اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» توهّم في معنى من عرف نفسه عرف ربّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyاليوم في 1:02 من طرف عبدالله المسافر

» توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyأمس في 21:15 من طرف عبدالله المسافر

» توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 10 ديسمبر 2023 - 20:34 من طرف عبدالله المسافر

» توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 10 ديسمبر 2023 - 15:16 من طرف عبدالله المسافر

» مقصود الكتاب لمصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 10 ديسمبر 2023 - 0:13 من طرف عبدالله المسافر

» مقدمة المصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 9 ديسمبر 2023 - 11:22 من طرف عبدالله المسافر

» مقدّمة التّحقيق و ترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 8 ديسمبر 2023 - 9:33 من طرف عبدالله المسافر

» مقدمة كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 7 ديسمبر 2023 - 14:11 من طرف عبدالله المسافر

» فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 7 ديسمبر 2023 - 1:49 من طرف عبدالله المسافر

» مكاتبات للشّيخ تاج الدّين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ إلى بعض إخوانه ومريديه
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 6 ديسمبر 2023 - 21:23 من طرف عبدالله المسافر

» المناجاة الإلهيّة للشّيخ تاج الدّين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 5 ديسمبر 2023 - 16:47 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائيّة الصغرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 4 ديسمبر 2023 - 20:54 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائيّة الكبرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 4 ديسمبر 2023 - 11:46 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 3 ديسمبر 2023 - 18:28 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائية من 11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 ديسمبر 2023 - 20:44 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائية من 01 الى 10 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 ديسمبر 2023 - 17:41 من طرف عبدالله المسافر

» المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 ديسمبر 2023 - 16:30 من طرف عبدالله المسافر

» فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 30 نوفمبر 2023 - 20:07 من طرف عبدالله المسافر

»  فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 30 نوفمبر 2023 - 20:07 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2313 إلى 2413 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 30 نوفمبر 2023 - 1:10 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2351 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 29 نوفمبر 2023 - 20:40 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2312 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 29 نوفمبر 2023 - 0:56 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2265 إلى 2281 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 0:13 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2249 إلى 2264 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 27 نوفمبر 2023 - 23:54 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2211 إلى 2248 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 27 نوفمبر 2023 - 0:32 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 26 نوفمبر 2023 - 11:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر الثالث عشر الحجّ والعمرة من 2084 إلى 2167 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 25 نوفمبر 2023 - 23:59 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب ثانيا الطعام والشراب من 2049 إلى 2083 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 25 نوفمبر 2023 - 16:10 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب أولا الصيام والفطر من 2002 إلى 2048 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 25 نوفمبر 2023 - 0:40 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات الحادي عشر الذكر والتسبيح والدعاء من 1961 إلى 2001 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 24 نوفمبر 2023 - 22:59 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات عاشرا السجود والمساجد والقبلة من 1921 إلى 1960 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 24 نوفمبر 2023 - 22:35 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات تاسعا صلاة الجمعة من 1903 إلى 1920 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 24 نوفمبر 2023 - 2:05 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات ثامنا الصلاة من 1826 إلى 1902 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023 - 1:09 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات أولا الوضوء والاغتسال من 1794 إلى 1825 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023 - 17:54 من طرف عبدالله المسافر

» كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني "53" المجلس الثالث والخمسون من عبد الله بجهل كان ما يفسد أكثر مما يصلح
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023 - 0:53 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سابعا العدّة من 1782 إلى 1793 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023 - 0:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سادسا الطلاق من 1744 إلى 1781 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 19:29 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي خامسا الأسرة من 1739 إلى 1743 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 19:05 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي رابعا الأولاد من 1734 إلى 1738 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 10:37 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثالثا الحمل والولادة والرضاع والفطام والحضانة من 1722 إلى 1733 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 20 نوفمبر 2023 - 23:21 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1681 إلى 1721 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 19 نوفمبر 2023 - 7:33 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1651 إلى 1680 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 19 نوفمبر 2023 - 1:17 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1623 إلى 1650 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 18 نوفمبر 2023 - 17:41 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي أولا المرأة في الإسلام من 1598 إلى 1622 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 17 نوفمبر 2023 - 21:34 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الخامس عشر الإسلام والحرب من 1547 إلى 1597 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 17 نوفمبر 2023 - 14:27 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الخامس عشر الإسلام و الحرب من 1519 إلى 1546 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 16 نوفمبر 2023 - 18:25 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1505 إلى 1518 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 16 نوفمبر 2023 - 2:40 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1480 إلى 1504 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 16 نوفمبر 2023 - 1:12 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الرابع عشر القرآن والفنون والصنائع والآداب والأخلاق من 1462 إلى 1479 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 15 نوفمبر 2023 - 10:56 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1436 إلى 1461 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 18:27 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1419 إلى 1435 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 9:39 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1396 إلى 1418 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 13 نوفمبر 2023 - 14:20 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1375 إلى 1395 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 12 نوفمبر 2023 - 22:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1343 إلى 1374 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 12 نوفمبر 2023 - 13:01 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1312 إلى 1342 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 12 نوفمبر 2023 - 0:53 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1179 إلى 1311 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 11 نوفمبر 2023 - 14:21 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 10 نوفمبر 2023 - 21:00 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1121 إلى 1245 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 9 نوفمبر 2023 - 21:24 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1190 إلى 1220 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 9 نوفمبر 2023 - 13:16 من طرف عبدالله المسافر

» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1152 إلى 1189 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 9 نوفمبر 2023 - 9:11 من طرف عبدالله المسافر

» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1130 إلى 1151 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 8 نوفمبر 2023 - 16:26 من طرف عبدالله المسافر

» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1126 إلى 1129 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 8 نوفمبر 2023 - 9:40 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1076 إلى 1125 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 7 نوفمبر 2023 - 23:58 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1059 إلى 1075 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 7 نوفمبر 2023 - 10:57 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1045 إلى 1058 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 6 نوفمبر 2023 - 20:19 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1035 إلى 1044 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 6 نوفمبر 2023 - 0:34 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1026 إلى 1034 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 4 نوفمبر 2023 - 18:29 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1018 إلى 1025 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 3 نوفمبر 2023 - 13:24 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1015 إلى 1017 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 2 نوفمبر 2023 - 14:48 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1013 إلى 1014 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 2 نوفمبر 2023 - 1:08 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 981 الى 1011 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 31 أكتوبر 2023 - 11:46 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 961 الى 980 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 30 أكتوبر 2023 - 2:02 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 948 الى 960 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 29 أكتوبر 2023 - 1:55 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 941 الى 947 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 27 أكتوبر 2023 - 20:31 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 26 أكتوبر 2023 - 10:07 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 12:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 851 الى 880 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 24 أكتوبر 2023 - 15:33 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 23 أكتوبر 2023 - 22:04 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 22 أكتوبر 2023 - 16:03 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 21 أكتوبر 2023 - 18:19 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 20 أكتوبر 2023 - 10:31 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 19 أكتوبر 2023 - 15:04 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 21:23 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 681 الى 696 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 22:39 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 19:13 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 1:09 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 621 الى 640 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 15 أكتوبر 2023 - 11:43 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 611 الى 620 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 14 أكتوبر 2023 - 21:15 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 601 الى 610 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 13 أكتوبر 2023 - 9:22 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 591 الى 600 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 12 أكتوبر 2023 - 15:46 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 12 أكتوبر 2023 - 0:40 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 561 الى 581 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 10 أكتوبر 2023 - 20:42 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 541 الى 560 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 9 أكتوبر 2023 - 9:42 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 527 الى 540 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 8 أكتوبر 2023 - 16:33 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 511 الى 526 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 6 أكتوبر 2023 - 9:34 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 491 الى 510 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 5 أكتوبر 2023 - 22:31 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 471 الى 490 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 4 أكتوبر 2023 - 22:07 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 451 الى 470 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - 20:32 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 431 الى 450 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 2 أكتوبر 2023 - 19:50 من طرف عبدالله المسافر

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

اذهب الى الأسفل

24082018

مُساهمة 

خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Empty خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




خطبة المصنف "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله

خطبة الكتاب للمصنف أو "السفر الثامن والعشرونفص حكمة ختمية في كلمة محمدية

بسم الله الرحمن الرحيم النقطة ليست حرف ولا رقم ولا كلمة ولكنها الحقيقة السارية لايجاد واظهار كل حرف و رقم و كلمة , نقطة الباء أشارة الى الإنسان الكامل وإشارة الى هو المطلق.
اعلم أيدك الله بنور علمه وتوفيقه اختار الله تعالى محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب وليا لله ونبيا وخاتم المرسلين وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا, افتتح الحق سبحانه خلق الخلق بنور محمد واختتم رسالة الشرائع بـ محمد ابن عبد الله , واختار من الحروف العاليات محمد ابن على ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي فجذبه الى ذرى أعلى قلل نور نبيه فجعله من أولياؤه المخلصين ووهبه الأستعداد والقابلية للمقام المحمدي وأتمه إنسانا كاملا وأقامه خاتما للأولياء المحمديين خاصة.
فأشار إليها الختم رضي الله عنه مخبرا:
كنا حروفاً عاليات لم نقل ……. متعلقات في نرى أعلى القلل
أنا أنت فيه ونحن أنت وأنت هو … والكل في هو هو فسل عمن وصل

قال تعالى : "اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ" 13 الشورى و " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ " 179 آل عمران.
فلما سألنا عمن وصل عرفنا انه ختم الأولياء المحمديين خاصة وليس بنبي رسول لكنه وارث ولآخرته حارث. وحسنة من حسنات خاتم المرسلين والوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وأن مشيئة الله ورسوله تكليف ختم الأولياء المحمديين بإخراج " كتاب فصوص الحكمإلى الناس لينتفعوا به. فلما ترجم الأمر محققا الأمنية.
فأقبلنا عليه فاستفتح لنا بحمد الله يعلمنا شاديا بـ :
(الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم, بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم. 
وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، وبالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم. أما بعد:
فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وآله وسلم كتاب.
فقال لي: هذا «كتاب فصوص الحكم» خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به. 
فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا. فحققت الأمنية و أخلصت النية و جردت القصد و الهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من غير زيادة و لا نقصان، و سألت الله تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، و أن يخصني في جميع ما يرقمه بناني و ينطق به لساني و ينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي و النفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي، حتى أكون مترجما لا متحكما، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس. 
وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي، فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به علي.
ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث.
فمن الله فاسمعوا ... وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول وأجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا
و من الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد و قيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد و قيد، وحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته.
فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك :  )


الفقرة الأولى :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
(بسم الله الرحمن الرحيم) لما كانت علوم الشهود والإلهام تنزلات معاني القرآن العظيم على قلب التابع المحمدي صاحب مقام الإسلام صدر كتابه المنزل على قلبه بما صدر به نبیه کتابة المنزل عليه من ربه ليلتحق التابع بالمتبوع وتنبت على أصولها الفروع.
وقد أشار إلى ذلك النبي عليه السلام بقوله: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أقطع".
ولفظة كل تفيد العموم والأمر واحد لا عموم فيه كما قال تعالى : "وما أمرنا إلا وجه لمح البصر " آية 50 سورة القمر.
ولكن لما قيده بذي بال، أي شأن خاص عند صاحبه بحسب قوة استعداده تعدد بالقيد، فالأمر واحد وقيوده كثيرة، فهو بحسب كل قيد غيره بحسب القيد الآخر، وباقي الكلام على البسملة يطول إذ هي مما أفرد بالتصنيف، وغرضنا الآن بیان مهمات الكتاب فلا نطيل في غير ذلك.
(الحمد لله) ويقال في الحمد لله كما قيل في البسملة، وأشار إلى ذلك النبي عليه السلام بقوله في رواية أخرى: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع".
ولما كان وجود النعمة بالبسملة وبقاؤها بالحمد لله قدم ما به الوجود على ما به البقاء .
وبيان ذلك أن كل شيء موجود من العدم باسم من أسماء الله تعالى، مشتق من صفة من صفاته .
فالاسم باطن الشيء والشيء ظاهر الاسم.
كما أن الصفة باطن الاسم والاسم ظاهر الصفة.
والذات باطن الصفة والصفة ظاهر الذات.
وكل شيء باقي إلى أمده المعلوم بتكرار الأمثال غير ذلك لا يكون.
قال تعالى في الآية السابقة : "وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر"آية 50 سورة القمر.
وكل شيء قائم بأمر الله تعالى، فكل شيء كلمح البصر، وتكرار وجود الشيء زيادة على وجوده الأول.
والله تعالى يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم " آية 7 سورة إبراهيم.
والشكر : هو الحمد الاصطلاحي، فبالبسملة ظهر الوجود و بالحمد لله بقي كل موجود.
(منزل) بسكون النون وكسر الزاي اسم فاعل من أنزل
قال تعالى : "سبحان الذي أنزل على عبده الكتب"  أو بفتح النون والتشديد للزاي مكسورة من نزل مشددة .
قال تعالى: "وله تنزيلا" آية 106 سورة الإسراء.
والإنزال غير التنزيل الاختلاف الصيغتين، فصيغة أنزل تقتضي مطلق الانتقال من موضع إلى آخر.
وصيغة نزل بالتشديد تقتضي المبالغة في ذلك، وكلاهما فعلان متعدیان.
(الحكم) جمع حكمة , وهي العلم المتقن الكاشف عن حقائق الأشياء على ما هي عليه من غير شائبة توهم في الإدراك.
قال تعالى: " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا " آية 269 سورة البقرة .
وقد تطلق الحكمة على النبوة ، كما قال تعالى في داود عليه السلام: "وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ" (20) سورة ص.
ومعنى الإنزال والتنزيل المذكورين هو معنى الإيتاء هنا، والثلاثة تقتضي انتقالا من موضع إلى آخر إلا أن الأولين للانتقال من علو فقط دون الثالث.
وانتقال العلم القديم من ذات الحق تعالى إلى غيره ممتنع عقلا ونقلا.
وكذلك الكلام القديم، فلا بد لذلك من معنى يدخل في الإمكان.
وذلك أن علم الحق تعالی وكلامه وإن تعلقا بجميع الواجبات والمستحيلات والجائزات كما تقرر في موضعه .
ولكن لا بد أن نقول إن هذا التعلق بالنسبة إلى عقولنا التي نحن مكلفون بسببها.
إذ الواجبات التي نقول إنهما متعلقان بها مجرد معاني مفهومة لنا حادثة فينا.
وكذلك المستحيلات مجرد أمور مفروضة يحكم العقل بامتناعها في حقه تعالى، وكذلك الجائزات فأخرجنا في تقسيم الحكم العقلي إلى الأقسام الثلاثة عن المعاني الجائزة .
فأين الواجبات وأين المستحيلات من محض الجائزات.
إلا أن التكليف الإلهي للعباد يقتضي هذا التقسيم، ولولاه لما كان في الخلق كفر ولا إيمان جملة واحدة.
إذ لم يقع جحود الجاحدين إلا على ما تصوروه، فكذلك إيمانهم، وكل ما تصوره الحادث فهو معنى حادث، و ليطل أمر الله ونهيه وهو أمر مستحيل.
فثبت أنه لا بد أن تكون جميع محكومات العقل معانی حادثة.
فالإله المنزه الذي في الاعتقادات مأمور بإثباته كل مكلف، وهو غير الإله الحق الذي لا يتعلق به حکم للعقل لا بإثبات ولا بنفي.
كما أن الشريك والمثيل والصاحبة والولد المتصورات في العقل مأمور بنفيها عن الحق تعالى کل مکلف.
وإنما هي مستحيلات التصور العقلي لا المستحيلات الحقيقية فإنها ممتنعة عن حكم العقل إثباتا ونفيا .
وسيأتي بقية الكلام على إله المعتقدات في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
فيبقى معنى الانتقال المذكور انتقال من عدم إلى وجود، فحادث منتقل إلى حادث.
غير أن هذا الحادث المنتقل من العدم إلى الوجود ، محكوم عليه بجميع أحكام القديم.
ومسمى بجميع أسمائه ، و موصوف بجميع أوصافه حكمة إلهية لا المناسبة فيه ولا لمشابهة بينه وبين القديم تعالى .
وإليه الإشارة بقوله تعالى : "ولله المثل الأعلى"آية 60 سورة النحل.  في السموات والأرض.
فالمثل : هو الواجب العقلي الخاص.
والأعلى: أي عن المستحيل العقلي ، ذكر السموات والأرض هو الجائز ولفظة في إشارة إلى أن هذا الواجب والمستحيل لم يخرجا عن الجائز.
إذا علمت هذا وتحفظت من الخطأ في فهمه على حسب ما أريده ظهر لك معنى تنزل القرآن القديم .
ومعنی نزول الرب تعالى إلى سماء الدنيا ، وغير ذلك من مشكلات الدين.
(على قلوب الكلم)، جمع كلمة , والمراد بها الذات الإنسانية الكاملة، وتسميتها كلمة جاءت في القرآن العظيم .
قال تعالى في حق عيسى عليه السلام : "وكلمته ألقاها إلى مريم" آية 171 سورة النساء.
وقال تعالى في إيمان مریم بسائر الأنبياء عليهم السلام: "وصدقت بكلمات ربها وكتبه"الآية 12 سورة التحريم.
وقال تعالى : " النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته" آية 158 سورة الأعراف.
فيجوز إطلاق الكلمات على النفوس الكاملة في فضيلتي العلم والعمل.
والمعنى في ذلك أن الكلمة التي ينطق بها الإنسان مجموع حروف تركب بعضها مع بعض.
فحملت معنی زائدة على معاني تلك الحروف في أنفسها بل لا معنى لتلك الحروف في أنفسها متفردة مما يناسب معنى الكلمة المركبة منها.
ولا شك أن الحروف الخارجة من فم المتكلم هي في نفسها هواء دخل إلى الجوف ثم خرج فسمي نفسه.
لأنه ينفس عن القلب كربه. أي حرارته في قصد المعاني وما هناك إلا المعاني.
لا تفرغ من القلب الحيواني تميزت بالعقل أو لم تتميز كقلوب الدواب ونحوها.
ثم إن ذلك الهواء إذا مس القلب انبعث من القلب توجه طبيعي لدفعه عنه باعتبار سخونة في الحال مخافة أن يحترق بها ثم يطلب هواء باردة غيره.
وهكذا إلى أن لا يقدر على الطلب فتحرقه حرارته الغريزية ويموت الإنسان لذلك، ومثله الحيوان كما ذكرنا .
فإذا أراد القلب أن يظهر ما فيه من المعاني المتميزة عنده بالعقل أخرج ذلك الهواء الذي مسه على كيفية خاصة بتعليم إلهي .
كما قال تعالى : "وعلمه البيان " آية 4 سورة الرحمن.
فعند ذلك يمر ذلك الهواء المسمى نفسه على مخارج الحروف التي في الجوف أو الحلق، أو اللسان أو الشفتين، فينسكب ذلك الهواء في قوالب تلك المخارج ويخرج من الفم متكيفة بكيفيات تسمى حروف.
ثم تترتب في الخروج فيمسي ترکیبا.
ثم تصل وهي متكيفة كذلك بتموج ذلك الهواء لقوة اندفاعه من الصدر إلى أذن السامع ويخلق الله في نفسه حينئذ معنى تلك الكلمة الذي قصده المتكلم.
فيقال : سمع المخاطب الكلمة و فهمها .
إذا علمت هذا فاعلم أن ما نحن بصدده من كلمات الله تعالى التامات الفاضلات، نزلت إلينا وأصلها روح واحدة عظيمة.
ومن هنا يسمى الهواء روح وريحا بقلب الواو ياء، وهذا الروح العظيم هو أول مخلوق خلقه الله تعالى ليس بينه وبين أمر الله تعالى واسطة.
كما قال تعالى : "و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" آية 85 سورة الإسراء.
ثم إن هذا الروح للحق تعالی بمنزلة الهواء الذي يسمي نفسه بالتحريك للمتكلم بالكلمات.
وقد ورد تسميته نفسه في حق الله تعالى
كما قال النبي عليه السلام: «إني لأجد نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن». رواه أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
"وكذلك قوله: "إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن" أخرجه أحمد فى مسنده"
"وكذلك قوله:" إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" رواه الطبراني في الكبير وأحمد بن حنبل عن أبي هريرة"
"وصححه الألباني  بلفظ: "إني أجد نفس الرحمن من هنا - يشير إلى اليمن"."
فكان الأنصار، وسماهم نفسا بالتحريك ولم يسميهم كلمات لعدم تضمنهم بشيء من المعاني قبل إسلامهم.
ولمحو صور وجودهم عند أنفسهم لما جاؤوا لنصرته عليه السلام مؤمنين به مذعنين له منقادين إليه تاركين التدبير معه حتى دخلوا في دينه كذلك وتفتحت أقفال قلوبهم.
ثم إن هذا الروح الذي هو أول مخلوق يسمى نور محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار، ويسمى عقلا وعرشا باعتبار آخر.
كما سنقرره في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى إذا جاءت له مناسبة أو تعرض له الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في أثناء هذه الفصوص الحكمية.
وحيث كان هذا الروح المذكور للحق تعالی بمنزلة الهواء للمتنفس المتكلم وإن كان بينهما بون بعيد، فإن الهواء في المتنفس المتكلم يدخل إلى جوفه
ثم يخرج.
لأنه جسم لطيف يدخل في جسم کثیف بينهما بعض المباينة، وليس في الله تعالی جسمية لأن هذا الروح المذكور ليس جسم لطيفا ولا كثيفا ولا مناسبة بينه وبين الأجسام وهو حادث مخلوق.
والله تعالى لیس جسم ولا جوهرا ولا عرضا ولا يشبه هذا الروح المذكور ولا غيره.
ولكن المقصود من ذلك مجرد ضرب المثل للاعتبار فقط بأنه إذا كان هكذا في الحادث ففي القديم بالأولى.
وقد أومأ إلى ذلك قوله تعالى: «فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"آية 23 سورة الذاريات.  بعد ذكر آية الرزق الحسي والمعنوي.
فالرزق الحسي من السماء وهو معلوم والرزق المعنوي من السماء أيضا وهو رزق الأرواح وهو المعارف الإلهية والأول رزق الأجسام.
ثم إذا علمت کون هذا الروح المذكور بالنسبة إلى الحق تعالى بمنزلة الهواء للمتنفس المتكلم على الوجه الخالي من التشبيه.
وعقلت هذا المثل الذي ضربه الله لك لا ضربته أنا لك، غير أني كنت أمينا عليه فأديته إليك كأمثلة .
قال تعالى: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"آية 43 سورة العنكبوت .
يعني لا يقدر أن يستخرج التنزيه الذي اشتملت عليه من التشبيه المفهوم من ظاهرها إلا العالمون بالله تعالى.
وفيه إشارة إلى لزوم اتباع غير العالمين للعالمين الذين عقلوها.
فاعلم الآن أن الحق تعالی أول ظهور استيلائه ومن كونه متکلمة على هذا الروح الأول المذكور من غير مماسة ولا مباينة كما هو مقرر في عقائد غير أهل الشهود مفصلا.
وأما أهل الشهود فلا يحتاجون إلى ذكره لوضوحه عندهم.
قال تعالى : "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن تقول له كن فيكون"آية 40 سورة النحل. والقول هو الكلام فبالقول ظهر الشيء.
والشيء المراد في حضرة العلم الأزلي یعنی معناه لا ذاته.
كما أن معنى الكلمة في علم المتكلم لا ذاتها .
ثم إنه تعالى جعل الحروف التي استخرجها من ذلك الروح الأعظم الذي هو بمنزلة النفس بالتحريك له تعالى كما ذكرنا على قسمين:
القسم الأول: الألف وهي أصل الحروف كلها ، وهي بمنزلة اللوح المحفوظ الذي فيه كل شيء وهي الكتاب المبين وهي الرق المنشور، ومخرجها الجوف وهو باطنية الحق تعالى يعني من اسمه الباطن .
والقسم الثاني : باقي الحروف، وأعلاها الواو المدية، والياء المدية المناسبتهما للألف من جهة خروجهما من الجوف.
فالواو هي العرش الجسماني ولهذا سكنت بعد رفع الياء حقيقة الملائكة الأربعة ولهذا سكنوا بعد خفض ما قبلهم، ثم ظهرت الباء والتاء والثاء واختلفت بالنقط .
فالنقطة الأولى نقطة زحل في حرف السماء الأولى، والنقطتان والثلاث باقي السيارات غير القمر فإنه مجلى الشمس لا نقطة الوجود.
ثم ظهرت باقي الحروف في الأسباب الباقية وتركبت فظهرت الكلمات الطيبة والكلمات الخبيثة كما فصلته في كتابي : (كوكب الصبح الإزالة ليل القبح )والمراد هنا بيان الكلمات الطيبات وهي كلمات الله الفاضلة التي حقت على الكافرين وربما يأتي لهذا الكلام زيادة بيان في مواضع مناسبة من هذا الكتاب.
(بأحدية) متعلق بمنزل (الطريق) إلى الله تعالى (الأمم)، أي المستقيم، وأحدية هذا الطريق اجتماع الروحانيات الفاضلة في الروح الكل المذكور، وهو طريق الله تعالى لا طريق إليه غيره، وهو في كل حقيقة كونية بتمامه.
ولهذا ورد في الحديث : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» ولما كانت معرفة النفس مختلفة ظهر الاعوجاج على حسب المعرفة والمعرفة الصحيحة بإلهام من الله تعالى، وهي الاستقامة في الطريق الموصل إليه تعالى.
(من المقام الأقدم)، أي حضرة الله تعالى وهو بيان للطريق الأمم حيث لا واسطة بينه وبين الحق تعالی فكان منه.
ولهذا قال تعالى: "قل الروح من أمر ربي" آية 83 سورة الإسراء .
(وإن اختلفت الملل) جمع ملة وهي الدين.
(والنحل) جمع نحلة وهي المذهب.
(لاختلاف الأمم) فإن لكل أمة ملة تليق بهم نزلت على نبيهم فبلغهم إياها .
ثم لما ماتت كل أمة نسخت ملتهم بما بعدها، لأن المخاطبين بها كانوا مخصوصين في علم الله تعالى حتى ظهرت ملتنا.
و المخاطبون بها كل المكلفون من بعثة نبينا عليه السلام إلى يوم القيامة ولهذا لم تنسخ.
ومراده بقوله : وإن اختلفت إلى آخره، يعني: الاختلاف المذكور ولا يمنع أحدية المأخذ.
فإن استعداد المخاطبين يعطي هذا الاختلاف، واتحاد الكاملين يعطي اتحاد الطريق والمأخذ.
كما قال الشاعر:
عبادتنا شتى وحسنك واحد      ….. وكل إلى ذاك الجمال يشير


شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
الحمد لله على دين الإسلام، وعلى توفيق الإيمان، والصلاة على محمد عليه السلام، وعلى آله العظام، وأصحابه الكرام.
( الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم) ولما أنزل الله تعالى الحكم على قلب الشيخ وكان إنزاله مسببا عن الإنزال على قلوبهم خص الحمد بإنزال الحكم على قلوبهم لأن هذا المطلع أكمل الكمالات وأعظمها قدرة ومنزلا بالنسبة إليه .
فيجب تخصص الحمد به في أول كتابه، وتخصيص الحكم والكلم بالحكم والأنبياء المذكورين في الكتاب انسحب من التعميم فاللام للعهد.
والإنزال ههنا الإبداع لقوله : ولما أطلعني الله تعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر وهو الروح الكلي فلا يحتمل التنزيل فضلا عن أن يكون أولى.
(باحدية الطريق الأمم) إنزالا ملتبسا باتحاد الطريق المستقيم في أصل الدين وهو التصديق بما جاء من عند الله تعالى والعمل بمقتضاه اتحاد الأشخاص في الأنواع
واتحاد الأنواع في الأجناس .
وبه حصل الحب الله تعالى بين الناس الذي يوجب محبة الله إياهم التي توجب رحمة الله عليهم .
ولو لم ينزل الحكم بطريق الاتحاد لرفع الاختلاف والعداوة بينهم، التي توجب عداوة الله عليهم فيستحقون عقابه .
فأحدية الطريق أعظم نعمة ورحمة من الله لنا لذلك خص الحمل بها (من المقام الأقدم ) أي من المقام الأقدس عن شائبة الكثرة .
المراد تنزیه شأن الحكم بأبلغ النزاهة (وإن اختلف الملل والنحل لاختلاف الأمم) أي وإن اختلف الدين والعقيدة في فروعات الأصل اختلاف مسببا من اختلاف الأمم بعد اتفاقهم في الأصل.
وهذا الاختلاف أيضا نعمة عظيمة ورحمة واسعة لنا من الله تعالی و به ترتفع المضايقة وتحصل الوسعة في الطريق التي توجیه استراحة الأبدان والأرواح.
لذلك خص الحمد به فالمراد بإنزال الحكم إيداعه في قلوبهم روح الشريعة المختصة بهم متضمنة بالاتحاد في الأصل والاختلاف في العوارض.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحیم
رب أعني الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخص من بينهم محمد قطب محيطهم الذي بعهد الأكمليات وفي، وآله وسلم
يقول العبد الفقير إلى الله الغني سليمان بن على بن عبد الله بن علي العابدي عرف بالتلمسانی عصمه الله به عن سواه وجعل في قدسه لا في نفسه مثواه: إنني لما رأيت أخي وولي قلبي السيد الأجل أبا القاسم عبد الكريم بن الحسين بن أبي بكر الطبري متعه الله بما أعطاه وبلغه من شرف الارتقاء النهاية من مناه ممن يجب حقه، ويتعين ويظهر بين طلاب الحضرة الإلهية صدقه ويتبين، جعلته سبب شرحي لفصوص الحکم وخصوص الكلم الذي تناوله شيخنا ختم الأولياء من خاتم الأنبياء، صلى الله عليه وسلم
قال شيخنا، رضي الله عنه، وجعلنا له به منه: (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل الاختلاف الأمم وصلى الله على ممد الهمم من خزائن الجود والكرم، وبالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم).
قلت: الكلم هنا من عينه من الأنبياء عليهم السلام، في هذا الكتاب، والحكم المعارف الإلهية ما ذكره منها في هذا الكتاب وما لم يذكره.
قوله: (بأحدية الطريق الأمم)
قلت: الطريق الأمم هنا هو المطلع وهو ما يجمع بين الظاهر والباطن والحد الذي يكون بين الظاهر والباطن، فالظاهر هو المنقول والمعقول من العلم النافع الذي يكون به العمل الصالح، والباطن هو المعارف الإلهية التي هي روح تلك العلوم المنقولة والمعقولة.
والحد هو حقيقة ما يتميز به العلم عن المعرفة.
وأما المطلع فهو معنى يتحد فيه الظاهر والباطن فيكون طريقا إلى الشهود الذاتي، وهو الطريق الأقوم الذي سماه الشيخ الأمم.
و قوله: (من المقام الأقدم).
قلت: هي حضرة الحق تعالى التي طلبها الأمم كلهم وإن اختلفوا في مللهم ونحلهم في الطلب.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قال المؤيّد رحمه الله :
في خطبة الكتاب ستّ عشرة كلمة تحتوي على مثلها مباحث كلَّية .
وإن استلزمت مباحث أخر ضمنيّة تفصيليّة على ما سيرد عليك ذكرها ، وينكشف عند التدبّر والتأمّل سرّها
البحث الأوّل من مباحث خطبة الكتاب في "الحمد"
البحث الثاني من مباحث خطبة الكتاب تحقيق في وجوه تسمية الاسم "الله"   
البحث الثالث من مباحث خطبة الكتاب في سرّ " إنزال الحكم "
البحث الخامس من المباحث الكلَّية التي تحويها خطبة الكتاب ما وقع على "قلوب الكلم"
البحث السادس من مباحث الخطبة "سرّ الكلم "
البحث السابع من مباحث خطبة الكتاب "أحديّة الطريق الأمم"
البحث الثامن من المباحث الكلية الستّة عشر "من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم "
البحث التاسع من المباحث الكلية الستة عشر وصلَّى الله على "ممدّ الهمم"
البحث العاشر من الستة عشر : "في إمداد الهمم القابلة للترقي"
البحث الحادي عشر من الستة عشر: "في الهمم"
البحث الثاني عشر من الستة عشر "خزائن الجود والكرم"
البحث الرابع عشر من الستة عشر محمّد وآله وسلَّم
البحث الخامس عشر من الستة عشر في " الآل "
البحث السادس عشر من الستة عشر  آخر شرح الخطبة
كل هذه البحوث مشروحة فيما يزيد على 120 صفحة فلتراجع هناك وليس محلها هذا الكتاب
المقصود فيه التركيز على شرح الفصوص مباشرة.


شرح الفصوص الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحيم
( الحمد لله ) حمدا لله على ما أنعم به من معرفة الحكم المنزلة على قلوب أنبيائه ، التي بيتها وفصلها في فصوص كتابه ، فلذلك وصفه بما دل على مقصده مراعاة لبراعة الاستهلال .
وهو قوله: ( منزل الحكم على قلوب الكلم ).  والحكم جمع الحكمة وهي العلم بحقائق الأشياء وأوصافها وأحكامها على ما هي عليه بالأقوال والأفعال الإرادية المقتضى لسدادها وصوابها ، فإن من العلوم ما لا يتعلق بالأفعال كمعرفة الله تعالى والحقائق المجردة من الأسماء الإلهية ، وعلوم المشاهدات والمعارف الذوقية من المعاني الكلية ، وهي علوم الأرواح .
ومنها ما يتعلق بها ولا يقتضي إتقانها وسدادها كعلوم النفوس الجزئية المذكرة بقواها .
ومنها الجامعة للكليات والجزئيات الفائضة أصولها من الأرواح المضبوطة جزئياتها وفروعاتها ، المحكمة بانطباق كلياتها على جزئياتها ، المبقية جزئياتها بكلياتها وهي حكم القلوب المتوسطة بين الأرواح والنفوس والكلم مستعارة لذوات الأنبياء والأرواح المجردة عن عالم الجبروت المسمى باصطلاح الإشراقيين الأنوار القاهرة.
إما لأنهم وسائط بين الحق والخلق تصل بتوسطهم المعاني التي في ذاته تعالى إليهم كالكلمات المتوسطة بين المتكلم والسامع لإفادة المعنى الذي في نفس المتكلم للسامع .
أو لتجردها عن المواد وتعينها بالإبداع وتقدسها عن الزمان والمكان الموجودة بكلمة كن في عالم الأمر إطلاقا لاسم السبب على المسبب .
والدليل على الاستعمال بالمعنى المذكور قوله تعالى : " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وكَلِمَتُه " .
وقوله عن الملائكة : " إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه " .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعواته :
« أعوذ بكلمات الله التامات ، وأعوذ باسمك الأعظم وبكلمتك التامة ».
وهنا مخصوصة بذوات الأنبياء بقرينة إضافة القلوب إليها . وقد تطلق الكلمة على كل موجود يصدر من الله تعالى لدلالتها على معان في ذاته ولهذا قيد المجردات بالتامات
( بأحدية الطريق الأمم ) الطريق الأمم :
الصراط المستقيم لأن الأمم القرب وأقرب الطرق المستقيم ولا يكون إلا واحدا أي الطريق التوحيد الذاتي المشار إليه في سورة هود بقوله تعالى :  "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
يعنى بالقائها ( من المقام الأقدم ) الذي هو أحدية الذات المنزهة عن تكثر الأسماء والصفات إلى قلوبهم بلا واسطة ، فإن الأحدية سارية في الكل وسريانه بذاته صراطه المستقيم ، ولا أقدم من الذات فوصف الطريق بالأمم وصف بالمصدر ، كما
يقال طريق قصد ، قال تعالى : " وعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ ".
وقوله بأحدية متعلق بمنزل إما بمعنى الظرفية كقولك حجبت بطريق الكوفة ، وإما بمعنى اللام وتضمين الإنزال معنى الإخبار ، والأمر كقولك أنزل القرآن بتحليل البيع وتحريم الربا ، أي آمرا ومخبرا بأن الطريق الأقرب واحد ليس إلا التوحيد الذاتي .
كقوله تعالى :" قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ " - الآية .
قوله ( وإن اختلف الملل والنحل )  إشارة إلى اعتراض جوابه
( لاختلاف الأمم ) كأنه قيل إن كان طريق نزول الحكم إلى قلوب الأنبياء هو المراد من إنزال الحكم طريقا واحدا فلم اختلفت أديانهم ؟
فأجيب بأنه لاختلاف استعدادات الأمم اختلفت صور سلوك طريق التوحيد وكيفية سلوكها ، مع أن المقصد والمراد وحقيقة الطريق واحد كالخطوط الواصلة بين المركز ونقط المحيط ، فإنها طرق شتى باعتبار اختلافات محاذيات المركز لكل واحدة من النقط المفروضة في المحيط ، مع أن الكل طريق من المحيط إلى المركز ، وكالمعالجات المختلفة التي يعالج بها طبيب واحد لأمراض مختلفة ، فإن المراد واحد وهو الصحة وكلها في كونها طريقا في رد المرض إلى الصحة واحد ، فطريق نزول الحكم إلى الأنبياء واحد والمراد منه هو الهداية إلى الحق ، فطريق التوحيد واحد لكن اختلاف استعداداتهم اقتضى اختلاف الملل والنحل ، فإن إصلاح كل أمة يكون بإزالة فساد يختص بها ، وهدايتهم إنما تكون من مراكزهم ومراتبهم المختلفة بحسب طباعهم ونفوسهم .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 26 فبراير 2021 - 18:01 عدل 19 مرات
عبدالله المسافر
عبدالله المسافر
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6582
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافر يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي :: تعاليق

عبدالله المسافر

مُساهمة الجمعة 24 أغسطس 2018 - 19:54 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الأولي الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الأولي : الجزء الثاني

 مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قول الشيخ، رضي الله عنه: (الحمد الله منزل الحكم على قلوب الكلم)
شروع فيما يجب على جميع العباد من الحمد لله والثناء عليه، لذلك صدر الحق تعالى كتابه العزيز بقوله: (الحمد لله رب العالمين) تعليما للعباد وتفهيما لهم طريق الرشاد.
ولما كان (الحمد) و (الثناء) مترتبا على الكمال، ولا كمال إلا لله ومن الله، كان الحمد لله خاصة، وهو قولي وفعلي وحالي:
أما القولي، فحمد اللسان وثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه على لسان الأنبياء، عليهم السلام.
وأما الفعلي، فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء
لوجه الله تعالى وتوجها إلى جنابه الكريم، لأن الحمد، كما يجب على الإنسان باللسان، كذلك يجب عليه بحسب كل عضو، بل على كل عضو، كالشكر، و عند كل حال من الأحوال.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله على كل حال".
وذلك لا يمكن إلا باستعمال كل عضو فيما خلق لأجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لأمره، لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاتها.
وأما الحالي، فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية.
لأن الناس مأمورون بالتخلق بلسان الأنبياء، صلوات الله عليهم، لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم.
وفي الحقيقة هذا حمد الحق أيضا نفسه في مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له.
وأما حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي قولا، فهو ما نطق به في كتبه و صحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية. وفعلا، فهو إظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه إلى شهادته ومن باطنه إلى ظاهره ومن علمه إلى عينهفي مجالي صفاته ومحال ولايات أسمائه.
وحالا، فهو تجلياته في ذاته بالفيض الأقدس الأولى وظهور النور الأزلي.

فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا،كما قيل:
لقد كنت دهرا قبل أن يكشف الغطاء أخالك إني ذاكر لك شاكرفلما أضاء الليل أصبحت شاهدا بأنك مذكور وذكر وذاكر وكل حامد بالحمد القولي يعرف محموده بإسناد صفات الكمال إليه، فهويستلزم التعريف.
وذكر الشيخ اسم (الله) لأنه اسم للذات من حيث هي هي باعتبار، و اسمها من حيث إحاطتها بجميع الأسماء والصفات باعتبار آخر، وهو اتصافها بالمرتبة الإلهية، فهو أعظم الأسماء وأشرفها.
والحمد المناسب لهذه الحضرة، بعد حمد الله ذاته بذاته، هو الذي يصدر من الإنسان الكامل المكمل الذي له مقام الخلافة العظمى.
لأنه حينئذ يكون منها ولها، إذ الكامل مرآة تلك الحضرة و مظهرها .
وقوله: (منزل الحكم) بفتح النون من (التنزيل). أو بإسكانه من (الإنزال).
والأول أولى، لأنه إنما يكون على سبيل التدريج والتفصيل، بخلافالإنزال.
والأنبياء، عليهم السلام، وإن كان نزول الحكم على كتاب استعداداتهم دفعة واحدة، لكن ظهورها بالفعل لا يمكن إلا على سبيل التدريج.
والإنزال والتنزيل، كلاهما، يستدعيان العلو والسفل.
ولا يتصور هنا العلو المكاني، لأنه منزه عن المكان، فتعين علو المكانة والمرتبة.
وأول مراتب العلو مرتبة الذات، ثم مرتبة الأسماء والصفات، ثم مرتبة الموجود الأول، فالأول بحسب الصفوف إلى آخر مراتب عالم الأرواح.
ثم مراتب السفل من هيولى عالم الأجسام إلى آخر مراتب الوجود.
ولكل من مراتب العلو سفل باعتبار ما فوقها إلا للعلو المطلق، ولمراتب السفل علو باعتبار ما بعدها إلا السفل المطلق.
وقوله: (على قلوب الكلم) وتخصيصه بالقلب يؤيد ما ذهبنا إليه: فإن العلوم والمعارف الفائضة على الروح لا يكون إلا على سبيل الإجمال.
وفي المقام القلبي يتفصل ويتعين، كالعلوم الفائضة على العقل الأول إجمالا ثم على النفس الكلية تفصيلا.
ولذلك جعل مظهر العرش الروحاني الذي هو العقل الأول في عالم الملك فلكا غير مكوكب وهو (الفلك الأطلس)، ومظهر الكرسي الروحي الذي هو النفس الكلية فلكا مكوكبا ومتفاوتا في الصغر والكبر والظهوروالخفاء وهو فلك الثوابت ليستدل بالمظاهر على الظواهر.
كما قال تعالى: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب."
وإنما قال: (الحكم) ولم يقل: المعارف والعلوم.
لأنهم، عليهم السلام، مظاهر الاسم (الحكيم)، إذ (الحكمة) هي العلم بحقائق الأشياء، على ما هيعليه، والعمل بمقتضاه ولذلك انقسمت الحكمة إلى العلمية والعملية.
والمعرفة هي إدراك الحقائق، على ما هي عليه، والعلم إدراك الحقائق ولوازمها، ولذلك يسمى التصديق (علما) والتصور (معرفة).  كما قاله الشيخ ابن الحاجب في أصوله.
وأيضا، المعرفة مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم بخلاف العلم، لذلك يسمى الحق بالعالم دون العارف.
فلما كان العلم والعمل به أتم من كل منهما، أي من العلم والمعرفة جعلهم الحق مظاهر اسم الحكيم عناية عليهم ولاقتضاء مرتبتهم ذلك.
ولكون كل نبي مختصا بحكمة خاصة مودعة في قلبه وهو مظهر لها جمع فقال: (منزل الحكم على قلوب الكلم).
وقد مر تحقيق (القلب) في المبادئ.
والمراد بـ (الكلم) هنا أعيان الأنبياء، عليهم السلام، لذلك أضاف إليها (القلوب.) وقد يراد بها الأرواح.
كما قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب) أي، الأرواح الكاملة.
ويسمى عيسى (كلمة) في مواضع من القرآن مع أن جميع الموجودات كلمات الله، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا".
ولكون صدور الأشياء من المرتبة العمائية التي أشار إليها النبي، صلى الله عليه وسلم، عند سؤال الأعرابي  عنه: "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟" بقوله: "كان في عماء ما فوقهواء ولا تحته هواء".
أي، في مرتبة لا تعين لها ولا اسم ولا نعت، فتعمى عنهاالأبصار والفهوم، بواسطة (النفس الرحماني) وهو انبساط الوجود وامتداده.
والأعيان الموجودة عبارة عن التعينات الواقعة في ذلك النفس الوجودي.
سميت الأعيان كلمات، تشبيها بالكلمات اللفظية الواقعة على النفس الإنساني بحسب المخارج. وأيضا، كما يدل الكلمات على المعاني العقلية، كذلك تدل أعيان الموجودات على موجدها وأسمائه وصفاته وجميع كمالاته الثابتة له بحسب ذاته ومراتبه.
وأيضا، كل منها موجودة بكلمة (كن). فأطلق (الكلمة) عليها إطلاق اسم السبب على المسبب.
قوله: (بأحدية الطريق الأمم) متعلق بقوله: (منزل الحكم). و (الباء) للسببية.
أي، بسبب اتحاد الطرق الموصلة إلى الله بالتوجه والدعوة إليه وسلوك طريق يوجب تنور القلوب، نزل الحكم والمعارف اليقينية على قلوب الكلم الربانية، فإن اختلاف الطرق يوجب الغواية والضلال.
قال عز من قائل: "وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله". أوبمعنى (في). أي، منزل الحكم على قلوب الحكم في أحدية الطريق الأمم.
أو لتضمين التنزيل أو الإنزال معنى الإخبار، كقوله: "أنزل القرآن بتحريم الربا وتحليل البيع". أي، أخبر به.
فالباء للصلة. أي، مخبر الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم.
أو للملابسة. أي، منزل الحكم متلبسا بأحدية الطريق الأمم. و (الأمم)، بفتح الهمزة، المستقيم.
واعلم، أن الطرق إلى الله إنما يتكثر بتكثر السالكين واستعداداتهم المتكثرة .
كقوله تعالى: "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها. إن ربى على صراط مستقيم".

وكقوله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
ولهذا قيل: "الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق" وكل منها في الانتهاء إلى الرب مستقيم.
إلا أنهالا توصف بالاستقامة الخاصة التي أريد بقوله تعالى: "إهدنا الصراط المستقيم."
فاللام هنا للعهد، والمعهود طريق التوحيد ودين الحق الذي جميع الأنبياء ومتابعيهم عليه، وبه تتحد طرقهم.
كما قال تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله". لا ما ذكر في سورة هود، عليه السلام: " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) سورة هود.
وإلا يكون طرق أهل الضلال أيضا موجبا لإفاضة الحكم، وبيان الحق للصراط المستقيم
بقوله: "صراط الذين أنعمت عليهم"- الآية، يدل على ذلك. ولذلك صدق اللاحق منهم السابق، وما وقع بينهم التخالف في التوحيد ولوازمه.
والاختلاف الواقع في الشرائع ليس إلا في الجزئيات من الأحكام بحسب الأزمنة ولواحقها.
فأحدية الطريق عبارة عن استهلاك كثرة طرق السالكين من الأنبياء و الأولياء في وحدة الصراط المستقيم المحمدي وشريعته المرضية عند الله.
كقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه". و "إن الدين عند الله الإسلام".
هذا بحسب اقتضاء الاسم الظاهر. وأما بحسب الاسم الباطن فطريقان جامعان للطرق الروحانية كلها:
أحدهما، طريق العقول والنفوس المجردة التي هي واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني إلى قلوبنا.
وثانيهما، طريق الوجه الخاص الذي هو لكل قلب به يتوجه إلى ربه من حيث عينه الثابتة ويسمى طريق السر ومن هذا الطريق أخبر العارف الرباني بقوله: "حدثني قلبي عن ربى".
وقال سيد البشر، صلى الله عليه وآله: "لي مع الله وقتلا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل". لكونه من الوجه الخاص الذيلا واسطة بينه وبين ربه.
ولا شك في أحدية الطريق الأول. وكذا في الثاني. إذ لا شك في وحدة الفياض وفيضه.
كما قال: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".
وتكثر قوابل الفيض لا يقدح في وحدة الطريق، كما لا يقدح تكثر الشبابيك في وحدة النور الداخل فيها.
والسالك على الطريق الأول هو الذي يقطع الحجب الظلمانية وهي البرازخ الجسمانية، والنورية وهي الجواهر الروحانية، بكثرة الرياضات و المجاهدات الموجبة لظهور المناسبات التي بينه وبين ما يصل إليه من النفوس والعقول المجردة إلى أن يصل إلى المبدأ الأول وعلة العلل.
وقل من يصل من هذا الطريق إلى المقصد لبعده وكثرة عقباته وآفاته.
والسالك على الطريق الثاني، وهو الطريق الأقرب ، هو الذي يقطع الحجب بالجذبات الإلهية. وهذا السالك لا يعرف المنازل والمقامات إلا عند رجوعه من الحق إلى الخلق.
لتنوره بالنور الإلهي وتحققه بالوجود الحقاني،حينئذ، فيحصل له العلم من العلة بالمعلول ويكمل له الشهود بنوره في مراتب الوجود، فيكون أكمل وأتم من غيره في العلم والشهود.
وقوله: (من المقام الأقدم) إشارة إلى المرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع فيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانيا.
وإنما قال على صيغة أفعل التفضيل، لأن للقدم مراتب وكلها في الوجود سواء، لكن العقل باستناد بعضها إلى البعض يجعل قديما وأقدم.
كترتب بعض الأسماء علىالبعض، إذ الشئ لا يمكن أن يكون مريدا إلا بعد أن يكون عالما، ولا يمكن أن يكون عالما إلا بعد أن يكون حيا، وكذلك الصفات.
وجميع الأسماء والصفات مستندة إلى الذات، فلها المقام الأقدم من حيث المرتبة الأحدية وإن كانت الأسماء والصفات أيضا قديمة .
قوله: (إن اختلفت الملل والنحل لاختلاف الأمم) للمبالغة. و (الملة) الدين، و (النحلة) المذهب والعقيدة.
أي، أصل طرق الأنبياء واحد، وإن اختلفت أديانهم وشرائعهم لأجل اختلاف أممهم.
وذلك لأن أهل كل عصر يختص باستعداد كلي خاص يشمل استعدادات أفراد أهل ذلك العصر وقابلية معينة كذلك ومزاج يناسب ذلك العصر.
والنبي المبعوث إليهم إنما يبعث بحسب قابلياتهم واستعداداتهم فاختلفت شرائعهم باختلاف القوابل.
وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله ودين الحق، كما لا يقدح اختلاف المعجزات في وحدة حقيقة المعجزة.
ولذلك كان معجزات كل منالأنبياء، عليهم السلام، بحسب ما هو غالبة على ذلك القوم: كما أتى موسى بما يبطل السحر لغلبته عليهم.
وعيسى، عليه السلام، بإبراء الأكمة والأبرص، لماغلب على قومه الطب.
ونبينا، صلى الله عليه وسلم، بالقرآن الكريم المعجز بفصاحته كل مغلق بليغ ومصقع فصيح، لما كان الغالب على قومه التفاخر بالفصاحة والبلاغة.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
(الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم)، الحمد: إظهار كمالات الذات، وما يتعلق بها من الأفعال والصفات، والله علم للفرد الموجود من واجب الوجود بالذات، اعتبرت معه الصفات أم لا، وقيل: مع جميع الصفات .
"فاعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن الحمد و الثناء له ثلاث مراتب: حمد الحمد و حمد المحمود لنفسه، وحمد غيره له وما ثم مرتبة رابعة.
ثم في الحمد الذي يحمد الشيء نفسه، أو يحمده غيره تقسیمات، إما أن يحمده بصفة فعل، وإما بصفة تنزيه وما تم حمد ثالث بهذا التقسيم."
والإنزال لغة: تحريك الشيء من علو إلى سفل، استعير لإظهار أمر في السوافل بعد كمونه في العوالي، والحكم: جمع حكمة، وهي العلم اليقيني بحقائق الأشياء وأحكامها مع العمل بمقتضاه، والقلب جوهر مجرد في ذاته، متصرف في البدن بواسطة النفس، التي هي جسم لطيف، تنبعث عنه القوى المدركة والمحركة، متوسط بينها وبين الروح الذي هو من عالم الأمر، وهو الجوهر المجرد في ذاته وأفعاله.
والكلم: جمع كلمة، وهي اللفظ الموضوع المفرد، استعيرت لحقيقة الإنسان الكامل لجمعها ظهورات الأسماء الإلهية والحقائق الكونية مثل جمع الكلمة للحروف، وقد تستعار الحروف للحقائق البسيطة حمدا لله تعالى على إنزال الحكم لإفادتها السعادة الأبدية بتكمیل القوة النظرية والعملية، واعتبر إنزالها على القلوب؛ لأن الإنزال عليها إنما يكون بعد الإنزال
على الأرواح، والإنزال عليها قد لا يسري أثره إلى القلب عند تكدره، والنفس غير قابلة له إلا إذا تنورت بنور القلب بعد كمال التركية، فحينئذ يسري نور القلب إليها، ثم منها على سائر الأعضاء، فإن امتلات نورا سرى على نفوس من يناسبهم، ثم على سائر ما في العالم، حتى يتم صلاح بتمامه.
ولذلك خص الحمد بإنزال الحكم على القلوب، وخص قلوب الكمل إذ قلوب غيرهم غير مستعدة لقبول الحكم على الكمال؛ إذ لا تخلو عن شائبة الوهم والخيال، ولا يتأتى العمل منها بمقتضاها.
"اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن القلب عبارة عن النشأة الجامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية، وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسية، وهو جوهر برزخي له وجه إلى جميع الأطراف وله مقام المضاهات، وأن يتسع لانطباع التجلي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى والأسفل بما اشتملا عليه."
(بأحدية الطريق الأمم)، الطريق: ما يوصل السير فيه إلى المقصد، وأحديته جمعه فوائد الطرق، كأنها تصير بعد تفرقها واحدة والأمم الأقرب، وذلك طريق الكشف الجامع فوائد طرق النقل والعقل من الوصول إلى المقصد، وهو تحصيل الكمالات العلمية والعملية مع الحلو عما يلزم طريق النقل من التقليد، وطريق النظر من الشبهات الموجبة للتفرقة والبعد بترتيب المقدمات.
ولذلك لا يكاد يرتفع اختلاف مذاهب أرباب النظر (من المقام الأقدم)، أي: منزلها من التعين الأول المتضمن للعلم بالذات، ومن التعين الثاني المتضمن للعلم بالأسماء والصفات، وهما وإن ترتبا عقلا فهما أقدم من غيرهما في الوجود مساوقان فيه في الواقع.
وإنما اعتبرنا انهما؛ لأنه لا بد للكل من العلم بالذات والصفات جميعا على وجه لا يحتمل الغلط والقصور، وسائر المقامات لا تخلو عن أحدهما، ومقام الإطلاق لا يعتبر فيه العلم أصلا ؛ فهو إنما ينزل من أحد التعينين على القلوب المناسبة له، وهي التي أجازته مع غاية الصفاء فيها.
"أعلم في قوله: (من المقام الأقدم): أي أقدم من القديم، وهو أحدية الذات التي هي منبع فیضان  الفيض الأقدس على الأعيان الثابتة. وإنما قال : من المقام الأقدم؛ لأن أحدية الذات أقدم من أحدية الأسماء المسماة بالواحدية القديمة التي هي مرتبة الألوهية، فافهم."
(وإن اختلفت الملل و النحل)، أي: ملل من أنزلت عليهم من الأنبياء ونحل أممهم، فإن ذلك لا يخل بأحدية طريقهم في جمعها فوائد سائر الطرق في الإيصال إلى المقصد المذكور، ولا تكون علومهم من المقام الأقدم، بل غاية ذلك اختلاف وجوه مشيهم فيه، وذلك لاختلاف استعدادات (الأمم)، فالأحكام الفرعية المتعلقة بالجوارح أو القلوب، وإن اختلفت باختلاف الاستعدادات؛ فهي نازلة من المقام الأقدم، معدة في الإيصال إلى المقصد لمن جعلت طريقا لوصوله حين جعلت، ثم سندت على من بعدهم بعدما كانت منفتحة لمن تقدمهم، ولهذا لا يتأتي في الاعتقادات الأصلية أصلا.
" فما زلنا من الخلاف؛ لأنهم: أي أهل التحقيق قد خالفوا المختلفين، ولذلك خلقهم، فما تعدی كل خلق ما خلق له، فالكل طائع في عين الخلاف.
وهنا مسألة دورية ذكرها الشيخ رضي الله عنه في «الفتوحات»: وهي إن الشرائع اختلفت لاختلاف النسب الإلهية، واختلاف النسب الاختلاف الأحوال، واختلاف الأحوال لاختلاف الأزمان، واختلاف الزمان لاختلاف الحركات الفلكية، واختلاف الحركات الفلكية الاختلاف التوجهات، واختلاف التوجهات الاختلاف المقاصد، واختلاف المقاصد الاختلاف التجليات، واختلاف التجليات الاختلاف الشرائع، واختلاف الشرائع لاختلاف النسب الإلهية، فدار الدور، انتهى كلامه ."


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)

شرح خطبة المؤلف
(الحمد لله منزل الحكم ) الحمد عند التحقيق عبارة عن تعريف حدود المراد , والإبانة عن غاية كمال المحمود ومنتهى مقامه في آيات ذوات أفراد وأعداد ثمّ إنّ لتلك الآيات والأفراد - من حيث التفرقة الكونيّة العالميّة وظهور سلطان التعيّن فيها - وجهين من الدلالة والإشعار :
أحدهما نحو الإظهار : وهو الذي يلي الإطلاق الذاتي الوجودي فيه لسان الحمد .
والآخر نحو الإخفاء : وهو الذي يلي التقيّد العدمي الكوني فيه لسان التسبيح .
والأوّل لظهوره يفهمه كل أحد - دون الثاني - كما ورد في التنزيل : " وَإِنْ من شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ." 
وبيّن أن تلك الأشياء متخالفة بحسب ظهورها بالوجهين وغلبة أحكام الإطلاق والتقيّد : فمنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بلسان التسبيح فقط ومنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بلسان الحمد فقط ومنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بهما .
وإذ قد تقرّر أنّ التسبيح حقّه هو الَّذي يؤدّى بالحمد ، وذلك هو اللائق بجنابه الأقدس ، فإنّ تنزيهه تعالى ليس ممّا يقابل التشبيه .

كما ستطلع عليه في طيّ الكتاب وقد عرفت ممّا سلف لك من البيان أن قلب الكمّل هو المختصّ بذلك أتى بالكلام المعرب الجامع بين الكثرة الكونيّة المسبّحة والوحدة الوجوديّة الحامدة  وهو المعبّر عنه بالحكم - حمد الله على إنزاله إيّاها .
وكأنّك قد نبّهت على أنّ موضوع ما في هذا الكتاب من الأبحاث إنّما هو ذلك بحسب تدرّجه في مراقي الكمال وتطوّراته ، إلى أن بلغ الرتبة الختميّة فلذلك قال : ( على قلوب الكلم ) إشارة إلى ما هو بصدد تحقيقه إجمالا ، على ما هو دأب أئمّة التأليف وأدبهم . والمراد من « الكلم » هو الكمّل من الأنبياء - كما لا يخفى على الواقف بمصطلحاتهم .
ثمّ هاهنا تلويح :
وهو أنّ لل « حكم » إلى « القلب » مناسبة بيّنة يتبيّن لأهله بأدنى تأمل :
( ا ا ف يم ) ، وكذلك لل « منزل » و « الكلم »  ، ولكن أبعد ، وفق ما لهما من 132 النسبة إليه : ( يم ون ا ا م ) ، ( ا ف يم ا ) ، ( ا ف ا م يم ) ، ( ا ف يم ا ).
ثمّ إنّ القلب بحسب ظهور الرابطة الجمعيّة المذكورة فيه ، والرقيقة الاتحاديّة التي فيها - على ما نبّهت إليها في المقدمة - قد انفرد بقرب من الطريق لا يتطرق لفنائه طوارق النسب والأبعاد ، به يعبد وقرب من المكانة ينطوي عنده بساط أعداد الوسائط والمناسبات  ، به يحمد . وأشار إلى طريقه المعبّد ومقامه المحمود ، منبّها إلى تحقيق طريق الإنزال ، وتبيين مبدئه ، ثمّ إلى منتهاه وغايته قوله :
(بأحديّة الطريق الأمم من المقام الأقدم ) فـ « من » ابتدائيّة ، أي أنزل من حيث أقدم وأعلى من أن ينسب إليه القدم المقابل للحدوث بطريق هو أقرب وأدنى من أن يشار إليه بالقرب المقابل للبعد فالباء فيه معنى الظرفيّة ، متعلَّق بـ " المنزل " ، كقولهم : « حججت بطريق الكوفة » .
وقد جاء الإنزال بمعنى الإظهار كقولهم : " أنزل ببني فلان سور " . واستعماله بـ « على » قرينة له .
ثمّ إنّ الاختلاف الَّذي هو دليل غلبة أحكام التعيّن الموجب للقصور عن أداء التسبيح والتحميد حقّهما ، موجود في قلوب الكمّل ، التي هي أصول أغصان الظهور والإظهار وبحور جداول الشعور والإشعار ، بحسب تباين استعدادات ما يتفرّع عنها من الأمم ، وتقابل مقتضيات مشاربهم ومقترحات نيّاتهم ومقاصدهم .
فقوله : ( وإن اختلفت الملل والنحل لاختلاف الأمم ) إشارة إلى ذلك وتنبيه على أنّ الأحديّة هذه ليست مما تنافيه وجوه التكثّر أو تقابله - بل تجمعها وتتحقّق بها - ف « إن » هاهنا للتوكيد .
وقوله : « لاختلاف الأمم » علَّة للاختلاف الأوّل وبيان أنّ ذلك الاختلاف مما لا بدّ منه بأصوله وتفاريعه وشعبه وشوارعه ، ضرورة تكثّر الوجوه بها ، وتنوّع ألسنة التسبيح والتحميد منها  .
فلولاه ولو لأنا ....      لما كان الَّذي كانا
وفيه إشارة إلى غاية الإنزال ونهايته ، يعني : اختلاف الأمم المتفرّع عن اختلاف الملل المتأصّل له ضرورة أنّه سببه .
وحيث أنّ مبدأ طريق الإنزال ومنتهاه الأمم ، فيه تلويح بشيء من معاني « ا ل م » - فلا تغفل .
تلويح :
حاء حقيقة الحقّ إذا اكتسى بصورة الدال الدالَّة على دولة الظهور ودوران أحكامه ، فالمركَّب إنّما يدلّ على الغاية من أطرافها ونهايتها - وهو " الحد " - فإذا ظهر عليه واو الهويّة وهاؤها هو « الوحدة » الكاشفة عن غاية رتبة الوصول إلى الوجود ، وكنه طرف البطون منه ، كما أنّه إذا امتزج بـ « ميم » الجمعيّة العلميّة والكمال هو « الحمد » الدالّ على تمام مرتبة الإظهار .
وممّا يؤيّد هذا تأييدا بيّنا أنّ ما بطن في « لله » من بيّنات أصله هو الظاهر في الحمد بعينه  كما لوّح إليه .
على أنّ الحاء والميم اللتين هما تمام الأسماء الإحصاء والألف واللام والميم ، التي هي تمام مرتبة الإظهار - كما اومي إليه - قد انطوت في " الحمد " مع الدال ، على الصورة الجمعيّة لها.
ثمّ إنّ الحاء والميم كما أنّهما إذا ظهرتا بالدال هو « الحمد » كما بيّن كذلك إن أحاطتا بكاف كنه الكلّ هو " الحكم " .
ثمّ اعلم أنّ للألف تنزّلا من سماء قدس تجرّده الذاتي وعلوّ تنزّهه الحقيقي إلى أرض عرضه المزاجي ، وهي باء بسطها وبيانها ، وصورة ذلك هو « ل » وهو لام « الكلام »الذي إذا اختفى الألف في صورة جمعيّته وبسطه هو « الكلم » ومن ثمّة ترى عدده ( 30 ) باعتبار اختفاء نقطة الباء فيها ، وهو معنى الإنزال ، وحيث وصف طريقه بما هو بيّنات اللام إشارة خفيّة إلى هذا التلويح ، وبيّن أنّ وقوع أمثال ذلك في مطلع الكتاب من آيات تحقيق رؤياه وتصديق كشفه عند أهله .
ثمّ إنّ الحمد حسبما عرفت معناه ولخّصت مغزاه - لا يخفى عليك أنّه ما تنفّس عن مطلع الظهور صبح كماله إلَّا بميامن أنفاس الخاتم وأفعاله وأقواله ، وما سطع أشعّة تمام إظهاره من أعلام الإعلان إلَّا بتبيين ورثته من آله .
فلذلك اشتقّ من « التحميد » بمعنى المبالغة في الحمد صيغة معربة عن أنّه المحمود لا غير وله الفضل فيه ، ليكون اسما له .
فإنّه ما لم يعرب عن هذا الوجه يكون قاصرا عن أداء تمام الحمد ، ولا يكون الاسم مطابقا لمسمّاه كما بيّن تحقيقه في « الرسالة المحمدية » - ومن ثمّة ترى أئمّة التأليف يستردفون الحمد بالصلاة عليه وعلى آله .
تقرّبا إلى المنتسبين إلى حضرته المنيفة وتطفّلا إليهم بما يورث الوصول إلى مدارج أقدامهم الشريفة ، وتنبيها على أنّهم هم السابقون والمصلون في مضمار أداء الحمد ، والفاتحون لأبواب كماله ، الخاتمون عليها بخاتم التمام ، فهي إذن من الحمد ، كما أنّ تسميته بما ينبئ أنّه المحمود منه أيضا .


شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد) هو إظهار كمال المحمود إذ لا كمال إلا للحق سبحانه جمعا أو فرقا . وكذلك لا مظهر له إلا هو سبحانه جمعا أو فرقا، فجنس الحمد أي حقيقته المطلقة الشاملة كل حامدية ومحمودية إذا لوحظ الحمد بعين الجمع واستهلاك المظاهر في الظاهر.
أو في كل فرد منه إذا لوحظ بعين التفرقة واستنار الظاهر بالمظاهر، وكل فرد منه إذا لوحظ بعين جمع الجمع خالص (لله) أي الذات المطلقة المجردة من جميع النسب حتى نسبة الإطلاق والتجرد إليها فهو الحامد في كل مرتبة والمحمود بكل فضيلة ومنقبة لا حامد سواه، ولا يحمد أحد إلا إياه .
اعلم أنه لا يقع حمد مطلق من حامد إلا لفظا وإذا أضيف الحمد إلى اسم من أسماء الله فلا يكون ذلك إلا من حيث حضرة خاصة من حضرات الأسماء يدل عليها حال الحامد ويقيد بها .
ولما كان حال الشيخ رضي الله عنه في هذا المقام تقييد حمده بتنزيل الحكم، لأنه رضي الله عنه كان في صدد بيان الحكم المنزل على قلوب الأنبياء عليهم السلام، أردف اسم الله بقوله :
(منزل الحكم) وجعله وصفا له تصريح بما بشیر إليه حاله وهو اسم فاعل.
إما من التنزيل أو من الإنزال وتحققهما إنما هو باعتبار أن الحكم إنما تنزل من الحضرات العالية الإلهية المطلقة إلى مرتبة التقييد والتعبير أعني حقائق القلوب الكمالية الإنسانية .
لأن العلو الحقيقي لإطلاق الذاتي وحضرة الربوبية الفعالة والتقييد والانسفال للمرتبة العبدانية القابلة.
ثم إن جعله من التنزيل أولى لأنه ينبئ عن التدريج، ولا يخفى أن نزول العلوم والمعارف على كتاب استعدادات أرواح الأنبياء عليهم السلام وإن كان دفعيا لا يمكن ظهورها على قلوبهم بالفعل والتفصيل إلا على سبيل التدريج، وذلك إما باعتبار أن الحكم النازلة على قلب كل نبي إنما نزلت بحسب مصالح أمنه مدة بقائه فيهم.
وإما باعتبار أن بعض الحكم بعد القلب، فیضان بعض أخر فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر.
وإما باعتبار أن نزولها إما على طريق سنسنة الترتيب التي أولها العقل الأول والتدريج فيه ظاهر وما على طريق الوجه الخاص.
والتدريج فيه باعتبار أن النازل ينزل على الروح أولا بحسب الإجمالي ثم على القلب ثانية بالتفصيل.
والحكم الشرائع المشتملة على العلوم والمعارف التي هي الحكمة العلمية ، وعلى الأخلاق المرضية والأعمال الصالحة التي هي الحكمة العملية .
(على قلوب الكلم). القلب حقيقة جامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسانية .
والتجلي الخصيص بحدائق الجوهر الروحاني والنفساني مجلى متعین من حضرة القدس والنزاهة والوحدة و العلو والفعل والشرف والحياة و النورية.
والتجلي المخصوص بالجسم متعين بأضداد ما للروح والنفس.
وذلك لتعيين التجلي في كل قابل بحسبه .
فلما ظهرت الحقيقة القلبية بأحدية الجمع استعدت قبول محل إلهي وفيض جمعي كمالي إحاطي لا يمكن تعيينه في كل واحد من الجوهرين، ولا في حقائق كل من الطرفين على الانفراد .
وهذا الفيض المخصوص بالقلب إنما يكون تعينه من الحضرة الإلهية العمانية الجمعية ، وإذا تحققت ذلك فاعلم أن إنزال الحكم من الحضرة الأحدية الجمعية الإلهية إنما تكون على قلوب الأحدية الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح والنفس والجسم لا على الروح والنفس فقط، أو على القوى الجسمانية وحدها فلذلك خص القلوب بالذكر.
والمراد بالكلم التي هي جمع كلمة أعيان الأنبياء عليهم السلام ولذلك أضاف القلوب إليها .
قال الشيخ الكبير صدر الدين القونوي رضي الله عنه في كتاب : "النفحات" أن الصورة معلومية كل شيء في عرصة العلم الإلهي الأزلي مرتبة الحرفية ، فإذا صبغه الحق بنوره الوجودي الذاتي وذلك بحركة معقولة معنوية يقتضيها شأن من الشؤون الإلهية المعبر عنه بالكتابة .
تسمى تلك الصورة أعني صورة معلومية الشيء المراد تكوينه كلمة.
وبهذا الاعتبار سمي الحق سبحانه الموجودات كلمات.
ونبه على ذلك في غير موضع من كتابه العزيز فسمى عیسی على نبينا وعليه الصلاة والسلام كلمة .
وقال أيضا: "لا تبديل لكلمات الله" آيه 64 سورة  يونس.
وقال في حق أرواح عباده : "إليه يصعد الكلم الطيب" 10 سورة فاطر. أي الأرواح الطاهرة.
فإذا فهمت هذا عرفت أن شيئية الأشياء من حيث صرافتها شيئية ثبوتية في عرصة العلم ومقام الاستهلاك في الحق سبحانه .
وأنها بعينها في عرصة الوجود العيني باعتبار انبساط نور وجود الحق عليها وعلى لوازمها وإظهارها لها لا له سبحانه في كلمة وجودية.
فلها بهذا الاعتبار الثاني شيئية وجودية بخلاف الاعتبار الأول .
(بأحدية الطريق الأمم) الأمم بالفتحتين المتوسط بين القريب والبعيد.
قال ابن السكيت الأمم بين القريب والبعيد والمراد بالطريق :
إما طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء ومتابعيهم المشار إليه بقوله :وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام.
وتوصيفه بالأمم باعتباراته متوسط بين قرب التنزيه وبعد التشبيه .
وأما الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح الذي له القرب وبين حقائق الجسم الذي له البعد فإنها كالطريق لنزول الحكم من حضرة الأحذية الكمالية الإلهية على القلوب.
والمراد بأحدية الطريق إما وحدته النوعية التي تتحد فيها أفراده، وإما أحدية جمعه للمتقابلات، والباء إما للملابسة على أن يكون الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف.
أي تنزيه ملتبسة بأحدية الطريق، أو حالا من الحكم أو القلوب أو الكلم ولا يخفى وجه صحة كل منها لفظا ومعنى.
وإما للسببية متعلق بالتنزيل فإنه مسببة عن سلوك طريق التوحيد وعن اتصاف القلب بالجمعية الكمالية الإنسانية أيضا.
وإما متعلق به على ما يقتضيه معنى الإخبار، أي الله سبحانه وتعالى ينزل الحكم مخبرة بأحدية العريق.
وأما الظرفية كما في قولهم : حججت بطريق الكوفة، فإن كلا من طريق التوحيد والجمعية الإنسانية طريق التنزيل ومحله (من المقام الأقدم) من ابتدائية.
أي هذا التنزيل مبتدأ من مقام هو أقدم من أن يكون قدمه مقابلا للحدوث ، والمراد به مرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع لفيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانية.
وإنما كانت أقدم، لأن المراتب الإلهية وإن كانت كلها في الوجود سواء لكن العقل يحكم بتقدم بعضها على بعض الحياة على العلم والعلم على الإرادة والإرادة على القدرة وأقدمها الأحدية الذاتية (وإن اختلفت الملل) أي الأديان المتعددة بتعدد أصحاب الشرائع (والنحل) أي المذاهب المتشعبة من كل دين بتعدد المجتهدين.
وقوله : (لاختلاف الأمم) علة لاختلاف الأمم لاختلاف الملل والنحل.
أي هذا الاختلاف إنما وقع لاختلاف واقع بين الأمم في أمزجتهم و أحوالهم ومراتبهم وعرفهم وعاداتهم ومأخذ نظرهم ومعتقداتهم.
فاختلفت بشرائعهم ومذاهبهم في تلك الشرائع بسبب ذلك الاختلاف وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله والدین الحق.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:06 عدل 17 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الجمعة 24 أغسطس 2018 - 20:45 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الأولي الجزء الثالث .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الأولى : الجزء الثالث
تابع كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
 قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قال الشيخ الأكبر الحاتمي رضي الله عنه : (بسم الله الرحمن الرحيم) كلمة بسم الله من الإلهيين بمنزلة كلمة الحضرة.
فلما أراد رضي الله عنه ظهور عين الكتاب المسطور في الرق المنشور، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، فالأديب خلاق في هذه الدار ببسم الله الرحمن الرحيم ؛ ليعصم في معاملته من مشاركة الشيطان حيث أمره بالمشاركة في الأموال والأولاد، فهو ممتثل هذا الأمر الإلهي وحريص عليه، ونحن مأمورون بألقابه في هذه المشاركة، فطلبنا وطلبنا ما نتقيد به لكونه نجیا عئا لا نراه فأعطانا الله اسمه تعالى.
فلما سمينا الله تعالى أعمالنا عند الشروع فيها توحدنا بهما، وعصمنا الله من مشاركة الشيطان.
فإن الاسم الإلهي هو الذي يباشرها، ويحول بيننا وبينه حتى أن بعض أهل الكشف يشهدون هذه المدافعة التي بين الاسم الإلهي من العبد في حال الشروع و بين الشيطان.
وإذا كان العبد بهذه الصفة كان على بينة من ربه، وفاز ونجا من هذه المشاركة، وكان له البقاء في الحفظ والعصمة في جميع أعماله وأحواله.
ذكره رضي الله عنه في الباب الثالث والخمسين وثلاثمائة من «الفتوحات» وإنما عدل رضي الله عنه عن قوله: "كن أدبا مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإنه إذا أراد شيئا يقول له كن وحيث صدر منه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: «كن أبا ذر» الحديث.
"نظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كن أبا ذر" فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" . المستدرك على الصحيحين
قال انه في «الفتوحات»الباب 595 : "من أراد التكوين فليقل بسم الله وإن كتبه فليكتبه بالألف وقال الأدب مع الله أن لا تشارك فيما أنت فيه مشارك " فافهم
بعض أسرار بسم الله على العموم لا باعتبار خصوص المقام.
اعلم أنه لما ثبت أن الأسماء الإلهية سب وجود العالم، وأنها المسلطة عليه والمؤثرة لذلك، قال : بسم الله خير مبتدأ مضمر ، وهو ابتداء العالم وظهوره كأنه يقول ظهور العالم بسم الله الرحمن الرحيم، فظهر به العالم.
واختصت به ثلاثة من الأسماء؛ لأن الحقائق تعطى ذلك:
فالله هو الاسم الجامع الأسماء كلها والرحمة صفة عامة فهو رحمن الدنيا ما رحم كل شيء من العالم في الدنيا،
ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة، وانفرد عن أخيه في الآخرة.
فتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء جملة في الاسم الله، وتفصيلا في الاسمين الرحمن الرحيم .
قوله: (بسم الله): بالباء ظهر الوجود، وبالنقطة تميز العابد من المعبود.
قيل للشبلي قدس سره أنت الشبلي، قال: «أنا النقطة التي تحت الباء».   وهو إشارة إلى وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية.
"قال العارف سيدي ابن الفارض سلطان العاشقين مشيرا إلى ذلك بقوله:
ولو كنت لي من نقطة الباء خفضة     …… رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
فبالتعين وقع التميز، وقد علمت أن أول تعين هو الحقيقة المحمدية، وهذه النقطة المراد بها ما ذكرناه مظهر هذه الحقيقة، والظاهر عين المظهر باعتبار، فكان صلى الله عليه وسلم هو هذه النقطة الجامعة لما يكون و كان."
"واعلم أن الذات تبارك وتعالى لا تعلق له بالعالم ولا بشيء لغناه الذاتي.
وأن الذي له التعلق والتأثير بالعالم هو الأسماء والبسملة كافية للعالم، وبها يتم أمره فإنها مشتملة على الأسم: الله والرحمن الرحيم، أما الأول فإنه له جمعية الأسماء جمعية إجمال، والاثنان الباقيان لهما جمعية ذلك تفصيلا. "
ونقل الشيخ رضي الله عنه عن الشيخ أبي مدين قدس سره أنه قال«ما رأيت شيئا إلا ورأيت الباء عليه مكتوبة». فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام والفناء.
ثم جاءت إلها آخر إشارة إلى بقاء وجوده أخرا عند محو الرسوم، وهذا هو المقام الذي يضمحل فيه أحوال السائرين، وتنعدم فيه مقامات السالكين حتى يفنى ما لم يكن، ويبقى من لم يزل لا غير؛ ليثبت لظهوره ولا ظلام يبقى لنوره.
ويشير إلى هذا المقام قوله تعالى: "لا تبقي ولا تذر" [المدثر : 28] وقوله : «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فالألف المحمولة بالإضافة .
أعني: ألف الله إشارة إلى تحقيق اتصال الوحدانية، وتمحيق انفصال الغيرية وهو تحقيق المتصل بتمحيق المنفصل، فافهم.
والألف الثانية في اللام الثانية تمحو آثار الغير المتحصل: أي من الوهم المكتسب وظهور اللام بالاستقلال، وإما إلها للهوية السارية إشارة إلى أنه منها بدأ وبها ختم وملكها الأمر في الوجود والعدم.
وجعلها دالة على الحدوث و القدم، والله بكل شيء محيط، وصير الكل استما ومسمي، وأرسله مكشوفا و معما الله هو الولي الأعلى
أما ترى أن اللام الثانية لما كانت مراده الكل مجتباه كيف أعربت و اتصلت بألف الوحدانية اتصالا شافيا حتى صار وجودها نطقا يدل على الألف دلالة صحيحة، وإن كانت الذات فيت فإن لفظك باللام تحقيق الاتصال.
ويشير إلى هذا قول أعلم الخلق بالله صلى الله عليه وسلم : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» فمن عرف اللام الثانية عرف اللام بخلاف اللام الأول، فإنه مع الهمزة ولا يظهر الألف.
أما ترى تعانق الكلام مع الألف تعانقا حبيبا عشيقا لا يفارقها أبدا؛ بل في ظهور الأول ثابت الهمزة عنها: أي عن الألف، وهي في حجاب غرة البطون لا تقبل الحركة والخروج لو شاء لجعله ساكنا.
قال الله تعالى: "وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم" [الانعام : 13]، فافهم ولا تكن غليظ الطبع قدما أصم أعمى أبكم وعلى الله قصد السبيل.
وأما قوله رضي الله عنه عن الرحمن فاعتبر فيه وجهان: فمن أعربه بدلا جعله ذاتا.
قال تعالى : "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا له الأسماء الحسنى" [الإسراء:110]
ومن أعربه نعتا فقد اعتبره صفة قال : «إن الله خلق آدم على صورته» وفي رواية: «على صورة الرحمن» و هذه الرواية ذكرها رضي الله عنه  في الباب الخامس من «الفتوحات» وقال: إنها صحيحة من طريق الكشف، فمن أعربه بدلا أشار إلى التحقيق بمقام الجمع الذاتي وفناء الصفات.
كما قيل: التوحيد إسقاط الإضافات و هو مقام أن الله خلق آدم على صورته ، وذلك وجود العبد في مقام قرب الحق في حد الخلافة. فافهم
وأما من أعربه نعتا فإنه أشار إلى رتبة الجمع الصفاتي، وهو من مقام خلق آدم على صورة الرحمن وهذا مقام الوراثة ولا يكون إلا بالحجاب، وهو المعبر عنه بالمثل، وفيما قررناه دل على ما أضمرناه لمن له قلب.
قال تعالى: "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال" [الأحزاب:25] فكن المعمي ولا تكن من هو أضل و أعمي.
وأما الرحيم من البسملة صفة محمد صلى الله عليه وسلم بلا شبهة ولا مراء، كما شهد الله له بقوله: "بالمؤمنين رءوف رحيم" [التوبة:128]، "وكفى بالله شهيدا" [النساء: 79] ، تمت البسملة وبتمامها تم العالم خلقا وإبداعا، وكان صلى الله عليه وسلم مبدأ الوجود عقلا و نفسا
ورد: «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين».  أي العلم والعين وصار به ختما
و به  صلى الله عليه وسلم ختم المقام روحا وجسما , كان آدم أبو البشر حامل الأسماء وهو صلى الله عليه وسلم حامل الاسم والمعين
قال : «مثلت في أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها» ذكره الديلمي عن أبي رافع .
فالشهود في الماء والطين أتم وأعم من الشهود في عالم الأرواح أو المثال فافهم.
فإني ما ذكرت لك في مقام البسملة سوى قشور ما فهمته من معارفه لانه وذلك لأن الفائدة في المحاورة و التعريف لا يكون إلا إفهام المخاطب، و إلا ما يقع في التعريف فائدة، ولما كان فهم المخاطبين بحسب إدراكهم فيما خوطبوا به مما ظهر منا إلا بحكم الحكيم.
وإلا قال بانه: إنه وجدت البسملة أنها تتضمن ألف معنى كل معنى منها لا يحصل إلا بعد انقضاء حول.
ولا بد من حصول هذه المعاني؛ لأنه ما ظهر إلا ليعطي معناه، فلا بد من كمال ألف سنة لهذه الأمة، وهي أول دورة الميزان ومدها ستة آلاف سنة روحانية محققة.
ولهذا ظهر في هذه الأمة من العلوم الإلهية ما لم يظهر الغير هذه الأمة، فإن هذه الدورة التي انقضت كانت ترابية فغاية سعيهم علما وعملا بالطبائع و الإلهيون فيهم غربا قليلون جدا.
يكاد ألا يظهر لهم عين، ثم أن المقالة منهم أيضا ممتزج بالطبيعة، ولا بد ما صرف خالص سائغ للشاربين، ولا سبيل لحكم الطبع عليه أصلا، هذا هو مال اليتيم الذي لا يقربه أحد إلا بالتي هي أحسن: أي باستحقاق الوراثة المحمدية فافهم.
نكتة: اعلم أن البسملة أربعة ألفاظ لها أربعة معاني معان فتلك ثمانية :
وهم العرش المحيط، وهم الحملة، فهم حملة من وجه و عرش، من وجه ذكره عند في «الفتوحات» ثم قال: فانظر واستخرج من ذاتك لذاتك،
فقلت: إطاعة لخطابه المستطاب إنهم من حيث الصور حملة، ومن حيث المعاني عرش؛ لأن الصور يصح أن يقال فيها أنها حافلة الأرواح، فلهذا تظهر في الآخر ثمانية؛ لأن المعاني فيها تظهر صورة قائمة بنفسها والله أعلم.
بشارة في البسملة وهي: إنه تعالى لكمال العناية بالعباد كما أبطن اسم المنتقم في الجلالة، وأظهر اسما الرحمة العامة والخاصة في الوجودين الكتابة والقراءة، كذلك أظهر حكمها في وجودي الدنيا والآخرة وأبطن حكم المنتقم فيها إشارة إلى سريان حكم الرحمن في الوجود فافهم.
إن هذا معنى ما قاله به في «الفتوحات»: إن من كرمه سبحانه أن جعل تعالى في مقابلة الوعيد مانعا وهو: العفو والتجاوز وأمرنا به، ولم يجعل للوعد مانعا قال مخلوق من مخاليقه نظم
وإني إذا أوعدته أو وعدته     ….. لمخلفا  ميعادي ومنجز
هذا وهو محتاج فقير يتيم، قال تعالى : "ما غرك بربك الكريم " [الانفطار: 6].
قال الشيخ الأكبر: [الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلف النحل والملل لاختلاف الأمم. وصلى الله على محمد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم].
قال الشيخ الكيلاني الشارح:
(الحمد لله) حقيقة، الحمد هو العبد المقدس المنزه قدمت الذات تنويها وتشريفا وتعريفا بأن النفس قد عرفت، وتصديقا و اقتداء لبي.
قال تعالى : "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" [النمل:30]
كأنك ما فهمت ما ذكره لك بلسان آخر من ألسنته رضي الله عنه ؛ لاتساع الرحمة وإطاعة الأمر حيث كي لا تمتعوا هذه الرحمة التي وسعتكم
فاعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن الحمد و ثناء وله ثلاث مراتب:
1 - حمد الحمد
2 - وحمد المحمود لنفسه،
3 - وحمد غيره له
وما تم مرتبة رابعة، ثم في الحمد الذي يحمد الشيء نفسه، أو بحمده غيره تقسیمات، إما أن يحمده بصفة فعل، وإما بصفة تنزیه و ماثم حمد ثالث بهذا التقسيم
وأما حمد الحمد له فهو في الحمدين بذاته لو لم يكن لما صح أن يكون لها حمد.
ثم أن الحمد على المحمود قسمان، منه أن يحمد بما هو عليه وهو الحمد الأعم.
ومنه أن يحمد على ما يكون منه وهو الشكر العرفي الأخص، فانحصرت الأطراف و اجتمعت المحامد.
وإما تعيين الكمالات التي تدل على ما ذكره لا يتناهى كما أخبر أعلم الخلق بالله لا حيث قال في بيان المقام المحمود: «فأحمده بمحامد لا أعلمها الآن»
وقال صلى الله عليه وسلم : «لا أحصي ثناء عليك» ؛ لأن ما يتناهى لا يدخل في حيطة الإحصاء والوجود، ولما كان كل عين حامدة ومحمودة في العالم كلمات الحق الظاهرة من نفس الرحمن بفتح الفاء ونفس الرحمن ظهور الاسم الباطن، والحكم الغيب فهو الظاهر والباطن فرجعت إليه عواقب الثناء كله؛ بل إليك فافهم.
فلا حامد ولا محمود بل ولا الحمد إلا الله، ولا الحمد إلا العبد، فإن من هذا المشرب ما قلناه: إن حقيقة الحمد هو العبد المقدس فلا تقف مع ساحل الألفاظ، و خض بحر المعاني مجرد عن لباس الصور والأوان، لعلك تقدي بهذا فإن صعب عليك المرام من حيث أنه إلغاز وإيهام.
قل: إن الحمد في العرف إظهار كمال المحمود في ظهور العبد الكامل على صورة إظهار الكمال، بل كمال الإظهار، فإن ما في الإمكان أبدع مما كان هل يكون شيء أبدع من صورة المبدع والله هو البديع؟!
فاقنع هذا وخذ ما آتيتك، وكن من الشاكرين فإن المقام مقام الحيرة والكيل كيل السندرة لله.
الاسم الله اسم مرتبة أزلية قديمة، وهو مقام انفصال وجود من وجود الإله، ثم غيبه عن وجوده بوجوده سبحانه الأزلي الأبدي، فلما جمع الأبد والأزل جمع الحرفين، ولف الطرفين، وطي البردين في اعتدال البردين .
فأوصل اللام باسم الجلالة ؛ الكمال الاتصاف وغاية العدل والإنصاف.
(وقال الله) لتحقق الاتصال التام و تمكنه في ذلك المقام، فخرج من مضمون مجموع ما ذكرته إن فهمته أن غاية الأمر أنه حمد نفسه التي رآها وهذا من محتملات الآية، إذا كانت الكاف غير زائدة وصار الموجود مرآة فلا تحلت صور الممثل في مرآة الذات.
قال لها تعالى حين أبصرت الذات وعطست و میزت نفسها: احمدي من رايت فحمدت نفسه التي رأت في المرآة.
فقالت: الحمد لله.
فقال لها: يرحمك ربك يا آدم لهذا خلقتك فسبقت بهذا القدم رحمته غضبه.
وإنما قلت: إن الله اسم للمرتبة لا اللذات .
لقوله فيه في أجوبة الترمذي رحمه الله: إن مدلول الله يطلب العالم بجميع ما فيه فهو له كاسم الملك والسلطان، فهو اسم للمرتبة لا للذات انتهى كلامه رضي الله عنه.
و كيف لا والحمد ما يقع إلا على الأسماء للذات البحت؛ لأنها لا تدرك.
قال صدر الدين القونوي في شرح الفاتحة: إن الحمد هو الثناء في الحقيقة تعريف، والتعريف لا يصح بدون معرفة المعرف بالفتح فافهم. فكيف تقبل الحمد.
و أيضا: إن الحمد من مقام التفصيل والجمع لا الأحدية الذاتية فافهم.
فإذا فهمت هذا فاعلم أن الشارح الذي شرح الله صدر الخطبة بالذات المطلقة المعراة عن جميع النسب حتى عن نسبة التجرد والإطلاق ما اتصف، وكيف يصدر من العارف ما يخرج عن ميزان القسط والعدل فافهم.
فإن قيل: لم قال له الحمد لله ولم يقل بالله؟
كما يقول، العارف، قلنا: لشرف مقام اللام فإن الحمد له أعلى من الحمد بالله؛ لأن الحمد بالله أبقى الحامد وهو مقام قرب النوافل، والحمد لله أفي الحامد وهو من مقام قرب الفرائض.
فإذا قال العالم : الحمد الله: أي لا حامد لله إلا هو فأجري ألا يكون محمودا سواه.
وقال الجاهل: الحمد لله : أي لا محمود إلا الله فاشتركا في اللفظ، و افترقا في المعنى فالعالم أفني الحامدين والمحمودين من الخلق.
والمحجوب أفني المحمود من الخلق فقط.
وأما العارفون هم البائيون فلا يتمكن لهم أن يقولوا الحمد لله إلا مثل العامة، وإنما مقامهم الحمد بالله؛ لبقاء نفوسهم عندهم وغاية الأمرين ونهايته أنها قائمة بالله وهم أهل مشهد لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما كان له به رتبة العلم فقال: الحمد لله وما قال: الحمد بالله فإن دون رتبته.
قال له في «الفتوحات» نقلا عن أبي العباس العريف أنه قال: العلماء لي والعارفون بي يشير إلى ما ذكرناه.
فأثبت المقام العالي للام؛ لأن اللام لا تبقي ولا تذر.
فالعلماء هم اللاميون، و العرفاء هم البائيون، فافهم
(منزل الحكم)، مخففة من باب الأفعال يشير فنه إلى مرتبة الإنزال الإجمالي إلى حضرة النفس الكلي التي عبر عنها بلسان الشرع، أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ من المحو والإثبات.
كما أشار إلى هذا الإنزال الإجمالي قوله تعالى : "إنا أنزلناه في ليلة القدر" 1 سورة  القدر .
وهو إنزال إجمالي إلى النفس المحمدية المعبر عنها بلسان العموم السماء الدنيا.
قال بعض المفسرين: إنه تعالى أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر والشرف.
أو نقول: منزل بالتشديد من باب التفعيل: أي منزل الحكم على سبيل التدريج بحسب المصالح كما قال تعالى في القرآن
"ما ننزله إلا بقدر معلوم" [الحجر: 21] اقتضته حكمة الحكيم.
وقال تعالى : "ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106] : أي مرتبا بحسب المصالح.
وقال تعالى : "فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" [البقرة: 97]؛ لأنه محل التفصيل بخلاف النفس إذا إجمال بالنسبة إلى قلب القلب، وفيه تفصيل كل أمر فهكذا نزول الحكم على الكلم على النفوس مرة، وعلى القلوب تارة أخرى.
فالأولى أشرف وأعلى، والثاني أنتم وأولى ولهذا خوطب صلى الله عليه وسلم حين كان يعجل بالقرآن قبل الفرقان
فقال تعالى: "ولا تعجل بالقرآن" [طه: 114] : أي بالإجمال قبل التفصيل إشارة إلى أن الفرقان بعد القرآن أتم وأولى، فافهم .
وأما الحكم وهي جمع حكمة، قال تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" [البقرة:269]، وما كثره الله تعالى لا يدخله قلة وأمتن على نبيه وخليفته داود عليه السلام ، وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأن أتاه الحكمة وفصل الخطاب، وهو من ثمرة الحكمة أو الحكمة نفسها.
وهو إيجاز البيان في موطن الإطناب والإسهاب في الآخر على ما يقتضيه المقام والحال، وأوتي صاحب جمع الجمع صلى الله عليه وسلم ما لم يؤتوا وهو صدق قوله: «أوتيت جوامع الكلم». وهو من أكبر فصول الخطاب جزء من أجزاء هذا الكتاب.
وعلى لسان رتبته صلى الله عليه وسلم .
قال ولي من أوليائه "الشيخ عبد القادر الجيلاني" : "يا معشر الأنبياء أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا".
أو نقول: منزل بالتشديد من باب التفعيل: أي منزل الحكم على سبيل التدريج بحسب المصالح كما قال تعالى في القرآن
"ما ننزله إلا بقدر معلوم" [الحجر: 21] اقتضته حكمة الحكيم.
وقال تعالى : "ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106] : أي مرتبا بحسب المصالح.
وقال تعالى : "فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" [البقرة: 97]؛ لأنه محل التفصيل بخلاف النفس إذا إجمال بالنسبة إلى قلب القلب، وفيه تفصيل كل أمر فهكذا نزول الحكم على الكلم على النفوس مرة، وعلى القلوب تارة أخرى.
فالأولى أشرف وأعلى، والثاني أنتم وأولى ولهذا خوطب صلى الله عليه وسلم حين كان يعجل بالقرآن قبل الفرقان
فقال تعالى: "ولا تعجل بالقرآن" [طه: 114] : أي بالإجمال قبل التفصيل إشارة إلى أن الفرقان بعد القرآن أتم وأولى، فافهم .
وأما الحكم وهي جمع حكمة، قال تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" [البقرة:269]، وما كثره الله تعالى لا يدخله قلة وأمتن على نبيه وخليفته داود عليه السلام ، وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأن أتاه الحكمة وفصل الخطاب، وهو من ثمرة الحكمة أو الحكمة نفسها.
وهو إيجاز البيان في موطن الإطناب والإسهاب في الآخر على ما يقتضيه المقام والحال، وأوتي صاحب جمع الجمع صلى الله عليه وسلم ما لم يؤتوا وهو صدق قوله: «أوتيت جوامع الكلم». وهو من أكبر فصول الخطاب جزء من أجزاء هذا الكتاب. وعلى لسان رتبته صلى الله عليه وسلم .
قال ولي من أوليائه "الشيخ عبد القادر الجيلاني": «يا معشر الأنبياء أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا».
ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات" عن قطب وقته و فرد عصره عبد القادر الجيلاني قدّس سره . 
"أضاف الشيخ المحقق للكتاب :
قال الشيخ العطار : وأما قول سیدنا سلطان الأولياء عبد القادر : «معاشر الأنبياء أو تیتم
اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا» فهو من باب قول الخضر لموسى عليهما السلام "أنا على علم أو تيته لم تؤته" أو معنى ذلك، مع أنا لا نتوقف في فضل موسى على الخضر، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
كيف وعلم رجال هذه الأمة موروت عنه صلى الله عليه وسلم ، وقد علم ما لم يعلمه غيره ممن سبقه من الأنبياء عليهم السلام ، فقد فاز رجال هذه الأمة بالعلم الموروث عنه صلى الله عليه وسلم .
وقال أيضا الشيخ الشعراني معقبا على ذلك: اعلم أن قوله رضي الله عنه : «إنما أوتيتم اللقب» أي حجر علينا لقب النبي ، وإن كانت النبوة سارية إلى يوم القياسية في أكابر الرجال لأنهم نواب الأنبياء وورثتهم.
وأما قوله: «وأوتينا ما لم تؤتوا».. فهو معنى قول الخضر عليه السلام الذي شهد بعدالته وتقدمه في العلم لموسى عليه السلام " أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت" يريد من الوجه الخاص الذي بين كل إنسان وبين ربه.
ويحتمل أن يريد الشيخ عبد القادر بالأنبياء هنا أنبياء الأولياء أصحاب التعريف الإلهي، فتكون تصريحا منه بأن الله تعالى قد أعطاه ما لم يعطهم، والله أعلم. "
والحكمة علم خاص و الفرق بين الحكمة و العلم المطلق أن لها الجعل و التحكم بخلاف العلم فإنه تابع المعلوم، فالحكيم من قامت به الحكمة فكان الحكم لها . 
قال تعالى إشارة إلى هذا المقام: "كتب على نفْسِهِ الرّحْمة" [الأنعام: 12] لأنها مقتضى الحكمة . 
قال رضي الله عنه في الاسم الحكيم: إنّ العارف يقدم الحكيم على العليم، فالحكيم خصوص و العليم عموم، و لذلك ما كل عليم، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
وذلك لأنه ثبت عند أهل الكشف الأتم والتحقيق الأوسع الأعم أن الترتيب ثابت في الأعيان الثابتة في الحال بثبوتها في معدتها، وتعلق العلم الإلهي بحسب ما هي مرتبته، وما ترتبت إلا بالحكمة لأنه ما من ممكن مضاف إلى ممكن أخوالا ويمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه مع قطع النظر عن أمر آخر، لكن الحكمة اقتضت هكذا وهو ذاتيّ لها، والظاهر في العالم الشهادي ظلّ ذلك العالم المعنوي على ترتيبه. 
قال رضي الله عنه: هذا هو العلم الذي انفرد به الحق، و جهل منه فافهم، فظهرت به الحكم في الوجود بالوجود على ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها روحا و صورة، فبان لك الفرقان بين العلمين العلم والحكمة وكلاهما . 
قال الحكيم العليم: "ما يبدّلُ القوْلُ لديّ"  [ ق: 29] لأنه مخالف الحكمة و هي تأبى التبدّل الخارج بخلاف النسخ فإنه من الحكمة البالغة . 
قال تعالى: "ما ننْسخْ مِنْ آيةٍ أوْ نـنْسِها ن أْتِ بخيْرٍ مِنْها أوْ مِثلها" [ البقرة : 106] فافهم .
فالعلم بالحكمة المنزلة تخفيفا أو تثقيلا إمّا بكشف سبحات الوجه حتى يرى ما في العين الثابتة، فإنها حكم مرتبة من حكيم عليم، هذا الإنسان عين صفاء خلاصة الخاصة، و إمّا ما يكشف الغطاء عن البصر والبصيرة، أو بتعريف إلهي حتى يرى أو يعلم ما في الوجود من الحكم المرتبة ترتيب عليم حكيم . 
أمّا قوله رضي الله عنه: بالإنزال أو التنزيل المشير إلى التنزل من العلو، فلأن الأمر نزول من علو أحدية الذات إلى أحدية الجمع باعتبار الإنزال أو التنزيل الذي من المقام الأقدم الذي هو الولاية المطلقة التي هي باطن النبوة.
أو من أحدية إلى ساحة الفرق باعتبار التنزيل و التفصيل في مرتبتي النبوّة و الرسالة المطلقة العامة و الخاصة.
فإذا فهمت ما سردته لك فهم منصف ظهر لك أنّ القول بأن التنزيل أولى من الإنزال كما ذهب عليه الشارحان القيصري و الجامي قدّس سرهما ترجيح بلا مرجح، بل بالعكس أولى و أحرى.
لأن الشيخ رضي الله عنه قال: إن الحكم من المقام الأقدم بأحدية الطريق الأعم، و هما بالإجمال أقرب من التفصيل، بل هما عينا الإجمال و محلا الإهمال فافهم، فإنها من فيض الأقدس لا المقدس. 
كما صرّح به رضي الله عنه بعد هذا في قوله: ما بقي إلا قابل و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس، ثم الاستدلال بأنه لا يكن ظهور الحكم على القلوب بالفعل، إلا على سبيل التدرج إدخال الزمان على الإلهيات و الخروج عن الموطن المبحوث فيه، فإن المقام مقام الأقدم . 
قال رضي اللّه عنه في الباب السادس و السبعين في فصل من "الفتوحات" : 
ليس في حق الحق ماض و لا آت و آن، و إنه ما زال و لا يزال لا يتصف بأنه لم يكن ثم كان، و لأمر القضاء بعد ما كان و ربما يعطي الله تعالى هذه القوة لمن يشاء من عباده، و قد ظهر منها نفحة على النبي صلى الله عليه و سلم علم الأولين و الآخرين فعلم الماضي و المستقبل في الآن، فلو لا حضور المعلومات له في حضرة الآن لما وصف بالعلم بها في حضرة الآن فافهم.
مع أن شيخنا نور الدين عبد الرحمن الجامي قدّس سره اعترف في خطبة كتابه:
إن من عجائب هذا النوع ما فاض من قلبه إلا نور و روحه إلا ظهر كتاب "فصوص الحكم و الأسرار" دفعة واحدة على قلب المصنف رضي الله عنه انتهى كلامه . 
و أما قول الشارح القيصري قدّس سره: إنّ التنزيل أولى ثم الاستدلال بأن نزول الحكم على كتاب استعدادات الأنبياء عليهم السلام، و لو كانت دفعة واحدة و لكن ظهورها بالفعل لا يمكن إلا على سبيل التدريج، فخروج عن المقصود لأن المراد من المبحث كيفية النزول لا كيفية ظهور المنزل، فافهم .
و لا تنظر إلى من قال، و انظر إلى ما قال لتكون من الرجال و لا تحرم من حقيقة صدق المقال، و تكن من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
( على قلوب) اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أنّ القلب عبارة عن النشأة الجامعة بين الحقائق الجسمانية و القوى المزاجية، و بين الحقائق الروحانية و الخصائص النفسية، و هو جوهر برزخي له وجه إلى جميع الأطراف و له مقام المضاهات، وأن يتسع لانطباع التجلي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى و الأسفل بما اشتملا عليه . 
كما ورد به الإخبار الإلهي من مشكاة النبوّة، وهو قوله سبحانه: "ما وسعني أرضي وسمائي ويسعني قلب عبدي"  
وأن يكون مستوي له و ظاهرا بصورته، فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء، مصقولة صافية وكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي هو الياقوت الأحمر، و هذا هو التجلي الذاتي فذلك قلب المشاهد الكامل المكمّل العالم الذي لا أحد فوقه في تجلّ من التجليات . 
قال سبحانه: "إنّ في ذلك لذكْرى لمنْ كان لهُ قلْبٌ" [ ق: 37] لأن التقليب و التقلب في القلب نظير التحوّل الإلهي في الصور، فلا يقابل التحول الغير المتناهي إلا التقلب الغير المتناهي فلا تكون معرفة الحق إلا بالقلب.
ثم يقبلها العقل القدسي من القلب كما يقبل من الفكر، فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها بالعقل لأنه يقيد و الأمر مطلق غير مقيد، بل القلب بين الإصبعين يقلبها كيف يشاء العبد، أو الحق فهو متقلب بتقلب التجليات، و التجليات بحسب الشئون كل يوم هو في شأن .
أو نقول: إنه يتقلب بتقلب التجليات، و التجليات بحسب استعدادات الأعيان، فالقلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ، و إن أطلق عليه يوما ما الصدأ . 
كما ورد في الحديث :  " إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد ".  
الحديث ليس المراد بهذا الصدأ أنه طخا و طلع على وجه القلب، بل لما تعلق و اشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالمسبب، فكان تعلقه بغير الله هو الصدأ، فهذه المرآة المصقولة التي هي القلب مقابلة للوجه المطلق، فتظهر فيها صور الشئون . 
قال الله تعالى :  " لا يسعني أرضي و سمائي".  
يشير إلى العلويات و السفليات فإنه تعالى عرض عليها الأمانة، فأبين أبا استعداديا . 
ثم قال :  "و يسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي".  رواه الديلمي والعجلوني
، وذلك لوسع دائرته، بل لعدم تناهيه و حسن المقابلة و كمال الموطأة و المواجهة. فأين هذه السعة من سعة العارف القابل؟
لو أبقيت العرش و ما حوله ألف ألف مرة في زاوية قلب العارف ما أحسّ به، و أين المتناهي من غير المتناهي؟ . 
فقلب العبد , العبد الخصوصي بيت الله سبحانه و موضع نظره و معدن علومه و حضرة أسراره و مهبط ملائكته و خزانة أنواره و كعبته المقصودة و عرفانه المشهودة رئيس الجسم و مليكه.
إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . مع السلامة من الآفات و زوال الموانع، بل بصلاحه صلاح البدن و بفساده .
فساده هو الموصوف بالسكر، و الصحو في الإثبات و المحو، و له الأسرار و التنزل هو ذو الجلال و الجمال و الأنس و الهيبة هو قابل المعاني، و مدبر الأواني و هو صاحب الجهل و الغفلة و الكفر و الشرك إمّا مضل، و إمّا هاد بل هو مضل هاد .
( الكلم) جمع كلمة و هي ليست سوى صور الممكنات، فالمراد هنا من الكلم أعيان الكمّل من الأنبياء و الرسل صلوات الله عليهم أجمعين
قال تعالى في عيسى عليه السلام: "و كلمتهُ ألقاها إلى مريم و روحٌ مِنْهُ فآمِنوا باللّهِ ورسُلِهِ ولا تقُولوا ثلاثةٌ انتهُوا خيْرًاً لكُمْ  إنّما اللّهُ إلهٌ واحِدٌ سُبْحانهُ أنْ يكُون لهُ ولدٌ لهُ ما في السّماواتِ وما في الْأرضِ وكفى باللهِ وكيلًا" [ النساء: 171] . إنما سميت كلمة لأنها مجتمعة من الحروف العاليات . 
قال رضي الله عنه في بعض أشعاره : 
كنا حروفا عاليات لم نقل     ....... متعلقات في ذرى أعلى القلل
و هي كالكلمة الحرفية المركبة من حروف النفس بفتح الفاء، و ذلك لأن كل معلوم في عرضه الإلهي له رتبة الحرفية فبالانصياع بنور الوجود بحركة معنوية ذاتية يظهر مجموع من الحروف العاليات المسماة بالأعيان الثابتة في مرآة الوجود، فيسمّى ذلك الظاهر المجموع بالكلمة، فكل نبي و ولي  كلمة، و نبينا صلى الله عليه و سلم بجوامع الكلم
و من هذا المقام قال :  "أوتيت جوامع الكلم"   
و كذا الوارث من أمته صلى الله عليه و سلم فإن لهم فيه صلى الله عليه وسلم أوتي هذه الأمة التي هي مجموع الكلمات لأنه من بعض محتملات الحديث المذكور . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "أوتيت جوامع الكلم"  : أي أعيان أوليائه، و أرواح وارثيه، بل كل واحد منهم جامع الكلم بقدر الاتباع و الوسع، و من وفى حقّ اتباعه كان له حكمة . 
كما قال صلى الله عليه و سلم : "ادعوا إلى الله علي بصيرة أنا و من اتبعني" وهذا الاتباع أنتج  
المحبة والمحبة أثمرت أن يكون الحق سمعه، و بصره، و جميع قواه صحّ له أن يكون جوامع الكلمات، و مجامع الخيرات، فافهم .
و من هذا المقام ما  ورد : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"  
و يخبر صلى الله عليه و سلم في أحاديث كثيرة بأخوة الأنبياء عليهم السلام . 
و في حديث الأخوة حين قالوا: "نحن إخوانك يا رسول الله
قال: لا أنتم أصحابي، و إخواني الذين يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني الحديث" و الإخوة هي الأسوة الحسنة فيما أخذوا من المعدن، فافهم . 
.

عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:07 عدل 11 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الجمعة 24 أغسطس 2018 - 21:02 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الثانية الجزء الأول .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(وصلى)، أي أنزل رحمته الله سبحانه وتعالى
(على ممد الهمم) جمع همة وهي الباعث القلبي المصمم على الشيء وإمداد جميع الهمم من حضرة الذات المحمدية التي هي كناية عن الروح الكل المذكور
(من خزائن)  متعلق بممد (الجود) الإلهي
(والكرم) الرباني، إشارة إلى أن هذا الإمداد في الحقيقة من الله تعالى وإن كان هو السبب فيه .
كما قال : «إن الله هو المعطي وأنا القاسم».
(بالقيل)، أي القول متعلق بممد أيضا .
(الأقوم)، أي المستقيم الذي لا اعوجاج فيه وهو حقيقة الصدق.
إشارة إلى أن الإمداد إنما هو بالقول من حروف و كلمات كما ذكرنا، ويجوز أن يراد بذلك أن الحديث النبوي يمد أصحاب البدايات في طريق السعادات .
(محمد) ابن عبد الله المكي القرشي
(وعلى آله) أي أهل بیت نبوته ممن دخل حرم اصطفائه وطاف بكعبة ذاته ووقف تحت لوائه .
ولهذا قال عليه السلام: «سلمان منا آل البيت» مع أنه فارسي، والنبي عليه السلام عربي، ولم يذكر الصحابة لأن في ذكر الآل وما يريده منهم كفاية عنهم.
إذ المراد بالآل ما ذكرنا ، فيشمل الصحابة رضي الله عنهم .
(وسلم) معطوف على صلى بصيغة الفعل الماضي فيهما .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(وصلى الله على ممد الهمم) على قلوب الأمة بحسب استعداداتهم والتوجهات القلبية التي تبتني عليها جميع السعادات العلمية والعملية.
أي همة الرجال التي تقلع بها حجب جبال النفسانية وتنجذب القلوب إلى الله تعالى وتصل إلى المقصود.
(من خزائن الجود والكرم) أخذ الرسول عليه السلام بقلبه من الخزائن الثلاثة الكلية الذاتية والأسمائية والصفاتية فيفيض على قلوبهم بلسانه الأفصح بقدر استعداداتهم ومناسباتهم بالخزائن .
والمراد تنزيه الهمم وتقديسها (بالقيل الأقوم) أي بالكلام الأبلغ الأفصح الجامع بين التشبيه والتنزيه على وجه الاعتدال .
بحيث لا ميل فيه إلى أحد طرفيه وهو القرآن الكريم بالنسبة إلى سائر الكتب السماوية ثم كلام الرسول بالنسبة إلى كلام الأنبياء من قبله .
فلا قصور في الإمداد أصلا وإنما القصور لو كان لكان في استعداد الناس فهذا الإمداد المخصوص أعظم سعادة ونعمة لنا من رسول الله .
لذلك خص التصلية به فلا يحتمل أن يكون اللام في الهمم للاستغراق إلا باعتبار أن محمدا صلى الله عليه وسلم مظهر الاسم الأعظم (محمد وآله وسلم) .
يجوز أن يعطف الآل على ممد الهمم فيخرج عن الأمداد وعلى محمد فيدخل فيه وراثة وكلا المعنيين حسن.
ولما فرغ من الحمد والتصلية شرع في بيان سبب التأليف وكيفيته كما هو دأب المصنفين .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلَّى الله على ممدّ الهمم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمّد وآله وسلَّم ) .
قوله: (ممد الهمم من خزائن الجود والكرم بالقيل الأقوم).
قلت: قد عينه الشيخ، رضي الله عنه، هذا المدد أنه بالقيل الذي هو القول.
فأما مدد العوام من أهل الطريق بالقول الأقوم فهو ما في الحديث النبوي المختص بالعبادة وذلك هو العلم النافع المقتضي للعمل الصالح.
وأما ما يختص بالخواص من أهل الطريق وهم الصوفية فالقيل الأقوم الذي هو المدد المذكور فهو ما في الحديث النبوي من الإرشاد إلى مكارم الأخلاق، فإن التصوف خلق وما في الحديث أيضا من النهي عن سفساف الأخلاق، إذ هو أيضا مما يرشد إلى تبديل كل خلق دني بكل خلق سني .
قال صلى الله عليه وسلم عليه السلام: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وأحكام هذين الإرشادين هي كلها من المنقول والمعقول فالقيل الأقوم هنا هو في مراتب المنقول والمعقول.
أما ما يختص بخاصية الخاصة هنا هو ما في الحديث النبوي من الإشارات إلى التوحيد المستفاد من تجلياته تعالى المخصوص بها، عليه السلام.
مثل قوله صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» وهو أيضا مدد بالقيل الأقوم.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
( قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : وصلَّى الله على ممدّ الهمم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمّد وآله وسلَّم ) .
ولنشرع الآن - بعد حمد الله أوّلا وآخرا وباطنا وظاهرا ،
والصلاة والسلام على الختوم الكمّل ، وعلى إخوانهم من كل إمام مكمّل وهمام مؤمّل .
ولا سيّما على سيّدهم محمد المصطفى ، وعلى عباده الذين اصطفى .
في شرح باقي الكتاب ، والله الموفّق للصواب .

شرح فصوص  الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلَّى الله على ممدّ الهمم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمّد وآله وسلَّم ( .
( وصلى الله على ممد الهمم من خزائن الجود والكرم ) الهمة قوة القصد في طلب كمال يليق بحال العبد ، فعلة من الهم بمعنى القصد ، أي نوع منه كالجلسة من الجلوس ولكل طالب استعداد خاص يطلب بهويته لما يليق به وتلك الاستعدادات من مقتضيات أسماء الله تعالى وكل اسم يقتضي استعدادا خاصا فهو خزانة كمال يقتضيه ذلك الاستعداد في الحضرة الواحدية التي ظهرت فيها الأعيان وفصلت فتلك الأسماء خزائن الجود والكرم .
ولما كان محمد الخاتم صلى الله عليه وسلم ، صاحب الاسم الأعظم الشامل لحقائق جميع الأسماء ، كان ممد الكل همة بما في خزانة الاسم الذي يرب الحق تعالى صاحب تلك الهمة به .
قوله ( بالقيل الأقوم ) متعلق بالممد فهو القول الحق الذي هو أعدل الأقوال ، من قام إذا اعدل واستوى ، يقال أقام العود إذا قومه وعدله ويسمى القيام من الركوع الاعتدال
( محمد وعلى آله وسلم ) وإنما كان قوله أقوم الأقوال ، وإن كان قول كل نبى حقا لأنه
أكملهم وأمته خير الأمم ومصدر قوله التوحيد الذاتي من مقام " قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِه ما أَوْحى ".
- وهو المقام الأقدم المقوم لكل اسم ، فيفيض بقوله منه ما في كل اسم من المعاني والحقائق على كل استعداد ما يطلب بهمته ، وأما سائر الأنبياء فيفيض كل منهم بقوله ما في بعض الأسماء ، فعسى أن يكون في أمته من يطلب بهمته معنى لم يكن عند سائرهم فيقوم قوله بحاجة البعض دون البعض ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلَّم فيقوم بمطلوب الكل فيكون قوله أقوم .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
قوله: (وصلى الله على ممد الهمم) إتيان بما يجب بعد حمد الحق تعالى منالصلاة على من هو فصل الخطاب والواسطة بين أهل العالم ورب الأرباب علما وعينا، كما مر بيانه في الفصل الثامن. قيل: "الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء."
واعلم، أن الرحمة من الله يتعلق بكل شئ بحسب استعداد ذلك الشئ و
طلبه إياها من حضرة الله تعالى: فالرحمة على العاصين المذنبين، الغفران والعفو عنهم، ثم ما يبتنى على المغفرة من الجنة وغيرها.
وعلى المطيعين الصالحين، الجنة والرضاء ولقاء الحق تعالى، وغير ذلك (مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
وعلى العارفين الموحدين مع ذلك، إفاضة العلوم اليقينية والمعارف الحقيقية.
وعلى المحققين الكاملين المكملين من الأنبياء والأولياء عليهم السلام، التجليات الذاتية والأسمائية والصفاتية، وأعلى مراتب الجنان من جنات الأعمال والصفات والذات،  وأعنى بجنة الذات والصفات ما به ابتهاج المبدأ الأول من ذاته وكمالاته الذاتية.
فالرحمة المتعلقة بقلب النبي، صلى الله عليه وآله، وروحه، هي أعلى مراتب التجليات الذاتية والأسمائية لكمال استعداده وقوة طلبه إياها، وفيضها من الاسم الجامع الإلهي الذي هو منبع الأنوار كلها لأنه ربه.
لذلك قال تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي". ولم يقل: إن الرحمن والرحيم أو غيرهما.
ولما كانت الملائكة مظاهر الأسماء التي هي سدنة الاسم الأعظم، والسادن لا بد له من متابعة سيده، حصل له الفيض من جميع الأسماء، واستغفر له مظاهرها بأسرها.
ودعاء المؤمنين له، صلى الله عليه وسلم، إنما هو مجازاة ذاتية يقتضى أعيانهم الثابتة بلسان استعداداتهم الذاتية ذلك.
وكما كان، صلى الله عليه وسلم، واسطة لوجوداتهم في العلم والعين ماهية ووجودا، كذلك كان واسطة لكمالاتهم.
قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
وممد لكل عين، وهمتها بإيصالها إلى كمالها كفرا كان أو أيمانا، إذ من ربه يفيض ما يفيض
لحقائق العالم.
فاللام في (الهمم) لاستغراق الجنس، لأنه الجمع المحلى بالألف واللام،وهو يفيد الاستغراق، كما تقرر عند علماء الظاهر.
وإن جعلنا إمداده مخصوصا بالكمال السابق في الذهن بحسب الظاهر، فاللام للعهد.
أي، يمد الهمم القابلة للكمال بإرشاده طريقه وإيضاحه تحقيقه، وتسليكه سبيلا يوجب الكشف والشهود وترغيبه فيما يوجب الذوق والوجود.
وأمره بالعبادات والأخلاق المرضية ونهيه عما يوجب النقص والرين من المنهيات الشرعية ليترقى الهمم العالية إلى أوجها وذروتها ويتخلص من قيود الحضيض بذكر مقامها الأصلي ونشأتها.
و (الهمم) جمع (الهمة)، وهي مأخوذة من (الهم)، وهو القصد. يقال: هم بكذا. إذا قصده.
قال تعالى: "ولقد همت به وهم بها".
وفي الاصطلاح، توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جناب الحق لحصول الكمال له أو لغيره.
قوله: (من خزائن الجود والكرم) متعلق بقوله : (ممد الهمم). والخزائن هي الحقائق الإلهية المعبر عنها بالأسماء والصفات.
ولما كان كل من هو الجواد الكريم لا يعطى ما يعطى إلا من خزائنه بحسب جوده وكرمه، أضاف "الخزائن" إلى "الجود والكرم". و (اللام) فيهما عوض عن الإضافة.
أي، من خزائن جوده وكرمه تعالى.
وقيل: "الفرق بينه وبين الكرم، أن الجود صفة ذاتية للجواد ولا يتوقف بالاستحقاق ولا بالسؤال بخلاف الكرم، فإنه مسبوق بالاستحقاق القابل والسؤال منه"
وإمداد النبي، صلى الله عليه وسلم، الهمم من خزائن الجود والكرم التي للحضرة الإلهية، إنما هو لقطبيته وخلافته: فالخزائن لله والتصرف لخليفته  
قوله: (بالقيل الأقوم) متعلق بـ "ممد الهمم" بالقول الأصدق الأعدل الذي لا انحراف فيه بوجه من الوجوه.
، لأنه مظهر الاسم الجامع الإلهي، وهو بلسان استعداد مرتبته الواقعة على غاية الكمال والاعتدال يستفيض من الحق فيفيض على الهمم بحسب استعداداتهم.
وهو أصدق الألسنة وأفصحها كما قيل: لسان الحال أفصح من لسان القال.
ولسان الحال والقال يتبع لسان الاستعداد، فإذا كان الاستعداد في غاية الكمال، يكون القال والحال في غاية الصدق.
فقوله، صلى الله عليه وسلم، أقوم الأقوال وحاله أصدق الأحوال.
قوله: (محمد وآله وسلم) عطف بيان "ممد الهمم".
وهذا إشارة إلى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، يمد أرواح جميع الأنبياء السابقين عليه بحسب الظهور والزمان حال كونه في الغيب، لكونه قطب الأقطاب أزلا وأبدا.
كما يمد أرواح الأولياء اللاحقين به بإيصالهم إلى مرتبة كما لهم في حال كونه موجودا في الشهادة ومنتقلا إلى الغيب، وهو دار الآخرة .
فأنواره غير منقطعة عن العالم قبل تعلق روحه بالبدن وبعده، سواء كان حيا أو ميتا.
و (آله)، عليهم السلام، أهله وأقاربه.
والقرابة إما أن يكون صورة فقط، أو معنى فقط، أو صورة ومعنى.
فمن صحت نسبته إليه صورة ومعنى فهوالخليفة والإمام القائم مقامه، سواء كان قبله، كأكابر الأنبياء الماضين، أو بعده، كالأولياء الكاملين.
ومن صحت نسبته إليه معنى فقط، كباقي الأولياء السابقين عليه كمؤمني آل فرعون وصاحب يس، فهو ولده الروحي القائم بما تهيأ لقبوله من معناه.
لذلك قال، صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا" إشارة إلى القرابة المعنوية، ومن صحت نسبته إليه صورة فقط، فهو إما أن يكون بحسب طينته، كالسادات والشرفاء، أو بحسب دينه ونبوته، كأهل الظاهر من المجتهدين وغيرهم من العلماء والصلحاء والعباد وسائر المؤمنين.
فالقرابة المعتبرة التامة هي القرابة الجامعة للصورة والمعنى، ثم القرابة المعنوية الروحية، ثم القرابة الصورية الدينية، ثم القرابة الطينية.
و "التسليم" من الله عبارة عن تجليه له، عليه السلام، من حضرة الاسم" السلام" الموجب لسلامته عن كل ما يوجب النقص والرين المهيئ للتجليات الجمال المخلص عن سطوات الجلال.
ومن المؤمنين قولا، الدعاء له، وفعلا، الاستسلام والانقياد طوعا لا كرها.
كما قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(وصلى الله على محمد الهمم) :"أي أفاض الاسم الجامع لجميع الكمالات رحمته لجامع جميع التجليات ذاتا واسما وصفة، فلما كان المقام مقام الدعاء عدل من الجملة الإسمية إلى الجملة الفعلية؛ ليدل على التجدد والاستمرار، يشير إلى أن الصلاة من الله تعالى مجدد دائما ابدا على ممد الهمم."
لما أوجب تحصيل الحكمة بطريق الكشف والعيان؛ إذ طريق النظر مخطر، وذلك بتوجيه القصد والهمة بعد تصفية القلب، وتزكية النفس، ولا يتأتى ذلك لغير الكامل بالذات إلا بواسطة الكامل لوجوب المناسبة بين المفيض والمستفيض توسل بالروح الأكمل الذي له إمداد همم المستعدين للكمال بإيصالها إلى أقصى النهايات مصونة عن أغاليط الأوهام والخيالات بأفضل الوسائل التي هي الصلاة المفيدة.
وصلته بربه ليستفيض منه، فيفيض على من يناسبه من (خزائن الجود والكرم)، الجود: إفادة ما ينبغي، لا لعوض ولا لغرض، والكرم: الابتداء بالنعم من غير موجب وخزائنهما الأسماء الإلهية.
وفيه إشارة إلى أن إمداد الهمم إنما يتأتى لمن له التصرف في الخزائن الإلهية بالاستفاضة منها للإفاضة على المستعدين، حتى يتم به صلاح العالم.
وهذا هو سبب بعثة الرسل إذ المصالح الدنيوية لا تنتظم إلا بشرع وضعه شارع مستحق الطاعة؛ لتميزه عن غيره بآيات تدل على أنه من عند ربه، مع وعد الثواب والعقاب للموافق والمخالف، لئلا يقع الهرج فيما بين الناس بمعارضة الشهوة، والغضب، و المصالح الأخروية، لا يستقل العقل بدركها كعدم استقلال نور البصر بالإبصار بدون نور الشمس.
(بالقيل الأقوم) وهو القرآن الذي دل إعجازه، وهي أنه للعلم الأزلي أوفق، والأخبار النبوية التي دل القرآن المجيد على أن صاحبها :"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [النجم: 3 ،4] .
يمد الهمم بذلك من حيث إن تدبره يكشف عن أكثر العلوم، على أن الأمور الكشفية إنما يتحقق صدقها وبراعتها عن الأوهام والخيالات باستعانته، والاستشهاد منه، وتأخيره عن قوله من خزائن الجود والكرم يدل على أنه إنما نزل من
خزائن الجود والكرم، وعلى أن الخزائن الإلهية إنما تعرف عنه؛ لأنها توقيفية، فلا تعرف إلا بواسطته، أو بواسطة الإجماع الذي دل على صدقه.
(وآله وسلم) توسل بآله ، صلى الله عليه وسلم لبعد ما بيننا وبينه من المناسبة، فلا بد في تحصيلها من واسطة.
والمعلوم بذلك إذ لا أكمل منهم بعده ثمراته طلب السلامة له، ولهم في تحصيل تلك الكمالات وإفاضتها على المستحقين ليسلم عن القصور؛ فافهم، والله الموفق والملهم.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
فلذلك اختتمه بقوله: ( وصلَّى الله على ممدّ الهمم من خزائن الجود والكرم بالقيل الأقوم ، محمّد ، وعلى آله وسلَّم ) كما أنّ لكلّ أحد بحسب صورته الخارجيّة هويّة عينيّة يتميّز بها عند الحسّ ، ويتحقّق تشخّصه بين بني نوعه بانفراده بها ، كذلك بحسب حقيقته الجمعيّة له هويّة معنويّة يتميّز بها في نفسه وعند الكمّل من المتطلَّعين عليها ، وهو قصده ونيّته لاستخراج ما استجنّ فيه من الكمالات الواقعة تحت رؤيته ، منتهى مدى بصيرته المقصورة على اعتقاده حسب استعداده ، وهو  الهمّة ، وهذا هو المبدء والروح لسائر ما يتحقّق به الهويّة العينيّة ، من الأعمال والأحوال والعوارض الخارجيّة - كما أشار إليه صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله :" إنّما الأعمال بالنيّات" .

ثمّ إنّه صلَّى الله عليه وسلَّم لما اختصّ بين الكمّل من الأنبياء بإتيان القرآن العربي ، المعرب عمّا عليه الوجود إجمالا وتفصيلا - بما فيه من الميزان القويم الذي له نهاية الاستقامة وتمام العدل والصدق ، إفرادا وتركيبا .
مقطعا وموصلا كان صلَّى الله عليه وسلَّم ممدّا لسائر الهمم من قولهم : « أمدّ الجيش بالعدد والعدد » أي زاد في موادّه  فإنّه صلَّى الله عليه وسلَّم يمدّ الكل في مواد مراقي كمالهم ومعدّات معارج علمهم واستيهالهم ، بما يربي على مقترحات ألسنة استعدادهم ، ويفضل على مقتضى أسئلة قابليّاتهم . ضرورة أنّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو المادّة الأولى ، الفاتحة للرحمة العامّة للعالمين ، والصورة الآخرة الخاتمة للرحمة الخاصّة بالكمّل منهم بما لا مزيد عليه في الإمكان ، فيكون ذلك الإمداد من خزائن الجود والكرم ، لا من ديوان مجازاة العدل والحكم .
"درجات العلماء من ورثة الأنبياء  "
ثمّ إنّه مما يستوجبون اشتمال فواتح التآليف عليه ، التنبيه على جلالة شأن ما تضمّنته من المطالب ، تحريضا للطالبين ، وتنبيها للمبطلين من الذاهلين والمنكرين ، ولا يستراب أنّ الاطلاع على محتد أذواق الكمّل من الأنبياء في العلم باللَّه ، والوقوف على مبلغ مكاشفات الكلّ فيه - كما تكفّل ببيانه هذا الكتاب - ممّا اختصّ بنيله الحضرة الختميّة ، ضرورة أنّ هويّتها هي أحديّة جمع الكلّ علما وشهودا - على ما عرفت .
ثمّ إنّ الوارثين لعلومها تتفاوت مبالغ سهامهم منها حسب تفاوتهم في درجات القرابة إليها ، واختلافهم في استجماع وجوه الانتساب بها ، فمن كانت رقائق النسب والقرابة منه إليها مقصورة على الروابط المعنويّة منها فله من تلك السهام حقائق المعارف ببساطتها.
ولطائف العلوم بصرافة كلَّيتها بدون أن يكون لها من تلك الحضرة صورة كاشفة ولا وضع نبوي مبين .
كما للحكماء من أهل النظر ومن كان مستجمعا معها للوجوه الصوريّة والتزام الهيئات النبويّة والشعائر الشرعيّة مستنبطا من الصور السماويّة المنزلة إليها لطائف تلك الحقائق ، فله من قداح تلك السهام ما تلبّس بالصورة المنبئة ، وارتدى بالشعائر الشرعيّة المشعرة للمشاعر .
وهم متفاوتون في ذلك ، متخالفون في حيازة درجات كماله ، فمنهم من استحصل منها قدرا يستأهل به أن يستفيض من تلك الحضرة في سجال إفضالها شيئا من الحقائق حينا ومنهم من بذل الجهد فيه إلى أن وصل إلى ما يستأهل به أن يستمطر من هطل سحائب كمالها ديم العوارف من خصائص المعارف دائما .
وقد ينتهى أمر تلك المقاربة إلى أن يستفيد من صورتها المشخّصة بجميع ما  يشخّصها من اللواحق كالزمان والمكان والوضع مشافها لها ومكافحا إيّاها ، جملة جامعة وكتابا كاملا يحتوي على ما تضمّنته الحقيقة الختميّة من الحكمة الشاملة والعلم المحيط بسائر الأذواق والمشارب ، على ما اقتضى ذلك الوقت إظهارها وإشاعتها ، واستدعى ألسنة استعداد أبنائه الاغتذاء بها وإفاضتها .
وهذا هو الغاية في القرابة وما يستتبعها من الوراثة ، فهو الخاتم لتلك الوراثة خاصّة ، وهو الشيخ المؤلَّف - كما علم من تصفّح كلامه في كتبه - وإلى ذلك كلَّه أشار بقوله :

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(صلی الله) أي أفاض رحمته بالتجليات الذاتية والأسمائية والصفائية (علی ممد الهمم) القابلة للترقي في مراتب الكمال وذلك الإمداد إنما يكون بتبيين المقام
الذي تعشقت به الهمة ، والكمالي الذي تعلقت به، وتعريف ما هو أعلى وأفضل وبیان حالة هي أعز وأكمل وذلك الإمداد إنما هو (من خزائن الجود والكرم) وهي الحضرات الأسمائية الإلهية (بالقيل الأقوم) الأعدل بين تعریض و تصریح وكتم وإفشاء وإيجاز و إسهاب وبشارة ونذارة (محمد وآله) الذين تؤول إليهم أموره صلى الله عليه وسلم و مواريثه العلمية والمقامية والحالية (وسلم) عليه بإسم السلام يسلم إليه فيه حقائق الكمال ويعطيه السلامة عن سطوات تجليات الجلال ويهبه السلامة عن الانحرافات والتحقق بحقائق المرتبة الاعتدالية .


.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:07 عدل 8 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الجمعة 24 أغسطس 2018 - 21:16 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الثانية الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
( و صلى الله على ): أي أفاض الاسم الجامع لجميع الكمالات رحمته لجامع جميع التجليات ذاتا و اسما و صفة، فلما  كان المقام مقام الدعاء عدل من الجملة الإسمية إلى الجملة الفعلية ليدل على التجدد و الاستمرار. يشير إلى أن الصلاة من الله تعالى مجدد دائما أبدا على ممد الهمم .
(ممد الهمم) جمع همّة، و الهمة تجريد القصد كحصول المطلوب، و هي و لو كانت كمالا و لكن هي للمتوسطين العارفين للترقي لأن كمال العلم يمنع التصرف بالهمة و التحكم بها و هما لأرباب الأحوال لا للمتمكنين.
فإن كان الأكابر يرون التصرف مزاحمة، و يتركون التصرف للحق في خلقه، فإن ظهر شيء فهو لا عن قصد منهم، فالنبي صلى الله عليه و سلم يرقيهم.
ويمدهم بالتميز بين الخواطر المذمومة والمحمودة حتى لا تتعلق هممهم بدون الحق، ويرقيهم إلى طلب الأنفس بالمقام الأقدس.
ويرغبهم في الله لا فيما عند الله، فإذا فتحت العين بذلك المراد على فضاء الإطلاق، وشهود أحدية المتصرف والمتصرّف فيه فلا يرى الغير، فعلى من يرسل الهمّة، فلهذا يرى العارف التام المعرفة بغاية العجز والفقر والضعف .
قال رضي الله عنه في "الفتوحات" : إن بعض الأبدال أرسل إلى أبي مدين قدّس سره وهو يسأل لأي شيء لا يعتاص علينا، وأنت تعتاص عليك الأشياء؟
و نحن راغبون في مقامك، و أنت غير راغب في مقامنا، انتهى كلامه .
أما ترى صلى الله عليه وسلم كيف أمر بقول: "لا أدري ما يفعل بي ولا بكم"  .
وهو قائل صلى الله عليه وسلم: "بإني علمت علم الأولين والآخرين". رواه البيهقي في الشعب والطبراني في الكبير    
فكان الماضي و المستقبل في الآن، فلو لا حضور المعلومات له في حضرة الآن لما وصف بالعلم بها في حضرة الآن، و مع هذا يتأدّب، و يقول : "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم"
أمّا قوله صلى الله عليه وسلم : "كن أبا ذر" . رواه الحاكم، وابن عساكر عن ابن مسعود  
ليس من مقام الهمّة بل هذه كلمة حضرة مختصّة بالإلهيين إذا أراد الله شيئا أن يقول له كن فيكون، أو نقول: إن إمداد الهمم للترقي إلى ما لا يستقبل عقول الأمة بإدراكه دون التعريف الإلهي من طريق الكشف المحقق والوحي لتسموا همم النفوس إلى طلبه.
وتهتم في تحصيله من مظنته وتحصيل معرفة كيفية التوجّه إلى الحق بالقلوب والقوالب أيضا من حيث تبعيتها لأحكام القلوب من خزائن الجود والكرم.
قال رضي الله عنه في "مواقع النجوم":
الجود عطاء بغير سؤال، والكرم عطاء بسؤال بطيبة النفس.
وقال رضي الله عنه في "الفتوحات":
الجود من الحق امتناني ذاتي، و الجود من الأعيان ذاتي فهذا الفرق بين الجودين.
وهذا معنى قول من قال في الجود: إنه العطاء قبل السؤال، انتهى كلامه رضي الله عنه .
والخزائن ما سمّيت خزائن إلا باعتبار ما يختزن فيها من نفائس الجواهر والأموال وهي نفائس مكارم الأخلاق والأحوال، ومن هذه الأخلاق خلق الجمع الدال على الفرق، والفرق الدّال على الجمع، و خلق الجمع بينهما، وهو خلق جمع الجمع، وهو من أكبر الأخلاق، وأعلاها، وأسناها.
و بهذا خوطب صلى الله عليه و سلم: "وإنّك لعلى خُلقٍ عظِيمٍ" [القلم: 4]. وهو الخلق النور المستور، وهذا من أعزّ المعارف إذ لا يمكن أن يكون النور مستورا لذاته، فإنه لذاته يخرق الحجب، و يهتك الأستار، فافهم .
وأمّا أصول هذه النفائس فمتناهية، وهي الأخلاق التي منحت عطاء وجودا وكرما،وهي ثلاثمائة.
كما ورد في الحديث الصحيح "إن لله تعالى ثلاثمائة خلق من تخلق بواحد منها دخل الجنة" ذكره رضي الله عنه في الفتوحات.
رواه الطبراني في الأوسط والحكيم الترمذي والديلمي في الفردوس والدرقطني في العلل.
وهذه الأخلاق خارجة عن الكسب، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إنما هذه الأخلاق بيد الله فمن شاء أن يمنحه الله خلقا حسنا فعل". ذكره الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أبي المنهال، ذكره في جمع الجوامع . رواه البيهقى في الشعب وابن معمر في جامعة.
فلهذا قال رضي الله عنه: (من خزائن الجود والكرم ): أي من الخزائن التي ملئت من الجود والكرم، وهي خزائن المنن فلا يخرج إلا بالجود والكرم بسؤال، وبغير سؤال فلمّا كانت المنن كثيرة متعددة طلبت عين كل منة منها خزانة.
فلهذا تعددت الخزائن بتعدد المنن الإلهية، فإذا كان هو عين المنة فأنت الخزانة.
فالعالم خزائن المنن الإلهية، ففيك اختزنت منته تعالى، بل أنت الخازن، و أنت الخزانة، و أنت ما يختزن فيها فلا يجمعهما إلا أنت فمنك إليك، فافهم.
فليس الرجل من تحقّق بربه، و إنما الرجل من تحقّق بعينه .
قال رضي الله عنه: وما فاز بهذه الدرجة ذوقا إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وكشفا إلا الرسل عليهم السلام، و راسخوا هذه الأمة المحمّدية الذين هم ورثته.
ومن سواهم، فلا قدم لهم في هذا الأمر، فرفع بعضهم فوق بعض درجات اختصاصا، ولا يصلح التكسّب بها لأنها لا أثر لها في الكون بل هي لرفيع الدرجات ذي العرش.
وإنما هي إعدادات قابليات بأنفسها لتجليات إلهيات على عددها للذين هم درجات عند ربهم .
فقوله صلى الله عليه وسلم : "من تخلق بواحد منها" كما سبق في لفظ الحديث، و سبق الكلام باعتباره .
أراد صلى الله عليه و سلم من قام به، و ظهر فيه آثار تلك الأخلاق، فافهم .
وأمّا الخزائن على عدد أصناف الموجودات، واعتبار أشخاصها فغير متناهية، وما سمّيت خزائن إلا باعتبار ما يختزن فيها من الأخلاق المخزونة.
ولكن كل ما يدخل منه في الوجود منتاه، وأمّا من حيث الأنواع والأمهات فمتناهية الأصول فافهم.
وأمّا الخزائن باعتبار ما تحوي، فثلث خزانة تحتوي على ما تقتضيه الذوات من حيث ما هي ذوات، و خزانة تحوي على ما تقتضيه النسب الموجبة للأسماء من حيث أنها أفعال لا من حيث المفعولات ولا الانفعلات ولا الفاعلات .
وكل خزانة من هذه الخزائن تنفتح إلى خزائن، وتلك الخزائن إلى خزائن أخرى وهلمّ جرّا، فهي تدخل تحت الكم بوجه ولا تدخل بوجه آخر .
فالحاصل أنه كل ما دخل منها في الوجود حصره الكم، فافهم .
فإذا انكشف للعالم المكاشف خزائن الأعيان لا يخشى من الإنفاق، أما ترى إشارة جوامع الكلم في خطاب المؤمنين وهو قوله سبحانه: "قلْ لوْ أنْـتمْ تمْلكُون خزائن رحْمةِ ربِّي إذاً لأمْسكْتمْ خيشْة الِإنفاقِ" [ الإسراء: 100] .
الممسوك عند العالم بالأعيان الثابتة، وعارفها هو خشية الإنفاق: أي لا تخشون النفاد والقلة لا خزائن الرحمة، فإنه ينفق بلا خشية إملاق لعلمه أن المخزون ينفد وما عند الله باق.
ومن هذا المقام ما ورد في الخبر عن بلال رضي الله عنه أو عن غيره من الصحابة أنه قال له صلى الله عليه وسلم : "أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال: بهذا أمرت " . ذكره القاضي عياض في"الشفاء" فافهم . رواه الضياء في المختارة.
(بالقيل الأقوم): أي الأبين المتوسط بين إفراط التنزيه و تفريط التشبيه .
قال رضي الله عنه: لو أتى نوح عليه السلام ما أتى به النبي صلى الله عليه و سلم لأتته قومه لأنه عليه السلام جادلهم بالتي هي أحسن بالقول الأسدّ الأقوم .
وهو قوله تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ وهُو السّمِيعُ البصِير"ُ [ الشورى: 11] .
فإنه جمع التنزيه و التشبيه في آية واحدة، بل في نصفها هذا من جوامع الكلم و فصل الخطاب جمع الأضداد، و قطع الخصومة و العناد .
بخلاف نوح عليه السلام، فإن دعوته تنزيه بحت فما قبل من الأمة إلا قليل، و قد انقطع بعده بخلاف المحمديين فافهم .
في الزيادة إلى نزول عيسى عليه السلام بل إلى يوم الدين فافهم،
وذلك من اعتدالهم وكونهم وسطا: أي لا إفراط فيهم ولا تفريط .
قال الله تعالى: "جعلْناكُمْ أمّةً وسطاً " [ البقرة: 143] .
سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم جمع الله سبحانه لاسمه الأشرف بين حروف الاتصال و الانفصال، ليدل الاسم على وصول المسمى به تعالى فبحرف الانفصال أشار بفصله عن العالم، و بحروف الاتصال أشار باتصاله بالأصل إشارة إلى جمعه بين الحالين، و حيازته الأمرين التنزيه والتشبيه ويتم له صلى الله عليه و سلم الأمر من جميع جهاته اسما ومسمى، والحمد لله المنعم المفضل .
"" قال الشيخ جلال الدين السيوطي في الخصائص:
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قرن اسمه باسمه في كتابه عند ذكر طاعته ومعصيته وفرائضه وأحكامه ووعده ووعیده؛ تشريفا وتعظيما.
قال تعالى : "وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" [الأنفال : 1].
قال تعالى : "ويطيعون الله ورسوله" [التوبة: 71].
قال تعالى : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله " [الحجرات: 15]
قال تعالى : " براءة من الله ورسوله" [التوبة:1].
قال تعالى : "وأذان من الله ورسوله " [التوبة:3].
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ولرسوله" [الأنفال: 24].
قال تعالى : "ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب" [الأنفال:12].
قال تعالى : "ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب " [الحشر:4].
قال تعالى : " ومن يعص الله ورسوله" [الجن:23].
قال تعالى : "ويحاربون الله ورسوله" [المائدة:33]
قال تعالى : " من دون الله ولا رسوله"  [التوبة:16].
قال تعالى : "ما حرم الله ورسوله" [التوبة:29].
قال تعالى : "قل الأنفال لله والرسول" [الأنفال: 1].
قال تعالى : "فردوه إلى الله والرسول" [النساء: 59].
قال تعالى : "ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله" [التوبة:59]
قال تعالى :  "أغناهم الله ورسوله من فضله" [التوبة: 74].
قال تعالى :  "كذبوا الله ورسوله" [التوبة:90].
قال تعالى :  "أنعم الله عليه و أنعمت عليه " [الأحزاب:37]، انتهى. ""
وكذلك اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم بل العارفون يعرفون أخلاق الناس بحروف الأسماء، و يستدلون بها على أطوار المسمين، و ذلك من علم المناسبات .
و إنه قال صلى الله عليه و سلم : "لكل نبيّ آل وعدة وآلي وعدتي المؤمن" .
و في حديث أنس رضي الله عنه : "آل محمد كل تقيّ "  .
""قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب الثالث والسبعون في الرد على الحكيم الترمذي السؤال الحادي والخمسون ومائة : قوله آل محمد؟
الجواب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكل نبي آل وعدة وآلي وعدتي المؤمن ومن أسمائه تعالى الْمُؤْمِنُ وهو العدة لكل شدة"
و الآل يعظم الأشخاص فعظم الشخص في السراب يسمى الآل فآل محمد هم العظماء بمحمد.
ومحمد صلى الله عليه وسلم مثل السراب يعظم من يكون فيه وأنت تحسبه محمدا العظيم الشأن كما تحسب السراب ماء وهو ماء في رأى العين.
فإذا جئت محمدا صلى الله عليه وسلم لم تجد محمدا ووجدت الله في صورة محمدية ورأيته برؤية محمدية.
كما أنك إذا جئت إلى السراب لتجده كما أعطاك النظر فلم تجده في شيئيته ما أعطاك النظر ووجدت الله عنده .
أي عرفت أن معرفتك بالله مثل معرفتك بالسراب أنه ماء فإذا به ليس ماء وتراه العين ماء فكذلك إذا قلت عرفت الله وتحققت بالمعرفة عرفت أنك ما عرفت الله.
فالعجز عن معرفته هي المعرفة به فما حصل بيدك إلا أنه لا يتحصل لأحد من خلقه وكل من استند إلى الله عظم في القلوب وعند العارفين بالله وعند العامة .
كما أنه من كان في السراب عظم شخصه في رأى العين .
ويسمى ذلك الشخص آلا وهو في نفسه على خلاف ما تراه العيون من التضاؤل تحت جلال الله وعظمته .
كذلك محمد يتضاءل تضاؤل السراب في جنب الله لوجود الله عنده فهذا إذا فهمت ما قلناه معنى آل محمد. "" أهـ.
( و سلم) قال رضي الله عنه: بعد الصلاة إطاعة أمره و رضا نفسه حيث قال سبحانه :
"صلُّوا عليْهِ وسلِّمُوا تسْلِيماً "[ الأحزاب: 56] . بالتأكيد يريد السلامة عن سطوات التجليات الجلالية والانحرافات الطبيعية التي هي أسفل سافلين.
وذلك من تجلي الاسم السلام المؤيد للسلامة عن كل ما يوجب النقصان في الكشف والعيان، و للناجي بين العيان والإيمان .
قال تعالى: "ما زاغ البصرُ وما طغى" [ النجم: 17] فله حاق الوسط بلا إفراط ولا نقصان .

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:08 عدل 8 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الجمعة 24 أغسطس 2018 - 21:23 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الثالثة الجزء الأول .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب.
فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
(وبعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في) رؤيا (مبشرة)، أي مغيرة لصورة البشرة من حزن وكرب إلى فرح وسرور.
وهو من قوله عليه السلام: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات» وذلك في عالم التجريد عن العلائق البشرية وتبديل الصورة الحيوانية بالصورة الإنسانية.
وسبب ذلك ركود الحواس وصفاء الروحانية، إما بالمنام المعروف أو باليقظة الحقيقية .
(أريتها)، أي أراني إياها الله تعالى (في العشر الآخر من شهر المحرم الحرام) من شهور (سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق) الشام .
وكانت محط رحال الشيخ رضي الله عنه وموضع إقامته من دون سائر البلاد بعد أن سار في جوانب الأقطار، ثم استقرت به الدار في ربوة ذات قرار لما علمه فيها من خفايا الأسرار.
(و) الحال أن (بیده)، أي بید رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كتاب فقال لي: هذا كتاب فصوص) بضم الفاء جمع فص بالفتح ويأتي بيانه إن شاء الله (الحكم) جمع حكمة .
(خذه)، أي تناوله مني .(واخرج به)أي بمصاحبته من عقلك الصرف إلى الممزوج بالنفس .
وهو معنى قوله (إلى الناس)، لأن عقولهم ليست صرفة كعقول الملائكة عليهم السلام بل ممزوجة بأنفسهم، إما متساوية أو راجحة أو مرجوحة لا تحصل الاستفادة التامة إلا ممن يجانس ويشاكل .
ولهذا قال: (ينتفعون به)، أي بهذا الكتاب، فتكون تسمية هذا الكتاب "بفصوص الحكم" تسمية من النبي صلى الله عليه وسلم .
كما وقع للشيخ شرف الدين عمر بن الفارض رضي الله عنه في تائيته التي سماها له النبي صلى الله عليه وسلم «نظم السلوك» في رؤيا أريها حكيت في ديوانه.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب.
فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
فقال : "فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم له في مبشرة أريتها في العشر الأخير من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة" أي رؤيا صالحة لوجود شرائطها في رائيها .
(بمحروسة دمشق) إشارة إلى عزلته عن الخلق بحيث لا عوائق له من الظاهر في ذلك الزمان (وبيده صلى الله عليه وسلم ) خبر (كتاب) مبتدأ .
أي هذا الكتاب مختص بید رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يشترك فيه بل غيره وهو أعظم كمالاته المختصة به .
والمراد بيان عظمة شأن الكتاب وعلو قدره وتنزهه عن المس الشيطاني باختصاصه وإضافته إلى يد رسول الله في رؤيا صالحة.
(فقال لي رسول الله عليه السلام هذا كتاب فصوص الحكم) إضافة المسمى إلى اسمه فسمى الكتاب الحسي باسم الكتاب المثالي لتطابقهما معنى من غير زيادة ولا نقصان (خذه) فیضه عليه السلام وإلقائه ما في الكتاب على قلب الشيخ (وأخرج به إلى الناس) أمره بالإفاضة ونظم المعاني والألفاظ على الهيئة المأخوذة في الترتيب خالصة مخلصة عن الأغراض النفسانية والتلبيسات الشيطانية بعين ما وصل إليه.
يدل ذلك على أن كل ما ذكر قبل الشروع في إبراز الفصوص ليس من عند نفسه وتصرفاته بل هو داخل في الكتاب المعطی به من بد رسول الله المشار إليه
بقوله : "هذا كتاب فصوص الحكم" فيصدق على الكلام المذكور قبل الفصوص أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس .
فيصدق هذا الكلام على نفسه وعلى كل جزء من الكتاب الصوري الشهادي من البسملة و الحمدلة والتصلية وغير ذلك .
لذلك قال : "فأول ما ألقاه المالك" بالفاء المؤذن للارتباط إشارة إلى أن المذكور بعدها متمل بما قبلها يعني كل ذلك ظهر مني بأمر الرسول والإلقاء السبوحي (ينتفعون به) علة للإخراج أمر الناس بالانتفاع في صورة الأخبار وفيه من المبالغة ما ليس في الإنشاء .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
و قوله رضي الله عنه : "أما بعد: فإني رأيت رسول الله، عليه السلام، في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده، صلى الله عليه وآله وسلم، كتاب، فقال لي: هذا «كتاب فصوص الحكم» خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به."
قلت: قوله، عليه السلام، هذه إشارة إلى معاني هذا الكتاب الذي أظهرها له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عالم الكشف وأما العبارة فهي للشيخ، رضي الله عنه.
ولذلك قال في دعاءه رضي الله عنه : "حتى أكون مترجما لا متحكما" فهو مترجم والترجمان هو الذي ينقل المعاني إلى لغة يعرفها من يترجم له بها.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قال العبد أيّده الله له : صحّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنّه قال : « من رآني فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي »
وفي رواية « لا يتكوّنني » أي ليس في قوّته أن يتظاهر بصورتي ، ولا يتمكَّن في الترائي للأمّة بها . والتكوّن هو التكلَّف في الشخص أن يكون على صورته التي كان عليها حال حياة الدنيا .
فمن رآه في تلك الصورة كامل الخلقة ، فقد رآه حقيقة ، وليس للشيطان أن يظهر بها أبدا .
مع أنّ الشيطان قد يتظاهر بصورة الربوبية ودعوى الإلهية ، وذلك لسعة الحضرة والصورة الإلهية المحيطة بصورة الاسم الهادي المرشد .
وصورة الاسم المضلّ فإنّ الله - تعالى - كما هو ربّ للمهتدين والمؤمنين والهادين ، فكذلك هو ربّ الضالَّين والمضلَّين والكافرين والمشركين ، لا إله إلَّا هو ، ولذلك جعله من المنظرين ، وأعطاه التمكين في الإضلال والإغواء .
فقال : " وَاسْتَفْزِزْ من اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ في الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً " آية 17 سورة الإسراء .
والشيطان يظهر للضالَّين والكفرة والمشركين والفجرة والملحدين بصورة الاسم المضلّ وهو اسم
من أسماء الله تعالى قال الله تعالى : " يُضِلُّ من يَشاءُ وَيَهْدِي من يَشاءُ " آية 8 سورة فاطر.
- وسائر الأسماء في حضرة المضلّ بحسبها كما هو الأمر في غيرها من الحضرات ، ولكن ليس للشيطان أن يظهر بصورة الاسم الهادي ولا بصورة الاسم الجامع المحيط المتجلَّي بصورة الهادي الذي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على صورته قال الله - تعالى - :
"وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِراطِ الله الَّذِي لَه ُ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ " آية 52-53 سورة الشوري.
فإنّ الضدّ لا يظهر بصورة الضدّ أبدا ، هذا ما لا يكون .
وكذلك النقيض لا يظهر بصورة نقيضه عصمة من الله في حقّ الرائي ، وإلَّا لجاز انقلاب الحقائق ، وتغيّرت الفصول ، وانخرمت الأصول ، وانحرفت العقول ، فافهم هذا السرّ فإنّه من لباب التحقيق . وفي هذا المقام أسرار أخر غامضة جدّا ليس لعقول البشر ، وأرباب الفكر والنظر أن يحيطوا بها إلَّا بنور الوهب والكشف والتأييد ، والله وليّ التوفيق والتسديد .
وأمّا من رأى صورة في الرؤيا ، وتيقّن في تلك الحالة أنّه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو يقال : إنّه هو ، ولا يطابق ما رآه صورته الأصلية صلَّى الله عليه وسلَّم في الصور ، وسلَّم الثابتة في الصحيح من الأحاديث ، أو يكون مخالفا ، أو مطابقا من وجه ومخالفا من وجه ، فذلك صورة نسبة الرائي من الصورة الشرعية المحمدية .
فمن كان مقتديا به صلَّى الله عليه وسلَّم من كلّ وجه ، مهتديا بهديه  صلَّى الله عليه وسلَّم على الوجه الأكمل ، واتّبعه حقّ المتابعة في العلم والعمل ، وكان له ورث تامّ من حاله ومقامه .
يكون ما يرى في وقائعه يقظة ومناما وما بينهما أكمل في المطابقة وأبين وأوضح في الشخص والتمثّل في شهوده ورؤيته لكمال اتّباع الرائي الوارث له في جميع الأخلاق والأوصاف والأحوال والسير والأعمال .
ويصحّ من مثله أن يقول : رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  .
وأمّا من رآه على صورته الخصيصة به فما رآه ، وما رأى إلَّا صورة نسبية لا غير .
ثم اعلم : أنّ الرؤية أعمّ من الإبصار لأنّه شهود المبصرات بحاسّة البصر ، والرؤية شهود المشهودات كلَّها - سواء كان مبصرا أو متخيّلا أو ممثّلا أو معقولا أو معلوما رؤية غير متقيّدة بحاسّة البصر .
بل بعين البصيرة والعلم والقلب ، ويصدق الإبصار في المتخيّلات والمتمثّلات لكونها مدركة بقوّة الإبصار ، وإن كان بصره مكفوفا عن ملاقاة سطح المبصر .
فلمّا قال رضي الله عنه  : « رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم » وهو أعلم القوم بالحقائق علمنا أنّه رآه حقيقة .
فرآه بعين البصيرة ما منه صلَّى الله عليه وسلَّم مشهود بعين البصيرة والقلب ، وهو صورته الحقيقية والمعنوية .
ورآه  بعين روحه - رضي الله عنه - صورته الروحانية .
ورآه بعينه النورانية الإلهية صورته النورانية الإلهية ، ورأى بباطن بصره صورته المتمثّلة المحسوسة المبصرة فإنّ له ذلك على التعيين.
ولرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يظهر لمن كملت درايته منه - محسوسا مبصرا في عالم الحسّ لأنّه لا يتقيّد في عالم وليس محبوسا في برزخ من البرازخ .
وكذلك وارثه وكلّ من كملت وراثته منهما ، وصحّت نسبته معهما في العلم والحال والمقام والخلق والعمل ، وتوجّه إلى أرواحهما ولم يعرج إلى برازخهما ، نزلا إليه لطفا وعطفا ، وفي هذه الرواية والتنزّل تتفاوت مراتب الورثة .
سمعت سيّدي الشيخ صدر الدين محمد بن يوسف رضي الله عنه :
أنّه اجتمع هو والشيخ إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ خاتم الأولياء مع شيخ الشيوخ سعد الدين محمد بن المؤيّد الحموي بمحروسة دمشق في سماع .
فقام الشيخ سعد الدين رضي الله عنه في أثناء السماع والناس في مواجيدهم إلى صفّة في ذلك البيت .
وبقي واقفا واضعا يديه على نحره مطرقا إطراق إجلال وتعظيم ، متأدّبا إلى أن انقضى السماع وقد سرى سرّ جمعيته وحاله في ذلك الجمع.
ثم قال في آخر المشهد وقد غمّض عينه : "أين صدر الدين ؟ أين شمس الدين إسماعيل ؟ "
قال الشيخ رضي الله عنه فبادرنا إليه أنا والشيخ شمس الدين إسماعيل فتعانقنا وضمّنا إلى صدره .
ثم فتح عينه في وجوهنا ولحظنا مليّا ، وقال : "حضر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوقعت بين يديه كما رأيتموني الآن فلمّا انصرف ، أحببت أن أفتح عيني في وجوهكما ، فقد كانت في شهود وجه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم " .
وأمّا خاتم الأولياء الخصوصي فقد رأته بعد وفاته رضي الله عنه من بان له رضي الله عنه  بها عناية من بعض سراريه وهي على الباب .
فلمّا رأته ، قالت : سيّدي ، سيّدي .
فقال لها الشيخ : كيف أنت ؟
وعبّر عنها ، فصاحت ، واجتمع أهل البيت عليها .
فقالت : عبر سيّدي عليّ إلى هذا الصوب فنسبها من لا تحقيق له إلى الجنون .
وأمّا أنا فكنت في دار السلام بغداد حرسها الله تعالى ، وكان نزيلي شخصا ادّعى أنّه المهديّ عليه السّلام وقال لي : اشهد لي .
فقلت : أشهد عند الله أنّك غيره ولست إلَّا كذّابا ، فعاداني وجمع عليّ الملاحدة والنصرية ، وآثار عليّ جماعة منهم وقصد إيذائي.
فلجأت إلى روحانية خاتم الأولياء ، وتوجّهت إليه رضي الله عنه بجمعية كاملة ، وراقبته في ذلك ، فرأيته رضي الله عنه وقد أخذ بيديه يدي ذلك المدّعي ورجله اليمنى وشماله:
وقال : أضربه على الأرض ؟
فقلت : يا سيّدي لك الأمر والحكم ، فانصرف عنّي وقمت وخرجت إلى المسجد ، فإذا المدّعي مع أتباعه مجتمعين مجمعين على ما نووا ، فلم أتلفت إليهم وجزت إلى المحراب وصلَّيت صلاتي ، ثم لم يقدروا عليّ ، ودفع الله عنّي شرّه ، ثم تاب على يدي وسافر عنّي ، والحمد لله .
فهؤلاء الكمّل يظهرون في عالم الحسّ مهما شاؤوا بأمر الله ، وقد أقدرهم الله على ذلك ، وليس غيرهم من النفوس البشرية ، المفارقة كذلك فإنّ الأكثر الأغلب محبوسون في برازخهم ، لا يظهرون ولا يتشخّصون إلَّا في المنام أو يوم القيامة ، فافهم هذا إن كان لك قلب ، أو ألق السمع وأنت شهيد ، وآمن فلا تكن من الممترين والمفترين .
واعلم : أنّ هذه الرؤية الأحدية الجمعية الكمالية الجامعة لجميع مقامات الرؤية بالنسبة إلى الحق وأكمل الخلق - صلَّى الله عليه وسلَّم وسائر الكمّل وغيرهم مخصوصة بالختمين وورثتهما من الأولاد الإلهيين والندّر من الأفراد المكمّلين ، والحمد لله ربّ العالمين .
قال الشيخ رضي الله عنه : « في مبشّرة أريتها في العشر الآخر من المحرّم سنة سبع وعشرين وستّمائة [ 627 ] ".
قال العبد : « المبشّرة » فيما عرفها الناس وتعارفوها هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو يرى لغيره .
كما نطقت به النبوّة الختمية للجمهور ، ومشرب التحقيق الختمي الكمالي الخاصّ يقضي بأنّها أعمّ.
فقد يبشّر الله أولياءه بغير الرؤيا يقظة وإلقاء وإعلاما وتجلَّيا كفاحا وواردا إلهيّا روحانيّا ملكيّا وغير ذلك على ما يعرفها أهلها ويتعارفونها بينهم .
وقوله : « أريتها » دالّ على أنّ الله أراها قصدا خاصّا اختصّه الله بذلك .
والمحرّم من المشهور اختصّ بهذه المبشّرة لأنّه - رضي الله عنه - فتح له في أوائل فتحه في المحرّم أيضا على ما روّيناه عن الشيخ رضي الله عنه بالخلوة  الخلق أوّل مبشّرة في إشبيليّة من بلاد أندلس تسعة أشهر لم يظهر فيها ، دخل في غرّة المحرّم ، وأمر بالخروج يوم عيد الفطر ، وبشّر بأنّه خاتم الولاية المحمدية ، وأنّه وارثه الأكمل في العلم والحال والمقام .
قال رضي الله عنه : « وبيده كتاب ، فقال لي : هذا كتاب فصوص الحكم ، خذه واخرج به إلى الناس ، ينتفعون به " .
قال العبد : « اليد » مظهر العطاء والمنع والقبض والبسط والأعمال الصالحة ، وهي صورة القدرة .
وكون الكتاب بيده إشارة إلى أنّ هذه العلوم والحكم التي يتضمّنها هذا الكتاب من خصوص أذواق كمّل الأنبياء - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيده وقبضه من كون أحدية جمع جمع الختمية النبويّة جامعة ومحيطة بها جميعا على التخصيص .
و " الكتاب" فعال - بكسر الفاء - يعني به المكتوب من الكتب وهو الجمع لكون كلّ كتاب جامعا بين جمل وفصول ، وفروع وأصول ، ومعان وعبارات ، وسور وآيات ، وحروف وكلمات ، وحقائق ودقائق وإشارات .
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : « هذا كتاب فصوص الحكم » المنزلة على الكمّل المذكورين .
وفيه إجمال مضمون الكتاب لمن عقل عن الله وذلك أنّ الفصوص تدلّ على معان وحقائق معلومة للخاصّة.
ككون الفصوص محالّ النقوش والعلامات الاسمية التي يختم بها على الخزانة .
وأنّ النقوش التي في هذه الفصوص إنّما هي نقوش الحكم الإلهية الكلَّية الكمالية الأحدية الجمعية الختمية المحمدية المتفصّلة في قابليّات قلوب كمّل الأنبياء المذكورين في الكتاب .
فإنّ هذه النقوش الحكمية وإن نزلت على قلوبهم من الحضرات الإلهية الأسمائية بحسب استعداداتهم الخصيصة بكل حضرة حضرة منها .
ولكن أحدية جمع هذه الحكم والنقوش من حيث الأصل والمحتد في قبضة خاتم الرسل صلَّى الله عليه وسلَّم ، وتفصيلها وتبيينها وتوصيلها وتعيّنها .
إنّما يكون على يدي خاتم الأولياء المحمدي الخاصّ خاصّة .
لكون هذه الحكم إنّما تؤخذ من الوراثة الخاصّة المحمدية الختميّة ، وكونه رضي الله عنه هو وارثه صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الختمية الخصوصية .
وإن كان الكاملون جميعا ورثته في المقامات الكلَّية المحمدية المتفصّلة في جميع الأنبياء والأولياء لكن هذه الوراثة الختمية وارثة خاصّة ، لها ذوق خاصّ ، منه يعرف أذواق جميع الأنبياء والأولياء.
ولا يعرف من ذوق أحدهم ولا من أذواق الكلّ ، ويوجد في ذوقه مزيد أسرار وحكم على أذواق أهل المقامات .
يعرف ما أشرت إليه المحيط بأذواقهم ومشاربهم أوّلا ، الجامع لزوائد ما جاء به هذا الخاتم رضي الله عنه ثانيا ، والله الموفّق .
قال الشيخ - رضي الله عنه - : « خذه واخرج به إلى الناس ، ينتفعون به  ".
قال العبد : أمره عليه السّلام بأخذ هذا الكتاب إشارة إلى أنّه رضي الله عنه هو الخاتم المخصوص بختمية ولأنّه المخصوص .
وذلك لأنّ الحكم التي في ضمن " فصوص الحكم " المخصوصة بمقامات الختمية المحمدية المتعيّنة في كل مقام من مقامات الكمالات الخصيصة بالحضرات الأسمائية الإلهية التي هي لهؤلاء الأنبياء المذكورين فيه  جملة تجلَّياتها وعلومها وأحكامها ، فأمر خاتم الأنبياء بإخراج هذه الحكم الختمية يجب أن يكون لوارثه الأكمل في الختمية الجمعية إذ حقائق الختمية وعلومها لا تكون إلَّا للمتحقّق بالختمية ، فافهم الإشارة فإنّها لطيفة .
وهو مثل قوله - تعالى - لموسى بن عمران " فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها " .
يعني في زعمهم ومبلغ علمهم ، وإلَّا فكلّ ما فيها أحاسن ومنها تنبعث المحامد والمحاسن .
وقوله : « واخرج به إلى الناس ينتفعون به »
إشارة إلى أنّ هذه الحكم الأحدية الجمعية الكمالية المحمدية الختمية إنّما يظهرها الله به وعلى يديه ولسانه  صلَّى الله عليه وسلَّم .
وسياق الكلام يقتضي ظاهرا أن يكون قوله : « ينتفعون به » مجزوما بإسقاط نون " ينتفعون " لكونه جواب الأمر ، وهو ظاهر ، ولكنّه صلَّى الله عليه وسلَّم بشّر الشيخ رضي الله عنه بأنّ الناس أي المتحقّقين بالإنسانية إلى يوم القيامة ينتفعون به، ويخرّج على أنّه ليس جواب الأمر ، ولكنّه إخبار ابتدائي منه صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك .
أي بصورة الحال الجارية لمزيد إعلام وبشارة .
فهو جواب سؤال مقدّر لو سئل صلَّى الله عليه وسلَّم : إنّ هذه الحكم تعلو وتجلّ عن فهم الناس الحيوانيين  بأنّ فيهم ناسا مؤهّلين للكمال ينتفعون به .
قال الشيخ رضي الله عنه : "فقلنا السمع والطاعة لله ورسوله ولأولي الأمر منّا ، كما أمرنا ".
المفهوم الظاهر ظاهر ، وهو امتثال أمر الله ورسوله وأولي الأمر بعد الرسل من المؤمنين والخلفاء والأئمة الذين يلون الأمر وباطنه وسرّه .
إنّه رضي الله عنه أشار في كلّ ذلك إلى طاعة الله الظاهر المتجلَّي في المظهر المحمدي الأكمليّ ، وإلى طاعته أيضا من حيث إنّه رسول الله.
ثم من كونه صلَّى الله عليه وسلَّم وليّ الأمر على جميع الكمّل ، فيخرّج أنّ طاعته رضي الله عنه أيضا في هذه الوجوه الثلاثة كلَّها لله في أكمل مظاهره وهو رسول الله من ثلاث حسنات كلَّية ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
المبشرة في الأصل صفة الرؤيا ، وهي من الصفات الغالبة التي تقوم مقام الموصوف فلا يذكر معه الموصوف كالبطحاء فلا يقال رؤيا مبشرة كما لا يقال أرض بطحاء .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قوله: "أما بعد، فإني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مبشرة)(أريتها في العشر الآخر من المحرم لسنة سبع وعشرين وستمأة" هذا تمهيد عذر لإظهار هذا الكتاب إلى الخلق، فإن الأولياء أمناء الله تعالى.
والأمين لا بد لهمن أن يحفظ الأسرار التي أؤتمن عنده ويصونها عن الأغيار.
كما قال:
يقولون خبرنا فأنت أمينها      ..... وما أنا إذ خبرتهم بأمين
اللهم إلا أن يؤمروا بإظهارها، فحينئذ يجب عليهم الإظهار والإخبار.
و لما كانت الرؤية إما بالبصيرة أو بالبصر، والكمل لهم الظهور في جميع العوالم حيثما شاء الله لعدم تقيدهم في البرازخ كتقيد المحجوبين.
نبه أنها كانت في"مبشرة"، أي في رؤيا مبشرة، وهي لا يكون إلا بالبصيرة، وهي عين الباطن.
قال، عليه السلام، عند إخباره عن انقطاع الوحي: "لم تبق بعدي من النبوة إلا المبشرات".
فقالوا: "وما المبشرات يا رسول الله؟" قال: "الرؤيا الصالحة يراها المؤمن".
وهي لا يستعمل مع موصوفها، فلا يقال: رؤيا مبشرة.
كما لا يقال: أرض بطحاء.
قوله: "أريتها" على صيغة المبنى للمفعول من "الإراءة". أي، أرانيها الحق من غير إرادة منى وكسب وتعمل، ليكون مبرأ من الأغراض النفسانية ومنزها عن الخيالات الشيطانية.
قوله: (بمحروسة دمشق وبيده، صلى الله عليه وسلم، كتاب).
(فقال لي: "هذا كتاب فصوص الحكم". خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به).
متعلق بقوله:
"رأيت" أي، رأيته في محروسة دمشق. وفي قوله: "بيده كتاب" إشارة إلى أن الأسرار والحكم التي يتضمنها هذا الكتاب إنما هي مما في يد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وملكه وتحت تصرفه.
كما يقال: هذه المدينة في يد فلان. أي في تصرفه. وهي مظهر التصرف بالأخذ والعطاء.
وقوله: "هذا كتاب فصوص الحكم" يحتمل أن يكون إخبارا منه، صلى الله عليه و سلم، بأن اسمه عند الله هذا.
وأن يكون سماه، صلى الله عليه وسلم، بذلك ولابد أن يكون بين الاسم والمسمى مناسبة ما عند أهل التحقيق.
فهذا الاسم يدل على أن مسماه خلاصة الحكم والأسرار المنزلة على أرواح الأنبياء المذكورين فيه، إذ فص الشئ خلاصته وزبدته، كما سنبين إنشاء الله تعالى.
وأيضا، لما كان مراتب تنزلات الوجود ومعارجه دورية وقلب الإنسان الكامل محلا لنقوش الحكم الإلهية، شبهها بحلقة الخاتم.
والقلب بالفص الذي هو محل النقوش، كما قال في آخر الفص الأول: "وفص كل حكمة الكلمة التي نسبت إليها".
وسمى الكتاب بفصوص الحكم، لما فيه بيانها وبيان حكمها.
قوله: "خذه واخرج به إلى الناس" أي، خذه منى في سرك وغيبك واخرج به إلى عالم الحس والشهادة بتعبيرك إياه وتقريرك معناه بعبارة تناسبه وإشارة توافقه لينتفع به الناس ويرتفع عنهم حجابهم.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
أما بعد: (فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة) هي الرؤيا الصالحة؛ لأنها تبشر بالغيب عن الحق بريئا عن شوائب الوهم والخيال الباطل؛ ولذا جعلت جزءا من النبوة في قوله صلى الله عليه وسلم : "لم يبق من النبوة إلا المبشرات".
قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وسلم : "الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له".
و أشار بذلك إلى أن هذا الكشف يشبه كشف النبوة؛ فلا يسوغ إنكاره.
كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله ".
(أريتها)، أي: أرانيها الله تعالى، ولم يكن ذلك من نفسي، (في العشر الأخير من محرم)، أي: حين كان لي هجرة إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، بعد حصول الكمال لي في ذلك.
كما أشار إليه بالعشر الأخير، فإن العشرة عدد كامل، وكونها الأخيرة إشارة إلى انتهائه في ذلك، (سنة سبع وعشرون وستمائة) بين التاريخ ليعلم أنه من أواخر كشوفه الحاصلة له حالة الكمال.
(بمحروسة دمشق)، أشار بذلك إلى أنه إنما استفاد ذلك بواسطة من دفن فيه من الأنبياء عليهم السلام - وإلى أنه حين أظهره كان بين أظهر أعلام الإسلام المشددين على الملوك وغيرهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومع ذلك لم يقدروا على إنكار شيء منه على وجهه، ولا محو كتبه لغيبته، (وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب)، أشار بذلك إلى أنه كالملك له؛ فلا يصل إليه غيره إلا بواسطته .
وما حصل للشيخ رضي الله عنه بواسطته فهو أتم مراتب الكشف، وأشار إلى هذا المعنى بقوله: (فقال لي: هذا كتاب «فصوص الحكم»).
أي: علوم تتزين بها بقية العلوم كما نزين الخاتم بالفص، أو علوم هي غايات كمالات أذواق الحمل من الأنبياء عليهم السلام؛ إذ الفص ختم للخاتم، ونهاية لكماله، خص الشيخ رضى الله عنه  بإعطاء ذلك في هذه الأمة التي علماؤها كأنبياء بني إسرائيل؛ فهو من أكابر أولئك العلماء.
ولأمر ما قال له صلى الله عليه وسلم : («خذه واخرج به إلى الناس») ، الأمر بأخذه أولا ليفوز برتبة الكمال، ثم بإخراجه إلى الناس ليفوز برتبة التكميل.
وهذه الجملة تكمل المشابهة بالأنبياء عليهم السلام، فإن من الأولياء من يعطى الأسرار، ولا يؤمر بإخراجها إلى الناس، وفيه تمهيد لعذره في إخراج هذه الأسرار بأنه لم يخرجها ما لم يجب عليه إخراجها بأمر الله تعالى، فإن الأمر الرسول ، ورؤيته كأمر الله تعالی ورؤيته: "من يطع الأول فقد أطاع الله" [النساء: 80]، حديث الطبراني: «ومن رآني، فقد رأى الحق» .
ثم علل ذلك بقوله: (ينتفعون به)، بأن يطلعوا بذلك على كمالات الأنبياء عليهم السلام، وغاية علومهم وأذواقهم، ويرون مع ذلك فضل نبينا صلى الله عليه وسلم عليهم في تلك المراتب فيزدادون به إيمانا، ويطلعون بذلك على بعض أحوال الناس.
وفي قوله: "إلى الناس ينتفعون به" إشارة إلى أن من لا ينتفع به، فليس من الناس بل من البهائم أو السباع أو الشياطين؛ فافهم.
فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأولي الأمر منا)، لما كان أمره صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى للآية المذكورة .
مع أن الكامل لا يرى شيئا إلا يرى الله فيه أو معه أو قبله أو بعده، قال: السمع والطاعة لله ولرسوله، ولما كانت المشايخ تابعين له صلى الله عليه وسلم كان أمره صلى الله عليه وسلم موجبا لإجازتهم هو إشارة إلى إجازتهم بطريق الإلزام في إظهار الأسرار.
(كما أمرنا)، إشارة إلى قوله تعالى: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " النساء: 59 ، وهم المشايخ والعلماء في جميع الأمور.
قال: منا وكذا الأمراء في بعض الأمور، وهو فيما أمروا أن يأمروا بذلك.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قال رضي الله عنه : "أمّا بعد فإنّي رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مبشّرة أريتها في العشر الأخير من المحرّم ، سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق وبيده صلَّى الله عليه وسلَّم كتاب " .
المبشّرة - لغة - : الريح التي تبشّر بالغيث ، وفي عرفهم يطلق على ما يرى السالك من الصور المثاليّة المبشّرة له بجلائل الفتوحات .
ثمّ إنّ الفيض الواصل إلى العبد له مدرجتان : إحداهما من الرحمة الوجوبيّة التي يسلك إليها العبد بمساعي قدمي جدّه واجتهاده ، وعلمه وأعماله ، والثانية من الرحمة الامتنانيّة التي إنما تنساق إلى العبد بدون توسّل عمل منه ولا توسّط سعي واجتهاد وفي عبارتي « رأيت » و « أريتها » ما يدلّ على أنّ  الفيض المذكور لجلالة قدره جامع بين نوعيهما ، حائز لكماليهما .
وفي لفظ « الكتاب » إشارة إلى أنّ ما انطوى عليه من الحقائق هو الذي يتعلَّق بطرف الولاية خاصّة ، فإنّ للكتاب اختصاصا به ، كما أنّ للكلام اختصاصا بما يتعلَّق بطرف النبوّة منها ، ويؤيّد ذلك ما في اللغة من أنّ الأوّل فيه معنى الجمعيّة ، كما أنّ في الثاني ما يستتبع التفرقة ، وسيجئ ما يلوّح إلى زيادة تحقيق لهذا البحث .
وقوله « وبيده » فيه إشعار بأنّ ما تضمّنه الكتاب من الخصائص الختميّة المكنونة التي هي في قبضته إلى الآن ، فإنّه كما أنّ الفم مصدر فتح أبواب انبساط الكتاب وما انطوى عليه على صحائف العيان ، فإنّ اليد مورد طيّه وقبضه ، ومحلّ ختمه وكتمه .
وممّا يلوّح عليه أنّ « اليد » هو « الختم » على طريقة التحليل ( 14 ) .
وأيضا : فإنّ الزمان والمكان المذكورين يلوحان على أنّ ما تولد منهما من الحقائق على مجالي المشاهد والمدارك من الفضائل الختميّة الزائدة على مشهودات الكمّل وخصائصها المحرّمة عليهم ، تلويحا ظاهرا ولذلك ما كاد يبرز من تلك الحقائق شيء ما لم يصدر من ذلك المصدر مرسوم بإبرازه وإظهاره ، على ما أشار إليه بقوله :
قال رضي الله عنه : "فقال لي : هذا كتاب فصوص الحكم ، خذه وأخرج به إلى الناس ينتفعون به " .
وفي تسميته صلَّى الله عليه وسلَّم بـ « فصوص الحكم » إشعار بأنّ ما انطوت عليه من نقوش الحقائق إنّما هو من الخصائص الختميّة على ما لا يخفى على الفطن .
ثمّ إنّ ما يؤخذ به الكتب - أخذا يعتدّ به ويعوّل عليه - من الآلات والجوارح هو السمع الذي فيه صور المعلومات ، كما أنّ ما يخرج به هو باقي الجوارح والأعضاء .
وأيضا : فإنّ المذكور هو قول الخاتم وأمره ، وفي مقابلة القول : السمع ، وفي مقابلة الأمر : الطاعة .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قال رضي الله عنه : "أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة"، أي رؤيا صالحة وهي لا تستعمل مع موصوفها .
فلا يقال : رؤيا مبشرة (أريتها) بأراءتها الحق سبحانه إياي من غير قصد وتعمل مني فتكون مبرأة عن الأغراض النفسية و الخيالات الشيطانية (في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة).
واختص المحرم من الأشهر بهذه المبشرة لأنه رضي الله تعالی عنه فتح له في أوائل فتحه من المحرم أيضا على ما روى عنه رضي الله عنه أنه اتخذ الخلوة مرة بإشبيلية من بلاد الأندلس تسعة أشهر لم يفطر فيها دخل في عشرة المحرم وأمر بالخروج عند عيد الفطر .
وبشر بأنه خاتم الولاية المحمدية (بمحروسة دمشق وبيده ) التي هي مظهر تصرفه بالأخذ والإعطاء (كتاب فقال صلى الله عليه وسلم في هذا) إشارة إلى ما بيده من الكتاب (كتاب فصوص الحكم) إخبار بأنه عند الله مسمي بهذا الاسم أو تسمية من عنده صلى الله عليه وسلم أو حكما منه بأنه كتاب مشتمل على بيان خلاصة الحكم المنزلة على قلوب الأنبياء عليهم السلام أو بيان محالها.
وفي هذه القلوب فإن فص الشيء خلاصته .
وفص الخاتم ما ينقش عليه اسم صاحبه .
وتكون التسمية به من الشيخ رضي الله عنه .
(خذه) في سرك وعينك (واخرج به ) في الحس والشهادة (إلى الناس) المتحققين بالإنسانية (ينتفعون به) وسياق الكلام يقتضي أن يكون قوله : ينتفعون مجزومة بإسقاط النون لكونه بحسب الظاهر جوابا للأمر لكنه صلى الله عليه وسلم جعله إخبارا ابتدائية بأن المتحققين بالإنسانية ينتفعون به إلى يوم القيامة.
لمزيد إعلام وبشارة للشيخ رضي الله عنه ، وهو جواب سؤال مقدر كأنه صلى الله عليه وسلم سئل أن هذه الحكم تجل وتعلو عن أن يخرج بها إلى الناس الحيوانيين.
فأجاب صلى الله عليه وسلم بأن فيهم ناسا مؤهلين للكمال ينتفعون به.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:08 عدل 7 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الجمعة 24 أغسطس 2018 - 21:30 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الثالثة الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة: الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحكم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قال الشيخ الأكبر :  [ أما بعد : فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع و عشرون و ستمائة بمحروسة دمشق، و بيده صلى الله عليه و سلم كتاب، فقال لي: هذا »كتاب فصوص الحكم« خذه و اخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع و الطاعة لله و لرسوله و أولي الأمر منا كما أمرنا] . 
قال الشارح قوله: (أما بعد فإني رأيت) أسند الرؤية إلى نفسه الكريمة مع تأكيد قوله، فإني إشارة إلى بقائه وحضوره التام بعد الفناء العام وكمال الفرق بعد الجمع و الفرقان بعد القرآن.
كما هو حال العالم الوارث الباقي بنفسه، وهو أتم من أن يرى بالحق كالعارف الفاني عن نفسه، فالرائي هو العبد لا الحق .
قال رضي الله عنه في الفصل التاسع و الأربعين من "الأسئلة ":
قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه : "انا سيد الناس ولا فخر" بالراء والزي روايتان أي أقولها غير متبجح بباطل أي أقوالها ولا أقصد الأفتخار على من بقي من العالم .
فانى وان كنت أعلى المظاهر الانسانية فانا أشد الخلق تحققا بعيني فليس الرجل من تحقق بربه وانما الرجل من تحقق بعينه .
لما علم ان الله أوجده له تعالى لا لنفسه وما فاز بهذه الدرجة ذوقا إلا محمد صلى الله عليه وسلم وكشفا إلا الرسل وراسخوا علماء هذه الأمة المحمودية .
ومن سواهم فلا قدم لهم في هذا الأمر وما سوى من ذكرنا ما علم ان الله أوجده له تعالى بل يقولون انما أوجد العالم للعالم فرفع بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وهو غني عن العالمين هذا مذهب جماعة من العلماء بالله.
قال رضي الله عنه في الباب الرابع عشر من "الفتوحات" : إن المكاشف يعاين النبي صلى الله عليه و سلم و يسأله عن الأحاديث وصحتها فينكرها أو يصدقها . 
ثم قال: إن الولي يشترك مع النبي في إدراك ما تدركه العامة في النوم في حال اليقظة سواء . 
وقال رضي الله عنه في الباب الثامن و الثمانين و مائة من "الفتوحات " : و قد يتقوى الأمر على بعض الناس فيدركون في اليقظة ما كانوا يدركونه في النوم . 
ويشير إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم : "ومن رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي" ذكره السيوطي في "جمع الجوامع".
و رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة، والترمذي و الطبراني في "الكبير" عن مالك بن عبد الله الخثعمي . 
وقال رضي الله عنه: ذلك نادر وهو لأهل هذه الطريق من نبيّ ووليّ، هكذا عرفناه. انتهى كلامه. 
وإنما قلنا: إنّ الرؤية والأخذ كانتا في الحس لا في النوم للأصلين الثابتين عنه رضي الله عنه أنّ الحس لا غلط فيه. 
كما قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الثلاثين: إنه ما غلط حسّ أبدا.
فإن قيل: إن الصفراوي يرى السكّر مرّا، و ليس هذا إلا من غلطه الحسي .
قلنا: هذا الغلط من الحاكم الذي هو العقل و ذلك لأن المنسوب إلى الحس إدراك المرارة، و هو واقع بلا شبهة، و لكن إسناد هذه المرارة إلى السكر غلط العقل.
فإن الخلط الصفراوي حائل بين الذائقة و بين السكر، فما أدرك مما أدرك إلا الصفراء و هي مرة بلا شك.
وكذلك راكب السفينة يرى حركة ولكن قائمة على من في البر، فرؤية الحركة صحيحة من الحس ولكن نسبتها إلى الخارج من حكم العقل، و قد غلط في حكمه فلا ينسب الغلط أبدا في الحقيقة إلا إلى الحاكم لا الشاهد . 
أما ترى في شرف الحواس أنه قال تعالى فيه : "كنت سمعه و بصره"  .
و ما ذكر فيه القوى العقلية و الروحية، و لا أنزل نفسه تعالى منزلتها منزلة الافتقار إلى الحواس، و الحق لا ينزل منزلة يفتقر إلى غيره . 
وأمّا الحواس فمفتقرة إلى الله لا إلى غيره، فنزل لمن هو يفتقر إليه و لم يشرك به أحدا، فأعطاها الغنى فهو يأخذ منها و عنها، ولا تأخذ هي عن غيرها من القوى إلا من الله تعالى، فاعرف شرف الحس و قدره و أنه عين الحق.
ولهذا لا تكمل النشأة إلا به، فالقوى الحسية هم الخلفاء على الحقيقة في أرض هذه النشأة عن الله تعالى . 
أما ترى أنه سبحانه وصف نفسه بأنه سميع بصير، و لم يصف بأنه عاقل يفكر مخيل، و ما أبقى له من القوى الروحانية إلا ما للحس مشاركة فيه، كالحافظ و المصور فافهم .
حتى تعلم ترجيح جانب الحس عن الخيال، ووجه اختيارنا الحس من بين القوى جعلنا الله و إياكم ممن مشي على مدرجته، حتى يلحق بدرجته آمين . 
و ثانيهما: أي من الأصلين أنه لو كان يطلب التعبير، و معنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر.
فإن كان أخذ الكتاب من موطن الرؤيا لعبره رضي الله عنه، فلما لم يعبره علمنا قطعا أنه كان في الحس لا في الخيال .
أما ترى ما يقوله رضي الله عنه بطريق الذم بقي ابن مخلد حين رأى لبنا سقاه النبي صلى الله عليه و سلم فصدق الرؤيا، فاستقاه فقال: لبنا، و لو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما، فحرّمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب فافهم . 
و ما كان الله ينهانا عن أخذ الربا و هو يأخذ منا، و ما كان رضي الله عنه يأمرنا بمكارم الأخلاق، و يكون جنابه العالي خال منها . 
أما ترى في قوله في "الفصوص" في ذكر ابن مخلد: 
فإن خرج في الحس كما كان في الخيال، فتلك لا تعبير لها و لهذا اعتمد ابن مخلد فإنه ذكره في مقام التقصير لا من حيث المحمدة . 
ذكر ابن سودكين و هو أبو الطاهر إسماعيل بن سودكين بن عبد الله النوري شارح كتاب "التجليات" للشيخ رضي الله عنه في شرحه : لقد قال لي إمامي و قدوتي إلى الله تعالى ذات يوم: يا والدي رأيت البارحة كأني أعطيتك هذه العمامة التي على رأسي، و أصبحت علي أن أعطيتكما، ثم أحببت أن يكون تأويله ذلك ما يقتضي باطن الرؤية، و حقيقتها فتركت إيصالها لك ظاهرا يا والدي لهذا السرّ.
فانظر: أي هذا المنع الذي قد ملأ عطاء، فافهم .
فإن خالفنا في هذا التأسيس و النمط الشرّاح بأسرهم لهذين الأصلين المذكورين . 
( رسول الله صلى الله عليه و سلم) أشار بقوله: رسول الله و لم يقل: نبي الله، إلا أن الأمر الإلهي بواسطة الرسول، فافهم .
(في مبشرة ) قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الباب العاشر و ثلاثمائة من "الفتوحات ": إن المبشرات التي أبقيت علينا من آثار النبوّة وهي الرؤيا يراها الرجل، أو ترى له وهي حق ووحي، ولا يشترط فيها النوم لكن قد يكون في النوم، وفي غير النوم و في أي حال كانت، فهي رؤيا في الخيال بالحس لا في الحس والتخيل قد يكون من داخل القوة، وقد يكون من خارج بتمثيل روحاني أو التجلي المعروف عند القوم.
ولكن هو خيال حقيقي إذا كان المزاج المستقيم مهيأ للحق سبحانه. انتهى كلامه رضي الله عنه. 
أو يقول في بيان قوله رضي الله عنه في مبشرة أو تصديق قوله صلى اللّه عليه و سلم : 
"الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا". رواه البيهقي  و أبو نعيم بالحلية والمناوي في فيض القدير
قال رضي الله عنه: الأمر و الله في غاية الأشكال، لأنا خلقنا في هذه الدنيا نياما فلا تدري لليقظة طعما، فنبه بلفظ مبشرة أنّ ما أدركتموه في هذه الدنيا هو مثل إدراك النائم بل هو إدراك النائم في النوم فسماه مبشرة . 
أما ترى قوله تعالى: "وما جعلنا ُّالرؤْيا الّتي أرْنياك إلّا فتْنةً للنّاسِ والشّجرة الملْعونة في القُرْآنِ و نخِّوفُـهُمْ فما يزيدُهُمْ إلّا طغْياناً كبيرًاً" [ الإسراء: 60] .
وأراد تعالى بالرؤيا العيان الذي رأى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، فسمّاه الرؤيا وهو رؤية عيان لا منام بالإنفاق . 
قال تعالى: "ومِنْ آياتهِ منامُكُمْ باللّيْلِ والنّهارِ" [ الروم: 23] . ولم يذكر اليقظة وهي من جملة الآيات، فذكر المنام دون اليقظة في حال الدنيا، فدلّ على أن اليقظة لا تكون إلا عند الموت.
وأن الإنسان في الدار الدنيا نائم أبدا، فإن لم يمت وإنه في منام بالليل والنهار في يقظته ونومه. 
أما ترى عدم إعادة الباء في قوله: (والنهار) واكتفى بباء الليل يشير إلى التحقق بهذه المشاركة، ويقوى الوجه الذي أثر زيادة في هذه الآية.
فلهذا جعل الدنيا عبرة و جسرا ليعبر: أي يعبر كما يعبر الرؤيا التي يراها الإنسان في المنام المعتاد.
فلهذا قيل في المثل المضروب: الدنيا جسر يعبر ولا يعمر.
فكلما يرى العارف أو يسمع كان ما كان: أي من كان بأي وجه كان يأخذ لنفسه حظا منه، إن كان بشارة فبشارة وإن كان إنذارا فإنذار، كما يفعله صاحب الرؤيا المعتاد. 
صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل و يقول بالتفاؤل حتى كان صلى الله عليه و سلم إذا سيق له لبن في اليقظة تناوله كما رؤياه.
أما سمعت أنه صلى الله عليه و سلم لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن، و إناء فيه خمر، فشرب اللبن .
فقال له الملك: أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك، فجعله بمنزلة الرؤيا للنائم خيالا لا بد من تأويل فافهم .
قال رضي الله عنه في الباب الثاني و السبعين و ثلاثمائة من "الفتوحات": إن ما في الكون كلاما لا يتأوّل، و لا يعبر عنه و لذلك .
قال تعالى: "ولنعلِّمهُ مِنْ تأويلِ الْأحادِيثِ" [ يوسف: 21] وكل كلام يصدق أنه حادث عند السامع فمن التأويل، ما يكون إصابة لما أراد المتكلم بحديثه، ومنه ما يكون خطأ عن مراده لا في نفس الأمر.
فإن ما من أمر إلا وله وجه صواب فيعرفه من يعرف المواطن وأحكامها، والتأويل عبارة عما يؤّوّل إليه ذلك.
والتعبير عبارة عن الحوز بما يتكلم به من حضرة نفسه إلى نفس السامع فهو ينقله من خيال إلى خيال لأن السامع يتخيله على قدر فهم .
فقد يطابق الخيال: أي خيال المتكلم خيال السامع، و قد لا يطابق فإذا طابق سمّي فهما منه، و إن لم يطابق فليس بفهم .
وإنما قصدنا بهذا الذكر أن يقرع أذنك ما أنت غافل عنه، وهو معنى الحديث المشهور :"والناس نيام".الحديث .
وإنك خيال و كل ما تدركه خيال فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو لله خاصة من حيث ذاته لا من حيث أسمائه، فإن الأسماء نسب و النسب لا عين لها.
قال رضي الله عنه: و الكل بحمد الله خيال في نفس الأمر لأنه لا ثبات له دائما على حال واحد و الناس نيام، و كل ما يراه النائم قد عرف ما يرى و في حضرة، فإذا ماتوا انتبهوا من هذا النوم. في النوم فما برحوا في رؤيا، فلم يزل الأمر كذلك, ولا يزال في الحياة الدنيا والآخرة فافهم .
ذكره رضي الله عنه في الباب الرابع عشر وأربعمائة من "الفتوحات": فإن قيل فإذا كان الأمر هكذا فلما لم يأوّل آخذ الكتاب؟!
قلنا: إن التأويل الذي على مذهب الشيخ للرؤيا التي بالخيال لا الذي رآه بالحس فافهم.
ولا تخلط المواطن بالمواطن لتكون عارفا قابلا للمحاورة والمكالمة، أن لكل موطن حكما لا يتغير، وإنما سمّيت مبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان، فإن الصورة البشرية تتأثر بما يرد عليها فيظهر لذلك أثر في البشرة لا بد من ذلك، فإنه حكم الحضرة الطبيعية، وإن لم يكن وجه التسمية مطردا. 
( أريتها) يشير رضي الله عنه إلى أن الرؤية كانت من أداة الحق لا بتعمّله وقصده . 
قال تعالى: "سنريهِمْ آياتنا فِي الْآفاقِ وفي أنْـفُسِهِمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الحق أو لمْ يكْفِ بربِّك أنّهُ على كُل شيْءٍ شهِيدٌ" [ فصلت: 53] . 
وهذا من مقام قوله صلى الله عليه وسلم : "أراني ليلة عند الكعبة فرأيت" الحديث من الأحاديث المتفق عليه . 
( في العشر الأخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق وبيده) "كتابٌ مرْقومٌ" [ المطففين: 9] "يشْهدُهُ المُقرُّبون" [ المطففين: 21] . 
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و الستين و مائة من الفتوحات :
" قوله تعالى في عيسى إنه كلمة الله والكلمة جمع حروف وسيأتي علم ذلك في باب النفس بفتح الفاء فأخبر أنه آتاه الكتاب يريد الإنجيل ويريد مقام وجوده من حيث ما هو كلمة والكتاب ضم حروف رقمية لإظهار كلمة أو ضم معنى إلى صورة حرف يدل عليه فلا بد من تركيب فلهذا ذكر أن الله أعطاه الكتاب مثل قوله "أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ" ويريد بالوصية بالصلاة والزكاة العبادة كما تدل على العمل " أهـ
إنّ الكتاب ضمّ حروف رقمية، أو ضمّ معنى إلى صورة حروف تدل عليه، فكان مرتبة الحروف في مرتبة الأعيان، ثم نزل من العلم إلى العيان . 
قال تعالى: "كتابٌ أحْكِمتْ آياتهُ ثمّ فِّصلتْ مِنْ لدُنْ حكيمٍ خبيرٍ" [ هود: 1] ولا يعلم ما قلناه إلا من كان خلقه القرآن، بل من كان قلبه القرآن فإنه يتقلب بتقلبه، و يدور حيثما دار . 
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم : "خرج وفي يده كتابان مطويان قابض بكل يد على كتاب فأخبر: "إنّ في الكتاب الذي بيده اليمنى أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول خلقهم إلى يوم القيامة، والكتاب الآخر فيه أسماء أهل النار, إنّ في الكتاب الذي بيده اليمنى أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول خلقهم إلى يوم القيامة، والكتاب الآخر فيه أسماء أهل النار". رواه الترمذي والشيباني و أبو نعيم .
على الشرح المذكور ولو كان بالكتاب الغير المعهود ما وسع ورقة المدينة، ذكره رضي الله عنه في الباب السادس و السبعين من "الفتوحات" . 
وهكذا فيما نحن بصدد بيانه فلا يكون إلا مكتوبا مقروءا ملفوظا، وإلا فلم يسمّ كتابا فافهم كما يفهم من الحديث الشريف . 
فإن لخاتم الولاية أسوة حسنة في خاتم النبوّة في الأخذ والعطاء فافهم.
فقال لي : هذا كتاب (فصوص الحكم) والمشار إليه هو المجموع المرتب الذي كان بيده صلى الله عليه و سلم، فإن المشار إليه لا يكون إلا موجودا. 
وأما قوله: هذا كتاب "فصوص الحكم" فيحتمل أن تكون التسمية من الحق تعالى، أو من النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان ظهور الحكم الختمية من يد الخاتم إلى يد الخاتم فناسب أن يكون فصوصا وعلى الحكم الخاتمية نصوصا. 
( خذه واخرج به ) : أي خذ الكتاب حسّا واخرج به شهادة . 
قال الشارح القيصري قدّس سره: واخرج به إلى الحسن بتعبيرك إياه وتقريرك معناه بعبارة تناسبه وإشارة توافقه . انتهى  كلامه . 
و هذا خروج عن ظاهر منطوق العبارة بلا ضرورة، فإنه قال: خذ الكتاب واخرج به والكتاب على رأي الشيخ رضي الله عنه كما فهمته سابقا ضمّ حروف رقمية، أو ضمّ معنى إلى صورة حروف، أو على الطريقين ليس الكتاب هو المعاني الصرفة وأيضا على رأي القيصري قدّس سره: يلزم تنزيل مرتبة الشيخ رضي اللّه عنه من الأكمل إلى الأدنى كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى فافهم . 
( إلى الناس ) : الناس مشتق من النسيان: أي خذه و أخرج به إلى الناس تذكرة للناسين
قال رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و مائتين من "الفتوحات" : 
إن علم الناس دائما إنما هو تذكّر، فمنا من إذا ذكر تذكّر أنه كان علم ذلك المعلوم ونسبه لذي النون المصري قدّس سره، ومنا من لم يتذكر مع إيمانه به أنه قد كان شهده كما أنساهم الله تعالى شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق، مع كونه قد وقع وعرفناه ذلك بتعريف إلهي، فافهم .
فالمراد من الناس المطلعون على الكتاب المذكور، وأمّا المتأهلون وهم أهل التذكرة فإذا ذكروا تذكّروا، وأمّا المتأهلون وهم أهل التقوى وأهل المغفرة وهم أهل الحجاب والستر القابلون للتعريفات الإلهية، ينتفعون به بإثبات النون خبرا عن الصادق وبشارة منه يتحقق النفع به البتة، فمن لم ينتفع به فليس من الناس، فافهم . 
وعلى الجملة الناظر إليه والمطلع عليه إمّا متحقق وإمّا متوقف فيه، وإمّا منكر له فالكل منتفع به وإن كانت المنافع مختلفة باختلاف القوابل . 
أمّا انتفاع المتحقق والمؤمن فظاهر، وأمّا المتوقف فيه فلو لا إيمانه ما توقف، وإمّا نفع المنكر . 
فقال رضي الله عنه في "الفتوحات": إن الكامل يعفو عمّن سمع بذكره، أو رأى أثره فسبه و ذمّه، وهذا ذقته من نفسي وإعطاء نية ربي بحمد الله، و وعدني بالشفاعة بهم يوم القيامة . 
ونقل رضي الله عنه فيها عن المشايخ أنهم أوّل ما يشفعون يوم القيامة فيمن آذاهم، فقيل :  المؤاخذة . 
وقال هذا نص أبي يزيد قدّس سره وهو مذهبنا، فإن المحسنين إليهم يكفيهم عين إحسانهم و العافين عن الناس هم المحسنون، ومن هذا المشرب ما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لربه عزّ و جل : 
"يا رب إني بشر أغضب كما يغضب البشر، اللهم من دعوت عليه أو سببته يعني في وقت غضبه، فأجّل ذلك حتى أنه يوما دعا صلى الله عليه وسلم على صبية صغيرة أضجرته فخافت من دعائه، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تخافي فقد سألت الله". رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
وذكر هذا الخبر فكان دعاؤه بالشرّ خيرا في حق المدعو عليه. ذكره الشيخ رضي الله عنه في "سرّ الألفاظ اليوسفية" فافهم.
(ينتفعون به) وأذن بالكتاب فانتفع كل من عليه أطلع.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:11 عدل 6 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الجمعة 24 أغسطس 2018 - 21:34 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الرابعة الجزء الأول .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قال رضي الله عنه : "فقلت : له السمع" بالنصب عامله محذوف تقديره : أنا سامع السمع.
(والطاعة)، أي وأنا مطيع الطاعة
(لله) لأنه الموجود الحقيقي والفاعل المؤثر
(ولرسوله)، لأنه خليفة الله الحقيقي وأقرب فاعل مجازي إليه تعالى
(وأولي) أي أصحاب .
(الأمر) الإلهي القائمين به علم وتنفيذه.
(منا)، أي من جنسنا وهي المرتبة الثالثة التي ظهر فيها الشيخ رضي الله عنه بذاته وعينه.
لأن الأولى مرتبة الله
والثانية مرتبة الرسول
والثالثة مرتبة أولي الأمر.
(كما أمرنا)، أي أمرنا الله تعالى بقوله :" و أطيعوا الله وأطيعوا أول وأولي الأمر منكم" آية 59 سورة النساء.
فإطاعة الله تعالى إطاعة الرسول، وإطاعة الرسول إطاعة أولي الأمر.
فالإطاعة واحدة تضاف إلى الله تعالى من حيث حقيقة الوجود.
وتضاف إلى الرسول من حيث ما هو المشهود.
وتضاف إلى أولي الأمر منا في حضرة القيود.
فالله مشهود فهو للرسول كما قال : "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله قوق أيديهم "آية 10 سورة الفتح.
ولم يذكر يد الرسول عليه السلام الغيبتها في يد الله، وإنما عبر عنها بيد الله.
والقياس : يدك فوق أيديهم، ولكن لما كانت مبايعته هي مبايعة الله كانت يده هي يد الله .
كذلك والرسول مقید بظهور مخصوص بل بظهورات كثيرة متنوعة.
فهو أولو الأمر منا، ويلزم من ذلك أن من عصى أولي الأمر فقد عصى الرسول.
ومن عصى الرسول فقد عصى الله .
(فحققت)، أي جعلت محققة
(الأمنية)، أي ما تمناه، أي طلبه مني رسول الله في الرؤيا من الخروج إلى الناس بكتاب "فصوص الحكم" لينتفعوا به.
وأخلصت في ذلك (النية)
فلم أنو إلا الخروج إلى الناس بما رأيت من رسول الله في تلك الرؤيا، فقیدت ظهوري في مقام شهودي بما يبصره الناس من تخاطيط حدودي
(وجردت) عن جميع التعلقات التقييدية المعتادة إلى قبل ذلك
(القصد) إلى ما ذكر
(والهمة) المحمدية التي شهدتها في عالم الخيال المقيد وظهرت بها في عالم الخيال المطلق
(إلى إبراز)، أي إظهار ولم يقل تصنیف ولا تأليف لكونه لم يتصرف فيما شهد من الحضرة المحمدية في تلك الرؤيا
(هذا) إشارة إلى محسوس عنده مجمل في تفصيل نشأته
(الكتاب) الذي هو «فصوص الحكم» وهو الوراثة المحمدية الجامعة أخذها من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج بها للناس من حضرته عليه السلام.
بالنسبة إليهم وأما بالنسبة إليه فلا خروج.
فتشهده الناس صورة محيي دينه وتشهد كتابه الذي أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة جامعة الحروف والأصوات .
ويشهد نفسه هو صورة محمدية غيبية شهادتها صورة كتابية ذات حروف وأصوات ، وبرزخيتها صورة وراثية جامعة المشارب النبيين عليهم السلام.
(كما)، أي على صورة ما
(حده)، أي بينه وحصره
(لي) في تلك الرؤيا
(رسول الله )، فتحققت به روحي
وكتبه قلم فتوحي في صحيفة لوحي.
(من غير زيادة) على ذلك (ولا نقصان)، منه فإن الزيادة والنقصان تغيير وتبديل لكتابه المنزل عليه من حضرة نبيه وهو محفوظ من ذلك.

شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
فأمرنا بانتفاع الكتاب على الوجه الأبلغ (فقلت السمع) أخذه وقبوله هذا القبض منه (والطاعة) تلقيه الأمر قبل الشروع بحسن القبول ووعده الجميل وهو الإخراج.
(لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا) تخصيص الطاعة بالمذكورين بالجمع المطلق .
إشارة إلى أن طاعة أحدهم عين طاعة الآخر فلا اختلاف في أصل الطاعة لأن الطاعة في الكل الأحكام الإلهية.
وعطف رسوله بإظهار اللام إشارة إلى أنه عليه السلام مرتبة الصفات فلا يستر ذاته تعالى بل يظهره ويبين الأحكام الإلهية.
وعطف أولي الأمر بإضمار اللام. إشارة إلى أن أولي الأمر مرتبة الأفعال فالعطف إشارة إلى ظهور الحق وأحكامه في مراتب أفعاله والإضمار إشارة إلى ستره فيها.
ولما بين سبب حصوله في قلبه وهو فيضه عليه السلان
بقوله : خذه . وأخذه بقوله : فقلت: السمع والطاعة والأمر بالإخراج ليس من أسباب الوجود الذهني بل من أسباب الوجود الخارجي.
فيكون الرسول وإعطائه مثلا مقدمة كلية من الشكل الأول .
والشيخ وأخذه بقوله : فقلت: السمع مقدمة أخرى صغراء.
فبهذين المقدمتين الصحيحين أوجد الله تعالى روح هذا الكتاب في قلب الشيخ.
شرع في بيان سبب وجوده في الشهادة وكيفية الإخراج على الوجه الذي أمر فقال : (فحققت الأمنية) تثبيت المطلوب وتصويره في ذهنه قبل الإبراز إليه.
(وأخلصت النية وجردت القصد والهمة) عن الاشتغال بالأغراض النفسانية سرا وعلانية .
فبهذه الأربعة التي كانت كالمقدمتين للشكل الأول المنتجتين للنتيجة الصادقة.
أيضا أوجد الله تعالى هذا الكتاب المعطى له من يد رسول الله عليه السلام في الشهادة.
فالغرض نزاهة الكتاب عن التلبي على الوجه الأبلغ ظاهرا وباطنا في وجوده المثالي الذي في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوده القلبي ووجوده الشهادي. فعلی هذا لا يجوز إضافة الأمنية إلى الرسول عليه السلام وإلا يلزم العدول عن الحقيقة إلى المجاز بلا نكتة .
لا سيما يستلزم تنافر الكلام وذلة عن سنن إخوانه وهو مخل للفصاحة .
(إلى إبراز هذا الكتاب) الثابت في الخارج بتعبير المؤيد بالاعتصام من الكتاب الثابت المحقق في الذهن أو في يد رسول الله.
أي ترجمت وجوده الشهادي من وجوده المثالي أو الذهني .
(كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان) ظاهر. ولما ورد من ظاهر كلامه أن يقال : لما لا يجوز أن يكون كل منها أو بعضها أي من تحقيق الأمنية وتخليص النية وتجريد القصد والهمة من التصرفات الشيطانية في صورة الحق ازال هذه الشبهة.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
و قوله رضي الله عنه : "فقلت السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده إلى رسول الله، عليه السلام، من غير زيادة ولا نقصان".
قلت: إنه يلفظ بالسمع والطاعة أي إطاعة في أن يترجم عن معانيه بلفظه ويقرب فهمه بالتنزل إلى مبالغ الناس، ولو كان لفظ هذا الكتاب هو لفظ رسول الله، عليه السلام، لم يكن فيه شعر لقوله تعالى: "ما علمناه الشعر وما ينبغي له" (یس: 69).
فإذن قوله: من غير زيادة ولا نقصان إنما يعني في معانيه.
ولذلك قال في دعاءه: (حتى أكون مترجما لا متحكما) فهو مترجم والترجمان هو الذي ينقل المعاني إلى لغة يعرفها من يترجم له بها.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قال الشيخ - رضي الله عنه - : "فحقّقت الأمنيّة وأخلصت النيّة " .
قال العبد : تحقيق كلّ شيء إدراك حقيقته ، والبلوغ إلى حقّيّته ، وإظهار حقيقته وحقّيّته عند الغير وله .
وقد يكون بمعنى أن يجعله حقّا ، كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السّلام : " هذا تَأْوِيلُ رُؤيايَ من قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " آية 100 سورة يوسف .
أي كانت رؤيا مشهودة في حضرة الخيال ، فجعلها ربّي موجودة في الحسّ يقظة .
وحقّيّة كلّ رؤيا وصورة ممثّلة أن توجد في العين وتتحقّق في الحسّ .
فمعنى قوله : « حقّقت الأمنية » أظهرتها في الحسّ .
وتسوغ إضافة الأمنيّة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإلى الشيخ رضي الله عنه فبمعنى أنّ الرؤيا له ، وأنّه هو المتكفّل ببيانها والمتفرّد بتبيانها وعيانها ، وهي أمنيّته فحقّقها .
أي أظهرها على ما أمر به في رؤياه ، فالأمنية على هذا ذات جهتين حقيقيّتين :
جهة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالأصالة ومن كونه آمرا بذلك .
وجهة إلى الشيخ رضي الله عنه لكونه هو المحقّق لها في الوجود الحسّي .
قال رضي الله عنه : "وجرّدت القصد والهمّة إلى إبراز هذا الكتاب " .
قال العبد : تجريد القصد والهمّة هو أن يكون أحديّ التوجّه والعزيمة فيما همّ به ونوى من غير أن يتخلَّله متخلَّل في ذلك .
قال رضي الله عنه  : " كما حدّه لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير زيادة ولا نقصان » لكونه ممتثلا أمره على ما أمره ، وعلى الوجه الذي أراده والحدّ الذي عيّنه ورسم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنّ مقام الأمانة لا يحتمل الزيادة والنقصان ".

شرح الفصوص الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قوله ( كما أمرنا ) أشار إلى قوله تعالى :" أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ".
قوله ( فحققت الأمنية ) أي جعلت أمنيتى حقا كأنه كان يتمنى أن يأخذ من الرسول هذا العلم والإذن بإفشائه ، فإذا رأى هذه الرؤيا تحققت أمنيته ، إذ كان الكتاب الذي أعطاه في المنام صورة هذا العلم الذي فاض من روحه عليه الصلاة والسلام عليه ( وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله من غير زيادة ولا نقصان).

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قوله: "فقلت: السمع والطاعة لله" بالنصب. أي، سمعت السمع وأطعت الطاعة لله، لأنه رب الأرباب. "ولرسوله" لأنه خليفته وقطب الأقطاب.
"وأولى الأمر" أي، الخلفاء والأقطاب الذين لهم الحكم في الباطن أو السلاطين والملوك الذين هم الخلفاء للخليفة الحقيقية في الظاهر.
وقوله: (منا) أي، من جنسنا وأهل ديننا.
وقوله: "كما أمرنا" إشارة إلى قوله: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى
الأمر منكم".
وإلى قوله: "وإذا وليتم أميرا فأطيعوه ولو كان عبدا حبشيا" .
وفي التحقيق كل الطاعة لله تعالى: تارة في مقام جمعه، وتارة في مقام تفصيله وأكمل مظاهره.
و قوله : (فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب، كما حده لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة ولا نقصان.)
أي، جعلت أمنية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حقا محققا، أي، ثابتا في الخارج وظاهرا في الحس بتعبيري إياه وإظهاري فحواه على النفوس المستعدة الطالبة لمعناه.
كما قال تعالى حكاية عن يوسف، عليه السلام: "هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا". أي، أخرجها وأظهرها في الحس. فاللام للعهد، أو عوض عن الإضافة.
و "الأمنية" هو المقصود والمطلوب. وإنما أضفناها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دون الشيخ، لأن الآمر بالإخراج هو الرسول والشيخ مأمور، أراد ذلك أو لم يرد.
اللهم إلا أن يقول الشيخ طلبه بلسان استعداد عينه وروحه عن حضرة روح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحينئذ تكون الأمنية من طرفه.
والأول أولى. وإطلاق هذه اللفظة المأخوذة من "التمني" على الأنبياء سائغ، كما
قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته".
وتجريد القصد والهمة، إنما هو عن الأغراض النفسانية والالقاءات الشبهية الشيطانية.
فإنه يلقىفي القلب عند كل حال من الأحوال ما يناسبها، والعارف المحقق يعلم ذلك فيخلصها عما ألقاه لأنه المؤيد بنور الله.
قوله: "كما حده" أي، عينه من غير زيادة منى في المعنى أو نقصان.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
(فحققت الأمنية) أي: لما أمرت بأخذ ذلك الكتاب وإخراجه إلى الناس الموجبين للفوز برتبة
الكمال والتكميل في علوم تتزين بها، وتكمل بقية العلوم اليقينية التي هي مناط أعلى مراتب السعادة الأبدية.
وهي علوم الكل من الأنبياء عليهم السلام - أدركت أمنيتي محققة إذ وجدت ذلك عن كشف تام نبوي على يدي أكملهم، وليس للولي الاطلاع على ذلك بنفسه.
كان رضى الله عنه يتمنى ذلك مدة مديدة منذ أطلعه الله، وأشهده أعيان رسله وأنبيائه في مشهد أقيم فيه بـ «قرطبة" سنة ست وثمانين وخمسمائة على ما يأتي في فص هود عليه السلام ذكره الشيخ رضى الله عنه في المنام لبعضهم.
(وأخلصت النية) أي: جردتها عن طلب العوض من الثناء والثواب يجعلها مجرد قصد الامتثال إذ تركه يوجب النزول عن الرتبة العالية التي يخلص فيها الكشف عن شوب الوهم والخيال.
(وجردت القصد والهمة) عن توجيههما إلى ما سوى الامتثال؛ ليتم السمع والطاعة فتصح الاستقامة؛ فلا يكون الكشف إلا به إدراجا فيخاف اختلاله بشوب الوهم والخيال، فجعلتهما متوجهين (إلى إبراز هذا الكتاب)، إلى عالم الشهادة.
(كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة)، إذ لو زاد و میز لم يكن الكل فصوص الحكم لاختلاط الأدنى بالأعلى، وإلا كان مع ذلك مفتريا على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد نهى الشيخ له أن يجلد كتابه هذا مع كتاب آخر له أو لغيره.
(ولا نقصان)، لما فيه من كتمان ما أمر بتبليغه فيدخل تحت قوله تعالى: "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" [المائدة: 67].

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا . فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
فقال رضي الله عنه : ( فقلت : السمع والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منّا كما أمرنا ) إشارة إليه .
ولا يخفى أنّ هذا الأمر وإن كان ظاهرا من خاتم النبوّة - صورته المثاليّة - ولكنّه تحقيقا منه ومن الله ومن صاحب الزمان ، وهو يحتمل أن يكون الشيخ نفسه على ما يؤمي إليه « منّا » .
( فحقّقت الامنيّة ) أي جعلت امنيّة إظهار هذا الكتاب منه أو من الخاتم حقّا ، بجعل الواقع مطابقا لها . ولمّا كان إصدار الجزئيّات وتسطير النقوش الدالَّة على ما في الكتاب وإبرازها من مكامن القوّة والإمكان إلى مجالي الفعل والعيان إنّما يتمّ بأمور ثلاثة - :
الأوّل تعقّلها ، وهو الهمّة ،
والثاني تخيّلها وهو القصد
والثالث انعقاد جمعيّة الجوارح وتوجّهها جملة نحو تحصيل المتخيّل وتصويره، وهو النيّة.
إلى ذلك أشار بقوله رضي الله عنه : ( وأخلصت النيّة وجرّدت القصد والهمّة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، من غير زيادة ولا نقصان ) .
ولا يخفى أنّ تحقيق تلك الامنيّة وإبراز ذلك الكتاب من المكامن المعنويّة وسواد بطونه إلى المظاهر الصوريّة الحرفيّة ، وبياض زبره وتسطيره - معصوما عن التغيير والتبديل والزيادة والتقصير في طريق إبرازه ومكامن إخراجه من المدارك المعنويّة الفكريّة والمشاعر الخياليّة المثاليّة ، والمخارج اللفظيّة الكلاميّة ، والصحائف الرقميّة الكتابيّة .
ممّا لا يفي به قوّة البشر ، ولا يتيسّر ذلك لأحد من الكمّل فإنّها مثار السهو والتحريف ، ومواقع الغلط والتصحيف على ما ورد في التنزيل " وَما أَرْسَلْنا من قَبْلِكَ من رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِه ِ "
اللهم إلَّا أن يكون خاتما قد أسلم شيطانه على يده  .
ثمّ لمّا استشعر أن يقال ذلك ، ويتوهّم إنّ إخراج الكتاب على ذلك الحدّ ممّا لا يمكن أن يتيقّن به ، دفع ذلك على طريقة الأدب في صيغة الدعاء والطلب قائلا أوّلا على سبيل الإجمال وعموم الأحوال.

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
(فقلت: السمع والطاعة الله) لأنه رب الأرباب (ولرسوله) لأنه خليفته وقلب الأقطاب (وأولي الأمر) أي الخلفاء الذين لهم الحكم في الباطن.
أو الملوك الذين هم الخلفاء للخليفة الحقيقي في الظاهر (منا) أي من نوعنا وأهل ديننا (كما أمرنا به) في قوله تعالى : "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" آيه 54 سورة النساء.
وفي التحقيق : الطاعة كلها الله سبحانه تارة في مقام جمعه وتارة في منام تفضيله.
ويمكن أن تجعل الإشارة في الوجوه الثلاثة:
إلى طاعته صلى الله عليه وسلم من ثلاث حيثيات :
أحدها من حيث كونه صلى الله عليه وسلم مظهرة لاسم الله .
وثانيها من حيث كونه صلى الله عليه وسلم رسولا منه .
وثالثها من حيث كونه الولي، الأشهر على جميع الكمال .
(فحققت الأمنية)، أي أدركت حقيقة أمنيته و مراده صلى الله عليه وسلم بالكتاب الذي أعطانيه بتحديده وتعيينه أمنيته ومراده به.أو جعلتها محققة في الخارج.
فعلى الأول يكون المقصود من الإبراز في قوله فيما بعد:
إلى إبراز هذا الكتاب إخراجه من العلم إلى العين.
وعلى الثاني إبرازه بعد ذلك الإخراج إلى المنتفعين به.
(وأخلصت إليه) عن الأغراض النفسانية (وجردت القصد والهمة) عنها قصرت إحدى القصد والهمة فيما هممت به من غير أن يشوبه شائبة غرض (إلى إبراز هذا الكتاب ) من العلم إلى العين .
أو إلى المنتفعين به (كما حده لي) وعين (رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة مني)، أي بأن أبرز ما حده صلى الله عليه وسلم لي (ولا نقصان) بأن لا أبرز بعض ما حده صلى الله عليه وسلم فإن مقام الأمانة لا يحتمل الخيانة بالزيادة والنقصان.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:09 عدل 8 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة السبت 1 سبتمبر 2018 - 11:58 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الرابعة الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا . فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
(فقلت: السمع و الطاعة لله و لرسوله و أولي الأمر منا كما أمرنا ). 
أشار إلى امتثال قوله تعالى: "أطِيعوا اللّه وأطِيعوا الرّسُول وأولي الْأمْرِ مِنْكُمْ" [ النساء: 59] و هم الأقطاب والخلفاء والولاة منا ولهم لأمر فيما هو مباح لهم ولنا، فإذا أمرونا بالمباح و أطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع الله فيما أوجبه عليه.
وذلك لأنه إذا أمر الإمام المفترض الطاعة بأمر مباح وجبت إطاعته، وارتفع حكم الإباحة، فافهم لتعلم ما منزلة الخلافة والإمامة وما أثمرت هذه المرتبة. 
فكأنه قال رضي الله عنه: السمع و الطاعة للمتحقق بأحدية الجمع، والمتنزل إلى مرتبة الفرق بالرسالة، و المتلبس بخلعة الخلافة و النيابة آمرا و ناهيا من نبي وأطعته بالانقياد له مع تحقيقي بمرتبة الجمع لتحقيقي بجمع الجمع، فافهم
وإنما أظهر رضي الله عنه اللام في الرسول ليفصل بين الحق والخلق بإعادة حروف الجر ولم يجمع بين الله و الرسول فيه إشارة إلى بعد الحقائق الخفية والخلقية . 
ورد في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم قال لخطيب : "بئس الخطيب أنت". رواه مسلم و أبو داود و النسائي.
لما سمعه قد جمع بين الله تعالى ورسوله في ضمير واحد لا يوحي من الله تعالى ومن يعصمها، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم كفاية لمن أنار الله بصيرته . 
أما ترى عدم إظهار اللام في قوله رضي الله عنه: و أولي الأمر منا بلا إعادة لقرب المناسبة و الدلالة على أنهم منه صلى الله عليه و سلم . 
قال الله تعالى: "لقدْ جاءكُمْ رسُولٌ مِنْ أنْـفُسِكُمْ" [ التوبة: 128] . 
فمن شدة الملابسة حذف اللام في الثاني، و لبعد المناسبة أثبت في الأول ليكون أدل على الفصل فافهم . 
قال الشيخ قدس سره: [فحققت الأمنية، و أخلصت النية و جردت القصد و الهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير زيادة و لا نقصان و سألت الله تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، و أن يخصني في جميع ما يرقمه بناني و ينطق به لساني و ينطوي عليه جناني بالإلقاء السّبوحي و النفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي حتى أكون مترجما لا متحكما، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها  التلبيس] .
قال الشارح: قوله رضي الله عنه: (فحققت الأمنية ) أي جعلت مواد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، وأظهرت عتبة في الخارج إخراجا محققا. 
قال الشارح القيصري قدّس سره: أي جعلتها حقا محققا أي ثابتا في الخارج و ظاهرا في الحس بتعبيري إياه، و إظهاري فحواه. 
كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: هذا تأويلُ رؤياي مِنْ قبْلُ قدْ جعلها ربِّي حقًّا" [ يوسف: 100]: أي أخرجها في الحس انتهى كلامه . 
اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن تعبير الرؤيا عند المصنف رضي الله عنه هو الجواز عن صورة ما رآه إلى صورة أخرى.
والتأويل عبارة عما يؤّوّل إليه تلك الرؤيا ويراد منها، والرؤيا موطن التعبير والتأويل كان ما كان، والرأي كان من يكون هذا مذهبه رضي الله عنه، فالتعبير جواز من صورة المرئي إلى صورة تناسبها. 
فلهذا قال الشيخ رضي الله عنه: إن التجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر وهو علم المناسبات تدرك به ما أراد الله بهذا مثلا أن المعاني التي رؤيت في الرؤيا يأخذها، و يكسبها ألفاظ و يعبر بها عن المعاني التي رآها كما يفعل لإخبار معناها وإعلام فحواها.
وذلك وإن كان تعبيرا ولكن ليس هو التعبير المصطلح الذي نحن بصدد بيانه وما ذلك إلا مغالطة واشتباها . 
وأما قوله قدّس سرّه: إن هذه الحكاية كحكاية يوسف عليه السلام . 
قال تعالى: "هذا تأويلُ رؤياي مِنْ قبْلُ قدْ جعلها ربِّي حقًّا" [ يوسف: 100] . 
فليست الحكاية كالحكاية ولا الرؤيا كالرؤيا، وكيف لا؟
و رؤية يوسف عليه السلام هي المثل المضروب، وهي رؤية الإخوة، و الأبوين ساجدين له على صورة الكواكب، والشمس، والقمر فصدق في قوله عليه السلام: هذا تأويل رؤياي فإنه جاوز، وعبر من صورة إلى صورة أخرى أريد منها قد جعلها حقّا في الخارج، فعرف أن الذي رآه  أريد منها هذه إلا ما رأى من الكواكب، والشمس، والقمر فأين صورة رؤياه عليه السلام ؟
فإنها مثل مضروب وجسر يعبر، وصورة مسألتنا .
فإنه رضي الله عنه أمر بإبراز عين الكتاب بلا تأويل و لا تعبير سيما إن كانت صورة واقعته رضي الله عنه في الرؤيا كما قررناه، فيكون في اليقظة عند اتخاذ المدارك، فيرى في اليقظة ما يرى في المنام، و لا يسمّى ذلك رؤيا المنام لأنه في اليقظة، فافهم . 
( و أخلصت النية ): أي جعلتها للإطاعة خالصة، فجردت القصد. 
( فجردت القصد والهمّة) القصد : التوجه فى الصدق والإخلاص لله ورسوله.
والمراد من الهمّة الهمّة الحقيقية التي هي جمع الهمم بصفاء الإلهام .
فتلك همم الشيوخ الأكابر من أهل الله، فتجريدها جمع الهمم، و تفريدها بأحدية الهمّة و جعلها همّة واحدة لأحدية المتعلق كما أن تجريد القصد أن تجعل المقاصد المتكثرة مقصدا واحدا هربا من الكثرة لتوحيد الكثرة أو للتوحيد، فافهم . 
إلى إبراز هذا الكتاب قوله رضي الله عنه: هذا الكتاب مشير إلى أنه كان بالألفاظ و الحروف المرتبة و ذلك لأن مخدرات المعاني من حيث أنها معان صرفة قاصرات الطرف ما تبرجن عن خيام المراتب، و لا تبرزن إلى مراتب الصون إلا مبرقعات بحجاب صور الألفاظ، و الحروف، و القوالب . 
فلهذا ما أمر رضي الله عنه إلا ليبرز ما كان مستورا و هو كتاب فصوص الحكم حيث كان في أمر الكتاب مسطورا كما حدّها لي رسول الله صلى الله عليه و سلم، يشير إلى ما صرّح رضي الله عنه في آخر الخطبة بأن ما وقف عليه لا يسعه كتاب ولكن ما أظهر .
( إلا ما حدّه لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ): أي بحدود الألفاظ، و رسوم قوالب العبارات المدوّنة المبوّبة المسمّاة بفصوص الحكم، فإنه كتاب فصّلت آياته، و خطاب بينت متشابهاته، فمحكماته متشابهات، و متشابهاته محكمات من غير زيادة و لا نقصان.
ولو رام رضي الله عنه زيادة على ذلك ما استطاع لأنه غير مختار بل هو فيه  مجبور مقهور، فإنه الحضرة حضرة الأمانة.
(من غير زيادة و لا نقصان) فكما لا تقبل النقصان كذلك لم تقبل الزيادة فإن التصرف بغير الإذن خيانة مع أن الزيادة في غير محلها نقصان و جناية.
أما ترى أن الأصابع خمسة فإن زادت فالزائد منها نقص .  
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 1 أكتوبر 2018 - 13:45 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 5 سبتمبر 2018 - 13:49 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الخامسة الجزء الأول .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
(وسألت)، أي دعوت (الله) تعالى (أن يجعلني) بمحض فضله وإحسانه (فيه)، أي في إبراز هذا الكتاب
(وفي جميع أحوالي) الظاهرة والباطنة (من) جملة (عباده) المخلصين
(الذين ليس للشيطان عليهم سلطان)، أي تسلط بإغواء وإضلال أو زيادة في الحق أو نقصان منه .
قال تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين "آية 42 سورة الحجر .
وقال تعالى حكاية عن الشيطان: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين "آية 82 - 83 سورة ص .
فعلم من ذلك أن الإخلاص هو الذي يحفظ العبد من إغواء الشيطان لا ما عداه من الأحوال.
ومثله التوكل على الله تعالى كما قال تعالى : "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون"آية 99 سورة النحل.

شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
فقال : (وسالت الله أن يجعلني فيه) أي في هذا الكتاب وفي جميع أحوالي من الأمور الدينية والدنيوية .
وتعميم السؤال للمبالغة في التنزيه (من عبادة الذين ليس للشيطان عليهم سلطان) أي حجة وغلبة .
فالله تعالى أجاب ما سأل عبده لقوله تعالى : "أجيب دعوة الداع إذا دعان" 156 سورة البقرة.
ولقوله: "أدعوني استجب لكم" 60 سورة غافر.
ولا يحتمل تسلط الشيطان في عمله ببركة هذا السؤال الخالص المخلص لله تعالى. ولما ورد من ظاهر الكلام أيضا أن يقال : هب أن التنزيه قد حصل بهذا الدعاء في أسبابه القلبية .
فلم لا يجوز أن يقع التلبيس في أسبابه الصورية من الرقم والنطق والقلب حين التوجه إلى الرقم أو النطق عمم التنزيه عن التلبيس بأبلغ الوجوه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
قوله رضي الله عنه :"سألت الله تعالى وفي جميع أحوالی من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان"
قلت: "يعني بالذين ليس للشيطان عليهم سلطان"، أهل التجلي الأسمائي الجامع لمعاني الأسماء الحسنى . التي ذكر أنها لا يبلغها الإحصاء وطريق كونهم ليس للشيطان عليهم سلطان ليس هو أن لا يوسوس في صدورهم فإن ذلك لا بد منه.
فإن الله تعالى يقول:" إلا إذا تم ألقى الشيطان في أمنيته " الآية (الحج: 52).
فأما في حضرة ولاية الرسول عليه السلام، وولاية الأولياء من أمته فالنسخ يكون بالتجلي الإلهي الذي يرون فيه أن وسوسة الشيطان هي من أحكام تجلي الاسم المضل.
وأما في مقام نبوته، عليه السلام، ونبوة الأنبياء من قبله فالنسخ يكون بما يأتي به جبرئيل، عليه السلام، إليهم مما يحكم الله به آیاته.
لأن مقام نبوته، عليه السلام، ونبوة الأنبياء هو من مقام الوحي الذي يأتي به جبرئیل علیه السلام، والملائكة.
لأن مقام النبوة المحمدية دون مقام ولايته، عليه السلام، لأن ولايته هي حالة أخذه عن الله تعالی بغیر واسطة الملك بل منه تعالی بلا واسطة .
ولذلك قال عليه السلام: «لي مع الله وقت لا يسعني فيه غير ربی» إن صح الخبر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
يشير رضي الله عنه إلى قوله تعالى : " وَما أَرْسَلْنا من قَبْلِكَ من رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِه ِ فَيَنْسَخُ الله ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آياتِه ِ "آية 22 سورة الحج .
يعني رضي الله عنه : لمّا تمنّيت ما منّاني رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم فإنّي أرجو من الله أن لا يكون للشيطان عليّ سلطان .
وقوله : « أرجو » لسان أدب مع الله فإنّه على اليقين ممّن قال الله فيهم : " إِنَّه ُ لَيْسَ لَه ُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"آية 99 سورة النحل.
لكونه رضي الله عنه مستكملا درجات الإيمان ، فحائز منه إلى حقيقة الشهود والإحسان ، متحقّقا على مقامات التوكَّل على الإيقان والإتقان .
فيخرج قوله : « أرجو » مخرج قوله : إنّ في الحقيقة درجة واحدة لا يصلح أن تكون إلَّا لرجل واحد ، وأرجو أن أكون ذلك الرجل فإنّه محقّق عند المحقّقين أنّه - صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك الرجل على التعيين ، ولكنّ الأدب مع الله أعلى مقامات المحقّقين ، وأكمل درجات الكمّل المقرّبين .
ولأنّ مواضع إلقاء الشياطين - التي يستعيذ بالله منها جميع العائذين - إنّما تكون في النطق عند التلاوة ، أو حال كتابة إلقاء الله ووحيه إلى أهل وحيه ، أو في الخاطر والهاجس ، وذلك في الجنان وهو محلّ الضمائر من القلب في ظاهره ، لأجل ذلك .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
أي يخصني فيما أكتب وأقول.
ويقع في قلبى بالخاطر الحقانى السبوحى من الحضرة الأحدية بلا واسطة وبواسطة الروح وهو الملك كما قال صلى الله عليه وسلم « نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها » .
والخواطر أربعة :
الحقانى والملكي وهما اللذان سألهما في دعائه .
والشيطاني وهو الذي اعتصم باللَّه منه في قوله وأن يجعلني فيه وفي جميع أحوالى من عباده الذين ليس للشيطان عليه سلطان ، أي تسلط بوسوسة.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
و "سألت الله أن يجعلني فيه" أي، في إبراز هذا الكتاب (وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان).
أي، تسلط وغلبة. قال عز منقائل: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان."
واعلم، أن عباد الله، الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، هم العارفون الذين يعرفون مداخلة الواقفون مع الأمر الإلهي لا يتعدون عنه.
والموحدون الذين لا يرون لغيره وجودا ولا ذاتا، ولا يعلمون الأشياء إلا مظاهره ومجاليه، فيكون عباداتهم وحركاتهم وسكناتهم كلها بالله من الله إلى الله لله.
قال الله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"والذين يعبدون الله من حيث ألوهيته وذاته المستحقة للعبادة، لا من حيث أنه منعم أو رحيم.
فإن عبد "المنعم" لا يكون عبد "المنتقم" وعبد "الرحيم" لا يكون عبد "القهار" ولا لدخول الجنة ولاللخلاص من النار، فإنه حينئذ عبد حظه وأسير نفسه فلا يكون عبد الله.
لذلك أضافهم الحق إلى نفسه في قوله: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان".
وفيه أقول:
عبدنا الهوى أيام جهل وإننا ... لفي غمرة من سكرنا من شرابه
وعشنا زمانا نعبد الحق للهوى ... من الجنة الأعلى وحسن ثوابه
فلما تجلى نوره في قلوبنا ... عبدنا رجاء في اللقاء وخطابه
فمرجع أنواع العبودية الهوى ... سوى من يكن عبدا لعز جنابه
ويعبده من غير شئ من الهوى ... ولا للنوى من ناره وعقابه
ولا بد أن يعلم أن هؤلاء محفوظون من الأعمال الشيطانية، لا من الالقاءات والخواطر.
كما قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته". لذلك قيد بالأحوال.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
(وسألت الله تعالی)، مخافة تغليط الشيطان بتغيير الرؤيا بإيهام رؤية غير المرئي، ونسيان البعض.
(أن يجعلني فيه)، أي: في إبراز هذا الكتاب على الحد المذكور، (وفي جميع أحوالي)، إذ لو تطرق في بعض الأحوال لم يؤمن أن يتطرق في إبرازه أيضا.
(من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان)، بالإضلال والوسوسة.
كما قال تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " [الحجر: 42].
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
قال رضي الله عنه : "وسألت الله أن يجعلني في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان".
وثانيا على سبيل التفصيل وخصوص ما هو بصدده من التحقيق

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
(وسألت الله سبحانه أن يجعلني فيه)، أي في إبراز هذا الكتاب (وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان)، أي تسلط و غلبة .
إشارة إلى قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" آية 42 سورة الحجر.
وهم العارفون الذين يعرفون مداخله الواقفون مع الأمر الإلهي لا يتعدون عنه.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 15 يوليو 2019 - 20:15 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الإثنين 1 أكتوبر 2018 - 11:27 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة الخامسة الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامسة : الجزء الثاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.)
( و سألت الله تعالى) فسأل الكل من الكل . 
قال تعالى: "وآتاكُمْ مِنْ كُل ما سألتمُوهُ وإنْ تعُّدوا نعْمت اللّهِ لا تحْصُوها إنّ الِإنسان لظلُومٌ كفّارٌ" [ إبراهيم: 34] . 
قال رضي الله عنه في الباب السابع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
إن من ينزل عن سؤال أعظم لذة من النزول عن غير سؤال، فإن في ذلك إدراك البغية، و ذلة الافتقار، و إعطاء الربوبية حقّها، و العبودية حقها، فإن العبد مأمور أن يعطي  كل شي ء حقه كما أعطي الله كل شي ء خلقه . 
و في العلم المنزل عن السؤال من علو المنزلة ما لا يقدّر قدره إلا الله، و أما تعيين السؤال إذا كان فيما يرجع إلى أمر الدارين، فليعين ما شاء و لا مكر فيه، و لا تمايله هكذا ذكره الشيخ رضي الله عنه . 
( أن يجعلني فيه ): أي في الإبراز المذكور."كتاب فصوص الحكم"
(و في جميع أحوالي) من عباده إنما قال: من عباده رغبة منه إلى مرتبة العبودية المحضة الخالصة، فإنها أعلى مراتب العبد . 
قال رضي الله عنه: إذا أقامك الحق في مقام العبودية المطلقة التي ما فيها ربوبية فأنت خليفة له حقا، فإنه لا حكم للمستخلف فيما ولي فيها خليفة عنه جملة واحدة و الخليفة استقل بها استقلالا ذاتيا . 
قال تعالى في معرض المدح: "سُبْحان الّذِي أسْرى بعبْدِهِ " [ الإسراء: 1] . فجعله عبدا محضا، و جرده من كل شيء حتى يكون له كل شيء فأسري به ليكون يسري به فما أضاف إليه شيئا، بل جعله مجبورا لاحظ له في الربوبية فافهم .
( الذين ليس للشيطان عليهم سلطان )، قال تعالى: "إنّ عِبادِي ليْس لك عليْهِمْ سُلْطانٌ" [ الإسراء: 65] . 
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب الثاني والتسعون ومائتان في معرفة منزل اشتراك عالم الغيب وعالم الشهادة من الحضرة الموسوية :
"فاعلم يا أخي أني تتبعت ما حكي عن إبليس من الحجج فما رأيت أقصر منه حجة ولا أجهل منه بين العلماء فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكى عنه سهل ابن عبد الله تعجبت وعلمت أنه قد علم علما لا جهل فيه .

فهو أستاذ سهل في هذه المسألة وأما نحن فما أخذناها إلا من الله فما لإبليس علينا منة في هذه المسألة بحمد الله ولا غيرها وكذا أرجو فيما بقي من عمرنا وهي مسألة أصل لا مسألة فرع فإبليس ينتظر رحمة الله إن تناله من عين المنة والجود المطلق الذي به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب وبه تاب على من تاب وأصلح فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ عن التقييد في التقييد فلا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه." أهـ

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء 3 أكتوبر 2018 - 10:58 عدل 13 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الإثنين 1 أكتوبر 2018 - 11:28 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة السادسة الجزء الأول .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
قال رضي الله عنه : (وأن يخصني) لأقوم بخدمة إخواني المؤمنين .
(في جميع ما يرقمه)، أي يكتبه في تصانيفي وتأليفي المنثورة والمنظومة .
(بناني)، أي يدي
(وينطق به) في تقريري وتحقيقي للمريدين والطالبين.
(لساني)، من الفوائد والمسائل
(وينطوي)، أي ينكتم ويخفي عن الغير .
(عليه) من المعارف الإلهية والحقائق الربانية.
(جناني) بالفتح، أي قلبی.
(بالإلقاء) متعلق بي يخصني، وهو قذف الحق والصواب في القلوب والألباب ، ويكون هذا الإلقاء بواسطة ملك الإلهام وبغير واسطة من ذي الجلال والإكرام.
(السبوحي)، أي المنسوب إلى سبوح وهي كلمة مبالغة في تسبيح الله تعالى، أي تنزيهه عما يدركه البصر والبصيرة.
وذلك لأن القلب إذا تطهر بالتسبيح تفرغ للفيض الإلهي فعلی قدر فراغه من الأكوان يمتلىء من أنوار الرحمن .
(والنفث) : وهو النفخ مع بعض رطوبة مائية.
(الروحي)، أي المنسوب إلى الروح.
قال تعالى: "ونفخت فيه من روحي" آية 29 سورة الحجر .
فبالنفخ ظهر الرحمن في صورة آدم عليه السلام وبنيه ونفخ الجمال غیر نفخ الجلال.
فإن النفخ في النار الخامدة يوقدها للجلال وفي النار الموقدة يخمدها للجمال.
كأنه مع بعض رطوبة نورية فهو النفث والنور يخمد النار.
"ومن لم يجعل له له نورا فما له من نور" آية 40 سورة النور.
ولا شك أن الجسد المستوى الآدمي قبل نفخ الروح فيه مستعد لذلك كاستعداد الغريب لأخبار أهله متشوق إليها متشوق لديها.
فإذا ورد عليه خبر الحق بالنفخ الروحي الذي هو كلام الله تعالى المكتوب منه بلا حرف ولا صوت.
فإما أن يسره بما له عنده فيطفئ ناره ويبرد أواره، أو يسوءه فيوقد جحيمه ويورث أليمة.
فالنفث نظير قوله تعالى لنار إبراهيم عليه السلام: " يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم" آية 69 سورة الأنبياء.
فتستحيل نار المنفوث فيه نورا، ويعظم له من الله تعالى السلام ويزداد لديه ظهورا، ولهذا كان من أنواع الوحي النبوي النفث في الروع أو القلب، وهو في الولي وراثة من مقام النبوة .
(في الروع) متعلق بالنفث (النفسي) نعت للروع أي المنسوب إلى النفس وهو القلب الصنوبري في الجانب الأيسر من تجويف الصدور.
(بالتأييد) متعلق بالنفث ، أي مقرونة بالتأييد، أي التقوية والنصرة
(الاعتصامي) منسوب إلى الاعتصام وهو الثقة بالله في كل حال

شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
فقال : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناتي) من الكتاب وغيره قدم اهتماما للتنزيه لزيادة قربه من الخطأ والتلبيس فتنزيهه أهم من غيره (و) في جميع (ما ينطق) أي يتلفظ (به لساني) من ألفاظ الكتاب وغيره.
(و) في جميع (ما ينطوي) أي يشتمل عليه (جناني) بفتح الجيم أي قلبي من معاني الكتاب وغيره .
وتأخيره إشارة إلى أنه قد حصل تنزيهه سابقا، وذكره ههنا اهتماما لشأنه في التنزيه.
وإلا أي وإن لم يحصل التنزيه سابقا لقدم على غيره ههنا.
أو إشارة إلى الجهتين أعني جهة حصوله في ذهنه وجهة وسيلته للوجود الخارجي فهناك نزه من حيث الحصول في الذهن .
وههنا من حيث الوسيلة (بالإلقاء السبوحي) أي وأن يخصني بالإلهام الرحماني المنزه عن مداخل الإلقاء الشيطاني.
(والنفث الروحي) أي وأن يخصني بفيض الروح الأعظم على الأرواح المقدمة عن التصرفات الشيطانية.
(في الروع النفسي) أي في القلب المنسوب إلى الصدر ظرف للنفس أو الإلقاء على سبيل التنازع بضم الراء وسكون الواو وبفتح النون وسكون الفاء.
(بالتایید الاعتصامي) أي وأن يخصني مع التأييد المنسوب إلى الاعتصام الذي من تأيد واعتصم بهذا الاعتصام فقد هدي إلى صراط مستقیم.
ولما بين كيفية الوصول من يد رسول الله عليه السلام على الوجه التنزيهي عن التلبيس .
بقوله : "فإني رأيت رسول الله عليه السلام" الخ ثم بين كيفية الوصول من يده إلى الشهادة على أبلغ الوجوه التنزيهي عن التلبيس.
بقوله : "فحققت الأمنية وأخلصت النية" أراد أن يبين ما هو المقصود منه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
قوله رضي الله عنه : "وأن يخصني في جميع ما يرقمه بنانی وینطق به لسانی وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامی".
أهل التجلي الأسمائي الجامع لمعاني الأسماء الحسنى . التي ذكر أنها لا يبلغها الإحصاء وطريق كونهم ليس للشيطان عليهم سلطان ليس هو أن لا يوسوس في صدورهم فإن ذلك لا بد منه.
فإن الله تعالى يقول:" إلا إذا تم ألقى الشيطان في أمنيته " الآية (الحج: 52).
فأما في حضرة ولاية الرسول عليه السلام، وولاية الأولياء من أمته فالنسخ يكون بالتجلي الإلهي الذي يرون فيه أن وسوسة الشيطان هي من أحكام تجلي الاسم المضل.
وأما في مقام نبوته، عليه السلام، ونبوة الأنبياء من قبله فالنسخ يكون بما يأتي به جبرئيل، عليه السلام، إليهم مما يحكم الله به آیاته.
لأن مقام نبوته، عليه السلام، ونبوة الأنبياء هو من مقام الوحي الذي يأتي به جبرئیل علیه السلام، والملائكة.
لأن مقام النبوة المحمدية دون مقام ولايته، عليه السلام، لأن ولايته هي حالة أخذه عن الله تعالی بغیر واسطة الملك بل منه تعالی بلا واسطة .
ولذلك قال عليه السلام: «لي مع الله وقت لا يسعني فيه غير ربی» إن صح الخبر.
وأما مقام رسالته فهي تحت مقام نبوته لأنها الحالة التي تكون فيها، عليه السلام، مخاطبا لنا وحاله في مقام النبوة مخاطبا للملك وحال ولايته هو مقام لا يصل إليه جبرئيل الذي هو سيد الملائكة .
وقد ذكر شيخنا محيي الدين، رضي الله عنه، هذه الثلاثة مقامات و میز مراتبها في قوله:
مقام النبوة في برزخ      …. دوین الولي وفوق الرسول
أي دون ولايته وفوق رسالته، عليه السلام.
ويعني بالإلقاء السبوحي، الإلقاء الذي من جهة الله سبحانه وتعالى أو من جهة الملك لا مما يكون من طريق الفكر والعقل . فإن السبوحي منسوب إلى سبحان الله ومعناه تنزيه الله تعالی.
ومعنى قوله النفث الروحي يعني النفخ في الروح، والروع هو القلب .
ومعنى التأييد الاعتصامی، حمايته، عليه السلام، الورثة من أمته أن يحتجب عنهما طريق الهداية قال الله تعالى: "ومن يعتصم بالله فقد هدى" 101 آل عمران.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
قال رضي الله عنه: « في جميع ما يرقمه بناني » .
يعني عند الكتابة « وينطق به لساني » في الكلام « وينطوي عليه جناني » حتى يعمّ مواضع الإلقاء أجمع.
فلم يترك محلَّا مخلَّى يتخلَّل منه شيطان ولكن هذا أيضا لسان أدب في العموم من أهل الإلقاءات ، وإلَّا فإنّ الكامل الملقى إليه من الله قد وسع الله قلبه ووسعه فأملأه ، فليس لغيره فيه موضع أو مطمع .
والهواجس إنّما تهجس في ظاهرية القلب ممّن لم يطهّر محلّ الإلقاء .
ولكنّه رضي الله عنه  محفوظ معصوم في أعلى درجات الحفظ والعصمة من مبدأ أمره وفتحه فقد بقي سبعة أشهر بلا خاطر كونيّ ، فلم يخطر له في هذه المدّة المديدة ولم يرو عن غيره من المتقدّمين والمتأخّرين مثل ذلك - على ما سيتلى عليك في موضعه .
ولكن هذا سرّ للخواصّ ، وهو أنّه لمّا كان الكامل بحيث ليس شيء إلَّا وله نسبة إليه ورقيقة منه رابطة في جميع العوالم .
ومن تلك الرقيقة تصل إليه المادّة من الفيض الإلهي ، وإلَّا لانعدم ذلك الشيء ، والشيطنة مرتبة كلَّية عامّة لمظاهر الاسم « المضلّ » ، فلا بدّ من نسبة ورقيقة بها تجيء حقائقهم في وجودهم ، فطردها رضي الله عنه بأمر الله الذي لا يردّ عن مواضع إلقاء الله التي للشيطان فيها مدخل .
فلهذا ولأنّه بصدد كتابة ما يلقي الله إلى قلبه وينطلق به ويكتبه ، سأل الله تعالى أن يخصّه في كلّ ذلك بالإلقاء السبّوحي.
أي من حضرة الطهارة والنزاهة فإنّ الإلقاء يكون من جميع الحضرات الأسمائية ، فسأل أن يخصّه الله في كل ذلك بالإلقاء الذي يكون من حضرة السبّوح ، فيخلص لله طاهرا مقدّسا عن كلّ شرب .
وأمّا النفث فهو إرسال النفس بجمعية الباطن والعزيمة ظاهرا عند الدعوات ، وهاهنا هو صورة كلام روحاني يظهر في باطن النفس من الأرواح الكلَّية العالية.
أشار إلى ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : « إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ أحدا لن يموت ، حتى يستكمل رزقه » وقد يكون الوحي والإلقاء والنفث من الأرواح الخبيثة الشيطانية في النفوس الملوّثة بالأغراض النفسية .
وقد استعاذ من ذلك وأمر بالاستعاذة منه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله : « ومن همزة ولمزة ونفثه ونفخه » .
ولولا صحّة ثبوت تلك الرقيقة والنسبة التي منها تصل المادّة الوجودية إلى هذه الصور الشيطانية الانحرافية  وتحقّقها من الإنسان الكامل ، لما استعاذ ، و لما أمر بالاستعاذة لتحقّق التنافي والتضادّ وعدم الاحتياج لعدم الجامع ، كما في الملائكة مع الشياطين ، فافهم .
فنفث الشيطان كإلقائه إلى أوليائه ، كما قال تعالى : " وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ "
ولمّا اختصّ رضي الله عنه بالإلقاء السبّوحي ، فكان جميع ما ألقي إليه مدّة عمره في جميع تصانيفه من حضرة الله السبّوح القدّوس .
أو من التجلَّيات الذاتية الاختصاصية وإن لم يكن سند الإلقاء العلمي للذات المطلقة من حيث هي هي ، ولكنّ القدس الذاتي والتنزيه الإطلاقي سار في جميع الحضرات التي منها يلقي الله إليه .
والنفث الروحي إشارة إلى روح الله الملقى في صورة روحانية محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - .
قال  رضي الله عنه : « في الروع النفسي » يعني في محلّ نفث الروح ، وهو باطن النفس وظاهر القلب ، فيكون نفث الروح من باطن القلب إلى ظاهره في باطن النفس حتى يردعها عن الرذائل وينزعها ويروعها ، ويودعها الرغبة في الفضائل ، ويضعها فيها فتنفعها .
فيكون من الله العاصم للمعتصمين به بالعصمة الإلهية الفرقانية من علم الهداية عن الإلقاءات النفسانية والشيطانية .
كما قال الله تعالى: " وَمن يَعْتَصِمْ بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
والنفساني هو الذي احترز منه  بقوله ( في الروع النفسي )
إذ الروع هو القلب الخائف ولا يكون الخوف إلا في الجهة التي تلى النفس منه وهو المسماة بالصدر ، فنسبه إلى النفس طلبا لأن يبلغ الإلقاء أو النفث ذلك الوجه الذي يليها فينور ويشغله بالمعنى الغيبى ويتأثر منه النفس فلا تؤثر فيه بالوسوسة إذ لا تكون في حالة التأثر مؤثرة ولذلك قيد التخصيص بالإلقاء
( بالتأييد الاعتصامى ) فإنه لو لا تأييده تعالى وتوفيقه للاعتصام لاستولت النفس عليه فصارت مؤثرة فيه لا متأثرة.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
قوله رضي الله عنه : "وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني"
إشارة إلى باقي مراتب الوجود، لأن للشئ وجودا في الأعيان ووجودا في الأذهان ووجودا في الكتابة ووجودا في العبارة والإشارة.
ولما سأل الله أن يحفظه من الشيطان في أحواله التي يوجد في الأعيان، سأل أن يخصه بالالقاءات الرحمانية ويحفظه من الخواطر الشيطانية، ليكون مصونا في مراتب الوجود كلها. وإنما قدم الموجود في الكتابة على غيره بقوله: "فيما يرقمه بناني" ثم الموجود في العبارة على الموجود الذهني بقوله: "وينطق به لساني" لقرب الأول من الوجود العيني في الثبوت، وقرب الثاني من الأول في الظهور.
وتأخير الوجود الذهني، إشارة إلى أنه آخر مراتب الوجود باعتبار، وإن كان أول مراتبه باعتبار آخر، ليكون الأول بعينه الآخر باعتبارين.
و "الرقم" الكتابة، و "الجنانط بفتح الجيم، القلب.
قوله: (بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي) متعلق بـ "أن يخصني."
واعلم، أن الإلقاء، أي إلقاء الخاطر، رحماني وشيطاني وكل منهما بلا واسطة أو بواسطة.
والأول، هو الذي يحصل من الوجه الخاص الرحماني الذي يكون لكل موجود إلى ربه، وهو المراد بـ "الإلقاء السبوحي" أي بالإلقاء الرحماني المنزه عما يقتضى الاسم "المضل" من الإلقاءات الشيطانية.
والثاني، وهو الذي يفيض على العقل الأول، ثم منه على الأرواح القدسية، ثم منها على النفوس الحيوانية المنطبعة، على ما سبق تقريره في بيان الطرق.
وهو المراد بـ "النفث الروحي" أي الحاصل من "روح القدس"، مأخوذة من قوله، صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى يستكملرزقها".
و "النفث" هو إرسال النفس، أستعير لما يفيض من "الروح."
قوله: "في الروع النفسي" إشارة إلى ما يحصل للنفس المنطبعة من الإلقاء الملكي بواسطة النفس الناطقة.
وهذا قد يكون من الأرواح المجردة غير الروح الإنساني، وقد يكون من الروح الإنساني.
إذ كل ما يفيض من غير الوجه الخاص على الأدنى إنما هو بواسطة الأشرف، وهو الروح، ثم القلب.
و "الروع" بضم الراء وسكون الواو، هو النفس.
والمراد به هنا الوجه الذي يلي القلب المسمى بـ "الصدر"، في اصطلاح القوم، ولذلك وصفه ونسبه إلى النفس.
و "المحترز منه" هو الشيطان، وهو بلا واسطة كالإلقاء من الاسم المضل،أو بواسطة كالإلقاء النفساني.
وقوله: "بالتأييد" متعلق ب "أن يخصني". و الباء بمعنى مع. أي، وأن يخصني بالإلقاء السبوحي مع التأييد الاعتصامي.
أو للملابسة، أي، ملتبسا بالتأييد. و الاعتصام  من العصمة. وهي الحفظ باسم العاصم و الحفيظ.
قال تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا".
وقال: "ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
وسألته (أن يخصني في جميع ما يرقمه تيتاني)، أي: ما اكتبه، (و ينطق به لساني)، أي: أقوله، (وينطوي عليه جناني)، أي: ما يخطر بقلبي (بالإلقاء السبوحي) أي: بإلقاء الخاطر الرباني والملكي، (والنفث الروحي)، أي: إلقاء الروح للمعنى بطريق النفث.
وفيه إشارة إلى خفاء ما يلقى بالنسبة إلى الإلقاء بين السابقين طلب الاختصاص بذلك بعد الاستعاذة عن الخاطر الشيطاني، لئلا تزاحمه الخواطر النفسية.
فلا تصفي حكاية الكلام النبوي عن شرب النفس سيما المنامي.
وبالغ في ذلك بأن طلبه إلى حيث يسري أثره إلى لسانه؛ فلا يسبق بغير ما في قلبه من الخاطر الرباني، أو الملكي، أو الروحي، ثم إلى قلبه فلا يسبق بغيره، وطلب أن يكون ذلك الإلقاء والنفث (في الروع النفسي)، وهو وجه للقلب يلي النفس يسمى بالروع.
"الروع :هو القلب وهو القوة التي طورها وراء طور العقل، ينقلب بتقلب التجليات وهو برزخ بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء من رحمة إلى رحمة، فافهم. "
وهو الخوف لما يخاف على القلب من الكدورة من ذلك الوجه طلب الإلقاء والنفث فيه؛ لأنه لو كان في الوجه الآخر ربما عارضه كدورة النفس من هذا الوجه، ولو كان في هذا الوجه عمه النور، وسرى إلى النفس، ثم إلى سائر البدن.
ثم طلب كون ذلك الإلقاء والنفث مقروئا (بالتأييد الاعتصامي)، أي: بتأييد الله تعالى، الروع أي: القلب في أن يعتصم بذلك الإلقاء والنفث، لئلا تمحوه الخواطر الشيطانية والنفسانية بورودهما عليهما بأن يمنع الله عز وجل من ورودهما أو من تأثيرهما

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
قال رضي الله عنه : وأن يخصّني في جميع ما يرقمه بناني ، وينطق به لساني ، وينطوي عليه جناني ،بالإلقاء السبّوحي ، والنفث الروحي ، في الروع النفسي ، بالتأييد الاعتصامي" .
فإنّ مداخل الشيطان ومواقع تشويشاته الانحرافيّة في ذلك الطريق ثلاثة مواطن : أوّلها الجنان الذي يجد المعاني الذوقيّة والحقائق الكشفيّة عيانا ، ثمّ يلبسها بالصور المثاليّة المتخيّلة ، وبها ينطوي عليها وثانيها اللسان الذي يكسوها لباس الألفاظ والحروف وينطق بها وثالثها البنان الذي ينزلها في بنيان سواد المداد ، ويرقم لها .
فلذلك سأل الله أن يخصّ :
الأوّل بالإلقاء السبّوحي ،
والثاني والثالث بالنفث الروحي في الروع النفسي.
على طريقة اللف والنشر إذ الروع - الذي هو القلب  له طرفان :
أحدهما ما يلي الروح ،
والثاني ما يلي القوى النفسانيّة والجوارح الجسدانيّة .
التي بها يتمثّل الحروف الكلاميّه والرقوم الكتابيّة ، وفيها يتلبّس بصورها ، والروع النفسي إشارة إليه .
فقوله : « بالتأييد الاعتصامي » إمّا متعلَّق ب « يخصّني » - على معنى الاستعانة - أو حال ، أي متلبّسا به  .
ثمّ إذا اعتصم في المواقع الثلاثة صحّ له رتبة الترجمان سالما عن مداخل الشيطان .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
قال رضي الله عنه : "وأن يخضني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني با لإلقاء السبوحي" المنزه عن الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية (والنفث الروحي) الحاصل من روح القدس مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إن روح القدس نفث في روحي أن نفس تن تموت حتى تستكمل رزقها" ..
والنفث : هو إرسال النفس استعير للاضافة (في الروع النفسي) الروع بضم الراء وسكون الواو : القلب .
ولما كان القلب في الوجود الإنساني عندها بل النسختين الآفاقية والأنفسية بمثابة النفس الكلية نسبة إليه .
أي : في القلب الذي هو في النسخة الإنسانية بمنزلة النفس الكلية في نسخة العالم.
فتصير العلوم المجملة الفائضة من الروح مفصلة فيه (بالتأييد الاعتصامي) الياء متعلق بالإلقاء والنفث.
أي يكون ذلك الإلقاء والنفث بتأييد الله سبحانه المسبب عن الاعتصام والالتجاء به. قال تعالى: "ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم" آية 101 سورة آل عمران.
والهداية إلى الصراط المستقیم نوع من التأييد.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 15:14 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الإثنين 1 أكتوبر 2018 - 11:29 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة السادسة الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السادسة :الجزء الثاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.)
(وإن يخصني في جميع ما يرقمه بتأني، وينطق به لساني، وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي، والنفث الروحي . )
قال رضي الله عنه في "الفتوحات " الباب الثاني والتسعون ومئتان:  
فاعلم إن لله جودا مقيدا وجودا مطلقا . فإنه سبحانه قد قيد بعض جوده بالوجوب ,
فقال : "كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ".
أي أوجب وفرض على نفسه الرحمة لقوم خواص نعتهم بعمل خاص وهو أنه "من عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ من بَعْدِهِ وأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ".
فهذا جود مقيد بالوجوب لمن هذه صفته وهو عوض عن هذا العمل الخاص والتوبة والإصلاح من الجود المطلق فجلب جوده بجوده فما حكم عليه سواه ولا قيده غيره . والعبد بين الجودين عرض زائل وعرض ماثل .
قال سهل بن عبد الله "التستري" عالمنا وامامنا لقيت إبليس فعرفته وعرف مني أني عرفته فوقعت بيننا مناظرة .
فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إن وقفت ووقف وحرت وحار فكان من آخر ما قال لي : يا سهل الله عز وجل يقول "ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " فعم ولا يخفى عليك إني شيء بلا شك لأن لفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم وشيء أنكر النكرات.
فقد وسعتني رحمته؟!.
قال سهل : فو الله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية .
وفهم منها ما لم نفهم وعلم منها ومن دلالتها ما لم نعلم فبقيت حائرا متفكرا وأخذت أتلو الآية في نفسي , فلما جئت إلى قوله تعالى فيها "فَسَأَكْتُبُها " لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الأعراف "الآية سررت وتخيلت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره .
وقلت له يا ملعون إن الله قد قيدها بنعوت مخصوصة يخرجها من ذلك العموم .
فقال: "فَسَأَكْتُبُها" فتبسم إبليس وقال يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ ولا ظننت إنك هاهنا ألست تعلم يا سهل أن التقييد صفتك لا صفته.
قال سهل: فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي و والله ما وجدت جوابا ولا سددت في وجهه بابا وعلمت أنه طمع في مطمع .
وانصرف وانصرفت و والله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله سبحانه ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه في ذلك بأمد ينتهي أو بأمد لا ينتهي.
فاعلم يا أخي أني تتبعت ما حكي عن إبليس من الحجج فما رأيت أقصر منه حجة ولا أجهل منه بين العلماء .
فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكى عنه سهل ابن عبد الله تعجبت وعلمت أنه قد علم علما لا جهل فيه فهو أستاذ سهل في هذه المسألة .
وأما نحن فما أخذناها إلا من الله فما لإبليس علينا منة في هذه المسألة بحمد الله ولا غيرها وكذا أرجو فيما بقي من عمرنا وهي مسألة أصل لا مسألة فرع.
فإبليس ينتظر رحمة الله إن تناله من عين المنة والجود المطلق الذي به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب, وبه تاب على من تاب وأصلح , "فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ" عن التقييد في التقييد فلا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه .""
( السبوح ) كالقدوس بمعنى: المسبح كالمقدّس أسماء المفعول: أي الإلقاء المطهر عن التغيير في ذاته، و النفث لغة بسكونالفاء و الثاء المثلثة إرسال النفس بفتح الفاء رخوا و هنا عبارة عن إفاضة النفس الروحاني الذي يحيى بنفخة، و من عادة الروح ما يمر على محل إلا قد أحياه .
في (الروع) و الورع بضم الراء المهملة هو القلب وهو القوة التي طورها وراء طور العقل، ينقلب بتقلب التجليات وهو برزخ بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء من رحمة إلى رحمة، فافهم .
( النفسي) قال تعالى: "ونفْسٍ وما سوّاها * فألهمها فجُورها وتقْواها" [ الشمس: 7، 8].
فجعل النفس برزخا وسطا وحلا قابلا لما يلهم من الفجور والتقوى، فتميز الفجور فتجتنبه، و التقوى فتسلك طريقه و من وجه آخر تطلبه الآية .
( و هو أنه إنما ألهمها عراها عن الكسب ): أي عن، أن يكون لها فيها كسب و تعمّل بل إنما هي محل ظهورهما، فهي برزخ بين هذين الحكمين.
وأما الخاطر المباح مندرج في قوله: و ما سوّاها لأن المباح ذاتي لها فبنفس ما خلق عينها ظهر عين المباح فهو من صفاتها النفسية التي لا تعقل النفس إلا به .
فالخاطر المباح على الحقيقة نعت خاص للإنسان، و إن لم يكن من الفصول المقوّمة فهو حد لازم رسمي فإنه من خاصية النفس جلب المنافع، و دفع المضار، و إنها هي المحركة بما يغلب عليها إمّا من ذاتها، أو مما يقبله فيما يلهمها به الملهم من ملك، أو شيطان، فافهم .
فالقلب النفسي هو القلب البرزخي المتقلب بإحكام النفس المحركة المميزة بين الفجور و التقوى، فافهم .
أو تقول: إن النفس بسكون الفاء هي النفس الكلي التي هي اللوح المحفوظ ذكر الشيخ رضي الله عنه في رسالة القدس من هذا المقام عن عبد الله بن سهل أنه قال: سمعت أبا يزيد، و سئل عن اللوح المحفوظ، فقال: أنا اللوح المحفوظ، و إنما أضاف هنا القلب إلى النفس لأنها أصل و إجمال لما فصّل في القلب .
( بالتأييد الاعتصامي )، قال تعالى: "ومنْ يعْتصِمْ باللّهِ فقدْ هُدِي إلى  صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [ آل عمران: 101]، و الاعتصام بالله هو الترقي عن كل موهوم و التخلص عن كل تردد، و هو شهود الحق تفريد إلا شيء معه، و ذلك لفناء الشاهد في المشهود.
حتى أكون: أي في جميع أحوالي و في جميع ما يرقمه بناني، و ينطق به لساني مترجما .
اعلم أن العارف التام المعرفة بالمقامات والمواطن و الآداب والحكم ترجمان لسان الحقائق إن ادّعي إلى الحق يشهد من يسمع، ومن يرد فيتنعّم بالقبول والرد لصدق مشهده أحكام الأسماء الإلهية هو الدّاعي، واسم وهو القابل، واسم وهو الرادّ .
وهذا العارف متفرّج بحياة طيبة بهذا الكشف والشهود إلى هذا المقام حرض الله حبيبه صلى الله عليه وسلم إلى هذا الشهود الأتم .  
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الشريف المحسي

مُساهمة الخميس 14 مارس 2019 - 17:03 من طرف الشريف المحسي

الفقرة السابعة الجزء الأول .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
(حتى أكون) في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني. (مترجما) عنك ما ورد إلي منك بكتابك ورسولك
(لا متحكما) عليك في شيء من ذلك، فإن هذا الشرع المحمدي والدين النبوي أخذه قوم بطريق الأدب معه.
فترجموه بأقوالهم وأفعالهم حكاية عنه، فرزقوا الفهم فيه وألهموا معانيه ووقفوا على أسراره وتمتعوا بمطالع أنواره وهم الذين أشار إليهم الشيخ قدس الله سره.
وأخذه قوم بلا أدب معه فتفهموا معانيه بأفكارهم وخاضوا في أبحاثه بعقولهم وما عملوا به وتكلموا فيه إلا بعد تحكمهم عليه بهوى أنفسهم فهم الضالون المضلون.
(ليتحقق من يقف)، أي يطلع (عليه)، أي على ما ذكر
(من أهل الله تعالی أصحاب القلوب)، نعت لأهل الله وهم أهل الاعتبار.
قال تعالى : "إن في ذلك العبرة إن كان له قلب" آية 37 سورة ق .
دون من له نفس فإن من له نفس، لا اعتبار لموته .
قال تعالى : "كل نفس ذائقة الموت" آية 185 سورة آل عمران.
ولم يقل : كل قلب، فالقلب حي والنفس ميتة
(أنه)، أي جميع ما ذكر صادر
(من مقام) وهو ما ثبت فيه العبد، والحال مما تحول عنه
(التقديس)، أي تطهير الله تعالى وتنزيهه وهو مقام الإطلاق عن القيود الحسية والمعنوية المسمی غیب الغيب
(المنزه) في بصيرة أهل شهوده
(عن الأغراض) بالغين المعجمة جمع غرض وهي العلل والبواعث
(النفسية) المنسوبة إلى النفس من حب العاجلة أو الآجلة أو بعض المنافي من الناقص أو الوافي
(التي يدخلها) من قبل العبد
(التلبيس) عليه في حقيقة الحق كمن يريد أن يرى جرم المرآة .
فكلما نظر إليها رأى صورته فيها حائلة بين بصره وبين صفاء جرم المرآة ، فصورته تلبس عليه جرم المرآة .
وههنا الأغراض النفسية صور معنوية، فكلما نظر إلى الحق ظهرت له في مرآة الحق.
فرآها وانحجب عنه الحق فما رأى إلا نفسه كما
قال عليه السلام: «المؤمن مرآة المؤمن» والله من أسمائه المؤمن.
وكل من تنزه عن الأغراض النفسية تقدس مقام شهود الحق في بصيرته فلا يدخل عليه التلبيس في شهوده .
شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
فقال : (حتى أكون مترجما) .
ولما وهم من ظاهر العبارة أنه مترجم في المعنى متحكم ومتصرف في اللفظ من عند نفسه دفع هذا الوهم.
بقوله : (لا متحكما) يعني أن معاني الكتاب وألفاظها ونظمها وترتيبها وتعبير معانيها بعبادة دون عبارة وكتابتها وغير ذلك من الأحوال .
كان ذلك من إلقاء الحق بالتأييد الاعتصامي وليس له تحكم وتصرف في ذلك فيكون مترجما على الوجه الكلي.
لأن مسألته تعم جميع ذلك فتشمل الترجمة على كل واحد منها فلا وجه لتخصيص الترجمة في المعاني دون الألفاظ.
(ليتحقق من وقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب) هذه علة للترجمة وأصحاب القلوب بدل من أهل الله بدل البعض من الكل.
(انه) مفعول ليتحقق أي الكتاب بجميع أجزائه ومراتبه مثالا وذهنأ وخارجا و لفظا و كتابة.
(من مقام التقدير) وهو مجموع ما ذكر من مبشرة وتخليص النية وتجريد.
القصد والمسألة على الوجوه المذكورة يدل عليه قوله (المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس) .
فيكون أبعد عن احتمال التلبيس فيه بل لا يحتمله أصلا لطهارته بأصله وكليته.
فالمراد إعلام قدره وتقديسه بحيث لا كتاب له ولغيره من المصنفين من أهل الله في هذا الفن يصل إلى مرتبة هذا الكتاب في تقديسه وعلو شأنه.
لانعدام هذا التقديس بانعدام بعض شرائط هذا الكتاب في غيره فيحتمل الأغراض النفسية .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
قال:"حتى أكون مترجما عن معاني ما نزل من قبل الحق تعالى من المعاني مترجما لا متحكمالتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب، أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس "
فإن المفكر الذي يهدي الناس بمواد فكرته يكون متحكما لا مترجما وخص، رضي الله عنه، من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب فإن غيرهم لا يعرفون مقام التقديس وهو التطهير من الأغيار.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
يعني  رضي الله عنه مترجما عن المقامات بموجب الشهود والعيان ، أو عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  بمقتضى نصّ القرآن .
لا متحكَّما عن مأخذه الرسول بالزيادة أو بالنقصان إذ لو زاد أو نقص على ذلك ، لكان متحكَّما من تلقاء نفسه أو بإلقاء رأيه وحدسه ، ولم يكن قد وفي حقّ مقام الوراثة وهو وارث ممتثل أمر نبيّه في إخراج هذه الحكم من الغيب إلى الشهادة ، فهو ترجمان رسول الله ، خاتم النبيّين. "من أهل الله أصحاب القلوب".
قال العبد : يريد بأهل الله من له مشرب الكمال الأحدي الجمعي الإلهي ، لا المتقدّرين بالمشارب والأذواق الجزئية التقييدية الأسمائية ، فمن كان له قلب ينقلب مع الحقّ كيف تجلَّى ، ووسعه ، فما أنكره ولا أعرض عنه في تنوّعات ظهوره بشؤونه ، ولا يولَّي .
قال رضي الله عنه : "أنّه من مقام التقديس المنزّه عن الأعراض النفسية التي يدخلها التلبيس"  أي يتحقّق أنّه كذلك .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
( حتى أكون مترجما لا متحكما ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس ) أي الحضرة الأحدية والروحية المقدسة
( المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس ) أي الأغراض الدنيوية التي يمكن أن تلبس بإظهار أنه لوجه الله ويلحقها الرياء والنفاق .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
إشارة إلى أن هذه العبارة ليست ملقاة عليه في العالم الروحاني، بل شاهد الشيخ، رضى الله عنه، رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في صورةمثالية.
فأعطاه الكتاب، وألهمه الحق المعاني والحكم التي تضمنها الكتاب، فتجلت له وانكشفت عليه هذه الحقائق، ثم عبر عنها بألفاظه بقوله: "حتى أكون مترجما" أي، سألت الله العصمة والتأييد حتى أكون مترجما لما أراد الله إظهاره بلساني من المعاني والحكم التي أعلمني الله إياها من الكتاب الذي أعطانيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا متحكما بالتصرف النفساني فيها بالزيادةأو النقصان، فإنهما من فعل الشيطان.
والمراد بـ "أهل الله"، الكاملون من أرباب الكشف والشهود، الواصلون إلى حضرة الذات والوجود، الراجعون من حضرة الجمع إلى مقام القلب.
لذلك بين بقوله: "أصحاب القلوب". فإن الإنسان إنما يكون صاحب القلب، إذا تجلى له الغيب وانكشف له السر وظهر عنده حقيقة الأمر وتحقق بالأنوار الإلهية وتقلب في أطوار الربوبية.
لأن المرتبة القلبية هي الولادة الثانية المشار إليها بقول عيسى، عليه السلام: "لن يلج ملكوت السماوات والأرض من لم يولد مرتين." .
قوله: "أنه من مقام التقديس" أي، ليتحقق أهل الله بالحقيقة واليقين أن
هذا الكتاب، أي معانيه وأسراره لا ألفاظه، منزل من مقام التقديس، وهو مقامأحدية جمع الجمع. وتقديسه وتنزيهه إنما يكون من الثنوية والأغيار باعتبار أحديته، ومن الشوائب النفسانية والأغراض الشيطانية الموجبة للنقصان باعتبارمقام تفصيله وكثرته.
و "التلبيس" سر الحقيقة وإظهارها بخلاف ما هي عليها.
يقال: لبس فلان على فلان. إذا ستر عنه الشئ وأراه بخلاف ما هو عليه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
(حتی)، غاية لقوله: «أن يخصنی»، (أكون مترجما)، أي: مبينا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم أو لما يرد على بطریق الإلقاء والنفث
"تنبيه: قوله رضى الله عنه (حتى أكون)يتعلق بـ "سألت"، فإن قيل: قوله : حتى أكون مترجما بما يدل على أنه كان أخذ المعاني وترجمها بألفاظ و عبارات مناسبة من عنده كما هو عادة الترجمان، قلنا: ليس الأمر هكذا بل الترجمة تطلق أيضا على إبعاد الكلام من الأصل. كما قال الشيخ رضى الله عنه في الباب التاسع والعشرين وثلاثمائة في القرآن: إنه كلام الله بلا شك، والترجمة للمتكلم به كان ممن كان انتهى كلامه رضي الله عنه."
(لا متحكما)، أي: ذاكرا للأمر على سبيل التحكم من عند نفسي، إما عن هواها أو عن تلبيس الشيطان؛ فإن ذلك لا يخلو عن التحكم الذي هو ترجيح غير الراجح (ليتحقق)، متعلق بقوله: "أكون مترجما" أي: ليعلم على سبيل التحقيق (من يقف عليه من أهل الله)، المطلعين على الحقائق بطريق الكشف (أصحاب القلوب)، المصفاة عن كدورات النفس قيد بذلك إذ لا كشف لمن دونهم. : وأما من كان فوقهم؛ فإنه لا يمكنه الوقوف على الكتب إلا إذا راد إلى مقام القلب (أنه)، أي: الكتاب وارد (من مقام التقديس)، أي: من الإلقاء أو النفث لخلوص حقائقه (المنزه عن الأغراض النفسية)، التي تدعو إليها خواطرها؛ لأنها (التي يدخلها التلبيس)، أي: تلبيس حقيقة بأخرى، فإن النفس تلبس على القلب لتجذبه إلى أغراضها التي من اللذات السفلية العاجلة
ولم تتعرض لوساوس الشيطان؛ لأنه إنما يتوسل بتلك الأغراض فلا يكون بدونها، ولما كان في الدعوات ما لا يستجاب فلا يتم المطلوب.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
فقوله : ( حتّى أكون مترجما ، لا متحكَّما ) متعلَّق بـ " سألت " . فلئن قيل : المترجم إنّما يقال على من يأخذ المعاني ؟ ؟ ؟
من لغة غريبة ويؤدّيها بلغته لأهله ، وهو خلاف ما علم من كلامه أنّ الكتاب بجملته إنّما أعطاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟
قلنا : إنّ الرؤيا موطن التعبير ، فإنّ الأشياء إنّما يرى فيها بأمثلتها وأشباهها ، لا بصورها أنفسها ، فالكتاب في مبشّرته إنّما هو مثال جمعيّة علوم الأنبياء ومعارفهم ، وصورة لباب أذواق الكمّل ومكاشفاتهم ، فأخذها من المعدن بصورتها التي فيه ، وعبّر عنها بلسان أمم زمانه ، منزّها عن تدليسات الأغراض النفسيّة وتلبيسات القوى الطبيعيّة .
اعلم أنّ للحروف صورتين في تأدية المعاني :
إحداهما الكيفيّات الموجيّة اللاحقة للهواء بحسب تقطيعها في المخارج ، ويسمّى ذلك كلاما . 
والأخرى الهيئات الرقميّة المتشخّصة بالأضواء بحسب تصويرها على الصحائف بالأشكال اللائحة ، ويسمّى ذلك كتابا .
والأولى منهما من حيث برزخيّتها بين الثانية والمعاني وجامعيّتها ، تناسب طور النبوّة وجامعيّتها للولاية كما أنّ الثانية لخفائها تناسب الولاية البحته .
فلذلك ما كان لخاتم النبوّة نحوها التفات أصلا، وعلم منه سرّ أخذ الكتاب منه صلَّى الله عليه وسلَّم .
والذي يلوّح عليه تلويحا رقميّا أنّ الكاف صورة يا [ء] ي «يا عبادي» رقما
وعددا ( ك 20 ) والأوّل ياء النداء الدال على العبد ، والثاني على الحقّ ، فهو الجامع بينهما ، وهو الكلّ .
ثمّ إنّ للمقطعات الكلاميّة - التي هي أصول الكلام ومادّته ترتيبا - : وهو «ا ل م» وله صورة جمعيّة وحدانيّة ، وهو « ل » ، وهو صورة التنزيل على ما سبق ، فإذا ظهرت الكاف بها صار « كلاما » .
والمقطعات الكتابيّة أيضا ترتيب ، وهو : «ا ب ت» ، وهو الصورة الأولى التي لها قبل التنزيل كما لوّح إليه ، فإنّه الترتيب المجرّد عن النسب العدديّة والامتزاجات التركيبيّة ، فإذا ظهرت الكاف بها صار «كتابا» ، وليس لها صورة وحدانيّة جمعيّة وراء ما لها من التفرقة التي فيها تمام الجمعيّة .
تأمّل فيه فإنّه يعلم منه سرّ الوراثة أيضا  .
ثمّ إنّ سؤاله الإلقاء السبّوحي بالتأييد الاعتصامي ليكون مترجما ، لا متحكَّما ( ليتحقّق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب ) ممن كان له قلب يتقلَّب مع تنوّعات تقلَّبات الحقّ في تطوّرات أدواره .
واحترز بذلك عن أصحاب العقول ذوي العقود الاعتقاديّة التي لا تتحوّل تحوّل الانشراح العلمي في مراقي كماله .
(إنّه من مقام التقديس المنزّه عن الأغراض النفسيّة التي يدخلها التلبيس ) وهي الأغراض الدنيويّة التي لكلّ طائفة من الأمم ، قد لبّسوها بالصور المقبولة الموهمة أنّها لوجه الله ، على ما هي مادّة محاسن التآليف ولطائف التصانيف ، فإنّها مملوّة بالأغراض النفسيّة ، مشحونة بالتمويهات العكسيّة ، كتقشّفات المتسلسين وتشنيعاتهم  ، وتعصّبات المتكلمين وتزويقاتهم ، وتصلَّفات المتفلسفة وتشكيكاتهم ، وطامات المتصوّفة وشطحياتهم وإن أمكن أن يتوهّم بعض من لا وقوف له من أرباب الأنظار السخيفة هاهنا أنّ هذه الكلمات كلَّها من هذا القبيل ، لكن الكلام مع الكمّل ، فإنّهم مرامي سهام لطائف الإشارات والتحقيقات ، وحيث بيّن الواقفين بقوله « من أهل الله » نبّه على هذا الاستشعار .
ثمّ إنّه لمّا كان ممن اتحدت ألسنة مقاله وحاله بلسان استعداده الذي لم يتخلَّف الاستجابة عن دعوته قطَّ ، نبّه على ذلك متأدّبا بقوله :

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
(حتى أكون مترجم) غاية لقوله : سألت، أي سألت الله ما سألت حتى أكون مترجمة عما حده في رسول الله ، وأراد الله سبحانه إظهاره على لسانی (لا متحكما) بالتصرف النفساني فيه بالزيادة والنقصان (ليتحقق).
أي يعلم حقيقة (من يقف عليه من أهل الله) الذين هم مشرب الكمال الأحدي الجمعي الإلهي .
لا المتقيدين بالمشارب والأذواق الجزئية التقييدية الأسمائية (أصحاب القلوب) التي تتقلب مع الحق سبحانه حيث تجلی.
ووسعته فما أنكرته ولا أعرضت عنه في تنوعات ظهوره بشؤونه (أنه)، أي هذا الكتاب .
من حيث معانيه وأسراره بل من حيث ألفاظه وعباراته أيضا (من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس).
فإن الأغراض تارة تلبس الحق صورة الباطل فنعرض النفس عنه وتزيفه ، وتارة تلبس الباطل صورة الحق فتقبل عليه وتروجه.
.


عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الخميس 14 مارس 2019 - 18:41 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الشريف المحسي

مُساهمة الخميس 14 مارس 2019 - 17:03 من طرف الشريف المحسي

الفقرة السابعة الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة السابعة : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.)
قوله رضي اللّه عنه (حتى أكون مترجما):
يتعلق بسألت، فإن قيل قوله رضي الله عنه حتى أكون متن بما يدل على أنه كان أخذ المعاني و ترجمها بألفاظ و عبارات مناسبة من عنده كما هو عادة الترجمان.
قلنا: ليس الأمر هكذا بل الترجمة تطلق أيضا على إبعاد الكلام من الأصل . 
كما قال الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و العشرين و ثلاثمائة في القرآن: إنه كلام الله بلا شك، و الترجمة للمتكلم به كان ممن كان انتهى كلامه رضي الله عنه . فما ترجم في القرآن إلا أنه قرأ مثل ما سمع.
و قال رضي الله عنه: خلق الإنسان علمه البيان، فنزل عليه القرآن ليترجم عنه كما علمه الحق من البيان الذي لم يقبله إلا هذا الإنسان فافهم. 
أو يقول: بل هو سؤال مستأنف و إضراب عن الأول، و يطلب هذا الحال في جميع الأحوال و الأقوال، إلا أنه كان ترجمان لهذا الكتاب و أراد ثبوته و تحققه كما فهمه الشارح القيصري، و حكم به رحمة الله ببادئ الرأي فافهم . 
( لا متحكّما) التحكم: التصرف لإظهار الخصوصية بلسان الانبساط في الدعاوى، و هذا أضرب من الشطح، أو قريب منه لما يتوهّم من دخول حظ النفس فيه إلا أن يكون عن أمر إلهي . 
قال رضي الله عنه : 
مهما تحكّم عارف في خلقه    ...... من غير أمر فالرعونة قائمة
ترك  التحكّم  نعت كل  .....    لزم الحياء و لو أتته راغمة
( ليتحقّق ): أي أبرزت الكتاب على الوفق المشروح ليتحقق من وقف عليه من أهل الله الذين لهم أحدية الأسماء الإلهية، لا المقيدون بالأذواق، و المشارب، و لا المتوسطون من أرباب الأحوال . 
( أصحاب القلوب ): أي أعني من أهل أصحاب القلوب أن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب فينقلب مع الحق حيث يتجلى، و لا يتقيد فيعلم أنه: أي الكتاب بألفاظه و حروفه و نظمه و ترتيبه، فإنه ما يسمى الكتاب كتابا إلا بهذه الأشياء.
(من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفيسة)، و المقدّس عن لوث شرب الحدوث، فإذا عرف صاحب قلب من أهل الله هذا التحقيق من الشيخ رضي الله عنه أقرّ بكماله، و أثنى عليه، و سبحه بحمده . 
ورد في الحديث الصحيح : "ليس شيء أحب إلى الله من أن يمدح" رواه المناوي فيض القدير .
ذكره رضي الله عنه هذا الحديث في الباب الثامن والتسعون ومائة  من الفتوحات :  "وقد ورد في الصحيح ليس شيء أحب إلى الله من أن يمدح  ,والمدح بالتجاوز عن المسيء غاية المدح فالله أولى به تعالى" .أهـ
وذكره رضي  الله عنه هذا الحديث في الباب التاسع والخمسون وخمسمائة من الفتوحات : " ولا يوصف بالكرم فما في الوجود إلا تاجر لمن فهم ما شيء أحب إلى الله من أن يمدح وما يمدح إلا بما منح فما جاد الكريم إلا على ذاته بما يحمده من صفاته ".أهـ
وذكره رضي  الله عنه هذا الحديث في الباب التاسع والخمسون وخمسمائة من الفتوحات :  " والأصلح لما جبلت عليه النفوس من دفع المضار وجلب المنافع وقال :قد ثبت في الخبر أنه ليس شيء أحب إلى الله من أن يمدح وهو لا يتضرر بالذم وأنت تتضرر لأنك تألم " .أهـ
وذكره رضي  الله عنه هذا الحديث في الباب الموفي ستين وخمسمائة من الفتوحات :
" فهذا معنى قوله الدين النصيحة لله أي في حق الله فإنه يسعى في أن يثني على الله إذا عفا بما يكون ثناء حسنا ولا سيما وقد ورد في الحديث الثابت أنه لا شيء أحب إلى الله من أن يمدح " .أهـ
5198 "أما إن ربك يحب المدح - وفى لفظ الحمد" (أحمد، والبخارى فى الأدب، والنسائى، وابن سعد، والطحاوى، والباوردى، وابن قانع، والطبرانى، والحاكم، والبيهقى فى شعب الإيمان، والضياء عن الأسود بن سريع)
أخرجه أحمد (3/435، رقم 15624، 15628، 15629) . قال الهيثمى (10/95) : أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. والبخارى فى الأدب المفرد (1/298، رقم 859) ، والنسائى فى الكبرى (4/416، رقم 7745) ، وابن سعد (7/41) ، والطحاوى (4/298) ، وابن قانع (1/18) ، والطبرانى (1/283، رقم 824) ، والحاكم (3/712،
رقم 6575) وقال: صحيح الإسناد. والبيهقى فى شعب الإيمان (4/89، رقم 4366) ، والضياء (4/250، رقم 1447) . ، و في لفظ الحمد رواه الأسود بن سريع ذكره في "جمع الجوامع "، وهكذا الإنسان الكامل حبب إليه ما أحبه الله تعالى.
ورد في الحديث : "ليس أحد أحب إليه المدح من الله ولا أحد أكثر معاذير من الله" المناوي فيض القدير و جمع الجوامع قال الألباني صحيح
ثم نرجع و نقول:
إن مقام التقديس هو حظيرة القدس هو الطهارة والطهارة ذاتية وعرضية، فالذّاتية كتقديس الحضرة الإلهية التي أعطاها الاسم القدوس وهي المقدّس عن أن يقبل التأثير من حيث ذاتها.
فإن قبول الأثر تعبير في القابل والحضرة مقدسة عنه، فالقدس الذاتي لا يقبل التغيير جملة واحدة. 
وأمّا القدس العرضي فيقبل التغيير و هو النقيض و تفاوت الناس في هذا فتقديس النفوس بالرياضات وهي تهذيب الأخلاق، وتقديس المزاج بالمجاهدات، وتقديس العقول بالمكاشفات والمطالعات، وتقديس الجوارح بالوقوف عند الحدود المشروعات، ونقيض هذا القدس قبول ما يناقضها، ومهما لم يمنع فلا يكون حظيرة قدس فإن الحظر المنيع.
كما قال تعالى: "وما كان عطاءُ ربِّك محْظورًاً " [ الإسراء :  20]: أي ممنوعا و الأرواح المدبرة للأجسام العصرية لا يمكن أن تدخل أبدا حظيرة القدس لأن ظلمة الطبع لا تزال تصحب الأرواح المدبرة في الدنيا و الآخرة.
إذا فهمت هذا فاعلم أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه نبه بعلمه على مكانته من الله تعالى و قدره مكانه من ظهور مكنون سره، و أشار إلى أن الكتاب من مقام التقديس الذاتي الذي هو حظيرة القدس المقدسة، عن التغيير والتبديل حين الانسلاخ عن أحكام البشرية، والإعراض عن الأغراض النفسية، (التي يدخلها التلبيس).
والتلبيس ستر الحقيقة و إظهارها بخلاف ما هي عليها يقال: ليس فلان على فلان إذا ستر عنه الشيء و أراه بخلاف ما ستر.
فالأغراض النفسية هي التي تلبس الحق بالباطل، و الباطل بالحق، فهو مقام المشابهات، و مأخذ الشيخ رضي الله عنه أم الكتاب، حيث لا كذب و لا تدنيس، و لا جهل و لا تدليس، و لا شبهة و لا تلبيس فافهم .
واعتمد على هذا القول أنه من المحكمات حتى لا يفوتك علم، و أرجو لسان أدب مع الله تعالى و اقتداء بالسنة السنية . 
.


عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الخميس 14 مارس 2019 - 18:39 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الشريف المحسي

مُساهمة الخميس 14 مارس 2019 - 17:04 من طرف الشريف المحسي

الفقرة الثامنة الجزء الأول سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
(وأرجو)، أي أتمنى (أن يكون الحق تعالی) بمحض فضله وإحسانه
(لما سمع دعائي)، لأنه يسمع كل شيء
(قد أجاب ندائي)، بقوله: لبيك يا عبدي في مقام سمع العبد بالحق، وبتكوين جميع ما طلبته منه في مقام بصر العبد بالحق كما ورد في الحديث القدسية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: «عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له : كن فيكون».رواه الترمذي و ابو داود.
(فما ألقي) في كتابي هذا وكذلك في سائر كتبي .
(إلا ما يلقي)، أي يلقيه الله تعالى بسبب فراغ الإناء وزوال العنا
(إلى) في قلبي من غير تفكر ولا تدبر .
(ولا أنزل في هذا الكتاب المسطور) الذي أنا بصدده الآن
(إلا ما ينزل) به (على) من حضرة ذي الجلال والإكرام بطريق الفيض والإلهام.
ثم استشعر من ذكر الإلقاء إليه والإنزال عليه أن يفهم أحد منه أنه يدعي نبوة التشريع ورسالة الجناب الرفيع فاحترز عن ذلك بقوله:
(ولست بنبي) من أنبياء الله تعالى
(ولا رسول) من رسل الله تعالى
(ولكنني وارث) النبي والرسول مقام ولايتهما.
وذلك لأن المراتب أربعة وهي دوائر بعضها أخص من بعض:
فالأولى: مرتبة الإيمان والإسلام وهي الدائرة الكبرى المحيطة بباقي الدوائر.
والثانية : مرتبة الولاية وهي الدائرة الوسطى.
والثالثة : مرتبة النبوة،
والرابعة : مرتبة الرسالة .
فالجميع يشتركون في المرتبة الأولى.
والمرتبة الثانية ممتازة عن الأولى بالولاية.
والثالثة عن الثانية بالنبوة.
والرابعة عن الثالثة بالرسالة. فالرسول نبي ولي مؤمن، والنبي ولي مؤمن.
والولي مؤمن فقط ليس بنبي ولا رسول، فقد اشترك الولي والنبي في الولاية.
وهي العلم الذي ورثته الأنبياء عليهم السلام .
قال تعالى: و "أورثنا الكتاب الذين اصطفينا" آية 32 سورة فاطر.
وقال صلى الله عليه وسلم : «العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء وورثتي وورثة الأنبياء».
(ولآخرتي حارث) من الحرث وهو الإثارة لإخراج ما فيها من النبات ، والمراد أني مثير أرض جسمي لإخراج ما أودعه الله تعالى في خزائن سري من علوم الحقائق الأخروية والأجزية الرضوانية الكثيبية .
ثم قال مشيرا إلى أن جميع ما صدر منه في هذا الكتاب إنما كان ترجمة عن الحضرة الإلهية لا تحكما بنظر نفسه على المعارف الربانية.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث)
(وأرجو أن يكون الحق تعالى لما سمع دعائي) .
هذا لسان أدب مع الله (قد أجاب ندائي) تحقيق للإجابة على اليقين وأخبار عن وقوعه ليزداد الطالب الصادق تصديقه وترغيبه إليه .
لأنه لما أمر بإظهاره اقتضى الحكمة إجابة المسألة في حقه من أسباب إظهاره على أحسن الوجوه فما ألقي في هذا المسطور شيئا من المعاني والألفاظ (إلا ما يلقى إلي) بالإلقاء السبوحي  كذلك
(لا أنزل في هذا المسطور) شيئا (إلا ما ينزل علي) أي ما أودع في من يد
رسول الله عليه السلام لما علم رضي الله عنه أن الطالبين الصادقين علموا قدر الكتاب مما ذكر وصدقوه فيما قال وأحبوه محبة شديدة غالبة على اختيارهم.
فخاف عليهم أن ينسبوا إليه النبوة كما هو مقتضى غلبة المحبة فضلوا وأضلوا عن الهداية لخروجهم من حد الاعتدال أراد حفظهم عن هذه المهلكة المخوفة عليهم.
فقال : (ولست بنبي ولا رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث) أو جواب عن سؤال ناشئ مما ذكر للطالبين الصادقين .
فكانهم قالوا: علمنا وصدقنا بما ذكر أن الكتاب كذا وكذا وما كنا نعلم كيف أنت أنبي أم رسوله أم ولي من الأولياء الذي لا ولي مثله وفوق مرتبته؟
لأن من جاء بمثل هذا الكتاب لا يكون غير ذلك ؟
فأجابه بما هو عليه في نفس الأمر أو لما بین مرتبة الكتاب لزم بيان مرتبة نفسه من الكمال وأعظم الكمالات الإنسانية النبوة والرسالة .ثم الوراثة فأخرج نفسه منهم.
بقوله : ولست بنبي ولا رسول وأدخله فيهم من حيث العلوم الإلهية والتجليات الربانية
بقوله : ولكني وارث من حيث الأعمال
بقوله : ولآخرتي حارث أي لأسباب ملاقات ربي كاسب "فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" 110 سورة الكهف.
إذ كل الأنبياء حارث لأمور آخرتهم وفيه دلالة على أن الكمل إن كانوا يعبدون الله يريدون أجر الآخرة من دخول الجنة والنجاة عن النار.
يكون عبادتهم خالية مخلصة لله إذ إرادتهم هذه عين إرادة الله فلا يعبدون الله في كل مقام إلا الله وبالله خالصا مخلصا عن الأغراض النفسانية .
وقوله : ولكني وارث يدل على أن علوم الأولياء الكمل مكتسبة لكن بطريق نظر فكري لان الوراثة لا تكون إلا للقرابة والقرابة مكتسبة بالعمل الشرعي و تبديل الصفات الردية .
وإن كانت العلوم الإلهية حاصلة عن كشف إلهي لكنه بسبب قرابة النبوة .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
قوله رضي الله عنه : "ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث".
قلت: يعني أن الهداة من بعد رسول الله، عليه السلام، إنما يهدون الناس بطريق الميراث عنه، عليه السلام، لقوله تعالى: "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " 108 يوسف.
فالسبيل في الهداية سبيله، عليه السلام، وإن كان الهادي غيره من أمته. والحارث لآخرته هو العامل لها.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث)
قال العبد : يشير رضي الله عنه إلى ما سبق ذكره من سؤاله العصمة عن إلقاء الشيطان ، وقد صرّح أيضا بأنّ « أرجو » من مثله لسان أدب في عين الإخبار المحقّق عن إجابة الحق نداءه بقوله : "فما ألقي إلَّا ما يلقي إليّ " .
وفي إضافة السمع إلى الدعاء ، والإجابة إلى النداء ، قد يقع لبعض الناس أنّ العكس أنسب عرفا لكون المراد من النداء الإسماع ، ومن الدعاء الإجابة .
كما قال الله تعالى : "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " .
ولكنّه رضي الله عنه مقيّد في جميع أحواله وأقواله بالله ورسوله .
فاعتبر فيما قال قوله  تعالى : " إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ " .
ولمّا تحقّق الإجابة من الله تعالى قال : « فما ألقي إلَّا ما يلقي إليّ » من علوم ما تضمّنه هذا الكتاب.
والله الملقي إليّ من الحضرة المحمدية الختمية الكمالية الإلهية « ولا أنزل في هذا المسطور » يعني بالتدريج في كلّ فصّ فصّ وحكمة حكمة.
« إلَّا ما ينزّل » الله الظاهر في الصورة المحمدية الكمالية الختمية " به عليّ "  
ولمّا علم رضي الله عنه سبق الأوهام إلى أنّ في قوله : " ينزّل به عليّ " تراميا إلى النبوّة أو الوحي لضعف الأفهام ، أو تقييدهم بظاهر الكلام ، أعقب بقوله : « ولست بنبيّ ولا رسول ، ولكنّي وارث ، ولآخرتي حارث » نفيا لأوهامهم ، وتوصيلا إلى مراده أوهامهم لإفهامهم ، وتأصيلا لأهل التحصيل أنّ الإنزال من الله إلى العبيد الكمّل مطلقا غير محجور ولا مهجور ، بل ذلك إنزال خاصّ يتعلَّق بتشريع وتأصيل للأوامر والنواهي والأحكام ، وتفصيل وتفريع ، فافهم .
و « الوارث » هو الذي يرث من قبله من الأنبياء علومه وأحواله ومقاماته ، فيقوم بمقاماته ، وتظهر عليه أحواله بآياته ، ويظهر هو حقائق علوم الله التي أظهرها بذلك النبيّ في زمانه بتجلَّياته .
وهاهنا مباحث شريفة متعلَّقة بتحقيق قوله : « العلماء ورثة الأنبياء ، ما ورّثوا دينارا ولا درهما ، وإنّما ورّثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظَّ وافر » يعني أخذه عن الله وذلك لأنّ الوراثة لا تتحقق إلَّا في عين مال المورّث أو عوضه ، وكانت علوم الأنبياء إلهية وهبية وكشفية بالتجلَّي لا بالكسب والتعمّل.
فوجب أن تكون الوراثة الحقيقية كذلك وهبية لا نقلية ولا عقلية كذلك ، فيرث الوارث منّا العلم من المعدن الذي أخذ عنه النبيّ أو الرسول .
فليس العلم ما يتناقله الرواة بأسانيدهم الطويلة فإنّ ذلك منقول يتضمّن علوما لا يصل إلى حقيقتها وفحواها إلَّا أهل الكشف والشهود .
والنبيّ الرسول إنّما أخذ العلم عن الله لا عن المنقول فالوارث الحقيقي إنّما هو في الأخذ عن الله لا عن المنقول  كما أشار إلى ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله : « ربّ مبلَّغ - بفتح اللام - أوعى من سامع ».
وبقوله : « ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه » والناقل إنّما ينقل ألفاظا وعبارات حاملة معاني متشبّثة بها فحواها ، والمعنيّ بها العلم ، والمبلَّغ إليه منّا يفقه باطن المعنى المعنيّ .
والفحوى المطويّ في المنقول المرويّ ، والأكثر لا يفقهون ولا يعلمون ، والأقلّ الذي يفقه ذلك فهو منّا ، وداخل عنّا بحكم التوسّع والمجاز لا بالتحقيق ذاته إنّما أخذ العلم الحاصل له من الألفاظ لا من الحق ، فافهم.
ودقّق النظر فيه ، حتى لا يشتبه عليك ، وهذا فيمن يفقه والكلام في الحامل الذي لم يفقه ما يفقه وإن تقدّمنا بأزمنة متطاولة ، وإن لم يخل عن فهم وفقه بحسبه وبحسب استعداده .
وبعد هذا التحقيق والتدقيق والمحاقّة فإنّ علم الأفقه المذكور في نصّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مأخوذ من المنقول المحمول في عبارة الرسول ، وبهذا صدق عليه أنّه وارثه توسّعا ومجازا .
فإنّ الوراثة إنّما هي في العلم المأخوذ عن الله والحال والمقام ، وعلم الأفقه المذكور بعد المسامحة إنّما هو وراثة في العلم المودع في المنقول لا في حال الآخذ ومقامه .
وإنّما خصّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العلم في قوله : « وإنّما ورّثوا العلم » بالعلم بالله وبمضمون النبوّات وفحواها لعلمه صلَّى الله عليه وسلَّم بعدم علوم عموم المخاطبين سرّ الحال والمقام ذوقا إلَّا خواصّهم فراعى الأغلب.
ولأنّ العلم إذا كان مأخوذا عن الله ، فإنّه يتضمّن الحال والمقام ، فما كان مراده صلَّى الله عليه وسلَّم إلَّا العلم
المأخوذ عن الله ، كما صرّح بذلك نصّ القرآن قال الله تعالى : " بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ".
فالعلم المذكور في نصّ الحديث هو العلم المؤتى والمأخوذ عن الله ، وهو المراد في فهم خواصّ أهل الله ، قال الأستاد أبو يزيد البسطاميّ قدّس سرّه لبعض علماء الرسوم ونقلة الأخبار والأحكام والآثار : « أخذتم علمكم ميّتا عن ميّت ، وأخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت » واعلم ذلك إن شاء الله .
في ذكر مباحث أخر ضمنية تفصيلية
البحث الأول الوراثة في التحقيق ليست إلَّا لله تعالى
بحث آخر
اعلم : أنّ الوراثة في التحقيق ليست إلَّا لله تعالى فإنّ الله هو خير الوارثين فإنّه وارث المورّثين والورثة أجمعين .
ثم يأخذ الوارثون الآخرون العلم والمقام عن الله تعالى ، وهذا من جوده الذاتي وعطائه الأسمائي ، فأهل الله الآخرون إنّما أخذوا العلوم عن الله تعالى ، فقاموا بالعلوم المختصّة بكلّ مقام من حيث مقامهم بإقامة الله إيّاهم في ذلك المقام ، كما أقام من قبله من المورّثين وأعطاه العلم الخصيص بذلك المقام والحال .
والآخذ والوارث منهم إنّما يأخذ ما يأخذ عن الله لا عن غيره ، فيورّثه الله ذلك العلم والمقام والحال عن ذلك النبيّ الذي قد قبلها قبله أي يعطيه إيّاها ويهبه كما أعطاها من قبله .
فنسبة ذلك العلم والحال والمقام إلى هذا الآخر كنسبته إلى الأوّل ، فافهم فإنّه غامض ويتضمّن أغمض منه ، والله الموفّق .
البحث الثاني الحقائق الثلاث للوراثة
بحث آخر
لمّا كنّا في بيان حقيقة الوراثة وهي تشتمل على المقام والعلم والحال
أردنا أن نتكلَّم في هذه الحقائق الثلاث :
أمّا العلم:
فقد ذكرنا حقيقته بتعريف ذوقي بلسان التحقيق الكشفي ، وسنزيد ذلك تتمّة وتكملة في الموضع الأليق به .
وأمّا الحال :
فحالة حالة بذي الحال تحيله عن الحالة التي قبلها ، وتحول بينها وبين ما ينافيها ، ويغيّره عن غيرها إلى ما فيها ، ثم تحول وتئول كحال العلَّة .
وحال الوصل والفصل ، والتخلَّي بالخاء المعجمة - والتحلَّي بالحاء المهملة - والتجلَّي - بالجيم - ، والانسلاخ والاستغراق والانزعاج ، والقبض والبسط وغيرها.
وأمّا المقام :
فمرتبة عبدانيّة للعبد السالك في مظهرية حضرة من الحضرات الإلهية الأسمائية ، وكلَّيات المقام ألف وواحد على عدد الحضرات الأسمائية الكلَّية في مظهريّاتها ، وهي منقولة مشهورة بين أهلها ليس هذا موضع تفصيلها .
وقد اختلف الجمهور من الصوفية في التفضيل بين الحال والمقام ، فمن مفضّل للحال على المقام ، ومن قائل بالعكس .
وكان الحقّ أن يحقّقوا النظر في الحقيقتين أوّلا ، ثم يتكلَّموا في الأفضلية ، والرافع للخلاف هو بيان الفرق بين الحال والمقام .
فنقول : كلّ ما حال وتغيّر من الواردات على السالكين يخصّ باسم « الحال ».
وكلّ ما يوجب الثبات والإقامة فهو المقام .
ويسمّى مقاما - بفتح الميم - بالنسبة إلى المحمديين الذين لا يقيمون فيما أقاموا فيه منها وإن ثبتوا فيه .
والمقام - بضمّها - بالنسبة إلى من أقام فيه وانحصر ووقف .
ثم الأحوال تبدو في كلّ مقام للسالك حال قيامه وثباته فيه ، ثم إذا جاوزه ظهر حال آخر بحسب ما فوقه من المقام .
فلا يخلو السالك من الحال والمقام ، والحال يوجب المقام وبحسبه .
وليس المقام بحسب الحال ، ومتحقّق عند التحقّق بالمقام صاحب المقام بالحال الخصيص به ، فإذا ظهر عليه حال خصيص بمقام ، عرف أنّه أهل ذلك المقام.
وبهذا الاشتباه وقع الخلاف ، ولا خلاف عند التحقيق ، فافهم والله الموفّق .
فإذا أقام الله أحدا في مقام آتاه حالا وعلما يتعلَّقان به ، وهذه المقامات معمورة دائما بأربابها فلا بدّ
فيقال في الآخرين القائمين فيها وبها من حيث إنّ أمّة قبلهم كانوا غمّاز تلك المقامات والعلوم والأحوال - : إنّ الآخرين ورثة الأوّلين ، فإن لم يأخذوها عن الله كما أخذ الأوّلون عنه .
بل حفظوا كلماتهم ومقاماتهم ورووها عنهم ، فليسوا وارثين على الحقيقة ولكن بالمجاز .
ومثل الأفقه منهم كالوارث عوض ما ضاع وتبدّل من مال المورّث لا عين المال ، ولكنّ الحافظ الفقيه إذا عمل بموجب ما علم من المحفوظ المنقول ، فقد يورّثه الله الأخذ عنه بعد ذلك ، فيكون وارثا حقيقة ، فافهم .
تتمّة في الباب
ثم الوراثة في العلم والحال والمقام ، إمّا أن تكون محمدية أو غير محمدية .
فغير المحمدي كمن يرث عن موسى وعيسى وإبراهيم وغيرهم في العلم والحال والمقام .
أو في العلم دون الحال والمقام ، أو في العلم والحال دون المقام ، كذي مقام آخر ينصبغ  بحال ذي حال في مقام يوجب ذلك .
العلم والحال إمّا بتأثير الروحاني أو بكلامه وإرشاده ، فسرى فيه العلم والحال ، ثم إذا سرى عنه انصبغ بحال مقام هو فيه .
فهؤلاء الوارثون يأخذون هذه العلوم والأحوال والمقامات عن أرواح الأنبياء الذين كانوا فيها قبلهم ، ووصل إمداد هؤلاء من أرواحهم .
ومنهم من يأخذها كما ذكرنا عن الله ، إمّا في موادّ تلك الرسل والأنبياء ، أو في الحضرات الإلهية ممّن قبلهم .
والوارث المحمدي يأخذ العلوم النبويّة عن روح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بحسب نسبته منه في صورة نسبية كذلك .
والأعلى يأخذ عن الله في الصورة المحمدية النورانية أو الروحانية ، أو عن روح خاتم الولاية الخاصّة المحمدية ، أو عن الله فيه كذلك .
في المقامات الإلهية والأحوال والعلوم مغمورة  أبدا بعد الأنبياء بالورثة المحمديين وغير المحمديين .
ويسمّيهم المحقّق أنبياء الأولياء ، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله : « علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل » وفي رواية " أنبياء بني إسرائيل " بلا كاف التشبيه ، والروايتان صحيحتان فالآخذون عن أرواح الرسل من كونهم رسلا ليست علومهم وأحوالهم ومقاماتهم جمعية أحدية محيطة .
والآخذون علومهم عن الله في الصورة المحمدية والختمية هم الكمّل من أقطاب المقامات ، وأكمل الكمّل وراثة أجمعهم وأوسعهم إحاطة بالمقامات والعلوم والأحوال والمشاهد .
وهو خاتم الولاية الخاصّة المحمدية في مقامه الختمي ، فوراثته أكمل الوراثات في الكمال والسعة والجمع والإحاطة بعلوم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأحواله ومقاماته وأخلاقه يقظة ومناما.
ويطابقه في الجميع حذو القذّة بالقذّة ، حتى أنّه جرى عليه ومنه رضي الله عنه مندوحة ، فما جرى على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومنه كما سيأتيك في الفصّ الشيثي ، فافهم إن شاء الله تعالى .
ثم الوراثة قد تكون كلَّية ، وقد تكون جزئية ، فالكلَّية لأقطاب المقامات المحمدية ، والجزئية لأقطاب المقامات الأسمائية ، والجامع للوراثات كلَّها هو الأكمل .
وآخر مقامات الوراثة الأدب والأمانة ، ولهذا قال رضي الله عنه : إنّه لا يزيد ولا ينقص عمّا نصّ عليه مورّثه صلَّى الله عليه وسلَّم 

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
( وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائى قد أجاب ندائى ، فما ألقى إلا ما يلقى إلى ) ثم لما كان قوله أن يخصني بالإلقاء السبوحى والنفث الروحي ،
وقوله ( لا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به على ) توهم أنه كان يدعى النبوة احترز عنه بقوله ( ولست بنبي ولا رسول ولكني وارث ) للعلم من النبي ببركة صحة المتابعة لقوله عليه الصلاة والسلام « العلماء ورثة الأنبياء »
( ولآخرتي حارث ) أي لا أريد بإظهار هذا العلم الحظ الدنيوي بل الأخروى.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
قوله: (وأرجو أن يكون الحق تعالى لما سمع دعائي قد أجاب ندائي) لسان أدب مع الله تعالى.
فإن الكمل المطلعين بأعيانهم الثابتة واستعداداتها مستجابوا الدعوة، لأنهم لا يطلبون من الله تعالى إلا ما يقتضيه استعداداتهم وأعيانهم.
كما تأدب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله لأمته: "سلوا لي الوسيلة".
فإنها لا يكون إلا لعبد من عباد الله. وأرجو ان أكون أنا ذلك العبد .
مع تحقق رسول الله،صلى الله عليه وسلم، أنها له، لكن بدعاء الأمة، فاقتدى بالنبي، صلى الله عليه وسلم، فيه.
وقوله: "لما سمع دعائي" إشارة إلى قوله تعالى: "إن ربى لسميع الدعاء."
فإن الدعاء يتعلق بحضرة السميع، ثم يجيب المجيب لذلك، وإليه الإشارةبقوله: "قد أجاب ندائي" أي، سؤالي.
قوله : (فما ألقى إلا ما يلقى إلى ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به على).
أي، فلست ملقيا عليكم إلا ما يلقى على من الحضرة المحمدية من أسرار الأنبياء والحكم الخصيصة بهم.
ولا أخبر في هذا الكتاب إلا ما أخبر به على في صورة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من حضرة الذات الأحدية.
فليس لأحد من المحجوبين أن يعترض على ما تضمنه الكتاب فيحكم عليه بأحكام  يقتضيها الحجاب.
وكونه مخصوصا بهذا الأمر إنما هو للمناسبة التامة الواقعة بين عينهما،إذ الأحكام الوجودية العينية تابعة للأحكام المعنوية الغيبية.
ولما عرف، رضى الله عنه، أن المحجوبين عن الحق لا بد أن ينسبوه فيما قال إلى ادعاء النبوة ويتوهموا ذلك منه.
قال: (ولست بنبي ولا رسول) لأن النبوة التشريعية والرسالة، كما مر بيانهما اختصاص إلهي.
إذ هو الذي يختص برحمته من يشاء.
وقد انقطعتا بحسب الظاهر، إذ لا مشرع بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالأصالة،لأنه، عليه السلام، أتى بكمال الدين.
كما قال تعالى" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي". أي، نعمة الإسلام والإيمان.
وقال، عليه السلام: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"والريادة على الكمال نقصان.
قال : (ولكني وارث ولآخرتي حارث) أي، ولكني وارث رسول الله.
واعلم،أن كل وارث يأخذ من مورثه ما يكون له من الأموال بحسب نصيبه المقدر له.
وأموال الأنبياء، صلوات الله عليهم، هي العلوم الإلهية والأحوال الربانية والمقامات والمكاشفات والتجليات.
كما قال، عليه السلام: "الأنبياء ما ورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
فالعلم الحاصل لهذا الوارث أكمل وأتم من الحاصل لوارث نبي آخر، لأنه، عليه السلام، أكمل الأنبياء علما وحالا ومقاما.
فكذا وارثه أكمل الوارثين علما وحالا ومقاما وكما تحكم أن المال الموروث يتملكه الوارث قهرا من الله، أراد الوارث ذلك أو لم يرد.
كذلك هذا الوارث يأخذ العلم والحال والمقام من الله على حسب استعداده إن شاء ذلك أو لم يشأ، فإنه تمليك قهري.
فمعنى قوله، عليه السلام: "فمن أخذه" أي، من أخذ العلم الإلهي من الله، القائم بربوبيته باطن رسول الله وظاهره، فقد سعد وخلص من الشكوك والشبهات الوهمية.
ولما كانت علومهم وأحوالهم ومقاماتهم حاصلة من التجليات الأسمائية والذاتية على سبيل الجذب والوهب، من غير تعمل وكسب، كان علوم هذا الوارث وأحواله ومقاماته أيضا كذلك من غير تعمل وكسب.
قال تعالى"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم".
فعلوم الأولياء والكمل غير مكتسبة بالعقلولا مستفادة من النقل، بل مأخوذ من الله، معدن الأنوار ومنبع الأسرار. و
إتيانهم بالمنقولات فيما بينوه إنما هو استشهاد لما علموه، وإتيانهم المعاني بالدلائل العقلية تنبيه للمحجوبين وتأنيس لهم رحمة منهم عليهم، إذ كل أحد لا يقدر على الكشف والشهود، ولا يفي استعداده بإدراك أسرار الوجود، فلهم نصيب منالإنباء والرسالة بحكم الوارثة لا بالأصالة، كما للمجتهدين من العلماء في الظاهر نصيب من التشريع، لذلك لا يزالون منبئون عن المعاني الغيبية والأسرار الإلهية.
ولما كانت الأمور السابقة في النشأة الدنياوية سببا للوصول إلى ما قدر له فيالآخرة، كما قال، عليه السلام: "الدنيا مزرعة الآخرة".
قال: "لآخرتي حارث" ولا يريد به أجر الآخرة ودخول الجنة وغيرها، فإن الكمل لا يعبدون الله للجنة.
بل المراد بـ "الآخرة" ما به ينتهى آخر أمره من الفناء في الحق والبقاء به.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
قال: (وأرجو)، لرعايتي آداب الدعاء وشرائطه الموجبة للإجابة، (أن يكون الحق)، تعالى (لما سمع دعائي قد أجاب ندائي)، أي: قولي: یا رب! بقوله: لبيك عبدي، فإنه أقل وجوه الإجابة عند اجتماع الشرائط والآداب
فقد ورد:  "إن العبد إذا قال: يا رب" قال الله "لبيك عبدي" ".
وهذا القدر كاف في هذا المطلوب، وإذا كان الحق قد أجاب ندائي (فما ألقي)، أي: أملی بطريق الإيماء (إلا ما يلقي إلي)، من الحضرة الإلهية، أو النبوية بطريق الإيماء فإن لفظ الإلقاء يشعر بذلك
(ولا أنزل)، بطريق التصريح (في هذا المسطور، إلا ما ينزل به علي)، من إحدى الحضرتين بطريق التصريح، ولما أوهم ذلك أنه يدعي النبوة قال: (ولست بنبي، ولا رسول ولكني)، أشابههم " ولي مثلهم"
لأني (وارث)، عنهم علومهم، وأحوالهم، وأعمالهم "قال الشيخ : إن أطيب ما يورث من العلم ما يرثه العالم من الأسماء الإلهية."
(ولآخرتي حارث)، بتحصيل ذلك، فلا يبعد الإلقاء إلي والإنزال علي، وإن لم أكن نبيا، ولا رسول؛ لأن من شابه قوما أخذ بعض أحكامهم، وإذا كنت لا ألقي إلا ما يلقى إلي، ولا أنزل ما ينزل به على.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
قال رضي الله عنه : " وأرجو أن يكون الحقّ لما سمع دعائي قد أجاب ندائي ، فما القي إلَّا ما يلقى إليّ ، ولا انزل في هذا المسطور إلَّا ما ينزل به عليّ " .
وإذ قد يوهم ما أشار إليه من أمر الإنزال عليه وإخراجه للناس بخصائص زمانه من العلوم والحقائق : أنّه نبيّ أمر بإخراج كتابه وإظهاره لدعوة الأمم في الدنيا.
قال رضي الله عنه  : ( ولست بنبيّ ولا رسول ، ولكنّي وارث ، ولآخرتي حارث ) دفعا لذلك الوهم .
وإذ قد فرغ من حكاية حاله بما يناسب الخطب من المقبولات المشوّقة للمسترشدين ، والإقناعيّات المحرّضة للطالبين ، أراد أن ينبّه على ما لا بدّ لسالكي طريقه منه إجمالا ، وهي أمور أربعة :
الأوّل إلقاء السمع للتوحيد الذاتي إجمالا .
والثاني الرجوع إلى الله بأقدام التوجّه والقصد والتبتّل إليه جملة .
والثالث تفصيل ذلك المجمل وشهود جمعه في المفصّل كشفا .
والرابع إرشاد الطالبين إليه امتنانا ، فإنّه من نفائس الكمالات التي في الخزانة الختميّة مما لا يمكن أن يكون عند طلَّابها من نقود استعدادهم ما يوازيه ، فيكون من محض الامتنان .
أخذ يخاطب الطلَّاب على ذلك بما يوافق عرفهم المألوف ووضعهم المطبوع من القرائن الشعريّة والفقرات المنظومة ، امتثالا لما أمر به من إخراجه للناس بما ينتفعون به ، فإنّ للنظم من المناسبة للحقائق الجمعيّة والدلالة عليها ما ليس للنثر .
قائلا : إذا كان جميع ما سطر هاهنا من المقولات منزّلا من عند الله:

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي. ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
قال رضي الله عنه : "وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب نداني". لسان أدب مع الله تعالى فإن الكمل المطلعين على أعيانهم الثابتة واستعداداتها لا يطلبون من الله سبحانه إلا ما تقتضيه أعيانهم واستعدادتها فهم متيقنون بإجابة دعائهم.
وفي إضافة السمع إلى الدعاء والإجابة إلى النداء قد يقع لبعض الناس أن العكس أنسب لأن المقصود من النداء الإسماع ومن الدعاء الإجابة.
فكأنه رضي الله عنه لاحظ قوله تعالى : "إن ربي لسميع الدعاء" آية 39 سورة إبراهيم .
ولما تيقن بالإجابة من الله تعالى قال: (فما ألقي) إليكم (إلا ما يلقى إلي) كما تضمنه هذا الكتاب من أسرار الأنبياء عليهم السلام والحكم الخصيصة بهم .
والملقي إلي هو الله سبحانه وتعالى من الحضرة المحمدية الحتمية الكمالية الإلهية (ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل) به (على) والمنزل أيضا هو الله سبحانه من تلك الحضرة.
ولما علم رضي الله عنه سبق أوهام المحجوبين من هذا الكلام إلى ادعائه النبوة والرسالة قال :
(ولست بنبي ولا رسول) لأن النبوة التشريعية والرسالة قد انقطعنا (ولكني وارث) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العلوم الإلهية والأحوال الربانية والمقامات والمكاشفات والتجليات
(ولآخرتي) التي ينتمي إليها أمري آخرة من مراتب الكمال (حارث) .
ولما لم يكن لي تصرف فيما أذكره.
.


عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الخميس 14 مارس 2019 - 18:11 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الشريف المحسي

مُساهمة الخميس 14 مارس 2019 - 17:04 من طرف الشريف المحسي

الفقرة الثامنة الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي.
ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).

قال الشيخ رضي الله عنه: [و أرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي فما ألقي إلا ما يلقي إلي، و لا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به عليّ، و لست بنبيي رسول و لكني وارث و لآخرتي حارث : 
فمن الله فاسمعوا    .... وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما   ..... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا    ..... مجمل القول واجمعوا
ثم منوا به على     ..... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي  ...... وسعتكم فوسعوا
و من الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد، و قيد بالشرع المحمدي المطهّر فتقيد و قيد، و حشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته. فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك ] . 
حيث قال صلى الله عليه و سلم :  "وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد".  
مع تحققه صلى الله عليه و سلم أنه هو، فأرجو من العامل بمنزلة عيسى عليه السلام و لعلّ من الحق تعالى فإن لأمر المحقق.
(و أرجو) و لا يخفى على الله خافية فإن المحقق قد علم و شهد و ما عند الله، بل علم نفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد، فافهم أنه رضي الله عنه من الذين سبقت لهم منا الحسنى و زيادة.
( أن يكون الحق) إنما قال: الحق و لم يقل اسما آخر إذ لا يطلب الحق و لا يعطي إلا بالحق لأنه أعطى كل شي ء خلقه و هو ما يستحقه، فالسائل لو لم يكن مستحقّا استحقاقا ذاتيا ما أعطاه . 
( لما سمع دعائي قد أجاب ندائي) أنه سميع الدعاء يقال: دعوت فلانا: أي صحت به نداء و دعوت الله له و عليه دعاء، و النداء الصوت و ناداه مناداه و نادى: أي صاح به، ذكره في الصحاح . 
دعا رضي الله عنه امتثالا بقوله تعالى: "ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ " [ غافر: 60] . 
قال تعالى: "أجِيبُ دعْوة الدّاعِ إذا دعانِ" [ البقرة: 186] و ما دعاؤه رضي الله عنه إياه تعالى إلا عين قوله: يا الله و هو لله و جوابه لبيك، فهو الدعوة و به يسمّى داعيا . 
قال رضي الله عنه: هذا لا بد من الله في حق كل سائل، ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء و قد وقعت الإجابة، و أمّا ما طلب من الحوائج فلم يضمن إجابتها عناية و رحمة بهم لأنه قد يسأل مما لا خير فيه . 
قال تعالى: "ويدعُ الِإنسانُ بالشّر دُعاءهُ بالخيْرِ" [ الإسراء: 11]، . 
أما ترى بلعام بن باعوراء قد أتاه الله العلم بخاصة آية من آياته، و دعا على موسى عليه السلام فأجاب تعالى دعاءه فشقي الدّاعي شقاوة و انسلخ، و جعل مثله كمثل الكلب، فقضاء ما طلب من الحوائج بالمشيئة . 
قال الله تعالى: "وأيُّوب إذْ نادى رّبهُ أنِّي مسّني الضُّر وأنت أرحمُ الرّاحِمِين " فاسْتجبْنا لهُ فكشفْنا ما بهِ مِنْ ضُّر" [ الأنبياء: 83 – 84 ].
وقال تعالى في عبده الصالح يونس عليه السلام: "فنادى في الظُّلماتِ" [ الأنبياء: 87] فاستجاب له .
فإن المريض أو المضرور إذا قال: يا الله يعني يا شافي اشفني، و يا مغيث أغثني و هكذا هنا أجاب تعالى ندائه رضي الله عنه بلبيك و دعائه و طلبه بالسمع و القبول، فافهم . 
ثم اعلم أن الدعاء والطلب و السؤال لا يقتضي المنازعة .
كما ذهب إليه سهل، و الفضيل ابن عياض قدّس سرهما حيث ما أراد الله، فإن الدعاء ذلة و افتقار، و النزاع رئاسة و سلطنة فمن لم ينازع فما هو مقهور، و لا الملك عليه بقهار . 
قال رضي الله عنه: إنه ما تجلى له الحق تعالى بحمد الله من نفسه في اسمه القهار، و إنما رأى في مرآة غيره لأن الله تعالى عصمه منه في حال الاختيار، و الاضطرار فلم ينازع قط و كلما يظهر منه من صورة النزاع فهي تعليم لا نزاع، و لا ذاق من نفسه صورة القدر الإلهي قط لمناسبة ذكر بعض الأخبار و الآثار حتى يقرع سمعك مثل هذه الأسرار . 
اعلم أن من النزاع الخفي الصبر على البلاء، و عدم البلاء إذا لم يرفع إزالته إلى الله تعالى كما فعل سيدنا أيوب عليه السلام، و قد أثنى الله تعالى عليه بفعله مع شكواه .
فقال تعالى: "إنّا وجدْناهُ صابرًاً نعْم العبْدُ إنّهُ أوّابٌ" [ ص: 44] . 
و لهذا قلنا: إن الدعاء لا يقدح ولا يقتضي المنازعة بل هو أعلى، وأثبت لقدم العبودية من تركه . 
ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يرد القدر إلا الدعاء " الحديث رواه ابن ماجه. والترمذي وأحمد  و الطبراني في الكبير.
وأما الرضا والتسليم فهما نزاع خفي لا يشعر به إلا أهل و خاصته و ذلك لأن متعلق الرضا ميزان شرعي خاص لا يدرك إلا بالكشف، فافهم . 
هكذا أبانه في "الفتوحات" فما ألقي إليكم إلا ما يلقى، ولا أنزل هذا المسطور إلا ما ينزل به عليّ، ألقي إليه كتاب كريم.
فألقي إليكم الكتاب القويم و هو مرتب مسموع مقروء، و أنزله في هذا المسطور كما نزل عليه رضي الله عنه في الرقّ المنشور، و بلغ ما أنزل إليه فلم يعدل عن سورة ما أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم، و أبقى صورته كما أنزل عليه فإنه ما نزلت المعاني الصرفة عليه من غير تركيب بل بتركيب الحروف و ترتيب الكلمات و نظم الحكايات و إنشاء الفصوص من  كل فص باسم صاحب ذلك الفص المسمّى مجموعة بفصوص الحكم .
فلمّا أقام رضي الله عنه نشأة هذا الكتاب "الفصوص "، و أظهره بين أظهر الناس فأبصرته الأبصار، و سمعته الآذان من التائبين، و قرأته الألسنة عند التلاوة و ليس الكتاب إلا هذا المجموع و المسموع المبصر المقروء .
وذلك تبليغا منه وتنبيها للناسين، فلا ينبغي لأحد أن يعترض على ما تضمنه الكتاب و يعترض لأحكامه بسوء الخطاب فيحكم عليه بأحكام يقتضيها الحجاب الله أعلم حيث يجعل رسالاته و ما على الرسول إلا البلاغ.
و سدد هذا الكلام منه رضي الله عنه كله لتأنيس الناسين الذّاهلين، و تنبيه الغافلين الساهين بأنه كتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، بل في بعض كتبه يحلف رضي الله عنه بالإيمان تحريضا و تحريصا على القبول و الإذعان لأهل الإيمان . 
كما في "الفتوحات" في الباب الثالث و ثلاثمائة فإنه يقول: فو الله ما كتبنا حرفا إلا من إملاء إلهي أو إلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني.
و هذا مثل ما قال صاحب موسى عليهما السلام، و ما فعلته عن أمري حتى يرد الأمر و ثبت الحاس، فالعمل في هذا الإقعاد و مشوا على سنن سيدهم . 
حيث يقول تعالى: "لا أقسِمُ بيوْم القِيامةِ" [ القيامة: 1] . 
و الشمس و الليل و الضحى، و كل ذلك شفقة و رحمة من الله و من عباده الأمناء العارفين على عباده الضعفاء المترددين . 
( و لست بنبيّ و لا رسول ): أي نبي مكلف، و رسول مشرع فإنهما انقطعا برسول الله صلى الله عليه و سلم، فلا رسول بعده و لا نبي . 
قال رضي الله عنه: إنما قلت لئلا يتوهم متوهم، فلا رسول بعده، إني ادّعيت النبوة و الرسالة لا و الله ما بقى إلا ميراث و سلوك على مدرجة الرسول، و الاقتداء به صلى الله عليه و سلم خاصة . 
وأمّا النبوّة و الرسالة اللتان ليستا بتكليف ولا تشريع جديد فأبقى الله تعالى أحكامها في الورثة.
""أضاف المحقق :  قال سيدي علي وفا قدس سره:
النبوة مظهرية الربوبية، والروح الناطق الحكيم وجه رب الحق المبين، فمن ظهر فيه فقد أوتي النبوة في كل مقام بحسبه.
من ظهر فيه الروح الحكيم بإدراكه وفعله في دائرة التدبير والتكوين معا فهو رسول في كل مقام.
من ظهر فيه الروح الحكيم بادراكه لا فعله فهو ولي .
فالنبوة حيطة الإحاطة الربانية. والرسالة منها للفرقان. والولاية للجمع، في كل مقام بحسبه .
وقال : غاية كل شيء نهايته وختامه، وغاية النبوة الربوبية، فخاتم النبيين وسطهم جامعهم غايتهم
وقال : فقيل للسيد: متى وجبت لك النبوة؟
قال: «كنت نبيا و آدم منجدل في طينته».
وفي رواية: «إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم بين الروح والجسد»."" أهـ
وأشار صلى الله عليه و سلم إليه في قوله : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".
ويشير إلى هذين المقامين الشيخ ابن الفارض قدّس سرّه في شعر
وعالمنا منهم نبيّ و من دعي    ..... منا إلى الحق قام بالرسلية
جعل الله ورثته صلى الله عليه و سلم في منازل الأنبياء و الرسل.
فأباح لهم الاجتهاد في الأحكام فهو تشريع محقق من خبر الشارع الصادق المحقق فكل مجتهد نصيب،  كما أن كل نبيّ معصوم عن الغلط و السهو ليحصل لهم نصيب وافر من التشريع . 
ورد في الخبر :  "إن لله عبادا ليسوا بأنبياء" : أي أنبياء التشريع و التكليف و لكن أنبياء علم و سلوك اهتدوا فيه بهدى أنبياء التشريع غير أنهم لا يقبلون الاتباع لوجهين.
وجه لسواد وجوههم في الدنيا والآخرة فهم أصحاب راحة عامة لا يدرون أحد، ولا يدريهم أحد. 
الوجه الآخر أنهم يريدون راحة يوم الفزع الأكبر يوم يحزن الأنبياء على أممهم لا على أنفسهم . 
و فيهم قال تعالى: "لا يحْزنـهُمُ الفزعُ الْأكْبرُ وتتلقّاهُمُ الملائكةُ" [ الأنبياء : 103].المهيمون في جلال الله، العارفون الذين لم تفرض عليهم الدعوة إلى الله تعالى، و هم في البشرة بمنزلة الأرواح الهائمة في الملك، فافهم . 
قال رضي الله عنه في الفصل الثالث و الثمانين في "الأجوبة في الفتوحات" : 
قد حدّثني أبو البدر البغدادي، عن الشيخ بشير من ساداتنا بباب الأزج، عن إمام  
بالسجود لآدم، و شرعه لهم لأنه نبيّ ذلك الوقت، و يؤيد ذلك إضافة الرب إليه في قوله: "وإذْ قال ربُّك للْملائِكةِ إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خليفةً" [ البقرة: 30].
و تيسير خطاب البسط بلسانه في قوله: "وإذْ قُـلْنا للْملائكةِ اسْجُدُوا لِآدم" [ البقرة: 34]، و قس على هذا.  
العصر، عن عبد القادر الكيلاني قدّس سره أنه قال : "معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا" .
فأمّا قوله أوتيتم اللقب: أي حجر علينا إطلاق لفظ النبي، و إن كانت النبوّة العامة سارية في أكابر الرجال . 
و أما قوله: و أوتينا ما لم تؤتوا هو عين قول الخضر عليه السلام الذي شهد الله بعدالته و تقدمه في العلم، و أتعب الكليم المصطفى المقرب موسى عليه السلام في طلبه . 
إن العلماء أجمعوا على أنه أفضل من الخضر عليه السلام، فقال له: أنا على علم علمنيه الله لا تعلم أنت، فهذا عين ما قال السيد عبد القادر قدّس سره، فافهم أن هذه النبوة العامة غير منقطعة دائما أبدا . 
و قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": و هذه ما أدري عن قصد منهم كان ذلك، أو لم يوفقهم الله عليها، أو ذكروها و ما وصل ذلك إلينا، و الله أعلم بما هو الأمر عليه . 
( و لكني وارث) اعلم أن الوارث اسم إلهي، و الوراثة نعت إلهي، فإنه قال تعالى عن نفسه أنه خير الوارثين: "وأنت خيْـرُ الوارثين" [ الأنبياء: 89] .
قال: "إنّا نحْنُ نرثُ الْأرض ومنْ عليها " [ مريم: 40].
فورثها ليورثها من يشاء من عباده، فالولي الوارث لا يأخذ ورث النبوّة إلا بعد أن يرثها الحق منه.
ثم يلقيها إلى الولي ليكون ذلك أتم في حقه حتى ينسب في ذلك إلى الله تعالى لا إلى غيره.
وبعض الأولياء يأخذونه وراثة عن النبي صلى الله عليه و سلم وهم الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوه، أو من رآه في النوم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الخامس و الخمسين و مائة من "الفتوحات" : .
و لهذا قيل: إن كنت وارثا فلا ترث إلا الحق.
فإن قيل: ولا يصح الميراث لأحد كان ممن كان إلا بعد انتقال المورث، و أمّا ما حصل لك من غير انتقال فليس يورث، و إنما ذلك وهب و أعطية و منحة أنت فيها نائب وخليفة لا وارث. 
وأيضا إن المورث لا يكون إلا بتملك قهري على المورث كان ما كان، أراد المورث، أو لم يرد، و كان من كان، فكيف حكم هذين الحكمين في الإلهيات التي أثبت فيها الميراث ؟ 
قلنا: صدقت، و لكن إذا أشهدك الحق غناه عن العالمين فقد ترك العالمين، فهم تركة إلهية لا يرثها إلا أنت إن كنت صاحب هذا الكشف و الشهود، فافهم . 
وأيضا أن جميع ما نحن عليه من الصفات وصف نفسه بها، ثم نزه نفسه عنها . 
فقال تعالى: "سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180]، فأخذنا هذه الصفات التي كنا نصفه بها بعد تنزيهه عنها بحكم الوارث لأنه قد وصف نفسه، و وصفناه بها، فقام التنزيه بعد ذلك مقام الموت لنا، فهو يرثنا بالموت، و نحن نرثه بالتنزيه، فافهم . 
و أيضا أن الله تعالى قال: " ما يكُونُ مِنْ نجْوى ثلاثةٍ إلّا هُو رابعهُمْ" [ المجادلة : 7].
فإذا جاء الرابع منا انتقل إلى المرتبة الخامسة، و خلي له المرتبة.
فورثها هذا وارث العموم، وأمّا في ميراث الخصوص، فإنه رابع أربعة في حال كونك أنت رابع أربعة لأنك على الصورة.
فورث الخاص الوجود، و بطن المورث بورث الظاهر الوجود . 
قال رضي الله عنه: إن أطيب ما يورث من العلم ما يرثه العالم من الأسماء الإلهية . 
و يشير إلى هذا قوله صلى الله عليه و سلم : "تخلقوا بأخلاق الله" .  
، و ظهور الأخلاق لا يكون إلا في عالم التشبيه للخليفة، فاستخلف الخليفة و استعان بذاته و تحجّب بحجاب العزة لاستحالة جمع المستخلف و المستخلف، و لا يجمع المورث و الوارث، فافهم . 
أمّا قولك: إن الميراث من تمليك  قهري فذلك لأن الإرث بحكم الاستعداد وبتحكّم القابلية، و الاستحقاق الذاتي . 
و من هذا المقام قال سبحانه في طائفة: "لهُمْ أجْرٌ غيْـرُ ممْنونٍ " [ الانشقاق: 25] إلا منه روع لأنه اقتضاء ذاتي . 
و قال في الآخرين: "وما ظلمْناهُمْ ولكِنْ كانوا أنْـفُسهُمْ يظلِمُون " [ النحل : 118] .
و كما أن المال الموروث من غير كسب، و تصنع من الوارث، كذلك هنا أن علومه آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من غير كسب واستفادة .
و هنا  مشرب آخر دون ذلك وهو: إن تعلم أن الورث ورثان، ورث نبوّة أن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "الأنبياء ما ورثوا دينارا و لا درهما و إنما ورثوا العلم ".
فمن أخذه بحظ وافر، فلم يبق الميراث إلا في العلم والحال والعبارة عمّا قصدوه من الله تعالى في كشفهم، وهو على نوعين صوري ومعنوي. 
أمّا الصوري: منه ما يتعلق بالألفاظ و الأفعال و ما يظهر من الأحوال، فإن الوارث ينظر إلى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم ما أبيح للوارث الاقتداء به فيه.
فيأتيها على حد ما وردت لا نزيد و لا يزيد و لا ينقص منها، و إن اختلفت الروايات فليفعل بكل رواية وقتا بهذا و وقتا بهذا و لو مرة واحدة، و يدوم على الرواية القوية إذا أمكن له و لا ينقص أصلا ثابتا . 
و من هذا الذوق روي عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: إنه ما أكل البطيخ حتى مات لأنه ما بلغه كيف أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و أما المعنوي: فكان ما يتعلق بباطن الأحوال من تطهير النفس، و التخلق بمكارم الأخلاق، فإنه قال صلى الله عليه و سلم :  "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . 
وهذا الإتمام على نوعين :
الأول: للعامة بتبديل المذام بالمكارم .
والنوع الثاني: بخصوص و هذا إلحاق السفساف بالمكارم، فإن الأخلاق كلها مكارم و ليس في الوجود إلا الله، فافهم . 
أما الوارث الثاني هو الموروث الإلهي، فهو ما يحصل لك في ذاتك من صور التجلي الإلهي عند ما يتجلى لك فيها فإنك لا تراه إلا به.
فإن الحق بصرك في ذلك الموطن، فإن لم يتكرر عليك صورة التجلي فقد انتقل عنها، و ورثك أمر تظهر به في ذاتك و في ملكك، فإذا أردت شيئا تقول له كن فيكون، فمثل هذا من الورث الإلهي هو الورث النبوي، فإنه ما حصل هذا إلا بالاتباع، و الاقتداء، و المحبة . 
و الأنبياء لا يورثون عليهم السلام حتى ينقلبوا إلى الله تعالى من هذا الدار و كل ما له من نبي انتقل، فذلك علم موروث .
أما ترى قوله تعالى عن زكريا عليه السلام: " وإنِّي خِفْتُ الموالي مِنْ ورائي" [ مريم :5]: أي بعد موتي، و انتقالي إلى البرزخ فطلب من لدنه وليا يرثه من بعده حتى لا يضيع الذين بعده، و هل كان ذلك الإرث إلا بعد الانتقال؟ . 
ثم اعلم أن كل وارث علم في زمان يرث من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام، و هذه الأمة لما كان نبيها آخر الأنبياء عليهم السلام صحّ للوارث منهم أن يرث الجميع.
ولا يكون ذلك بغير هذه الأمة، فلهذا خير أمة أخرجت للناس، و كل علم لا يكون عن ورث فإنه ليس بعلم اختصاص كعلم الحكماء وأصحاب الفترات، فافهم . 
و لو كانوا علماء و لم يكونوا متبعين لنبي، فنزلوا عن درجة الاختصاص و التفاوت بين العلمين بون عظيم، و تميز ذوقي مشهود، جعلنا الله و إياكم من الوارثين، و لآخرتنا حارثين و لآخرتي حارث . 
قال تعالى: "منْ كان يريدُ حرْث الْآخِرِة نزدْ لهُ في حرْثهِ ومنْ كان يريدُ حرْث ُّ الدنيا نُـؤْتهِ مِنْها وما لهُ في الْآخِرِة مِنْ نصِيبٍ"[ الشورى: 20]. 
و الزيادة في الحرث هو التوفيق للعمل الصالح، فلا يزال ينتقل من حسنة إلى حسنة، فإذا كسب نال ما اقتضاه العمل و الزيادة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهو ذوق، فهذه زيادة الحرث في الآخرة فينال به في الآخرة جميع الأغراض و زيادة لم يبلغه أمله لعدم توجهه إليه . 
وأما قول الشارح القيصري قدّس سره: إنه لا يريد أجر الآخرة من دخول الجنة وغيرها، فإن الكمّل لا يعبدون الله للجنة، انتهى كلامه. 
فكأنه اشتبه عليه الفرقان بين من يعبد الله للجنة، وبين من يشتهي الجنة و أجرها مع أنه رضي الله عنه ذكر في "الفتوحات ": إن النفس الناطقة تلتذ بجميع ما تعطيه القوة الحسية، فتشتهي اللذات الجنانية . 
والناس على أربع مراتب في هذا الاشتهاء فمنهم:
من يشتهي الجنة و لذاتها و تشتهيه الجنة .
كما ورد في الخبر :  "إن الجنة اشتاقت إلى علي، و بلال، وعمار رضي الله عنهم" وهم من أكابر رجال الله من رسول ونبيّ و وليّ كامل مكمّل .
ومنهم: من يشتهي بالضم و لا يشتهي بالفتح، و هم أصحاب الأحوال من رجال الله الهائمين في جلال الله الذين غلب معناهم على حسبهم.
وهم دون الطبقة الأولى، فإنهم أصحاب أحوال . 
ومنهم: من يشتهي بالفتح و لا يشتهى بالضم و هم عصاة المؤمنين . 
ومنهم: من لا يشتهي و هم المكذّبون بيوم الدين، والقائلون بنفي الجنة المحسوسة، ولا خامس لهؤلاء الأربعة أصناف . 
قال رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و أربعمائة من "الفتوحات ":
إن العالم لا يرى شيئا من الأحوال، و يعظم ما عظمه الله، و يحقّر ما حقّره الله، و لا يغلب عليه الحال، فإن أكثر الناس لا يعلمون، بل هم بهذا القدر جاهلون و عنه عمون.
وهذا هو الذي أدّاهم إلى ذم الدنيا و ما فيها، والزهد في الآخرة وما فيها من النعيم واللذات، و انتقدوا على من شغل نفسه بمسمّى هذه اللذات كلها، و جعلوا في ذلك ما حكي عن الأكابر في هذا النوع متأولا، و حملوا ألفاظهم على غير وجه تعطيه الحقيقة.
وأرادوا أن كل ما سوى الله حجاب و كيف لا تكون شهوة الجنة وهي دار القربة و محل الرؤية، و هي دار الشهوة و عموم اللذات، و لو كانت حجابا لكان الزهد و الحجاب فيها، فالرحل كل الرحل من ظهر بالصورة و هو وراء أحكام العبودية الطبيعية، فافهم. انتهى كلامه رضي الله عنه . 
قال رضي الله عنه في الباب الخامس والثمانين وثلاثمائة من "الفتوحات "
إن احتقار شيء من العالم لا يصدر من تقي يتقي الله.
فكيف من العالم بالله علم دليل أو علم ذوق؟!
فإنه ليس في العالم عين إلا وهو من شعائر الله من حيث ما وضعه الحق دليلا عليه، و وصف من يعظم شعائر الله، فإنها من تقوى القلوب.
فمن حقّر الوجود و استهانه، فإنما حقّر و استهان خالقه و مظهره، فافهم .
فقوله رضي الله عنه: ولآخرتي حارث: أي أطلب الأجر لأنه ظهر على الصورة، و أوّل أجر ظهر طلبه في الوجود أجر إيجاد الممكن . 
فقال: الممكن للواجب في حال عدمه أريد منك عمل الإيجاد، فقال: الواجب فلي عليك حق إذا علمته لك ما طلبت من العمل، و أظهرتك في الوجود . 
فقال: لك أن أعبدك و لا أشرك بك شيئا، فلما أظهره، و لم يجعل نفسه في إيجاده متبرعا فقال: اعبدني، و سبح بحمدي فسبحه و عبده . 
فسري حكم طلب هذا الأجر في جميع الممكنات، بل هو ذاتي للأعمال لأن الأعمال تطلب الأجر بذاتها . 
ورد في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم قال :  "حق الله على العباد أن يعبدوه، و لا يشركوا به شيئا، ثم قال: أتدرون ما حقهم عليه سبحانه و تعالى إذا فعلوا ذلك؟   أن يدخلهم الجنة". 
ذكره رضي الله عنه في الباب السادس و السبعين و ثلاثمائة من " الفتوحات" . 
ولهذا السرّ قالت الأنبياء عليهم السلام: إن أجرنا إلا على الله، فأخبروا أن لهم الأجور، و أمر سبحانه لسيدنا و نبينا صلى الله عليه و سلم . 
حيث قال تعالى: "قلْ لا أسْئلكُمْ عليْهِ أجْرًاً إلّا المودّة في الْقُرْبى"  [ الشورى: 23] باستثناء متصل، فما عمل عامد كان من  كان إلا بالهجر، فافهم

.


عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الخميس 14 مارس 2019 - 18:07 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الشريف المحسي

مُساهمة الخميس 14 مارس 2019 - 17:04 من طرف الشريف المحسي

الفقرة التاسعة الجزء الأول .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله) لا مني لأني عند نفسي هالك إلا وجه ربي إلي.
كما قال تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه " آية 88 سورة القصص.
فوجه ربي إلي هو الظاهر في وإن كنت موجودة عندكم.
فذلك تلبيس من الله تعالى عليكم.
(فاسمعوا) أيها الناس الذين أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إليهم "بفصوص الحكم" لينتفعوا به ما أخرج إليكم به من حضرة غيبي إلى شهادتي من علوم الله النافعة لكم.
(وإلى الله ) لا إلى نفوسكم
(فارجعوا) فيما سمعتموه مني فإنكم إليه ترجعون "وإليه يرجع الأمر كله " 123 سورة هود.  " وإليه تقلبون" آية 21 سورة العنكبوت. " وإليه المصير" آية 18 سورة المائدة. "وإلى ربك يومئذ المساق" آية 30 سورة القيامة.
(فإذا ما سمعتموا ما)، أي الذي أو شيئا
(أتيتم) بالبناء للمجهول، أي أتيتكم (به) من العلوم الإلهية في هذا الكتاب
(فعوا) ذلك وتثبتوا في سماعه واصغوا إليه ولا تنتقدوا شيئا منه، فإني ما وضعته لكم إلا نافعة لا مضرة بإشارة الرسول صلى الله عليه وسلم كما سبق.
فلا تأخذوه بلا وعي فتجهلوه وتجحدوا ما جهلتموه.
في هذا الكتاب فتظنون أنكم تعلمونه وأنتم لا تعلمون فتحرمونه وتفترون عليه ما ليس فيه .
قال الشاعر :
إذا لم تستطع شيئا فدعه    …. وجاوزه إلى ما تستطيع
(ثم) بعد وعيه (بالفهم) النوراني
(فًصٍلوا) ما تجدونه فيه من (مجمل القول) فإن المسألة إذا بنيت على مقدمات كثيرة منطوية في علم المتكلم بها يصعب عليه في وقت ذكرها تفصيل جميع مقدماتها، فهو يفصلها في موضع ويجملها في موضع آخر لسعة العلم.
ومثل هذا الكتاب ليس مصنفة للقاصرين عن معرفة العلوم الظاهرة.
بل هو لأهل البداية في علم الحقيقة المشرفين على أنوار الطريقة.
بل للعارفين الكاملين في مرتبة حق اليقين.
ولهذا قال :
(واجمعوا) إذ هم أهل الجمع والتفصيل، وأما الذين يعلمون ظاهرة من الحياة الدنيا فإنهم ينظرون إلى ظاهر هذا الكتاب وهم عن آخرتهم غافلون.
وإذا كان الله تعالى المنزه
عن كل نقصان وقع في قلوب الجاهلين سوء الظن به.
كما قال تعالى :"وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)" سورة الفتح . فكيف بهذا الكتاب والله أعلم بالصواب.
والقصور العالية ليست مبنية لسكنى الحمير
والدواب بل لهم الحضيض الأسفل من الساحات والأعتاب وأن يربطوا في الأبواب.
(ثم منوا)، أي أحسنوا وأسعفوا وتكلموا (به)،
أي بما فهمتم مفصلا من مجمل هذا الكتاب ولا تكتموا شيئا منه .
(على طالبیه) إذا وجدتموهم
(لا تمنعوا) ذلك عنهم كما قيل: لا تعطوا الحكمة
غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)"سورة البقرة.
وقال الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في معشراته :
بینوا أمرنا لكل لبيب      ….. في كتاب إن شئتم أو خطاب
غير أن الإنسان إذا لم يجد طالبا لذلك، أو وجد جاهلا منتقد على ما هنالك، فليكتم ما عنده صيانة الأسرار الله تعالى أن يعبث بها الجاهلون ويخوض فيها المغرورون.
وهذا كله فيمن بقي مع نفسه ، وأما المغلوب بحاله فهو مع الوقت كيف كان والحق مستولي على قلبه ولسانه، فلا حرج في كل آن.
وبالله التوفيق والمستعان.
(هذه)، أي الحضرة الإلهية التي فصلتموها بأفهامكم من مجمل هذا الكتاب وجمعتموها في بصائركم المنورة .
هي (الرحمة) الربانية (التي وسعتكم) وجميع المخلوقات .
كما قال تعالى :" ورحمتي وسعت كل شيء" آية 156 سورة الأعراف.
(فوسعوا) بها على عباد الله
تعالى بهذه الطريقة التي شرحتها لكم في هذا الكتاب ولا تضيقوا على أحد منهم.
واعلم أن الله تعالى من حيث هو في ذاته موصوف بصفات لا نهاية لها، كلها غیب مطلق عنا.
وكل صفة منها، في حال اتصافه بها يتصف بكل صفة غیرها اتصافة مخصوصة لائقة بتلك الصفة.
فكل صفة لها كل صفة على وجه مخصوص، ولم يظهر من صفاته تعالى من حيث هو في ذاته إلا صفة الرحمة.
وباقي الصفات كلها من حيث هو متصف بها في ذاته لم يظهر منها شيء.
فجميع العوالم ما كان منها وما لم يكن إنما هو موجود كائن في حضرة صفة الرحمة فقط .
وأما في باقي حضرات صفاته تعالى فلا وجود لشيء مطلقا ولا يكون ذلك أبد الآبدين ودهر الداهرين.
ولا يمكن ذلك إذ باقي الأوصاف غير الرحمة لا يثبت معه شيء فلا يوجد معه شيء.
وأما الرحمة فهي المثبتة للأعيان الكونية والممدة لها.
ثم إن الرحمة المذكورة موصوف ربنا تعالى المتجلي بها في حضرة تجليه بها على عالم الإمكان بجميع الأوصاف الباقية فهو تعالی علیم، قدیر، جبار، متكبر، قهار، وهاب ، ضار، نافع إلى غير ذلك.
لكن كل ذلك من حضرة الرحمة المذكورة فقهره وجبروته وضره تعالى من حضرة الرحمة.
ولهذا تبقى الآثار مع ذلك ولا تنمحق ولا تهلك مع أنها هالكة بالنسبة إلى غير الرحمة من باقي الحضرات الصفاتية
كما قال تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه" آية 88 سورة القصص.
ونقل عن أبي يزيد البسطامي قدس الله سره أنه سمع قارئا يقرأ "إن بطش ربك لشديد " آية 12 سورة البروج.
فقال: بطشي أشد من بطشه، لأن بطشه مشوب بالرحمة وبطشي لا رحمة فيه.
ولهذا قال تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء" 156 سورة الأعراف.
وكان استوائه تعالى، أي صفة تجليه على العرش
بالرحمة لا غيرها من الصفات كما قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى "آية 5 سورة طه.
وجمعية الرحمن بجميع الأوصاف من قوله تعالى : "
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"آية 110 سورة الإسراء.
فالأسماء الحسنى لله والأسماء الحسنى للرحمن.
وكذلك لكل اسم من الأسماء الحسنى أيضا الأسماء الحسنى كلها.
والتي ظهرت بظهور الأكوان
إنما هي الأسماء الحسنى التي للرحمن لا مطلق الأسماء الحسنی.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله فاسمعوا    ….. وإلى الله فارجعوا)
إخبار في صورة الإنشاء عن إفناء وجوده في الله بالكلية في إبراز الكتاب بحيث لا يبقى من الوجود الكلي أثر ولو كان عدمية .
وإشارة إلى أنه قد وقع بعد تكميل النفس وقطع مراتبها يعني إذا سمعتم الفاظة من لساني فاسمعوا فقد سمعتم من الله لا مني لفناء المنية فيه .
وإذا رجعتم في إدراك معانيه وكشف أسراره وحل مشكلاته باستمدادكم من روحانیتي فارجعوا فقد رجعتم إلى الله لا إلي .
لفناء مرجعيني فيه نفي أي شيء سمعتم ورجعتم فقد سمعتم من الله ورجعتم إليه فإني فاني في الله بالكلية في إبراز هذا الكتاب.
فهذا اختصاص إلهي به دون سائر كتبه فعظموه واعلموا قدره بإدراك معانيه وكشف أسراره وتعليمه إلى طالبيه .
"فإذا ما سمعتم"، ما زائدة لتأكيد العموم "ما أتيت به فعوا" أمر للطالبين يعني خذوه مني، كما أخذت من رسول الله وانظروا ما فيه وأدركوا معانيه الكلية واحفظوا في قلوبكم .
وهو مرتبة علم اليقين ثم أمرهم بعد ذلك إلى درجة عين اليقين حتى لا يقنعوا به.
فقال : "ثم بالفهم" أي بسلطان القوي ثم لبعد الدرجتين في الفصل .
الحاصلة في قلوبكم إجمالا ما تشتمل عليه تلك الأصول من الفروعات ثم أمر إلى درجة حق اليقين.
بقوله: "واجمعوا" ثم اجمعوا في الإدراك بين الإجمال والتفصيل بحيث لا يحجب إدراك أحدهما عن إدراك الآخر.
وإذا أدركتم بهذا المقام وتحققتم به فقد حصلتم المساواة بيني وبينكم في رتبة الإحاطة وأخذتم الكتاب مني كما أخذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه بشارة عظيمة للطالبين اللهم ارزقنا فإذا حصل المساواة .
فقد وجب عليكم الإفاضة للطالبين فإذا أفضتم فقد حصلتم المساواة في الإبراز .
وهو معنى قوله : "ثم منوا به"، أمر بالتعليم أي بتعليمكم خالصة مخلصة عن الأغراض النفسية يعني ألقوا معاني الكتاب وأسراره "على طالبيه" كما ألقى الله عليكم بمنه ورحمته .
والمراد بالطالب كل مؤمن يصدق الكتاب ويشتغل بقراءته من أهله طلبا للاطلاع بحقائقه وأسراره .
سواء استحق بالفعل أو لم يستحق "ولا تمنعوا هذه الرحمة التي وسعتكم".
بقولكم لغير المستحقين أي للطالبين الغير المستحقين اذهب واكتسب الاستحقاق بالرياضات ثم اطلب .
أو للمستحقين أنتم قد وصلتم درجة الحقيقة والكشف فما حاجة لكم به.
فإذا يخاف عليكم استحقاق الذم (فوسعوا) فإذا وسعتم فقد أرشدتم الطالبين الناقصين إلى درجة الكمال ببركة تعليم الكتاب وتعلمه وافدتم الكاملين الفائدة الجديدة التي لم تحصل لهم بدون هذا الكتاب .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
قلت: يعني أن هذا الكلام معناه هو من الله تعالى لا مني فإن الله تعالی عند لسان كل قائل. وبقية الأبيات مفهومة
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
قال الشيخ رضي الله عنه :
فمن الله فاسمعوا    ....... وإلى الله فارجعوا
يعني : لمّا لم يكن لي تصرّف في ذكر ما أذكره في هذا الكتاب ، فلا تسمعوا منّي واسمعوا من الله الذي فنيت فيه فناء لا ظهور لي أبدا ، وإذا اشتبه عليكم شيء منه ، فارجعوا فيه إلى الله .
قال :" فإذا ما سمعتم " أي من الله  " ما أتيت به " أو ما أتيتم " فعوا " أي احفظوه في وعاء القلوب .
قال : ثم بالفهم فصّلوا      ..... مجمل القول واجمعوا
يعني : أنّي أجملت القول في المقامات الكمالية ، وذكرت في أثناء ذوق كل نبيّ بحقيقة الأمر على ما هو عليه في نفسه ، وهو أعلى مراتب الرحمة وأكملها وأفضلها .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
والفاء في البيت الأول للسببية وتقديم الصلة للتخصيص ، أي إذا كان ما أقوله إنما يكون بالإلقاء السبوحى فلا تسمعوه إلا من الله لا منى وإليه فارجعوا لله لا إلى.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا * وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما * أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا * مجمل القول وأجمعوا
ثم منو به على * طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي * وسعتكم فوسعوا)
قوله: "فمن الله فاسمعوا وإلى الله فارجعوا" جواب شرط مقدر.
أي، إذاكان ما بينته من الأنوار وكشفته من الأسرار من الله، من غير تصرف منى، وأنا مأمور بإبرازه: "فمن الله فاسمعوا" لا منى "وإلى الله فارجعوا" عند سماعكم مالا طاقة لكم بسماعه لعدم علمكم بحقيقة الأمر، وعدم استبانتكم في بعض أسراره لا إلى.
فإنه ميسر كل عسير ليطلعكم بمعانيه كما هي، بإشراق أنواره فيقلوبكم.
وفيه تنبيه على أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مظهر لهذا الاسم الجامع، لأنه هو الآمر بالإبراز والإظهار.
"فإذا ما سمعتم ما أتيت به فعوا". "عوا" أمر من وعا، يعى إذا حفظ.
أي، فإذا سمعتم ما أتيت به من الله، لا منى، بفنائي فيه وبقائي به، فعوا واحفظوا بدرك معانيه وبتحقيق أسراره.
"ثم بالفهم فصلوا مجمل القول وأجمعوا" أي، إذا سمعتم وفهمتم معناه وتحققتم بعلمه، فصلوا ما فيه من الإجمال وفرعوا عليه التفاريع المترتبة عليه.
لأن أسرار هذا الكتاب أصول كلية، ومن علامات العلم بالأصول تعدى الذهن منها إلى تفاريعها، فمن لم يتفطن بتفاريعها لم يكن عالما بهذا الفن الذوقي و لا بهذا الكتاب.
و "أجمعوا" أي، تلك التفاريع في أصولها لتكونوا عالمين بالفروع في عين الأصول.
وبالأصول في عين الفروع، فتعلموا أن الحق سبحانه وتعالى.
يعلم جزئيات الأشياء في عين كلياتها: "ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء".
أو فصلوا مجمل القول الذي ذكرته من المراتب والمقامات، وأجمعوا بين كل مقام وأهله من الأنبياء والأولياء بتنزيل كل في مقامه .
ثم منوا به على طالبيه ولا تمنعوا) (٦٤) أي، منوا بما سمعتم وفهمتم معناهعلى طالبيه بإرشادهم وتنبيههم على المعاني المودعة فيه. أي، أعطوهم عطاءامتنانيا غير طالبين منهم عوضا لتكونوا داخلين فيمن قال تعالى فيهم: (وممارزقناهم ينفقون).
ولا تمنعوهم ضنة وبخلا: "فإن رحمة الله قريب من المحسنين".
الذين لا يبخلون بما رزقهم الله.
واعلم، أن المنة على قسمين:
محمودة : وهي المشار إليها بقوله: "بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان".
ومذمومة: وهي المنبه عليها بقوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى".
ولما كانت الأولى صفة إلهية وبها يسمى الحق بـ "المنان" أمرنا، رضى الله عنه، بها لنتخلق بالأخلاق الإلهية ونتحقق بالصفات الحقانية.
قوله : (هذه الرحمة التي وسعتكم فوسعوا)
أي، هذه الأسرار والمعاني التي فاضت عليكم من الله رحمة عليكم وسعتكم وشملتكم، فوسعوا أنتم أيضا تلك الرحمة على الطالبين لتكونوا شاكرين لنعمه، مؤدين لحقوقه، مقتدين برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما قال: "اللهم ارزقني وارزق أمتي فتلحقوا بالوارثين."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله)، لا مني فاسمعوا هذا الكتاب، (وإلى الله فارجعوا)، فإن فائدة السماع من الله لا تتم بدون الرجوع إلى الله في الفهم، (فإذا ما سمعتم ما أتيت به) من عند الله "و رسوله"، (فعوا) أي: فاحفظوه كما يحفظ القرآن والأخبار النبوية.
(ثم) أي: بعد الرجوع إلى الله، وحفظ ما سمعتم يحصل لكم فهم في أسراره، فعند ذلك (بالفهم فصلوا مجمل القول)، أي: ما أجمل فيه من الأسرار التي تضيق عنها العبارات الصريحة
(واجمعوا) أي: اعزموا في توجيه الهمم إلى درك أسراره التي تضيق عنها أفهام أكثر أرباب العقول فضلا عن العامة.

(ثم) أي: بعد حصول كمال الفهم لأسراره لا قبل ذلك (منوا به) أي: بإظهاره مع ما فيه من الأسرار (علی طالبية)، ليفوزوا برتبة التكميل بعد الفوز برتبة الكمال.
وطالبوه من ينتفع به في طريق الآخرة، فيدعوه إلى المساعي الباطنة مع تزيين الظاهر بظواهر الأعمال، فيؤكد في حقه ظاهر الشرع باطنه، وباطنه ظاهره.
لا من يعطل الجوارح من الأعمال، ويرى باطن الشرع مخالفا لظاهره، والحقيقة على خلاف الشريعة فإنه إلحاد وكفر.
فكل شريعة بلا حقيقة عاطلة، وكل حقيقة بلا شريعة باطلة، وإياك ثم إياك أن تضيعه بإعطاء أهل الأهوية.
فإنه كبيع السيف من قاطع الطريق إذ يرى أدنى الشبهات غنيمة، ولا يرضى بتأويل الكتاب بما يوافق الشرع، وإن كان أقرب من تأويله، وأكثر طلبة هذا الكتاب في هذا الزمان ممن استولى عليه الشيطان، وأغرقهم في بحر الطغيان، والله المستعان.
(لا تمنعوا) طالبيه من تحصيله، فإن من منح الجهال علما أضاعه، ومن منع المستوجبين فقد ظلم.
وأشار إلى هذا الظلم بقوله: (هذه الرحمة التي وسعتكم) بحيث لا تنقص بالاتفاق مثل نقصان المال به (فوسعوا) فإن منعه ظلم أشد من ظلم من منع ماله الجائع الذي تعذر عليه سد جوعته بغير ماله؛ لأنه ينقص ماله بالإنفاق.
ولذا قال صلى الله عليه وسلم : "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار". والمراد إذا كان السائل مستحقا لتحصيل ذلك العلم.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
قال رضي الله عنه : "فمن الله فاسمعوا   .... وإلى الله فارجعوا" في متفرقات الصور الكونيّة الخلقيّة ، رجوع جمعيّة واطمئنان
" وإذا ما سمعتم  ما أتيت به " من حديث الجمعيّة - ( فعوا ) أي احفظوه في وعاء جامعيّة القلب مصونا عن أن يتطرّق إليه شيء من شوائب الثنويّة والتفرقة .
ثمّ إنّ العقل بأفعاله الخاصّة به - من الفكر والفهم والنظر - وإن كان غير متمكَّن من الوصول إلى تلك الجمعيّة ولا محتاجة إليه عند انتهاج الطالب ذلك المسلك ، لكن بعد الوصول إليها عند تكميل إجمالها بالتفصيل الحكمي وجمعه معها ، على ما هو مقتضى تمام التوحيد الختمي - كما حقّق أمره في غير هذا المجال - يحتاج إلى أفعاله المميّزة وقواه المفصّلة والمخصّصة ، فقوله :
(ثمّ بالفهم فصّلوا   .... مجمل القول واجمعوا )
إشارة إليه . ثمّ إنّ سريان حكم الأصل يقتضي - حسبما حكم قهرمان الوقت - أن يظهر هذه الحقائق على مشاعر العيان ومشاهد الإعلان ، حسب الاقتدار والإمكان ، لذلك ختم وصاياه للمخفين تلك الحقائق جريا على مقتضى الأزمنة السالفة بقوله :
(لا تضنّوا به على ....    طالبيه فتمنعوا )
لعدم فهمهم لسان الوقت الدال على قصور استعدادهم عنه وفي بعض النسخ:
ثم منوا به على   .... طالبيه لا تمنعوا
على صيغة المعروف و فيه التحريض على الإظهار أكثر كما في الأول المنع عن الإخفاء أكيد.
(هذه) الحقائق والحكم هي . ( الرحمة التي   .... وسعنكنم فوسعوا )
أي : وسعوها قلوب القوابل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا من في الأرض" .
أي من دونكم في الرتبة "يرحمكم من في السماء". أي من هو فوقكم فيها.
وذلك لأن الرحمة التي هي الوجود في عرفهم لها مرتبتان :
إحداما في الخارج , والثانية في الدهن وهو لم يبلغ مرتبة اليقين المسماه بالذوق و الشهود .
لا يكون من الوجود في شيء , بل من الصور الكونية وظلاله المنسوبة إليه كما أومانا إليه , وتوسعها عبارة عن الإمداد الطالبين بما يعدهم له.
و إذ قد تقرر من أصولهم أن تصدى لأمر الإرشاد و النهوض بلوازمه من أمر السالكين بما يعدّهم في الطريق ، ونهيهم عمّا يعوقهم فيه - على ما علم في طيّ نظمه - إنّما يتيسّر لمن استجمع له شرائط ذلك ظاهرا وباطنا .
فإنّه يتوقّف على تأييد باطنه أولا بوساطة شيخ مؤيّد من عند الله ، كذلك إلى أن ينتهي إلى الخاتم وقبوله ذلك وصلاحيّته للوساطة ، وعلى تقييد ظاهره ثانيا بالشرع المطهّر المحمّدي وتقيّده به وصلاحيّته لتقييد غيره من المنتسبين إليه .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله) الذي فنيت به فناء لا ظهور لي أبدا (فاسمعوا و) إذا اشتبه عليكم شيء منه (إلى الله فارجعوا) ليطلعكم عليه بإشراف نوره على قلوبكم (وإذا سمعتم) من الله لا مني لفنائي فيه (ما أتيت به) صورة والآتي به هو الله حقيقة (فعوا) أمر الجماعة المخاطبين من وعى يعي إذا حفظ، أي احفظوه بدرك معانيه وتحقيق أسراره.
(ثم بالفهم فشلوا.. مجمل القول واجمعوا) مفصله أي فصلوا ما كان مذكورة فيه على سبيل الإجمال .
فرعوا عليه فروعه وأجملوا ما كان مذكورة فيه على التفصيل .
ولاحظوه على وجه الكلية والإجمال .
لتكونوا عالمين بالفروع في عين الأصول وبالأصول في عين الفروع.
أو فصلوا مجمل القول الذي ذكرته في المراتب والمقامات وأجمعوا بين كل مقام وأهله بتنزيل كل في مقامه.
(ثم منوا به على.. طالبيه) المستعدين المستحقين له، أي أعطوهم إياه عطاء إمتنانية غير طالبين منهم عوضة (لا تمنعوا)، أي لا تمنعوه بخلا وظنة بل اعملوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرني بإبرازه وإظهاره للانتفاع.
إن هذه الأمور الفائضة عليكم من الحقائق والأسرار هي (الرحمة التي وسعتكم)، أي شملتكم (فوسعوا) أنتم أيضا تلك الرحمة على الطالبين وكونوا أعوان الله ورسوله في إيصاله إليهم.
.


عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الخميس 14 مارس 2019 - 17:49 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الشريف المحسي

مُساهمة الخميس 14 مارس 2019 - 17:04 من طرف الشريف المحسي

الفقرة التاسعة الجزء الثاني .سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

الفقرة التاسعة :الجزء الثاني

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
( فمن الله فاسمعوا) قدّم المعمول على العامل للحصر و الاهتمام به في أن القابل هو الله سبحانه لا غير يشير إلى مقامه رضي الله عنه قرب الفرائض .
قال تعالى:" وما رميت إذْ رميت ولكِنّ اللّه رمى"  [ الأنفال: 17] . 
قال الله سبحانه: "اسْتجِيبوا للّهِ و للرّسُولِ إذا دعاكُمْ" [ الأنفال: 24] أما ترى أنه تعالى وجد الدّاعي مع ذكر الاثنين، فعلمنا أن الأمر واحد و ما سمعنا متكلما سماع الحس إلا الرسول.
و ما سمعنا كلام الحق يسمع الحس إلا بالسمع المعنوي، فالله والرسول اسمان للمتكلم، فإن الكلام لله سواء كان في الجمع و الفرقان . 
كما قال تعالى و المتكلم المشهود عين لسان النبي صلى الله عليه وسلم : "فأجره حتى يسمع كلام الله"   فافهم . 
قال رضي الله عنه حكاية عن تحققه بهذا المقام الأطهر الأقدس بل أشار إلى العينية كما نصّ على نفسه في "الفتوحات" في الباب السابع و الستين و ثلاثمائة : يحكي عن التجلي الإسرائي و يقول في أثناء حكايته بعد ما حصل ذلك.
قال : ثم عاينت متكآت رفارف العارفين فغشيتني الأنوار حتى صرت كلي نورا وخلع على خلعة ما رأيت مثلها.
فقلت إلهي الآيات شتات فأنزل علي عند هذا القول "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ عَلَيْنا وما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والْأَسْباطِ وما أُوتِيَ مُوسى وعِيسى والنَّبِيُّونَ من رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ".
فأعطاني في هذه الآية كل الآيات وقرب على الأمر وجعلها لي مفتاح كل علم فعلمت أني مجموع من ذكر لي.
وكانت لي بذلك البشرى بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه آخر مرسل وآخر من إليه تنزل.
آتاه الله جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأم