المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان أعلام التصوف و أئمة الصوفية رضى الله عنهم :: السادة المدرسة الشاذلية :: كتب الشيخ ابن عطاء الله السكندري :: اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية ابن عطاء الله السكندري
صفحة 1 من اصل 1
01122023
المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية
المقدمة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، الواحد الأحد ، في ذاته وصفاته وأفعاله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشّورى : 11 ] خلق الأكوان من العدم على غير مثال سبق وما زال يمدها بالوجود ويمسكها عن الزوال مصداقا لقوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا[ فاطر : 41 ] .والحمد للّه رب العالمين أمرنا بالتخلّق بأخلاقه تعالى بقوله :وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ[ آل عمران : 79 ] .
والصلاة والسلام على سيد ولد آدم ، النبي الخاتم ، والإنسان الكامل ، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، ليعلّمهم مكارم الأخلاق مصداقا لقوله صلى اللّه عليه وسلم : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »
. وبعد فهذا شرح لثلاثين حكمة في تربية النفس وتزكيتها من الأوصاف السيئة وتحليتها بالأخلاق الفاضلة لتتهيأ لسلوك طريق الآخرة ، بسيرها على الصراط المستقيم وصولا إلى معرفة اللّه تعالى التي هي غاية خلق الخلق .
وهذه الحكم اخترتها من حكم الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري إمام عصره في علمي الشريعة والحقيقة قال عنه الإمام الذهبي : « كانت له جلالة عظيمة ، ووقع في النفوس ، ومشاركة في الفضائل وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروّح النفوس » ( شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 6 / 20 ) .
وقال عنه الشيخ ابن الأهدل : « الشيخ العارف باللّه شيخ الطريقين ( الشريعة والحقيقة ) وإمام الفريقين ( الفقهاء والصوفية ) كان فقيها عالما ينكر على الصوفية ، ثم جذبته العناية ( الإلهية ) فصحب شيخ الشيوخ أبا العباس المرسي ، وفتح عليه على يديه وله عدة تصانيف ، منها الحكم وكلها مشتملة على أسرار ومعارف وحكم ولطائف ، نثرا ونظما من طالع كتبه عرف فضله » . ( المرجع السابق ) .
وأما الحكم فيقول عنها الشيخ ابن عباد النفري في مقدمة كتابه غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية : « أما بعد فإنا لما رأينا كتاب الحكم المنسوب إلى الشيخ الإمام المحقق العارف ابن عطاء اللّه السكندري من أفضل ما صنف في علم التوحيد وأجل ما اعتمده بالتفهم والتحفظ كل سالك ومريد ، لكونه صغير الجرم ، عظيم العلم ، ذا عبارات رائعة ومعان حسنة فائقة ، قصد فيها إلى إيضاح طريق العارفين والموحّدين وإبانة مناهج السالكين والمتجرّدين، أخذنا في وضع تنبيه يكون كالشرح لبعض معانيه الظاهرة ».
هذا وقبل أن أبدأ في شرح الحكم مهّدت ببحث عن التصوف الإسلامي ثم تكلمت عن وجوب معرفة اللّه تعالى على كل مكلّف وبينت أنها أول واجب عليه تعلّمه.
ثم تكلمت عن أقسام الدين الإسلامي الكامل : الإسلام والإيمان والإحسان ، وبيّنت تعلق علم الفقه بالإسلام ، وعلم العقيدة بالإيمان ، وعلم التصوف بالإحسان .
ثم تكلمت عن المعوقات التي تحول بين العبد وربه ، وتمنعه من سلوك الطريق المستقيم طريق الآخرة التي أمرنا اللّه تعالى باتباعها لنصل إلى السعادة الأبدية .
وأخيرا وإتماما للفائدة ألحق بالكتاب النص الكامل للحكم العطائية الكبرى والصغرى مرقّمة ومضبوطة بالشكل الكامل ، إضافة إلى مناجاته الإلهية ومختارات من مكاتباته لبعض مريديه ، كما وضعت فهرسا بشرح مصطلحات الصوفية عند ابن عطاء اللّه رحمه اللّه تعالى ونفعنا وإياكم بعلومه وأسراره .
وأسأل اللّه تعالى أن يجعل ما أجراه على خاطري وخطه بناني خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله حجة لي وينفعني به والمسلمين ويزيدني علما وتحققا بأسمائه وصفاته وتجردا عن كل ما سواه تعالى إنه نعم المولى ونعم النصير .
والحمد للّه رب العالمين .
وكتبه العبد الفقير إلى اللّه تعالى
عاصم إبراهيم الكيالي
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
والحمد للّه ، الوجود الحق المبين ، قيوم السماوات والأرض ، المنزّه عن الإطلاق والتقييد والمتعالي عن التشبيه والتنزيه ، المتجلي بجماله وجلاله في مظاهر أسمائه وصفاته ، الباطن بأحديته حيث لا تدركه البصائر والأبصار ، والظاهر بواحديته حيث الوجوه الناضرة إلى ربها ناظرة .والصلاة والسلام على الرحمة المهداة من أزل الأولية الذاتية ، الكنزية المخفية ، إلى أبد الآخرية ، الصفاتية العيانية . والصادر من عماء البطون ساريا في أطوار الشؤون ، لإيجاد الوجود في عوالم الملك والملكوت والجبروت ، والقدوة الحسنة للهيكل الإنساني في أرض جسمه ونفسه ، وسماء قلبه وعقله ، وحقيقة روحه وسره ، بما بعث له به من الإسلام والإيمان والإحسان . إظهارا للحقائق والتعينات العلمية على مقتضى الاستعدادات والقوابل القدرية الحكمية .
ورضوان اللّه تعالى وسلامه وتحياته على جميع آله الطيبين الطاهرين ، المبرئين من أدناس الأغيار ، والمتزينين بحلل المعارف والأسرار ، والمتزيين بزي حبيبهم المختار ، من قلائد المراقبة والشهود والاستحضار بجميع الأنفاس والأطوار . والآيلين إليه بالأنساب وبالمتابعة في جميع أنواع الأنوار ، الذين شيّد اللّه تعالى بهم البيت الإلهي وعمره تعميراإِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[ الأحزاب : 33 ] .
وعلى أصحابه المقربين الأبرار ، المهاجرين منهم والأنصار ، الخارجين من مكة النفوس قبل الفتح إلى مدينة القلوب الروحانية والأسرار الربانية ، والناصرين للملة الإسلامية بين البرية بالأقوال والأفعال والأحوال :مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ[ الفتح : 29 ] .
وعلى التابعين لهم بإحسان في كل حال ومقام ، على مدى الأزمنة والأوقات ، في جميع مراتب التجليات والتنزلات ، بحسن المتابعة والاقتداء ، وكمال الاهتداء إلى يوم الدين .
وأما بعد ، فقبل أن نبدأ الحديث عن التصوّف الإسلامي ، مبينين حدّه ، واشتقاقه واستمداده ، وحكم الشّارع فيه ، ونسبته من سائر العلوم الشّرعيّة ، ومواضيع أخرى تكشف لنا عن حقيته وأهميته في حياة الفرد والمجتمع ، وعن موقعه في الموروث الحضاري الإسلامي والعالمي ، لا بد من ذكر مقدمات ذات علاقة عضوية وجوهرية بالتصوف ، تعتبر من مفردات موضوعاته ، وتشمل الحديث عن العناوين التالية :
السعادة المادية والروحية ، وغاية وجود الإنسان ، والإنسان ومعرفة اللّه تعالى ، ووجوب المعرفة على كلّ مكلّف ، وأقسام المعرفة البرهانية والعيانية ؛ الكسبية والوهبية ، الشرعية والحقيقية ، وحقيقة الإنسان الخليفة الملكية والملكوتية والجبروتية ، ومبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله : الإسلام والإيمان والإحسان .
وأبدأ بالحديث عن السعادة المادية والسعادة الروحية قائلا : إن السعادة تنقسم إلى نوعين : الأول سعادة مادية جسدية آنية ، والثاني سعادة عقلية روحية أبدية ، وإنّ البشر يسعون جاهدين دون كلل أو نصب لتحقيق أحد هذين النوعين من السعادة .
إنّ لكل إنسان هدفا يشبع من خلاله غرائزه ورغباته واحتياجاته المادية أو الروحية ، لكي يصل إلى اللذة أو السعادة التي يجدها في هذا الهدف الذي يعده غاية وجوده ، إنّ هذا الهدف المحرك للإنسان نحو غايته مركوز ، في تركيبته الجامعة للمادة والروح ، وتوجهات الإنسان ومساعيه المحققة لاحتياجات هذه التركيبة منطقية وضرورية فطرية .
إنّ اللّه تعالى خالق هذه التركيبة ، لم يترك الإنسان تائها يتخبط في سيره نحو تحقيق السعادة دون دليل يسترشد به ويضيء له الطريق ، فكانت المحجة البيضاء التي لا يضل عنها إلا هالك : كتاب اللّه وسنّة النبي محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم .
غاية وجود الإنسان :
إنّ السعادة المادية في الإسلام مطلوبة من الإنسان على أنها من وسائل استمرار وجوده وليست غاية وجوده ، فملذات الحياة الدنيا غير مقصودة لذاتها ، بل لتساعد المؤمن في سيره نحو مقصده الأسمى اللّه تعالى ، الذي هو غاية وجوده في هذا الكون .
إنّ معرفة اللّه تعالى ومعرفة وحدانيته في ذاته وصفاته وأفعاله ، هي عين السعادة الحقيقية الروحية الأبدية ، فهي غاية خلق الخلق ، قال تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )[ الذّاريات : 56 ] .
فسّر عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما « إلا ليعبدون » بإلا ليعرفون فيكون الحق تعالى قد عبّر عن « المعرفة » التي هي الغاية ب « العبادة » التي هي الوسيلة .
الإنسان ومعرفة اللّه :
إنّ الإنسان مفطور على معرفة اللّه تعالىفِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها[ الرّوم : 30 ] ، ولكنه بعد نزوله إلى الدنيا وانغماسه في شهواتها بإغواء الشيطان والنفس والهوى تشوهت هذه المعرفة ، فأرسل اللّه تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام ، وأنزل كتبه للتذكير بتوحيد الفطرة .أول واجب على كل مسلم مكلّف :
إنّ الشريعة الإسلامية جعلت معرفة اللّه تعالى أول واجب على كل مسلم مكلّف ، قال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
قال الإمام السيوطي في كتابه ( الإكليل في استنباط التنزيل ) : « قد استدل بالآية من قال بأن أول الواجبات معرفة اللّه تعالى » . وهذه المعرفة تنقسم إلى قسمين : معرفة استدلالية برهانية ، ومعرفة شهودية عيانية .المعرفة أو الإيمان أو العلم باللّه تعالى القولي ( التقليدي ) ، والنظري ( الاستدلالي ) ، والشهودي ( اليقيني العياني ) :
يقول الشيخ عبد الغني النابلسي موضحا ذلك : « اعلم أن العلوم ثلاثة : علم القول ، وعلم الفهم ، وعلم الشهود . فعلم القول للمقلدين القاصرين ، وعلم الفهم للناظرين المستدلين ، وعلم الشهود للعارفين الذائقين .
« وقد انقسم الإيمان باللّه وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالشرائع والأحكام إلى ثلاثة أقسام :
إيمان المقلدين وهو بالقول فقط مع طمأنينة قلوبهم من غير فهم وهو المشار إليه بقوله تعالى :قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا[ البقرة : 136 ] الآية .
وإيمان المستدلين وهو بالفهم مع القول فقط وهو المشار إليه بقوله تعالى :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ يونس : 101 ] .
وأما القسم الثالث فهو إيمان العارفين وهو بالشهود فقط بعد القول والفهم وهو المشار إليه بقوله تعالى :شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ[ آل عمران : 18 ] » .
ثم يشرح الشيخ عبد الغني النابلسي هذه الآية قائلا : « ومن عظيم أسرار هذه الآية أن الشهادة ذكرت فيها مرة وأسندت إلى ثلاثة حقائق : اللّه والملائكة وأولو العلم ، فدلّ أن الشهادة واحدة أسندت إلى اللّه أولا ثم تنزلت إلى الملك ثم إلى صاحب العلم فهي في اللّه فعل وفي الملك وصاحب العلم تفويض وبالتفويض يقع الشهود . فإن اللّه لا ينسب إليك شهادته إلا إذا فوضت إليه وإذا فوضت إليه محقك من عينك فكان هو الشاهد والمشهود وفي هذا المقام يقول بعض العارفين : ما عرف اللّه إلا اللّه . . . .
« ولا شك أن أقسام الإيمان الثلاثة ترجع إلى قسم واحد وهو ما ورد عن اللّه تعالى ، قاله المقلدون بأفواههم ، وتصوره المستدلون بأذهانهم ، وشهده العارفون بأسرارهم .
فهو في المقلد قول وفي المستدل تصور وفي العارف شهود . بمنزلة من قال بلسانه نار ، ومن تصور النار في ذهنه ، ومن أدرك حرارتها ببدنه . فالقائل يستند في قوله إلى غيره حاكيا عنه . والمتصور يستند في شهوده إلى ذهنه حاكيا عنه ، والمشاهد يستند في شهوده إلى حقيقة ما شاهده حاكيا عنه . فمعلّم الأول آخر مثله ، ومعلم الثاني فكره وذهنه ، ومعلم الثالث ربه ، كما قال بعض العارفين : أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت . وشتان بين من ينطق عن غيره أو فكره وبين من ينطق عن ربه .
فالحق الذي يجب الإيمان به واحد ولكن يختلف باختلاف الظهورات ؛ فظهوره في أصحاب الأقوال غير ظهوره في أصحاب الاستدلال غير ظهوره في أصحاب شهود الأحوال » انتهى .
وهذا العلم الأخير علم شهود الأحوال هو المعبّر عنه بالعلم الوهبي أو العلم اللدني .العلم الوهبي أو العلم اللدني :
وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى :وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ[ البقرة : 282 ] وقوله تعالى :وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً[ الكهف : 65 ] والمشار إليه بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم داعيا لعبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما : « اللهم فقّهه في الدين وعلمه التأويل »
وهو المراد بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « العلماء ورثة الأنبياء »
وبقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
وقال الإمام علي رضي اللّه عنه وكرّم وجهه :«علّمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بابا من العلم لم يعلّم ذلك لأحد غيري».
وكان يضرب بيده على صدره ويقول : « إن ههنا علوما جمّة لو وجدت لها حملة » .
وفي رواية البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : « حملت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جرابين من العلم فأما الواحد فبثثته فيكم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم » . ( صحيح البخاري ، باب حفظ العلم ، من كتاب العلم ، حديث رقم 42 ، الجزء الأول ) .
وأخرج الحاكم في ترجمة أبي هريرة قوله : « حفظت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحاديث ما حدثتكم بها ، ولو حدثتكم بها لرميتموني بالأحجار » .
وقال صلى اللّه عليه وسلم :« نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم »
وهو معنى قوله تعالى :وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً[ النّساء : 63 ] أي خاطبهم على قدر عقولهم ومقدار فهومهم ، فإن القول البليغ هو الذي يكون بحسب مبالغ المخاطبين . ثم أمرنا عليه الصلاة والسلام بما أمر به فقال : « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » .
وفي الحديث الشريف أيضا : « إن من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه إلا العلماء باللّه ، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة باللّه » « 1 » .
وقال بعض أهل العلم شارحا هذا الحديث : « هي أسرار اللّه يبديها إلى أمناء أوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة ، وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها إلا الخواص فإذا سمعها العوام أنكروها .
ومن جهل شيئا عاداه ، ومن يكن ذا فم مريض يجد مرارة الماء الزلال » .
وروي عن الإمام جعفر الصادق قوله :
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به * قيل أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وروي عن الإمام الششتري قوله :
بالسر إن بحنا تباح دماؤنا * وكذا دماء البائحين تباح
وقال الشيخ القطب أبو مدين :وفي السر أسرار دقاق لطيفة * تراق دمانا جهرة لو بها بحنا
( 1 ) أخرجه العراقي في المغني عن حمل الأسفار 1 / 21 ، والمنذري في الترغيب والترهيب ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1 / 166 ، 2 / 66 ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، وابن كثير في التفسير 6 / 357 ، والسيوطي في اللآلء المصنوعة 1 / 115 ) .
وقال الشيخ ابن عجيبة : قال بعضهم :
فمن فهم الإشارة فليصنها * وإلا سوف يقتل بالسنان
كحلاج المحبة إذ تبدت * له شمس الحقيقة بالتداني
وهو الذي أشار إليه الشيخ ابن الفارض سلطان العاشقين بقوله :
ولا تك ممن طيشته طروسه * بحيث استقلت عقله واستقرت
فثمّ وراء النقل علم يدق عن * مدارك غايات العقول السليمة
تلقيته مني وعني أخذته * ونفسي كانت من عطائي ممدتي
وقال البوصيري :قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * وينكر الفم طعم الماء من سقم
وشبّه مشايخ التصوف منكر علومهم بالعنين الذي ينكر شهوة الجماع ، وبالمزكوم الذي ينكر رائحة المسك الأذفر ، وبالمحموم الذي ينكر حلاوة السكر .
علم الشريعة وعلم الحقيقة :
وهذا العلم يعبر عنه أيضا بعلم الحقيقة في مقابلة علم الشريعة وبينهما علم الطريقة . قال الشيخ أحمد بن عجيبة الحسني مبينا الفرق بين الشريعة والحقيقة :
« أشكل على بعض الفضلاء قوله تعالى :ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ النّحل : 32 ] مع قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« لن يدخل أحدكم الجنة بعمله » الحديث .
والجواب هو أن نقول : إن الكتاب والسنّة وردا بين شريعة وحقيقة .
أو نقول بين تشريع وتحقيق ، فقد يشرعان في موضع ويحققان في آخر في ذلك الشيء بعينه ، وقد يحققان في موضع ويشرعان فيه في آخر ، وقد يشرع القرآن في موضع وتحققه السنة ، وقد تشرع السنة في موضع ويحققه القرآن فالرسول عليه الصلاة والسلام مبين لما أنزل اللّه .
قال تعالى :وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[ النّحل : 44 ] .
فقوله تعالى :ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ النّحل : 32 ] .
هذا تشريع لأهل الحكمة وهم أهل الشريعة ، وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« لن يدخل أحدكم الجنة بعمله »
هذا تحقيق لأهل القدرة وهم أهل الحقيقة ، كما أنّ قوله تعالى :وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ[ الإنسان : 30 ] تحقيق .
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « إذا همّ أحدكم بحسنة كتبت له حسنة » تشريع .
والحاصل أن القرآن تقيده السنّة والسنّة يقيدها القرآن ، فالواجب على الإنسان أن تكون له عينان : إحداهما تنظر إلى الحقيقة ، والأخرى تنظر إلى الشريعة ، فإذا وجد القرآن قد شرع فلا بد أن يكون قد حقق في موضع آخر أو تحققه السنة ، وإذا وجد السنة قد شرعت في موضع فلا بد أن تكون قد حققت في موضع آخر أو حققها القرآن ، ولا تعارض حينئذ بين الآية والحديث ، ولا إشكال .
وهنا جواب آخر : وهو أن اللّه تعالى لما دعا الناس إلى التوحيد والطاعة على أنهم لا يدخلون فيه من غير طمع فوعدهم بالجزاء على العمل ، فلما رسخت أقدامهم في الإسلام أخرجهم عليه الصلاة والسلام من ذلك الحرف ورقاهم إلى إخلاص العبودية والتحقق بمقام الإخلاص ، فقال لهم : « لن يدخل أحدكم الجنة بعمله » واللّه تعالى أعلم » . انتهى .
فالشريعة أن تعبده ، والطريقة : أن تقصده ، والحقيقة : أن تشهده . أو تقول :
الشريعة لإصلاح الظواهر ، والطريقة لإصلاح الضمائر ، والحقيقة لإصلاح السرائر .
قال بعض المحققين : من بلغ إلى حقيقة الإسلام لم يقدر أن يفتر عن العمل ، ومن بلغ إلى حقيقة الإيمان لم يقدر أن يلتفت إلى العمل بسوى اللّه ، ومن بلغ إلى حقيقة الإحسان لم يقدر أن يلتفت إلى أحد سوى اللّه .
قال بعض الصوفية في بيان ترابط هذين العلمين وتعاونهما في تكوين شخصية المسلم الكامل ظاهرا وباطنا ، حسا ومعنى ، مادة وروحا : « حقيقة بلا شريعة باطلة ، وشريعة بلا حقيقة عاطلة » . وقال الإمام مالك : « من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق » . فهما للمسلم كجناحي الطائر لا يستقل بأحدهما دون الآخر .
إن الحديث عن الشريعة والطريقة والحقيقة يدفعنا إلى الحديث عن العوالم الوجودية الثلاث : الملكية والملكوتية والجبروتية ، التي يجمعها الإنسان بكينونته الجامعة لنفسه وقلبه وروحه ، كما يدفعنا إلى الحديث عن مبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله : الإسلام والإيمان والإحسان .
وأبدأ بالحديث عن حقيقة الإنسان .
حقيقة الإنسان الخليفة الملكية والملكوتية والجبروتية :
إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعتبر محور الكون وسبب وجوده ، فهو الذي يعمره ويكوّن حضاراته وذلك لما يحمله من مقومات الاستمرار الحسية والمعنوية ، فهو الوحيد الذي حمل أمانة استخلاف اللّه تعالى له في الأرض ، فهو النموذج الخلقي الذي تظهر به ومن خلاله الكمالات الأسمائية الإلهية كالرب والملك والرزاق والرحمن والغفّار والستّار والرؤوف والمحيي والمميت والخافض والرافع والمعز والمذل ، فالإنسان هو المرآة الجامعة للعوالم الوجودية ؛ الحقية والخلقية ، الملكية والملكوتية . يقول الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري في حكمه موضحا هذه الفكرة : « جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ، ليعلمك جلالة قدرتك بين مخلوقاته ، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته » .
إن الإنسان يقابل عالم الشهادة بجسمه الطيني ، ويقابل عالم الملكوت بقلبه النوراني ، ويقابل عالم الجبروت بروحه الأمري . لذلك كان الإنسان جامعا للحقائق الوجودية كلها المادية والمعنوية ، وفي ذلك يروى عن الإمام علي رضي اللّه عنه وكرّم وجهه قوله : « أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر » وفي الحديث الشريف : « إن اللّه خلق آدم على صورته » وفي رواية « على صورة الرحمن » . إن جمعية الإنسان للحقائق الخلقية الكونية ، وللحقائق الروحية الملكوتية ، وللحقائق الحقية الأمرية الجبروتية ، هي التي رفعت قدره بين المخلوقات ، وأهّلته ليكون خليفة اللّه في أرضه وحاملا لأمانته . قال اللّه تعالى :وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[ البقرة : 30 ] وقال تعالى :إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ( 72 )[ الأحزاب : 72 ] .
وفي الحديث الشريف : « من عرف نفسه فقد عرف ربه » .
ولأن العوالم الوجودية ثلاثة : الملك والملكوت والجبروت ، ولأن الإنسان كون جامع لهذه العوالم بحقائقه الحسية والمعنوية ، جاء الدين الإسلامي كاملا ومتضمنا للإسلام والإيمان والإحسان .
فالإسلام في مقابل جسم الإنسان الملكي الشهادي ، والإيمان في مقابل قلبه الملكوتي الغيبي ، والإحسان في مقابل روحه الأمري الجبروتي .
وبيان ذلك أن نقول : مبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله ؛ الإسلام والإيمان والإحسان : إن الدين الإسلامي هو الدين عند اللّه تعالى ، أكمله لنا وارتضاه ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين .
قال تعالى :إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[ آل عمران : 19 ]
وقال تعالى :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ]
وقال تعالى :وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ( 85 )[ آل عمران : 85 ] .
إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قسمت الدين الإسلامي إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان . قال اللّه تعالى :فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ البقرة : 132 ]
وقال تعالى :وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ( 4 )[ البقرة : 4 ]
وقال تعالى :وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً[ النّساء : 125 ] .
و عن عمر رضي اللّه عنه قال : « بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطت إليه سبيلا » قال : صدقت ، فعجبنا منه يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : « أن تؤمن باللّه وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره » قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : « أن تعبد اللّه كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل » قال : فأخبرني عن أمارتها ؟
قال : « أن تلد الأمة ربّتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان » قال :
ثم انطلق فلبثت مليا ، قال : « يا عمر أتدري من السائل ؟ » قلت : « اللّه ورسوله أعلم » قال : « فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم »
( رواه مسلم ) .
يتضح لنا من هذا الحديث الشريف ومن الآيات القرآنية الكريمة المتقدمة أن الدين الإسلامي ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان .
إن الإسلام يتعلق بأعمال الجوارح ، والإيمان يتعلق بأعمال القلوب ، والإحسان يتعلق بأعمال السر أو الروح .
والإسلام أول درجات الدين الإسلامي ، وهو عبارة عن الاستسلام والانقياد للّه تعالى ظاهرا ، فهو مبدأ مراتب الدين الإسلامي ، قال تعالى :إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ( 131 )[ البقرة : 131 ] .
والإيمان ثاني درجات الدين الإسلامي ، فهو أعلى درجة من الإسلام . قال تعالى :قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ[ الحجرات : 14 ] . والإيمان هو التصديق بالقلب بكل ما جاء به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلم من الدين بالضرورة . وهو يتضمن الإسلام ، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا .
والإحسان أعلى درجات الدين الإسلامي وهو مراقبة اللّه تعالى في السر والعلن ، والشعور بوجوده تعالى وصولا إلى الشهود والعيان ، وهي مرتبة :وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ( 99 )[ الحجر : 99 ] . فهو الكمال المتضمن للإسلام والإيمان . قال تعالى :بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ[ البقرة : 112 ] فكل محسن مؤمن ومسلم وليس كل مؤمن ومسلم محسنا .
إن النصوص السابقة تبين لنا أن الدين الإسلامي الذي أكمله اللّه تعالى وارتضاه لنا ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين ، هو مجموع الإسلام والإيمان والإحسان .
وهذا يقتضي أن الإنسان المعتنق للدين الإسلامي لا يكون مسلما كاملا إلا إذا كان مسلما مؤمنا محسنا . وإذا قصر في أصل من هذه الأصول الثلاثة ، يكون بذلك قد نزل عن درجة اكتمال دينه الإسلامي الذي يعتنقه . فإذا قصر بأحد أركان الأصل الأول الذي هو الإسلام اختلّ سلوكه ، لأن الإسلام هو مظاهر سلوكية . وإذا قصّر أو أخلّ بأحد أركان الأصل الثاني الذي هو الإيمان اختلّ أو بطل اعتقاده ، لأن الإيمان هو علم اعتقادي تصديقي . وإذا عطل أو قصر في أحد ركني الإحسان ضعف واختلّ يقينه وتحققه بالإسلام والإيمان .
ونتيجة للتقصير في أصل من هذه الأصول الثلاثة أو في ركن من أركانها يكون الاختلال في الغايات والثمرات ، التي هي معرفة اللّه تعالى والفوز والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
وغالب تقصير المسلمين اليوم يتعلق بالإحسان ، لذلك انخرم سلوكهم ، وفسدت عقيدتهم ، وضعفت مراقبتهم للّه تعالى ، فقلّت خشيتهم ، ونقص يقينهم ، فتهاونوا في دينهم .
وحال المسلمين هذا يستدعي تأخرهم في دنياهم ، وخذلان ربهم لهم بعدم نصرهم ، لأن الحق تعالى علّق نصره للمسلمين بنصرهم له تعالى ، وذلك يتحقق بالأخذ والعمل بمجموع دينه الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان .حد التصوف أو تعريفه :
وكنتيجة لهذه المقدمات يكون التصوف هو العلم المتعلق أو الشارح أو الموضوع لكيفية تزكية النفس وتطهيرها وتصفيتها من الرذائل وتحليتها بالفضائل لتتهيأ القلوب لمعرفة الحق تعالى المعرفة الحقيقة من حيث معرفة تجليات الذات والصفات والأسماء والأفعال ، التي هي معرفة الشهود والعيان بطريق الذوق والوجدان .
عرّف ابن خلدون التصوف في مقدمته تعريفا جمع فيه سبب نشأته فقال : « هذا العلم من علوم الشريعة الحادثة في الملة ، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية ، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى اللّه تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه ، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة ، وكان ذلك عامّا في الصحابة والسلف ، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده ، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة » .
إن تعريف ابن خلدون هذا للتصوف يعتبر ناقصا لأنه عرف فقط قسما من أقسام التصوف وهو علم الطريقة ولم يتضمن علم الحقيقة وهو الشهود والعيان . هذا وسأذكر عددا من التعاريف لعلماء هذا الشأن دون التعرض لها نقدا وتحليلا .
قال الجنيد رحمه اللّه تعالى : التصوف أن يميتك الحق عنك ويحييك به . وقال أيضا : أن تكون مع اللّه بلا علاقة . وقيل في حده : « هو الدخول في كل خلق سني ، والخروج عن كل خلق دني . وقيل : هو الجلوس مع اللّه بلا هم ، وقيل هو العصمة من رؤية الكون » .
وقال الشيخ أحمد زروق : « قد حدّ التصوف ورسم وفسّر بوجوه تبلغ نحو الألفين ، ترجع كلها لصدق التوجه إلى اللّه تعالى » .
وقيل للجنيد أيضا : ما التصوف ؟ قال : « لحوق السر بالحق ، ولا ينال ذلك إلا بفناء النفس عن الأسباب لقوة الروح والقيام مع الحق » « 1 » .
..............................................................
( 1 ) التعرف لمذهب أهل التصوف ، الكلاباذي ، ص 91 .
وقال الشيخ عبد الرزاق القاشاني في كتابه اصطلاحات الصوفية معرّفا التصوف :
« التصوف هو التخلّق بالأخلاق الإلهية » « 1 » .
وعرّفه الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات بقوله : « وقيل : التصوف : تصفية القلب عن موافقة البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبيعية ، وإخماد صفات البشرية ، ومجانبة الدعاوى النفسانية ، ومنازلة الصفات الروحانية ، والتعلق بعلوم الحقيقة ، واستعمال ما هو أولى على السرمدية ، والنصح لجميع الأمة ، والوفاء للّه تعالى على الحقيقة ، واتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الشريعة » « 2 » .التصوف عند ابن عربي :
قال الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في الباب الرابع والستين ومائة في معرفة مقام التصوف من كتابه الفتوحات المكية : « التخلق بأخلاق اللّه تعالى هو التصوف » .
وشرح معنى ذلك بقوله : « والحكماء هم المقسطون :وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً[ البقرة : 269 ] . . . وسبب وصفه بالكثرة ( أي وصف الحكمة بالخير الكثير ) لأن الحكمة سارية في الموجودات التي هي وضع اللّه ، ثم خلق الإنسان وحمّله الأمانة بأن جعل له النظر في الموجودات والتصرف فيها بالأمانة ليؤدي إلى كل ذي حق حقه . . . كما أن اللّه أعطى كل شيء خلقه ، فجعل الإنسان خليفة في الأرض دون غيره من المخلوقين . . . فالموجودات بيد الإنسان أمانة عرضت عليه فحملها ، فإن أدّاها فهو الصوفي ، وإن لم يؤدها فهو الظلوم الجهول ، والحكمة تناقض الجهل والظلم ، فالتخلق بأخلاق اللّه هو التصوف ، وقد بيّن العلماء التلخق بأسماء اللّه الحسنى وبيّنوا مواضعها وكيف تنسب إلى الخلق ولا تحصى كثرة ، وأحسن ما تصرف فيه مع اللّه خاصة ، فمن تفطن وصرفها مع اللّه أحاط علما بتصريفها مع الموجودات فذلك المعصوم الذي لا يخطئ أبدا ، والمحفوظ من أن يتحرك أو يسكن سدى ، جعلنا اللّه من الصوفية القائمين بحقوق اللّه والمؤثرين جناب اللّه » انتهى « 3 » .التصوف عند حجة الإسلام الغزالي :
يقول الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي مؤلف كتاب الإحياء في علوم الدين : « علمت أن طريقتهم ( أي الصوفية ) تتم بعلم وعمل ، وكان حاصل علومهم
..................................................................
( 1 ) ص 156 .
( 2 ) ص 62 .
( 3 ) الفتوحات المكية ( 3 / 402 ) طبعة دار الكتب العلمية .
قطع عقبات النفس ، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة ، وحتى يتوصل بها إلى تخلية القلب من غير اللّه ، وتحليته بذكر اللّه » . إلى أن يقول : « وكان العلم أيسر عليّ من العمل . . فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات . . . فعلمت أنهم أرباب أحوال لا أصحاب أقوال » .
انتهى .اشتقاق كلمة التصوف أو علم التصوف :
هذه الأقوال سالفة الذكر هي نماذج لتعريف التصوف أما اشتقاقه فقد اختلف فيه على أقوال كثيرة ، منها : أنه من الصوفة لأنه ( أي السالك إلى اللّه تعالى ) كالصوفة المطروحة لا تدبير له . ومنها أنه منقول من صفة المسجد النبوي الذي كان منزلا لأهل الصفّة ، لأن الصوفي تابع لهم فيما أثبت اللّه لهم من الوصف حيث قال مخاطبا نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم :وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ[ الكهف : 28 ] .
وأحسن الأقوال في اشتقاق التصوف أنه من الصفاء لأن مداره على التصفية تصفية القلب وصفاء النفس . قال بعض الصوفية :تخالف الناس في الصوفي واختلفوا * وكلهم قال قولا غير معروف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى * صافي فصوفي حتى سمي الصوفيوقال بعض العارفين : لا بد للصوفي أن يتحقق بمعاني حروف اسمه ؛ فالصاد صفاؤه ، والواو وفاؤه ، والفاء فناؤه ، والياء يقينه .استمداد علم التصوف :
هذه نماذج مما قيل في اشتقاقه أما استمداده أي الأصول التي استمد منها التصوف تعاليمه : « فهو مستمد من الكتاب ( القرآن ) والسنّة النبوية وإلهامات الصالحين وفتوحات العارفين ، وقد أدخلوا فيه أشياء من علم الفقه لمس الحاجة إليه في علم التصوف ، حررها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في الإحياء في أربعة كتب : كتاب العبادات ، وكتاب العادات ، وكتاب المهلكات ، وكتاب المنجيات . وهي فيه كمال لا شرط إلا ما لا بد منه في باب العبادات » « 1 » .
.........................................................................
( 1 ) إيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية لأحمد بن عجيبة ص 26 ( طبعة دار الكتب العلمية ) .
حكم الشارع في التصوف أو حكمه شرعا :
أما حكم الشارع فيه فقد قال الإمام الغزالي : « إنه ( أي التصوف ) فرض عين ( على كل مكلّف ) إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام » .
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية : « من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر ، وحيث كان فرض عين يجب السفر إلى من يأخذ عنه إذا عرف ( يعني هذا الشيخ العارف باللّه ) بالتربية ( والتسليك إلى اللّه تعالى ) واشتهر الدواء على يده » « 1 » .نسبة علم التصوف من سائر العلوم الشرعية :
أما نسبة علم التصوف من سائر العلوم : « فهو كلي لها وشرط فيها ، إذ لا علم ولا عمل إلا بصدق التوجه إلى اللّه تعالى ، فالإخلاص شرط في الجميع ، وهذا باعتبار الصحة الشرعية والجزاء والثواب ، وأما باعتبار الوجود الخارجي ، فالعلوم توجد في الخارج دون التصوف ولكنها ناقصة أو ساقطة » « 2 » . وقال الشيخ أحمد زروق رحمه اللّه تعالى : « نسبة التصوف من الدين نسبة الروح من الجسد ، لأنه مقام الإحسان الذي فسره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لجبريل عليه السلام :
« أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك »
. إذ لا معنى له سوى ذلك ، إذ مداره على مراقبة بعد مشاهدة ، أو مشاهدة بعد مراقبة وإلا لم يقم له وجود » « 3 » .
وقيل في وصف التصوف والصوفي :ليس التصوف لبس الصوف ترقعه * ولا بكاءك إن غنّى المغنّونا
ولا صياح ولا رقص ولا طرب * ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كدر * وتتبع الحقّ والقرآن والدينا
وأن ترى خائفا للّه ذا ندم * على ذنوبك طول الدهر محزونا
وكخلاصة لكل ما تقدم أذكر كلاما للشيخ أحمد بن عجيبة شارح حكم ابن عطاء اللّه السكندري بيّن فيه حقيقة التصوف إذ يقول :« واعلم بأن هذه الطريقة * بحث عن التحقيق للحقيقة
.........................................................................
( 1 ) نفس المرجع السابق .
( 2 و 3 ) نفس المرجع السابق .
قلت : البحث هو التفتيش ، يقال : بحث عن كذا : فحص عنه ، وبحث في الأرض أخرج ترابها ، والتحقيق : إدراك الشيء من أصله ، والحقيقة : ذات الشيء وأصله ، وحقيقة الإنسان : ماهيته ومادته .
وأما في اصطلاح الصوفية فهي : كشف رداء الصون عن مظهر الكون ، فيفنى من لم يكن ، ويبقى من لم يزل ، وهي عندهم نتيجة التصفية التي هي الطريقة ، والطريقة : هي نتيجة الشريعة ، فالشريعة هي إصلاح الجوارح الظاهرة ، وهي تدفع إلى الطريقة التي هي إصلاح الأسرار الباطنة، وهي تدفع إلى الحقيقة التي هي كشف الحجاب ومشاهدة الأحباب من داخل الحجاب ».
ثم يتابع الشيخ أحمد بن عجيبة حديثه عن التصوف قائلا : « وطريقة الصوفية هي بحث وتفتيش عن تحقيق الحقيقة وإدراكها : ذوقا وحالا » .
ثم يشرح ذلك بقوله : « واعلم أن اللّه جلّ جلاله واحد في ملكه ، لا شريك معه ولا ضد له ولا ند له ، كان ولا شيء معه ، وهو الآن على ما كان عليه ، كان في أزل أزليته لطيفا خفيا ، حكيما قديرا لطيفا لا يدرك ، خفيا لا يعرف ، قائما بذاته ، متصفا بمعاني أسمائه وصفاته ، فأراد سبحانه أن يعرف بذاته ، وأن يظهر أثر أسمائه وصفاته ، فأظهر قبضة من نوره اللطيف ، فتكثفت بقدرته ليتهيأ بها التعريف ، ثم تنوعت على عدد أسمائه وصفاته ، فلما ظهرت تلك القبضة النورية تجلّى فيها باسمه الباطن ، فبطنت في ظهورها ، وكمنت في مظاهرها ، فالأشياء كلها مظاهر للحق ، لكن لا بد للحسناء من نقاب ، وللشمس من سحاب ، فنسجت تلك الخمرة اللطيفة الأزلية بقدرتها رداء ، واكتست بحكمتها إزارا ، فقالت : « العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما قصمته » ثم اختلفت تلك الحكمة في نسجها وغزلها ، فمنها ما رق غزله ولطف نسجه ، فكان فيه النور قريبا من الظهور ، ومنه ما غلظ غزله وكثف نسجه ، فخفي النور لأجل غلظ الستور ، ثم إن الذي رق غزله ولطف نسجه منه ما هو نور محض ، وهم الملائكة ، ومنه ما هو نور وظلمة وهم بنو آدم . ومنه ما هو نور وظلمة وغلب عليه ظهور الظلمة ، وهي الجمادات وما لا يعقل من الحيوانات ، ونعني بالنور المعنى ، وبالظلمة الحس ، فالكون كله باطنه نور وظاهره ظلمة ، باطنه قدرة وظاهره حكمة ، باطنه لطيف وظاهره كثيف ، وإليه أشار صاحب العينية ( أي الشيخ عبد الكريم الجيلي ) بقوله :وما الكون في التمثال إلا كثلجة * وأنت لها الماء الذي هو نابع
ثم إن الحق سبحانه خصّ مظهر هذا الآدمي بخصائص لم تكن لغيره .
منها : أن جعل روحه اللطيفة النورانية في قالب كثيف ، ليتأتى له منه غاية التصريف .
ومنها : أن جعل ذلك القالب في أحسن تقويم ، وأبدع فيه من بدائع حكمته وعجائب صنعه ما يليق بقدرة السميع العليم .
ومنها : أنه جعله حاكما على المظاهر كلها ، مالكا لها بأسرها ، خليفة عن اللّه فيها ، ثم فتح له من فنون العلوم ومخازن الفهوم ما لم يفتحه على غيره مما هو معلوم ، وقال تعالى :إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[ البقرة : 30 ] وقال في ذلك الخليفة :وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها[ البقرة : 31 ] .
ومنها : أن أعطاه سبحانه وتعالى سبعا من الصفات تشبه صفات المعاني الأزلية ، إلا أنها ضعفت بإحاطة القهرية ، وهي : القدرة ، والعلم ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، فحصل له بهذا أنموذج وشبه بالصمدانية الإلهية .
ومنها : أنه سبحانه جعله نسخة الوجود ، يحاكي بصورته كل موجود ، فإن عرف الحق كان الوجود نسخة منه ، إلى بعض هذه المعاني أشار بقوله :وهذه حقيقة الإنسان * حيث لها أنموذج ربانيقلت ( أي الشيخ ابن عجيبة ) : حقيقة الإنسان هي روحانية ، وهي لطيفة نورانية لاهوتية جبروتية ، ثم احتجبت ببشرية كثيفة ناسوتية ، فسبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية ، وظهر بإظهار الربوبية في مظاهر العبودية .
الأنموذج ، قال في القاموس : والنموذج بالفتح : الشبه . . . وهذا الشبه الذي حازه الإنسان دون غيره هو اتصافه بشبه أوصله إلى الحق سبحانه ، حيث جعل اللّه فيه : قدرة ، وإرادة ، وعلما ، وحياة ، وسمعا ، وبصرا ، وكلاما ، وجعله نسخة من الوجود بأسره ، وخليفة عن اللّه في حكمه ، يتصرف في الأشياء باختياره في ظاهر أمره ، ولذلك ورد في الحديث : « خلق اللّه آدم على صورته » ، وفي رواية « على صورة الرحمن » . ومعناه خلق آدم وأعطاه من الصفات ما يشبه صفات الرحمن ، وهي صفات المعاني والمعنوية ، وخصه أيضا فجعله خزانة لسائر أسمائه ، ففي الآدمي تسعة وتسعون اسما ، كلها كامنة في سره ، ثم يظهر على ظاهره ما سبق له في علم الغيب ، فالبعض يظهر عليه اسمه الكريم ، والبعض اسمه الرحيم ، والبعض اسمه الحليم ، والبعض اسمه المنتقم ، والبعض اسمه المتكبر ، والبعض اسمه القهّار ، والبعض اسمه القابض ، والبعض اسمه الباسط ، وقد يتعاقب عليه أسماء كثيرة في وقت واحد ، وإذا فني عن حسه وغاب عن نفسه ظهرت عليه أنوار الألوهية ، فينطق بالأنانية غلبة ووجدا ، وبهذا قتل الحلاج .
وقد ورد في الترغيب في التخلق بأخلاق الرحمن ، قال صلى اللّه عليه وآله وسلم :
« تخلّقوا بأخلاق الرحمن »
. ورغّب في الصيام لما فيه من شبه الصمدانية ، وقد رغّب أيضا في التقرب إليه تعالى حتى يكون سمعه وبصره ويده ورجله ، ومعناه تغيبه عن صفة الحدوث بشهود أنوار القدم وفي ذلك يتحقق له هذا الأنموذج الصمداني .
وفي الحكم : « وصولك إليه وصولك إلى العلم به ، وإلا فجل ربنا أن يتصل بشيء أو يتصل به شيء » . » . انتهى .
وبنص الشيخ ابن عجيبة هذا ننهي الحديث عن علم التصوف . والحمد للّه رب العالمين في الأولية والآخرية وفي الظهور والبطون من الأزل إلى الأبد . سائلين اللّه تعالى أن ينفعنا بما علّمنا ويزيدنا علما به تعالى .
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 2 ديسمبر 2023 - 9:20 عدل 3 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي :: تعاليق
المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
تعريف ببعض الطرق الصوفية1 - الطريقة القادرية : أسس هذه الطريقة سيدي عبد القادر الجيلاني ( توفي حوالي 561 هجرية ) وهي من أوسع الطرق انتشارا في جميع أرجاء العالم الإسلامي .
2 - الطريقة النقشبندية : مؤسس هذه الطريقة هو مولانا بهاء الدين نقشبند ( توفي سنة 791 هجرية ) . هي أيضا من الطرق الواسعة الانتشار خصوصا في بلاد الشام وبلاد المشرق الإسلامي . من مشاهير أتباعها : الشيخ عبد الرحمن الجامي ، الخواجة أحرار ، الشيخ محمد پارسا وغيرهم كثير .
3 - الطريقة الشاذلية : مؤسس هذه الطريقة هو سيدي أبو الحسن الشاذلي ( توفي سنة 656 هجرية ) . ولها فروع كثيرة جدا . وهي ، بدون منازع ، أوسع الطرق انتشارا في بلاد المغرب الإسلامي . وهي واسعة الانتشار في مصر وبلاد الشام أيضا .
أشهر أتباعها : سيدي أبو العباس المرسي ، الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري صاحب الحكم العطائية ، سيدي العربي الدرقاوي وغيرهم كثير .
4 - الطريقة الرفاعية : مؤسس هذه الطريقة هو سيدي أحمد الرفاعي ، ولها انتشار واسع في بلاد الشام .
5 - الطريقة السهروردية : مؤسس هذه الطريقة هو الشيخ أبو النجيب ضياء الدين السهروردي ( توفي سنة 564 هجرية ) . انتشرت كثيرا في العراق وبلاد فارس والهند .
6 - الطريقة الكبروية : مؤسسها هو الشيخ نجم الدين كبرى ( المستشهد في غزو المغول سنة 618 هجرية ) . تعد أوسع الطرق انتشارا في بلاد فارس ولها من الفروع كثير . وقد اشتهر الكثير من أتباعها ومنهم : الشاعر المشهور فريد الدين العطار ، الشيخ سعد الدين الحموي وغيرهم كثير .
7 - الطريقة المولوية : مؤسس هذه الطريقة هو مولانا جلال الدين الرومي ( توفي سنة 672 هجرية ) . كان لهذه الطريقة ازدهار كبير وانتشار واسع في تركيا أيام الدولة العثمانية . اشتهرت بلباس أتباعها المميز ورقصتهم الدائرية المشهورة .
8 - الطريقة النعمة اللهية : مؤسس هذه الطريقة هو الشاه نعمة اللّه الولي الكرماني ( توفي حوالي سنة 834 هجرية ) . لها انتشار واسع في إيران .
9 - الطريقة البكداشية : مؤسس هذه الطريقة هو الحاج بكداش ولي ( توفي حوالي سنة 738 هجرية ) . انتشرت بشكل واسع في تركيا وبلاد البلقان ، وكانت الطريقة الرسمية للجيش الانكشاري العثماني .
وجوب معرفة اللّه تعالى على كل مكلّف السعادة الإنسانية الحسية والمعنوية :
إن السعادة الإنسانية تنقسم إلى نوعين :
الأول سعادة حسية مادية جسدية كثيفة آنية ،
والثاني سعادة معنوية لطيفة عقلية روحية لطيفة أبدية ، وإنّ جميع الخلق يسعون جاهدين دون كلل أو نصب للوصول إلى تحقيق أحد هذين النوعين من السعادة الخاصة بالبشر .
إن لكل واحد منا هدفا يشبع من خلاله غرائزه ورغباته واحتياجاته المادية النفسية الشهادية أو مقتضياته وضروراته الروحية الغيبية لكي يصل إلى اللذة أو السعادة التي يجدها في هذا الهدف الذي يعدّه غاية وجوده في هذه الحياة التي يعيشها ، إنّ هذا الهدف المحرك للإنسان نحو غايته مركوز في تركيبته الجامعة للمادة والمعنى الكثيف واللطيف الجسد والروح ، وتوجهات الإنسان ومساعيه المحققة لاحتياجات هذه التركيبة منطقية وضرورية فطرية .
إنّ اللّه تعالى خالق هذه التركيبة - المكونة من الجسد والنفس والعقل والقلب والروح والسر - لم يترك الإنسان تائها يتخبط في سيره نحو تحقيق السعادة التي ينشدها دون دليل يسترشد به ويضيء له الطريق ، فكانت المحجة البيضاء التي لا يضل عنها إلا هالك : كتاب اللّه تعالى وسنّة النبي الخاتم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم .غاية خلق الخلق :
إن السعادة المادية الحسية النفسية العزيزية مطلوبة من الإنسان في الإسلام على أنها وسيلة من وسائل استمرار وجوده وليست غاية وجوده ، فشهوات الحياة الدنيا وملذاتها غير مقصودة لذاتها بل لتساعد المؤمن في سيره نحو مقصده الأسمى اللّه تعالى الذي هو غاية وجوده في هذا العالم .
إن معرفة اللّه تعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه هي عين السعادة الحقيقية الروحية في الدنيا حيث الحياة العاجلة الفانية وفي الآخرة حيث الحياة الأبدية فهي غاية خلق الخلق ، قال تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )[ الذّاريات : 56 ]
فسّر عبد اللّه بن عباس رضي اللّه تعالى عنهما « إلا ليعبدون » ب « إلا ليعرفون » فيكون الحق تعالى عبّر عن المعرفة التي هي الغاية بالعبادة التي هي الوسيلة .
معرفة الإنسان لربه تعالى :
إن الإنسان مفطور على معرفة اللّه تعالى فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها[ الرّوم : 30 ] ولكنه بعد نزوله إلى الدنيا وانغماسه في شهواتها بإغواء من الشيطان تشوهت هذه المعرفة ، فأرسل اللّه تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام وأنزل كتبه للتذكير بتوحيد الفطرة .
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الباب الثالث من كتابه ( اليواقيت والجواهر ) : « ورد مرفوعا أن اللّه تعالى خلق العباد على معرفته فاختالهم الشيطان عنها ، فما بعثت الرسل إلا للتذكير بتوحيد الفطرة وتطهيره عن تسويلات الشيطان بالاستدلالات النظرية والدلائل العقلية وبها توجهت التكاليف على العقلاء » . ويقول في موضع آخر : « المعرفة ضرورة فالناس كلهم يشيرون إلى الصانع جلّ وعلا وإن اختلفت طرائقهم وعللهم ولا يجهلون سوى كنه الذات ، ولذلك لم يأت الأنبياء والرسل ليعلمونا بوجود الصانع ، وإنّما أتونا ليدعونا إلى التوحيد » .
قال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
والخلق إنما أشركوا بعد الاعتراف بالموجود لما اعتقدوه من الشركاء للّه تعالى أو لنفي واجب من صفاته أو لإثبات مستحيل منها أو لإنكارهم النبوات » .معرفة اللّه تعالى أول الواجبات على المسلم المكلّف :
إنّ الشريعة الإسلامية جعلت معرفة اللّه تعالى أول واجب على كل مكلّف ، قال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
قال الإمام السيوطي في كتابه (الإكليل في استنباط التنزيل) : « قد استدل بالآية من قال بأن أول الواجبات معرفة اللّه تعالى ».
وقال الإمام الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتابه ( الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف أصحاب الحديث ) بعد سرده لهذه الآية ولقوله تعالى :فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ[ الأنفال : 40 ]
ولقوله تعالى :فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ هود : 14 ]
ولقوله تعالى :قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا[ البقرة : 136 ] .
« فوجب بالآيات قبلها ، معرفة اللّه تعالى وعلمه ، ووجب بهذه الآية - الأخيرة - الاعتراف به والشهادة له بما عرفه ، ودلت السنّة على مثل ما دلّ عليه الكتاب » .
وقال القاضي علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي في شرحه على ( العقيدة الطحاوية ) : ( اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل ، وأول منازل الطريق ، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى اللّه عزّ وجل ) قال تعالى :وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ النّحل : 36 ]
وقال تعالى :وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ( 25 )[ الأنبياء : 25 ] ،
ويقول في موضع آخر :
« فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام ، وآخر ما يخرج به من الدنيا ، كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة »
( رواه أبو داود وأحمد في المسند والحاكم وقال : صحيح الإسناد ) وهو أول واجب وآخر واجب .
ويقول الإمام عبد الباقي المواهبي الحنبلي في كتابه ( العين والأثر في عقائد أهل الأثر ) : « فتجب معرفة اللّه تعالى شرعا ومما ورد في الشرع : النظر في الوجود والموجود على كل مكلّف قادر ، وهو أول واجب للّه تعالى » .
وقد نقل العلامة السوداني في كتابه ( زبد العقائد ) إجماع العلماء على أن معرفة اللّه تعالى أول الواجبات على المكلّف حيث يقول ما نصه : « فقد أجمع أهل الحق قاطبة على أن أول الواجبات العلم باللّه تعالى ، واتفقوا على عدم صحة العبادة لمن لا يعرف معبوده » « 1 » .
والأدلة على ذلك متواترة .
قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي اللّه تعالى عنه : « من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح » « 2 » .
إن العلم باللّه تعالى متمثلا بالعقيدة الحقة عقيدة علم اليقين بالدليل والبرهان أو معرفته متمثلا بعقيدة عين وحق وحقيقة اليقين بالشهود والعيان هو الذي يصحح الأعمال ويجعلها مقبولة عند اللّه تعالى .
.......................................................................
( 1 ) انظر مفتاح الجنة في شرح عقيدة أهل السنة لمحمد الهاشمي التلمساني ، طبعة دمشق .
( 2 ) رواه ابن عبد البر في كتاب العلم .
استناد معرفة اللّه تعالى إلى النظر والاستدلال العقليين :
إن علماء التوحيد اشترطوا لصحة المعرفة استنادها إلى النظر والاستدلال العقليين ، قال اللّه تعالى :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ يونس : 101 ] وقال تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ[ محمّد : 19 ] .
يقول إمام المتكلمين القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني في كتابه ( الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ) : « إن الواجب على المكلّف أن يعلم أن أول ما فرض اللّه عزّ وجل على جميع العباد النظر في آياته ، والاعتبار بمقدوراته ، والاستدلال عليه بآثار قدرته ، وشواهد ربوبيته ، لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار ، ولا مشاهد بالحواس ، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة القاهرة ، والبراهين الباهرة » .
ويقول الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه ( الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ) : « ثم أمر اللّه تعالى في آية أخرى بالنظر فيهما - السماوات والأرض » - فقال لنبيه :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ يونس : 101 ] .
يعني واللّه أعلم من الآيات الواضحات ، والدلالات النيرات ، وهذا لأنك إذا تأملت هيئة هذا العالم ببصرك ، واعتبرتها بفكرك ، وجدته كالبيت المبين المعد فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد . والإنسان كالمملّك البيت المخوّل ما فيه . وفي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام ، وأن له صانعا حكيما تام القدرة ، بالغ الحكمة » .
دليل معرفة اللّه تعالى الإجمالي والتفصيلي :
إنّ من عنده الأهلية العقلية من المكلفين يجب عليه تعلم دليل المعرفة الإجمالي : « وهو المعجوز عن تقريره وحل شبهه وردها - ويحصل به العلم والطمأنينة بعقائد الإيمان ، كما إذا قيل له : أتعتقد أن اللّه تعالى موجود ؟ فيقول : نعم . فيقول له : وما دليلك على ذلك ؟ فيقول : هذه المخلوقات » فإن الصنعة تدل على الصانع وكما قال الأعرابي : البعرة تدل على البعير والسير يدل على المسير ، أفأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج لا تدل على الواحد القهار ؟ ! « 1 »
أما معرفة الدليل التفصيلي لعقائد التوحيد كأن يبرهن المستدل على وجود اللّه تعالى بهذه المخلوقات على جهة دلالتها ، هل هي حدوثها كأن يقول : المخلوقات
.......................................................................
( 1 ) انظر حاشية الدسوفي على أم البراهين .
حادثة وكل حادث لا بد له من محدث ، فالمخلوقات لا بد لها من محدث ومحدثها هو اللّه تعالى . أو يقول : المخلوقات ممكنة الوجود ، والممكن يتساوى وجوده وعدمه ، فهو يحتاج إلى مرجح يرجح إما وجوده وإما عدمه ، فالمخلوقات لها صانع مرجح وهو اللّه تعالى ، فإن الشريعة الإسلامية لم تجعله فرض عين على كل مكلّف ، بل فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر ، لتوجد فئة من العلماء المتخصصين بعلم أصول الدين تدافع عن العقيدة الحقة وتنصر الدين الحنيف « 1 » .
موقع الإيمان من الظن والوهم والشك ومن الجزم غير المطابق للواقع ومن التقليد :
إن إمعان الفكر والعقل في أدلة مسائل العقيدة يفيد العلم . « والمعرفة والعلم مترادفان على معنى واحد هو الجزم القاطع المطابق للواقع عن دليل ولو جمليا ، فالظن والشك والوهم ليسوا بمعرفة ، وكذلك الجزم غير المطابق للواقع كجزم النصارى بالتثليث ، فيتحصل أن الظان والشاك والمتوهم والجازم جزما غير مطابق للواقع كل منهم كافر اتفاقا ، وأما المتصف بالتقليد ، وهو أن يأخذ بقول غيره من غير أن يعرف دليله مع الجزم بمضمون المأخوذ ، فقد اختلف العلماء في صحة إيمانه ، لأنه لا يخلو عن قبول التردد الموصل إلى الظن والشك الموصلان إلى الكفر، لذلك اختلف العلماء في إيمان المقلد » « 2 ».
ورد في شرح ( السنوسية على أم البراهين ) للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي ما نصه : « اختلف الجمهور القائلون بوجوب المعرفة فقال بعضهم : المقلد مؤمن إلا أنه عاص بترك المعرفة التي ينتجها النظر الصحيح .
وقال بعضهم : إنه مؤمن ولا يعصي إلا إذا كان فيه أهلية لفهم النظر الصحيح . وقال بعضهم : المقلد ليس بمؤمن أصلا .
وقد أنكر هذا القول الأخير بعض العلماء .
وذهب غير الجمهور إلى أن النظر - الاستدلال العقلي - ليس بشرط في صحة الإيمان بل وليس بواجب أصلا وإنما هو من شروط الكمال فقط . والحق الذي يدل عليه الكتاب والسنّة وجوب النظر الصحيح مع التردد في كونه شرطا في صحة الإيمان أو لا والراجح أنه شرط في صحته » .
.......................................................................
( 1 ) انظر مفتاح الجنة في شرح عقيدة أهل السنة للشيخ ، محمد الهاشمي التلمساني .
( 2 ) انظر شرح جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم الباجوري .
المراد بمعرفة اللّه تعالى :
إن المراد بمعرفة اللّه تعالى معرفة صفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه تعالى ، ومعرفة ما يجب له من مقتضيات الكمال ، وما يستحيل عليه تعالى ، وما يجوز في حقه تعالى من فعل كل ممكن أو تركه . وليس المراد معرفة كنه وحقيقة ذاته سبحانه وتعالى .
فالإنسان الحادث أعجز من أن يعرف كنه وحقيقة نفسه وروحه ، فكيف به يطلب معرفة ذلك من ربه الأزلي الأبدي « الأول والآخر والظاهر والباطن » .
قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « تفكروا في خلق اللّه ولا تفكروا في اللّه »
« 1 » وروي عن الصديق الأكبر أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه قوله : « العجز عن درك الإدراك إدراك ، والبحث في ذات اللّه إشراك » .
وفي قول جامع لكل أحكام التوحيد يقول الشيخ سهل بن عبد اللّه التستري رحمه اللّه تعالى : « ذات اللّه تعالى موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة ، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا ، موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا إحاطة ولا حلول ، وتراه العيون في العقبى ظاهرا وباطنا في ملكه وقدرته ، قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته ، ودلّهم عليه بآياته ، والقلوب تعرفه ، والعقول لا تدركه ، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ، ولا إدراك نهاية » « 2 » .خلاصة لما تقدم :
اتضح لنا مما تقدم أن السعادة الحقيقية هي السعادة الروحية الأبدية ، المتحققة بمعرفة اللّه تعالى ، التي هي غاية وجود الإنسان .
وإن الإنسان مفطور على هذه المعرفة إلا أن الدنيا بشهواتها والشيطان بإغوائه حجبا الإنسان عنها ، فأرسل اللّه تعالى الرسل وأنزل الكتب وبعث النبي الخاتم سيدنا محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم لتصحيح مسار الإنسان نحو غايته المطلقة : اللّه جلّ جلاله .
وإن أول الواجبات على المكلّف معرفة اللّه تعالى معرفة تستند إلى الحجج والبراهين العقلية ، لينتفي الظن والوهم والشك عن الإيمان ، فيطمئن القلب بجزمه القاطع المطابق للواقع ، ولا يكتفي بالتقليد الجازم إلا إذا كان غير مؤهّل للنظر في أدلة العقيدة الحقة .
.......................................................................
( 1 ) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن عباس .
( 2 ) انظر كشف المحجوب لعلي الهجويري الغزنوي .
واتضح لنا أيضا أن المعرفة المرادة هي العلم باللّه تعالى من حيث صفاته وأسماؤه وأفعاله وأحكامه .
أما معرفة الذات الإلهية من حيث الكنه والماهية ومن حيث الإحاطة ، فهي مستحيلة غير مدركة للإنسان لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وقفة اعتبار :
فهلا عرفت بعد ذلك أيها الإنسان الهدف من وجودك في هذه الحياة الدنيا والغاية منه ، فتوجهت بكليتك روحا وعقلا ونفسا وهوى نحو ربك ، مسرعا لتنال السعادة الحقيقية الأبدية .
وهلا كنت بعد ذلك صادقا في عبوديتك قائما بحقوق ربوبيته وألوهيته سبحانه وتعالى ، يقول الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري في حكمه: « إنه ما من وقت يرد إلا وللّه عليك فيه حق جديد وأمر أكيد ، فكيف تقضي فيه حق غيره وأنت لم تقض حق اللّه فيه ».
مبدأ الدين الإسلامي ووسطه وكماله الإسلام والإيمان والإحسان
إن الدين الإسلامي هو الدين عند اللّه تعالى ، أكمله لنا وارتضاه ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين . قال تعالى :إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[ آل عمران : 19 ]
وقال تعالى :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ]
وقال تعالى :وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ( 85 ) [ آل عمران : 85 ] .
إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قسمت الدين الإسلامي إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان . قال اللّه تعالى :فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ البقرة : 132 ]
وقال تعالى :وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ( 4 ) [ البقرة : 4 ]
وقال تعالى :وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً[ النّساء : 125 ] .
عن عمر رضي اللّه تعالى عنه قال : « بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : « الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا » . قال : صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : « أن تؤمن باللّه وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره » . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : « أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل » . قال : فأخبرني عن أماراتها ؟
قال : « أن تلد الأمة ربّتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان » .
قال : ثم انطلق فلبثت مليا ، قال : « يا عمر أتدري من السائل ؟ » قلت : اللّه ورسوله أعلم . قال : « فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم » « 1 » .
يتضح لنا من هذا الحديث الشريف ومن الآيات القرآنية الكريمة المتقدمة أن الدين الإسلامي ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية : الإسلام والإيمان والإحسان . وكل قسم منها ينقسم إلى أركان وأصول .[ انقسام الإسلام والإيمان والإحسان ]
فالإسلام ينقسم إلى خمسة أركان وهي :
1 - شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه ، 2 - الصلاة ، 3 - الزكاة ، 4 - الصوم ، 5 - الحج للمستطيع .
والإيمان ينقسم إلى ستة أركان وهي :
الإيمان ب : 1 - اللّه تعالى ، 2 - الملائكة ، 3 - الكتب السماوية ، 4 - الرسل ، 5 - اليوم الآخر ، 6 - القضاء والقدر .
والإحسان ينقسم إلى أصلين وهما :
1 - عبادة اللّه تعالى كأننا نراه ، 2 - عبادة اللّه تعالى مع الإيقان والشعور بأنه تعالى يرانا .
إن الإسلام يتعلق بأعمال الجوارح ، والإيمان يتعلق بأعمال القلوب ، والإحسان يتعلق بأعمال السر أو الروح .
والإسلام أولى درجات الدين الإسلامي ، وهو عبارة عن الاستسلام والانقياد للّه تعالى ظاهرا ، فهو مبدأ مراتب الدين الإسلامي ، قال تعالى :إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ( 131 ) [ البقرة : 131 ] .
والإيمان ثاني درجات الدين الإسلامي ، فهو أعلى درجة من الإسلام ، قال تعالى :قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ[ الحجرات : 14 ] والإيمان هو التصديق بالقلب بكل ما جاء به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلم من الدين بالضرورة ، وهو يتضمن الإسلام ، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا ، قال الخطابي : « والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق ، وذلك أنّ المسلم
.......................................................................
( 1 ) رواه مسلم : كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان حديث رقم ( 1 - 8 ) .
قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمنا في بعضها ، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنا .
وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات ، واعتدل القول فيها ، ولم يختلف شيء منها . وأصل الإيمان التصديق ، وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد . فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن وقد يكون صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر » « 1 » .والإحسان أعلى درجات الدين الإسلامي
وهو مراقبة اللّه تعالى في السر والعلن ، والشعور بوجوده تعالى ، فهو الكمال المتضمن للإسلام والإيمان . قال تعالى :بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ[ البقرة : 112 ] فكل محسن مؤمن ومسلم وليس كل مؤمن ومسلم محسنا ، قال الإمام أبو الفتح الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل في الباب الأول ) : « فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد ظاهرا موضع الاشتراك فهو المبدأ .
ثم إذا كان الإخلاص معه بأن يصدق باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويقر عقدا بأن القدر خيره وشره من اللّه تعالى ، بمعنى أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، كان مؤمنا حقا ، ثم إذا جمع بين الإسلام والتصديق ، وقرن المجاهدة بالمشاهدة وصار غيبه شهادة فهو الكمال .
فكان الإسلام مبدأ ، والإيمان وسطا ، والإحسان كمالا » .
وقال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي رحمه اللّه في حديث سؤال جبريل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الإيمان والإسلام : « جعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال ، وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد ، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام ، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين ، ولذلك قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : « ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم » والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا ، يدل عليه قوله سبحانه وتعالى :إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[ آل عمران : 19 ] ووَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ] ووَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[ آل عمران :
85 ] أخبر سبحانه وتعالى أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ، ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل » « 2 » .
.......................................................................
( 1 ) انظر شرح صحيح مسلم للنووي ، كتاب الإيمان .
( 2 ) انظر شرح النووي على صحيح مسلم .
وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم في باب الإيمان عند شرحه لحديث سؤال جبريل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم » فيه أنّ الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا .
واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام كما حكيناه عن القاضي عياض » .
إن النصوص المتقدمة تبين لنا أن الدين الإسلامي الذي أكمله اللّه تعالى وارتضاه لنا ، ولا يقبل غيره من أحد من العالمين ، هو مجموع الإسلام والإيمان والإحسان .
وهذا يقتضي أن الإنسان المعتنق للدين الإسلامي لا يكون مسلما كاملا إلا إذا كان مسلما مؤمنا محسنا . وإذا قصر في أصل من هذه الأصول الثلاثة ، يكون بذلك قد نزل عن درجة اكتمال دينه الإسلامي الذي يعتنقه .
فإذا قصر بأحد أركان الأصل الأول الذي هو الإسلام اختلّ سلوكه ، لأن الإسلام هو مظاهر سلوكية .
وإذا قصّر أو أخلّ بأحد أركان الأصل الثاني الذي هو الإيمان اختلّ أو بطل اعتقاده ، لأن الإيمان علم اعتقادي تصديقي . وإذا عطل أو قصر في أحد ركني الإحسان ضعف واختل يقينه وتحققه بالإسلام والإيمان ، لأن الإحسان عبارة عن المراقبة والخشوع والخضوع للّه تعالى ليتحقق بالإسلام والإيمان .
ونتيجة للتقصير في أصل من هذه الأصول الثلاثة أو في ركن من أركانها يكون الاختلال في الغايات والثمرات ، التي هي الفوز والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة .
وغالب تقصير المسلمين اليوم يتعلق بالإحسان ، لذلك انخرم سلوكهم ، وفسدت عقيدتهم ، وضعفت مراقبتهم للّه تعالى ، فقلّت خشيتهم ، ونقص يقينهم ، فتهاونوا في دينهم .
وحال المسلمين هذا يستدعي تأخرهم في دنياهم ، وخذلان ربهم لهم بعدم نصرهم ، لأن الحق تعالى علّق نصره للمسلمين بنصرهم له تعالى ، وذلك يتحقق بالأخذ والعمل بمجموع دينه الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان .
ونختم كلامنا هذا بنص للإمام ابن قيم الجوزية اخترناه من كتابه القيّم ( مدارج السالكين شرح منازل السائرين ) يوضح فيه أهمية الأصل الثالث من أصول الدين الإسلامي الذي هو « الإحسان » حيث يقول : ومن منازلإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( 5 ) [ الفاتحة : 5 ] منزلة « الإحسان » وهي لب الإيمان وروحه وكماله . وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل ، فجميعها منطوية فيها ، وكل ما قيل من أول الكتاب إلى هنا فهو من الإحسان .
قال صاحب المنازل رحمه اللّه تعالى : « وقد استشهد على هذه المنزلة بقوله تعالى :هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ( 60 ) [ الرّحمن : 60 ] وبحديث « أن تعبد اللّه كأنك تراه » فالإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق وهو أن تعبد اللّه كأنك تراه . . .
وأما الحديث : فإشارة إلى كمال الحضور مع اللّه عزّ وجل ، ومراقبته الجامعة لخشيته ، ومحبته ومعرفته ، والإنابة إليه ، والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان ، قال : « وهو على ثلاث درجات :
الدرجة الأولى : الإحسان في القصد بتهذيبه علما ، وإبرامه عزما ، وتصفيته حالا .
الدرجة الثانية : الإحسان في الأحوال ، وهو أن تراعيها غيرة وتسترها تظرفا وتصححها تحقيقا .
الدرجة الثالثة : الإحسان في الوقت ، وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدا ، ولا تخلط بهمتك أحدا ، وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدا . . . إذ كل متوجه إلى اللّه بالصدق والإخلاص ، فإنه من المهاجرين إليه . فلا ينبغي أن يتخلّف عن هذه الهجرة ، بل ينبغي أن يصحبها سرمدا . . . حتى يلحق باللّه عزّ وجل فما هي إلا ساعة ثم تنقضي . . .
وللّه على كل قلب هجرتان ، وهما فرض لازم له على الأنفاس . هجرة إلى اللّه سبحانه بالتوحيد ، والإخلاص ، والإنابة ، والحب ، والخوف ، والرجاء ، والعبودية ، وهجرة إلى رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم بالتحكيم له والتسليم والتفويض ، والانقياد لحكمه ، وتلقي أحكام الظاهر والباطن من مشكاته ، فيكون تعبده به أعظم من تعبد الركب بالدليل الماهر في ظلم الليل ومتاهات الطريق » .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
القواطع عن طريق اللّه تعالىإن الإنسان موجود في هذه الحياة الدنيا ليعرف اللّه تعالى من خلال تطبيقه للدين الحنيف الذي أكمله اللّه تعالى لنا ورضيه لنا دينا وذلك بقوله :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[ المائدة : 3 ] وقال اللّه تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ( 57 )[ الذّاريات : 56 ، 57 ]
وهذا الأمر يتطلب من الإنسان المسلم بذل الجهد الكبير في صراعه بين الخير والشر لأنه - انطلاقا من قوله تعالى :وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ( 7 ) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ( 8 )[ الشّمس : 7 ، 8 ]
- مؤهّل للسير في أحد الطريقين ابتلاء واختبارا من اللّه تعالى له .
قال اللّه تعالى :أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ( 2 )[ العنكبوت : 2 ] فكما أن اللّه تعالى وملائكته وشريعته المطهرة يدفعون الإنسان إلى سلوك الطريق المستقيم طريق الخير ، فإن النفس الأمّارة بالسوء والشيطان والدنيا والناس يدفعونه إلى سلوك طريق السبل المتشعبة طريق الشر والضلال .
فالنفس تشد صاحبها إلى السوء ، مصداقا لقول اللّه تعالى :إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ[ يوسف : 53 ] لذلك كان لزاما على الإنسان أن يربيها ، تطبيقا لقول اللّه تعالى :قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ( 9 ) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ( 10 )[ الشّمس : 9 ، 10 ]
فالنفس تدعو صاحبها إلى الشرك والكفر والنفاق والفسوق والبدعة والرياء وحب الجاه والرئاسة والحسد والعجب والكبر والشح والغرور والغضب والظلم والكذب والغش واتباع الهوى والطمع بالدنيا وشهواتها وغير ذلك من الأمراض . فعلى الإنسان المسلم أن يسارع إلى علاج هذه الأمراض بأخذه الأدوية اللازمة للشفاء ، وهي كثيرة منها : إقامة الفرائض والسنن والنوافل ، واجتناب المحرمات والمكروهات ، ومنها : مراقبة اللّه تعالى في السر والعلن ، ومنها : الإكثار من ذكر اللّه تعالى ، مصداقا لقول اللّه تعالى :إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ[ العنكبوت : 45 ]
ومنها : التفكر في خلق اللّه تعالى ، قال اللّه تعالى :وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ[ آل عمران : 191 ] ،
ومنها : ذكر الموت 205 ] .
وقال اللّه تعالى :وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[ الأنعام : 116 ] .
وحماية النفس من الناس سهل ، فما عليك أيها الإنسان إلا أن تطبق ما ورد في قوله تعالى :وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ( 28 )[ الكهف : 28 ] ،
ولا تصاحب إلا الأتقياء الذين يخافون اللّه تعالى ويرجون ثوابه ورضاه ويحبون لقاءه .
فعليك أخي المسلم أن تتجنب هذه القواطع الأربعة سالفة الذكر ، التي تصدك عن سبيل اللّه تعالى ، وهي : النفس والشيطان والدنيا والخلق .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» الحكم العطائية من 01 الى 10 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية من 11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري
» فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية
» الحكم العطائية من 11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري
» فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله