال على العباد وإن كانوا من جملة الأفعال ، فالأفعال إنّما تنسب إليهم في الحقيقة من حيث ظهورها بهم ، لا أنّهم الفاعلون لها .
وهكذا حكم الصفات التي توهّم الاشتراك بين الحقّ والخلق ، على اختلاف أحكامها
............................................................
( 1 ) . ق : تفصيلا .
196
ومراتبها ، فافهم وتذكّر ما سبق ذكره في سرّ الغذاء وصوره وكونه شرطا في التوصيل وظهور التفصيل لا غيره ، وكذلك ما نبّهت عليه من النكت المبثوثة الكاشفة لهذا السرّ ؛ فإنّك تستشرف على أسرار جليلة ، عظيمة الجدوى ، واللّه المرشد .
197
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله