المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
اتقوا الله ويعلمكم الله :: قسم علوم و كتب التصوف :: من كتب الصوفية :: الفتوحات الإلهية فى شرح المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
صفحة 1 من اصل 1
28122023
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفتوحات الإلهية فى شرح المباحث الأصلية للشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفصل الثالث في أحكامه وهي تسعة
قلت: المراد بأحكامه: ما يحكم به على المريد, وما يلزمه من الآداب, وما يكون عليه أمره من أعمال وأحوال, وحصرها في تسعة.الأول: في حكم الشيخ وما يترتب عليه.
الثاني: في حكم الاجتماع.
الثالث: في حكم اللباس.
الرابع: في حكم الأكل.
الخامس: في آداب الاجتماع.
السادس: في حكم السماع.
الثامن: في حكم السؤال وأسبابه.
التاسع: في حكم التربية وتدريج المريد إلى أوان ترشيده.
واعلم أن مذهب الصوفية: الأخذ بالأحسن في كل شيء, عملا بقوله تعالى: "فبشر عباد, الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه".
وأحسن المذاهب في الاعتقاد مذهب السلف, من اعتقاد التنزيه, ونفي التشبيه, وتفويض المتشابه, والوقوف مع ما ورد كما ورد, ما لم يحتج إلى تقييد, فيقيد بما ينفي شبهته, من غير زائد, وبهذا تمسكت الصوفية في بدايتهم.
وقد يطلعهم الله تعالى على أسرار من مكنون علمه, فتتسع لهم دائرة العلوم وتنحل عنهم قيود المتشابه, فيطلعون على أسرار تنكشف بها غوامض المتشابه, ولذلك قال ابن السبكي رحمه الله: المتشابه ما استأثر الله بعلمه, وقد يطلع عليه بعض أصفيائه, وهم الراسخون في العلم يقولون أولا "أمنا به كل من عند ربنا" ثم يطلعهم الله على أسرار غيبه ومكنوه علمه. ولهذا توسعوا في العبارة حتى أنكرت عليهم, فوجب التحفظ, فلا يتكلم بهذا العلم إلا مع أهله, شفقة على الضعفاء, وحماية من سوء الظن بأهله, ولما في بعضه من سقوط الحرمة, فوجب تجنبه أبدا وإن فهم على الصواب, مع حسن الظن بقائله, لأن أصل المذهب حسن الظن حتى يأتي المناقض, وحرمة الشريعة واجبة الحفظ في الأقوال كوجوبها في المعاني والأفعال.
وأحسن المذاهب في الأحكام مذهب الفقهاء المرجوع إليهم, كالأئمة الأربعة, فالتقييد بمذهب واحد أجمع للحقيقة, وأقرب للتبصر وأدعى للتحقيق وأسهل تناولا, وعلى هذا درج سلفنا وأشياخنا, فكان الجنيد: ثوريا, والشبلي: مالكيا, والمحاسبي: شافعيا, والجريري: حنفيا, والجيلاني: حنبليا, والشاذلي وشيخه: مالكيين, لكن لا ينبغي لمن تجرع في العلم من الصوفية أن يرضى بربقة التقليد, ويتجمد على قول إمامه من غير أن يعرف أصله, بل ينبغي له أن يأخذ الأحكام من أصولها, ويعلم مأخذها وعللها.
وقد قال بعضهم: قف حيث وقفوا, ثم سر.
وقال آخر: من أخذ علمه عن خصوص كان نوره وفتحه منهم, ومن أخذه عن نصوص الكتاب والسنة كان نوره وفتحه منهما, وعلى قدرهما.
وقال في القواعد: التقليد أخذ القول من غير استناد لعلامة في القائل, ولا وجه في المقول, وهو مذموم مطلقاً لاستهزاء صاحبه بدينه.
والاقتداء: الاستناد في أخذ القول لديانة صاحبه وعلمه, وهذه رتبة أهل المذهب مع أئمتها, وإطلاق التقليد عليها مجاز.
والتبصر: أخذ القول بدليله الخاص من غير استبداد بالنظر والإعمال للقول, أي ولا اختراع لقول من نفسك, وهي رتبة مشايخ المذهب وأجاويد طلبة العلم.
والاجتهاد: اقتراح الإحكام من أدلتها دون مبالاة بقائل, ثم إن لم يعتبر أصل المتقدم فمطلق, وإلا فمقيد.
وأحسن المذاهب في فضائل الأعمال: مذهب المحدثين, إذ لا يأخذون إلا بما صح أو قارب الصحيح, فلا يأخذون بموضوع ولا بما قوى ضعفه, وقد حذروا من تتبع الفضائل وتتبع الرغائب, كصلاة الأيام والليالي, وغير ذلك.
قلت: وحسب المريد الصادق من النوافل ما يحفظ فرضه من الخلل, فإن قوي جمع قلبه حتى أمن من الخواطر كفته الصلوات الخمس, مع عمارة وقته بذكر مفرد, أو فكرة أو نظرة, أو مذاكرة, أو ما يلزمه من ضروريته, فهذه عبارة العارفين والصديقين من المريدين, مع الزهد التام, والتفرغ التام, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر ما بدأ به من التسعة الأحكام فقال:
الأول: في حكم الشيخ والمشيخة, ومعنى الشيخ.
قلت: جعل هذه الثلاثة في حكم واحد لقرب بعضها من بعض.
فالأول في حكم الشيخ: يعني هل هو شرط صحة, أو شرط كمال.
والثاني: في حكم المشيخة, أي حكمة الشيخوخة, وما يراد بها.
والثالث: في معنى الشيخ, يعني المعنى الذي يكون بها شيخا, ويصح الاقتداء به, وهو أن يكون جامعا بين حقيقة وشريعة, بين جذب وسلوك, ماهرا بعلل النفوس ومخادعها, والله تعالى أعلم.
1 - في حكم الشيخ وما يترتب عليه
وإنما القوم مسافرون ..... لحضرة الحق وظاعنون
فافتقروا فيه إلى دليل ..... ذي بصر بالسير والمقيل
قد سلك الطريق ثم عاد ..... ليخبر القوم بما استفاد
قلت: السفر إلى الله مجاز, عبارة عن قطع العلائق, وعن الخروج عن الشهوات, والعوائد, ليتصل بالأنوار والحقائق, وهي المعبر عنها بحضرة الحق.
وإن شئت قلت: السفر هنا عبارة عن الانتقال عن المقامات, والإنزال في أخرى, كالانتقال من مقام الإسلام إلى الإيمان, ثم من مقام الإيمان إلى الإحسان.
أو عبارة عن الانتقال من شهود عالم الملك إلى عالم الملكوت, ومن الملكوت إلى الجبروت, أو من عالم الحس إلى عالم المعنى, أو من شهود الكون إلى شهود المكون, أو من عالم الشهادة إلى عالم الغيب, أو من السلوك إلى الجذب, ثم من الجذب إلى السلوك, أو من توحيد الأفعال إلى توحيد الصفات, ثم إلى توحيد الذات, ولا يتحقق السفر ولا يظهر السير إلا بمحاربة النفوس ومخالفتها في عوائدها وقبيح مألوفاتها وشهواتها, فلولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين, إذ لا سير ولا سلوك إلا فيها, ولا جذب ولا أخذ إلا عنها, ولذلك قال بعض المحققين, لا يصح أن يقال في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: سالكون, ولا مجذوبون, لأن الجذب لا يكون إلا عن نفس, والسلوك لا يكون إلا في قطع عقباتها, وهم عليهم الصلاة والسلام مطهرون من آثار النفوس بأول قدم, فهم مقيمون في بساط الحضرة قديما وحديثا, وقوله: "لحضرة الحق" يعني دائرة ولايته, وهي عكوف القلب في شهود الرب, بحيث يفنى من لم يمكن, ويبقى من لم يزل.
أو تقول: الحضرة عبارة عن كشف رداء الصون عن أصل نور الكون, فتلوح أنوار القدم على صفحات العدم؛ فيتلاشى الحادث ويبقى القديم, و"الظاعن هو المرتحل وهو المسافر".
وقد ضرب الساحلي مثلا للسفر المعنوي, الذي يوصل إلى الحضرة, وحاصله باختصار: أن مثل الحضرة كملك كبير ظهر بالمشرق مثلا, وأرسل رسلا يعرفون به ويشوقون الناس إلى حضرته, بذكر محاسنه ومكارمه, فمن الناس من أعرض عن طاعته وهم الكفار مثلا, ومن الناس من أذعن وأطاع وعجز عن السير إليه: إما لثقله أو لضعف محبته, وهم عوام المسلمين الذين يؤمنون بالغيب, ومن الناس من تشوق إلى السير إليه وبذل مهجته وروحه في الوصول إليه, فقالت له الرسل أو من ناب عنهم: ها نحن نسير بك ونعرفك الطريق, ثم إن الملك بنى ديارا في الطريق ينزلونها, وجعل فيها: مياها, ورياضا, وأزهارا, وكل منزل ما بعده أعظم منه, فإذا سارت الرسل أو نوابهم بالناس, ونزلوا في بعض تلك المنازل, أراد بعضهم أن يسكن فيها ويقيم ثم, فيقول له الرسول: المطلوب أمامك, فما زالوا يرحلون بهم من مرحل إلى مرحل, ومن مقام إلى مقام, حتى يشرفوا بهم على الملك, فإذا شاهدوا الملك على نعت الرضا والتكريم, كان ذلك مقامهم ومسكنهم, انتهى.
ذكرته بالمعنى لطول العهد به.
وقال ابن عطاء الله في الحكم في هذا المعنى, فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو يفنى, قد أشرق نوره وظهرت تباشيره, فصدف عن هذه الدار مغضيا, وأعرض عنها موليا, فلم يتخذها وطنا, ولا جعلها مسكنا, بل انهض الهمة عنها إلى الله, وصار به مستعيناً في القدوم عليه, فما زالت مطية عزمه لا يقر قرارها دائما بتسيارها, إلى أن أناخت بحضرة القدس وبساط الأنس, في محل المفاتحة والمواجهة, والمجالسة والمحادثة, والمشاهدة والمطالعة, فصارت الحضرة معشش قلوبهم, إليها يأوون, وفيها يسكنون الخ.
وقوله: "فافتقروا فيه إلى دليل" يعني أن من تشوف إلى الحضرة لا بد له من دليل يدله عليها, ويسلك به طريقها.
قال في "شرح الشريشية": اعلم أن سلوك الطريق, وخصوصا لمريد الكشف والتحقيق, لا يكون من غير التزام الطاعة والانقياد لشيخ محقق مرشد, لأن الطريق عويص, وأدنى زوال يقع عن المحجة يؤدي إلى مواضع في غاية البعد عن المقصود.
قال الشيخ أبو الحسن الششتري رضي الله عنه: ولا بد أن يتحكم لمن يأمره وينهاه, ويبصره فإن الطريق عويص: قليل خطاره, كثير قطاعه وقد يظن السالك انه على جادته وهو قد ولى ظهره لموضع توجهه منه, فانه إذا خرج منه أنملة فقد خرج وانقطع, وانصرف سيره على أشعة تلك الأنملة, فانه طريق دقيق, ونفس متصرفة في البدن, وهي الراحلة عنه, وعادة مألوفة, وشيطان هذا الطريق فقيه بمقاماته ونوازله.
قال أبو عمرو الزجاجي رضي الله عنه: لو أن رجلا كشف له عن الغيب, ولا يكون له أستاذ لا يجيء منه شيئاً.
وقال إبراهيم بن شيبان رضي الله عنه: لو أن رجلاً جمع العلوم كلها, وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة, من شيخ, أو إمام, أو مؤدب ناصح, ومن لم يأخذ أدبه عن آمر له يريه عيوب أعماله ورعونات نفسه, لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات.
وقال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه: من لم يأخذ أدبه من المتأدبين: أفسد من يتبعه.
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: كل من لا يكون له في هذا الطريق شيخ لا يفرح به, ولو كان وافر العقل منقاد النفس, واقتصر على ما يلقى إليه شيخ التعليم فقط, لا يكمل كمال من تقيد بالشيخ المربي, لأن النفس أبدا كثيفة الحجاب, عظيمة الأشراك, فلا بد من بقاء شيء من الرعونات فيها, ولا يزول عنها ذلك بالكلية إلا بالانقياد للغير, والدخول تحت الحكم والقهر, حسبما ذكر الشيخ أبو عبد الله بن عباد رضي الله عنه.
وكذلك لو كان سبقت له من الله عناية, وأخذه الحق إليه, وجذبه إلى حضرته, لا يؤهل للمشيخة, ولو بلغ ما بلغ.
وقال في لطائف المنن: من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع, ويكشف له عن قلبه القناع, فهو في هذا الشأن لقيط: لا أب له, دعي: لا نسب له, فإن يكن له نور, فالغالب غلبة الحال عليه, والغالب عليه وقوفه مع ما يرد من الله إليه, لم ترضه سياسة التأديب والتهذيب ولم يقده زمام التربية والتدريب.
وقال الشيخ أبو عثمان الفرغاني رحمه الله: "المجذوب: المتدارك الراجع من عالم الحق إلى عالم الخلق, لا يكمل ولا يصلح للاقتداء إذا لم يكن له مرشد يهديه إلى دقائق المقامات, وإن كان على بينة من ربه وبصيرة في سلوكه, فإن في المقامات الإسلامية الإيمانية دقائق لا تدرك إلا من حيث الخلقية, والاطلاع عليها متوقف على اطلاع من اطلع عليها بنظر خلقيته, فلا يكتفي بالبينة الحقيقية التي للمجذوب, فكان محتاجا إلى المرشد.
وكلام الشيوخ في الحصن على اتخاذ الشيخ الرباني, والتحذير من ضده كثير.
وروى عن أبي يزيد أنه قال: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان.
وقال الشيخ أبو علي الدقاق: الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس, فإنها تورق ولا تثمر.
قال القشيري: وهو كما قال: ويجوز أن تثمر كالأشجار التي في الأودية والجبال, ولكن لا يكون لفاكهتها طعم, فاكهة البساتين والغرس إذا نقل من موضع لآخر, يكون أحسن وأكثر ثمرة, لدخول التصرف فيه, ثم قال: وسمعت كثيرا من المشايخ يقول: من لم ير مفلحا لا يفلح.
وقد وقعت مشاجرة ومناظرة في آخر المئة الثامنة بين فقراء الأندلس, حتى تضاربوا بالنعال, وذلك: هل يكتفي بمشاهدة الرسوم, ومطالعة الكتب في طريق الصوفية, أهل التوحيد الذوقي والمعرفة الحقيقية الوجدانية, أم لا بد من الشيخ؟! فكتبوا للبلاد, فأجاب فيها كل أحد على قدر نظره: كالشيخ أبي عبد الله بن عباد رضي الله عنه, وكالشيخ أبي عبد الله بن خلدون رحمه الله, وأفرد لهذه المسألة تأليفا, وقد ذكر حاصل ذلك الشيخ زروق في "عدته" فقال بعد كلام: وقد تشاجر فقراء الأندلس من المتأخرين في الاكتفاء بالكتب عن المشايخ, فكتبوا للبلاد, فكل أجاب على حسب فتحه. وجملة الأجوبة دائرة على ثلاثة:
أولها: النظر للمشايخ, فشيخ التعليم تكفي عنه الكتب للبيب حاذق, يعرف موارد العلم.
وشيخ التربية تكفي عنه الصحبة لدين عاقل ناصح.
قال شارح: "بداية السلوك": وقل أن يوجد لغلبة الهوى.
وشيخ الترقية, يكفي عنه اللقاء والتبرك, وأخذ كل ذلك من وجه واحد, يعني أن أخذ ذلك عن الشيخ في الأوجه الثلاثة أتم للنجح وأبلغ للمراد.
الثاني: النظر لحال الطالب, فالبليد لا بد من شيخ يربيه, واللبيب تكفي الكتب في ترقية, لكنه لا يسلم من رعونة نفسه, وإن وصل لابتلاء العبد برؤية نفسه.
الثالث: النظر للمجاهدات, فمجاهدة التقوى لا تحتاج إلى شيخ لبيانها وعمومها, والاستقامة تحتاج للشيخ في بيان الأصلح منها, وقد يكتفي عنه اللبيب بالكتب, ومجاهدة الكشف, والترقية لا بد فيها من شيخ يرجع إليه في فتوحها, كرجوعه عليه الصلاة والسلام في عرضه على ورقة بن نوفل لعلمه بأخبار النبوة, ومبادئ ظهورها حين فاجأه الحق، وهذه الطريقة قريبة من الأولى والسنة معها, والله تعالى أعلم. انتهى.
قلت: وهذا الجواب الأخير أقرب للصواب, والله تعالى أعلم.
وقوله: "ذو بصر بالسير والمقيل" أشار به إلى شروط الشيخ, وأنه لا بد أن يكون بصيرا بأحوال السير, فيسير كل واحد على قدر طاقته وجهده, فليس القوي كالضعيف, وليس الراكب كالراجل, وليس سير الصديق كالصادق, وليس الصادق كالمتردد, وليس المتردد كالمنكر, فيحمل الصديق من المجاهدة والأعمال والأذكار ما لا يحمل الصادق, ويحمل الصادق من ذلك مالا يحمل المتردد, ويحتال على المنكر بالسياسة حتى يربي له الصدق, وهكذا يسير مع كل واحد من القاصدين.
قال بعض المحققين: المريد على قسمين: مريد حقيقي, ومجازي
فالمريد الحقيقي, هو من كملت فيه أهلية الإرادة, فصمم عزمه من أول مرة على الالتزام بصحبة الشيخ, والتحكيم في نفسه, وعمل على معانقة الأهوال, وتحمل الأثقال, ومفارقة الأشكال, ومعالجة الأخلاق, وممارسة المشاق, وتحمل المصاعب وركوب المتاعب.
والمريد المجازي, هو: الذي ليس قصده إلا الدخول مع القوم, والتزيي بزيهم والانتظام في سلك عقدهم, والتكثير لسوادهم, وهذا لا يلزم بشروط الصحبة, وإنما يؤمر بلزوم حدود الشرع ومخالطة الطائفة حتى تشمله بركتهم, وينظر إلى أحوالهم وسيرهم, فيسلك مسلكهم, ويؤهل لما أهلوا له.
وقوله: "وقد سلك الطريق, ثم عاد" أشار به إلى أن الشيخ لا بد أن يكون سلك طريق السلوك, ثم خاض بحار الجذب, ثم رجع إلى السلوك, فلا يصلح للتربية سالك محض, ولا مجذوب محض, وإنما يصلح من تقدمه سلوك ثم تداركه الجذب, أو تقدمه جذب, ثم رجع للسلوك, والأول أكمل. وقيل: الثاني أكمل, وكلاهما يصلحان للتزكية دون ما قبلهما.
أما السالك المحض, وهو الظاهري, فلأنه لا يخلو من بقية فيه من هذا العالم: أعني عالم الأشباح "والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم" والعبد المملوك لا يمكنه التصرف في نفسه فكيف يتصرف في غيره.
وأما المجذوب قبل أن يرجع إلى البقاء, أعني قبل أن يرجع من عالم الحق الذي هو عالم القدرة, وارتفاع الوسائط وخرق حجاب الأسباب إلى عالم الخلق, الذي هو عالم الحكمة, وتحقيق الوسائط والأسباب, والى الاشتغال بالسلوك والتحقق بالمقامات, فهو أيضا غير مؤهل للمشيخة والاقتداء به, لاشتغاله بحاله عن حال غيره, وعدم تحققه بالمقامات إلا انه يربي من هو دونه إلى بلوغ مقامه وقد يتمكنان معا: إن كان الأول مقتديا بشيخ يسيره, والله تعالى أعلم.
وقوله: "ليبخر القوم بما استفاد" المراد بالقوم: المريدون يخبرهم بما استفاده من علوم الأذواق وأنوار الشهود, ولذلك قالوا: لا بد للشيخ أن يكون له علم صحيح, وذوق صريح, وهمة عالية "وحالة مرضية" وسيأتي الكلام على بقية شروطه إن شاء الله.
ثم تمم أحوال الشيخ ومعارفه فقال:
وجاب منها الوهد والآكاما ..... وراض منها الرمل والرغاما
قلت: أصل "جاب" في اللغة بمعنى: نقب وقطع. قال تعالى: "والذين جابوا الصخر بالواد" أي نقبوها واتخذوا فيها بيوتا, وأطلقه الناظم هنا على الدخول والسلوك, و"الوهد" المكان المنخفض, و"الآكام": المكان المرتفع, جمع أكمة, وهو التل, والتل هو جبل صغير و"راض" المكان: اختبره وعرف ما فيه, والرمل بالراء: معلوم, والمراد هنا: الرقيق الذي يمنع من سرعة السير, "والرغام": التراب, والمراد هنا الصلب اليابس.
يقول رضي الله عنه: إن شيخ التربية يكون قد سلك من طريق القوم ما كان منها منخفضا, كالخمول, والذل, والعزلة, والفاقة, وذاق حلاوة ذلك, ومرارته, وعرف منافعه ودسائسه, فيسير غيره فيها كما سار هو, وعرف أيضا ما كان منها مرتفعا كالظهور والعز, والخلطة, والغنى, فيكون قد سلك ذلك وعرف ضرره ونفعه, وذاق حلاوته ومرارته, فيسير فيه كما سار هو, لكن الناس مختلفون, فكم من واحد تأنس بالخمول والعزلة, فتركن نفسه لذلك ويشق عليه ظهوره وخلطته, فالواجب على الشيخ إخراجه من ذلك, فيأمره بالخلطة والظهور, إذا لا تموت النفس إلا بما يثقل عليها, وكم من واحد كان مبتلى بالظهور, والعز, والغنى, والخلطة, فالواجب إخراجه من ذلك كله بالأمر بضده.
قال في شرح: "الرائية الشريشية": وإذا أردت الخروج من العلائق, فأولها: الخروج من المال, فإن ذلك الذي يميل به عن الحق, فلم يوجد مريد دخل في هذا الأمر ومعه علاقة من الدنيا, إلا جرته تلك العلاقة عن قريب إلى ما منه خرج, فإذا خرج من المال, فالواجب عليه الخروج من الجاه, فإن ملاحظة الجاه مقطعة عظيمة, وما لم يستو عند المريد قبول الخلق وردهم, لا يجيء منه شيء, بل أضر الأشياء له ملاحظة الناس له بعين التعظيم والتبرك به لإفلاس الناس من هذا الحديث, وهو بعد لم يصحح عقده بينه وبين الله تعالى, فخروجه من الجاه واجب عليه, لأن ذلك سم قاتل له, فإذا خرج به من ماله وجاهه, فيجب أن يصحح عقده بينه وبين الله تعالى, لا يخالف شيخه في كل ما يشير به عليه, فإن الخلاق للمريد في ابتداء أمره عظيم الضرر, لأن ابتداء حاله دليل على جميع عمره انتهى.
قوله: "وراض منها الرمل والرغاما" يعني: أن الشيخ يكون قد اختبر الطريق: صعبها وسهلها فينظر في حال المريدين, فمن كان قويا حمله على الصعبة, ليطوي عنه مسافة البعد, ومن كان ضعيفا حمله على السهلة, لئلا ينغره فيرجع من حيث جاء, فالرمل الرقيق يصعب السير فيه, بخلاف الرغام الصلب, فإنه يسهل فيه السير, فكنى به الناظم عن مشاق النفس, وما يخف عليها, ولا شك أن الطريق إذا كانت قريبة مختصرة لا تجدها إلا صعبة معقبة, وإذا كانت طويلة مسلوكة: لا تجدها إلا طويلة بعيدة, والله تعالى أعلم.
ثم قال:
وجال فيها رائحا وغاديا ..... وسار كل فدفد وواديا
قلت: الفدفد: المكان الغيظ, ذو حصباء, قاله ابن الأنباري, وقال أبو زيد: الفدفد: الموضع التي فيه غلظ وارتفاع, والوادي معلوم, وجمعه أودية, وهو مواضع المياه.
يقول رضي الله عنه: يشترط في الشيخ أن يكون ماهرا بالطريق, قد جال فيها مرارا, قد راح فيها آخر النهار وغدا فيها أول النهار, وكنى بها عن علم البدايات والنهايات, فيكون عالما بها, و يربي به المريد في بدايته وفي نهايته, فلكل واحد حكم يخصه, فعمل البدايات عمل الجوارح, وعمل النهايات عمل القلوب, ويكون أيضا قد سلك مسالك الجمال والجلال, فالجمال محل العلو والظهور, كالفدفد, والجلال محل الانخفاض والحنو, كالأودية, وفيه إشارة إلى أن شرب المريد من منهل الجلال أكثر من شربه من محل الجمال, لأن الأودية الغالب فيها وجود الماء, بخلاف الفدفد, والله تعالى أعلم.
ثم قال:
وعلم المخوف والمأمونا ..... وعرف الأنهار والعيونا
قلت: يعني أن الشيخ يكون عالما بالمكان المخوف والمأمون, والمكان الجدب الذي لا ماء فيه, والمكان الذي فيه الماء, فيكون علاما بالأمور التي يخاف على المريد فيها بأمره بالبعد عنها كالركون إلى العز والتعظيم, أو إلى الدنيا والميل إلى شيء منها ومن أسبابها ومخالطة أهلها وسماع حديثها, وكان سيدنا عيسى عليه السلام يقول: "لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم" وكصحبة علماء الفروع المتجمدين على ظاهر الشريعة, لأنهم يزعمون أن السنة محصورة فيما علموا منها, وكمخالطة القراء المداهنين, والمتفقرة الجاهلين, فهؤلاء كلهم قطاع, يخاف على المريد في صحبتهم.
والموضع المأمون هو: الزهد في الدنيا والبعد منها, ومن أهلها.
وفي الحديث: "ازهد في الدنيا يحبك الله, وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس".
وفي حديث آخر: "الزاهد يريح بدنه وقلبه في الدنيا والآخرة".
وقيل لأبي الحسن: مالي أرى الناس يعظمونك, وليس لك كبير عمل, قال بسنة واحدة افترضها الله على عباده, تمسكت بها.
قيل: وما هي؟ قال: الإعراض عنكم وعن دنياكم.
ومن الموضع المأمونة: صحبة الصوفية من المريدين والعارفين, والميل إلى الفاقة, والقناعة من الدنيا, والعزلة, والصمت, والموضع الذي لا ماء فيه, وهو محل الجدب, وهو الموطن الذي تكثر فيه الشهوات والعوائد, ويجد به المريد راحته وجماله, ويظهر فيه عزه وجاهه, فهذا الموطن إن طال فيه إقامته قحط قلبه, ومنع من مدد الزيادة.
قال في الحكم: "إن أردت بسط المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك" ربما تجد من المزيد في الفاقة ما لا تجده في الصوم والصلاة, ولذلك كانت الفاقة أعياد المريدين, لأنها سلم ومعراج الرسوخ والتمكين في مقامات اليقين.
وقد قال بعضهم: "بقدر الامتحان يكون الامتكان, واختبار الباقي يقطع التباقي, وكل محنة تزيد مكنة", والموضع الذي فيه المياه من عيون وأنهار هو ما قلته آنفا من مواطن الشدة كالفاقة وكل ما ينغص على النفس ويؤلمها, فالأنهار, هي: علوم الطريقة, والعيون هي: أسرار الحقيقة.
أو تقول: الأنهار, هي: العلوم, والعيون هي: الأذواق, فلا بد للشيخ أن يكون عارفا بالعلوم التي يحتاج إليها, ويذوق أسرار الأحوال والمقامات, والله تعالى اعلم, ثم قال:
قد قطع البيداء والمفاوز ..... وارتاد كل حابس وحاجز
قلت: "البيداء" هي الصحراء, و"المفاوز" جمع مفازة, وهي: المسافة البعيدة, وارتاد, أي اختبر البلد, وعرف ما يصلح وما لا يصلح.
فالرائد هو: الذي يتقدم أمام القوم ليختبر لهم البلد الذي يصلح للنزول, والحابس هو الذي يحبسك عن بلوغ المراد, والحاجز هو الذي يحجز بينك وبين مرادك.
يقول رضي الله عنه: إن الشيخ لا بد أن يكون قطع مهامه النفوس, وجال في ميدان محاربتها في قطع شهواتها وعوائدها, وما تجنح إليه من رعونتها ومألوفاتها, وقطع أيضا مفاوز البعد الذي بينها وبين خالقها الناشئ عن وهمها وجهلها, وذلك بقطع ركونها إلى الكرامات وخوارق العادات, أو طلب الخصوصية أو غير ذلك من الحروف القاطعة عن مقام الإخلاص, واللحوق بخواص الخواص, ويكون أيضا اختبر وعرف كل ما يحبس عن السير من الوقوف مع المقامات والقناعة بظهور الكرامات.
وفي الحكم: "ما أرادت همة عارف أن تقف مع ما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقية: الذي تطلب أمامك, ولا تبرجت ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها: إنما نحن فتنة فلا تكفر" وعرف أيضا ما يحجز ويمنع من الوصول إلى صريح العرفان, على وفق المشاهدة والعيان, وهو أمران, إما الملل من المجاهدة والسير والركون إلى الراحة والكسل, وإما الاستغناء عن الشيخ والخروج عنه قبل الترشيد, فإن ذلك يحجز بينه وبين التحقيق, ويخرجه عن سواء الطريق, ويرجع إلى مقام العموم, نسأل الله السلامة من السلب بعد العطاء. آمين.
ثم قال:
وحل في منازل المناهل ..... وكل شرب كان فيه ناهل
المناهل: جمع منهل, وهو: الموضع الذي ينزله الركب, بشرط أن يكون فيه الماء والأخاذ, والناهل هو الشارب.
يقول رضي الله عنه: يشترط في الشيخ أن يكون حل في منازل السائرين, وهي مقامات اليقين, بحيث سلكها وعرفها: ذوقا وحالا ومقامات, كتصحيح التوبة بشروطها وأركانها, وتحقيق الورع والزهد, والخوف والرجاء, والتوكل والصبر, والرضا والتسليم, والمحبة والمراقبة, والمشاهدة, وحصل له الفرق بين الروحانية والبشرية, والسلوك والجذب والفناء والبقاء, وأحكم أحكام التخلية والتحلية و"كل شرب" من مشارب القوم, وأذواقها "كان فيه ناهلا وشاربا, فإذا حصَّل هذه المراتب, وذاق هذه الأذواق: استحق أن يكون شيخا مربيا, كما أشار إليه بقوله:
فعندما قام بهذا الخطب ..... قالوا جميعا: أنت شيخ الركب
قلت: "الخطب" هو الشأن, يعني فعندما قام بهذا الخطب الجسيم, وتحق فيه هذا السر العظيم, استحق التقديم للتربية والترقية, وقالوا له: أنت شيخ الركب, حيث سلكت المنازل وعرفت المناهل, وحققت الطريق, ووصلت إلى معالم التحقيق وعلمت المخوف والمأمون والمجذوب منها, وما اشتمل على أنهار وعيون, فقد شهدت لك الأرواح بالتقديم, والأسرار بالتعظيم,
وقد أشار الشريشي إلى شروط الشيخ, فقال:
وللشيخ آيات إذا لم تكن له ..... فما هو إلا في ليالي الهوى يسري
إذا لم يكن علم لديه بظاهر ..... ولا باطن, فاضرب به لجج البحر
فالعلم الظاهر هو: علم الشريعة, والعلم الباطن هو: علم الطريقة والحقيقة, فإذا لم يحصل شيئا من هذين العلمين, ثم ادعى مرتبة الشيخوخة, فأخرجه من سفينة دائرة الشيخوخة, وألقه في لحجج بحر النفاق.
قال صاحب العوارف: ومن شرائط أهل الولاية أن يكون عالما بالأوامر الشرعية, عاملا بها, واقفا على آداب الطريقة, وسالكا فيها, وكاملا في عرفان الحقيقة وواصلا إليها, ومخلصا لجميع ذلك, حتى يتم له السلوك ويشرف بعالم الوصال, فالله الله أيها الطالب, الحذر من صحبة الأشرار, فإنهم قطاع الطريق, واعتصموا بحبل القرآن والأحاديث النبوية.
وقال أبو الحسن الششتري رضي الله عنه: لا يقتدى في طريقتنا هذه بظاهر ولا بباطن, وإنما يقتدى بمن جمع بينهما مع الزهد الظاهر والإيثار والورع والعلم بالمنازلات والأحوال والمقامات والخواطر.
وقال الجنيد رضي الله عنه: "من لا يكتب الحديث, ويحفظ القرآن لا يقتدى به في هذا الأمر" فيجب على المريد ألا يقتدى إلا بالعالم المتجرد عن الدنيا العامل بما يعلم, ثم قال: ولا يتخيل لطالب هذا الأمر أنه يبلغ بذكائه أو ينظر في كتب الصوفية أو الحكماء ويعمل ويجتهد ويصلي, لا والله ما الأمر هين.
واعلم أن ما شرطه الشيخ الشريشي في شيخ التربية من العلم الظاهر والباطن صحيح.
أما العلم الظاهر, فالمطلوب منه تحصيل ما يحتاج إليه في نفسه فقط, ويحتاج إليه المريد في حال سيره, وهو القدر الذي لا بد منه من أحكام: الطهارة, والصلاة, ونحو ذلك, إذ كثير من العلوم الظاهرة لا مدخل لها في السير والسلوك إلى ملك الملوك, كالدماء, والحدود, والطلاق, والعتاق, وإلا لزم الحط من رتبة كثير من فحول الطريق وأعلام الوجود, والتحقيق, فقد كان كثير منهم متضلعين بعلوم الشريعة, وكثير منهم ليس عنده إلا ما يخصه من الذي لا بد منه.
قلت إذا عرفت هذا عرفت بطلان قول من قال: إن شيخ التربية لا بد أن يكون جامعا للعلوم كلها, بحيث لو انقطعت العلوم كلها لأحياها, كيف وقد وجد كثير ممن اتفق الناس على تربيته وهو أمي:
قال في العوارف: لما قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه.
صحبت أبا علي المسندي "بالسين", فكنت ألقنه ما يقيم به فرضه, وهو يعلمني التوحيد والحقائق صرفا.
ومن المعلوم أن الشيخ ابن عباد رضي الله عنه لم يفتح له إلا على يد رجل أمي, وكذلك الغزالي.
ومن المعلوم أن الغزواني لم تكن له يد في العلم الظاهر, فكان إذا جاءته فتيا في علوم القوم أرسل بهذا لتلميذه الهبطي.
وكذلك شيخ شيوخنا. سيدنا عبد الرحمن المجذوب, لم يكن له معرفة بالعلم الظاهر, وكثير من الأولياء الأكابر كانوا أميين, وفي أسرار الولاية راسخين.
وأما العلم الباطن فالمطلوب فيه التبحر التام, إذ المقصود بالذات في الشيخ المصطلح عيه عند القوم هو هذا العلم, لأن المريد إنما يطلب الشيخ يسلكه ويعلمه علم الطريقة والحقيقة, فيكون عنده علم تام بالله, وصفاته, وأسمائه, ومتعلقاتها, وأحكامها, وتفاصيلها, وفوائدها وحكمها, وأسرارها, وعلم تام بآفات الطريق ومكايد النفس والشيطان, وطرق المواجيد, وتحقيق المقامات, قد حصل له ذلك على سبيل الذوق والوجدان, بحيث إذا استخبر عن آفات الطريق وعلاماته, وعن حقيقة المقصد يخبر بحقيقة الأمر على ما هو عليه وحصلت له مع ذلك قوة وتمكن من رفع الموانع, وقطع العلائق الظاهرة والباطنة, وبصيرة نافذة ينظر بها في قابلية المريدين والمسترشدين, واستعداداتهم يحمل كل أحد على شاكلة قابليته, ويعين له طريقا يفضي منها إلى ربه "قاله الفاسي".
وقال الساحلي: من الشروط التي لا بد منها في الشيخ أن يكون عنده من الكتاب والسنة ما يقيم به ما لا بد منه في الرسوم الشرعية, وما يبني عليه وظائف سلوكه, وإذا انضاف إلى ما يفتح الله به عليه من الحكمة في باطنه, فإنه يكون له في ذلك نور يمشي به في الناس, ويهديه إلى فهم خطابات الكتاب والسنة, إلى آخر كلامه.
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كل شيخ لم تصل إليك الفوائد منه من وراء حجاب, فليس بشيخ.
قلت: ولعله يشير إلى أن الشيخ الكامل يمد تلميذه ولو كان بعيدا عنه في الحس.
وقال أيضا: والله أني لأوصل الرجل إلى الله من نفس واحد.
وقال: الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: والله ما بيني وبين الرجل إلا أن انظر إليه وقد أغنيته.
قلت: وقد لقينا والحمد الله في زماننا هذا من يغني بالنظر, صحبناهم وعرفناهم على قدم الشاذلي, والمرسي رضي الله عن جميعهم, وخرطنا في سلكهم آمين.
ثم إذا توفرت فيه شروط الشيخوخة لزم اتباعه في طريق الخصوص, وإلى ذلك أشار بقوله:
وأحدقوا من حوله يمشون ..... وكلهم إليه يوزعون
قلت: أحدق القوم بالشيء: داروا به, ويوزعون, أي يضمون ويحشرون يقول رضي الله عنه: لما تحقق الناس بوجود شرط الشيخوخة في هذا الولي, واطلعوا على وجود السر عنده أحدقوا به وداروا من خلفه, يقتدون به ويهتدون بهديه, ويمشون على سننه, وكلهم يضمون إليه ويقربون من حضرته, لعل نفحات تهب من ناحيته فان لله رجالا من نظروا إليه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا, وهم العارفون بالله.
وقال في العوارف: إن نظر العلماء الراسخين والرجال البالغين ترياق نافع, ينظر أحدهم إلى الرجل الصادق فيستنشق بنفوذ بصيرته, حسن استعداد الصادق واستئهاله مواهب الله تعالى الخاصة, فيقع في قلبه محبة الصادق المريد, وينظر إليه نظرة محبة عن بصيرة, وهم من جنود الله تعالى, فيكسبون بنظرهم أحوالا سنية, ويهبون آثارا مرضية, وماذا ينكر المنكر من قدرة الله سبحانه وتعالى, وكما جعل في بعض الأفاعي من الخاصية إذا نظر إلى الإنسان يهلكه بنظره, هو قادر بأن يجعل في بعض خواص عباده أنه إذا نظر إلى طالب صادق يكسبه حالا وحياة.
وقال في لطائف المنن: إنما يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه,،وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه, فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته, فألقيت إليه القياد فسلك بك سبيل الرشاد, يعرفك برعونات نفسك وكمائنها ودفائنها, ويدلك على الجمع على الله والفرار مما سوى الله, ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى الله: يوقفك على إساءة نفسك, ويعرفك بإحسان الله إليك, فيفيدك معرفة إساءة نفسك: الهرب منها, وعدم الركون إليها, ويفيدك العلمَ بإحسان الله إليك الإقبالَ عليه والقيام بالشكر إليه, والدوام على ممر الساعات بين يديه.
وقال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه.
الشيخ, من شهدت له ذاتك بالتقديم, وسرك بالتعظيم.
الشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه, وأنار باطنك بإشراقه.
الشيخ: من جمعك في حضوره وحفظك في مغيبه.
وقال أيضا "في لطائف المنن": ليس شيخيك من أخذت عنه.
وليس شيخك من واجهتك عبارته إنما شيخك الذي سرت فيك إشارته.
وليس شيخك من دعاك إلى الباب, إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب.
وليس شيخك من واجهك مقاله, إنما شيخك من نهض بك حاله.
شيخك هو: الذي أخرجك من سجن الهوى, ودخل بك على المولى.
شيخك هو: الذي ما زال يجلو مرآة قلبك, حتى تجلت فيه أنوار ربك, نهض بك إلى الله, فنهضت إليه, وسار بك حتى وصلت إليه, ولا زال محاذيا لك حتى ألقاك بين يديه, فزج بك في نور الحضرة, وقال: ها أنت وربك.
هنالك محل الولاية من الله, ومواطن الإمداد من الله, وبساط التلقي من الله.
ثم ذكر كيفية تسييره للمريدين, فقال:
فرتب القوم على مراتب ..... ما بين ماش: راجل وراكب
قلت: ينبغي للشيخ أن يكون ماهرا بالمسير, عارفا بأحوال السائرين, فيرتب القوم على مراتب, فمن كان ضعيفا في السير خاليا من الحال الحاملة له: جعله في وسط الركب يمشي خلف من سبقه, ويسيره من خلفه, ومن كان قويا في سيره محمولا على نجيب حاله, قدّمه مع المتقدمين, ليسير خلفه المتوسطون والمتأخرون.
وقال الشيخ زروق رضي الله عنه: الماشي عبارة عن صاحب الأعمال والحركات الجسمانية, والراكب: إشارة إلى المحمول بحال أو عمل أو ذكر أو فكر, توجه له على بساط معرفة, وإنما يفعل بهم ذلك, لأن قوة النفس معينة لصاحبها على مراده, والله تعالى ينفع العبد بنيته على قدر همته, فلذلك تجد المسالك واحدا, والفتح مختلفا "يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل" هذا في شأن الأشجار النابتة, فكيف بالحقائق العرفانية, وما صحب أحد قط وليا إلا نال منه ما تقضي همته فإن وافقت نيته همته حصل الانتظام, وإلا وقع الاختلاف.
قلت: يعني أن نية المريد: إن وافقت همة شيخه, وقع الانتظام في سلك الشيخ ولحق به, وإن كانت نية المريد مخالفة لهمة الشيخ بأن تكون نية المريد التبرك فقط, أو دخل معه على حرف من الحروف, وهمة الشيخ فيه الوصول, فانه يقع الاختلاف, ولا ينال منه إلا ما نوى, إلا إن سبقت له من الله سابقة, فلا بد أن تنهضه همة الشيخ إلى ما سبق له, والله تعالى أعلم.
ثم أن دوام السير يوجب الملل, فلا بد لاستعمال ما يوجب الراحة, ليحصل النشاط, فقد قال عليه الصلاة والسلام: "أريحوا القلوب: ساعة بساعة" وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان, فابتغوا إليها طرائف الحكمة".
والى ذلك أشار الناظم بقوله:
وحيث كلت نجب الأبدان ..... قال: أحدهما يا حادي الأظعان
فمن هنا يلقب القوّالا ..... حاد لأجل حدوه الرجالا
قلت: الكلل هو العيا, وعبد كل: أي ثقيل, وكلت الأبدان: عييت, والنجب جمع نجيب, وهي الناقة الجيدة, وحدا يحدو حدواً بمعنى: غنى بالإبل ليسيرها, فهو حاد, أي مغن, والإظعان: جمع ظعينة, وهي الناقة المرحلة, وتطلق على المرأة الراكبة عليها مجازا, والتلقيب هو: إحداث اسم يشعر بالمدح أو الذم, وقد نهى الله تعالى عن اللقب المشعر بالذم, فقال: "ولا تنابزوا بالألقاب" وأطلقه الناظم هنا على مجرد التسمية, أي: وسموا القوال الذي يغني حاديا لأجل حدوه بالرجال السائرين, وحقه أن يقول حاديا لأنه منصوب, لسكنه جرى على لغة من يقدر الإعراب كله في المنقوص.
يقول رضي الله عنه: وحيث دام السير, وحصل الملل, وكلت الأبدان في الخدمة, أو القلوب في الفكرة, أو الأرواح في النظرة, أو الأسرار في العكوف في الحضرة, وخيف عليها حصول الفترة, قال الشيخ, أو نائبه, لمن يحسن الغناء: أحد بهذه القلوب أيها الحادي, وذكرها معاهدها الأصلية, ومواطنها القدسية, فيغني بما يليق بكل واحد في محله, ولهذا المعنى اتخذوا قوّالا في حلقة الذكر, لأنه يهيج وينشط, ويحسن أيضا بعد تمام الذكر خشية أن يكون حصل شيء من الممل, فيروح بذلك.
والحاصل أن من سياسة الشيوخ إعانة النفوس بما يقتضيه حالها على ما هو المراد منها, ثم أن الطباع مختلفة وأحوال السالكين مفترقة, فمنهم من تنتعش قواه بالمعارف والعلوم, فيذكر له منها ما يقوى حاله بوجه يشوق ولا يشوش.
ومنهم من ينتعش حاله بالتذكر والوعظ, فيكون تذكيره عونا له على سلوكه, ورفعاً لهمته.
ومنهم من ينتعش قواه بالمذاكرة في العلوم واستخراج دقائق المفهوم, فيكون ذلك منهضا له في حاله, فيؤتي كل أحد بما ينعشه, واليه تشير الآية الكريمة, وهي قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة, وجادلهم بالتي هي أحسن" فأهل الصدق يكفي فيهم الدعاء إلى الله بالحكمة, وهي الهمة القوية.
وأهل الاعتقاد والتسليم يكفي فيهم الدعاء بالموعظة الحسنة.
وأهل الانتقاد يجادلهم بالتي هي أحسن, فإن سبقت لهم سابقة نفعهم التذكير, وإلا فإنما أنت نذير.
ومن الناس أيضا من ينتفع بالحكايات وذكر الكرامات.
ومنهم من يتأثر بالشعر والسماع.
ومنهم من يتأثر بنغم الأوتار وآلات الطرب.
ومنهم من يتأثر بسماع الزمارة والكبر, ومنهم من يتأثر بسماع الطنبور والبندير وغير ذلك من آلات اللهو.
وفي ذلك يقول الشاذلي رضي الله عنه فيما نسب له:
ومنا من يهيم على سماع ..... ببندير وعود ونقر طار
ومنا من يهيم على علوم ..... وقرآن وذكر وافتكار
قال بعض الحكماء: من سار إلى الله بطبعه كان وصوله أقرب إليه من طبعه, ومن سار إلى الله بالبعد من طبعه كان وصوله على قدر بعده من طبعه, وذلك يقتضي له الاستهلاك قبل الوصول, فلا يتنعم برؤية الحق إلا في آخر نفس من وجوده, إن وجد, وإلا فهو بعيد في دعواه, ومحجوب برؤية نفسه.
قلت: وطريق الشاذلية ممن سار إلى الله بطبعه, فكان وصولها أقرب إليهم من طبعهم, لأنهم بنوا أصولهم وطريقهم على رؤية الحق والفناء فيه بأول قدم, حسبما استقرى من أحوالهم, فهم يتنعمون برؤية الحق في أول قدم, ولذلك قال القطب ابن مشيش رضي الله عنه: "من دلك على الدنيا فقد غشك, ومن دلك على العمل فقد أتعبك, ومن ذلك على الله فقد نصحك" فالدلالة على الله هي الفناء فيه والانحياش, والغيبة عما سواه, وعلى هذا بنت الشاذلية طريقهم, حققنا الله بمعرفتهم, آمين.
ثم بين حقيقة هذا السفر فقال:
والسفر المذكور بالقلوب ..... والشيخ في منزلة الطبيب
قلت: السفر هنا هو سفر القلوب إلى حضرة علام الغيوب, وهو من أربعة مواطن إلى أربعة مواطن: يسافر أولا من موطن الذنوب والغفلة إلى موطن التوبة واليقظة.
ويسافر ثانيا من موطن الحرص على الدنيا والانكباب عليها إلى موطن الزهد فيها والغيبة عنها.
ويسافر ثالثا من موطن مساوئ النفوس وعيوب القلوب إلى موطن التخلية منها والتحلية بأضدادها.
كما قال في الحكم: اخرج من أوصاف بشريتك من كل وصف مناقض لعبوديتك, لتكون لنداء الحق مجيباً, ومن حضرته قريباً.
ويسافر رابعا من عالم الملك إلى شهود عالم الملكوت, ثم إلى شهود الجبروت, أو من عالم الحس إلى عالم المعنى, أو من عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح, أو من شهود الكون إلى شهود المكوّن.
وهذا السفر إنما هو معنوي, كناية عن مجاهدة النفوس ومحاربتها في ردها عن عوائدها ومألوفاتها, وفي تخليتها من الرذائل, وتحليتها بالفضائل.
وفي الحكم: لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين, لا مسافة بينك وبينه, حتى تطويرها رحلتك, ولا قطعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 29 ديسمبر 2023 - 23:22 عدل 3 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى :: تعاليق
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
وقال أيضا: كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته, إلى آخره.وكما أن الشيخ بمنزلة شيخ الركب في معرفة الطريق, هو أيضاً بمثابة الطبيب الذواق, فهو طبيب القلوب بما علم وعرف من أحوالها, وعالج من أمراضها, وبما شاهد وذاق من أنوارها وأسرارها.
وقد أشار الفضيل رضي الله عنه إلى هذا حيث قال: العالم طبيب الدين, والدنيا داء الدين, فإذا كان الطبيب يجر الداء إلى نفسه فمتى يبرىء غيره, وأنشدوا:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى ..... طبيب يداوي الناس وهو عليل
وقال آخر:
يا أيها الرجل المعلم غيره ..... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا .... ومن الضنى وجواه أنت سقيم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا ..... نصحاً وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ..... فإذا انتهيت عنه, فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى ..... بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ..... عار عليك إذا فعلت عظيم
ولما كان علم الطب مركباً من علم وعمل, هو صنعة العقاقير, أشار الناظر إلى بعض ذلك بقوله:
يعلم منها الغث والسمينا ..... ويدرك الصلب معاً واللينا
قلت: الغث اللحم الهزال, وهو ضد السمين, والصلب هو الشديد اليبوسة, وهو ضد اللين.
يقول رضي الله عنه: إذا كان الشيخ بمنزلة الطبيب, فلا بد أن يكون له اطلاع على القلوب, واستشراف على النفوس يعلم ما كان منها غثا ضعيفاً من العلم والعمل والحال, خالياً من اليقين, خراباً من النور, فيعامله معاملة الجائع الهزال, فيعطيه من الأذكار ما يقويه على حاله, ومن الأعمال ما يغنيه عن أشكاله, ويمد باطنه من مدد الهمة ما يسد به فقره ويجبر به كسره.
ويعلم أيضا ما كان منها سميناً بعلم أو عمل حال, أو بنور يقين أو معرفة أو غير ذلك, فيعامله بالترقية والتربية اللائقة به, وإذا كان سمنه مفرطاً رده إلى الوسط, فخير الأمور أوسطها.
وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص عن صيام الدهر وقيام الليل: لكنه غلب عليه القوة فتمسك بذلك, ثم ندم.
ويكون أيضاً حال هذا الشيخ الطبيب يدرك القلب الصلب, وهو القاسي من كثرة الذنوب والغفلة, فيحمله على التوبة, ويوقظه من الغفلة, ويأمره بما يلين قلبه, كالصيام وصحبة الفقراء وقيام آخر الليل, وغير ذلك مما يزيل علته وقساوته.
ويدرك القلب اللين بالخشوع والخضوع, فيأمره بالترقي إلى مقام الإحسان, ويطوي عنه مسافة أعمال الجوارح, من أعمال أهل الإسلام والإيمان, وهكذا يعامل كل قلب بما يناسبه.
قال في العوارف: ينبغي للشيخ أن يتفرس في المريد ويعامله على حسب صلاحيته واستعداده, ثم قال: ينبغي للشيخ أن يعتبر حال المريد, ويتفرس فيه بنور الإيمان وقوة العلم والمعرفة, فمن المريدين من يصلح للتعبد المحض, وأعمال القلوب وطريق الأبرار, ومن المريدين من يكون مستعداً صالحاً للقرب وسلوك طريق المقربين المرادين بمعاملة القلوب والمعاملات السنية, ولكل من الأبرار والمقربين نهايات وبدايات, فيكون الشيخ صاحب الإشراف على البواطن, يعرف كل شخص وما يصلح له, ومن العجب أن الصحراوي يعرف الأرضيين والغرس, ويعلم كل غرس وأرضه, وكل صاحب صنعة يعلم منافع صنعته ومضارها, حتى المرأة تعرف قطنها وما يتأتى من الغزل: دقته وغلظه, ولا يعلم الشيخ حال المريد وما يصلح له.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس على قدر عقولهم, ويأمر كل شخص بما يصلح.
فمنهم من أمره بالإنفاق.
ومنهم من أمره بالإمساك.
ومنهم من أمره بالكسب.
ومن من أقره على ترك الكسب, كأصحاب الصفة, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف أوضاع الناس وما يصلح لكل أحد.
فأما في رتبة الدعوة فكان يعمم الدعوة, لأنه مبعوث لإثبات الحجة وإيضاح المحجة, يدعو على الإطلاق ولا يخصص بالدعوة من يتفرس فيه الهداية دون غيره.
ثم تمم أوصاف الشيخ الطبيب, وهو العلم والعمل, فقال:
ويعلم البسيط والمركبا ..... وما بدا منها عليه واختبا
والطبع والمزاج والتركيبا ..... والكون والتحليل والترطيبا
قلت: البسيط هو المفرد الذي لم يتركب من جواهر, والمركب ضده, وبدا الشيء ظهر, واختبا "بالباء": بمعنى استتر, ومنه الخبء في قوله تعالى: "يخرج الخبء في السماوات" أي المستتر والمخفي فيها, والطبع ما جبل عليه الإنسان من خوف أو شجاعة أو بخل أو كرم, أو غير ذلك.
والمزاج: ما ركب منه بدنه كالحرارة, والبرودة؛ واليبوسة, والرطوبة, وغير ذلك.
والتركيب: إضافة الشيء إلى غيره كتركيب العقاقير والأدوية.
والكون: ما كان عليه الجسم من صحة أو مرض.
والتحليل: هو تذويب ما تجمد, كتحليل ما انعقد في جوف الإنسان من العلل بدواء ونحوه.
والترطيب: تليين ما صلب ويبس.
يقول رضي الله عنه: لا بد للشيخ أن يكون ماهراً بأحوال القلوب, عارفاً بعللها, عالماً بعلاجها, يعلم ما كان منها بسيطاً: أي مفرداً من حب الأشياء, ليس فيها إلا قصد واحد, وهم واحد, ومحبة واحدة, وهو الذي أشار إليه الجنيد رضي الله عنه حين قالوا له: كيف يصل العبد إلى التحقيق؟ فقال: بقلب مفرَّد, فيه توحيد مجرد, بعد تحصيل أمور ذكرها قبل, فهذا القلب سهل العلاج قريب الصحة, لأن المرض إذا كان مفرداً قرب علاجه, وهذا القلب حين سلم من تشغيب الهموم, ولم يبق له إلا هم واحد, لم يبق فيه إلا مرض واحد, وهو حجاب الوهم, فعلاجه في ترقيته ورفع حجابه, بخلاف القلب الذي تشعبت فيه الهموم, فهو أصعب في العلاج لتركيب أمراضه وتراكم علاجه, وهو المراد بالمركب.
وقد قال بعضهم: القلب كالمعدة, والمعدة بيت الداء, فإذا كثرت عليها الأخلاط مرضت وفسدت؛ وعلاجها الحمية من الأخلاط, وكذلك القلب إذا كثرت عليه الهموم والخواطر, فسدت فكرته, وانطمست مرآة بصيرته, وإذا قلت منه الهموم والخواطر, سلمت فكرته, وانصقلت مرآته.
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هم دنياه, ومن تشعبت به الهموم لم يبال به الله في أي أودية الدنيا هلك".
وعلاج هذا بالعزلة والصمت, وإخراج الدنيا من يده, إلا قدر ضرورته.
ويحتمل أن يريد بالبسيط والمركب: نفس العيوب التي هي مرض القلب, فيعلم القلب الذي مرضه بسيط, وهو الذي فيه مرض واحد, والقلب الذي مرضه مركب, وهو الذي كثرت علله وأمراضه, فيعالج كل واحد على قدر علله وأمراضه, ويدل على هذا الاحتمال قوله: "وما بدا منها عليه واختبا" فان المراد به المرض الظاهر, كمعاصي الجوارح الظاهرة, والمرض الخفي كمعاصي القلوب الباطنة, وهي أصعب في العلاج كالرياء, والعجب, والكبر, وحب الجاه, والرياسة, والمدح, وغير ذلك من الأمراض.
وفي الحكم: حظ النفس في المعصية ظاهر جلي, وحظها في الطاعة باطن خفي, ومداواة ما يخفى صعب علاجه.
وقال أيضا: تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال.
وقال أيضا: لا يخرج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق؛ فمداواة الأمراض الظاهرة التزام التوبة والتقوى والاستقامة؛ فان صعبت عليه فيلزم صحبة الشيخ ومداومة الجلوس بين يديه, أو تكرار المجيء إليه, فإن نظر الشيخ ترياق, فان صحبه ولم يشف من مرضه فليعلم أن صدقه ضعيف, أو شيخه ضعيف, فان الشيخ إذا كان له نور يمشي به في الناس جامعا بين جذب وسلوك, لا يمكن أن يصحبه العليل بالصدق ولم يشف من ساعته.
وقد قالوا: سيدي ابن سيدي هو: الذي يحل عني قيودي.
وقال شيخ شيوخنا سيدي العربي بن عبد الله: طريقتنا كالسكين الماضية, يأتينا الرجل مكبلا بشهواته فتنقطع يده من ساعة, فكل من صحب شيخاً بالصدق ولم ينفك عنه كبل المعاصي, فلينظر شيخاً آخر, والله تعالى أعلم.
والفرق بين الاحتمالين: أن الأول جعل البسيط والمركب من صفة القلب, والثاني جعله من صفة المرض, وهو أليق بما بعده, ويعلم أيضا هذا الشيخ الطبيب: طبع المريد, وما جبل عليه من قبض أو بسط, أو شح أو كرم, أو سخاء أو خوف, أو شجاعة, أو غير ذلك من الطبائع, فيعالجه بما يصلح لطبيعته, فان كان منقبضا أمره بشيء من البسط, وان كان بخيلا أمره بالبذل والإيثار, وهكذا يقابل الأشياء بأضدادها, ويعلم أيضا مزاج الفريد, هل هو بارد الهمة, قليل الطلب أو هو حار متعطش, السخانة غالبة عليه, أو هو معتدل, فان رآه باردا أمره بصحبة الفقراء والحك معهم, أو دوام صحبته وإن رآه حارا متعطشا أمره بالقصد والتوسط في الخدمة, لقوله عليه الصلاة والسلام:
"أكلفوا من العمل ما تطيقون, فان الله لا يمل حتى تملوا" وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "لا يمكن أحدكم كالمنبت "أي المنقطع" لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".
وإن رآه معتدلا سيره كذلك, ويعلم أيضا كيفية تركيب العقاقير والأغذية, فمن رآه يليق به ذكر واحد: لقنه له بسيطا, ومن رآه يليق به ذكران أو ثلاثة, لقنه كذلك, ومن رآه يصلح للفكرة, أمره بها, ومن رآه يصلح للفكرة والنظرة ركبها له, وكذلك الذكر مع الفكرة يركبهما لمن يقدر عليهما, وهكذا, ويعلم أيضا كون القلب: هل هو سليم أو سقيم, وهل هو أهل للخدمة أو للمحبة, فإن القلب الذي لا يطيق أنوار المعرفة لا يصلح لصاحبه إلا اشتغاله بالخدمة, ويعلم أيضا تحليل العلل الجامدة, وتذويبها, كمن تمكنت فيه الرياسة والجاه, فلا يحللها إلا الخراب الكبير والذل الكبير, وكل ما يسقط من أعين الناس, , وكذلك من تمكن فيه حب الدنيا وجمعها, لا يحلله إلا الزهد الكبير, وكذلك من تمكن فيه الشح والبخل, لا يحلله إلا العطاء والبذل, وهكذا.
ويعلم أيضا ترطيب العلل اليابسة كقسوة, وغفلة, وجمود العين, وقبض النفس, فيأمره بما يعالج كل داء على حدته.
فالقسوة: تذهب بالذكر والتلاوة والتدبر والصيام والتضرع آخر الليل, وقس على هذا, والغفلة تذهب بملازمة الذكر, ومراقبة الوقت.
وجمود العين تنفع فيه المواعظ والزواجر, وقبض النفس تنفع فيه مذاكرة ما يقوى الرجاء ويوجب الفرح, وهكذا.
وهذا الذي قلته ليس هو عين الدواء وحده, إنما نبهنا على الأصل المهم, وليقس ما لم يقل,
ثم كمل أحوال الشيخ الماهر, فقال:
قد أحكم التشريح والمفاصل ..... وصار علم الطب فيه حاصل
قلت: علم التشريح هو: علم الطب, وسمي علم التشريح لأنه يشرح بواطن الحيوانات ويعلم دواخلها وأسباب عللها وصحتها, وفسادها ويعرف طبائعها وأمزجتها, فهو يشرح ذلك شرحا بالتجربة والاطلاع, حتى إن أطبة العجم يشقون على جوف الميت وينظرون علته, التي أعضلتهم فيعالجونها بالأمور المحللة, حتى تنحل, ليعرفوا كيفية علاجها في غيره.
وعلم المفاصل هو: ما يتعلق بعلاج الجوارح الظاهرة, كالوجع الذي يكون في مفاصل اليدين, والرجلين وسائر الجوارح.
وقد قيل: إن في الإنسان ثلاثمائة وستة وستين مفصلا, على عدد أيام السنة, كل مفصل قائم بحكمة الله وقدرته, نصفها متحرك ونصفها ساكن, فإذا سكن المتحرك أو تحرك الساكن ضربه الوجع, فيحتاج إلى علاج, فيكون الطبيب عالماً بما يعالجه.
وعلم الطب هو: العلم بالطبيعات السبعة, والضروريات الستة, والأمور الخارجة عنها وهي ثلاثة, والعلم بخواص العشب وتركيب الأغذية والعقاقير.
يقول رضي الله عنه: يشترط في الشيخ أن يكون قد أحكم علم تشريح القلوب؛ واطلع على أسباب فسادها وصلاحها وصحتها وسقمها, عارفاً بعلاج أمراضها وعللها؛ علم ذلك ببصيرة نافذة ومكاشفة غيبية قد عالج نفسه وطهرها, وطهر قلبه من صدأ الحس وصفا مرآته من صور الأكوان, فإذا كان فعل ذلك, فان قلبه يصير كالزجاجة الصافية, فينطبع فيه بواطن المريدين, فيعالجهم بما يتجلى فيه من أمورهم, بإذن الله.
يقع الشفاء بمجرد المواجهة والمقابلة, وهذا الذي شهدناه من أشياخنا, ولذلك قال بعضهم: أن تربية الشاذلية إنما هي بالهمة والحال, يعني أن الغالب فيها نهوض الهمة والحال أكثر من نهوض الاصطلاح والمقال, وإلا فالجميع موجود والحمد لله.
هذا معنى كلامه والله تعالى أعلم.
ويشترط فيه أيضا أن يكون أحكم علم المفاصل, ويعني به ما يتعلق بإصلاح الجوارح الظاهرة, فيكون جامعا بين علم الشريعة وعلم الحقيقة, وقد تقدم أنه إنما يحتاج منها لما يلزمه في خاصة نفسه, أو ما يتوقف السير عليه من إتقان ما كلف به الإنسان, "راجع ما تقدم".
ويشترط فيه أيضا أن يكون علم الطب "أي طب القلوب" صار حالًا فيه راسخاً في معرفته؛ قد شفا الله على يديه خلقاً كثيراً, وجماً غفيراً.
وأما من لم يعرف بالتداوي والشفاء, ففيه غرر, وفي صحبته خطر.
قال الإمام أبو حامد رضي الله عنه: وكما أن معيار الدواء مأخوذة من معيار العلة, حتى أن الطبيب لا يعالج العليل ما لم يعرف أن العلة من حرارة أو برودة,، فان كانت من حرارة فيعرف درجتها, هل هي ضعيفة أو قوية, فإذا عرف التفت إلى أحوال البدن, وأحوال الزمن, وصناعة المريض, وسنه وسائر أحواله, فيعالج بحسبها, فكذلك الشيخ المتبوع الذي يطبّب نفوس المريدين ويعالج قلوب المسترشدين, ينبغي إلا يهجم بالرياضة والتكاليف في فن مخصوص وطريق مخصوص, ما لم يعرف أخلاقهم وأمراضهم.
وكما أن الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد, لقتل أكثرهم, فكذلك الشيخ, لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة؛ لقتل أكثرهم, وأمات قلوبهم.
قلت: فينبغي للشيخ أن يتفرس ببصيرته في حال المريدين, فمن رآه يصلح للتجريد لقوة يقينه أو خفة مؤونته, جرده ومن رآه لا يصلح له تركه في الأسباب, ومن كان أهلا للخرقة البسه إياها, ومن كان غير أهل لها: تركه في لباسه؟ ومن كان أهلا للعزلة أمره بها, ومن كان قد استأنس بها أمره بالخلطة لقوة حاله, ومن كان ذا جاه ورياسة أمره بالخراب والسؤال ونحوه, ومن كان خاملا أمره بما يليق به, وهكذا, والله تعالى أعلم.
ثم تمم أحوال الشيخ فقال:
وكان عشابا وصيدلاني ..... قدحا وكحّالا ومارستاني
قلت: العشاب هو الذي يعرف أعيان العشب ومنافعها وخواصها, وهو من شأن الأطبة, والصيدلاني هو: الذي يعرف أنواع العطرية التي تتركب منها العقاقير: منسوب إلى صيدلة, وهو: العطر, قاله في القاموس.
والقدح وهو: إخراج الماء الفاسد من العين, ويقال للفاعل: قداح, والكحال هو الذي يعرف أدوية العين ويعالجها بأنواع الكحل, والمارستاني هو الذي جمع أنواع الطب فيعالج أنواع المرض في أشخاص مختلفة, والمارستاني: دار كبيرة معدة للمرضى؛ والقائم عليها يسمى المارستاني, ولا يكون إلا ماهرا بالطب, عالما بأنواعه, وقد اخبرني من أثق به أن الروم عندهم مارستان كبير, وعليه طبيب ماهر, يداوي كل من يأتيه, ولهذا المارستان عندهم أحباس عظيمة, يقوم بها على المرضى, والمراد هنا هو طب القلوب.
يقول رضي الله عنه: يشترط في طبيب القلوب ما يشترط في طبيب الأبدان, فيشترط فيه أن يكون عارفا بتركيب أدوية القلوب وأشربتها, وأغذية الأرواح وأسقيتها, عالما بمنافع الأذكار وأذواقها, ونتائج الأفكار ومعارفها, فالأذكار كالأغذية للقلوب, والعلوم كالأشربة لها, والمذاكرة كالأغذية للأرواح, والفكرة والنظرة كالأشربة لها, وصحبة العارفين والجلوس بين أيديهم فيه مدد كبير للقلوب والأرواح والأسرار, هو غذاؤهم وشرابهم, وفيه دواؤهم وشفاؤهم, كل على قدر صدقه ومحبته, وعلى قدر مقامه ومرتبته "قد علم كل أناس مشربهم" قال محيي الدين بن عربي رضي الله عنه: ومتى لم يكن الطبيب مميز أعيان الأعشاب والعقاقير, عارفا بتركيب الأدوية فإنه مهلك للمريض فان العلم من غير العين لا يفيد, فلا بد من عين اليقين, ألا ترى لو كان للعشّاب غرض في إهلاك المريض, فإذا وصف الطبيب الدواء من جهة كونه عالماً به, وهو لا يعرف شخص الدواء, وقلد العشاب في ذلك فأعطاه العشاب ما فيه هلاك العليل, وهو يقول: هذا مطلوبك ليسقيه الطبيب للمريض فيهلك, فانه لا يداوي إلا بما يعرف شخصه وعينه, فكذلك الشيخ إذا لم يكن صاحب ذوق, وأخذ الطريق من الكتب لا من أفواه الرجال, وقصد يربي المريدين طالبا للرياسة, فانه يهلك من تبعه, لأنه لا يعرف مورد الطالب ولا مصدره, فلا بد أن يكون عند الشيخ دين الأنبياء, وتدبير الأطباء, وسياسة الملوك, وحينئذ يقال له: أستاذ, وقوله "قدحاً" على حذف مضاف, أي ذا قدح أو يكون مصدرا بمعنى اسم الفاعل, حالا, أي قادحا, كقولك جاء زيد ركضا أي راكضا, والمراد أن الشيخ لا بد أن يكون عارفا بأدوية مرض البصيرة, فان كانت فاسدة بشك, أو كفر, أو نفق قدح عليها وأخرج ما فيها من فساد الإيمان وأبدلها بالطمأنينة وصريح الإيقان, وهذا الدواء يكون لأهل النور الكبير, والعناية الكبيرة, الذين يغنون بالنظرة, وان كانت صحيحة الناظر؛ إلا أنها مسدودة بمرض الحس والوهم, أو مطموسة بالحرص والجزع والهلع, وعلامة ذلك اجتهاد صاحبها فيما ضمن له, وتقصيره فيما طلب منه, عالجها له بكحل توحيد الأفعال, حتى يتيقن أن الذي انفرد بالخلق والتصوير, هو الذي انفرد بالحكم والتدبير, وان الذي غرس الشجرة هو ساقيها, والقائم عليها فيذهب عنه الهم والجزع, والخوف, والهلع, والحرص, والطمع, ويصير قلبه واثقا بمولاه, غنيا به عما سواه وإذا فتحت البصيرة وظهر لها شعاع النور حتى أبصرت قرب الحق منها إلا أنها لضعفها لا تستطيع مقاومة شهود النور, كحلها بكحل توحيد الصفات, فإذا فتحت عينها وقويت على شهود النور المحيط بها, لكنها لم يقو نورها حتى تتصل بالنور المحيط بها, كحلها بكحل توحيد الذات, فيصل نورها بنور الجبروت, فلا تشهد إلا النور, فحينئذ يكمل شفاؤها وينجح دواؤها, وهذا شرح قول ابن عطاء الله "شعاع البصيرة يشهدك قرب الحق منك, وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده, وحق البصيرة يشهدك وجوده؛ لا عدمك ولا وجودك, "كان الله ولا شيء معه, وهو الآن على ما عليه كان".
وقوله: ومارستاني: أراد أن الشيخ لا بد أن يكون جامعا لعلوم المعاملة, عارفا بأدوية الأمراض على اختلاف أنواعها وأصنافها قد قدمه أهل وقته, وشهد له بذلك أهل فنه؛ وهذا قد لا يشترط لغلبة الخفاء على أهل هذا الفن, والله تعالى أعلم.
ثم ذكر ما بقي من أحوال الشيخ فقال:
أمهر في الأعراض والأخلاط ..... من أسقلا جالينوس أو بقراط
قلت: التمهر في الشيء هو: التوسع في علمه, والماهر هو:
الواسع العلم, وفي الحديث "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" أي الواسع في حفظه أو علمه, والأعراض جمع عرض, وهو ما يعرض للبدن من: أسقام, وأوجاع, وحرارة, وبرودة, ومما يدل على وجود المرض, هذا في علم الطب, وهو عند المتكلمين اعم من هذا, والأخلاط ما اجتمع في المعدة من العلل المتضادة الناشئة عن اختلاط الأغذية المختلفة, "وأسقلا جالينوس" "بفتح الهمزة وسكون السين وفتح القاف ولام مفتوحة ممدودة وجيم مفتوحة ممدودة ولام مفتوحة وياء ساكنة ثم نون مضمومة ممدودة ثم سين ساكنة" اسم حكيم من اليونان, وكذلك بقراط "بضم الباء وسكون القاف" فيلسوف حكيم, وكانا ماهرين بعلم الطلب, و"أمهر" اسم تفضيل معطوف على خبر كان منصوبا, وأو بمعنى الواو.
يقول رضي الله عنه: يكون هذا الشيخ أمهر في علم القلوب من هذين الطبيبين الحكيمين, وأراد بالأعراض كل ما يعرض للمريد في حال سلوكه من القواطع والشواغل, كميله للرياسة والجاه, وتقدمه للمراتب قبل كماله, وكميله للدنيا واشتغاله بالأسباب قبل ترشيده, وكمال بقائه؛ وغير ذلك مما يقطع عن السير.
وأراد بالأخلاط: الخواطر الرديئة والمقاصد الدنيئة, فيكون الشيخ عارفا بالخواطر النفسانية والشيطانية, والملكية, والربانية, ويكون أيضا عارفا بالمقاصد السنية والدنية, والهمم العالية والسفلية, فيعالجه من الأخلاط بجمع قلبه على الله, والغيبة عما سواه, وبالفناء التام وتفرغ القلب على الدوام, ويعالجه من المقاصد الدنية كحب الحظوظ وطلب الحروف, بالدلالة على تحقيق العبودية, والقيام بوظائف الربوبية الذي هو مطلب العارفين, والله تعالى أعلم.
وإذا تكاملت في الشيخ هذه الخصال: صح أن يقصده الرجال لشفاء ما فيهم من العلل, كما أبان ذلك بقوله:
فعندما صح له التحصيل ..... يممه السقيم والعليل
فكان يبريهم من الأمراض ..... والساخط القلب يعود راض
قلت: يريد فعند ما صح له تحصيل هذه الخصال على التمام والكمال, قصده السقيم, وهو الذي خف مرضه, والعليل وهو الذي: تناهت علته, وقيل هما سواء, فيكون من عطف التفسير, فكان يبريهم من أمراض القلوب, وأعظمها هم الرزق وخوف الخلق, ثم التدبير والاختيار, ثم الغضب والقنط عند نزول الأقدار, فيعالجه بهمته ونور بصيرته, ويلاحظه بنظرته حتى يمتلئ قلبه بنور اليقين, فيستغني بالله عن كل ما سواه, وتشرق عليه أنوار التوحيد, فيستريح من كل التدبير والاختيار, فحينئذ يذوق حلاوة الإيمان, فيرضى عن الله في كل حال وأوان.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا, وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا".
قال في التنوير: فمن رضي بالله ربا استسلم له, ومن رضي بمحمد صلى الله عليه وسلم اتبعه, ومن رضي بالإسلام دينا عمل به.
قلت: ولا شك أن القلب إذا كان عليلا لا يذوق حلاوة الإيمان, ولا يجد للطاعة ولا للمناجاة لذة, ففم السقيم لا يجد للطعام ولا للشراب لذة, فإذا صح القلب ذاق حلاوة الإيمان, ومن أركانه الإيمان بالقدر, خيره وشره, حلوه ومره, فيستحلي ما يبرز من عنصر القدرة كيفما كان, إذ كل ذلك من عند الحبيب, ولله در القائل حيث قال:
إذا كانت الأقدار من مالك الملك ..... فسيان عندي ما يسر وما يبكي
رضيت بما يقضي الإله فأمره ..... يقابل بالإقبال عند ذوي النسك
وإن صلى الإنسان نار مشقة ..... فما الذهب الإبريز إلا أخو المسك
أخو الصبر لا يخشى أمورا وإنما ..... يهنأ في الحالين من غير ما شك
قوله: "والساخط القلب يعود راض" هذا علامة الشفاء, فما دام العبد ينقبض عند الجلال والشدة, وينبسط عند الجمال والرخاء ففيه بقية من مرض القلب, فإذا استوت عنده الأحوال, فذلك علامة الصحة على الكمال, ويتصل بمقامات الرجال.
سئل ذو النون المصري رضي الله عنه عن وصف الأبدال, فقال: "سألت عن دياجي الظلام, لأكشف لك عنها, هم قوم ذكروا الله بقلوبهم تعظيما لربهم, لمعرفتهم بجلاله, فهم حجج الله تعالى على خلقه, ألبسهم الله تعالى النور الساطع من محبته, ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته, وأقامهم مقام الأبطال بإرادته. وأفرغ عليهم من مخافته, وطهر أبدانهم بمراقبته, وطيبهم بطيب أهل معاملته, وكساهم حللا من شبح مودته, ووضع على رؤوسهم تيجان مبرته, ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب, فهي متعلقة بمواصلته, فهممهم إليه ثائرة, وأعينهم إليه بالغيب ناظرة, قد أقامهم على باب النظر من رؤيته, وأجلسهم على كرسي أطباء أهل معرفته, ثم قال لهم: إن أتاكم عليل من فقدي فداووه, أو مريض من فراقي فعالجوه, أو خائف مني فانصروه, أو آمن مني فحذروه, أو راغب في مواصلتي فمنوه, أو راحل نحوي فزودوه, أو جبان في متاجرتي, فشجعوه أو آيس من فضلي فرجوه, أو راج لإحساني فبشروه, أو حسن الظن بي فباسطوه, أو محب لي فواصلوه, أو معظم لقدري فعظموه, أو مسيء بعد إحساني فعاتبوه, أو مسترشد فأرشدوه" انتهى كلامه رضي الله عنه.
ثم نبه على المقصود بهذا العلم, فقال:
وليس هذا طب جالينوس ..... وإنما يختص بالنفوس
قلت: نبه رحمه الله على أن هذا الطب الذي ذكر ليس هو طب الأبدان الذي كان يعرفه جالينوس الحكيم, وإنما هو طب النفوس لتصلح لحضرة القدوس, وطب القلوب لتصح من الأمراض والعيوب, وتتهيأ لدخول حضرة علام الغيوب, فتخرط في سلك "من أتى الله بقلب سليم" ويكون "في مقعد صدق عند مليك مقتدر" في جوار الكريم, متعنا الله بالسكنى في حضرته في الدنيا والآخرة.
ثم ذكر قلة هذا الطب في زمانه, فقال:
فهكذا الشيوخ قدما كانوا ..... يا حسرتي إذ سلفوا وبانوا
قلت: الإشارة تعود على ما ذكر في الفصل في أحكام الشيوخ, من معرفتهم بالطرق ومسالكها: سهلها ووعرها, ومعرفتهم بطب القلوب وأنواع الأدوية والعقاقير, وعلمهم بعلل النفوس وأمراضها, ثم تأسف وتحسر على ذهابهم, أي فراقهم في دار الدنيا, وسكناهم دار البقاء, ولكن لا تخلو الأرض من قائم لله بحجته, كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه.
وقد وردت أخبار في مدح مقام الشيوخ والتنويه بقدرهم عند الله.
قال في العوارف: ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:
"والذي نفس محمد بيده لئن شئتم لأقسمنَّ لكم: إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده, ويحببون عباد الله إلى الله, ويمشون في الأرض بالنصيحة".
وهذا الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رتبة المشيخة والدعوة إلى الله, لأن الشيخ يحبب الله إلى عباده حقيقة, ويحبب عباد الله إلى الله, ورتبة المشيخة والدعوة من أعلى الرتب في طريق الصوفية ونيابة النبوة في الدعاء إلى الله.
فأما وجه كون الشيخ يحبب عباد الله إلى الله لأن الشيخ يسلك بالمريد طريق الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صح اقتداؤه واتباعه أحبه الله, قال الله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله".
ووجه كونه يحبب الله تعالى إلى عباده, لأنه يسلك بالمريد طريق التزكية, وإذا تزكت النفس: انجلت مرآة القلب, وانعكس فيها نور العظمة الإلهية, ولاح فيها جمال التوحيد, وذلك ميراث التزكية, قال الله تعالى: "قد افلح من زكاها" وفلاحها بالظفر بمعرفة الله, وأيضا مرآة القلب إذا انجلت لاحت فيها الدنيا بقبحها وحقيقتها وماهيتها, ولاحت الآخرة بنفاستها بكنهها وغايتها, فينكشف للبصيرة حقيقة الدارين, وحاصل المنزلين, فيحب العبد الباقي ويزهد في الفاني, فتظهر فائدة التزكية وجدوى المشيخة والتربية, فالشيخ من جنود الله تعالى, يرشد به المريدين, ويهدي بي الطالبين.
ثم قال: فعلى المشايخ وقار الله, وبهم يتأدب المريد ظاهرا وباطنا, قال الله تعالى: "أولئك الذين هدى الله, فبهداهم اقتده" فالمشايخ لما اهتدوا أهلوا للاقتداء بهم, وجعلوا أئمة المتقين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه عز وجل, إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي, جعلت همته ولذته في ذكري, فإذا جعلت همته ولذته في ذكري, عشقني وعشقته, ورفعت الحجاب فيما بيني وبينه, لا يسهو إذا سها الناس, أولئك كلامهم كلام الأنبياء, أولئك الأبطال حقا, أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبة أو عذابا ذكرتهم فصرفته بهم عنهم". انتهى.
ثم أشار الحكم الثاني من أحكام التصوف فقال: "الحكم الثاني في حكم الاجتماع".
اعلم أن الاجتماع عند القوم هو أعظم الأركان وأهمها, حتى قال بعضهم: التصوف مبني على ثلاثة أركان: الاجتماع, والاستماع, والاتباع, فكل من انفرد عن الإخوان واشتغل بنفسه لا يجيء منه شيء, والمؤمنون كالشياه, فإذا انفردت شاة عن الغنم, كانت من سهم الذئاب, وقد رغب الله في الاجتماع, قال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى, ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". وقال صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة".
وعن معاوية رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا, قال: والله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك, قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم, ولكنه جاءني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل, لا يريدون بذلك إلا وجهه, إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورا لكم, قد بدلت سيئاتكم حسنات".
وﻗﺎل أﻳﻀﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ: )ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس : إن ﷲ ﺳﺮاﻳﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺗﺠﻮل وﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﺬﻛﺮ ﻓﻲ اﻷرض، ﻓﺎرﺗﻌﻮا ﻓﻲ رﻳﺎض اﻟﺠﻨﺔ، ﻗﺎﻟﻮا : وأﻳﻦ رﻳﺎض اﻟﺠﻨﺔ؟ ﻗﺎل : ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﺬﻛﺮ، ﻓﺎﻏﺪوا وروﺣﻮا ﻓﻲ ذﻛﺮ اﷲ، وذﻛﺮوا أﻧﻔﺴﻜﻢ : ﻣﻦﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﷲ ﻓﻠﻴﻨﻈﺮﻛﻴﻒ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﷲ ﻋﻨﺪﻩ، ﻓﺎن اﷲ ﻳﻨﺰل اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻨﻪ ﺣﻴﺚ أﻧﺰﻟﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ .
وﻗﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم: )وذﻛﺮوا أﻧﻔﺴﻜﻢ ( أي ﻟﻴﺬﻛﺮ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﻌﻀﺎ، ﻓﺎﻟﻤﺬاﻛﺮة ﻫﻲ أﻋﻈﻢ اﻟﺬﻛﺮ، ﻷن ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎ وذﻛﺮا ﷲ وﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﺬﻛﺮ ﺗﺼﺪق ﺑﻤﺠﻠﺲ اﻟﻌﻠﻢ، واﻟﺬﻛﺮ واﻟﻤﺬاﻛﺮة، وﻣﺎ زال اﻷﺷﻴﺎخ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻢ ﻳﻮﺻﻮن أﺻﺤﺎﺑﻬﻢ ﺑﺎﻻﺟﺘﻤﺎع، وﻳﺤﻀﻮن ﻋﻠﻴﻪ .
وﻛﺎن ﺷﻴﺨﻨﺎ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﻘﻮل : إذا رأﻳﺘﻢ أﺣﺪا اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻨﻜﻢ ﻓﺘﺪارﻛﻮﻩ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻤﻮت، وﻣﻮﺗﻪ ﺑﺮدّﺗﻪ ورﺟﻮﻋﻪ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ .
وﻛﺎن ﻟﻠﺸﺎذﻟﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬ ﻳﺤﻀﺮ ﻣﺠﻠﺴﻪ، ﺛﻢ اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ، ﻓﻠﻘﻴﻪ ذات ﻳﻮم، ﻓﻘﺎل : ﻣﺎﻟﻚ اﻧﻘﻄﻌﺖ ﻋﻨﺎ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ : ﻗﺪ اﺳﺘﻐﻨﻴﺖ ﺑﻚ ﻋﻨﻚ، ﻓﻘﺎل ﻟﻪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : ﻟﻮ اﺳﺘﻐﻨﻰ أﺣﺪ ﺑﺄﺣﺪ، ﻻﺳﺘﻐﻨﻰ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺲ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻟﻢ ﻳﻔﺎرﻗﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت، ﻓﺎﻧﻘﻄﺎع اﻟﻔﻘﻴﺮ ﻋﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎع، أو ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻘﻮاﻃﻊ، واﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻋﻠﻢ .
وذﻛﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﺳﺒﺐ اﻻﺟﺘﻤﺎع وآداﺑﻪ، ووﻗﺘﻪ، وأﻫﻠﻪ، وﺛﻤﺮﺗﻪ، ﻓﺄﺷﺎر إﻟﻰ اﻷول ﺑﻘﻮﻟﻪ :
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 28 ديسمبر 2023 - 22:25 عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (1) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
2 - في حكم الاجتماعفكان إذ ذاك اجتماع القوم ..... له بعلم عمل عن علم
ﻗﻠﺖ : ﻟﻤﺎﻛﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺮﺗﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ واﻟﺘﺤﻘﻖ ﺑﻪ، اﺳﺘﻔﺘﺢ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﻔﺎء اﻟﺴﺒﺒﻴﺔ؛ واﻹﺷﺎرة ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺷﺮوط اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ، أي ﻓﻜﺎن ﺣﻴﻦ ﺣﺼﻞ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ اﻟﻤﺘﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﺸﻴﺦ، وﺗﺤﻘﻖ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ،ﺑﻌﻼﻣﺔ ﺷﻮاﻫﺪ اﺟﺘﻤﺎع اﻟﻘﻮم ﻟﻪ، وﺣﻀﻮرﻫﻢ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻟﺘﻌﻠﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﻤﻞ، أي ﻟﺘﻌﻠﻢ إﺗﻘﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬيﻛﺎن ﻋﻨﺪﻫﻢ واﺳﺘﻔﺎدوﻩ ﻣﻨﻪ .
واﻟﺤﺎﺻﻞ : أن ﻓﺎﺋﺪة اﻟﺸﻴﺦ ﻫﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻹﺧﻼص، وإﺗﻘﺎن اﻟﻌﻤﻞ، إذ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎسﻛﺜﻴﺮ، واﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻗﻠﻴﻞ،وﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮ وﺟﻮد اﻟﻌﻤﻞ : ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻈﻮظ وﻗﺼﺪ اﻟﺤﺮوف، وذﻟﻚ ﻣﻨﺎف ﻟﻺﺧﻼص، واﻷﻋﻤﺎل ﺻﻮر ﻗﺎﺋﻤﺔ، وروﺣﻬﺎ وﺟﻮد ﺳﺮ اﻹﺧﻼص ﻓﻴﻬﺎ، وأﻳﻀﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ رﻋﻮﻧﺎت ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﺘﻮﻗﻌﻪ ﻓﻲ إﻓﺮاط أو ﺗﻔﺮﻳﻂ، أو ﺗﺨﺮج ﺑﻪ ﻟﺨﻼف اﻟﻤﻘﺼﻮد، ﻓﺈذا رﺟﻊ ﻓﺮأى ﻣﻦ ﻫﻮ أﻋﻠﻢ ﻣﻨﻪ وأﻧﺼﺢ ﻟﻪ، ﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻓﻴﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﺗﻔﺮﻗﺔ ﻋﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺤﻖ .
وﻗﻮﻟﻪ: "ﻋﻦ ﻋﻠﻢ " راﺟﻊ ﻟﻼﺟﺘﻤﺎع، أي : ﻓﻜﺎن اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺴﺒﺐ إﺗﻘﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﺣﺼّﻠﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ وﻳﻘﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ أﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻨﺔ ﻣﻦ رﺑﻪ؛ وأﻧﻪ أﻫﻞ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺷﻬﺪت ﻟﻪ أرواﺣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﻘﺪﻳﻢ، وﺳﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺘﻌﻈﻴﻢ، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﻞ ﺑﻪ وﺗﻘﻠﻴﺪ وﺷﻚ وﺗﺮدﻳﺪ .
ﺛﻢ اﻷﻟﻴﻖ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ إذا اﺧﺘﻠﻂ اﻟﻔﻘﺮاء: "أﻫﻞ ﺑﺪاﻳﺎت وﻧﻬﺎﻳﺎت " أن ﻳﻔﺮﻗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺬاﻛﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﻨﺎﻇﻢ وأﺷﺎر إﻟﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ :
ولم يكن ذلك عن رويّة ..... بل يحضر القوم على السوية
ﻗﻠﺖ اﻟﺮوﻳﺔ واﻟﺘﺮوي ﻫﻲ : اﻟﻤﺸﺎورة ﻓﻲ اﻷﻣﺮ واﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻴﻪ، ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﻘﻮم ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﻋﻦ اﺗﻔﺎق وروﻳﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺤﻀﺮوا ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ واﺣﺪ ووﻗﺖ واﺣﺪ، وﻳﻜﻮن أﻫﻞ اﻟﺒﺪاﻳﺎت وأﻫﻞ اﻟﻨﻬﺎﻳﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ واﺣﺪ، ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ أﻫﻞ اﻟﺘﺪرﻳﺲ ﻟﻠﻌﻠﻢ اﻟﻈﺎﻫﺮ، ﺑﻞﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻴﻮخ ﺗﺬﻛﺮﻛﻞ ﻓﺮﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺗﻬﺎ، وﺗﺨﺎﻃﺐ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻓﻬﻤﻪ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﺸﻴﺦ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﻣﺠﻠﺴﺎن : ﻣﺠﻠﺲ ﻳﺨﺺ ﺑﻪ أﻫﻞ اﻟﻨﻬﺎﻳﺎت، وﻣﺠﻠﺲ ﻳﻌﻢ ﺑﻪ أﻫﻞ اﻟﺒﺪاﻳﺎت، واﻟﻨﻬﺎﻳﺎت، وﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ أﻳﻀﺎ إﻻ ﻳﻠﺘﺰم ﻣﺠﻠﺴﺎ واﺣﺪا ﻻ ﻳﺘﻌﺪاﻩ، ﺑﻞ ﻣﻬﻤﺎ اﺗﻔﻖ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ذﻛﺮﻫﻢ ﻓﻲ أي وﻗﺖﻛﺎن، وﻣﻬﻤﺎ ﻗﺪم ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻮم ذﻛﺮﻫﻢ، ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺤﺐ اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل ﻓﻲ ﺳﻔﺮﻩ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﻤﻘﺎم، وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﺸﻴﺦ أن ﻳﺤﺘﺠﺐ ﻋﻦ اﻟﻔﻘﺮاء ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻀﺮروا ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرﻩ، ﻓﻘﺪﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻻ ﻳﺤﺘﺠﺐ ﻋﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺑﻮاﺑﻮن وﻻ ﻣﺸﺎورون .
وﻣﺎ ذﻛﺮﻩ اﻟﻨﺎﻇﻢ ﻣﻦ ﺗﻔﺮﻳﻖ اﻟﻤﺬاﻛﺮة إﻧﻤﺎ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻊ ﻗﻠﺔ اﻟﻔﻘﺮاء، وأﻣﺎ ﻣﻊﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻟﻬﻢ ﻣﺠﻠﺴﺎ واﺣﺪا،وﻳﺬﻛﺮ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺎت، واﻟﻮﺳﻂ واﻟﻨﻬﺎﻳﺎت، وﻛﻞ واﺣﺪ ﻳﺸﺮب ﻣﻦ ﻣﻨﻬﻠﻪ }ﻗﺪ ﻋﻠﻢﻛﻞ أﻧﺎس ﻣﺸﺮﺑﻬﻢ { ﻫﺬا ﻣﺎ أدرﻛﻨﺎ أﺷﻴﺎﺧﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﻦﻛﺜﺮة اﻻﺗﺒﺎع .
ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ زروق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : وﻳﺠﻌﻞ ﻣﺠﻠﺴﺎ ﻳﺘﻀﺮع ﻓﻴﻪ إﻟﻰ اﷲ ﻓﻲ إﺻﻼح ﺷﺄﻧﻪ وﺷﺄن ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻪ،ﻟﻴﻜﻮن ﻧﺎﺻﺤﺎ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻦﻛﻤﺎ ﻧﺼﺢ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻈﺎﻫﺮ .
وﻟﻤﺎ ذﻛﺮ ﺳﺒﺐ اﻻﺟﺘﻤﺎع وآداﺑﻪ أﺷﺎر إﻟﻰ وﻗﺘﻪ، ﻓﻘﺎل :
ولم يكن أيضا لدى العشاء ..... إذ فيه نهي وهو للإغفاء
ﻗﻠﺖ اﻹﻏﻔﺎء ﻫﻮ : اﻟﻨﻮم، ﻳﻌﻨﻲ أن اﺟﺘﻤﺎع اﻟﻘﻮم ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪ وﻗﺖ اﻟﻌﺸﺎء، ﻷن ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺟﻌﻠﻪ اﷲ ﻟﻠﻨﻮم واﻟﺮاﺣﺔ، ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: }ﻫﻮ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ ﻟﻜﻢ اﻟﻠﻴﻞ ﻟﺘﺴﻜﻨﻮا ﻓﻴﻪ { وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: }وﻫﻮ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ ﻟﻜﻢ اﻟﻠﻴﻞ ﻟﺒﺎﺳﺎ واﻟﻨﻮم ﺳﺒﺎﺗﺎ وﺟﻌﻞ اﻟﻨﻬﺎر ﻧﺸﻮرا { وذﻟﻚ ﻟﻴﻘﻮم ﻟﻠﺼﻼة ﻧﺎﺷﻄﺎ، وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﺼﺮ اﻟﻠﻴﻞ .
وﻗﺪ ﻧﻬﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﻮم ﻗﺒﻠﻬﺎ واﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻌﺪﻫﺎ، ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻌﺸﺎء، وﻛﺬﻟﻚ أﻳﻀﺎ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ أوﻗﺎت اﻟﺼﻼة، ﻷن ذﻟﻚ ﻳﺆدي إﻟﻰ ﺧﺮوج وﻗﺘﻬﺎ، وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﻄﻮﻳﻞ اﻟﻤﺠﻠﺲ، ﻓﻘﺪ ﻗﺎل اﻟﺰﻫﺮي : إذا ﻃﺎل اﻟﻤﺠﻠﺲﻛﺎن ﻓﻴﻪ ﺣﻆ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎن.
ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ زروق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : وﺣﻖ اﻟﻤﺮﻳﺪ أن ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻟﻬﻤﺔ، وﻳﻘﻌﺪ ﻋﻨﺪﻩ ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺔ، وﻳﺨﺮج ﻣﻦ
ﻨﺪﻩ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ واﻟﻌﺰﻳﻤﺔ، ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ ﺣﻜﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع، ﻓﻘﺎل :
وافتقروا فيه للائتلاف ..... ليعلم المستوفي حال الوافي
ﻗﻠﺖ : اﻻﺋﺘﻼف ﻫﻮ : اﻻﺟﺘﻤﺎع، وﺗﺄﻟﻒ اﻟﻘﻮم اﺟﺘﻤﻌﻮا، ﻗﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻣﻮس .
ﻳﻘﻮل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : واﻓﺘﻘﺮوا أﻳﻀﺎ ﻟﻼﺟﺘﻤﺎع ﻷﻣﻮر ﻣﻨﻬﺎ، ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﺎل اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ، واﻟﺤﺎل، واﻟﻤﻘﺎم،ﻓﺎن اﻟﻨﻔﺲ ﻗﺪ ﺗﻐﻠﻂ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻓﺘﻈﻦ أﻧﻬﺎ أدرﻛﺖ ﻣﻘﺎم اﻷﻛﺎﺑﺮ، وﻫﻲ ﻣﻘﻴﻤﺔ ﻣﻊ اﻷﺻﺎﻏﺮ، ﻓﺈذا اﺟﺘﻤﻊ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻫﻮ اﻧﻬﺾ ﻣﻨﻪ ﺣﺎﻻ وأﻛﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻤﺎ، ﻋﻠﻢ ﺣﺎﻟﻪ وﻋﺮف ﻣﻘﺎﻣﻪ، ﻓﻴﺠﺪ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﻩ، وﻳﺘﺤﻘﻖ ﺑﻘﺪرﻩ .
وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺧﺒﺎر: (ﻋﺎش ﻣﻦ ﻋﺮف ﻗﺪرﻩ ) وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﻜﺎﻣﻞ إذا رأى ﻣﻦ ﻫﻮ دوﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺎل أو اﻟﻤﻘﺎم ﺣﻤﺪ اﷲ وﺷﻜﺮﻩ وﻃﻠﺐ اﻟﺰﻳﺎدة ﻣﻦ ﻣﻮﻻﻩ، وﻫﺬا ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ: (ﻟﻴﻌﻠﻢ اﻟﻤﺴﺘﻮﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻮاﻓﻲ ) ﻓﺎﻟﻤﺴﺘﻮﻓﻲ اﻟﺬي ﻫﻮ : اﻟﻨﺎﻗﺺ، ﺗﻨﻌﺸﻪ رؤﻳﺔ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﺬي ﻫﻮ اﻟﻮاﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﺎل، ﻻﺳﺘﺸﻌﺎرﻩ ﻧﻘﺼﻪ وﻗﺼﻮرﻩ ﻋﻦ رﺗﺒﺔ ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﻮاﻓﻲ، ﻓﻴﻨﻬﺾ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ، وﻳﻨﺎﻓﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺎل ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: {وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻓﻠﻴﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺴﻮن } واﻟﻮاﻓﻲ ﻳﻌﺮف ﻗﺪر ﻣﻨﺔ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻤﺎ أدرﻛﻪ ﻓﻴﺸﻜﺮﻩ، ﻓﻴﺰﻳﺪﻩ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻋﻄﺎﻩ، وﻳﺘﺸﻮف إﻟﻰ ﻣﻘﺎم أﻋﻠﻰ ﻓﻴﻮﺻﻠﻪ اﷲ إﻟﻴﻪ، إذ اﻟﺴﻴﺮ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ .
ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮ ﻫﺎدي رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﻮﻣﺎ، ﺑﻢ ﻳﺮﺗﻔﻊ اﻟﻤﺮﻳﺪ إﻟﻰ رﺗﺒﺔ ﻫﻲ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ رﺗﺒﺘﻪ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا : ﺑﻔﻀﻞ اﷲ ورﺣﻤﺘﻪ، ﻓﻘﺎل : إﻧﻤﺎ ﺳﺄﻟﺘﻜﻢ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺨﺎص ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ، ﻓﻘﺎﻟﻮا : ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﻴﺦ، ﻗﺎل : ﻳﺨﻠﻖ اﷲ ﻟﻪ ﻫﻤﺔ ﻫﻲ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﻤﺘﻪ، ﻓﻴﺮﺗﻔﻊ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ رﺗﺒﺔ أﻋﻠﻰ .
وﻣﻨﻬﺎ، أي وﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺪاﻋﻴﺔ ﻟﻼﺟﺘﻤﺎع : ﺣﺼﻮل اﻟﻨﺸﺎط واﻟﻘﻮة، ﻓﺎن دوام اﻟﻮﺣﺪة ﺗﺒﺮد ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ، وﺗﻘﻮى ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺲ واﻟﻜﺴﻞ أنﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﺤﻞ اﻟﺒﺪاﻳﺎت .
وﻗﺪ ﺗﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﻓﺘﺮة أو وﻗﻔﺔ، ﻓﺈذا اﺟﺘﻤﻊ ﻣﻊ اﻹﺧﻮان ﻗﻮي ﺣﺎﻟﻪ وزالﻛﺴﻠﻪ، وﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: {وﺗﻌﺎوﻧﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺮ واﻟﺘﻘﻮى} .
ورﻏﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻓﻲ ﺣﻀﻮر ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﺬﻛﺮﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم .
ﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ : ﻛﻨﺎ إذا ﻓﺘﺮﻧﺎ ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ واﺳﻊ، ﻓﻌﻤﻠﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ أﺳﺒﻮﻋﺎ أي ﺑﻘﻲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻓﻨﻌﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﺳﺒﻮﻋﺎ، ﻓﻤﺸﺎﻫﺪة اﻷﺧﻴﺎر ﺗﺮﻓﻊ اﻟﻬﻤﺔ وﺗﻘﻮي اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ، واﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﺮآة أﺧﻴﻪ؛ ﻓﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎذي ﻳﻨﻄﺒﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎذي، وﻗﺪ ﻗﺎل أﻧﺲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ: (ﻣﺎ ﻧﻔﻀﻨﺎ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب ﻣﻦ دﻓﻨﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﺣﺘﻰ
ﻓﻘﺪﻧﺎ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ) .
وﻣﻨﻬﺎ اﺳﺘﻔﺎدة اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ؛ وأﻣﺎ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺬاﻛﺮة، وأﻣﺎ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪة.
ﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﻤﺎء: )ﻓﻬﻢ ﺳﻄﺮﻳﻦ، أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺣﻔﻆ وﻗﺮﻳﻦ ( وﻓﻀﻞ ﻣﺬاﻛﺮة اﺛﻨﻴﻦ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ، أي أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺳﻄﺮﻳﻦ وﺣﻔﻆ وﻗﺮﻳﻦ، واﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎء وﻣﺠﺎﻟﺴﺔ اﻟﺤﻜﻤﺎء ﻋﺒﺎدةﻛﺒﻴﺮة، وﺑﺎﷲ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ.
ﺛﻢ اﺳﺘﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ، ورواﻩ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ، ﻓﻘﺎل:
لا خير فيمن لم يكن ألوفا ..... ولم يكن لغيره مألوفا
ﻗﻠﺖ ﻟﻔﻆ اﻟﺤﺪﻳﺚ: اﻟﻤﺆﻣﻦ إﻟﻒ ﻣﺄﻟﻮف، وﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻤﻦ ﻻ ﻳﺄﻟﻒ وﻻ ﻳﺆﻟﻒ .
وﻗﺎل أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم: إن ﺧﻴﺎرﻛﻢ أﺣﺴﻨﻜﻢ أﺧﻼﻗﺎ اﻟﻤﻮﻃﺌﻴﻦ أﻛﻨﺎﻓﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﻟﻔﻮن وﻳﺆﻟﻔﻮن . ﻓﻘﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم: (اﻟﻤﻮﻃﺌﻴﻦ أﻛﻨﺎﻓﺎ ) ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﺟﺎﻧﺒﻬﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺨﺎف ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻴﺎﻧﺔ وﻻ ﺟﻨﺎﻳﺔ اﻟﺬي ﻳﺄﻟﻔﻮن اﻟﻨﺎس وﻳﺄﻟﻔﻬﻢ اﻟﻨﺎس، وﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮل اﻟﻨﺎﻇﻢ: (ﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻟﻮﻓﺎ ) ﺑﻐﻴﺮﻩ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺄﻟﻮﻓﺎ ﻟﻐﻴﺮﻩ؛ أي ﻳﺄﻟﻔﻪ ﻏﻴﺮﻩ.
وﻓﻲ رواﻳﺔ أﺧﺮى: (أﻻ أﻧﺒﺌﻜﻢ ﺑﺄﺣﺒﻜﻢ إﻟﻲ وأﻗﺮﺑﻜﻢ ﻣﻨﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ : أﺣﺎﺳﻨﻜﻢ أﺧﻼﻗﺎ اﻟﻤﻮﻃﺌﻮن أﻛﻨﺎﻓﺎ، اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﻟﻔﻮن وﻳﺆﻟﻔﻮن) .
ﻗﻠﺖ وﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻓﻲ أﺣﻮال اﻟﻨﺎس : أﻣﺎ اﻟﻌﺎرﻓﻮن اﻟﺮاﺳﺨﻮن؛ ﻓﻼ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﻢ إﻻ اﻟﺘﺂﻟﻒ ﺑﺎﻟﻨﺎس واﻟﺘﺼﺒﺮ ﻟﻬﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺄﺧﺬون ﻧﺼﻴﺒﻬﻢ ﻣﻦﻛﻞ ﺷﻲء، وﻗﺪ وﺟﻬﻬﻢ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻴﻨﻔﻊ ﻋﺒﺎدﻩ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﻢ أن ﻳﺄﻟﻔﻮا اﻟﻨﺎس،وﻳﺄﻟﻔﻬﻢ اﻟﻨﺎس؛ وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن اﻟﻤﺘﻮﺟﻬﻮن ﻹﺻﻼح اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺘﺒﺮك واﻟﺪﻋﺎء؛ واﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺘﻮﺟﻬﻮن ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺒﺎد، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺻﺒﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﻔﻮة اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﻴﻦ واﻟﺴﺎﺋﻠﻴﻦ، وﻣﻦ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .
وأﻣﺎ اﻟﻤﺮﻳﺪون اﻟﺴﺎﺋﺮون، ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﻢ أن ﻳﺄﻟﻔﻮا اﻟﻨﺎسﻛﻠﻬﻢ، ﻓﺎن ذﻟﻚ ﻳﻘﻄﻌﻬﻢ ﻋﻦ رﺑﻬﻢ، وﻛﻞ ﻓﻘﻴﺮ ﻣﺎل ﻟﻠﺮﻳﺎﺳﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، وﺗﻮﺟﻪ ﻟﻠﻨﺎس ﻗﺒﻞﻛﻤﺎﻟﻪ، ﻓﻼ ﻳﺠﻲء ﻣﻨﻪ ﺷﻲء؛ وإﻧﻤﺎ ﻳﺄﻟﻒ اﻟﻔﻘﻴﺮ ﻣﻦ ﻳﻨﻬﻀﻪ ﺣﺎﻟﻪ، وﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﷲ ﻣﻘﺎﻟﻪ .
وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ : ﻗﺎﻟﻮا : ﻣﻦ ﻧﺠﺎﻟﺲ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ؟ ﻗﺎل : ﻣﻦ ذﻛﺮﻛﻢ ﺑﺎﷲ رؤﻳﺘﻪ، وزاد ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻜﻢ ﻣﻨﻄﻘﻪ، ورﻏﺒﻜﻢ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة ﻋﻤﻠﻪ
وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : أوﺻﺎﻧﻲ ﺣﺒﻴﺒﻲ، ﻓﻘﺎلِ : ﻻ ﺗﻨﻘﻞ ﻗﺪﻣﻴﻚ إﻻ ﺣﻴﺚ ﺗﺮﺟﻮ ﺛﻮاب اﷲ، وﻻ ﺗﺠﻠﺲ إﻻ ﺣﻴﺚ ﺗﺄﻣﻦ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺼﻴﺔ اﷲ، وﻻ ﺗﺼﺤﺐ إﻻ ﻣﻦ ﺗﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ، وﻻ ﺗﺼﻄﻒ ﻟﻨﻔﺴﻚ إﻻ ﻣﻦ ﺗﺰداد ﺑﻪ ﻳﻘﻴﻨﺎ، وﻗﻠﻴﻞ ﻣﺎ ﻫﻢ، وﺑﺎﷲ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ، واﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ أﺷﺎر ﺑﻘﻮﻟﻪ :
ومن يكن يصحب غير جنسه ..... فجاهل والله قدر نفسه
ﻗﻠﺖ : وإﻧﻤﺎﻛﺎن ﻣﻦ ﻳﺼﺤﺐ ﻏﻴﺮ ﺟﻨﺴﻪ ﺟﺎﻫﻼ ﺑﻘﺪر ﻧﻔﺴﻪ، ﻷن اﻟﻨﻔﺲ؛ وﻫﻲ اﻟﺮوح : ﻳﺎﻗﻮﺗﺔ رﻓﻴﻌﺔ، ﺟﻌﻠﻬﺎ اﷲ ﻓﻲ ﺻﺪف ﺑﺸﺮﻳﺘﻚ، ﻓﺈذا ﺻﺤﺒﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﻮ أﺣﺴﻦ ﻓﻘﺪ ﺻﻨﺘﻬﺎ ورﻓﻌﺘﻬﺎ واﻋﺘﻨﻴﺖ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ، ﻷن ﺻﺤﺒﺔ اﻷﺑﺮار ﺗﺼﻴﺮك ﻣﻦ اﻷﺧﻴﺎر، وإذا ﺻﺤﺒﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﻮ أﺳﻮأ ﻣﻨﻚ وأﺧﺴﺮ ﻣﻨﻚ ﻓﻘﺪ ﺑﺨﺴﺘﻬﺎ وﺣﻄﻄﺖ ﻗﺪرﻫﺎ ورﻣﻴﺖ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺰاﺑﻞ، ﻷن اﻟﻄﺒﺎع ﺗﺴﺮق اﻟﻄﺒﺎع، واﻟﻤﺮء ﻋﻠﻰ دﻳﻦ ﺧﻠﻴﻠﻪ، وﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺮء رﻗﻌﺔ ﻣﻦ ﺛﻮﺑﻪ، ﻓﻼ ﻳﺼﺢ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻧﻮﻋﻪ وﻳﺮﺣﻢ اﷲ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺣﻴﺚ ﻗﺎل :
ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺄرﺑﺎب اﻟﺼﺪور ﻓﻤﻦ ﻏﺪا ... ﻣﻀﺎﻓﺎ ﻷرﺑﺎب اﻟﺼﺪور ﺗﺼﺪرا
وإﻳﺎك أن ﺗﺮﺿﻰ ﺑﺼﺤﺒﺔ ﺳﺎﻗﻂ ... ﻓﺘﺤﻂ ﻗﺪرا ﻣﻦ ﻋﻼك وﺗﺤﻘﺮا
وﻗﺎل ﻏﻴﺮﻩ :
ﻻ ﺗﺼﺤﺐ أﺧﺎ اﻟﺠﻬﻞ ﻓﺈﻳﺎك وإﻳﺎﻩ ... ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﺟﺎﻫﻞ أردى ﺣﻠﻴﻤﺎ ﺣﻴﻦ واﻓﺎﻩ
ﻗﻴﺎس اﻟﻨﻌﻞ ﺑﺎﻟﻨﻌﻞ إذا ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﺎذاﻩ ... ﻳﻘﺎس اﻟﻤﺮء ﺑﺎﻟﻤﺮء إذا ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺎﺷﺎﻩ
وﻟﻠﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺸﻲء ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ وأﺷﺒﺎﻩ ... وﻟﻠﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﺐ دﻟﻴﻞ ﺣﻴﻦ ﻳﻠﻘﺎﻩ
وﻗﺎل ﺳﻬﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ : أﺣﺬر ﺻﺤﺒﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ أﺻﻨﺎف اﻟﻨﺎس : اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة واﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ، واﻟﻘﺮاء اﻟﻤﺪاﻫﻨﻴﻦ،واﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ .
وﻗﺎل ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ اﻟﺮازي رﺣﻤﻪ اﷲ : ﻗﻠﺖ ﻟﺬي اﻟﻨﻮن اﻟﻤﺼﺮي رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : ﻣﻦ أﺻﺤﺐ؟ ﻓﻘﺎل : ﻣﻦ ﻻ ﺗﻜﺘﻤﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﻣﻨﻚ .
وﻗﺎل ﺣﻤﺪون اﻟﻘﺼﺎر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : اﺻﺤﺐ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ، ﻓﺈن ﻟﻠﻘﺒﻴﺢ ﻋﻨﺪﻫﻢ وﺟﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎذﻳﺮ، وﻟﻴﺲ ﻟﻠﺤﺴﻦ ﻋﻨﺪﻫﻢﻛﺒﻴﺮ ﻫَﻢْ، إﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﻌﺠﺐ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻨﺘﻒ ﻓﻲ ﺻﺤﺒﺘﻬﻢ.
وﻗﺎل اﻟﺠﻨﻴﺪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : إذا أراد اﷲ ﺑﺎﻟﻤﺮﻳﺪ ﺧﻴﺮا أوﻗﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ وﻣﻨﻌﻪ ﺻﺤﺒﺔ اﻟﻘﺮاء .
وﻗﺎل ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : ﺷﺮ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻣﻦ أﺣﻮﺟﻚ إﻟﻰ اﻟﻤﺪاراة، وأﻟﺠﺄك إﻟﻰ اﻻﻋﺘﺬار .
وﻗﺎل أﻳﻀﺎ : ﺷﺮ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻣﻦ ﺗﺘﻜﻠﻒ ﻟﻪ، وأﻧﺸﺪوا :
أﺣﺐ ﻣﻦ اﻹﺧﻮانﻛﻞ ﻣﻮات ... وﻓّﻲ ﻏﻀﻴﺾ اﻟﻄﺮف ﻋﻦ ﻋﺜﺮاﺗﻲ
ﻳﻮاﻓﻘﻨﻲ ﻓﻲﻛﻞ أﻣﺮ أﺣﺒﻪ ... وﻳﺤﻔﻈﻨﻲ ﺣﻴﺎ وﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻲ
ﻓﻤﻦ ﻟﻲ ﺑﻬﺬا : ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻗﺪ وﺟﺪﺗﻪ ... ﻓﻘﺎﺳﻤﺘﻪ ﻣﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻨﺎت
وأوﺣﻰ اﷲ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم : ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﻤﺮانﻛﻦ ﻳﻘﻈﺎﻧﺎ، وارﺗﺪ ﻟﻨﻔﺴﻚ إﺧﻮان وﻛﻞ أخ ﻻ ﻳﻮاﻓﻘﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮﺗﻲ ﻓﻬﻮ ﻟﻚ ﻋﺪو ﻳﻘﺴﻲ ﻗﻠﺒﻚ وﻳﺒﺎﻋﺪك ﻣﻨﻲ .
ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : واﻟﺤﺎﺻﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا أن ﺻﺤﺒﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎل اﻻﻧﺘﻔﺎع ﻟﻠﺼﺎﺣﺐ دون ﻣﻦ ﻋﺪاﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺴﻮﺑﻴﻦ ﻟﻠﺪﻳﻦ واﻟﻌﻠﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﺧﺼﻮا ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ ﻟﻢ ﻳﺴﺎﻫﻤﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ، وﺳﺮﻳﺎن ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﺼﺎﺣﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺤﻮب ﻫﻮ ﻏﺎﻳﺔ اﻷﻣﻞ واﻟﻤﻄﻠﻮب، ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ : ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻖ ﺑﺤﺎﻟﺔ ﻟﻢ ﻳﺨﻞ ﺣﺎﺿﺮوﻩ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻤﻦ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ دﻛﺎن اﻟﻌﻄﺎر ﻟﻢ ﻳﻔﻘﺪ اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ، ﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﺤﻀﻮر واﻟﻤﺠﺎﻟﺴﺔ، ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﺎﻟﺼﺤﺒﺔ واﻟﻤﺆاﻧﺴﺔ، ﺛﻢ ﻗﺎل : وﺑﺼﺤﺒﺔ ﻫﺆﻻء ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻠﻤﺮﻳﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺑﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن اﻟﻤﺠﺎﻫﺪات وأﻧﻮاع اﻟﻤﻜﺎﺑﺪات، ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻐﻮا ﺑﺬﻟﻚ إﻟﻰ أﻣﺮ ﻻ ﻳﺴﻌﻪ ﻋﻘﻞ ﻋﺎﻗﻞ، وﻻ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻋﻠﻢ ﻧﺎﻗﻞ .
وﻟﺬا ﻗﺎل ﺳﻴﺪي أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﻤﺮﺳﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : ﻣﺎذا أﺻﻨﻊ ﺑﺎﻟﻜﻴﻤﻴﺎء، واﷲ ﻟﻘﺪ ﺻﺤﺒﺖ أﻗﻮاﻣﺎ ﻳﻌﺒﺮ أﺣﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﻓﺘﺜﻤﺮ رﻣﺎﻧﺎ ﻟﻠﻮﻗﺖ، ﻓﻤﻦ ﺻﺤﺐ ﻫﺆﻻء اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻊ ﺑﺎﻟﻜﻴﻤﻴﺎء .
وﻗﺎل أﻳﻀﺎ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : واﷲ ﻣﺎ ﺳﺎر اﻷوﻟﻴﺎء ﻣﻦ ﻗﺎف إﻟﻰ ﻗﺎف إﻻ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﻘﻮا واﺣﺪا ﻣﺜﻠﻨﺎ، ﻓﺈذا ﻟﻘﻮﻩﻛﺎن ﺑﻐﻴﺘﻬﻢ .
وﻗﺎل أﻳﻀﺎ : اﻟﻮﻟﻲ إذا أراد أﻏﻨﻰ .
وﻗﺎل أﻳﻀﺎ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : واﷲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻦ اﻟﺮﺟﻞ إﻻ أن أﻧﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻧﻈﺮة وﻗﺪ أﻏﻨﻴﺘﻪ .
وﻗﺎل ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺨﻪ ﺳﻴﺪي أﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻫﻮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻜﺎﻣﻞ، واﷲ إﻧﻪ ﻟﻴﺄﺗﻴﻪ اﻟﺒﺪوي ﻳﺒﻮل ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻗﻴﻪ، ﻓﻼ ﻳﻤﺴﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺴﺎء إﻻ وﻗﺪ وﺻﻠﻪ إﻟﻰ اﷲ، ﺛﻢ أﺷﺎر ﻟﺤﺪﻳﺚ ورد ﻓﻲ اﻟﺠﻠﻴﺲ ﻓﻘﺎل :
أفضل للمرء جلوس وحده ..... ولا يكن جليس سوء عنده
ﻗﻠﺖ : أﺷﺎر إﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم: (اﻟﺠﻠﻴﺲ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة، واﻟﻮﺣﺪة ﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻴﺲ
اﻟﺴﻮء، واﻟﺠﻠﻴﺲ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻄﺎر : إن ﻟﻢ ﺗﻨﻞ ﻣﻦ ﻃﻴﺒﻪ أﺻﺒﺖ ﻣﻦ رﻳﺤﻪ، واﻟﺠﻠﻴﺲ اﻟﺴﻮء ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺪاد إن ﻟﻢ ﺗﺼﺐ ﻣﻦ ﺷﺮرﻩ أﺻﺎﺑﻚ ﻣﻦ ﻧﺘﻨﻪ ) ، وﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ ﻗﻴﻞ:
إذاﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻗﻮم ﻓﺼﺎﺣﺐ ﺧﻴﺎرﻫﻢ ... وﻻ ﺗﺼﺤﺐ اﻷردى ﻓﺘﺮدى ﻣﻊ اﻟﺮدى
ﻋﻦ اﻟﻤﺮء ﻻ ﺗﺴﺄل وﺳﻞ ﻋﻦ ﻗﺮﻳﻨﻪ ... ﻓﻜﻞ ﻗﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرن ﻳﻘﺘﺪي
وﻗﺎل ﺷﻴﺦ ﺷﻴﻮﺧﻨﺎ ﺳﻴﺪي ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻊ اﻟﻌﺎرﻓﻴﻦ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻟﺔ، واﻟﻌﺰﻟﺔ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻊ اﻟﻌﻮام، وﻻ ﺷﻲء أﺿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻊ اﻟﻤﺘﻔﻘﺮة اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ.
وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ زروق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : اﻟﺠﻠﻴﺲ اﻟﺴﻮء ﻫﻮ اﻟﺬي ﺟﻤﻊ ﺛﻼث ﺧﺼﺎل:
اﻷوﻟﻰ : اﻟﺮﺿﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺮى ﻟﻪ ﺣﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس، وﻳﺮى اﻟﻨﺎسﻛﻠﻬﻢ دوﻧﻪ، وﻫﺬﻩ ﺻﻔﺔ اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة اﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ.
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ : اﻻﺳﺘﺮﺳﺎل ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺒﺔ، وﺗﺰﻛﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ وﺗﻌﻈﻴﻢ ذﻧﺐ اﻟﻐﻴﺮ، واﺣﺘﻘﺎر ذﻧﺐ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻼ ﻳﻘﻴﻞ ﻋﺜﺮة، وﻻ ﻳﻐﻔﺮ زﻟﺔ، وﻫﺬﻩ ﺻﻔﺔ اﻟﻘﺮاء اﻟﻤﺪاﻫﻨﻴﻦ.
اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ : وﺟﻮد اﻟﺪﻋﺎوي، واﻟﻄﻤﻊ، وﺣﺐ اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ، واﻟﺒﺪع، وﻫﺬﻩ ﺻﻔﺔ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ.
وﻗﻴﻞ : اﻹﺧﻮان ﺛﻼﺛﺔ:
أخ ﻵﺧﺮﺗﻚ، ﻓﻼ ﺗﺮاع ﻓﻴﻪ إﻻ اﻹﻳﻤﺎن.
وأخ ﻟﺪﻧﻴﺎك، ﻓﻼ ﺗﺮاع ﻓﻴﻪ إﻻ ﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ.
وأخ ﻟﻠﻨﺎس، ﻓﻼ ﺗﺮاع ﻓﻴﻪ إﻻ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﺷﺮﻩ.
وﻫﻮﻛﻼم ﺟﺎﻣﻊ ﻣﻔﻴﺪ . اﻧﺘﻬﻰ، وﺑﺎﷲ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ.
ﺛﻢ أﺷﺎر إﻟﻰ اﻻﺟﺘﻤﺎع وﻧﺘﻴﺠﺘﻪ ﻓﻘﺎل:
قد يرتجي الشفاء للسقيم ..... مهما يكن ملازم الحكيم
ﻗﻠﺖ : ﻻ أﻋﻈﻢ ﺷﻔﺎء ﻷﻣﺮاض اﻟﻘﻠﻮب وﻋﻠﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﺤﺒﺔ اﻟﻌﺎرﻓﻴﻦ، واﻟﺪﺧﻮل ﺗﺤﺖ ﺟﻨﺎح ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻢ، وﻣﻼزﻣﺔ ﺣﻀﺎﻧﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﺼﺪق واﻟﻤﺤﺒﺔ، واﷲ ﻣﺎ أﻓﻠﺢ ﻣﻦ أﻓﻠﺢ إﻻ ﺑﺤﺼﺒﺔ ﻣﻦ أﻓﻠﺢ، وﻛﺎن ﺷﻴﺨﻨﺎ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﻘﻮل : ﻣﻦ ﻳﺼﺤﺐ اﻟﻔﺤﻮل ﻳﺒﻖ ﻓﻲ اﻟﻮﻫﻢ ﻣﻮﺣﻮل، وإﻧﻤﺎ اﺷﺘﺮﻃﺖ اﻟﻤﻼزﻣﺔ ودوام اﻟﺼﺤﺒﺔ، ﻷن ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻌﺮف ﺻﺪﻗﻪ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ دواﺋﻪ وﻳﻈﻬﺮ ﺣﺎﻟﻪ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﺸﻔﺎ ﻣﻦ داﺋﻪ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وﺟﻪ اﻟﻌﻠﺔ وﺳﺒﺒﻬﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺮف ﻏﺎﻟﺒﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﻤﻼزﻣﺔ، وأﻳﻀﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻘﻊ اﻟﻌﻄﻒ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻴﻨﻬﻀﻪ ﺑﻬﻤﺘﻪ ودﻋﺎﺋﻪ .
وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮ ﻣﺪﻳﻦ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ:
وراﻗﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ أﺣﻮاﻟﻪ ﻓﻌﺴﻰ ... ﻳﺮى ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ اﺳﺘﺤﺴﺎﻧﻪ أﺛﺮا
ﻓﻔﻲ رﺿﺎﻩ رﺿﻲ اﻟﺒﺎري وﻃﺎﻋﺘﻪ ... ﻳﺮﺿﻲ ﻋﻠﻴﻚ، ﻓﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺣﺬرا
ﻫﻜﺬا ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺦ، وﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺗﺮك ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ، واﻟﻤﺮاد ﺑﺎﻟﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲﻛﻼم اﻟﻨﺎﻇﻢ : ﺷﻴﺦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻷﻧﻪ ﻃﺒﻴﺐ ﺣﻜﻴﻢﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم، ﺛﻢ رد ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﻧﻜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻘﺎل:
ومن ينازع فاطرح نزاعه ..... فالدين مبني على الجماعة
ﻗﻠﺖ : ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﺎزع اﻟﻔﻘﺮاء وأﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ ﻓﻼ ﺗﺴﻤﻊ ﻟﻘﻮﻟﻪ، ﺑﻞ اﻧﺒﺬﻩ وراء ﻇﻬﺮك، ﻓﺎﻟﺪﻳﻦ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ: (اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ رﺣﻤﺔ واﻟﻔﺮﻗﺔ ﻋﺬاب) .
وﻗﺎل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم:
وروى أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ : ﻗﺎل : ﻗﺎل : رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ: ﻛﻞ ﻣﺒﺘﺬل ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﻣﺎ ﻟﺒﺲ وﻫﻮﻛﻼم ﺗﺎم، أيﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺤﺐ اﻟﺨﻤﻮل ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﻣﺎ ﻟﺒﺲ.
وﻛﺎن ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﻘﻄﻊ ﻣﻦ ﻛﻤﻴﻪ ﻣﺎ ﺟﺎوز اﻷﺻﺎﺑﻊ.
وﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ : اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﺼﺎدق، أي ﺷﻲء ﻟﺒﺲ ﻳﺤﺴﻦ ﻋﻠﻴﻪ، وﻳﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻼﺣﺔ واﻟﻤﻬﺎﺑﺔ،واﻟﺜﻮب اﻟﺨﻠﻖ (أي اﻟﺒﺎﻟﻲ ) أﺣﺐ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻷﻧﻪ أﻛﺜﺮ ﺑﺮﻛﺔ، وﻳﺠﺘﻬﺪون ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ واﻟﻈﺮاﻓﺔ.
ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ: (اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ) ورأى ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻓﻮد ﺛﻮﺑﺎ وﺳﺨﺎ، ﻓﻘﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ: (أﻣﺎﻛﺎن ﻳﺠﺪ ﻫﺬا ﻣﺎء ﻳﻐﺴﻞ ﺑﻪ ﺛﻮﺑﻪ ) وﻗﺎل: (ﻫﺐ أن اﻟﻔﻘﺮ ﻣﻦ اﷲ، ﻓﻤﺎ ﺑﺎل اﻟﻮﺳﺦ )
وﻗﺎل: (إن اﷲ ﻳﺒﻐﺾ اﻟﻮﺳﺦ ) وﻳﻜﺮﻫﻮن ﻟﺒﺲ اﻟﺸﻬﺮة ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎب، وﻳﺘﺒﺮﻛﻮن ﺑﺜﻴﺎب اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ، وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻳﺘﺒﺮﻛﻮن ﺑﺜﻴﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ، وﺑﺸﻌﺮﻩ ورﻳﻘﻪ، وﻋﺮﻓﻪ، وﻓﻀﻞ وﺿﻮﺋﻪ، ﻓﻔﻴﻪ ﺟﻮاز اﻟﺘﺒﺮك ﺑﺂﺛﺎر اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ.
ﺛﻢ ذﻛﺮ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻌﺾ أﺣﻜﺎم اﻟﻠﺒﺎس، ﻓﻘﺎل:
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (3) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (2) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الأول في أصل التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (2) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الأول في أصل التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله