المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
اتقوا الله ويعلمكم الله :: قسم علوم و كتب التصوف :: من كتب الصوفية :: الفتوحات الإلهية فى شرح المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
صفحة 1 من اصل 1
28122023
الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفتوحات الإلهية فى شرح المباحث الأصلية للشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته
شرف علم التصوف وفضيلته
اعلم أن شرف الشيء وفضيلته, إما أن تثبت بالعقل أو بالنقل أو بظهور ثمرته في الخارج, وقد اجتمعت هذه الأمور في علم التصوف على الكمال:
أما ثبوت شرفه بالعقل, فلا شك أن الشيء يشرف بشرف موضوعه وواضعه, وقد تقدم: أن موضوع هذا العلم, الذات العلية, وهي أشرف وأفضل على الإطلاق, وواضعه الرسول عليه الصلاة والسلام, وهو أفضل الخلق بالإجماع, وأيضا العقل السليم: يستحسن الكمالات, ولا شك أن التصوف ما وضع إلا لتحقق الكمالات: علما؛ وعملا, وحالا, فهو موضوع لتكميل العقائد وتطهير النفوس وتحسين الأخلاق.
وأما ثبوت شرفه بالنقل, فلا شك أن الكتاب والسنة وإجماع الأمة وردت بمدح جزئياته ومسائله, كالتوبة, والتقوى, والاستقامة, والصدق, والإخلاص, والطمأنينة, والزهد, والورع, والتوكل, والرضا, والتسليم, والمحبة, والمراقبة, والمشاهدة, وغير ذلك من مسائله.
وقال الجنيد رضي الله عنه: لو نعلم أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا لسعيت إليه ما تبلغ إليه المطي, وفي رواية "ولو حبوا".
وقال الشيخ الصقلي رضي الله عنه في كتابه المسمى "بأنوار القلوب في العلم الموهوب": كل من صدق بهذا العلم فهو من الخاصة, وكل من فهمه, فهو من خاصة الخاصة, وكل من عبر عنه وتكلم فيه فهو النجم الذي لا يدرك والبحر الذي لا يرتقي.
وما من علم إلا وقد يستغني عنه في وقت ما, إلا علم التصوف, فلا يستغني عنه أحد في وقت من الأوقات.
وأما شرفه باعتبار ظهور ثمراته, فهو الذي تكلم عليه الناظم في هذا الفصل, وحصره في ستة أمور:
الأول: ما ظهر على أهله من شدة الاقتداء وقوة الاتباع.
الثاني: ما ظهر عليهم من وفاق مذهبهم, وحسم الخلاف والنزاع بينهم.
الثالث: ما ظهر عليهم من الكرامات الحسية والمعنوية.
الرابع: ما ظهر عليهم من تطهير جوارحهم من الذنوب, ونفوسهم من العيوب في الغالب.
الخامس: ما ظهر عليهم من تحقيق عقائد الإيمان, وترقيهم فيها إلى مقام الإحسان, مع صحة اليقين والثقة برب العالمين.
السادس: ما كوشفوا به من العالم الروحاني, وما ترقوا إليه من عالم الملكوت, وحضرة الجبروت,
وهذا مضمن هذا الفصل, فأشار إلى الأول بقوله:
حجة من يرجح الصوفية على غيرهم
حجة من يرجح الصوفية ..... على سواهم حجة قوية
قلت: وإنما كانت حجة من يرجح الصوفية على غيرهم حجة قوية, لأنهم أحرزوا الكمالات: عقلا وعملا, وحالا, أما اعتقادهم فترقوا فيه إلى الشهود والعيان, وأما عملهم فهم يأخذون بالأحسن والأحوط, فهم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وأما حالهم فهي: ربانية ذوقية, فهم على بينة من ربهم.
ثم ذكر ترجيحهم وشرفهم باعتبار ما ظهر عليهم من ثمرات علمهم, وهي ستة كما تقدم فأشار إلى الأول, وهي شدة الاقتداء والمتابعة فقال:
هم اتبع الناس لخير الناس ..... من سائر الأنام والأناس
قلت: الأنام, والأناس, شيء واحد, وهم الناس؛ سموا الأنام, لغلبة النوم لهم؛ وسموا الناس؛ لأنس بعضهم ببعض.
يقول رضي الله عنه: "هم أي الصوفية أتبع الناس" وأكثرهم اقتداء بسيد الناس صلى الله عليه وسلم فدل على أنهم أحب الخلق إلى الله.
قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه؛ وماله, وولده, والناس أجمعين" وعلامة المحبة الاتباع.
وقال بعضهم: التصوف ذكر مع اجتماع, ووجد مع استماع؛ وعمل مع اتباع.
ثم ذكر وجه كونهم أشد الناس اتباعا, فقال:
تبعه العالم في الأقوال ..... والعابد الناسك في الأفعال
وفيهما الصوفي في السباق ..... لكنه قد زاد بالأخلاق
قلت: الناس ثلاثة: عالم, وعابد, وعارف صوفي, وكلهم قد اخذوا حظا من الوراثة النبوية, فالعالم ورث أقواله عليه الصلاة والسلام تعلما وتعليما, بشرط إخلاصه, وإلا خرج من الوراثة بالكلية, إذ الأعمال بلا إخلاص, أشباح بلا أرواح؛ ومن ورث من أبيه جارية ميتة, فليس بوارث, والعابد ورث أفعاله عليه الصلاة والسلام, من: صيام وقيام, ومجاهدة ظاهرة, فقد قام عليه الصلاة والسلام حتى تورمت قدماه, وكان يصوم كثيرا ويفطر كذلك, والصوفي العارف ورث الجميع, فأخذ في بدايته ما يحتاج إليه من العلم, وقد يتبحر فيه, ثم ينتقل إلى العمل على أكمل حال, ثم زاد عليهما بوراثة الأخلاق التي كان عليها باطنه صلى الله عليه وسلم من: زهد وورع, وخوف, ورجاء, وصبر, وحلم, وكرم, وشجاعة, وقناعة, وتواضع, وتوكل, ومحبة, ومعرفة, وغير ذلك مما يطول ذكره, ولذلك قال سهل رضي الله عنه: الصوفي من صفا من الكدر, وامتلأ من الفكر, وانقطع إلى الله دون البشر, واستوى عنده المال والمدر.
وقد خص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بخصائص لم يشاركه أحد فيها, فكان له القوة في الجهتين, فمن نظر في عبادته وجده لا يطاق, ومن نظر في أخلاقه الباطنة وجده لا يدرك, ومن نظر في معرفته وجده لا يلحق ولا يقرب أحد حول حماه, فكان عليه الصلاة والسلام على مقام: لا يدرك, ولا يلحق, ولا يعرف.
وانظر قول الشيخ القطب ابن مشيش رضي الله عنه: "وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق, وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق" ولن ينال أحد من العلماء والعباد والصوفية من علمه عليه الصلاة والسلام أو عمله أو خلقه إلا رشفة أو رشة, ولله در البوصيري في بردة المديح, حيث يقول:
وكلهم من رسول الله ملتمس ..... غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم ..... من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
ثم ذكر الأمر الثاني, وهو اتفاق مذهبهم, واتحاد غاية طريقهم.
والأمر الثالث وهو ما ظهر عليهم من الكرامات فقال:
ثم بشيئين تقوم الحجة ..... وأنهم قطعا على المحجة
مذاهب الناس على اختلاف ..... ومذهب القوم على ائتلاف
وما أتوا فيه بخرق العادة ..... إذ لم تكن لمن سواهم عادة
قلت: الحجة هي الدليل والبرهان, والمحجة هي الطريق المستقيم, والائتلاف هو الاتفاق.
يقول رضي الله عنه: ثم تقوم الحجة الدالة على أنهم على المحجة والطريق المستقيم بشيئين: أحدهما أن مذاهب الناس على اختلاف كثير, فقد كانت مذاهب الفقهاء في الفروع اثني عشر مذهبا, ثم تقررت في أربعة.
كانت مذاهب القراء خمسة وعشرين رواية, ثم تقررت في عشرة, وكانت مذاهب النحاة على مذهبين, بصري, وكوفي, بخلاف مذهب الصوفية, فهي متفقة في المقصد والعمل وإن اختلفت المسالك, فهي راجعة إلى صدق التوجه إلى الله تعالى من حيث يرضى بما يرضي وعبارة كل واحد على قدر ما نال منه, إذ كل عبارة فيه إنما هي مخبرة عن صدق توجه صاحبها؛ وكل من له نصيب من صدق التوجه: له نصيب من التصوف, إذا كان توجهه يرضاه الحق, ومن حيث يرضاه, وإلا فهو زنديق, واسم التصوف عليه لا حقيقة له, فلذلك قيل: "من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق, ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق, ومن جمع بينهما فقد تحقق" وإنما تزندق الأول لرفضه الحكمة والأحكام, وتفسق الثاني لخلوه من صدق التوجه فيما هو فيه, وتحقق الثالث لقيامه بكل في محله, فمرجع كلام الصوفية في كل باب لأحوالهم, وتفسق الثاني لخلوه من صدق التوجه فيما هو فيه, وتحقق الثالث لقيامه, بكل في محله, فمرجع كلام الصوفية في كل باب لأحوالهم, وإلا فلا تنافي بين أقوالهم لمن تأملها, وذلك خلاف مذهب غيرهم, والوجه فيه أن الحق واحد وطريقه واحدة, وان اختلفت مسالكها, فالنهاية واحدة, والذوق واحد, وفي معنى ذلك قال قائلهم:
الطرق شتى طريق الحق مفردة ..... والسالكون طريق الحق أفراد
لا يعرفون ولا تسلك مقاصدهم ..... فهم على مهل يمشون قصاد
والناس في غفلة عما يراد بهم ..... فجلهم عن طريق الحق حياد
فان قلت: قد ورد مدح الاختلاف وذم الائتلاف فقد ورد في بعض الآثار "اختلاف أمتي رحمة" وقال بعضهم:ما دامت الصوفية بخير ما تنافروا, فإذا اتفقوا فلا خير فيهم.
قلت: أما مدح الاختلاف فهو محمول على الاختلاف في الفروع, كاختلاف الأئمة في المذاهب, فان في ذلك توسعة على الأمة, إذ كل من تمسك بمذهب فهو ناج, ما لم يتبع الرخص, وكذلك اختلاف الروايات في القراءة, فهي توسعة أيضا على القارئ, بخلاف الاختلاف في الأصول, فهو مذموم, كاختلاف القدرية والجبرية والحشوية وغير ذلك من الاختلاف في التوحيد, ومذهب الصوفية هو الاتفاق في الأصول والفروع.
أما الأصول فنهايتهم الشهود والعيان, وهم متفقون فيه, لأنه أمر ذوقي لا يختلف.
وأما الفروع فهم يأخذون بالأحوط, والأكابر منهم يخرجون عن التقليد, ويتمسكون بالكتاب والسنة في نفسه, وان كان جلهم قلدوا في الفروع, فكان الجنيد على مذهب أبي ثور, والشبلي: مالكيا والجيلاني, حنبليا, إلى غير ذلك.
وأما قول من قال: "ما دامت الصوفية بخير ما اختلفوا" فمراده اختلاف تنبيه وإرشاد فكل واحد يرشد صاحبه وينبهه إذا رأي فيه نقصا وعيبا, فإذا اتفقوا وسكتوا على عيوبهم فلا خير فيهم, وقد يحمل ذلك على حال مذاكراتهم في العلوم, فقد قالوا فيهم: "ألسنتهم حادة, وقلوبهم سالمة" ولا شك أن حال المذاكرة لا ينبغي فيها التسليم في كل شيء, إذ لا تخرج العلوم إلا بالحك والبحث والتفتيش.
قال بعضهم, نحن في حال المذاكرة بحال من قال: "حك لي نربل لك" لا بحال من قال: "سفج لي: نعسل لك" هكذا سمعتها من شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه, وكان يقول لي: لا تسلم لنا في حال المذاكرة, وكان أيضا يقول: المستحي, والمتكبر والخواف, لا يأخذ من طريقتنا شيئا, والله تعالى أ علم.
وأما الأمر الثاني الذي تقوم به الحجة فهو: خرق العادة التي ظهرت على أيديهم, وتسمى: الكرامة, وقد تقدم تنويعها إلى حسية ومعنوية, وأن المعتبر هي الكرامة المعنوية, وهي الاستقامة, وأما الكرامة الحسية فإن صحبتها الاستقامة فهي كرامة شاهدة على صدق صاحبها مع الله وإن لم تصحبها استقامة, فهي: استدراج ومكر.
قال بعضهم: خرقي العادة كرامة للمبتدع, والمبتدع هو المغروق في الدنيا وأشغالها إلى عنقه, ولو كثرت صلاته وصيامه.
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان: كرامة الإيمان بمزيد الإيقان وشهود العيان, وكرامة العمل على السنة والمتابعة وترك الدعاوى والمخادعة, فمن أعطيهما ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو مفتر كذاب, أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب, كمن أكرم بشهود الملك على الرضا, ثم جعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع المرضى.
وكرامة الأولياء قد بلغت مبلغ التواتر, فلا تحتاج إلى دليل, والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى الأمر الرابع, وهو تطهير جوارحهم من الذنوب, وقلوبهم من العيوب فقال:
قد رفضوا الآثام والعيوب ..... وطهروا الأبدان والقلوب
قلت: لا شك أن الصوفية رضي الله عنهم قد رفضوا الذنوب, أي نبذوها وراء ظهورهم ورفضوا العيوب, أي: طهروا قلوبهم منها, وسبب تطهيرهم من الذنوب والعيوب تطهيرهم من أصلها ورأسها.
أما أصلها, فالخلطة مع الغافلين الجاهلين, فمن خالط العوام وظن أنه ينجو من الآثام فقد رام المحال, كمن خلط الحطب مع النار, وظن أنه ينجو من الاحتراق.
وأما رأسهما فحب الدنيا الساكن في القلوب.
ففي الحديث: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" رواه البيهقي في الشعب من مراسيل الحسن.
وقيل هو: من كلام مالك بن دينار.
وقيل: من كلام سيدنا عيسى عليه السلام.
وقيل: من كلام علي كرم الله وجهه.
وعده بعضهم في الموضوعات, ورده ابن حجر, فالله تعالى أعلم.
وعلى كل حال فهو كلام صحيح في المعنى مجرب مذوق فمن طهر قلبه من حب الدنيا ورياستها ومالها واعتزل عن الحسد فالغالب سلامة قلبه من العيوب, وطهارة جوارحه من الذنوب, وما تشعبت عيوب القلوب إلا منها, إذ عليها يقع الحسد والبغض والغل والخصام والفجور, وبها يقع الكبر, وحب الرياسة, والنفاق, والتصنع للخلق, وبها أيضا يقع: البخل, والشح, والجبن, وغير ذلك من العيوب, وكذلك الذنوب, كالكذب والأيمان الفاجرة, وسوء الخلق وغير ذلك, ويرحم الله الإمام الشافعي رضي الله عنه حيث قال:
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ..... وسيق إلى عذبها وعذابها
فلم أرها إلا غرورا وباطلا ..... كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة ..... عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجنبتها عشت سلما لأهلها ..... وإن تجتذبها ناهشتك كلابها
فطوبى لنفس أوطنت قعر بيتها ..... مغلقة الأبواب مرخي حجابها
وقوله: "وطهروا الأبدان والقلوب" تفسير لما قبله على طريق اللفظ, والمعنى وطهروا الأبدان من الآثام والذنوب, وطهروا القلوب من المساوئ, والعيوب, فلما حصل لهم هذا التطهير المجيد لاح لهم قمر التوحيد. فأسلموا الأمر إلى مولاهم ورجعوا إلى من قد تولاهم عملا بقوله: "ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى والى الله عاقبة الأمور". فلما تحققوا بذلك وقفوا في رياض الإحسان, وأشرقت عليهم شموس العرفان, وأضاءت لهم أنوار المواجهة والعيان.
هذه المنازل الثلاث هي التي ينزلها المريد ويرتحل عنها.
منزل الإسلام, وهو محل تطهير الجوارح الظاهرة من الذنوب وتحليتها بطاعة علام الغيوب.
ومنزل الإيمان, وهو محل تطهير القلوب من المساوئ والعيوب, وتحليتها بمقامات اليقين, لتتهيأ لحمل معرفة رب العالمين.
ومنزل الإحسان, وهو محل الشهود والعيان.
قال بعض العارفين رضي الله عنه: من بلغ إلى حقيقة الإسلام لم يقدر أن يفتر عن العمل, ومن بلغ إلى حقيقة الإيمان لم يقدر أن يلتفت إلى العمل, ومن بلغ إلى حقيقة الإحسان لم يقدر أن يلتفت إلى أحد سوى الله تعالى, وإلى هذه المراتب أشار بقوله:
وبلغوا حقيقة الإيمان ..... وانتهجوا مناهج الإحسان
قلت: وهذا هو الأمر الخامس الذي ظهر به شرف أهل التصوف وفضيلتهم, وأنهم بلغوا إلى حقيقة الإيمان وصريحه, بتحقيق دعائمه وأركانه, التي من جملتها الإيمان بالقدر: خيره وشره, حلوه ومره, فقد استوى عندهم وقت الخير ووقت الشر, ووقت الحلو مع وقت المر, قد استوى عندهم الذل والعز؛ والذم والمدح, والمنع والعطاء؛ والقبض والبسط وغير ذلك من اختلاف الآثار وتنقلات الأطوار, وذلك لأجل ما حصل لهم من مقام الرضا والتسليم, وكمال المعرفة وخلوص اليقين.
وقوله: "وانتهجوا مناهج الإحسان" أي سلكوا طريق الإحسان الموصلة إلى الشهود والعيان, ولذلك افتقروا إلى دليل يكون عارفا بالمنازل والمناهل, قد سلك الطريق وعرفها حتى يوصلهم إلى مطلوبهم, ويقول لهم ها أنتم وربكم, وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
ثم أشار إلى الأمر السادس, وهو ترقيهم من عالم الملك إلى عالم الملكوت, أو تقول من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح, فقال:
وعلموا مراتب الوجود ..... كالأم والوالد والمولود
واستشعروا شيئا سوى الأبدان ..... يدعونه بالعالم الروحاني
قلت مراتب الوجود هي: العوالم الثلاثة: الملك, والملكوت, والجبروت, وذلك أن الوجود له ثلاثة اعتبارات.
وجود أصلي أزلي وهو الذي لم يدخل عالم التكوين, ويسمى عالم الأمر, وعالم الغيب, وهو المسمى بعالم الجبروت.
ووجود فرعي, وهو النور المتدفق من بحر الجبروت "وهو كل ما دخل عالم التكوين: لطيفا كان أو كثيفا, ويسمى عالم الشهادة وعالم الخلق, وهو المسمى: بعالم الملكوت لمن غرق فيه وجمعه بأصله".
ووجود وهمي, وهو محل ظهور التصرفات الإلهية, ومقتضى الأسماء الجلالية والجمالية ويسمى عالم الحكمة؛ وهو عالم الملك.
وقال بعضهم: العوالم أربعة: عالم الشهادة, وعالم الغيب, وعالم الملكوت, وعالم الجبروت.
فالأول كالكثائف المحسوسة, والثاني كاللطائف الغيبية, كالجن والملائكة والأرواح, وهذا كله داخل في عالم الملك, والثالث وهو عالم الملكوت, هو جمع لهذه الأشياء, وضمها إلى أصلها, وتحقيق الشهود فيها, والرابع الذي هو الجبروت, هو العظمة الأصلية اللطيفة الأزلية قبل ظهورها, وفي هذه المراتب يقع الترقي للسائرين, فيترقون من عالم الملك الذي هو وهمي ظلماني حسي, إلى عالم الملكوت الذي هو نوراني ملكوتي, ثم يترقون إلى عالم الجبروت الذي هو أصل أزلي, فإذا ضموا الأصول إلى الفروع صار الجميع جبروتا, وهذا هو العالم الروحاني الذي أشار إليه بقوله: "واستشعروا شيئا سوى الأبدان".
وقوله: "كالأم" الخ يعني أنهم عرفوا مراتب الوجود الثلاث, وفرقوا بين: الملك والملكوت, والجبروت, تفريقا ضروريا كما يفرق الرجل بين ولده, وأمه وأبيه, ويحتمل أن يكون التشبيه من حيث الإيجاد والظهور, فإن عالم الجبروت سبب في ظهور عالم الملكوت "فهو أشبه شيء بالوالد, وعالم الملكوت هو محل استقرار الصفات, كالقدرة والإرادة, والعلم, والحياة, التي هي سبب في إظهار آثارها لعالم الملك, فهو أشبه بالأم في تربية الولد قبل الظهور وبعده, وعالم الملك هو محل ظهور التصرفات الإلهية وآثار القدرة الأزلية, فهو أشبه شيء بالولد لظهوره بينهما, وربما يلوح حديث الخلق عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله رواه أبو يعلى, والبزار, عن أنس ولفظه: "الخلق كلهم عيال الله, وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" والله تعالى أعلم بالصواب.
وقوله: "واستشعروا شيئا سوى الأبدان" الخ.
أعلم أن عالم الأشباح هو عالم الملك, وعالم الأرواح هو عالم الملكوت, ومحلهما واحد, إذ ليس لنا إلا وجود واحد, لكن النظرة تختلف باختلاف الترقي في المعرفة, فما ذام العبد مسجونا بمحيطات حسه, محصورا في هيكل نفسه, فهو مقيم في عالم الأشباح, محصور في عالم الملك, لم تفتح له ميادين الغيوب, لم يفرق بين روحانية وبشرية, ولا بين حسه ومعناه فإذا فتح الله بصيرته وغاب عن حسه ونفسه, وفلسه وجنسه, رأى نور الملكوت قد فاض من بحر الجبروت, فحجب شهود ذلك النور عن ظلمة الحس, وعن رؤية الكون, بشهود المكون, فالكون أصله كله نور, وإنما حجبه ظهور الحكمة فيه, فمن رأى الكون ولم يشهد النور فيه أو قبله أو معه, فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار, فإذا ضم النور إلى أصله صار الجميع نورا واحدا, وهو نور الجبروت, أو سر اللاهوت, فقد علمت أن الملك, والملكوت, والجبروت, محلها واحد, وكذلك عالم الأشباح وعالم الأرواح, محلهما واحد, فأهل الحجاب لا يرون إلى عالم الأشباح, وأهل العرفان, وهم أهل مقام الإحسان لا يرون إلا عالم الأرواح, مع أن المحل واحد لكن لما رق حجابهم, وتلطفت بشريتهم, استشعروا شيئا زائدا على عالم الأشباح, وهو عالم الأرواح, ويسمى عالم المعاني والعالم الروحاني, وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عند قوله:
لم يتصل بالعالم الروحاني ..... من عمره على الفضول عانى
وعند قوله:
مهما تعديت عن الأجسام ..... أبصرت نور الحق ذا ابتسام
والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى أن هذه المعاني لا تدرك بالعقول, وإنما هي أذواق يلغز إليها بإشارات المقول, فقال:
ثم أمام العالم المعقول ..... معارف تلغز في المنقول
قلت: اعلم إن النفس, والعقل, والروح, والسر, كل واحد منها له حد ينتهي إليه في العلم والإدراك, على ما يأتي بيانه إن شاء الله عند قوله:
يا جاهلا أقصى الكمال وقفا ..... على عقول وهمها لا يخفى
فشهود أنوار الملكوت وأسرار الجبروت, وهي علوم المعارف, أمر خارج عن مدارك العقول, فهو أمام العالم المعقول, أي وراءه وقدامه: لا مطمع له في إدراكه, وقد تقدم قول ابن الفارض.
فثم وراء النقل علم يدق عن ..... مدارك غايات العقول السليمة
وقال أبو العباس رضي الله عنه:
لو عاينت عيناك يوم تزلزلت ..... أرض النفوس ودكت الأجبال
لرأيت شمس الحق يسطع نورها ..... يوم التزلزل, والرجال رجال
قال: والأرض: أرض النفوس والجبال: جبال العقل.
قال بعضهم في تفسير قوله تعالى: "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا" أي تجلى لجبل العقل دكا أي مضمحلا "وخر موسى صعقا". أي زال وجوده بوجود خالقه, والمتجلي فيه.
والحاصل: أن شموس العرفان لا تدرك بعقل ولا حدس ولا برهان, وإنما تدرك ببيع النفوس وبذل الأرواح, وبالخروج عما تعهده النفوس وتحيط به العقول, فإذا صح منك هذا الخروج, أدركت أنوار الملكوت متصلة ببحر الجبروت وصرت لا يحجبك عن الله أرض ولا سماء, ولا عرش ولا كرسي, ولا أفلاك ولا أملاك, وصرت أنت قطب الوجود تدوره بيدك كيف شئت, خليفة الله في أرضه, ونقطة دائرة كونه, والله ذو الفضل العظيم وإلى هذه المعارف أشار بقوله:
ثم أمام العالم المعقول ..... معارف تلغز في المنقول
وأشار بقوله: "تلغز" الخ إلى أن هذه المعاني ليست صريحة في كلام الله, وإنما هي من باب الإشارة واللغز, وكذلك قيل في قوله تعالى: "إذا زلزلت الأرض زلزالها" أي أرض النفوس, "وأخرجت الأرض أثقالها" أي ما فيها من العلوم والحكم والأسرار "وقال الإنسان ما" متعجبا من حال تلك النفس "مالها، يومئذ تحدث أخبارها" تظهر أسرارها ومواهبها, وهذه كلها إشارات والغاز, وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن" وقف بعضهم هنا وجعل "تراه" جوابا, أي فان تحقق زوالك, ولم تكن شيئا تراه, وهذه الأمور كلها إلغازات وإشارات لا يسلمها أهل الظاهر, وإنما يذوقها أهل الباطن, ويلغزون بينهم بها, وقد قالوا: علمنا كله إشارة, فإذا صار عبارة خفي, ثم أن هذه الأمور إنما هي كشوفات تشرق على الأرواح والأسرار, تكون لوائح ثم لوامع, ثم طوالع, ثم يتصل الشروق, ويدوم النور, حتى يقع الرسوخ والتمكين؛ وإلى ذلك أشار بقوله:
وعلموا أن لهم تمكينا ..... يرقى بهم مرقى المكاشفينا
قلت قد علموا أن دوام السير قطعا يؤدي إلى الوصول, وحال التلوين لا بد يوصل إلى التمكين, فإذا ترقوا إلى مقام التمكين فقد وصلوا إلى مقام لو كشف الغطاء ما ازدادوا يقينا بل قد انكشف الغطاء, لكن مراتب الكشف لا نهاية لها, "وقل رب زدني علما" ولما علموا بمقام التمكن, علموا أن لهم موانع تمنعهم من الوصول إليه. كما أشار إلى ذلك بقوله:
ثم رأوا أن دون ذاك مانع ..... كدفتر نيط عليه طابع
فالقوم حين علموا بذاكا ..... وميزوا القطاع والأشراكا
سلوا من العزم لهم قواضب ..... فأنبت كل قاطع وحاجب
فاحتزموا للطعن والنزال ..... وابتدروا ميادين القتال
قلت الدفتر: الكتاب, وأراد به هنا الحرز والتميمة, ونيط: أي لف, وغشى الطابع بفتح الباء كالقالب والكاغد والخاتم, والعالم والنابل والطابق, وألفاظ أخرى تبلغ خمسة وعشرين كلمة, كلها بفتح عين الكلمة, نظمها ابن مالك, والأشراك جمع شَرَكَ وهي الشبكة, والقواضب, جمع قاضب, وهو السيف الصارم, والنزال هو: شدة الحرب, وذلك أن العرب إذا اشتد بينهم الحرب نزلوا عن خيولهم ليقاتلوا بالسيوف, والميادين مجال الخيل استعير هنا لمجاهدة النفوس ومحاربتها.
يقول رضي الله عنه:
إن القوم لما شعروا بالحقيقة كامنة في نفوسهم, وكوشفوا بها, علموا أنهم إن تمكنوا من الوصول إليها والرسوخ فيها حصل لهم كشف الغطاء, وارتفعت الحجب عن قلوبهم, فكانوا على بينة من ربهم, ثم رأوا أن مقام التمكين دونه موانع وقواطع, تمنعهم من الوصول إلى ذلك المقام, وهذه الموانع هي التي غطت القلوب وغلفتها وحجبت الأرواح عن الكشف عن أصلها, فصار القلب والروح كحرز مكتوب: لف عليه غشاء وطبع عليه طابع, فلا يظهر ما في باطنه حتى يخرق ذلك الطابع والغشاء الذي غشي عليه, وهذا الطابع الذي جعله الله بحكمته وعدله حاجبا للقلوب عن أسرار الغيوب, هو عالم الطبيعة, وهي شهوات النفوس وعوائدها التي امتزجت معها, وعجنت بطينتها في أصل النشأة وهي التي ذكرها الله تعالى بقوله: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين" الآية فاشتغلت الروح بتدبير هذا البدن لجهلها, فصرفت همتها لمأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومنكحه, وما يتبع ذلك من الشواغل والشواغب, فعيقت عن أصلها, ومنعت من شهود أنوار ربها, إلا من أسعده الله بولايته, وسبقت له سابقة عنايته, فلما علم القوم بهذه القواطع التي قطعتهم عن الوصول إلى ربهم, وميزوا هذه القطاع والشباكات التي حبستهم في قيودها, وهي علائق الدنيا وعوائقها, سلوّا من هممهم العالية سيوفا, وعزموا على قطع تلك العلائق, ورفضوا تلك الشهوات, فلما علقوا هممهم بالله, وانقطعوا بكليتهم إليه "انقطعت تلك العلائق, وارتفعت تلك الحجب, فاحتزموا وشمروا للطعن في تلك العلائق, ونزلوا لمحاربة النفوس وردها إلى حضرة الملك القدوس, حتى ألقت السلاح, وأذعنت لطاعة الكريم الفتاح.
قال بعضهم: انتهى سير الطالبين إلى الظفر بنفوسهم, فإن ظفروا بها وصلوا, وهذه مسايرة كلام الناظم, وفيه تقديم وتأخيره, فإن قطع العلائق ورفع الحجب مؤخران عن محاربة النفوس, فقول الناظم: "فانبت كل قاطع وحاجب" مرتب على ما بعده من الطعن والنزال, وابتدار ميادين القتال, والأمر قريب.
ولو قال لكل قاطع وحاجب بلام التعليل كان أحسن, والله تعالى أعلم.
ثم بين بعض تلك القواطع، فقال:
واعلموا أن ليس شيء قاطع ..... كبدن كاس وبطن سابغ
قلت: يعني أنهم تحققوا أن أعظم القواطع هو الاشتغال بهم الظهر والبطن, فمن أراد الله تعالى أن يتركه محجوبا بنفسه يشغل قلبه بتزيين الملابس وتحسين المأكل, وهذا هو الذي حجب جل الناس, فمن قنع من اللباس بما يستر العورة من خشين اللباس, وقنع من الطعام بما يسد الجوع من مطلق الطعام, كان قلبه مجموعا مع الله إن توجه بهمته إلى الله, ومن كان همه ما يدخل بطنه, كان قيمته ما يخرج منها, وفي الحديث:
"من ترك ثوب جمال وهو قادر عليه ألبسه الله حلة الكرامة يوم القيامة" وقال أيضا صلى الله عليه وسلم:
"إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مسالكه بالجوع".
والمقصود من ذلك كله صرف الشواغل التي تحجب عن الله, سواء كانت من قبل اللباس أو الطعام أو غيرهما, ولذلك عم الناظم في البيت الذي بعد هذا, حيث قال:
ونظروا الحجاب في البواطن ..... فوجدوه في النفوس كامن
فعملوا على جهاد النفس ..... حتى أزالوا ما بها من لبس
قلت: هذا الحجاب الذي هو كامن في النفوس, هو حب الهوى, ومرجعه إلى حب السوى.
فمنه: ما يكون متعلقا بالظواهر, كحب المال وتزيين الملابس والمآكل والمراكب والمناكح.
ومنه ما يكون متعلقا بالبواطن, كحب الخصوصية, وطلب الكرامة, وحب المدح والثناء, وحب الرياسة والظهور, وما ينشأ عن ذلك من الحسد, والكبر, والغل, والغش, والغضب, والقلق, والحرص, والطمع, وغير ذلك من العيوب الباطنية, فكل من جاهد نفسه في التخلية من هذه المساوئ, والتحلية بأضدادها, من: التواضع, والخمول, وسلامة الصدر, وسخاوة النفس والحلم, والتأني, والصبر والرضا, والتسليم, وغير ذلك من الأخلاق الحميدة زال عن نفسه حجاب النفس والتخليط, واكتسى لباس الصفا والوفا, فكان من المقربين الذين يشربون من عين التسنيم المختوم, ويمزج لغيره من أهل اللبس والتخليط, فمن صفا صفى له ومن خلط كدر عليه, فمن شرب اليوم كأس محبة المولى صافيا من الهوى: شرب عين التسنيم صافيا, ومن مزج اليوم بمحبة الهوى, شرب مع العوام من السلسبيل, ولا حظوة له عند الملك الجليل.
قال أبو طالب المكي رضي الله عنه: واضر ما ابتلي به العبد في دينه, وأشد ما يحجبه ضعف يقينه, لما وعد بالغيب أو توعد عليه.
قال: وقوة اليقين أصل كل عمل صالح.
وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجاهدة النفوس وتصفيتها بقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم, والمهاجر من هجر من نهى الله عنه, والمجاهد من جاهد نفسه وهواه". وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" وفي معناه قيل:
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته.....يوم الزحام ونار الحرب تشتعل
لكن من غض طرفاً أو ثنى قدماً.....عن المحارم ذاك الفارس البطل
وفي الخبر ر""جئتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"" يعني جهاد النفس.
قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه,في شأن النفس: هي التي لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وفي الحكم:
""لو كنت لا تصل إليه إلا بعد محو مساويك وترك دعاويك, لا تصل إليه أبداً, ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه, ونعتك بنعته, فوصلك بما منه إليك لا بما منك إليه""
ثم أشار لاختلاف الفرق في المجاهدة, فقال:
اختلاف الصوفية في المجاهدة
والقوم في هذا على فريقين ..... وحكمهم فيه على ضربين
ففرقة طريقهم مبنية ..... على العقائد وحسن النية
قالوا: فالنفس كالمرآة ..... ينطبع الماضي بها والآت
وإنما يعوقها أشياء ..... ترك المحاذاة أو الصداء
قالوا: وإن العين قد تغور ..... وإنما يخرجها الحفير
قلت أشار إلى أن الناس في الوصول إلى الله تعالى على فرقتين:
الفرقة الأولى: نظروا إلى أصل الروح وما كانت عليه من الصفاء والجلاء, كالمرآة الصقيلة,ينطبع فيها كل ما يقابلها من الماضي والآتي.
ولكن لما اتصلت بهذا البدن انطبع فيها: صور الأكوان, وغبش الحس, فحجبت عن أصلها. فإنما عاقها عن أصلها أمران.
أحدهما: ترك المحاذاة "أي القرب والاتصال بالحضرة" باشتغالها بالغفلة.
يعني: أن الروح لما تركت القرب إلى الله, ولم تصرف وجهتها بالكلية إليه تدنست وحجبت عن أصلها.
فلو اشتغلت بذكر الله على الدوام, وفنيت عن غيره على التمام, لانصقلت مرآتها, وتجلت فيها حقائق الأشياء: ماضية وآتية.
وفي الحديث: "إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد, وإن الإيمان ليخلق "أي يبلى" كما يخلق الثوب الجديد".
وفي حديث آخر: "لكل شيء مصقلة, ومصقلة القلوب ذكر الله".
وهذا الذكر الذي يصقل القلوب, لا بد أن يكون ذكرا واحدا, بقلب واحد, وهم واحد, وإلا فلا يجدي شيئا.
الأمر الثاني الذي يعوق الروح عن أصلها: الصدأ الذي ينطبع فيها, وهي صور الأكوان التي تنطبع في القلب حين يتعلق بها: اعتقادا, أو استنادا, أو اهتماما.
وفي الحكم: "كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله, وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته".
وقال بعض الحكماء: لا تطمع أن تصفو وبك عيب, ولا تطمع أن تنجو وعليك ذنب.
وقالوا أيضا: إن السر الذي منا كان في النفوس, هو كماء العيون, إذا غفل عن تخميلها وتجريتها: غار, وتغطى بالتراب, فلا يخرجه إلى الحفير عليه بالفئوس, كذلك سر الحقيقة كان ظاهرا في الأرواح حين كانت ظاهرة من دنس الحس, أرأيت يوم الميثاق, كلها عرفت الحق وأقرت به, فلما اتصلت بهذا القالب الحسي الكثيف, وتراكمت عليها ظلمة الغفلات والشهوات والعوائد وألفت هذا العالم الحسي, وركنت إليه: حجبت عن ذلك السر, فلا يخرجه إلا الحفير عليه بفئوس المجاهدة والرياضة, وانجماع القلب بالله, والمؤانسة به, ذكرا أو فكرة أو نظرة, وإلا غار السر وغاب وذهب كالسراب.
قيل للجنيد: كيف الطريق إلى الحقيقة؟ قال: بتوبة تزيل الإصرار, وخوف يقطع التسويف, ورجاء يبعث على مسالك العمل, وإهانة للنفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل, فقيل له: بماذا يصل إلى هذا؟ فقال: بقلب مفرد, فيه توحيد مجرد.
ثم بين كيفية العلاج في ردها إلى أصلها فقال:
وأجمعوا أن علاج الأصل..... أقرب للبرء معا والنيل
فما إليه أبدا نشير ..... هو علاج النفس والتطهير
قلت: العلاج: محاولة إبراء الداء بالدواء لتذهب العلة, ولا ينجح في الغالب إلا بعد معرفة العلة وسببها, والمراد بالأصل: هو علاج الروح, والنيل هو: التحصيل.
يقول رضي الله عنه: أجمع الصوفية أن علاج الروح ونيل شفائها من مرضها: أقرب من علاج البدن وشفائه إذا تمكن منه الداء.
قلت: وهو كذلك بلا شك, فقد رأيت كثيرا من المرضى: أعني مرض البشرية, يدفع أموالا عريضة, ويحتمي أزمنة طويلة, ولا تنقطع علته, ولقد رأيت كثيرا ممن كان مريض الروح بالمعاصي والذنوب والشكوك, والخواطر, حين ألقاه الله إلى الطبيب شفاه الله في أقرب مدة وأقل حمية.
قال الشيخ زروق رضي الله عنه؛ وأصل كل داء جسماني إنما هو فساد المزاج إلى أن يصير فعله وانفعاله على غير المجرى الطبيعي, وأصل كل داء قلبي: إنما هو فساد القصد الذي عنوانه: الرضا عن النفس, حتى يصير فعلها وانفعالها على غير المجرى الشرعي والتحقيقي, بل على وفق الهوى والأوهام الباطلة التي شأنها: ضعف اليقين, ورقة الديانة, وتفصيل ذلك يطول, وسيأتي منه إن شاء الله تعالى في باب التربية.
وقوله: "فما إليه أبدا نشير" هو: تصريح بعلاج الأصل المتقدم, يعني: أن هذا العلاج الذي نشير إليه هو علاج النفس من: غفلاتها, وشكوكها, وخواطرها, واهتمامها بالرزق, وأمر الخلق, وتدبيرها, واختيارها, وإنكارها, وجهلها, وسوء أدبها, فإذا برئت من هذه الأمراض, وتطهرت من هذه الأخلاق صلحت للحضرة, ومتعت بالنظرة في سرور ونضرة.
ثم ذكر استمرار هذه الطريقة إلى انقراض الدنيا فقال:
استمرار هذه الطريقة إلى انقراض الدنيا
أما ثبوت شرفه بالعقل, فلا شك أن الشيء يشرف بشرف موضوعه وواضعه, وقد تقدم: أن موضوع هذا العلم, الذات العلية, وهي أشرف وأفضل على الإطلاق, وواضعه الرسول عليه الصلاة والسلام, وهو أفضل الخلق بالإجماع, وأيضا العقل السليم: يستحسن الكمالات, ولا شك أن التصوف ما وضع إلا لتحقق الكمالات: علما؛ وعملا, وحالا, فهو موضوع لتكميل العقائد وتطهير النفوس وتحسين الأخلاق.
وأما ثبوت شرفه بالنقل, فلا شك أن الكتاب والسنة وإجماع الأمة وردت بمدح جزئياته ومسائله, كالتوبة, والتقوى, والاستقامة, والصدق, والإخلاص, والطمأنينة, والزهد, والورع, والتوكل, والرضا, والتسليم, والمحبة, والمراقبة, والمشاهدة, وغير ذلك من مسائله.
وقال الجنيد رضي الله عنه: لو نعلم أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا لسعيت إليه ما تبلغ إليه المطي, وفي رواية "ولو حبوا".
وقال الشيخ الصقلي رضي الله عنه في كتابه المسمى "بأنوار القلوب في العلم الموهوب": كل من صدق بهذا العلم فهو من الخاصة, وكل من فهمه, فهو من خاصة الخاصة, وكل من عبر عنه وتكلم فيه فهو النجم الذي لا يدرك والبحر الذي لا يرتقي.
وما من علم إلا وقد يستغني عنه في وقت ما, إلا علم التصوف, فلا يستغني عنه أحد في وقت من الأوقات.
وأما شرفه باعتبار ظهور ثمراته, فهو الذي تكلم عليه الناظم في هذا الفصل, وحصره في ستة أمور:
الأول: ما ظهر على أهله من شدة الاقتداء وقوة الاتباع.
الثاني: ما ظهر عليهم من وفاق مذهبهم, وحسم الخلاف والنزاع بينهم.
الثالث: ما ظهر عليهم من الكرامات الحسية والمعنوية.
الرابع: ما ظهر عليهم من تطهير جوارحهم من الذنوب, ونفوسهم من العيوب في الغالب.
الخامس: ما ظهر عليهم من تحقيق عقائد الإيمان, وترقيهم فيها إلى مقام الإحسان, مع صحة اليقين والثقة برب العالمين.
السادس: ما كوشفوا به من العالم الروحاني, وما ترقوا إليه من عالم الملكوت, وحضرة الجبروت,
وهذا مضمن هذا الفصل, فأشار إلى الأول بقوله:
حجة من يرجح الصوفية على غيرهم
حجة من يرجح الصوفية ..... على سواهم حجة قوية
قلت: وإنما كانت حجة من يرجح الصوفية على غيرهم حجة قوية, لأنهم أحرزوا الكمالات: عقلا وعملا, وحالا, أما اعتقادهم فترقوا فيه إلى الشهود والعيان, وأما عملهم فهم يأخذون بالأحسن والأحوط, فهم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وأما حالهم فهي: ربانية ذوقية, فهم على بينة من ربهم.
ثم ذكر ترجيحهم وشرفهم باعتبار ما ظهر عليهم من ثمرات علمهم, وهي ستة كما تقدم فأشار إلى الأول, وهي شدة الاقتداء والمتابعة فقال:
هم اتبع الناس لخير الناس ..... من سائر الأنام والأناس
قلت: الأنام, والأناس, شيء واحد, وهم الناس؛ سموا الأنام, لغلبة النوم لهم؛ وسموا الناس؛ لأنس بعضهم ببعض.
يقول رضي الله عنه: "هم أي الصوفية أتبع الناس" وأكثرهم اقتداء بسيد الناس صلى الله عليه وسلم فدل على أنهم أحب الخلق إلى الله.
قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه؛ وماله, وولده, والناس أجمعين" وعلامة المحبة الاتباع.
وقال بعضهم: التصوف ذكر مع اجتماع, ووجد مع استماع؛ وعمل مع اتباع.
ثم ذكر وجه كونهم أشد الناس اتباعا, فقال:
تبعه العالم في الأقوال ..... والعابد الناسك في الأفعال
وفيهما الصوفي في السباق ..... لكنه قد زاد بالأخلاق
قلت: الناس ثلاثة: عالم, وعابد, وعارف صوفي, وكلهم قد اخذوا حظا من الوراثة النبوية, فالعالم ورث أقواله عليه الصلاة والسلام تعلما وتعليما, بشرط إخلاصه, وإلا خرج من الوراثة بالكلية, إذ الأعمال بلا إخلاص, أشباح بلا أرواح؛ ومن ورث من أبيه جارية ميتة, فليس بوارث, والعابد ورث أفعاله عليه الصلاة والسلام, من: صيام وقيام, ومجاهدة ظاهرة, فقد قام عليه الصلاة والسلام حتى تورمت قدماه, وكان يصوم كثيرا ويفطر كذلك, والصوفي العارف ورث الجميع, فأخذ في بدايته ما يحتاج إليه من العلم, وقد يتبحر فيه, ثم ينتقل إلى العمل على أكمل حال, ثم زاد عليهما بوراثة الأخلاق التي كان عليها باطنه صلى الله عليه وسلم من: زهد وورع, وخوف, ورجاء, وصبر, وحلم, وكرم, وشجاعة, وقناعة, وتواضع, وتوكل, ومحبة, ومعرفة, وغير ذلك مما يطول ذكره, ولذلك قال سهل رضي الله عنه: الصوفي من صفا من الكدر, وامتلأ من الفكر, وانقطع إلى الله دون البشر, واستوى عنده المال والمدر.
وقد خص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بخصائص لم يشاركه أحد فيها, فكان له القوة في الجهتين, فمن نظر في عبادته وجده لا يطاق, ومن نظر في أخلاقه الباطنة وجده لا يدرك, ومن نظر في معرفته وجده لا يلحق ولا يقرب أحد حول حماه, فكان عليه الصلاة والسلام على مقام: لا يدرك, ولا يلحق, ولا يعرف.
وانظر قول الشيخ القطب ابن مشيش رضي الله عنه: "وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق, وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق" ولن ينال أحد من العلماء والعباد والصوفية من علمه عليه الصلاة والسلام أو عمله أو خلقه إلا رشفة أو رشة, ولله در البوصيري في بردة المديح, حيث يقول:
وكلهم من رسول الله ملتمس ..... غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم ..... من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
ثم ذكر الأمر الثاني, وهو اتفاق مذهبهم, واتحاد غاية طريقهم.
والأمر الثالث وهو ما ظهر عليهم من الكرامات فقال:
ثم بشيئين تقوم الحجة ..... وأنهم قطعا على المحجة
مذاهب الناس على اختلاف ..... ومذهب القوم على ائتلاف
وما أتوا فيه بخرق العادة ..... إذ لم تكن لمن سواهم عادة
قلت: الحجة هي الدليل والبرهان, والمحجة هي الطريق المستقيم, والائتلاف هو الاتفاق.
يقول رضي الله عنه: ثم تقوم الحجة الدالة على أنهم على المحجة والطريق المستقيم بشيئين: أحدهما أن مذاهب الناس على اختلاف كثير, فقد كانت مذاهب الفقهاء في الفروع اثني عشر مذهبا, ثم تقررت في أربعة.
كانت مذاهب القراء خمسة وعشرين رواية, ثم تقررت في عشرة, وكانت مذاهب النحاة على مذهبين, بصري, وكوفي, بخلاف مذهب الصوفية, فهي متفقة في المقصد والعمل وإن اختلفت المسالك, فهي راجعة إلى صدق التوجه إلى الله تعالى من حيث يرضى بما يرضي وعبارة كل واحد على قدر ما نال منه, إذ كل عبارة فيه إنما هي مخبرة عن صدق توجه صاحبها؛ وكل من له نصيب من صدق التوجه: له نصيب من التصوف, إذا كان توجهه يرضاه الحق, ومن حيث يرضاه, وإلا فهو زنديق, واسم التصوف عليه لا حقيقة له, فلذلك قيل: "من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق, ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق, ومن جمع بينهما فقد تحقق" وإنما تزندق الأول لرفضه الحكمة والأحكام, وتفسق الثاني لخلوه من صدق التوجه فيما هو فيه, وتحقق الثالث لقيامه بكل في محله, فمرجع كلام الصوفية في كل باب لأحوالهم, وتفسق الثاني لخلوه من صدق التوجه فيما هو فيه, وتحقق الثالث لقيامه, بكل في محله, فمرجع كلام الصوفية في كل باب لأحوالهم, وإلا فلا تنافي بين أقوالهم لمن تأملها, وذلك خلاف مذهب غيرهم, والوجه فيه أن الحق واحد وطريقه واحدة, وان اختلفت مسالكها, فالنهاية واحدة, والذوق واحد, وفي معنى ذلك قال قائلهم:
الطرق شتى طريق الحق مفردة ..... والسالكون طريق الحق أفراد
لا يعرفون ولا تسلك مقاصدهم ..... فهم على مهل يمشون قصاد
والناس في غفلة عما يراد بهم ..... فجلهم عن طريق الحق حياد
فان قلت: قد ورد مدح الاختلاف وذم الائتلاف فقد ورد في بعض الآثار "اختلاف أمتي رحمة" وقال بعضهم:ما دامت الصوفية بخير ما تنافروا, فإذا اتفقوا فلا خير فيهم.
قلت: أما مدح الاختلاف فهو محمول على الاختلاف في الفروع, كاختلاف الأئمة في المذاهب, فان في ذلك توسعة على الأمة, إذ كل من تمسك بمذهب فهو ناج, ما لم يتبع الرخص, وكذلك اختلاف الروايات في القراءة, فهي توسعة أيضا على القارئ, بخلاف الاختلاف في الأصول, فهو مذموم, كاختلاف القدرية والجبرية والحشوية وغير ذلك من الاختلاف في التوحيد, ومذهب الصوفية هو الاتفاق في الأصول والفروع.
أما الأصول فنهايتهم الشهود والعيان, وهم متفقون فيه, لأنه أمر ذوقي لا يختلف.
وأما الفروع فهم يأخذون بالأحوط, والأكابر منهم يخرجون عن التقليد, ويتمسكون بالكتاب والسنة في نفسه, وان كان جلهم قلدوا في الفروع, فكان الجنيد على مذهب أبي ثور, والشبلي: مالكيا والجيلاني, حنبليا, إلى غير ذلك.
وأما قول من قال: "ما دامت الصوفية بخير ما اختلفوا" فمراده اختلاف تنبيه وإرشاد فكل واحد يرشد صاحبه وينبهه إذا رأي فيه نقصا وعيبا, فإذا اتفقوا وسكتوا على عيوبهم فلا خير فيهم, وقد يحمل ذلك على حال مذاكراتهم في العلوم, فقد قالوا فيهم: "ألسنتهم حادة, وقلوبهم سالمة" ولا شك أن حال المذاكرة لا ينبغي فيها التسليم في كل شيء, إذ لا تخرج العلوم إلا بالحك والبحث والتفتيش.
قال بعضهم, نحن في حال المذاكرة بحال من قال: "حك لي نربل لك" لا بحال من قال: "سفج لي: نعسل لك" هكذا سمعتها من شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه, وكان يقول لي: لا تسلم لنا في حال المذاكرة, وكان أيضا يقول: المستحي, والمتكبر والخواف, لا يأخذ من طريقتنا شيئا, والله تعالى أ علم.
وأما الأمر الثاني الذي تقوم به الحجة فهو: خرق العادة التي ظهرت على أيديهم, وتسمى: الكرامة, وقد تقدم تنويعها إلى حسية ومعنوية, وأن المعتبر هي الكرامة المعنوية, وهي الاستقامة, وأما الكرامة الحسية فإن صحبتها الاستقامة فهي كرامة شاهدة على صدق صاحبها مع الله وإن لم تصحبها استقامة, فهي: استدراج ومكر.
قال بعضهم: خرقي العادة كرامة للمبتدع, والمبتدع هو المغروق في الدنيا وأشغالها إلى عنقه, ولو كثرت صلاته وصيامه.
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان: كرامة الإيمان بمزيد الإيقان وشهود العيان, وكرامة العمل على السنة والمتابعة وترك الدعاوى والمخادعة, فمن أعطيهما ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو مفتر كذاب, أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب, كمن أكرم بشهود الملك على الرضا, ثم جعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع المرضى.
وكرامة الأولياء قد بلغت مبلغ التواتر, فلا تحتاج إلى دليل, والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى الأمر الرابع, وهو تطهير جوارحهم من الذنوب, وقلوبهم من العيوب فقال:
قد رفضوا الآثام والعيوب ..... وطهروا الأبدان والقلوب
قلت: لا شك أن الصوفية رضي الله عنهم قد رفضوا الذنوب, أي نبذوها وراء ظهورهم ورفضوا العيوب, أي: طهروا قلوبهم منها, وسبب تطهيرهم من الذنوب والعيوب تطهيرهم من أصلها ورأسها.
أما أصلها, فالخلطة مع الغافلين الجاهلين, فمن خالط العوام وظن أنه ينجو من الآثام فقد رام المحال, كمن خلط الحطب مع النار, وظن أنه ينجو من الاحتراق.
وأما رأسهما فحب الدنيا الساكن في القلوب.
ففي الحديث: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" رواه البيهقي في الشعب من مراسيل الحسن.
وقيل هو: من كلام مالك بن دينار.
وقيل: من كلام سيدنا عيسى عليه السلام.
وقيل: من كلام علي كرم الله وجهه.
وعده بعضهم في الموضوعات, ورده ابن حجر, فالله تعالى أعلم.
وعلى كل حال فهو كلام صحيح في المعنى مجرب مذوق فمن طهر قلبه من حب الدنيا ورياستها ومالها واعتزل عن الحسد فالغالب سلامة قلبه من العيوب, وطهارة جوارحه من الذنوب, وما تشعبت عيوب القلوب إلا منها, إذ عليها يقع الحسد والبغض والغل والخصام والفجور, وبها يقع الكبر, وحب الرياسة, والنفاق, والتصنع للخلق, وبها أيضا يقع: البخل, والشح, والجبن, وغير ذلك من العيوب, وكذلك الذنوب, كالكذب والأيمان الفاجرة, وسوء الخلق وغير ذلك, ويرحم الله الإمام الشافعي رضي الله عنه حيث قال:
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ..... وسيق إلى عذبها وعذابها
فلم أرها إلا غرورا وباطلا ..... كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة ..... عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجنبتها عشت سلما لأهلها ..... وإن تجتذبها ناهشتك كلابها
فطوبى لنفس أوطنت قعر بيتها ..... مغلقة الأبواب مرخي حجابها
وقوله: "وطهروا الأبدان والقلوب" تفسير لما قبله على طريق اللفظ, والمعنى وطهروا الأبدان من الآثام والذنوب, وطهروا القلوب من المساوئ, والعيوب, فلما حصل لهم هذا التطهير المجيد لاح لهم قمر التوحيد. فأسلموا الأمر إلى مولاهم ورجعوا إلى من قد تولاهم عملا بقوله: "ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى والى الله عاقبة الأمور". فلما تحققوا بذلك وقفوا في رياض الإحسان, وأشرقت عليهم شموس العرفان, وأضاءت لهم أنوار المواجهة والعيان.
هذه المنازل الثلاث هي التي ينزلها المريد ويرتحل عنها.
منزل الإسلام, وهو محل تطهير الجوارح الظاهرة من الذنوب وتحليتها بطاعة علام الغيوب.
ومنزل الإيمان, وهو محل تطهير القلوب من المساوئ والعيوب, وتحليتها بمقامات اليقين, لتتهيأ لحمل معرفة رب العالمين.
ومنزل الإحسان, وهو محل الشهود والعيان.
قال بعض العارفين رضي الله عنه: من بلغ إلى حقيقة الإسلام لم يقدر أن يفتر عن العمل, ومن بلغ إلى حقيقة الإيمان لم يقدر أن يلتفت إلى العمل, ومن بلغ إلى حقيقة الإحسان لم يقدر أن يلتفت إلى أحد سوى الله تعالى, وإلى هذه المراتب أشار بقوله:
وبلغوا حقيقة الإيمان ..... وانتهجوا مناهج الإحسان
قلت: وهذا هو الأمر الخامس الذي ظهر به شرف أهل التصوف وفضيلتهم, وأنهم بلغوا إلى حقيقة الإيمان وصريحه, بتحقيق دعائمه وأركانه, التي من جملتها الإيمان بالقدر: خيره وشره, حلوه ومره, فقد استوى عندهم وقت الخير ووقت الشر, ووقت الحلو مع وقت المر, قد استوى عندهم الذل والعز؛ والذم والمدح, والمنع والعطاء؛ والقبض والبسط وغير ذلك من اختلاف الآثار وتنقلات الأطوار, وذلك لأجل ما حصل لهم من مقام الرضا والتسليم, وكمال المعرفة وخلوص اليقين.
وقوله: "وانتهجوا مناهج الإحسان" أي سلكوا طريق الإحسان الموصلة إلى الشهود والعيان, ولذلك افتقروا إلى دليل يكون عارفا بالمنازل والمناهل, قد سلك الطريق وعرفها حتى يوصلهم إلى مطلوبهم, ويقول لهم ها أنتم وربكم, وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
ثم أشار إلى الأمر السادس, وهو ترقيهم من عالم الملك إلى عالم الملكوت, أو تقول من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح, فقال:
وعلموا مراتب الوجود ..... كالأم والوالد والمولود
واستشعروا شيئا سوى الأبدان ..... يدعونه بالعالم الروحاني
قلت مراتب الوجود هي: العوالم الثلاثة: الملك, والملكوت, والجبروت, وذلك أن الوجود له ثلاثة اعتبارات.
وجود أصلي أزلي وهو الذي لم يدخل عالم التكوين, ويسمى عالم الأمر, وعالم الغيب, وهو المسمى بعالم الجبروت.
ووجود فرعي, وهو النور المتدفق من بحر الجبروت "وهو كل ما دخل عالم التكوين: لطيفا كان أو كثيفا, ويسمى عالم الشهادة وعالم الخلق, وهو المسمى: بعالم الملكوت لمن غرق فيه وجمعه بأصله".
ووجود وهمي, وهو محل ظهور التصرفات الإلهية, ومقتضى الأسماء الجلالية والجمالية ويسمى عالم الحكمة؛ وهو عالم الملك.
وقال بعضهم: العوالم أربعة: عالم الشهادة, وعالم الغيب, وعالم الملكوت, وعالم الجبروت.
فالأول كالكثائف المحسوسة, والثاني كاللطائف الغيبية, كالجن والملائكة والأرواح, وهذا كله داخل في عالم الملك, والثالث وهو عالم الملكوت, هو جمع لهذه الأشياء, وضمها إلى أصلها, وتحقيق الشهود فيها, والرابع الذي هو الجبروت, هو العظمة الأصلية اللطيفة الأزلية قبل ظهورها, وفي هذه المراتب يقع الترقي للسائرين, فيترقون من عالم الملك الذي هو وهمي ظلماني حسي, إلى عالم الملكوت الذي هو نوراني ملكوتي, ثم يترقون إلى عالم الجبروت الذي هو أصل أزلي, فإذا ضموا الأصول إلى الفروع صار الجميع جبروتا, وهذا هو العالم الروحاني الذي أشار إليه بقوله: "واستشعروا شيئا سوى الأبدان".
وقوله: "كالأم" الخ يعني أنهم عرفوا مراتب الوجود الثلاث, وفرقوا بين: الملك والملكوت, والجبروت, تفريقا ضروريا كما يفرق الرجل بين ولده, وأمه وأبيه, ويحتمل أن يكون التشبيه من حيث الإيجاد والظهور, فإن عالم الجبروت سبب في ظهور عالم الملكوت "فهو أشبه شيء بالوالد, وعالم الملكوت هو محل استقرار الصفات, كالقدرة والإرادة, والعلم, والحياة, التي هي سبب في إظهار آثارها لعالم الملك, فهو أشبه بالأم في تربية الولد قبل الظهور وبعده, وعالم الملك هو محل ظهور التصرفات الإلهية وآثار القدرة الأزلية, فهو أشبه شيء بالولد لظهوره بينهما, وربما يلوح حديث الخلق عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله رواه أبو يعلى, والبزار, عن أنس ولفظه: "الخلق كلهم عيال الله, وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" والله تعالى أعلم بالصواب.
وقوله: "واستشعروا شيئا سوى الأبدان" الخ.
أعلم أن عالم الأشباح هو عالم الملك, وعالم الأرواح هو عالم الملكوت, ومحلهما واحد, إذ ليس لنا إلا وجود واحد, لكن النظرة تختلف باختلاف الترقي في المعرفة, فما ذام العبد مسجونا بمحيطات حسه, محصورا في هيكل نفسه, فهو مقيم في عالم الأشباح, محصور في عالم الملك, لم تفتح له ميادين الغيوب, لم يفرق بين روحانية وبشرية, ولا بين حسه ومعناه فإذا فتح الله بصيرته وغاب عن حسه ونفسه, وفلسه وجنسه, رأى نور الملكوت قد فاض من بحر الجبروت, فحجب شهود ذلك النور عن ظلمة الحس, وعن رؤية الكون, بشهود المكون, فالكون أصله كله نور, وإنما حجبه ظهور الحكمة فيه, فمن رأى الكون ولم يشهد النور فيه أو قبله أو معه, فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار, فإذا ضم النور إلى أصله صار الجميع نورا واحدا, وهو نور الجبروت, أو سر اللاهوت, فقد علمت أن الملك, والملكوت, والجبروت, محلها واحد, وكذلك عالم الأشباح وعالم الأرواح, محلهما واحد, فأهل الحجاب لا يرون إلى عالم الأشباح, وأهل العرفان, وهم أهل مقام الإحسان لا يرون إلا عالم الأرواح, مع أن المحل واحد لكن لما رق حجابهم, وتلطفت بشريتهم, استشعروا شيئا زائدا على عالم الأشباح, وهو عالم الأرواح, ويسمى عالم المعاني والعالم الروحاني, وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عند قوله:
لم يتصل بالعالم الروحاني ..... من عمره على الفضول عانى
وعند قوله:
مهما تعديت عن الأجسام ..... أبصرت نور الحق ذا ابتسام
والله تعالى أعلم.
ثم أشار إلى أن هذه المعاني لا تدرك بالعقول, وإنما هي أذواق يلغز إليها بإشارات المقول, فقال:
ثم أمام العالم المعقول ..... معارف تلغز في المنقول
قلت: اعلم إن النفس, والعقل, والروح, والسر, كل واحد منها له حد ينتهي إليه في العلم والإدراك, على ما يأتي بيانه إن شاء الله عند قوله:
يا جاهلا أقصى الكمال وقفا ..... على عقول وهمها لا يخفى
فشهود أنوار الملكوت وأسرار الجبروت, وهي علوم المعارف, أمر خارج عن مدارك العقول, فهو أمام العالم المعقول, أي وراءه وقدامه: لا مطمع له في إدراكه, وقد تقدم قول ابن الفارض.
فثم وراء النقل علم يدق عن ..... مدارك غايات العقول السليمة
وقال أبو العباس رضي الله عنه:
لو عاينت عيناك يوم تزلزلت ..... أرض النفوس ودكت الأجبال
لرأيت شمس الحق يسطع نورها ..... يوم التزلزل, والرجال رجال
قال: والأرض: أرض النفوس والجبال: جبال العقل.
قال بعضهم في تفسير قوله تعالى: "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا" أي تجلى لجبل العقل دكا أي مضمحلا "وخر موسى صعقا". أي زال وجوده بوجود خالقه, والمتجلي فيه.
والحاصل: أن شموس العرفان لا تدرك بعقل ولا حدس ولا برهان, وإنما تدرك ببيع النفوس وبذل الأرواح, وبالخروج عما تعهده النفوس وتحيط به العقول, فإذا صح منك هذا الخروج, أدركت أنوار الملكوت متصلة ببحر الجبروت وصرت لا يحجبك عن الله أرض ولا سماء, ولا عرش ولا كرسي, ولا أفلاك ولا أملاك, وصرت أنت قطب الوجود تدوره بيدك كيف شئت, خليفة الله في أرضه, ونقطة دائرة كونه, والله ذو الفضل العظيم وإلى هذه المعارف أشار بقوله:
ثم أمام العالم المعقول ..... معارف تلغز في المنقول
وأشار بقوله: "تلغز" الخ إلى أن هذه المعاني ليست صريحة في كلام الله, وإنما هي من باب الإشارة واللغز, وكذلك قيل في قوله تعالى: "إذا زلزلت الأرض زلزالها" أي أرض النفوس, "وأخرجت الأرض أثقالها" أي ما فيها من العلوم والحكم والأسرار "وقال الإنسان ما" متعجبا من حال تلك النفس "مالها، يومئذ تحدث أخبارها" تظهر أسرارها ومواهبها, وهذه كلها إشارات والغاز, وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن" وقف بعضهم هنا وجعل "تراه" جوابا, أي فان تحقق زوالك, ولم تكن شيئا تراه, وهذه الأمور كلها إلغازات وإشارات لا يسلمها أهل الظاهر, وإنما يذوقها أهل الباطن, ويلغزون بينهم بها, وقد قالوا: علمنا كله إشارة, فإذا صار عبارة خفي, ثم أن هذه الأمور إنما هي كشوفات تشرق على الأرواح والأسرار, تكون لوائح ثم لوامع, ثم طوالع, ثم يتصل الشروق, ويدوم النور, حتى يقع الرسوخ والتمكين؛ وإلى ذلك أشار بقوله:
وعلموا أن لهم تمكينا ..... يرقى بهم مرقى المكاشفينا
قلت قد علموا أن دوام السير قطعا يؤدي إلى الوصول, وحال التلوين لا بد يوصل إلى التمكين, فإذا ترقوا إلى مقام التمكين فقد وصلوا إلى مقام لو كشف الغطاء ما ازدادوا يقينا بل قد انكشف الغطاء, لكن مراتب الكشف لا نهاية لها, "وقل رب زدني علما" ولما علموا بمقام التمكن, علموا أن لهم موانع تمنعهم من الوصول إليه. كما أشار إلى ذلك بقوله:
ثم رأوا أن دون ذاك مانع ..... كدفتر نيط عليه طابع
فالقوم حين علموا بذاكا ..... وميزوا القطاع والأشراكا
سلوا من العزم لهم قواضب ..... فأنبت كل قاطع وحاجب
فاحتزموا للطعن والنزال ..... وابتدروا ميادين القتال
قلت الدفتر: الكتاب, وأراد به هنا الحرز والتميمة, ونيط: أي لف, وغشى الطابع بفتح الباء كالقالب والكاغد والخاتم, والعالم والنابل والطابق, وألفاظ أخرى تبلغ خمسة وعشرين كلمة, كلها بفتح عين الكلمة, نظمها ابن مالك, والأشراك جمع شَرَكَ وهي الشبكة, والقواضب, جمع قاضب, وهو السيف الصارم, والنزال هو: شدة الحرب, وذلك أن العرب إذا اشتد بينهم الحرب نزلوا عن خيولهم ليقاتلوا بالسيوف, والميادين مجال الخيل استعير هنا لمجاهدة النفوس ومحاربتها.
يقول رضي الله عنه:
إن القوم لما شعروا بالحقيقة كامنة في نفوسهم, وكوشفوا بها, علموا أنهم إن تمكنوا من الوصول إليها والرسوخ فيها حصل لهم كشف الغطاء, وارتفعت الحجب عن قلوبهم, فكانوا على بينة من ربهم, ثم رأوا أن مقام التمكين دونه موانع وقواطع, تمنعهم من الوصول إلى ذلك المقام, وهذه الموانع هي التي غطت القلوب وغلفتها وحجبت الأرواح عن الكشف عن أصلها, فصار القلب والروح كحرز مكتوب: لف عليه غشاء وطبع عليه طابع, فلا يظهر ما في باطنه حتى يخرق ذلك الطابع والغشاء الذي غشي عليه, وهذا الطابع الذي جعله الله بحكمته وعدله حاجبا للقلوب عن أسرار الغيوب, هو عالم الطبيعة, وهي شهوات النفوس وعوائدها التي امتزجت معها, وعجنت بطينتها في أصل النشأة وهي التي ذكرها الله تعالى بقوله: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين" الآية فاشتغلت الروح بتدبير هذا البدن لجهلها, فصرفت همتها لمأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومنكحه, وما يتبع ذلك من الشواغل والشواغب, فعيقت عن أصلها, ومنعت من شهود أنوار ربها, إلا من أسعده الله بولايته, وسبقت له سابقة عنايته, فلما علم القوم بهذه القواطع التي قطعتهم عن الوصول إلى ربهم, وميزوا هذه القطاع والشباكات التي حبستهم في قيودها, وهي علائق الدنيا وعوائقها, سلوّا من هممهم العالية سيوفا, وعزموا على قطع تلك العلائق, ورفضوا تلك الشهوات, فلما علقوا هممهم بالله, وانقطعوا بكليتهم إليه "انقطعت تلك العلائق, وارتفعت تلك الحجب, فاحتزموا وشمروا للطعن في تلك العلائق, ونزلوا لمحاربة النفوس وردها إلى حضرة الملك القدوس, حتى ألقت السلاح, وأذعنت لطاعة الكريم الفتاح.
قال بعضهم: انتهى سير الطالبين إلى الظفر بنفوسهم, فإن ظفروا بها وصلوا, وهذه مسايرة كلام الناظم, وفيه تقديم وتأخيره, فإن قطع العلائق ورفع الحجب مؤخران عن محاربة النفوس, فقول الناظم: "فانبت كل قاطع وحاجب" مرتب على ما بعده من الطعن والنزال, وابتدار ميادين القتال, والأمر قريب.
ولو قال لكل قاطع وحاجب بلام التعليل كان أحسن, والله تعالى أعلم.
ثم بين بعض تلك القواطع، فقال:
واعلموا أن ليس شيء قاطع ..... كبدن كاس وبطن سابغ
قلت: يعني أنهم تحققوا أن أعظم القواطع هو الاشتغال بهم الظهر والبطن, فمن أراد الله تعالى أن يتركه محجوبا بنفسه يشغل قلبه بتزيين الملابس وتحسين المأكل, وهذا هو الذي حجب جل الناس, فمن قنع من اللباس بما يستر العورة من خشين اللباس, وقنع من الطعام بما يسد الجوع من مطلق الطعام, كان قلبه مجموعا مع الله إن توجه بهمته إلى الله, ومن كان همه ما يدخل بطنه, كان قيمته ما يخرج منها, وفي الحديث:
"من ترك ثوب جمال وهو قادر عليه ألبسه الله حلة الكرامة يوم القيامة" وقال أيضا صلى الله عليه وسلم:
"إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مسالكه بالجوع".
والمقصود من ذلك كله صرف الشواغل التي تحجب عن الله, سواء كانت من قبل اللباس أو الطعام أو غيرهما, ولذلك عم الناظم في البيت الذي بعد هذا, حيث قال:
ونظروا الحجاب في البواطن ..... فوجدوه في النفوس كامن
فعملوا على جهاد النفس ..... حتى أزالوا ما بها من لبس
قلت: هذا الحجاب الذي هو كامن في النفوس, هو حب الهوى, ومرجعه إلى حب السوى.
فمنه: ما يكون متعلقا بالظواهر, كحب المال وتزيين الملابس والمآكل والمراكب والمناكح.
ومنه ما يكون متعلقا بالبواطن, كحب الخصوصية, وطلب الكرامة, وحب المدح والثناء, وحب الرياسة والظهور, وما ينشأ عن ذلك من الحسد, والكبر, والغل, والغش, والغضب, والقلق, والحرص, والطمع, وغير ذلك من العيوب الباطنية, فكل من جاهد نفسه في التخلية من هذه المساوئ, والتحلية بأضدادها, من: التواضع, والخمول, وسلامة الصدر, وسخاوة النفس والحلم, والتأني, والصبر والرضا, والتسليم, وغير ذلك من الأخلاق الحميدة زال عن نفسه حجاب النفس والتخليط, واكتسى لباس الصفا والوفا, فكان من المقربين الذين يشربون من عين التسنيم المختوم, ويمزج لغيره من أهل اللبس والتخليط, فمن صفا صفى له ومن خلط كدر عليه, فمن شرب اليوم كأس محبة المولى صافيا من الهوى: شرب عين التسنيم صافيا, ومن مزج اليوم بمحبة الهوى, شرب مع العوام من السلسبيل, ولا حظوة له عند الملك الجليل.
قال أبو طالب المكي رضي الله عنه: واضر ما ابتلي به العبد في دينه, وأشد ما يحجبه ضعف يقينه, لما وعد بالغيب أو توعد عليه.
قال: وقوة اليقين أصل كل عمل صالح.
وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجاهدة النفوس وتصفيتها بقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم, والمهاجر من هجر من نهى الله عنه, والمجاهد من جاهد نفسه وهواه". وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" وفي معناه قيل:
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته.....يوم الزحام ونار الحرب تشتعل
لكن من غض طرفاً أو ثنى قدماً.....عن المحارم ذاك الفارس البطل
وفي الخبر ر""جئتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"" يعني جهاد النفس.
قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه,في شأن النفس: هي التي لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وفي الحكم:
""لو كنت لا تصل إليه إلا بعد محو مساويك وترك دعاويك, لا تصل إليه أبداً, ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه, ونعتك بنعته, فوصلك بما منه إليك لا بما منك إليه""
ثم أشار لاختلاف الفرق في المجاهدة, فقال:
اختلاف الصوفية في المجاهدة
والقوم في هذا على فريقين ..... وحكمهم فيه على ضربين
ففرقة طريقهم مبنية ..... على العقائد وحسن النية
قالوا: فالنفس كالمرآة ..... ينطبع الماضي بها والآت
وإنما يعوقها أشياء ..... ترك المحاذاة أو الصداء
قالوا: وإن العين قد تغور ..... وإنما يخرجها الحفير
قلت أشار إلى أن الناس في الوصول إلى الله تعالى على فرقتين:
الفرقة الأولى: نظروا إلى أصل الروح وما كانت عليه من الصفاء والجلاء, كالمرآة الصقيلة,ينطبع فيها كل ما يقابلها من الماضي والآتي.
ولكن لما اتصلت بهذا البدن انطبع فيها: صور الأكوان, وغبش الحس, فحجبت عن أصلها. فإنما عاقها عن أصلها أمران.
أحدهما: ترك المحاذاة "أي القرب والاتصال بالحضرة" باشتغالها بالغفلة.
يعني: أن الروح لما تركت القرب إلى الله, ولم تصرف وجهتها بالكلية إليه تدنست وحجبت عن أصلها.
فلو اشتغلت بذكر الله على الدوام, وفنيت عن غيره على التمام, لانصقلت مرآتها, وتجلت فيها حقائق الأشياء: ماضية وآتية.
وفي الحديث: "إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد, وإن الإيمان ليخلق "أي يبلى" كما يخلق الثوب الجديد".
وفي حديث آخر: "لكل شيء مصقلة, ومصقلة القلوب ذكر الله".
وهذا الذكر الذي يصقل القلوب, لا بد أن يكون ذكرا واحدا, بقلب واحد, وهم واحد, وإلا فلا يجدي شيئا.
الأمر الثاني الذي يعوق الروح عن أصلها: الصدأ الذي ينطبع فيها, وهي صور الأكوان التي تنطبع في القلب حين يتعلق بها: اعتقادا, أو استنادا, أو اهتماما.
وفي الحكم: "كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله, وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته".
وقال بعض الحكماء: لا تطمع أن تصفو وبك عيب, ولا تطمع أن تنجو وعليك ذنب.
وقالوا أيضا: إن السر الذي منا كان في النفوس, هو كماء العيون, إذا غفل عن تخميلها وتجريتها: غار, وتغطى بالتراب, فلا يخرجه إلى الحفير عليه بالفئوس, كذلك سر الحقيقة كان ظاهرا في الأرواح حين كانت ظاهرة من دنس الحس, أرأيت يوم الميثاق, كلها عرفت الحق وأقرت به, فلما اتصلت بهذا القالب الحسي الكثيف, وتراكمت عليها ظلمة الغفلات والشهوات والعوائد وألفت هذا العالم الحسي, وركنت إليه: حجبت عن ذلك السر, فلا يخرجه إلا الحفير عليه بفئوس المجاهدة والرياضة, وانجماع القلب بالله, والمؤانسة به, ذكرا أو فكرة أو نظرة, وإلا غار السر وغاب وذهب كالسراب.
قيل للجنيد: كيف الطريق إلى الحقيقة؟ قال: بتوبة تزيل الإصرار, وخوف يقطع التسويف, ورجاء يبعث على مسالك العمل, وإهانة للنفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل, فقيل له: بماذا يصل إلى هذا؟ فقال: بقلب مفرد, فيه توحيد مجرد.
ثم بين كيفية العلاج في ردها إلى أصلها فقال:
وأجمعوا أن علاج الأصل..... أقرب للبرء معا والنيل
فما إليه أبدا نشير ..... هو علاج النفس والتطهير
قلت: العلاج: محاولة إبراء الداء بالدواء لتذهب العلة, ولا ينجح في الغالب إلا بعد معرفة العلة وسببها, والمراد بالأصل: هو علاج الروح, والنيل هو: التحصيل.
يقول رضي الله عنه: أجمع الصوفية أن علاج الروح ونيل شفائها من مرضها: أقرب من علاج البدن وشفائه إذا تمكن منه الداء.
قلت: وهو كذلك بلا شك, فقد رأيت كثيرا من المرضى: أعني مرض البشرية, يدفع أموالا عريضة, ويحتمي أزمنة طويلة, ولا تنقطع علته, ولقد رأيت كثيرا ممن كان مريض الروح بالمعاصي والذنوب والشكوك, والخواطر, حين ألقاه الله إلى الطبيب شفاه الله في أقرب مدة وأقل حمية.
قال الشيخ زروق رضي الله عنه؛ وأصل كل داء جسماني إنما هو فساد المزاج إلى أن يصير فعله وانفعاله على غير المجرى الطبيعي, وأصل كل داء قلبي: إنما هو فساد القصد الذي عنوانه: الرضا عن النفس, حتى يصير فعلها وانفعالها على غير المجرى الشرعي والتحقيقي, بل على وفق الهوى والأوهام الباطلة التي شأنها: ضعف اليقين, ورقة الديانة, وتفصيل ذلك يطول, وسيأتي منه إن شاء الله تعالى في باب التربية.
وقوله: "فما إليه أبدا نشير" هو: تصريح بعلاج الأصل المتقدم, يعني: أن هذا العلاج الذي نشير إليه هو علاج النفس من: غفلاتها, وشكوكها, وخواطرها, واهتمامها بالرزق, وأمر الخلق, وتدبيرها, واختيارها, وإنكارها, وجهلها, وسوء أدبها, فإذا برئت من هذه الأمراض, وتطهرت من هذه الأخلاق صلحت للحضرة, ومتعت بالنظرة في سرور ونضرة.
ثم ذكر استمرار هذه الطريقة إلى انقراض الدنيا فقال:
استمرار هذه الطريقة إلى انقراض الدنيا
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 29 ديسمبر 2023 - 23:19 عدل 5 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى :: تعاليق
الفصل الثاني شرف علم التصوف وفضيلته الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
وهذه طريقة الإشراق ..... كانت وتبقى ما الوجود باقيقلت: ذكر أن هذه الطريقة التي ذكرها في هذه الأبيات تسمى: طريق الإشراق, وتسمى أيضا طريق الجلاء والتصفية, لأنها مبنية على تصفية القلوب والسرائر, بتخليها من الرذائل, وتحليتها بالفضائل, فإذا تخلت من الأغيار, والأكدار أشرقت عليها شموس المعارف والأسرار.
فرغ قلبك من الأغيار, تملأه بالمعارف والأسرار, ثم ذكر أن هذه الطريقة لا تنقطع ما دام الوجود باقيا, لقوله عليه الصلاة والسلام:
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".
والتحقيق أن هذه الطائفة هي مؤلفة من العارفين بالله, والعلماء العاملين الناصحين, والمجاهدين في سبيل رب العالمين, فلا تخلو الأرض من قائم بحجة الله ظاهرة وباطنة.
قال الشيخ زروق رضي الله عنه في "قوله كانت وتبقى" يعني أنها لا ترتفع أبدا, لكنها تارة تجري باصطلاح الخلوات والتربيات ونحوها, وتارة بحفظ الأصول فقط, وتارة بحفظ الحرمة, وتارة بعلو الهمة وقوة الحزم والعزم, وتارة بمجرد التلقي والإلقاء, وهذه الأمور لا تزول أبد الآبدين, غير أن الاصطلاح قد انقرض في هذه الأزمنة, وارتفع إنتاجه حسبما دلت عليه العلامات, ويشهد به الاستقراء.
قال بعض مشايخنا رضي الله عنه: ارتفعت التربية بالاصطلاح في سنة 824 ه أربع وعشرين وثمانمئة ولم تبق إلا الإفادة بالهمة والحال فعليكم بالكتاب والسنة من غير زيادة ولا نقصان, يعني الجادة مع التزام الصدق, والله ولي التوفيق.
قلت: وبعض مشايخه الذي ذكر هو: الحضرمي.
وفيما قاله نظر من وجهين: أحدهما أن الاستقراء الذي ذكره متعذر في جميع أقطار الأرض, وشيوخ التربية الغالب عليهم الخفاء, لأنهم كنوز لا يظفر بهم إلا من أسعده الله.
والثاني: أن دائرة الأولياء لا تنقطع أبدا, من: أقطاب, وأبدال, وأوتاد, حسبما ذكره غير واحد, وبلوغه إلى مقام القطبانية لا يكون من غير تربية أبدا.
فإن قلت: يكفي فيه الهمة والحال, قلنا: لا نسلم ذلك, لأن تربية الهمة والحال دون اصطلاح المقال, لا يترقى صاحبها من مقام إلى مقام, ولا من حال إلى حال, فلا يخرج من السلوك إلى الفناء, ولا من الفناء إلى البقاء, إلا بتربية المقال, وهي الاصطلاح, وإن أراد بالاصطلاح: الخلوة, وترتيب الأوراد, فلا نسلم أيضا انه انقطع, إذ من بلغ إلى درجة التربية يربى كيف شاء, فمن تصلح به الخلوة رباه بها, ومن تصلح به الخلطة رباه بها, فشيخ التربية لا ينقطع أبدا عن تربية الهمة والحال والمقال والاصطلاح, وإذا كان الحضرمي تكلم على ما ظهر له في زمانه, فلا يلزم عمومه فيما بعده. قال الله تعالى: "ويخلق ما لا تعلمون".
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه, في قوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها, ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" قال: ما نذهب بولي نأت بخير منه أو مثله, وكلامه عام في كل زمان وعصر, وقال عليه الصلاة والسلام: "أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخره". وقال: "خير أمتي أولها وآخرها وفيما بينهما الكدر" وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه الكرام: "إذا لقيتم إخواني فأقرؤوهم مني السلام؟ قيل من إخوانك يا رسول الله؟ نحن إخوانك, فقال: أنتم أنصاري وأصحابي, إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني, للعامل منهم أجر سبعين, قالوا: يا رسول الله أجر سبعين منا أو منهم؟ قال: بل أجر سبعين منكم, قيل: لماذا يا رسول الله؟ قال: إنكم وجدتم على الخير أعوانا وهم لا يجدون عليه أعوانا".
والحاصل أن نور النبوة في الزيادة لا في النقصان, وقد وجد بعد الحضرمي, وفي زمانه رجال اتفق الناس على تربيتهم, كالغزواني, والتليدي, والهبطي, والمجذوب, والشرقي وسيدي يوسف الفاسي, وسيدي عبد الرحمن الفاسي, وسيدي محمد بن عبد الله, وغيرهم ممن لا يحصى, فإنكار كمال هؤلاء وتربيتهم: مكابرة وخذلان والعياذ بالله من الطعن في أولياء الله.
وقد أدركنا والحمد لله في زماننا هذا رجالا قد توفر فيهم شروط التربية على الكمال ذووا همة وحال ومقال: عارفين, راسخين كاملين, تخرج على أيديهم خلق كثير, وانتفع بهم جم غفير, ولكن من كان خفاشا لا يستطيع أن يبصر شعاع النور؛ ويرحم الله البوصيري حيث قال:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ..... وينكر الفم طعم الماء من سقم
وقال آخر:
وكم عائب ليلى ولم ير وجهها ..... فقال له الحرمان: حسبك ما فات
ثم ذكر الطريق الثانية فقال:
وفرقة قالت بأن العلما ..... من خارج بالاكتساب اسما
وشرطوا العلوم في اصطلاحه ..... إذ لا غنى للباب عن مفتاحه
فليس للطامع فيه مطمع ..... ما لم تكن فيه علوم أربع
وهي علوم: الذات, والصفات ..... والفقه, والحديث, والحالات
وهذه طريقة البرهان ..... وهي لكل حازم يقظان
قلت: حاصل هذه الطريقة أنها شرطت إصلاح الظاهر أولا وعلاجه, وعلاجه قبل علاج الباطن, فقلت: إن اكتساب العلم من خارج أسمى, أي أرفع وأعظم, لأنه دواء وشفاء للعلل الظاهرة, لقوله عليه الصلاة والسلام: "العلم إمام والعمل تابعه" وأول الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم, فإن تعلمه خشية, وطلبه عبادة, ومذاكرته تسبيح, والبحث في جهاد, وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة, وبذله لأهله قربة, لأنه معالم الحلال والحرام, ومنار سبل أهل الجنة, وهو الأنيس في الوحشة, والصاحب في الغربة, والمحدث في الخلوة, والدليل على السراء والضراء, والسلاح على الأعداء, والزين عند الأخلاء, يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة, تقص آثارهم, ويقتدى بأفعالهم, وينتهي إلى رأيهم, ترغب الملائكة في خلتهم, وبأجنحتهم تمسحهم, يستغفر لهم كل رطب ويابس, وحيتان البحر وهوامه, وسباع البر وأنعامه, لأن العلم حياة القلوب من الجهل, ومصابيح الأبصار من الظلم, يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة, والتفكر فيه يعدل الصيام, ومدارسته تعدل القيام, به توصل الأرحام, وبه يعرف الحلال والحرام, وهو إمام العمل, والعمل تابعه, يلهمه السعداء, ويحرمه الأشقياء" ذكره المنذري.
فشرطت هذه الفرقة الثانية تحصيل العلم الظاهر لأنه مفتاح العلم الباطن, لأن الشريعة باب والحقيقة بيت, ولا مدخل للبيت إلا من بابه, قال تعالى: "وأتوا البيوت من أبوابها" فعلم الشريعة مفتاح لعلم الحقيقة, ومن أتى الباب بلا مفتاح لا يطمع في دخوله فلا يطمع أحد في علم الحقيقة والاطلاع على السر إلا بعد تحصيل أربعة علوم:
علم الذات العالية, ويكفيه أن يعتقد فيها أنها موجودة قديمة, باقية, منزهة عن النقائص, متصفة بصفات الكمالات.
وعلم الصفات, ويكفيه أن يعتقد أن الذات العالية متصفة بالقدرة, والإرادة, والعلم, والحياة, والسمع, والبصر, والكلام.
وإن زاد براهينها من الكتاب والسنة, فهو كمال, وإن أسعده الله بلقاء شيخ كامل رقاه إلى علم الأذواق, وصار توحيد في معد الشهود والعيان.
العلم الثالث: علم الفقه, ويكفيه ما يتقن به طاعته, وصلاته, وصيامه, وإن كان له مال تعلم ما يجب عليه فيه, ولا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه.
العلم الرابع: علم الأحوال, والمقامات, والمنازلات, ومخادع النفوس, ومكايدها, وما يجري مجرى ذلك من آداب ومعاملات, وهذا الذي يختص به أهل هذا الفن.
وللناس فيه طريقان:
طريق رؤية الحق من أول قدم, والعمل على ذلك بالانحياش إليه, وهو طريق الشاذلية ومن نحا نحوهم.
وطريق رؤية النفس واطلاع الحق عليها والعمل على ذلك, وهي طريق الغزالي ومن جرى مجراه, وكل منهما مستنده لحديث: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فتمسكت الشاذلية بصدر الحديث والغزالية بآخره.
وقوله: "فهذه طريقة البرهان" يعني أن هذه الطريقة تسمى طريقة البرهان, لأنه طريقة الترقية, لأنها أولا تستدل بالأثر على المؤثر, ثم ترتقي إلى معرفة العيان, بخلاف الطريقة الأولى, إنما اشتغلت بتصفية الروح, فإذا تصفت وتطهرت زال عنها الحجاب.
قلت: وطريق الشاذلية الحقيقية من تأملها وجدها جمعت بين الطريقين: طريق الإشراق, وطريق البرهان, لأن أشياخها الكمل يدلون أولا على إتقان الشريعة, والفناء في العمل بها, ثم على إتقان علم الطريقة, ثم على الحقيقة.
قلت: وأنا "عبد الله" كنت إذا لقنت أحداً الورد: علمته ما يلزمه من إتقان طهارته الصغرى والكبرى, وعلمته التيمم وإتقان الصلاة وإذا كان أميا علمته ما يلزمه من عقائد التوحيد إجمالا, فأصحابنا كلهم والحمد الله على بصيرة في دينهم, مع ما زادهم الله تعالى من التنوير والأذواق, وهي طريق الإرشاد, فأصغرهم يناظر نجباء طلبة العلم الظاهر, حسبما استقريناه من أحوالهم, وما اطلعنا عليه من أسرارهم, والحمد لله رب العالمين.
قوله: "وهي لكل حازم يقظان" يعني أن هذه الطريقة التي جمعت بين العلم الظاهر والباطن, لكل حازم مشمر في تحصيل دينه "يقظان" أي منتبه من غفلاته, قد أتى البيت من بابه, وحصل الأمر بشروطه وأسبابه, فليس لأحد فيه مطعن, ولا لإخلاله فيه مدخل, لكن لا يدرك هذه الطريقة على الكمال إلا فحول الرجال, وبالله التوفيق.
ثم وصف الصوفي وحاله وشأنه فقال:
وصف الصوفي وحاله وشأنه
ونسبوا الصوفي للكمال ..... وضربوا معناه في المثال
فهو كالهواء في العلو ..... ثم كمثل الأرض في الدنو
ثم كمثل النار في الضياء ..... ثم كمثل الماء في الإرواء
فهو إذا للكائنات حاصر ..... إذ صار في معناه كالعناصر
قلت: لا شك أن الصوفي المحقق قد حاز مرتبة الكمال على التمام, فما من مرتبة إلا حاز أكملها وأشرفها:
فأخذ من مقام الإسلام: كمال التقوى والاستقامة على التمام.
وأخذ من مقام الإيمان تمام الطمأنينة وكمال الإيقان.
وأخذ من مقام الإحسان: أعلى المراتب, وهي الشهود والعيان.
وقد قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: أهل الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان.
وأخذ أهل الظاهر من الأعمال أعمال الجوارح الظاهرة.
وأخذ الصوفي أعمال القلوب الباطنة, والذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح, كما قاله الشيخ ابن عباد وغيره.
وفي الحديث: "تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة".
وعبادة القلوب هي: الفكرة والنظرة, والرضا بما يبرز من عنصر القدرة, فعبادة العارفين كلها مضعفة إما بسبعين أو بألف أو بأكثر, ولذلك قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: أوقاتنا كلها ليلة القدر: يعني كلها خير من ألف شهر من عبادة العامة, وفي ذلك قال الشاعر:
كل وقت من حبيبي ..... قدره كألف حجة
أي سنة.
وفي الحكم "ما قل عمل برز من قلب زاهد, ولا كثر عمل برز من قلب راغب".
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ركعتان من عالم زاهد, خير وأحب إلى الله من عبادة المتعبدين المجتهدين إلى آخر الدهر أبدا سرمدا.
وهذه المراتب موجودة في الصوفي الكامل على التمام.
وقد ضربوا له المثال بالعناصر الأربعة التي قامت بها الموجودات الحسية باعتبار العادة, وهي: الهواء والثرى "أي التراب" والماء, والنار, وتسمى الطبائع الأربعة, وقد نظمها ابن سينا الحكيم, فقال:
وقول بقراط بها صحيح ..... نار وماء وثرى وريح
وأراد بالريح الهواء.
فالصوفي قد اجتمعت فيه العناصر الأربعة, فهو كالهواء في رفع الهمة, وعلو القدر, وأيضا الهواء حار رطب, فهو معتدل محيط بالأبدان, به يقع كمالها ونقصها, والصوفي: معتدل في حركاته من غير إفراط ولا تفريط, بل متوسط في كل شيء, وخير الأمور أوسطها, وبحسب هذا جميع الوجود, يأنس به ويرجع إليه, ويقع له منه الفعل والانفعال بإذن الله سبحانه, مع ارتفاعه عن أبناء جنسه في عين مجانسته لهم, كما ارتفع الهواء عن التراب والماء مع مخالطته لهما, وهو أيضا كالأرض في الدنو والتواضع, والسهولة, يناله البر والفاجر, والصغير والكبير, كما أن الأرض يطأها البر والفاجر, والصغير والكبير, كما أن الأرض يطأها البر والفاجر, والصغير والكبير.
وقال بعض أشياخنا: نحن كالرقاق "أي الطرف" يمر علينا البر والفاجر, والطائع والعاصي ولا نفرق بينهم, وأيضا طبع الأرض بارد يابس, فبرودتها يقع لها الملابسة, إذ لو كانت حارة والهواء حارا لاحترق ما عليها, وبسبب يبوستها يقع لها المماسة, والصوفي كذلك, لبرودة حركاته وليونتها يلابسه الخلق وينتفعون به, ولوقوفه مع الحق وصلابته فيه صح له الصدق, فيكون له قلب مثل الأرض يطرح عليه كل قبيح, ولا يخرج منه إلا كل مليح, وكلما زيد في زبلها زيد في خيرها.
وكذلك الصوفي كلما زدت في البحث معه زادك فائدة وحكمة.
وقد قال سيدنا عيسى عليه السلام لأصحابه أين تنبت الحبة؟ قالوا: في الأرض, قال: فكذلك الحكمة, لا تنبت إلا في قلب كالأرض, وقال سهل رضي الله عنه: طريقتنا هذه لا تصلح إلا لأقوام كنست بأرواحهم المزابل, وهو أيضا كالنار في إحراق الأوصاف الخبيثة الذميمة, وفي اقتباس الأنوار واشتغال مصابيح القلوب, وأيضا طبع النار حار يابس, مضيء محرق, كذلك الصوفي لا تفارقه الحرارة الباطنية, وهي قوته وسخانته الناشئة عن شهود حريته الباطنية, ويحرق كل ما والاه من أوصاف نفسه, ويرى ما وراءه من المعارف وحقائق الوجود, وهو أيضا كالماء في الإرواء وإزالة عطش الجهل, وحرارة التعب الناشئة عن وجود الحجاب, وأيضا طبع الماء بارد رطب, والصوفي كذلك فمن برودته لا ينتصر لنفسه, ومن رطوبته لا يتكبر على غيره, مع إروائه من احتاج إليه, وهذه العناصر الأربعة هي التي اجتمع منها وجود العالم باعتبار الحكمة؛ وهي أركانه فالصوفي كلية العالم بمعانيه ومبانيه, ولذلك قال فيه بعضهم: "الصوفي من لا يعرف في الدارين أحدا غير الله, ولا يشهد مع الله سواه, قد سخر له كل شيء, ولم يسخر هو لشيء, وسلط على كل شيء, ولم يسلط عليه شيء, فأخذ النصيب من كل شيء ولم يأخذ النصيب منه شيئا, يصفو به كدر كل شيء, ولا يكدر صفوه شيء, قد شغله واحد عن كل شيء, وكفاه واحد من كل شيء, ثم كمل ما بقي من فضله إجمالا فقال:
وفضله أشهر من أن يجهلا ..... وقد ذكرنا منه نزراً مجملا
وفي بيان أصله دليل ..... يعلم منه الشان والتفضيل
قلت: أشار رحمه الله إلى أن فضل التصوف مشهور, وشهرته أعظم من أن يجهله أحد وقد ذكر من فضله نزراً: أي شيئا قليلًا مجملاً غير مفصل, إذ تفصيله يؤدي إلى التطويل الممل, وفي بيان
أصله الذي ذكره في الفصل الأول دليل على تعظيم شأنه وتفضيله على سائر العلوم.
قلت: ولم نسمع أحداً قط طعن في علم التصوف أو عابه أو نقصه, بل القلوب كلها مجبولة على حبه ومدحه, وإنما وقع الإنكار على أهله والمنتسبين إليه: إما غيرة عليه أن يدخل فيه من ليس منه, وهذا معذور وإما حسداً لأهله, وهذا هالك مثبور, والأول على خطر, فإن المنكر على المنتسبين كمن يدخل يده في الغيران فيدخل يده في الغار, الأول والثاني, فيقول: لا شيء ثم يدخل يده في غار آخر فيصادف حية تلسعه, فيهلك من ساعته, وإذا فاتته بركة الاعتقاد, فأقل أحواله ترك الانتقاد, ولذلك قال الشاذلي: تسليم طريقتنا ولاية, واعتقادها عناية.
وقالوا أيضا: التسليم ولاية, والاعتقاد عناية, والانتقاد جناية.
وقل يكون الإنكار من عدم الفهم وقلة الإدراك, ويرحم الله القائل:
وكم من عائب قولًا صحيحاً ..... وآفته من الفهم السقيم
وسيأتي بقية الكلام في الفصل الرابع إن شاء الله, في الرد على من أنكره..
ثم ذكر الناظم هنا أحكامه فقال:
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» الفصل الأول في أصل التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الرابع في الرد على من رد التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (3) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (2) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الرابع في الرد على من رد التصوف الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (3) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (4) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
» الفصل الثالث في أحكام التصوف وهي تسعة (2) الفتوحات الإلهية فى شرح قصيدة المباحث الأصلية للشيخ ابن البنا السرقسطى شرح الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله