اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

اذهب الى الأسفل

11022020

مُساهمة 

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Empty السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الأولى على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
 الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
 
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية.
فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية.
وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل.
فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا.
ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق.
ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه.
فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة.
وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.
والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.
وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه، وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص .
وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها.
وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية، وليست الحية سوى نفسك.
والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.
وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية.
ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية.
وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن .
ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى.
وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.
فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك.
فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا.
والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.
فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى.
فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.
 
متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
22 - نقش فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
يقول الله تعالى : " أحسن الخالقين " ويقول الله : " أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ" [النحل : 17]
فخلق الناس : التقدير ، وهذا الخلق الآخر : الإيجاد .
 
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
22 - فك ختم الفص الإلياسى
1 / 22  - إنما أضيفت هذه الحكمة بالصفة ألإيناسية من أجل الصفة الذاتية التي جبل الله بها اليأس حتى ناسب بها الملائكة وناسب بها الأناسي ،
فثبت له الآنس مع الطائفتين فكانوا يأنسون به ويجلسون إليه ، وكان هو أيضأ انسيهم وجليسهم ، والسر فيما ذكرنا الذي لا يطلع عليه الا النذر من عباد الله هو ان بين قوى الأرواح العالية والقوى المزاجية الإنسانية امتزاجات على أنحاء يحدث بينهما فعل وانفعال وغلبة ومغلوبية ينتهى إلى كيفيات معقولة شبيهة بالامتحان الواقعة في هذا العالم ، مثل استحالة الماء هواء والهواء نارا ونحو ذلك .
 
2 / 22  - فمن الأناسي المتروحنين من ينتهى في تروحنه إلى الرتبة الملكية فتستهلك قواه المزاجية الطبيعية في قوى روحانية ثابتة الحكم بحسب استيلاء سلطنة تلك القوى الروحانية على القوى الطبيعية ، كصورة الاستحالات في عالمنا هذا ، وهذا وصف بعض من هذا شأنه ، وظهور من هذا شأنه في هذا العالم انما هو كظهور الملك هنا بشرا سويا ،
والرائي لمن هذا شأنه انما يراه بموجب حكم احدى المناسبات الخمس التي سبقت الإشارة إليها ، فان ثبتت المناسبة بين الرائي والمرئي من حيث الذات :
يراه في صورته الأصلية التي كان عليها قبل تروحنه ، وان لم تثبت المناسبة بينهما من حيث الذات ، كان رؤيته له بحسب المرتبة التي تجمعها في الأصل او بحسب الصفة التي يشتركان فيها ، او الفعل او الحال ، وكيفية الصورة المرئية يكون بحسب كمال الصفة المشتركة فيها ونقصانها ، وكذلك الفعل والحال .
 
3 / 22 - وأما الاشتراك في المرتبة : فيتفاوت الأمر فيها بحسب تفاوت حظوظها منها ، وهذا شأن الخضر عليه السلام ، وعكس ذلك شأن عيسى عليه السلام ، فان نسبته ملكية ،
فظهوره  في الصورة الطبيعية هو من أجل امه التي كانت محل الإلقاء والنفخ لما بينا من ان كينونة كل شيء في شيء أنما يكون بحسب المحل ، سواء كان المحل معنويا او صوريا .
 
واذكر ما أشار الحق سبحانه اليه في كتابه : و " هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ " [ الحديد / 4 ] فادخل نفسه مع عباده في الامكنة ، مع انه منزه عن الزمان والمكان .
وقوله صلى الله عليه وآله :أن العبد إذا قام يصلى فان الله ينصب له وجهه تلقاه ، ونحو ذلك مما تكرر ذكره في الكتاب والسنة .
وتذكر أيضا ما اتفق عليه المحققون من ان تجلى الحق لمن تجلى له انما يكون بحسب المتجلي له ، لا بحسبه وتذكر أيضا شأن المرآة مع ما ينطبع فيها .


4 / 22  -  وأما إلياس عليه السلام فإنه لما كانت الممازجة الحاصلة بين القواه الروحانية والطبيعية قبل تروحنه واقعة على وجه قريب من التساوي ناسب الملأ الأعلى والأسفل فتأتى له الأنس بهما ، والجمع بين صفتيهما فهو كالبرزخ بين النشأة الملكية والنشأة الإنسانية ، فلهذا كان جامعا بين احكامهما.  


كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية


مصطلح إلياس و إدريس
في اللغة
" إلياس: أحد الأنبياء المرسلين ورد ذكره في القرآن الكريم ".
 
في الاصطلاح الصوفي
 
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" إلياس: عبارة عن القبض، وقد يكون ما يعطيه على يد الخضر " .
الشريف الجرجاني
و يقول: " إلياس عليه السلام: فإنه إدريس، ولارتفاعه إلى العالم الروحاني استهلكت قواه المزاجية في الغيب وقبضت فيه، ولذلك عبر عن القبض به " .

يقول الشيخ بالي أفندي :
إلياس عليه السلام: هو الذي حصل على تمام أمر التشبيه والتنزيه لما أنس الملائكة وخالطهم بحسب مزاجه الروحاني التنزيهي، وأنس الإنسان بحسب مزاجه العنصري التشبيهي .
 
تقول د. سعاد الحكيم في المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة:
جعل ابن العربي " الخضر " في مقابل " الياس ".
الأول عبّر به عن " البسط " والثاني عبّر به عن القبض.
وان استطعنا ان نلمح الصلة بين الخضر والياس مما جعل ابن العربي يقابلهما، فإننا بصعوبة نتمكن من التكهن بالعلاقة بين الخضر والبسط، وبين الياس والقبض.
 
الخضر والياس يجمعهما شيء واحد عند ابن العربي: الحياة.
فإن الياس الذي هو إدريس رفعه اللّه مكانا عليا، وهو إلى الآن حي [انظر " إدريس "] والخضر كذلك يتمتع بهذه الحياة المستمرة.
ومن ناحية ثانية، ان " صاحب الزمان " أو " القطب " يمدّ أرواح المؤمنين والسالكين بتجليات يجدن اثرها في نفوسهم: قبضا وبسطا.
 
هذان الاثران هما للاسمين الإلهيين: الجلال والجمال ،
ويكون عطاء القطب هذا عن طريقين: الياس والخضر.
الأول: للقبض والثاني للبسط.
 
مصطلح إدريس
في اللغة:
" إدريس قيل إنه قبل نوح، قال ابن إسحاق: كان إدريس أول بني آدم أعطي النبوة، وهو إخنوخ بن يراد بن مهلاييل بن انوش بن تينان بن شيت بن آدم، وهو اسم سرياني وقيل عربي مشتق من الدراسة لكثرة درسه الصحف. . .
وفي صحيح ابن حبان انه كان نبيا رسولا وانه أول من خط بالقلم ".
 
في القرآن:
إدريس في القرآن نبي صدّيق رفعه اللّه مكانا عليا ، وكان من الصابرين الصالحين." وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ". [مريم : 56-57]
" وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ، كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ. وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ " [الأنبياء : 85-86  ]
 
فادريس يشبه إلى حد بعيد نوحا، وقد خص الشيخ الأكبر نوحا بالحكمة السبوحية، وإدريس بالحكمة القدوسية، وغني عن البيان ان التسبيح والتقديس هما من فعل العقل الذي طغى في دعوة نوح وإدريس.


ويضع ابن العربي في مقابل نوح وإدريس:
محمدا صلى اللّه عليه وسلم الذي زاوج بعدى المعرفة الإلهية، فنوح وإدريس للفرقان والتنزيه والعقل. ومحمد صلى اللّه عليه وسلم للقرآن.
والتنزيه في التشبيه والتشبيه في التنزيه، والعقل والوهم.
 
يقول ابن العربي:
" ثم بعث إدريس إلى قرية بعلبك، وبعل: اسم صنم، وبك:
هو سلطان تلك القرية، وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان الياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان - من اللبانة وهي الحاجة - عن فرس من نار، وجميع الاته من نار فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه
القسم الأول - إدريس هو رمز للعقل الانساني في حال تجرده التام عن جميع علاقاته بالبدن أو هو العقل المحض في تطلعه إلى المعرفة الكاملة باللّه . وهو قطب روحاني يمد الأولياء.
 
تقول د. سعاد الحكيم  في المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة :
" الياس: يعبر به عن القبض 19 " (اصطلاحات ابن العربي ص 293)
على اننا لم نجد نصوصا عند ابن العربي تبين وجه العلاقة بين القبض وبين الياس حتى يعبر عنه، فننقل تعريف الجرجاني.
" الالياس: يعبر به عن القبض فإنه إدريس ولارتفاعه إلى العالم الروحاني استهلكت قواه المزاجية في الغيب وقبضت فيه. ولذلك عبر عن القبض به " (التعريفات ص 36)
 
" انما سميت حكمته عليه السلام ايناسية، لما انس بالانس بنشأته الجسمانية، وبالملك بنشأته الروحانية. . . وهو كالبرزخ بين النشأة الملكية والانسانية. . .
أو لأن الايناس هو ابصار الشيء على وجه الانس وكذا به قال تعالى في حق موسى عليه السلام. . .
وكذا ابصر الياس عليه السلام فرسا من نار وجميع آلاته عليه من نار وانس به فركبه، فابصاره الفرس في صورة نارية مع الانس به إيناس فلذا سميت حكمته ايناسية ".
(شرح الفصوص ج 2 ص 266)
 
يقول عبد الرزاق القاشاني لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام
" إلياس: يكنى به عن القبض كما يكنى بالخضر عن البسط. أمهات الأسماء:
هي أصول الأسماء التي عرفتها."
 
يقول نور الدين عبد الرحمن جامي في الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية :
22 - ولذا قيل في إدريس عليه السلام إنّه هو إلياس المرسل إلى بعلبك لا بمعنى أن العين خلع الصّورة الإدريسية ولبس الصّورة الإلياسيّة وإلا كان قولا بالتّناسخ.
بل إن هويّة إدريس مع كونها قائمة في أنيّته وصورته في السّماء الرابعة ظهرت وتعيّنت في إنيّة إلياس الباقي إلى الآن،
فتكون من حيث العين والحقيقة واحدة ومن حيث التعيّن الصوري اثنتين كنحو جبريل وميكائيل وعزرائيل يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتّى كلّها قائمة بهم.
 
تقول د. سعاد الحكيم :
 
لقد افرد ابن العربي فصين كاملين لنبي واحد هو إدريس أو إلياس:
" فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية " الفص 4 و " فص حكمة إيناسية في كلمة اليأسية " [الفص 22] وهذا الأفراد الذي خص به إدريس، قد يعود إلى أنه في نظر
 الشيخ الأكبر ينفرد عن الأنبياء بنشأتين:
الأولى كان فيها نبيا قبل نوح ثم رفعه اللّه مكانا عليا،
واعاده في نشأة أخرى رسولا ولا يزال حيا حتى اليوم.
 
يقول ابن العربي:
" فمن أراد العثور على هذه الحكمة الالياسية الإدريسية الذي أنشأه اللّه نشأتين 6، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك. . . " (الفصوص 1/ 186).
 
ويمكن التمييز بين موقفين لابن العربي من إدريس يستتبعان المفهومين التاليين:
أولا - الموقف الأول ينظر إلى إدريس كشخص يحده زمان ومكان.
إدريس وإلياس هما شخص واحد بنشأتين وظهورين على الأرض. الأول نشأة جسمانية كان فيها نبيا قبل نوح.
ثم رفعه اللّه مكانا عليا، واعاده في نشأة روحانية في شخص إلياس، وهو لا يزال حيا، ومثله في البناء الفلسفي للشيخ الأكبر كمثل عيسى في الفكر الإسلامي.
فقد كان نبيا ثم رفعه اللّه إلى السماء وسيعود في آخر الزمان (في شخص ختم الولاية العامة عند ابن العربي) الا أن عيسى ليس له نشأتان وهو لم يمت بالتأكيد. وليس بإمكاننا أن نؤكد أن إدريس لم يمت بل ربما مات واعاده اللّه في نشأة أخرى.
 
يقول الشيخ ابن العربي:
" فعلو المكان " ورفعناه مكانا عليا " وأعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس، وفيه مقام روحانية إدريس عليه السلام ".
(فصوص 1/ 75).
" إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه اللّه مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس 7. . . " (ف 1/ 181).
 
" ثم عرج جبريل به بمحمد صلى اللّه عليه وسلم إلى السماء الرابعة فاستفتح وقال وقيل له، ففتحت فإذا بإدريس عليه السلام بجسمه فإنه ما مات إلى الآن بل رفعه اللّه مكانا عليا، وهو هذه السماء قلب السماوات وقطبها. . . " (فتوحات 3/ 341).
 
ابن العربي ينظر إلى إدريس عليه السلام كرمز:
 إدريس هو رمز للعقل الإنساني في حال تجرده التام عن جميع علاقاته بالبدن أو هو العقل المحض في تطلعه إلى المعرفة الكاملة باللّه . وهو قطب روحاني يمد الأولياء.
فإدريس يشبه إلى حد بعيد نوحا، وقد خص الشيخ الأكبر نوحا بالحكمة السبوحية، وإدريس بالحكمة القدوسية، وغني عن البيان أن التسبيح والتقديس هما من فعل العقل الذي طغى في دعوة نوح وإدريس.
 
ويضع ابن العربي في مقابل نوح وإدريس:
محمدا صلى اللّه عليه وسلم الذي زاوج بعدى المعرفة الإلهية، فنوح وإدريس للفرقان والتنزيه والعقل. ومحمد صلى اللّه عليه وسلم للقرآن. والتنزيه في التشبيه والتشبيه في التنزيه، والعقل والوهم.
 
يقول الشيخ ابن العربي:
" ثم بعث إدريس إلى قرية بعلبك، وبعل: اسم صنم، وبك:
هو سلطان تلك القرية، وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك. وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان - من اللبانة وهي الحاجة - عن فرس من نار، وجميع الاته من نار فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة
، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية.
فكان الحق فيه منزها فكان على النصف من المعرفة باللّه، فان العقل إذا تجرد لنفسه. . . كانت معرفته باللّه على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه اللّه المعرفة بالتجلي كملت معرفته باللّه، فنزّه في موضع وشبّه في موضع. . . وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند اللّه وحكمت بهذه المعرفة الأوهام 14 كلها. . . " [فصوص 1/ 181]

 .
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:09 عدل 2 مرات
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 11 فبراير 2020 - 22:02 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الأولى الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الأولى على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الأولى :-                                     الجزء الثاني
ويقابل ابن العربي بين تنزيه إدريس وتنزيه محمد صلى اللّه عليه وسلم فالأول تنزيه عقلي فهو على النصف من المعرفة باللّه. 
أما محمد صلى اللّه عليه وسلم فقد اختص بالقرآن وهو يتضمن الفرقان والآية: " فليس كمثله شيء " تجمع الأمرين (تشبيه - تنزيه) في واحد 15.
(ب) ان إدريس يمثل القطب الروحاني الذي يمد الأولياء بالروحانيات ، 
يقول ابن العربي:
" ان ثمّ رجالا سبعة يقال لهم الأبدال. يحفظ اللّه بهم الأقاليم السبعة لكل بدل إقليم، وإليهم تنظر روحانيات السماوات السبع. ولكل شخص منهم قوة (منبعثة) من روحانيات الأنبياء الكائنين في هذه السماوات، وهم: إبراهيم الخليل، يليه موسى، يليه هارون، يتلوه إدريس، يتلوه يوسف، يتلوه عيسى يتلوه آدم. . . فكل امر علمي يكون في يوم الأحد فمن مادة إدريس عليه السلام. . . فمما يحصل لهذا الشخص المخصوص من الأبدال، بهذا الإقليم، من العلوم: علم أسرار الروحانيات. . . " (ف السفر الثاني ص ص 376 - 377).
" السماء الرابعة وهي قلب العالم وقلب السماوات. . . واسكن [اللّه] فيها قطب الأرواح الإنسانية وهو إدريس عليه السلام ". (ف 2/ 445).

القسم الثاني - إلياس الذي هو إدريس رمز للقبض في مقابل الخضر، رمز البسط .
" فان قلت: وما الغوث؟ قلنا صاحب الزمان وواحده، وقد يكون ما يعطيه على يد إلياس [من حيث إنه القطب الروحاني] 
فان قلت:وما إلياس؟ 
قلنا: عبارة عن القبض وقد يكون ما يعطيه على يد الخضر. فان قلت: وما الخضر قلنا عبارة عن البسط. . . " (ف 2/ 131).

يقول الشريف الجرجاني :
" ألإلياس، يعبر به عن القبض فإنه إدريس ولارتفاعه إلى العالم الروحاني استهلكت قواه المزاجية في الغيب وقبضت فيه. ولذلك عبر عن القبض به " (التعريفات ص 36)
 

يقول نور الدين عبد الرحمن جامي في الدرة الفاخرة في تحقيق مذهب الصوفية :
ولذا قيل في إدريس عليه السلام إنّه هو إلياس المرسل إلى بعلبك لا بمعنى أن العين خلع الصّورة الإدريسية ولبس الصّورة الإلياسيّة وإلا كان قولا بالتّناسخ
بل إن هويّة إدريس مع كونها قائمة في أنيّته وصورته في السّماء الرابعة ظهرت وتعيّنت في إنيّة إلياس الباقي إلى الآن،
فتكون من حيث العين والحقيقة واحدة ومن حيث التعيّن الصوري اثنتين كنحو جبريل وميكائيل وعزرائيل يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتّى كلّها قائمة بهم.

مصطلح التشبيه
في اللغة
" شبه الشيء بالشيء : مثله .
تشبيه في الفلسفة : تصور الآلهة في ذاتها وصفاتها على غرار الإنسان " .

في الإصطلاح الصوفي

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" التشبيه : هو تثنية المشبه " .

يقول الشيخ عبد القادر الجزائري :

" للخلق في مشاهدتهم ربهم نسبتين : نسبة تنزيه ونسبة تشبيه ، وبكليهما جاءت الكتب الإلهية والأخبار النبوية .
فمن شهد التنزيه فقط كالمنزهة من المتكلمين أخطأ .
ومن قال بالتشبيه فقط ، كالحلولية والاتحادية ، أخطأ .
ومن قال بالجمع بين التشبيه والتنزيه أصاب .
فالعامة في مقام التشبيه ،
والعقلاء في مقام التنزيه ،
والعارفون بالله تعالى في مقام التشبيه والتنزيه " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد . فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب .
ولكن إذا أطلقاه وقالا به ، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل ( عليهم السلام ) وهو لا يشعر
وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه . ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال - لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور - فقد عرفه مجملا لا على التفصيل " .


ويقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
" إنه تعالى من حيث البرزخية الثانية، قابلا للإطلاق والتقييد، والوحدة والكثرة ، والتنزيه والتشبيه ، والوجوب والإمكان ، والحقية والخلقية   
ومن هذه البرزخية جاءت الآيات والأحاديث التي هي خارجة عن طور العقل ، ولا يقبلها إلا بتأويلها وردها إلى مداركه ، ويسميها متشابهات .
فإنه تعالى ذكر في كتبه وعلى ألسنة رسله : إن له عينا وعينين وأعينا ويدين … ووصف العبد بالفعل والترك والعلم والإرادة …
إن للحق مرتبتين : مرتبة إطلاق ، ومرتبة تقييد ومنها جاءت الشرائع ونزلت الكتب وأرسلت الرسل ... فاصرف ما ورد في الكتب والأخبار النبوية من التنزيه المطلق ، إلى مرتبة الإطلاق ، واصرف ما ورد فيهما من التشبيه ، إلى مرتبة التقييد ، والظهور بالمظاهر ، وأعتقد التنزيه في التشبيه ، والإطلاق في التقييد ، تكن ربانيا كاملا لا منزها فقط ، ولا مشبها فقط " .

يقول الشيخ بالي زاده أفندي :
" [ لا إله إلا الله ] كلمة عزيزة مركبة من النفي والإثبات ، فنفيه إشارة إلى تنزيه الحق ، وإثباته إشارة إلى تشبيه الحق ، وصورته المخصوصة إشارة إلى أن ذاته تعالى جامعة محيطة بكل ما يدخل تحت العدم المطلق والوجود المطلق ،
فكما لا يخلو النفي عن الإثبات ولا الإثبات عن النفي في كلمة التوحيد كذلك لا يخلو التنزيه عن التشبيه ولا التشبيه عن التنزيه ..
وكما يكفر قائل النفي بدون الإثبات ، كذلك يكفر المشبه بدون التنزيه وبالعكس أي يستر بعض أحكام الله التي جاءت بها الشرائع
جمع التنزيه والتشبيه يرجع إلى العقل والوهم . فالعقل ينزه الحق عما يثبت له الوهم ، والوهم يثبت للحق عما ينزهه عنه والشهود يجمع بينهما بلا تخلل آن " .

علم التشبيه بين الأشياء : من علوم منزل خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي فلا تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك ، وهو من الحضرة الموسوية ، ومنه تعلم الروابط التي تجمعها والوجوه وإن فرقتها أمور أخر ، فحكم الجامع لا يزول كما أن حكم الفارق لا يزول فإنه الحكم المقوم لذات الشيء  
 

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي:
" التشبيه الإلهي : هو عبارة عن صورة الجمال ، لأن الجمال الإلهي له معان ، وهي الأسماء والأوصاف الإلهية ، وله صور وهي تجليات تلك المعاني فيما يقع عليه
من المحسوس أو المعقول . فالمحسوس كما في قوله : ] رأيت ربي في صورة شاب
أمرد ، والمعقول كقوله عز وجل : " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء"، وهذه الصورة هي المرادة بالتشبيه ، ولا شك أن الله تعالى في ظهوره بصورة جماله باق على ما استحقه من تنزيهه " .

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
علم حضرات التشبيه الإلهي والكوني : هو من علوم القوم الكشفية ، ومنه يعلم أن للحق تعالى التجلي بصفة التشبيه ، وليس لعباده أن يتشبهوا به في الصفات إلا في أمور خاصة ورد بها الشرع . ومتعلق هذا العلم السمع ، وليس للعقل فيه مدخل  .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي:
" التشبيه الذاتي : هو ما عليه من صور الموجودات المحسوسات أو ما يشبه المحسوسات في الخيال " .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي:
" التشبيه الوصفي : هو ما عليه صور المعاني الأسمائية المنزهة عما يشبه المحسوس في الخيال ، وهذه الصورة تتعقل في الذهن ولا تتكيف في الحس " .
 
يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
" للخلق في مشاهدة ربهم نسبتان :
نسبة تنزيه ، ونسبة تنزل إلى الخيال بضرب من التشبيه .
فنسبة التنزيه تجليه تعالى في : " ليس كمثله شيء " .
 

مصطلح التنزيه   
في اللغة :
1. نزه نفسه عن القبيح : أبعدها عنه .
2. نزه الله من السوء : بعده عنه " .


في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" التنزيه : هو تنزيهه تعالى عما لا يليق بجلال قدسه الأقدس تعالى وتقدس " .


يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" التنزيه : هو تحديد المنزه " .
ويقول : " التنزيه : وصف عدمي " .


يقول الشريف الجرجاني:
" التنزيه : عبارة عن تبعيد الرب عن أوصاف البشر " .

يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري:
" التنزيه : هو إبعاد الله تعالى في الظاهر عن الشركاء والأنداد ، وفي
الباطن ، لا تشاهد غيره ولا ترجو ولا تخاف سواه ، كذلك في كل الأحوال " .


يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي:
" التنزيه : هو تنزيه الحق تعالى لنفسه كما يعلمه لذاته ، وهذا التنزيه لا يقابله تشبيه بل هو سر منزه عن مقابلة التشبيه " .
ويقول :
" التنزيه : عبارة عن انفراد القديم بأوصافه وأسمائه وذاته ، كما يستحقه من نفسه لنفسه بطريق الأصالة والتعالي ، لا باعتبار أن المحدث ماثله أو شابهه ، فانفرد الحق سبحانه وتعالى عن ذلك ، فليس بأيدينا من التنزيه إلا التنزيه المحدث والتحق به التنزيه القديم , لأن التنزيه المحدث ما بأزائه نسبة من جنسه ليس بأزاء التنزيه القديم نسبة من جنسه , لأن الحق لا يقبل الضد ولا يعلم كيف تنزيهه ، فلأجل ذا نقول تنزيهه عن التنزيه " .

يقول الشيخ عبد الحميد التبريزي:
" التنزيه : عبارة عن انفراد الذات بأسماء وأوصاف وأفعال يستحق بشأنه من غير مشاركة لها بغيرها "  .

يقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطار:
" التنزيه عند أهل الحقيقة : أن لا تشرك معه في حكم سواه ، بل التنزيه : أن لا ترى إلا إياه ، بل التنزيه : أن لا تحكم بأنك تراه " .

يقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
" كل ما ورد في الكتاب والسنة من التنزيه فمحله : مرتبة التجرد عن المظاهر من اسمه تعالى الباطن " 
 
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" وجود تنزيه الحق مطلقا عن صفات الخلق لا يعول عليه، فإنه يؤدي إلى نفي ما أثبته ورفعه".

يقول الشيخ الحسين بن منصور الحلاج في تنزيه الإلهية:
" من ظن أن الإلهية تمتزج بالبشرية أو البشرية تمتزج بالإلهية فقد كفر ،
فإن الله تعالى تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم ، فلا يشبههم بوجه من الوجوه ، ولا يشبهونه بشيء من الأشياء ،
وكيف يتصور الشبه بين القديم والمحدث، ومن زعم أن البارئ في مكان أو على مكان أو متصل بمكان أو يتصور على الضمير أو يتخايل في الأوهام أو يدخل تحت الصفة والنعت أشرك " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" حقيقة التنزيه : إنما هي لله ، فانه المنزه لذاته ، والعبد لا يكون منزها أبدا ولا يصح ، وإن تنزه عن شيء ما لم يتنزه عن شيء آخر ، فمن حقيقته أنه لا يقبل التنزيه " .

يقول الشيخ أبو علي بن الكاتب :
" المعتزلة نزهوا الله تعالى من حيث العقول فأخطأوا ، والصوفية نزهوه تعالى من حيث العلم فأصابوا " .

يقول الشيخ محمد أبو المواهب الشاذلي :
" حضرة التنزيه : هي حضرة نفي السلوب ، وإثبات الوجوب  ".

يقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطار :
"النعلين : هما التشبيه والتنزيه " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" خلع النعلين : إشارة لزوال شفعيه الإنسان " . "" يقصد بالشفعية : التشبيه والتنزيه""

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني علم تنزيه الحق تعالى عن التشبيه :
" هو من علوم القوم الكشفية ، ومنه يعلم بيان أنه لا يصح التشبيه بالإله جملة عند المحققين ، وأنه لم يقل به من الحكماء إلا من لا معرفة له بالحقائق ، فلا ينبغي قول من قال أنه ينبغي التشبيه بالإله  ."


يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" تنزيه الشرع : هو المفهوم في العموم من التعالي عن المشارك في الألوهية " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" ثمرة التنزيه الشرعي : نفي الاشتراك في مرتبة الألوهية ، ونفي المشابهة والمساواة في الصفات الثبوتية مع الاشتراك فيها " .


يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" تنزيه العقل : هو المفهوم في الخصوص من تعاليه تعالى عن أن يوصف بالإمكان " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" ثمرة التنزيه العقلي : تنزيه الحق عما يسمى غيرا أو سوى بالصفات السلبية ، حذرا من نقائص مفروضة في الأذهان غير واقعة في الأعيان " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" تنزيه الكشف : هو المشاهدة لحضرة إطلاق الذات المثبت للجمعية للحق " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" ثمرة التنزيه الكشفي : هو إثبات الجمعية للحق مع عدم الحصر ، ومع تميز أحكام الأسماء بعضها عن بعض ، إذ لا يصح أن يضاف كل حكم إلى كل اسم ، ولهذا فإن من الأحكام الثابتة لبعض الأسماء ما يستحيل إضافته إلى أسماء آخر ، وهكذا الأمر في الصفات .
ومن ثمرات التنزيه الكشفي أيضا : نفي السوى مع بقاء حكم العدد دون فرض نقص بسلب أو تعلق كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت ، توحيدا كان ذلك الكمال أو غيره من الصفات " .


يقول الشيخ في التشبيه والتنزيه من طريق المعنى في الفتوحات الباب التاسع والعشرون :
" وأما العلم النافع في ذلك أن نقول كما أنه سبحانه لا يشبه شيئا كذلك لا تشبهه الأشياء
وقد قام الدليل العقلي والشرعي على نفي التشبيه وإثبات التنزيه من طريق المعنى
وما بقي الأمر إلا في إطلاق اللفظ عليه سبحانه الذي أباح لنا إطلاقه عليه في القرآن أو على لسان رسوله
فأما إطلاقه عليه فلا يخلو إما أن يكون العبد مأمورا بذلك الإطلاق فيكون إطلاقه طاعة فرضا ويكون المتلفظ به مأجورا مطيعا مثل قوله في تكبيرة الإحرام" الله أكبر" وهي لفظة وزنها يقتضي المفاضلة وهو سبحانه لا يفاضل
وإما أن يكون مخيرا فيكون بحسب ما يقصده المتلفظ وبحسب حكم الله فيه
وإذا أطلقناه فلا يخلو الإنسان إما أن يطلقه ويصحب نفسه في ذاك الإطلاق المعنى المفهوم منه في الوضع بذلك اللسان
أو لا يطلقه إلا تعبدا شرعيا على مراد الله فيه من غير أن يتصور المعنى الذي وضع له في ذلك اللسان
كالفارسي الذي لا يعلم اللسان العربي وهو يتلو القرآن ولا يعقل معناه وله أجر التلاوة
كذلك العربي فيما تشابه من القرآن والسنة يتلوه أو يذكر به ربه تعبدا شرعيا على مراد الله فيه من غير ميل إلى جانب بعينه مخصص

فإن التنزيه ونفي التشبيه يطلبه أن وقف بوهمه عند التلاوة لهذه الآيات
فالأسلم والأولى في حق العبد أن يرد علم ذلك إلى الله في إرادته إطلاق تلك الألفاظ عليه إلا إن أطلعه الله على ذلك وما المراد بتلك الألفاظ من نبي أو ولي محدث ملهم عَلى بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ فيما يلهم فيه أو يحدث فذلك مباح له بل واجب عليه أن يعتقد المفهوم منه الذي أخبر به في الهامة أو في حديثه

وليعلم أن الآيات المتشابهات إنما نزلت ابتلاء من الله لعباده
ثم بالغ سبحانه في نصيحة عباده في ذلك ونهاهم أن يتبعوا المتشابه بالحكم
أي لا يحكموا عليه بشيء فإن تأويله لا يعلمه إلا الله
وأما الرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ إن علموه فبإعلام الله لا بفكرهم واجتهادهم
فإن الأمر أعظم أن تستقل العقول بإدراكه من غير إخبار إلهي فالتسليم أولى
والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . " أهـ


يقول الشيخ في الباب الثالث والسبعون في الإجابة على السؤال الثالث والعشرون ومائة :
" ومن هنا وجد في العالم الأمور المبهمة لأنه ما من شيء في العالم إلا وأصله من حقيقة إلهية
ولهذا وصف الحق نفسه بما يقوم الدليل العقلي على تنزيهه عن ذلك فما يقبله إلا بطريق الايمان والتسليم ومن زاد فبالتأويل على الوجه اللائق في النظر العقلي
وأهل الكشف أصحاب القوة الإلهية التي وراء طور العقل يعرف ذلك كما تفهمه العامة ويعلم ما سبب قبوله لهذا الوصف مع نزاهته بليس كمثله شيء
وهذا خارج عن مدارك العقول بأفكارها
فالعامة في مقام التشبيه
وهؤلاء "أهل الكشف " في التشبيه والتنزيه
والعقلاء في التنزيه خاصة فجمع الله لأهل خاصته بين الطرفين.
فمن لم يعرف القبضة هكذا فما قدر الله حق قدره
فإنه إن لم يقل العبد إن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فما قدر الله حق قدره
وإن لم يقل إن خلق آدم بيده فما قدر الله حق قدره
وأين الانقسام من عدم الانقسام وأين المركب من البسيط
فالكون يغاير مركبه بسيطه وعدده توحيده وأحديته والحق عين تركيبه عين بسيطه عين أحديته عين كثرته من غير مغايرة ولا اختلاف نسب
وإن اختلفت الآثار فعن عين واحدة
وهذا لا يصح إلا في الحق تعالى
ولكن إذا نسبنا نحن بالعبارة فلا بد أن نغاير كان كذا من نسبة كذا وكذا من نسبة كذا لا بد من ذلك للأفهام " أهـ.


يقول الشيخ في الباب السادس والتسعون وأربعمائة :
" فكما سبح الله نفسه عن التشبيه سبح الممكن نفسه عن التنزيه لما في التشبيه والتنزيه من الحد فهم بين مدخل ومخرج
وما ظفر بالأمر على ما هو عليه إلا من جمع بينهما فقال بالتنزيه من وجه عقلا وشرعا
وقال بالتشبيه من وجه شرعا لا عقلا
والشهود يقضي بما جاءت به الرسل إلى أممها في الله فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومن شاءَ فَلْيَكْفُرْ
فكل واصف فإنما هو واقف مع نعت مخصوص
فينزه الله نفسه عن ذلك النعت من حيث تخصيصه لا من حيث إنه له
فإن له أحدية المجموع لا أحدية كل واحد من المجموع . " أهـ

مصطلح الحية
في اللغة :" حية :رتبة من الزواحف كالثعبان والأفعى وغيرهما " .


في الاصطلاح الصوفي
يقول الباحث محمد غازي عرابي:
" تحويل العصا إلى حية رمز المعرفة اللدنية ، إذ الحية رمز الحكمة " .


يرى الشيخ محيي الدين ابن العربي أن :
الجلوة إنما تبتدي بعد الخلوة ، ذلك أن الجلوة هي خروج العبد من الخلوة بالنعوت الإلهية .
ومن المعروف حديثا عند أعضاء الطرق الصوفية أن الجلوة تعبير عن نعم الله ، من الفتوح ، والكشوف ، وخوارق العادات ، والتجليات التي تظهر على قلوب المريدين ، والمعروف أيضا أن الشيطان يظهر للمريد المبتدىء في الخلوة في صور متعددة كترغيب في محظور ، أو ترهيب في شكل حية رقطاء ، أو ثعبان ضخم ، يريد أن يفترسه  
ويقاوم المريد هذا الشيطان الماكر بالذكر والتأمل والصمت ومخالفة النفس والجوع ، والسهر ، والدعاء ، وقراءة الورد ، بشكل منتظم حتى ينتصر على أعداء الله ويغلب على حاله الرجاء بعد الخوف ، والأمن بعد الرهبة ، فإذا ظهر له الشيطان في أي صورة هزمه وصرعه ، لأنه يشعر بأن الله معه .
ثم إذا خرج من الخلوة يخرج متصفا بالكمالات الأخلاقية وهذا ما يقصد إليه الشيخ الأكبر من أن المريد يخرج من الخلوة متصفا بالنعوت الإلهية وهي جميعا من الله فيظهرها عليه ،

وهذا ما نجده عند بعض أفراد الطريق من قدرات خارقة في الجلوات كخرق سلك في خد المريد وخروجه من الجانب الآخر دون تأثير مادي أو ترك اثر أو سقوط نقطة من دم ، ولا يجد العلم تفسيرا لهذه الظاهرة التي يجدها في الجلوات .

وكذلك نرى أن بعض مريدي الرفاعية ، لا يخافون الثعابين ، وفي رأينا أن الثعبان يمثل النفس الأمارة ، فإذا روض الثعبان فمعنى ذلك القدرة على ترويض وتأديب النفس والشيطان جميعا " .

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:09 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 8:45 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفقرة الثانية :-                                           الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
22   - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
هذا فص الحكمة الإلياسية ، وهي الحكمة الإدريسية المتقدمة فذكرها فيما مر بنصف المعرفة وهنا بنصف المعرفة لاختلاف الاسمين لها فذكر لها اسم إلياس هنا ،
لأنه سيذكر في هذا الفص أن اللّه تعالى أنشأها مرتين كان نبيا قبل نوح عليه السلام ، ثم رفع وهو أمر فصها الأوّل ثم نزل رسولا بعد ذلك وسمى إلياس وهو حال هذا الفص فذكره بعد حكمة زكريا عليه السلام ،
لأن الكلام فيها عن إلياس عليه السلام أنه صار عقلا مجردا عن الشهوة وهو من رحمة اللّه تعالى كما أن زكريا عليه السلام كان عين الرحمة بحكم قوله تعالى : ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا( 2 ) [ مريم : 2].
 
فهو أقرب منه ولهذا قدمه ، وإلياس يليه بالرتبة الملكية وهو المكان العلي الذي رفعه اللّه تعالى إليه من كونه بشرا سويا واسمه إدريس وإلا فإن النبي أرفع من الملك ومن هنا كان يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم عند موته اللهم الرفيق الأعلى وعرج به في أطباق السماوات وهو عليه السلام أفضل من الكل وأشرف .
 
(فص حكمة إيناسية) أي منسوبة إلى الإيناس وهو حصول الأنس ضد الوحشة (في كلمة إلياسية).
إنما اختصت حكمة إلياس عليه السلام بكونها إيناسية لأنها من مقام الملائكة أصحاب العقول المجردة عن الشهوات الجسمانية فلها الاستئناس باللذائذ الروحانية والمحبة الربانية في شهود الجمال الرحماني والكمال الصمداني في حضرات المعاني على نغمات الأدوار الأمرية برنات المثاني .
 
قال رضي الله عنه :  ( إلياس وهو إدريس عليه السّلام كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ورفعه اللّه مكانا عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشّمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية . وكان هذا الصّنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان - من اللّبانة وهي الحاجة - عن فرس من نار ، وجميع آلاته من نار . فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشّهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلّق بما تتعلّق به الأغراض النّفسيّة . )
 
إلياس النبي المشهور هو إدريس عليه السلام .
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه اللّه تعالى في تفسير سورة مريم عند قوله تعالى :وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ[ مريم : 56 ] هو أخنوخ جد أبي نوح أوّل مرسل بعد آدم عليه السلام ، وأوّل من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والهيئة وخاط اللباس ، واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل ، وسمي به لكثرة درسه وقيل : هو إلياس انتهى .
 
وفي صحيح البخاري في كتاب الأنبياء عليهم السلام ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهم أن إلياس هو إدريس .
وقال الزركشي في شرح البخاري قلت : لكن ظاهر القرآن يدل على أنه غيره وهو قوله تعالى في سورة الأنعام :وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ[ الأنعام : 84 ] إلى قوله :وَإِلْياسَ فهذا تصريح بأن إلياس من ذرية نوح ، وأجمعوا على أن إدريس كان قبل نوح فكيف يستقيم أن يقال إنه إلياس . وقد أشار إلى ذلك ألبغوي في تفسيره ، انتهى .
 
وقرأت في هامش شرح الزركشي بخط بعض العلماء نقل هذا الإجماع باطل .
وقال البيضاوي في نفسيره وإلياس قيل هو إدريس جد نوح فيكون البيان ، أي بيان ذرية نوح في الآية مخصوصا بمن في الآية الأولى يعني التي آخرها وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[ الأنعام : 84 ] . وقوله تعالى :وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ[ الأنعام : 85 ].
معطوف على قوله وَنُوحاً هَدَيْنا.
قال البيضاوي : قيل هو يعني إلياس من أسباط هارون أخي موسى ، انتهى .
 
وهو الجواب عن إيراد الزركشي ، وفي حديث الجامع الصغير للسيوطي برواية ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « الخضر هو إلياس » « أورده السيوطي في الدر المنثور ، وعزاه إلى ابن مردويه عن ابن عباس » .
وقال الشارح المناوي رحمه اللّه تعالى أن الخضر لقبه واسمه هو إلياس وهو غير إلياس لمشهور ، فقد اشتهر بلقبه وذلك باسمه ، فلا تدافع بينه وبين ما بعده من قوله عليه السلام : " الخضر في البحر وإلياس في البر » .
يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل برواية الحارث بن أبي أسامة عن أنس رضي اللّه عنه .
وفي الشرح المذكور عند حديثه إنما سمي الخضر خضرا لأنه جلس على فروة وهي وجه الأرض فاخضرت .
قال : وهو صاحب موسى عليه السلام الذي أخبر عنه القرآن بتك الأعاجيب ، وأبوه ملكان بفتح فسكون ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح .
وقيل : هو ابن حلقيا وقيل : ابن قابيل بن آدم وقيل : ابن فرعون صاحب موسى عليه السلام وهو غريب . وقيل : أمه رومية وأبوه فارسي .
وقيل : هو ابن آدم عليه السلام لصلبه ، وقيل : الرابع من أولاده ، وقيل : هو ابن خالة ذي القرنين ووزيره . انتهى .
 
فتحصل من هذا أن إلياس :
يجوز أن يكون مشتركا بين الخضر اسمه إلياس وبين إلياس النبي المشهور ،
ويجوز أن يكون المراد بإلياس الذي ذكر في القرآن في الآية السابقة : أنه من ذرية نوح عليه السلام هو الخضر الذي ذكره اللّه تعالى أيضا في قصة موسى عليه السلام بقوله :فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً( 65 ) [ الكهف : 65 ] ،
وهو من ذرية نوح عليه السلام ، فسماه في موضع باسمه إلياس ووصفه بصفة العبودية في موضع آخر ، وهو غير إلياس المذكور في القرآن أيضا في قوله تعالى :وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ( 123 ) [ الصافات : 123 ] .
 
كما أنه تعالى ذكر يوسف بن يعقوب في سورته ، وذكر في موضع آخر قوله تعالى :وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ [ غافر : 34 ] الآية .
وهي من قول موسى : " من آل فرعون " فيوسف هذا بعد يوسف بن يعقوب فهو غيره ، وكذلك ذكر اللّه تعالى يونس في القرآن في موضع آخر ذا النون فقال سبحانه : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً[ الأنبياء : 87 ] الآية .
فلا يصح إيراد الزركشي الذي ذكر سابقا ، وصح قول ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهم : أن إلياس هو إدريس عليه السلام يعني غير إلياس الملقب بالخضر المذكور في سورة الأنعام أنه من ذرية نوح عليه السلام ،
كيف وابن عباس رضي اللّه عنهما ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ترجمان القرآن وقد دعا له ابن عمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله : « اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل » « رواه أحمد في المسند » ،
 
أي تأويل القرآن ، فهو أدرى بالقرآن من غيره فقوله : بأن إلياس هو إدريس عليه السلام أصح الأقوال خصوصا وقد وافقه ابن مسعود خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وغيره أيضا ، وجاء الكشف الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة بذلك من حضرة المصنف قدس اللّه سره ، وجعل فرادس الجنان مقره .
وذكر الملا عبد الرحمن الجامي قدس اللّه سره في رسالته في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين .
 
قال : ثم لا يخفى على من تتبع معارفهم يعني الصوفية المثبوتة في كتبهم أن ما يحكى عن مكاشفاتهم ومشاهداتهم لا يدل إلا على إثبات ذات مطلقة محيطة بالمراتب العقلية والغيبية ، منبسطة على الموجودات الذهنية والخارجية ، ليس لها تعين يمتنع معه ظهورها مع تعين آخر من التعينات الإلهية والخلقية ، فلا مانع أن يثبت لها تعيين يجامع التعينات كلها ، لا ينافي شيئا منها وتكون عين ذاته غير زائدة عليه لا ذهنا ولا خارجا ،
إذا تصوّر العقل هذا التعين امتنع عن فرضه مشتركا بين كثيرين اشتراك الكلي بين جزئياته ، لا أن عين تحوّله وظهوره في الصور الكثيرة والمظاهر الغير المتناهية علما وعينا وغيبا وشهادة بحسب النسب المختلفة والاعتبارات المتغايرة ،
واعتبر ذلك بالنفس الناطقة السارية في أقطار البدن وحواسها الظاهرة وقواها الباطنة بل بالنفس الناطقة الكمالية ، فإنها إذا تحققت بمظهرية الاسم الجامع كان التروحن من بعض حقائقها اللازمة فتظهر في صور كثيرة من غير تقيد وانحصار ، فتصدق تلك الصورة عليها وتتصادق لاتحاد عينها كما تتعدد لاختلاف صورها ،
ولذا قيل في إدريس عليه السلام إنه هو إلياس المرسل إلى بعلبك لا بمعنى أن العين خلع الصورة الإدريسية ولبس الصورة الإلباسية ،
وإلا كان قولا بالتناسخ بل إن هوية إدريس مع كونها قائمة في آنيته وصورته في السماء الرابعة ظهرت وتعينت في آنية إلياس الباقي إلى الآن ، فيكون من حيث العين والحقيقة واحدا ومن حيث التعين الصوري اثنين ، كتحوّل جبرائيل وميكائيل وعزرائيل عليهم السلام يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتى كلها قائمة بهم ،
وكذلك أرواح الكمل كما يروى عن قضيب البان الموصلي رحمة اللّه تعالى عليه أنه كان يرى في زمان واحد في مجالس متعددة مستقلا في كل منها بعين ما في الآخر ، ولما لم يسع هذا الحديث أوهام المتوغلين في الزمان والمكان تلقوه بالرد والعناد وحكموا عليه بالبطلان والفساد .
 
وأما الذين منحوا التوفيق للنجاة من هذا الضيق فلما رأوه متعاليا عن الزمان والمكان علموا أن نسبة جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبة واحدة متساوية ، فجوّزوا ظهوره في كل زمان وكل مكان بأي شأن شاء وبأي صورة أراد كان ،
 
أي إلياس (عليه السلام نبيا قبل نوح عليه السلام) وهو إدريس ولهذا قال فيه (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) [ مريم : 57 ] . قال تعالى :وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا ( 56 ) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا( 57 ) [ مريم : 56 - 57 ] ،
فهو ، أي إدريس عليه السلام في قلب الأفلاك السبعة السماوية ساكن وهو ، أي قلب الأفلاك فلك الشمس وهو الفلك الرابع فوقه ثلاث أفلاك وتحته ثلاث أفلاك ثم بعث ،
أي بعثه اللّه تعالى إلى قرية بعلبك وسماه تعالى باسم إلياس ،
قال سبحانه :وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 123 ) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ( 124 ) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ ( 125 ) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ( 126 ) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( 127 ) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 128 ) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ( 129 ) سَلامٌ عَلى إِل‌ْياسِينَ ( 130 ) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 131 ) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( 132 ) [ الصافات : 123 – 132].
 
)وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية( المعروفة بالقرب من دمشق الشام )وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك( يعبده من دون اللّه والقوم يدعونه في حوائجهم )وكان إلياس الذي هو إدريس عليه السلام قد مثل( بالبناء للمفعول ، أي مثل اللّه تعالى له انفلاق الجبل المسمى بجبل لبنان في بلاد البقاع وهو معروف الآن .
حتى ذكر جدنا العلامة الشيخ إسماعيل بن النابلسي في حاشيته على تفسير البيضاوي في سورة هود عليه السلام : أن نوحا عليه السلام كانت سفينته من العاج وهو شجر عظيم يجلب من بلاد الهند وقيل : من خشب الصنوبر .
وفي تفسير القرطبي عن عمر بن الحارث أنه قال :
عمل نوح عليه السلام سفينته ببقاع دمشق وقطع خشبها من جبل لبنان وهو مشتق (من اللّبانة) بالضم والتخفيف (وهي الحاجة عن فرس) روحاني له جسد (من نار وجميع آلته) كالآكاف واللكام والركاب والحزام من نار أيضا هي وفرس الحياة التي نزل جبريل عليه السلام راكبا عليها حتى قبض السامري في بني إسرائيل قبضة من أثرها فوضعها في العجل من الذهب فصار له خوار ، وإنما انفلق جبل لبنان لإدريس عليه السلام الذي هو إلياس عن جسدها الناري القائم بروحها النورانية التي نزل بها جبرائيل عليه السلام ، فالروحاني حظه منها الجزء الروحاني والجسماني حظه منها الجزء الجسماني .
(فلما رآه) ، أي رأي إدريس عليه السلام ذلك الفرس (ركب عليه فسقطت عنه) ، أي عن إدريس عليه السلام (الشهوة) الجسمانية شهوة البطن والفرج فلم يحتج إلى الأكل والشرب والجماع (فكان عقلا) محضا (بلا شهوة) بمنزلة الملائكة عليهم السلام وكان له صيام الدهر من المقام الصمداني ( فلم يبق له تعلق به بما تعلق الأغراض النفسية) والطبيعة البشرية ولهذا رفعه اللّه تعالى إلى قلب الأفلاك يعبد اللّه تعالى مع الملائكة عليهم السلام بالتسبيح والتقديس .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
اعلم أن إلياس عليه السلام لما أنس الملائكة وخالطهم بحسب مزاجه الروحاني وأنس الإنسان بحسب مزاجه العنصري أورد الحكمة الايناسية في كلمته
فبين في هذا الفص التنزيه والتشبيه ، فالتنزيه من جهة ملكيته والتشبيه من جهة بشريته فتم له الأمر و ( إلياس هو إدريس ) وكون إلياس هو إدريس معلوم له من الكشف الإلهي إذا أطلعه اللّه أعيان رسله من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام وما ذكر في كتب التفاسير من قصة إدريس وإلياس وإن دل على تغاير الأحوال لكن لا يدل قطعيا على تغايرهما في المسمى فسمي بإلياس بعد البعثة إلى قرية بعلبك .
 
قال المفسرون وهو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده ،
وقيل هو إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكان إلياس وكشف الشيخ وافق الأخير
فإدريس ( كان نبيا قبل نوح ورفعه اللّه مكانا عليا وهو ) أي إدريس ( في قلب الأفلاك ) متعلق
 
بقوله رضي الله عنه : ( ساكن وهو ) أي قلب الأفلاك ( فلك الشمس ثم بعث إلى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة وهي الحاجة )
قوله ( عن فرس ) يتعلق بانفلاق أي انفرج الجبل فخرج منه فرس ( من نار وجميع الآية من نار فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما يتعلق به الأعراض النفسية )
أما الفرس فهو النفس الناطقة المجردة مركب الروح المجردة وكون جميع الآية ناريا حرارة الشوق بجميع قواه إلى لقاء اللّه وركوبه تصرفه في عالم المجردات وانعزاله عن مركب النفس الحيواني لذلك سقطت عنه الشهوة فأثر الركوب عليه في حيوانية فقطع تعلقه بالأغراض النفسية التي كانت بسبب الحقيقة الحيوانية فكان هذا الفرس نورا على صورة النار
كل ذلك من غلبة نور القدس على روحه وجميع قواه لذلك آنس الملائكة وخالطهم فسبح الحق وقدسه تقديسهم وتسبيحهم.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
قال رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس. ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار. فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق وما ذكره بعد ظاهر.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
 
22 - فصّ حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
قد ذكرنا سبب استناد هذه الحكمة إلى الكلمة الإلباسية ، وسنزيدها بيانا في شرح المتن .
" نشأته عليه السّلام روحانية على وجه لا يقبل تأثير الموت ، فانفلق له جبل لبنان من لبانته في صورة فرس من نار ، فأنس بها وآنسها ، فأمر بالركوب عليها ، فركبها ، فنسب حكمته إلى إيناس نور أحدية الجمع في صورة نارية الفرق على ما يأتي ."
قال رضي الله عنه  : ( إلياس هو إدريس كان نبيّا قبل نوح ، ورفعه الله ( مَكاناً عَلِيًّا ) فهو في قلب الأفلاك ساكن ، وهو فلك الشمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبكّ، و« بعل » اسم صنم و« بك » هو سلطان تلك القرية ، وكان هذا الصنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك ) .
قال العبد : اعلم أنّ النفوس المفارقة هياكلهم بالمسمّى نونا  وهو مفارقة لطيفهم عن كثيفهم كما ذكرناه مرارا ،
وبتناسب ذلك الافتراق أنّه لغلبة حكم ما به يباين اللطيف الكثيف، وعدم وفاء قوّة الكثيف من حيث هو كذلك واقتضائه بمظهرية اللطيف وبقائه معه مدّة حياته وبقائه ،
فلا مناسبة تجمع بين اللطيف والكثيف إلَّا سرّ أحدية جمع " كلّ شيء فيه كلّ شيء " وأنّ في اللطيف كثافة معنوية من حيث تراكم كثرة حقائقها النسبية وتضاعف قواها ،
فإنّ ذلك كثافة معنوية ، فبهذه المناسبة جمع الله بين هذا اللطيف الروحاني والكثيف الجسماني ، فنزّل الله اللطيف إلى الكثيف ، وأظهر تلك الكثافة المعقولة في اللطيف الأحديّ بإظهار قواه المتكثّرة ،
وأوحى إلى النفس بأن تكمل نشأة الكثيف في قيام مظهريته لحقائق اللطيف وخصائصه بجزئيّات مظهرياتها الخصيصة بكلّ عضو ، فنزل اللطيف بأمر الله القدير القاهر لطفا ، وتكيّف بكيفية الكثيف فيسمّى نفسا أمّارة ،
لكونها آمرة بالوحي الإلهي لقواها وحقائقها أن تظهر حقائق الجسم الكثيف وخصائصها تماما أوّلا لتعمير العالم الكثيف وإظهار ما أودع الله فيه من كامنات أسراره،
ولم يكن يتأتّى ذلك إلَّا بجلب ما فيه منفعة الكثيف ودفع مضرّته ، فخلق الله في النفس الشهوة والغضب ، فاشتهت ما فيه بقاء صورته النوعية ، وغضبت لما فيه دفع ما يضرّه ويضرّها من جهته .
 
فهذه النفس المسمّاة أمّارة عرفا شرعيّا مأمورة أوّلا بما تأمّر ، فما أمرت إلَّا بما أمرت وأمّرت ، فظهر من حقيقتي الشهوة والغضب المستندتين في علم الحقائق إلى الرضي والغضب الإلهيين ، فلا تنس ولا تغفل عن أصول الحقائق الكونية في الحقائق الإلهية .
 
وتعيّن روحان لمظهريتهما وهما :
الروح الطبيعي الذي صورته الدم ،
والروح الحيواني الذي صورته البخار اللطيف الكائن في أحد تجويفي القلب الصنوبري الجسماني ، لا القلب الإلهي ، وفي التجويف الآخر جوهر الروح الطبيعي ، فينتشران من الأبهرين إلى أعالي أعضاء الهيكل وأسافلها في الشرايين والأوردة ، فخلقت صور الأعضاء الإلَّيّة  والأعضاء المتشابهة الأجزاء ، وظهرت القوى المسمّاة جسمانية من وجه ونفسانية من آخر بالأصالة في هذه الأعضاء ، فسبحان اللطيف ، المتجلَّي بحقائق اللطف ودقائق القوّة ورقائق الحياة ، العليم بما يخلق ، الخبير بما يفعل .
 
وظهرت الجاذبة والمشتهية من الروح الشهويّ ، والماسكة والهاضمة والمحيلة - أي المغيّرة - والغاذية والمولَّدة والمصوّرة والمشبّهة ، ولها جزئيّات تفريعية لم تسمّ في الحكمة العرفية ، فإنّهم اقتصروا على الأبين الأظهر الأجمع منها لسائرها رحمهم الله .
 
وهذان الروحان مخصوصان مأموران بخدمة هذا الهيكل الشريف الإلهي الذي هو بنيان الربّ اللطيف ، وموسومان بتعميره وتدبيره العمليّ من قبل النفس بهما ، ولكن هذا التدبير العملي للنفس من حيث القوّة العملية التي هي ذاتية لها ، وإنّما يتيسّر ويتأتّى لها ذلك بالتدبير العملي من حيث قوّتها العلمية التي هي أيضا ذاتية للنفس ،
 
وهي أصل القوّة العملية في الحقيقة ، وهي أخصّ بالنفس من حيث روحانيتها وجوهريتها ونورانيتها ، فخلق الله للقوى الخصيصة بالنفس من حيث روحانيتها الروح النفسانيّ من أحدية جمع الروحين الأوّلين ، وجعلهما مركبين وخادمين له ، وعيّن مظاهرها في أعضاء أعالي البدن ، وجمع جميع قوى هذا الروح النفسانيّ الروحانيّ النوراني في عشر قوى كلية :
خمسة منها باطنة مخصوصة بالروح الإنساني الظاهر في النفس المطمئنّة وهي :
المصوّرة ( أعني المتخيّلة )
والمفكَّرة ،
والحافظة ،
والذاكرة ،
والعاقلة الناطقة .
ثمّ الوهم ينتشي بين المتخيّلة والمتفكَّرة ، وينتشي القوّة المصوّرة للصور الذهنيّة والخياليّة ، وينتشي من العاقلة الناطقة ، وهي كمالها .
 
وخمسة ظاهرة وهي : الشمّ ، والذوق ، واللمس ، والسمع ، والبصر ،
وفي هذه المباحث مباحث جمّة عرفت في الحكمة الرسميّة من حيث ظاهرها ورسمها ، وأشرنا إلى بعض حقائقها في الفصّ الآدميّ ، فتأمّل ذلك منه ، إن شاء الله تعالى . فظهرت قوى النفس الناطقة لتكميل تعمير هيكله ، فدبّرت وفكَّرت وأقبلت وأدبرت ، حتى قامت الممكنة .
 
ثمّ انقسمت النفوس بموجب ما أراد الله به المدبّر الحكيم العليم إلى صنفين :
صنف غلَّبوا الروح النفسانيّ الروحاني الإلهي على الروح الطبيعي الشهواني ، وعلى الروح الغضبي الحيوانيّ ، وأقاموهما في خدمة الروح النفساني ، فدبّرت أمر هذا الهيكل على الوجه الأعدل وعمّرته بالأفضل الأكمل ، فظهرت الحقائق الروحانية النورانية ، وتبيّنت الدرج والدقائق الإلهية والرحمانية والإنسانية .
 
وهذا الصنف صنفان :
صنف منهم غلَّبوا القوى الروحانيّة على القوى الجسمانيّة بالكلَّية ، فاستهلكت القوى الغضبيّة والشهوية بالكلَّية ، وداوموا بالحكمة والموعظة الحسنة على الهوى والنفس الأمّارة بالسوء ، حتى غيّروها وأحالوها إلى الحقائق الروحانية ،
 
والخصائص النفسانيّة الإنسانية ، وواظبوا على الرياضات والمجاهدات الدائمة ، حتى تنوّرت هياكلهم ، وتطهّرت عن التلوينات البشرية ، فصارت هياكلهم روحانيّات ، وأنفسهم وأرواحهم نورانيات ربّانيّات ، وعادوا بمقتضى حقائقهم أرواحا قائمة ،
وحصلوا فوق الحيوانية البهيمية والسبعية ، وتجاوزوا مقام الموت ، فهم أحياء لا يموتون أبدا ، وهياكلهم لطائف الجوهر الجسميّ ، المتروحنة روحانية ، فقطعوا البرازخ الخصيصة بالنفوس البشرية والأجسام .
 
وكان إدريس عليه السّلام منهم ، فتروحن كما ذكرنا من قبل ، ونذكر أيضا عن قريب ما بقي من التتمّة في موضعه ، إن شاء الله تعالى .
 
والصنف الثاني منهم قصدوا الاقتصاد ، فلم يغلَّبوا روحانيّتهم على جسمانيّتهم بحيث تستهلك القوى الجسمانية ، فتحيلها إلى الجوهر الروحاني ، ولكن عدّلوها وقوّموها وثقّفوها بالسياسة الإلهية الشرعية والحكمية ، وما عطَّلوا قوّة من القوى الشهوية والغضبية ، وما بطلوها ،
وإنّما صرفوا أخلاقها - المسمّاة في الحكمة الرسمية رذائل إلى المصارف المستحسنة عقلا وشرعا وعرفا ، فصارت كلَّها فضائل وأخلاقا إلهية،
 
فأولئك الَّذين  "يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ " وهم أهل الاقتصاد والسداد ، ومنهم الكمّل المقرّبون من الأنبياء والأولياء أرباب الكمال ، وكملت المقابلات العبدانية والأخلاق الإلهية ، والمراتب الروحانية والكمالات النورانية في هذين الصنفين ،
وهم : الرسل والخلفاء ، والأولياء والعلماء والحكماء الإلهيّون ، لا غير .

ثمّ انقسم الصنف الباقي أيضا إلى صنفين ، وكلاهما غلَّبوا النفس الأمّارة بالسوء والهوى على العقل والروح ، وأسروا الروح النفسانيّ ، واستعملوا قواه بموجب الهوى في تحصيل الكمالات الوهميّة الجسمانية الحيوانية ، فغلبوا واستولوا بالكليّة على هذه الممكنة الهيكلية ، وازدوجت النفس من كونها أمّارة بالهوى ، فالصنف الواحد منهم غلَّبوا الشهوة على الغضب بعد تغليبها على الروح النفساني الإنساني ، فتولَّدت الأخلاق الرذلة البذلة ،
وهي المعقّبات المذكورة في كتب الإمام حجّة الإسلام ، أبي حامد محمد الغزالي رحمه الله .
وأمّهاتها : الحرص ، والشره ، والبخل ، والطمع ، والحسد ، والذلَّة ، والخسّة ، والخور ، والجزع ، والفزع ، والجبن ، والهلع ، والفشل ، والكسل ، والركَّة ، والوضاعة ، وما شاكلها وانتشى منها ممّا لا يحصي جزئياتها إلَّا الله .
 
والصنف الآخر غلَّبوا القوّة الغضبيّة على الشهوية بعد تغليبهما معا على الروح النفساني وقواه ، فظهر منها : التهوّر ، والظلم ، والجور ، والاستيلاء ، والاستعلاء ، والإيذاء ، والقهر ، والحقد ، والحميّة الجاهلية ، والنخوة ، والخيلاء ، والقساوة ، والجسارة ، والشكاسة ، والقتل ، وأمثالها . وإذا اعتدل ، فالشجاعة ، والشهامة ، والنبالة وأمثالها .
 
ثم تولَّدت من بين هاتين القوّتين بالمطابقات والموافقات الواقعات بينها وبين قواها في أشخاص هم مظاهرها أخلاق شيطانية : كالتخويف ، والخوف من الفقر ، والحزن على فوت الأغراض الدنياويّة ، والاستعلاء ، والاستكبار ، والتفاخر ، والتكاثر بالمال والجاه ، والمراء ، والجدل بالباطل ، والكفر ، والشرك والتثبيط  في الطاعات والعبادات ، والمنع والامتناع من الذكر والفكر والصلاة ، وإيقاع العداوة بين الأحبّاء والأصدقاء والمؤمنين والزوجين ، وما شاكل ذلك .
ومن أراد الاطَّلاع على أمّهاتها وكلَّيّاتها فليطالعها في كتاب " إكسير الكمال " وكتاب "خلاصة الإرشاد " لنا .



والغرض من ذكرها هاهنا هو أن يطَّلع المسترشدون  المستبصرون من إخواننا وأصحابنا وأولادنا على أخلاق المتروحنين وأهل الانسلاخ من الأوساخ ، وكيفية ظهور الروح المفارق الكامل القاطع للبرازخ بعد الموت العرفي ، وكيفية ظهور الإنسان المتروحن في الأرواح وجسمه الروحاني، ولمّا كان إدريس عليه السّلام من أقطاب المتروحنين وأكابرهم، وله نشأتان، عرضنا لذكر أصل ذلك على سبيل الإجمال، وفي تفصيله تطويل.

قال رضي الله عنه  : ( وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان - من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار، فلمّا رآه ركب عليه، فسقطت عنه الشهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلَّق بما يتعلَّق به الأغراض النفسية).


قال العبد : الجبل المسمّى لبنان الحقيقة الجسمانيّة التي يبلغ فيها الروح الإلهي لبانتها وحاجتها من تكميل قواها بها وفيها .
وانفلاقها صورة الفرقان العقلي بين العالي الشريف والسافل السخيف من قواها وحقائق ذاتها . والفرس صورة الحياة والطلب والشوق والتشوّق إلى المقامات القدسية الروحانية الغالبة على القوى الجسمانية ،

فكان ممّا نقل إلينا أنّه بقي ستّ عشرة سنة أو أكثر لم ينم ، ولم يتقصّده ، ولم يأكل ، ولم يشرب إلَّا ما شاء الله إلى أن غلبت عليه الروحانية ، فتروحن أي عاد روحانيا ، وانقلبت قواه الحيوانية روحانية ، والشهوية نفسانية ، والنفسانية إلهية ، فامتنع عن الشهوات النفسانية الطبيعية حتى كملت حقيقة التروحن ،

فتمثّلت نفسه الناطقة وهي نورية في صورة فرس من نار ، فالصورة النارية لشدّة الشوق والطلب الإرادي لإحراق القوى الشهوية والإخراق لحجبها المانعة عن الانسلاخ والتقديس والطهارة عن الأوساخ ،

والصورة الفرسية لحقيقة همّته المترقّية إلى أعالي ذرى العروج ، وجميع آلاته صورة تكامل قواه الروحانية للانسلاخ والمفارقة عن الأدناس والأوساخ لأجل السير والسلوك الروحاني الذي كان بصدده ، فلمّا أمر بالركوب عليه ، ركبه ، فسقطت القوى الشهوية منه عن التعلَّق بالملاذّ الجسمانية الطبيعية ، فبقي روحا ، والعقول المجرّدة الكلَّية ، وهي نصف المعرفة بالله ، والنصف الآخر ظهر بالنصف الآخر من النفوس ، كما بيّنّا ، فاذكر .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:11 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 9:08 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثانية على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفقرة الثانية :-                                         الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

22 -  فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إنما خصت الكلمة الإلياسية بالحكمة الإيناسية ، لأنه عليه السلام قد غلب عليه الروحانية والقوة الملكوتية حتى ناسب بها الملائكة وأنس بهم ، وقد آنسه الله بغلبة النورية بالطائفتين الملائكة والإنس ، وخالط الفريقين وكان له منهما رفقاء يأنس بهم ، وبلغ من كمال الروحانية مبلغا لا يؤثر فيه الموت كالخضر وعيسى عليه السلام .


"" أضاف بالي زادة :
واعلم أن إلياس لما آنس الملائكة بحسب مزاجه الروحاني ، وآنس الإنسان بحسب مزاجه العنصري ، أورد الحكمة الإيناسية في كلمته وبين التنزيه والتشبيه ، فالتنزيه من جهة ملكيته والتشبيه من جهة بشريته فسمى بإلياس بعد البعثة إلى بعلبك . قال المفسرون : وهو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده وقيل ، هو إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكان إلياس ، وكشف الشيخ وافق الأخير .أهـ بالى زادة . ""

قال رضي الله عنه :  (إلياس : هو إدريس عليه السلام ، كان نبيا قبل نوح ورفعه الله مكانا عليا فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس ، ثم بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل : اسم صنم ، وبك : هو سلطان تلك القرية ، وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك ، وكان إلياس الذي هو إدريس ،  قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار ، فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسانية).

حال إدريس النبي عليه السلام في الرفع إلى السماء كانت كحال عيسى عليه السلام ، وكان كثير الرياضة مغلبا لقواه الروحانية مبالغا في التنزيه كما ذكر في قصته ،
وقد تدرج الرياضة والسير إلى عالم القدس عن علايق حتى بقي ستة عشر سنة لم ينم ولم يأكل ولم يشرب على ما نقل ، وعرج إلى السماء الرابعة التي هي محل القطب ، ثم نزل بعد مدة ببعلبك ، كما ينزل عيسى عليه السلام على ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ،
 فكان إلياس النبي والجبل الذي مثل له انفلاقه المسمى لبنان جسمانيته المحتاج إليها في استكماله وتكميل الخلق في الدعوة إلى الله تعالى ، وانفلاقه انفراج هيأتها وغواشيها الطبيعية عنها بالتجرد عن ملابسها ، والفرس النارية التي انفلق عنه هي النفس الحيوانية التي هي مركب النفس الناطقة على ما ذكر في فص صالح ،
وهي بمثابة البراق له صلى الله عليه وسلم ، وكونها من نار غلبة حرارة الشوق واستيلاء نور القدس عليه ، كما قيل لموسى عليه السلام :" بُورِكَ من في النَّارِ " وكون آلاته من نار تكامل قواه وأخلاقه واستعداده المهيئات لاستعلاء النفس الناطقة التي هي القلب عليه بنور روح القدس الذي هو العقل ،
ولهذا صار عقلا بلا شهوة ، لأن النور القدسي إذا غلب عليها سقطت شهوتها وصارت قواها منورة عقلية وأذهب عنها ظلمة الشهوة ،

ولهذا قال : ركب عليه فسقطت شهوته ، لأن الاستيلاء بتأييد الروح القدسي والتنور بنوره يوجب سقوط الشهوة ، وقطع التعلقات النفسية ، وانتفاء أغراض النفس الناطقة والطبيعة ، فكان الحق فيه منزها لتنزهه عن العلائق ، ولتغلب أحكام الروح على أحكام الجسد ، والتنزيه على التشبيه ، لأن الغالب عليه الصفات الروحانية ، وقهر القوى النفسانية والطبيعية والبدنية حتى صار روحا مجردا كالملائكة ، فكان على النصف من المعرفة باللَّه كالعقول المجردة وهو التنزيه ،
وفائدة الكمالات الخلقية والصفات الحاصلة للنفس من المقامات والفضائل كالصبر والشكر وما يتعلق بالتشبيه وينبئ عن مقام الاستقامة وهو النصف الأخير ، وفي الجملة كمل فيه أحكام اسم الباطن وبقي أحكام اسم الظاهر
 

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
اعلم ، أن للقوى الروحانية بحسب الفعل والانفعال واجتماعاتها امتزاجات روحانية ، يحصل منها هيئة وحدانية ، ليكون مصدرا للأحكام والآثار الناتجة منها . والصورة الملكية تابعة لها ، كما أن الصورة الطبيعية تابعة للمزاج الحاصل من العناصر المختلفة والكيفيات المتقابلة ، والأحكام الظاهرة عليها إنما هي بحسب ذلك المزاج . فإذا علمت هذا :

فاعلم أن إلياس عليه السلام ، ناسب بحسب مزاجه الروحاني مزاج الصور الملكية ، وبحسب مزاجه الجسماني مزاج الصور البشرية ، فآنس من حيث الصورة الروحانية الملائكة ، فصاحبهم بحكم الاشتراك الواقع بينهم في مراتبهم الروحانية ، وآنس من حيث الصورة الجسمانية الأناسي ، وخالطهم بحسب الاشتراك معهم في الصورة الطبيعية العنصرية ، فصار جامعا للصورتين وظاهرا بالبرزخية بين العالمين .
لذلك اختصت الحكمة ( الإيناسية ) بهذه الكلمة ( الإلياسية ) .
ولتلك الصورة الملكية الموجبة للاعتدال الحقيقي فاز بالحياة الدائمة ، كالخضر وعيسى ، عليهما السلام .
فإنهما أيضا كانا ظاهرين بالصورة الملكية ، إلا أن الخضر ، عليه السلام ، غلبت صورته الملكية على صورته البشرية ، فاختفى عن أعين الناس ولم يطرأ عليه الموت، وعيسى ، عليه السلام، ارتفع إلى السماء مع الصورة البشرية .

قال رضي الله عنه :  ( إلياس وهو إدريس عليه السلام ، كان نبيا قبل نوح ، عليه السلام ، ورفعه الله مكانا عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن ، وهو فلك الشمس . ثم ، بعث إلى قرية "بعلبك " . و "بعل" اسم صنم و " بك " هو سلطان تلك القرية . وكان هذا الصنم المسمى " بعلا " مخصوصا بالملك . وكان إلياس ، الذي هو إدريس ، قد مثل له انفلاق الجبل المسمى ( لبنان ) من ( اللبانة ) ، وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار . فلما رآه ركب عليه ، فسقطت عنه الشهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلق بما يتعلق به الأغراض النفسية.)

قد مر في ( الفص الشيثي ) أن الكامل له السراح المطلق في العوالم الملكوتية والعنصرية بحكم الظهور بالقدرة خصوصا عند الأمر الإلهي بالبعثة ودعوة الخلق إلى الله .
والحكم بأن ( إلياس ) عين ( إدريس ) ، عليه السلام ، مستفاد من الشهود للأمر على ما هو عليه ، فإنه ، رضي الله عنه ، كان يشاهد جميع أرواح الأنبياء ، عليهم السلام ، في مشاهده ، كما صرح في ( فص هود ) ، عليه السلام ، وباقي كتبه .

فنزوله كنزول عيسى عليهما السلام ، على ما أخبر عنه نبينا ، صلوات الله عليه . وإنما كان قبل نوح ، لأنه كان جده ، لأنه ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس ، عليه السلام . ولا يتوهم أنه على سبيل التناسخ ليستدل على حقيقته - كما يظن به بعض من يميل إليه - لأنه عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر ، من غير تخلل زمان بين التعلقين ،  للتعشق الذاتي بين الروح والجسد ، ويكون تعلقه بالبدن الجسماني دائما.
وهذا ليس كذلك . و(انفلاق الجبل عن فرس ناري) كان في العالم المثالي .


فإنه شاهد فيه أن جبل لبنان وهو من جبال الشام انفلق وخرج منه فرس على هيئة نارية . ولا شك أن كل ما يتمثل في العالم المثالي بصورة من الصور هو معنى من المعاني الروحانية وحقيقة من الحقائق الغيبية .
لذلك أثرت في حيوانيته حتى سقطت عنه الشهوة وغلبت قواه الروحانية عليه ، حتى صار عقلا مجردا على صورة إنسان .

وقيل : إن (الجبل) هو جسمانيته ، وانفلاقه انفراج هيآتها وغواشيها .
و(الفرس) هي النفس الحيوانية. وكونها من نار غلبة حرارة الشوق واستيلاء نور القدس عليه ، وكون آلاته من نار تكامل قواه وأخلاقه. وفيه نظر .
لأن المتمثل له الحكم على من يتمثل له. فلو كان المتمثل بالجبل حقيقته الجسمانية ، وبالفرس حقيقته الحيوانية ، لكان حكم الحيوانية غالبا على الروحانية ، لا عكسه.  وكونها على الصورة النارية لا يخرج الحيوانية عن مقتضاها .
غايتها أن يجعل النفس منورة منقادة للروح ، ليكون مقتضاها على وجه الشرع .
وطريق الحل أن حملنا النارية على النورية. وإن حملناها على حقيقتها المحرقة، يكون سببا للتوغل في الشهوة والانحطاط في الدركات، لغلبة نار الشهوة على نور الروح. والله أعلم بالصواب.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية.)

الفصّ الإلياسي
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
قال رضي الله عنه :  (إلياس وهو إدريس عليه السّلام كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ورفعه اللّه مكانا عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشّمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية ، وكان هذا الصّنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك ، وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان من اللّبانة ، وهي الحاجة عن فرس من نار ، وجميع آلاته من نار ؛ فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشّهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلّق بما تتعلّق به الأغراض النّفسيّة )

"" أضاف المحقق :
إنما خصت الكلمة الإلياسية بالحكمة الإيناسية ؛ لأنه عليه السّلام قد غلب عليه الروحانية والقوة الملكوتية حتى ناسب بها الملائكة وأنس بهم ، وقد آنسه اللّه بغلبة النورية بالطائفتين الملائكة والإنس ، وخالط الفريقين ، وكان منهما رفقاء يأنس بهم ، وبلغ من كمال الروحانية مبلغا لا يؤثر فيه الموت كالخضر وعيسى عليه السّلام أهـ .شرح القاشاني ""

أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بإيناس الشخص بالعوالم مما يعطي من المناسبة معها ، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى إلياس عليه السّلام ؛ لتأنسه بالعالم السفلي أولا ، وبالعلوي ثانيا ، وبالجمع بينهما ثالثا ؛ ولذلك قال في دعوته :وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ[ الصافات : 125 ] ،

وإليه الإشارة بقوله : ( إلياس وهو إدريس عليه السّلام ) ، كما يقال عن ابن مسعود ، وفي مصحفه : وإن إدريس لمن المرسلين بدليل قوله :وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ[ الصافات : 123 ] ، وفيه أيضا : سلام على إدراسين بدلإِل ‌ْياسِينَ[ الصافات : 130 ] ، وهو قول عكرمة .
" انظر : تفسير الطبري ، وفتح القدير.".

قيل في رده : إن إدريس جد نوح بالاتفاق ، وإلياس من ذريته بدليل قوله تعالي :وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 84 ) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 85 ) [ الأنعام : 84 ، 85 ] .

وقد قال الأكثرون : إنه إلياس بن بستي بن فنحاص بن العيزار بن هارون .
قلنا : يجوز أن يعطف على « نوحا » ، وذكره في أثناء ذريته ؛ للإشعار بأنه صار في حكمهم بتأخره عند نزوله من السماء كعيسى لنبينا عليه السّلام ، فإنه من ذريته المعنوية ، ولعل الذي من أولاد هارون غيره ، فالمنة بهدايته على إبراهيم من جهة كونه جده ، ومن جهة كونه من ذريته المعنوية أيضا ( كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ) ، فكمل تأنسه بالعالم السفلي ( رفعه اللّه مكانا عليّا ) ؛ ليكمل تأنسه بالعالم العلوي ، والمكان العلوي بمكانة قلب الأفلاك كما مرّ .

( فهو ) وإن نزل بعده ( في قلب الأفلاك ساكن ) ، إذ لا ينزل نبي عن مكانته ، فكان هناك بروحانيته ، ثم جمع له بين التأنسين إذ ( بعث إلى قرية بعلبك ) المناسبة باسمها الجامع لجمعيته ، وذلك أن ( بعل هو اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية ) ، وإنما جمع في اسمها بينهما ؛ لأنه ( كان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك ) لا يعبده إلا هراء ، وخواصه أضف إليه ، وإن كان علم شخص يجعله جنسا بتأويله بالمسمي بعلا ؛ ولذلك ذكره الشيخ رحمه اللّه ثم لما ضعف فيه أمر الإضافة لكونها على خلاف الظاهر ، جعل مركبا امتزاجيّا عند جعله علما للقرية ، ثم الصنم إشارة إلى العالم السفلي إذ كل ما فيه صورة لما في العالم العلوي ، والملك إشارة إلى العالم العلوي ، وكانت أنسب لجمعيته .

ثم أشار إلى أنه ، وإن بلغ هذا المبلغ لم تكمل معرفته من كل وجه ، وإنما كملت معرفته التنزيهية إذ صارت جسمانيته التي تتعلق بها المعرفة التشبيهية روحانية نفيت له صور مثالية في هذا العالم فهو في قلب الأفلاك بروحه وجسمه ، وهاهنا بصورته المثالية ؛ فصح قول أهل الظاهر : إدريس في السماء الرابعة ، وإلياس في الدنيا ،

فقال : ( وكان إلياس الذي هو إدريس عليه السّلام ) بعد صيرورته جامعا عاد أمره إلى الروحانية ، وإن نفيت جسمانيته ؛ ليكتسب بها الكمالات إذ ( قد مثل له انفلاق الجبل ) ، وهو مثال البدن ، وانفلاقه مثال لانفلاق البدن عما فيه بالقوة ( المسماة لبنان ) ، خصّ ذلك الجبل ؛ لاشتقاق اسمه في الأصل ( من اللبانة ، وهي الحاجة ) المشعرة باحتياجه إلى البدن في اكتساب أكثر الكمالات ، فلا بدعة في الكلية بل يجعله روحانيّا ( عن فرس ) ،

وهو مثال ما يسير به السائر إلى اللّه تعالى على أحسن الوجوه من الأخلاق الفاضلة في الأعمال الصالحة ، والأحوال السنية ، والمقامات البهية ( من نار ) لما فيها من الخفة ، وطلب العلو ، وتفريق المختلفات ، ( وجميع آلاته ) التي هي أمثلة القوي المساعدة له في السير ( من نار ) ؛ لئلا يعوقه لو لم تكن منها في السير ، ( فلما رآه راكبا عليه ) ليركب روحه على ما ذكرنا على أتم الوجوه ؛ لأن فعل البدن مؤثر فيه لما بينهما من الملابسة ؛
ولذلك يؤمر بالأعمال الظاهرة (فسقطت عنه الشهوة)؛ لأنه تحرك من البشرية إلى الملائكية.
 

( فكان ) مع وجود بدنه ( عقلا بلا شهوة ) إذ لم يبق في قواه المحركة والمدركة ما يلتفت إلى العالم السفلي ، ( فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية ) مما تتعلق بهذه القوي المحركة والمدركة ، فلم يبق وهمه وهما ، ولا خياله خيالا .


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

22 - فصّ حكمة إيناسيّة في كلمة إلياسيّة
تسمية الفصّ
اعلم أنّ من الصور الكماليّة الإنسانيّة أن يرتبط بين القوى الجسمانيّة من الشخص وبين الروحانيّة منه برقائق اعتداله النوعي ، ووثائق امتزاجه الطبيعي ثمّ إنّه لا يزال تشتدّ قوّة ذلك الارتباط والالتيام عند ترشيحه بلطائف الأغذية التجريديّة القدسيّة ،
وتربيته بفنون الحقائق التنزيهيّة العلميّة ، إلى أن يبلغ رتبة التلازم والتجاذب فإذا أخذ القوى الجسمانيّة منه في الضعف ، وتمايل أركان مزاجه إلى طرفيه الخارجين عن الاعتدال ، لا بدّ وأن يجذبه الروحاني منه ويستجلب سائر وجوه تلك القوى وأعيانها إلى عالمه ، ضرورة ظهور قهرمان أمر الروح حينئذ وانقهار غيره تحته .

فعلم أنّه لا بدّ وأن يكون بين الكمّل منه ضرب من هذا الكمال ، ولذلك ترى في كل نسق من النسقات الثلاث الكماليّة التي اشتمل عليها نظم الفصوص واحدا :
كإدريس ، فإنّه في الرابع من الأوّل وعيسى ، فإنّه في السادس من الثاني وإلياس ، وهو أيضا في الرابع من الثالث وبه تمّ هذه الصورة الكماليّة في النبوّة .
وكأنّك قد عرفت في المقدّمة عند التلويحات الكاشفة عن حكم حرف السين أنّه يرتبط الظاهر منه بالباطن ربط انطباق واتّحاد ولذلك ترى مبنى موادّ الكلمات الثلاث عليه .

تلويحات حرفية في إلياس وإيناس
ثمّ إنّك إذا عرفت هذا فهمت منه وجهين من المناسبة بين الكلمة الإلياسيّة والحكمة الإيناسيّة : وجها حكميّا معنويّا ، وآخر لوحيّا حرفيّا :
أمّا الأوّل : فلأن الإيناس ضد الإيحاش ، ولغير هذه الكلمة وحشة من المفارقة والمباينة التي بين الروح وجسده ، وبها تمّت هذه الصورة الكماليّة ولذلك جمعت بين الكلمتين في النبوّة .
وأمّا الثاني : فلأنّك قد عرفت أن « ياسين » له مزيد اختصاص بين الحروف بهذا الكمال - ولذلك ورد : « إنّه قلب القرآن » - ومادّة هذه الكلمة هي « يس » مصدّرا بالألف واللام الكاشفتين عن التعريف والإظهار ، على ما هو مقتضى منصب النبوّة كما أنّ « الإيناس » من جملة صور قلبه عند تمام انبساطه .
على أنّ فضل عدد بيّنات إيناس كاشف عن حرفي البقاء ، الذين هما مؤدّى عدد إلياس ، فتأمّل .

إلياس هو إدريس
ثمّ إنّه قد صدّر هذه الحكمة بقصّة كاشفة عن أمر بعث هذه الكلمة مرّتين رمزا وإيماء ، فلا تغفل عن دقائق إشاراته في طيّ لطائف عباراته حيث قال : ( إلياس هو إدريس ، كان نبيّا قبل نوح ) عندما كان ألسنة الإظهار والإنباء من الرسل كاشفة عن محض التنزيه ، كما عرفت أمره .

ثمّ إنّه لما كان في شخص الكلمة الإدريسيّة مبدأ الجمعيّة الإطلاقيّة باشتماله على « يس » ، ظهر في مزاجه الارتباط القوىّ ، فأبقاه ( ورفعه الله مكانا عليّا ، وهو في قلب الأفلاك ساكن ) لانطوائه على قلب القرآن ، وهو صورة جمعيّة الكل ، ( و ) ذلك ( هو فلك الشمس ) التي هي مبدأ أمر الإظهار .

بعث إلياس إلى بعلبك
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم بعث إلى قرية بعلبك ) ، بعثا ثانيا لإتمام ما بعث له من التنزيه الحقيقي الذي في عين التشبيه فإنّه بعث إلى القرية التي هي عبارة عن المجتمع لغة بين صنم صورة نقش المعاني وبين سلطانها الذي هو الوهم ، ( و ) إليه أشار بقوله : ( « بعل » : اسم صنم ) ، فإنّ البعل كناية عن الصورة الجزئيّة التي هي زوج المعنى الكلَّي وبعله ،
( و « بك » : سلطان تلك القرية ) التي هي المجتمع من الصورة والمعنى والبرزخ الجامع بينهما وهو الوهم ( وكان هذا الصنم المسمّى بعلا ) - وهي الجزئيات المعروضة للصورة - ( مخصوصا بالملك ) ، فإنه لا حكم لشيء من القوى غير الوهم عليها وبين « بعل » و « إلياس » نسبة اتحاديّة في تلويح العدد ، فلذلك بعث إليه .

كان إلياس عقلا بلا شهوة
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وكان إلياس - الذي هو إدريس - ) أي عندما كان مسمّى بإدريس ( قد مثّل له انفلاق الجبل ) - أي جبل جبلَّته وتعيّنه - ( المسمّى لبنان ، من اللبانة - وهي الحاجة - ) فإنّه إنما تستحصل الأغراض والحوائج منه وبه ( عن فرس من نار ) ، أي مركب يطوى عليه المسالك بالتفرّس ، وهو النظر والتثبّت في الأمور ،
كما ورد : « اتّقوا فراسة المؤمن » فهي القوّة النظريّة وأمّا كونه من النار لأنّه يتنوّر به ما يمرّ به من المراحل ، فيظهر ولأنّه أيضا مبدأ تفرقة الأشياء وتمييزها ، ( وجميع آلاته من نار ) وهي القوى الإدراكية التي بدونها لا يصلح للركوب ، ( فلما رآه ) مهيّأ للركوب ، مشدودا بالآلات ( ركب عليه ) طاويا به مسالكه المعهودة من الحقائق التنزيهيّة الكليّة والعلوم المجرّدة عن الموادّ ،
( فسقطت عنه الشهوة ) التي إنما نشأت من إدراك الجزئيّات ، عند انتهاج طرقها وأطرافها ، ( فكان عقلا بلا شهوة ) ، أي ما يشتهيه مطلقا سواء كان في صورة الجذب أو الدفع ، فيشمل الشهوة والغضب .

 المعرفة الكاملة هي الجمع بين التشبيه والتنزيه 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فلم يبق له تعلَّق بما تتعلَّق به الأغراض النفسيّة ،) وكان الحقّ فيه منزّها عن الموادّ الجزئيّة والكثائف الأرضيّة السفليّة، وكان لقصره النظر على لطائف سماء التنزيه وكليّات حقائق التقديس.
 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

الفص الإلياسي
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
قال رضي الله عنه :  (إلياس وهو إدريس عليه السّلام كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ورفعه اللّه مكانا ).
فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إنما سميت حكمته عليه السلام إيناسية لما أنس بالأنس بنشأته الجسمانية وبالملك بنشأته الروحانية ،
فإنه لما كانت الممازجة الحاصلة بين قواه الروحانية والجسمانية قبل تروحنه واقعة قريب من التساوي ناسب الملأ الأعلى والملأ الأسفل ، فتأتي له الأنس بهما والجمع بين صفتيهما ، وهو كالبرزخ بين النشأة الملكية والإنسانية ، أو لأن الإيناس هو إبصار الشيء على وجه الأنس .
وكذا به قال تعالى في حق موسى عليه السلام :فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً[ القصص : 29 ] ، فإيناس موسى النار إبصارها على وجه الأنس بها .

وكذا أبصر إلياس عليه السلام فرسا من نار وجميع آلاته عليه من نار وأنس به فركبه ، فإبصاره الفرس في صورة نارية مع الأنس به إيناس فلذا سميت حكمته إيناسية ( الياس هو إدريس عليه السلام ) ، كان الحكم بالاتحاد بينهما بناء على أن مشاهدته الأنبياء عليهم السلام في مشاهداته كما صرح ببعضها في فص هود عليه السلام أو مستفاد من روحانيته صلى اللّه عليه وسلم ، فإن هذا الكتاب بلا زيادة ونقصان مأخوذ منه صلى اللّه عليه وسلم كما صرح به في صدر الكتاب ، فما وقع به في بعض كتبه رضي اللّه عنه أن الموجود من الأنبياء بأبدانهم العنصرية أربعة :
اثنان في السماء : إدريس وعيسى عليهما السلام ،
واثنان في الأرض : خضر وإلياس على ما اشتهر من اثنينيتهما
وما وقع في هذا الكتاب بناء على ما استقر كشفه عليه آخرا ، فإن هذا الكتاب خاتم مصنفاته أو نقول الحكم بالاثنينية باعتبار البدءين السماوي والأرضي ، والحكم بالاتحاد باعتبار الروحانية .
فإن قلت على تقدير اتحاديهما ينبغي أن يفترق في بيان حكمته على فص واحد .
قلنا له : حكم قدسية متعلقة بتقديس الحق حين كان يسمى إدريس قبل عروجه إلى السماء وحكم إيناسية ونسب حكمته في كل فص باسم ( كان نبيا قبل نوح عليه السلام) ،


قال رضي الله عنه :  (عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشّمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية . وكان هذا الصّنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان - من اللّبانة وهي الحاجة - عن فرس من نار ، وجميع آلاته من نار . فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشّهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلّق بما تتعلّق به الأغراض النّفسيّة .)

لأن نوح ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وأخنوخ هو إدريس عليه السلام .
وقيل : هو الذي تسميه الحكماء هرمس الهرامسة ( ورفعه اللّه ) حين غلبت نشأته الروحانية على الجسمانية ( مكانا عليا فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث ) بنزوله من السماء كنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان كما أخبر به نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( إلى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس ) ، أي حي يدعى بإدريس

( قد مثل له ) في عالم المثال المطلق أو المقيد ( انفلاق الجبل المسمى لبنان ) ، وهو من جبال الشام ( من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته ) ، مما لا بد منه في الركوب ( من نار فلما رآه ) معدا للركوب ( ركب عليه فسقطت عنه الشهوة ) أي شهوة جذب المحبوب ودفع المكروه فيشمل الغضب أيضا ( فكان ) ،

أي صار ( عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية ) ، من جذب الطبيعة ما هو محبوب للنفس ودفع ما هو مكروه له ، ولا شك أن كل ما يتمثل في العالم المثالي بصورة من الصور لا بد له من تأويل وتعبير يعرب عما هو المراد به .

فالمراد بجبل لبنان واللّه تعالى أعلم جهة جسمانية التي بها تبلغ الروح لبانته وحاجته من تكميل قواه بها ، وفيها وبالفرس الناري جهة روحانيته التي بها نورية التفرس بالمطالب العالية وزارية الشوق إليها ويكون جميع آلاته من نار تكامل قواه بسراية تلك النورية ، والنورية فيها للانسلاخ عن مقتضيات جهة جسمانية ،
والمراد بانفلاق الجبل عنه مغلوبية جهة جسمانيته بجهة روحانيته ، لأنه عليه السلام كان كثير الرياضة مغلبا لقواه الروحانية على القوى الجسمانية حتى نقل إلينا أنه بقي ستة عشر سنة أو أكثر لم ينم ولم يأكل ولم يشرب إلا ما شاء اللّه إلى أن غلبت جهة روحانيته على جهة جسمانيته.

والمراد بركونه عليه استعلاؤه واستقراره على جهة روحانيته بحيث أوصلته إلى مكانه العلي ومكانته العلية التي هي اللحوق بالملأ الأعلى ، فباستقراره على جهة روحانيته سقطت عنه الشهوة والغضب اللذان هما من مقتضيات جهة جسمانيته فبقي عقلا بالشهوة.

 .


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:12 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 9:25 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثالثة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفقرة الثالثة :-                                        الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )


قال رضي الله عنه : ( فكان الحقّ فيه منزّها ، فكان على النّصف من المعرفة باللّه ، فإنّ العقل إذا تجرّد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره ، كانت معرفته باللّه على التّنزيه لا على التّشبيه.   وإذا أعطاه اللّه المعرفة بالتّجلّي كملت معرفته باللّه ، فنزّه في موضع وشبّه في موضع . ورأى سريان الحقّ في الصّور الطّبيعيّة والعنصريّة . وما بقيت له صورة إلّا ويرى عين الحقّ عينها .  وهذه المعرفة التّامّة الّتي جاءت بها الشّرائع المنزلة من عند اللّه وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلّها . ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النّشأة من العقول ، لأنّ العاقل ولو بلغ من عقله ما بلغ لم يخل عن حكم الوهم عليه والتصوّر فيما عقل . )


(فكان الحق) تعالى ظاهرا (فيه) ، أي في إدريس عليه السلام (منزها) عن كل ما لا يليق به سبحانه تنزيها تاما من غير تشبيه أصلا .
(فكان) إدريس عليه السلام الذي هو إلياس (على النصف من المعرفة باللّه) تعالى والنصف الآخر سبق ذكره في الفص الإدريسي ، فكانت معرفته كمعرفة الملائكة باللّه تعالى ، ولهذا يسبحونه ويقدسونه ولا يفترون عن ذلك لأنهم عقول مجرد (فإن العقل إذا تجرد) عن الشهوة (لنفسه من حيث أخذه العلوم) الإلهية (عن نظره وفكره كانت معرفته باللّه) تعالى على جهة (التنزيه) فقط (لاعلى) جهة التشبيه بالصور الظاهرة له (وإذا أعطاه) ، أي العقل (اللّه تعالى المعرفة بالتجلي في الصورة المحسوسة والمعقولة والموهومة (كملت معرفته) ، أي العقل باللّه تعالى حينئذ.

فنزه) اللّه تعالى (في موضع) يقتضي التنزيه لوروده في الشرع وشبه أيضا اللّه تعالى (في موضع آخر) يقتضي التشبيه لوروده في الشرع ورأى ، أي ذلك العقل بعين بصيرته (سريان الحق تعالى بالوجود) المطلق الحقيقي ظاهرا (في الصور الطبيعية) الروحانية والصور (العنصرية الجسمانية (وما بقيت له) ،

أي للعقل (صورة) مطلقا إلا ويرى ذلك العقل (عين الحق) تعالى (عينها) من حيث التجلي بالوجود كما ذكر (وهذه هي المعرفة) باللّه تعالى (التامة الكاملة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند اللّه) بالملك على النبيين عليهم السلام إلى أممهم وإدريس الذي هو إلياس عليه السلام جاء بها أيضا إلى أمته التي أرسل إليهم ولكن لما كذبوه رفعه اللّه تعالى المكان العلي بانفلاق الجبل عن تلك الفرس ونزع منه المقتضيات الجسمانية بغلبة الروحانية عليه كما فعل تعالى بعيسى ابن مريم لما رفعه إليه .

قال تعالى :يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا[ آل عمران : 55 ] . (وحكمت أيضا بها) ، أي بهذه المعرفة المذكورة من حيث اشتمالها على التشبيه (الأوهام) العقلية (كلها) فبلغت منها الغاية (ولذلك) ، أي لأجل ما ذكر (كانت الأوهام أقوى سلطانا) ، أي أشد تسلطا وقهرا (في هذه النشأة) الإنسانية من إدراك (العقول لأن العاقل) من بني آدم (وإن بلغ من عقله ما بلغ) من رتبة كمال العقل (لم يخل عن حكم) ، أي استيلاء (الوهم عليه) ، أي على عقله وبقدر ذلك يكون القصور « التصور » منه (فيما عقل) من الأمور.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )

قال رضي الله عنه: ( فكان الحق فيه ) أي في قلب إلياس أو في هذا المقام ( منزها ) اسم مفعول أي كان إلياس ينزه من جهة كونه عقلا مجردا عن الشهوة ( وكان ) إلياس ( على النصف من المعرفة باللّه فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره كانت معرفته باللّه على التنزيه ) خاصة
( لا على التشبيه ) والتنزيه فمن كانت معرفته باللّه على التنزيه بلا تشبيه أو على التشبيه بلا تنزيه كانت معرفته على النصف ثم بعد ذلك تجلى اللّه له بالاسم الجامع تكملة له فأعطاه المعرفة بالتجلي فسقط عنه أخذ العلوم عن نظر العقل.

قال الشيخ رضي الله عنه : (وإذا أعطاه اللّه المعرفة بالتجلي كملت معرفته باللّه فنزه بموضع ) التنزيه ( وشبه في موضع ) التشبيه ( ورأى ) أي شاهد بسبب هذا التجلي ( سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية وما بقيت له ) أي لإلياس ( صورة إلا ويرى عين الحق عنها ) من وجه ومعنى سريان الحق في الصور ظهور آثار أسمائه وصفاته فيها ولو لم يكن للصورة مع الحق جهة الاتحاد والعينية في وجه خاص لم يكن العالم دليلا على وجوده ووجوبه ووحدانيته
فكان إلياس من هذا الوجه أنس الأناسيّ فسريان الحق في الصور عند أهل الحقيقة كإحاطة الحق بالأشياء عند علماء الرسوم في أن المراد بكل واحد منهما معنى واحد وكون الحق عين الأشياء عند أهل اللّه كاتحاد الحق مع الأشياء في بعض الأمور الكلية عند أهل الظاهر ولا مخالفة بينهما إلا في العبارة لا في المعنى .
 

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذه المعرفة التامة ) التي تحصل من تجلي الحق وهي مشاهدة سريان الحق في كل صورة ( التي جاءت بها الشرائع المنزلة ) من التنزيل ( من عند اللّه ) إذ الشرائع كلها جاءت بالتنزيه والتشبيه معا ولم تنفرد بأحدهما ( وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها ) الوهم والعقل قوتان روحانيتان في هذه النشأة الانسانية العنصرية

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولذلك ) أي ولأجل كون الأوهام حاكمة بهذه المعرفة التامة دون العقول ( كانت الأوهام أقوى سلطانا ) أي قوة وحجة ( في هذه النشأة من العقول لأن العاقل ولو بلغ ما بلغ في عقله ) أي بلغ كمالا في التنزيه تنتهي إليه العقول ( لم يخل ) ذلك العاقل ( عن حكم الوهم عليه والتصور ) أي وعلى تصوره ( فيما عقل ) فإذا حكم العقل بالتنزيه في موضع فقد حكم الوهم بالتشبيه في ذلك الموضع لشهوده سريان الحق في الصور الذهنية والخارجية فشاهد الحق في صورة التنزيه الذي حصل في العقل ويرى أن إثبات التنزيه له تحديد والتحديد عن التشبيه
ولا شعور للعقل أن تنزيهه صورة من الصور التي يجب تنزيه الحق عنها عنده فحكم على العقل وعلى إدراكه.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )

قال رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه. وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها. وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها. ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )

قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق وما ذكره بعد ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )

قال رضي الله عنه ( فكان الحق فيه منزّها ، فكان على النصف من المعرفة بالله تعالى).
فتمثّلت نفسه الناطقة وهي نورية في صورة فرس من نار ، فالصورة النارية لشدّة الشوق والطلب الإرادي لإحراق القوى الشهوية والإخراق لحجبها المانعة عن الانسلاخ والتقديس والطهارة عن الأوساخ ،
والصورة الفرسية لحقيقة همّته المترقّية إلى أعالي ذرى العروج ، وجميع آلاته صورة تكامل قواه الروحانية للانسلاخ والمفارقة عن الأدناس والأوساخ لأجل السير والسلوك الروحاني الذي كان بصدده ، فلمّا أمر بالركوب عليه ، ركبه ، فسقطت القوى الشهوية منه عن التعلَّق بالملاذّ الجسمانية الطبيعية ، فبقي روحا ، والعقول المجرّدة الكلَّية ، وهي نصف المعرفة بالله ، والنصف الآخر ظهر بالنصف الآخر من النفوس ، كما بيّنّا ، فاذكر .
قال رضي الله عنه  : ( فإنّ العقل إذا تجرّد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره ، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه ، وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلَّي ، كملت معرفته بالله  فنزّه في موضع التنزيه تنزيها حقيقيا لا وهميا رسميا ، وشبّه في موضع التشبيه تشبيها شهوديا كشفيا ورأى سريان الحقّ بالوجود في الصور الطبيعية والعنصرية ، ولا تبقى صورة إلَّا ويرى الحق عينها ، وهذه هي المعرفة التامّة الكاملة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله ، وحكمت أيضا بها الأوهام كلَّها ) .


يشير رضي الله عنه  إلى أنّ الوهم يستشرف إلى ما وراء موجبات الأفكار ، ولا ينفعل للقوّة الفكرية العقلية من حيث تقيّدها انفعالا يخرجها عن الإطلاق ، بل الوهم يتعلَّق أبدا بما فوق المدرك بالعقل ، فيجيز الحكم على المطلق بالتقييد مرّة ، ويحكم بالعكس أخرى ، ولا يحيل ذلك ، ويحكم بالشاهد على الغائب تارة ، وعلى عكس ذلك أخرى ، وهذا في جميع من له قوّة الوهم من المقلَّدين والمؤمنين .

قال رضي الله عنه  : ( ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقل، لأنّ العاقل  وإن بلغ من عقله ما بلغ لم يخل عن حكم الوهم عليه والتصوّر فيما عقل )

يعني  رضي الله عنه  : نزّه في عين التشبيه ، لأنّه نزّه في مماثلة المثل ما لا يماثله في هذه المثلية وهو عين التشبّه ، لأنّه إثبات المثل ونفي مماثلته ، فنزّه أن يكون شيء من الأشياء مثلا لهذا المثل المنزّه ، فينتفي عن الحق المماثلة بالأحرى والأحقّ ، وذلك على أنّ الكاف غير زائدة ، فهو - كما ذكرنا - تنزيه في تشبيه أو تشبيه في تنزيه ، وكلاهما سائغ فيه ، فتأمّل .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )
 

قال رضي الله عنه : (فكان الحق فيه منزها ، فكان على النصف من المعرفة باللَّه فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره كانت معرفته باللَّه على التنزيه لا على التشبيه ، وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته باللَّه فنزه في موضع وشبه في موضع ) .
أي نزه في موضع التنزيه تنزيها حقيقيا لا وهميا رسميا ، وشبه في موضع التشبيه تشبيها شهوديا كشفيا


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ورأى سريان الحق بالوجود في الصور الطبيعية والعنصرية ، وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها ، وهذه هي المعرفة التامة الكاملة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله ، وحكمت أيضا بهذه المعرفة الأوهام كلها )
لأن الوهم يستشرف ما وراء موجبات الأفكار ولا ينفعل عن القوة العقلية من حيث تقييدها انفعالا يخرج عن الإطلاق ، فيجيز الحكم على المطلق بالتقييد مرة ويحكم بالعكس أخرى ، ولا يحيل ذلك وبحكم بالشاهد على الغائب تارة وبالعكس أخرى ، وهذا في جميع من له قوة الوهم من المقلدين والمؤمنين .


"" أضاف بالي زادة :
 ( إلا ويرى الحق عينها ) عين من وجه ، ومعنى سريان الحق في الصور ظهور آثار أسمائه وصفاته فيها .
ولو لم يكن الصورة مع الحق جهة الاتحاد والعينية في وجه خاص لم يكن العالم دليلا على وجوده ووجوبه ووحدانيته فكان إلياس مع هذا الوجه آنس الإنسان ، فسريان الحق في الصور عند أهل الحقيقة كإحاطة الحق بالأشياء عند علماء الرسوم في أن المراد من كل واحد منهما معنى واحد ، وكون الحق عين الأشياء عند أهل الله كاتحاد الحق مع الأشياء في بعض الأمور الكلية عند أهل الظاهر ، ولا مخالفة بينهما إلا في العبارة لا في المعنى .اهـ بالى زادة.

( قوله ويرى الحق عينها ) من حيث اتحاد الظاهر بالظاهر والتصور فيما عقل فإذا حكم العقل بالتنزيه في موضع فقد حكم الوهم بالتشبيه في ذلك الموضع لشهوده سريان الحق في الصور الذهنية والخارجية ، فشاهد الحق في صورة التنزيه الذي حصل في العقل ، ويرى أن إثبات التنزيه له تحديد ، والتحديد عين التشبيه ، ولا شعور للعقل أن تنزيهه صورة من الصور التي يجب تنزيه الحق عنها عنده فحكم على العقل وعلى إدراكه .اهـ بالى زادة. ""


قال رضي الله عنه : (ولهذا كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة الإنسانية من العقول ، لأن العاقل وإن بلغ من عقله ما بلغ لم يخل عن حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل)
أي نزه في عين التشبيه حيث نفى عن كل شيء مماثلة في مثليته وهو عين التشبيه. لأنه إثبات المثل .
ولما نفى عن كل شيء مماثلة المثل نزه الحق أن يكون مثلا له لأنه شيء من الأشياء فلا يماثل ذلك المثل ، وإذا لم يكن مثل مثله فبالأحرى أن يكون ذلك المثل ليس مثلا له وذلك في غاية التنزيه ، فهو تشبيه في تنزيه وتنزيه في تشبيه (" وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فشبه )
أي في عين التنزيه لأنه أثبت له السمعية والبصرية اللتين هما صفتان ثابتتان للعبد وهو محض التشبيه ، لكنه خصصهما بالصيغة التركيبية المفيدة للحصر حيث حمل الصفتين المعرفتين بلام الجنس على ضميره ، فأفاد أنه هو السميع وحده لا سميع غيره ، وهو البصير وحده لا بصير غيره وهو عين التنزيه ، فتأمل


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )


قال رضي الله عنه : (فكان الحق فيه منزها) أي، كان الحق في المقام العقلي منزها على اسم المفعول .
(فكان) أي إلياس . (على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه، لا على التشبيه.)
لأنه لا يدرك مدرك ما شيئا إلا بحسب ما منه فيه . كما هو مقرر في قواعد التحقيق . ومقامه تنزيه ربه ، لذلك قال الملائكة : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) . فكان على النصف من المعرفة .

 
قال رضي الله عنه : (وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي ، كملت معرفته بالله ، فنزه في موضع وشبه في موضع . )
أي ، نزه في موضع التنزيه ، تنزيها حقانيا ، وشبه في موضع التشبيه ، تشبيها عيانيا ، فيكون تنزيهه تنزيه الحق ، وتشبيهه تشبيه الحق .
(ورأى سريان الحق بالوجود في الصور الطبيعية والعنصرية ، فما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها . ) كما هو الأمر عليه في نفسه .
قال رضي الله عنه : ( وهذه هي المعرفة التامة ) أي ، هذه المعرفة هي المعرفة التامة ( التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله ) لأن الشرائع كلها تحكم بالتشبيه والتنزيه ، ولا ينفرد بأحدهما .

قال رضي الله عنه : ( وحكمته بهذه المعرفة الأوهام كلها . ) لأن ( الوهم ) يلبس المعاني ، كلية كانت أو جزئية ، نوعا من الصور المتخيلة في الذهن . وهذا تشبيه في عين التنزيه ،
لأن المعاني من حيث تجردها عن المواد ، منزهة عنها وعن الصور التابعة لها . ومن حيث إنها موجودة مصورة في الذهن ، مشبهة بها .


قال رضي الله عنه :  (ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول ، لأن العاقل ولو بلغ ما بلغ في عقله ، لم يخل عن حكم الوهم عليه والقصور فيما عقل . ) أي ،
ولأجل أن الوهم حاكم على المدركات العقلية ، بالتنزيه والتشبيه ، كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة العنصرية من العقول ، لأن العاقل ولو بلغ في عقله كما لا ينتهى العقول إليه ، لا يخلص عن أحكام الوهم عليه ، ولا مدركاته العقلية يتجرد عن الصور الوهمية .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:13 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 9:31 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثالثة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثالثة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم

الفقرة الثالثة :-                                        الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )
 
قال رضي الله عنه :  (فكان الحقّ فيه منزّها ، فكان على النّصف من المعرفة باللّه ، فإنّ العقل إذا تجرّد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره ، كانت معرفته باللّه على التّنزيه لا على التّشبيه ، وإذا أعطاه اللّه المعرفة بالتّجلّي كملت معرفته باللّه ، فنزّه في موضع ، وشبّه في موضع ) .
 
( فكان الحق فيه منزها ) كما في الملائكة ، و ( كان على النصف ) أي : أحد القسمين ، وإن كان أسرف من الآخر بحيث لا بعد ذلك الآخر لو تجرد شيئا ، بل كان كفرا ( من المعرفة ) الجامعة لقسميها التنزيهية والتشبيهية ، فإنها أكمل لا محالة من التنزيهية وحدها ، وإن كانت كافية للإيمان ،
ولها الشرف ، فلم يكن من لم يرفع إلى السماء دونه في الكمالات إذا حصل لهم هذه المعرفة الكاملة في النصفية هاهنا ، كنصفية السماء للجسم ، ونصفية الملك للإنسان إذ الملك هو الباطن ، والإنسان هو الحيوان الناطق ، وكثلثية سورة الإخلاص ، وربعية سورة الكافرون للقرآن ، ونصفية التزوج للدين ، ونصفية الفرائض للعلم .
 
ثم إن هذا باعتبار ملكيته من حيث هي ملكية لا من حيث ما حصلت له بعد الحيوانية على ما يأتي من بعد ؛ ( فإن العقل إذا تجرد ) عن الوهم والخيال ( لنفسه ) المجردة في نفسها ( من حيث أخذه العلوم عن نظره ) ، وإن كان مع الوهم والخيال لكنهما قد ساعداه ، وصارا في حكم العقل ، ( كانت معرفته باللّه ) الذي هو منزه في نفسه ، وإن لحقه التشبيه باعتبار ظهوره في المظاهر ( على التنزيه ) الذي هو نتيجة نظر العقل في ذاته ،
وكذا إذا نظر إلى ظهوره في المظاهر ؛ لأن الأمر الذاتي لا يتغير عنده ( لا على التشبيه ) الذي هو نتيجة الوهم والخيال إذا نظر إلى ظهوره في المظاهر ؛ فإنه يتوهم من ذلك كونه على تلك الصور في نفسه ، ( وإذا أعطاه المعرفة بالتجلي ) الذي لا بدّ فيه من نظر القوي الظاهرة والباطنة ( كملت معرفته باللّه ) ؛ لأنه أدركه بجميع الوجوه ، ( فنزه في موضع ) ، وهو باعتبار استقراره في مقر غيره أو في مدرك العقل ، ( وشبه في موضع ) ، وهو باعتبار ظهوره في المظاهر الحسية ، وإذا اختلف الموضعان ؛ فلا تناقض .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ورأى سريان الحقّ في الصّور الطّبيعيّة والعنصريّة ، وما بقيت له صورة إلّا ويرى عين الحقّ عينها ، وهذه المعرفة التّامّة الّتي جاءت بها الشّرائع المنزلة من عند اللّه وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلّها ، ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النّشأة من العقول ؛ لأنّ العاقل ولو بلغ من عقله ما بلغ لم يخل عن حكم الوهم عليه والتصوّر فيما عقل )
 
وبيّن موضع التشبيه بقوله : ( ورأى سريان ) نور إشراق ( الحق ) بالوجود ( في الصور الطبيعية ) للملائكة العلوية ، ( والعنصرية ) للمولدات ، والملائكة السماوية ، ويكون بحيث ( ما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها ) ؛ لأنه وإن نزه عن الصور في ذاته ، فلا صور في ظهوراته ، ولكل صورة منها عين ثابتة هي أعيان الممكنات بعينها ، فصور الممكنات عين صورته تعالى .
ثم قال : ( وهذه المعرفة ) ، وإن كان بعضها من الوهم والخيال ، وكان بعضها الذي من العقل كافيا في الإيمان هي المعرفة ( التامة ) ؛ لشمولها على وجوهها ، وليس زيادة المعرفة التشبيهية لمثابة الإصبع الزائدة في كف الإنسان بحيث تكون الزيادة عين النقصان ، بل هي المعرفة الكاملة ، كيف وهي ( التي جاءت بها الشرائع ) ،
كقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : «رأيت ربي في أحسن صورة ، وإنّ اللّه خلق آدم على صورته». رواه الدارمي في سننه
وفي رواية : " على صورة الرحمن " ، رواه عبد اللّه بن أحمد في السنة
وقوله : " مرضت فلم تعدني ، وجعت فلم تطعمني " رواه مسلم بنحو  وغير ذلك .
والحاصل منها أرجح من الحاصل من العقول المجردة ، وإن كان أصلها المثبت لها ، إذ هي
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (المنزلة من عند اللّه) ، فلا يفاوتها ما لم ينزل من عند اللّه ، وإثبات الشرائع بالعقل لا يستلزم رجحانها ، فإنه كدلالة المحدثات على الصانع تعالى على أن الرجحان إنما يكون في وضع التناقض ، ولا تناقض على نبي ، ولا بأس بكونها من الأوهام ، فإنه من جملة القوى المدركة من الإنسان كالعقل والسمع والبصر ، والغلط فيه كالغلط فيها لأمور عارضة ،
وإليه الإشارة بقوله : ( وحكمت ) أيضا بها ( الأوهام كلها ) ، فلو كان غلطا لم يحكم بها الكل حتى من أرباب العقول .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولذلك ) أي : ولوجود حكم الوهم في أرباب العقول دون حكم العقل في أرباب الأوهام ، ( كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة ) ، وإن كان لا سلطان لها في الملائكة (من العقول) إذا اجتمعت مع الأوهام ؛
ولذلك لا يقدر العاقل أن يمشي على خشب مرتفع من الأرض قدر مائة ذراع إذا كان عرضه أربعة أصابع ، إلا من ارتاض في اكتساب ذلك حتى وقع الوهم عن نفسه في هذا الأمر ؛ (لأن العاقل) من الإنسان إذا لم يدفع عنه حكم الوهم بالكلية ، وإن ( بلغ ما بلغ ) من مراتب الكمال في عقله ( لم يخل من حكم الوهم ) ، وإن صار في غاية الضعف ما لم يتصور بالرياضة التامة مساعد للعقل من كل وجه ، كيف ولا يخلو عن ( التصور فيما عقل ) ، والعقل إنما يتصور الشيء مجردا ، ولو كان في الخارج مأدبا ، وإذا غلب الوهم الضعيف العقل الكامل المتعقل للمجردات .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )
 
وكان الحقّ فيه منزّها ) عن الموادّ الجزئيّة والكثائف الأرضيّة السفليّة ، ( وكان ) لقصره النظر على لطائف سماء التنزيه وكليّات حقائق التقديس ( على النصف من المعرفة باللَّه ، فإنّ العقل إذا تجرّد لنفسه ) معرّى عن الآلات والجوارح المتمّمة لأمره ، المكمّلة لآثاره ، ( من حيث أخذه العلوم عن نظره ) الخاصّ به ، ( كانت معرفة باللَّه على التنزيه ) فقط - وهي المعرفة الحاصلة من كلَّيات الحقائق بالنظر والاستدلال - ( لا على التشبيه ) المستحصل من اللطائف الجزئية بالذوق والوجدان ، ( وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي ) الكاشف عن وجهه بما عليه في نفسه ( كملت معرفته باللَّه ، فنزّه في موضع ، وشبّه في موضع ) .
وإذ كان تكميل معرفته بالبعثين فصّل في الموضعين ، وأيضا جمع بين التفصيل المصدّر به ، والإجمال المستردف له ، وفاء بمقتضى حكم نبوّته المقدّم فيه أمر التفصيل حيث قال : ( ورأى سريان الحقّ بالوجود في الصور الطبيعيّة ) ، بل ( والعنصريّة ) أيضا والصور كلها إمّا طبيعيّة أو عنصريّة ،
 
فلذلك قال : ( وما بقيت له صورة إلا ويرى الحقّ عينها ) ، فلا يرى في الوجود صورة ومعنى ، ظاهرا وباطنا ، أوّلا وآخرا ، إلا الحقّ .
 
خاصيّة الوهم بين المشاعر
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهذه هي المعرفة التامّة الكاملة التي جاءت بها الشرايع ) الختميّة ( المنزلة من عند الله - وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها ) ، وذلك لما عرفت من أن الوهم بين المشاعر البشريّة هو البرزخ الجامع بين المعاني الكلَّيّة والصور الجزئيّة ، فهو الذي يتمكَّن من إدراك المعنى المنزّه عن هذه الصورة فيها وعينها ،
فإنّ إدراك الحقّ المنزّه في الصورة عينها إنما يمكن لما له مدرجتان من الإدراك ، مدرجة الإطلاق والتنزيه وهو طرف المعاني وكليّة أحكامها ، ومدرجة القيود المشخّصة وهو طرف الصورة وجزئيّة أحكامها .
 
وهذان المدرجتان للوهم فقط بين المشاعر البشريّة ، ( ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول ) مع علوّ قدرها وقوّة أمرها لقربها من المبدء وغلبة أحكام الوجود فيها .
 
الوهم هو السلطان الأعظم في الصورة الإنسانيّة
وأما بيان قوّة سلطان الوهم عليها إنّا : ( لأن العاقل لو بلغ ما بلغ في عقله لم يخل عن حكم الوهم عليه ، والقصور فيما عقل ) بإثارة الشبه المشوّشة له عن الاطمئنان بما حكم به العقل والسكون به .
 
وأما البيان اللمّي : فهو أنّ مقاليد أزمّة التحريك والتسكين في المملكة الإنسانية ظاهرا وباطنا إنما هو بيد الوهم وسدنته ، فإنّ سائر عمّال القوى المحركة - المنبثّة في الأعصاب والعضل والرباطات - ما لم يبلغهم حكم من الوهم لا يتحرّكون عن أمر ، ولا يسكنون بتّة ،


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية. وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل. )
 
قال رضي الله عنه :  (فكان الحقّ فيه منزّها، فكان على النّصف من المعرفة باللّه ، فإنّ العقل إذا تجرّد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته باللّه على التّنزيه لا على التّشبيه . وإذا أعطاه اللّه المعرفة بالتّجلّي كملت معرفته باللّه ، فنزّه في موضع وشبّه في موضع . ورأى سريان الحقّ في الصّور الطّبيعيّة والعنصريّة. وما بقيت له صورة إلّا ويرى عين الحقّ عينها .
وهذه المعرفة التّامّة الّتي جاءت بها الشّرائع المنزلة من عند اللّه وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلّها . ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النّشأة من العقول ، لأنّ العاقل ولو بلغ من عقله ما بلغ لم يخل عن حكم الوهم عليه والتصوّر فيما عقل .)
 
قال رضي الله عنه :  ( فكان الحق ) المتجلى ( فيه ) من جهة روحانيته ( منزها ) عن أحكام جهة جسمانية فما كان يعرفه من حيث تلبسه بأحكام جهة جسمانيته معرفة ذوق ووجدان في نفسه ( فكان على النصف من المعرفة باللّه فإن العقل إذا تجرد لنفسه ) من غير مدخلية الوهم ( من حيث أخذه العلوم عن نظره كانت معرفته باللّه على التنزيه لا على التشبيه ) ، فإن الدلائل العقلية والمقدمات اليقينية لا تنتج إلا تنزيهه تعالى عما لا يليق بذاته في صرافة وحدته ( وإذا أعطاه ) ، أي العقل ( اللّه المعرفة بالتجلي ) في الصورة ،
 
 أي صورة كانت ( كملت معرفته باللّه فنزه في موضع ) يقتضي نظره الفكري التنزيه ( وشبه في موضع آخر ) ، يقتضي التجلي التشبيه ( ورأى سريان الحق بالوجود في الصور الطبيعية والعنصرية ) ، الشاملتين لجميع أنواعها ( وما بقيت صورة إلا ويرى الحق عينها ) ، من حيث اتحاد الظاهر بالمظهر ( وهذه ) المعرفة الجامعة التي بين التنزيه والتشبيه ( هي المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند اللّه وحكمت بهذه المعرفة ) ،
 
 أي بصحة هذه المعرفة من حيث اشتمالها على تجويز التشبيه ما نزه العقل والناس ليس له صورة عند العقل نوعا من الصور ( الأوهام كلها ) وإن لم يكن في هذه المادة وانقاد أصحاب الأوهام لحكمها ، لأن الوهم يستشرف إلى ما وراء موجبات الأفكار وألا ينقاد للقوة الفكرية فيجوز الحكم على المطلق بالقيد وعلى المنزه عن الصورة بالصورة وبالعكس ، فكذا يحكم بالشاهد على الغائب وبالعكس
 
قال رضي الله عنه :  ( ولذلك ) ، أي لكون صوره عند العقل من التنزيه وإلباس الصور لما ليس له صورة عند العقل وانقياد صاحب الوهم لحكمه ( كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول لأن العاقل ولو بلغ من عقله ما بلغ ) ، مما هو منتهى مبلغ العقول ( لم يخل عن حكم الوهم عليه ) بخلاف ما حكم العقل عليه ( والتصور ) ، أي ولم يخل عن الدخول في الصور وقبولها ( فيما عقل ) ، أي في معقولاته الصرفة الخالية عن الصور



عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:14 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 9:37 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الرابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الرابعة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الرابعة :-                                        الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السّلطان الأعظم في هذه النشأة الصّوريّة الإنسانيّة ، وبه جاءت الشّرائع المنزلة فشبّهت ونزّهت ، شبّهت في التّنزيه بالوهم ، ونزّهت في التّشبيه بالعقل . فارتبط الكلّ بالكلّ ، فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه . قال اللّه تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌفنزّه وشبّه ،وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشورى : 11 ] فشبّه . وهي أعظم آية نزلت في التّنزيه ومع ذلك لم تخل عن التّشبيه بالكاف . فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبّر عن نفسه إلّا بما ذكرناه . ثمّ قال :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ( 180 ) [ الصافات : 180 ].  وما يصفونه إلّا بما تعطيه عقولهم . فنزّه نفسه عن تنزيههم إذ حدّدوه بذلك التّنزيه ، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا . )
 
(فالوهم هو السلطان الأعظم ) المستولي القاهر في هذه النشأة ، أي الخلقة
 
(الصورية الكاملة الإنسانية وبه) ، أي بالوهم والحكم به في الاعتقاد (جاءت الشرائع المنزلة) من اللّه تعالى (فشبهت) ، أي الشرائع الحق تعالى ونزهت أيضا الحق تعالى ليعرف سبحانه ظاهرا وباطنا وأوّلا وآخرا (فشبهت) الحق سبحانه في حال التنزيه له لحكمها (بالوهم) في الصور (ونزهت) أيضا الحق تعالى في حال التشبيه له لحكمها (بالعقل) في العجز عنه (فارتبط الكل) ، أي جميع صور التشبيه المحسوسة والمعقولة والموهومة (بالكل) ، أي جميع مراتب التنزيه .
 
(فلا يمكن أن يخلو تنزيه) للحق تعالى (عن تشبيه) أصلا ، فإن المنزه للحق تعالى لا بد أن يتصوّر الحق تعالى في خياله وقت الحكم عليه بالتنزيه عن كل ما لا يليق به من كل ما سواه ، فإن الحكم فرع التصوّر لأنه لا يمكن الحكم على شيء بأمر من الأمور إلا بعد تصوّره في الذهن ، وإلا لم يكن حكم أصلا ، وهو بديهي عند العقلاء فقد لزم من التنزيه التشبيه في كل ما وجد تنزيه ولا يمكن أن يخلو أيضا تشبيه للحق تعالى بشيء من الصور (عن تنزيه) أصلا فإن من شبهه سبحانه بصورة حسية أو عقلية حكم بأنه لا يشبه كل ما عداها من الصور وهو التنزيه للحق تعالى .
 
قال اللّه تعالى :"لَيْسَ كَمِثْلِهِ" سبحانه "شَيْءٌ"[ الشورى : 11 ] بإثبات المثل له فنزّه مثله تعالى عن مشابهة كل شيء بكاف التشبيه المنفية بليس فلزم من ذلك تنزيه نفسه بالأولى وشبّه نفسه تعالى بإثبات المثل له ("وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ")، أي لا سميع ولا بصير غيره تعالى ، فإن تعريف الطرفين يفيد الحصر كقوله تعالى :هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ[ غافر : 65 ] .
فشبه سبحانه نفسه بإثبات صورة كل سميع بصير أنه صورته كما ورد في الحديث : « كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به » .
 
( وهي) ، أي هذه الآية (أعظم آية) في القرآن (نزلت في التنزيه) الإلهي (ومع ذلك) ، أي كونها نزلت في التنزيه لم تخل عن تشبيه للّه تعالى (بالكاف) أي بسببها لأنه يلزم منها ثبوت المثل له تعالى وهو تشبيه ، فلو لم تكن الكاف لانتفى المثل بالكلية والأصل عدم الزيادة في الكاف وفي المثل ، فالتقرير على أصلية كل واحد منهما وهو الأليق ببلاغة القرآن العظيم .
 
(وهو) ، أي اللّه تعالى الذي أنزل هذه الآية أعلم العلماء بنفسه سبحانه ومع ذلك ما عبر تعالى (عن نفسه إلا بما ذكرناه) من الآية المذكورة (ثم قال اللّه) تعالى أيضا عن نفسه (سبحان ربك) والخطاب لمحمد صلى اللّه عليه وسلم ،
 
أي سبح ربك ونزهه وقدسه (رب العزة) ، أي الرفعة عن إدراك العقول والحواس (عما يصفون) ، أي الواصفون له تعالى مع كثرة اختلافهم في أوصافه تعالى وما ينبغي أن يكون عليه تعالى (وما يصفونه) ، أي الواصفون المنزه عن وصفهم إلا بما تعطيه لهم (عقولهم) مما ينبغي أن يكون عليه عندهم لنبذهم الوقوف مع الشرع وما جاء به من الأوصاف .
 
(فنزه) سبحانه نفسه بكلمة سبحان التي هي علم على التسبيح (عن تنزيههم) ، أي تنزيه الواصفين له تعالى إذ ، أي لأنهم (حدوه) ، أي جعلوا له تعالى حدا (بذلك التنزيه) الذي أتوا به في حقه تعالى عندهم فإنهم حكموا عليه بعدم مشابهته لشيء مطلقا وكل محكوم عليه قد تصوّره الحاكم عليه في نفسه بصورة غفل عنها في وقت الحكم عليه لاشتغاله بمضمون الحكم من نفي مشابهة كل شيء له تعالى والتصور بالصورة هو التحديد بالحد (وذلك) إنما كان (لقصور العقول كلها عن إدراك مثل هذا) التعريف الإلهي الوارد عنه تعالى من التنزيه في التشبيه والتشبيه في التنزيه


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )
 
فقال رضي الله عنه : ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الانسانية وبه ) أي وبهذا المعنى وهو التشبيه ( جاءت الشرائع المنزلة ) والتنزيه أعاد تنزيل الشرائع ليورد بعض الأحكام عليها .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فشبهت ونزهت شبهت في التنزيه ) أي في تنزيه العقل ( بالوهم ونزهت في التشبيه ) أي في تشبيه الوهم ( بالعقل فارتبط الكل بالكل ) أي ارتبط كل واحد منهما بالآخر ( فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه ) ولما فرغ عن بيان التنزيه والتشبيه شرع في إيراد الآيات الجامعة بين التنزيه والتشبيه
 
فقال رضي الله عنه : ( قال تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ( فنزه ) بحكم العقل ( فشبه ) بحكم الوهم فالتنزيه ناظر إلى جهة النفي وهو على تقدير زيادة الكاف والتشبيه ناظر إلى جهة الإثبات لأنه لما نفى المماثلة عن مثله فقد أثبت المثل لنفسه وهو التشبيه .
والمراد بالمثل هو الإنسان المخلوق على صورته والمراد بالمماثلة هو الاتصاف بصفات الحق كالحياة والعلم والقدرة وغير ذلك ما عدا الوجوب الذاتي
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُفشبه ) ولم يقل ونزه وإن كان فيه التنزيه أيضا لعدم استفادة التنزيه من نفس الكلام بل إنما يستفاد التنزيه من تقديم الضمير بخلاف الأول فإن التنزيه والتشبيه مستفاد من نفس الكلام ( وهي ) أي هذه الآية ( أعظم آية تنزيه نزلت ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف فهو ) أي الحق ( اعلم العلماء بنفسه وما عبر عن التعبير عن نفسه إلا بما ذكرناه ) من التنزيه والتشبيه بحكم العقل والوهم ( ثم قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حددوه بذلك التنزيه ) والتحديد بالتنزيه تشبيه وهم لا يشعرون بذلك .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وذلك ) التحديد الذي يلزمهم من تنزيههم ( لقصور العقول عن إدراك مثل هذا ) أي عن إدراك أن التنزيه عين التحديد بخلاف الوهم فإنه يدرك ذلك لذلك حكم على العقل بالتشبيه فيما نزهه فلما نزه وشبه ثم نزه نفسه عن التنزيه وأبقى التشبيه على حاله كان الاعتماد في إدراك الأمر على ما كان عليه في نفسه على الوهم دون العقل فإن الأمر في نفسه لا يخلو عن صورة ما بالشرع والكشف ، والعقل يجرده عنها دائما والوهم يشبهها له دائما.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.  فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف. فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه. ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم. فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه النشأة الإنسانية الكاملة ، وبه جاءت الشرائع المنزلة ، فشبّهت ونزّهت ، شبّهت في التنزيه بالوهم ، ونزّهت في التشبيه بالعقل ، فارتبط الكلّ بالكلّ ، فلم يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ، ولا تشبيه عن تنزيه، قال تعالى : "لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ" فنزّه وشبّه ) .
 
يعني  رضي الله عنه  : نزّه في عين التشبيه ، لأنّه نزّه في مماثلة المثل ما لا يماثله في هذه المثلية وهو عين التشبّه ، لأنّه إثبات المثل ونفي مماثلته ، فنزّه أن يكون شيء من الأشياء مثلا لهذا المثل المنزّه ، فينتفي عن الحق المماثلة بالأحرى والأحقّ ، وذلك على أنّ الكاف غير زائدة ، فهو - كما ذكرنا - تنزيه في تشبيه أو تشبيه في تنزيه ، وكلاهما سائغ فيه ، فتأمّل .
 
 ( "وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" فشبّه)  أي شبّه في عين التنزيه ، لأنّه أثبت السمع والبصر اللذين هما ثابتان عرفا للعبد ، ولكنّه خصّص الإضافة إليه - سبحانه - فإنّه حملهما على هويته تعالى المنزّهة المقدّسة عن أن يكون معه غيره ، فهو السميع لا سميع غيره معه ، وهو البصير لا بصير سواه دونه كذلك ،
ولذلك يسوغ أيضا كالأوّل في " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ " أن يكون تنزيها في عين التشبيه من حيث تخصيص السميعية والبصيرية اللتين اشترك فيهما ، عرفا وعقلا وشرعا لا كشفا كلّ حيوان ذو بصر وسمع بالحق دونه إن فرضت غيرا ، فانظر تداخل الحقائق بعضها في البعض من حيث النظرة الكشفي والتحقيق الشهودي الكمالي .
 
قال رضي الله عنه  : ( وهي أعظم آية نزلت في التنزيه ، ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف ، فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبّر عن نفسه إلَّا بما ذكرناه ، ثم قال :   ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) وما يصفونه إلَّا بما تعطيه عقولهم ، فنزّه نفسه عن تنزيههم ، إذ حدّدوه بذلك التنزيه ، وذلك لقصور العقل عن إدراك مثل هذا ) .
 
يعني رضي الله عنه  قصور العقل المقيّد بالقوّة البشرية النظرية بالفكر ، لا العقول المنوّرة القابلة نور التجلَّي والوهب الإلهيّين على الكشف والشهود .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )
 
قال رضي الله عنه :  (فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه النشأة الصورية الكاملة الإنسانية . وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت شهت في التنزيه بالوهم ونزهت في التشبيه بالعقل فارتبط الكل بالكل ، فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه ، قال الله تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ "  فنزه وشبه ).
 
أي نزه في عين التشبيه حيث نفى عن كل شيء مماثلة في مثليته وهو عين التشبيه. لأنه إثبات المثل .
ولما نفى عن كل شيء مماثلة المثل نزه الحق أن يكون مثلا له لأنه شيء من الأشياء فلا يماثل ذلك المثل ، وإذا لم يكن مثل مثله فبالأحرى أن يكون ذلك المثل ليس مثلا له وذلك في غاية التنزيه ، فهو تشبيه في تنزيه وتنزيه في تشبيه (" وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فشبه )
أي في عين التنزيه لأنه أثبت له السمعية والبصرية اللتين هما صفتان ثابتتان للعبد وهو محض التشبيه ، لكنه خصصهما بالصيغة التركيبية المفيدة للحصر حيث حمل الصفتين المعرفتين بلام الجنس على ضميره ، فأفاد أنه هو السميع وحده لا سميع غيره ، وهو البصير وحده لا بصير غيره وهو عين التنزيه ، فتأمل
 
قال رضي الله عنه(وهي أعظم آية نزلت في التنزيه ، ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف ، فهو أعلم  العلماء بنفسه ، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه ، ثم قال :" سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ " وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم ، فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حددوه بذلك التنزيه ، وذلك لقصور العقل عن إدراك مثل هذا)
 
يعنى العقول البشرية المفيدة بالنظر الفكري، لا العقول المنورة بنور التجلي والكشف الشهودي .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية ، وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت ، شبهت ) أي ، الشرائع .
( في التنزيه ) أي مقام التنزيه ( بالوهم ) أي ، بلسان الوهم . إذ الوهم لا يعطى إلا إدراك المعاني الجزئية في الصور الحسية ، فهو يتصور موجودا ما في الخارج ، مشخصا مفارقا عن
غيره ، منزها عن كونه جسما أو جسمانيا أو زمانيا أو مكانيا . وذلك عين التشبيه .
 
قال رضي الله عنه :  ( ونزهت في التشبيه بالعقل ) أي ، نزهت الشرائع في مقام التشبيه بلسان العقل ، إذ العقل يجرد المعاني الكلية عن الغواشي الحسية التي يثبتها الوهم . ( فارتبط الكل بالكل . ) أي ، التشبيه والتنزيه .
قال رضي الله عنه :  ( فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ، ولا تشبيه عن تنزيه . ) وذلك لأن كلما نزهته عنه من النقائص ، فهو ثابت له عند ظهوره في المراتب الكونية وهو التشبيه .
وكلما شبهته وأثبت له من الكمالات ، فهو منفى عنه في مرتبة أحديته وهو التنزيه .
 
قال رضي الله عنه :  ( قال الله تعالى : "ليس كمثله شئ " فنزه وشبه . ) أما تنزيهه فظاهر ، لأنه نفى المماثلة على تقدير زيادة ( الكاف ) . وعلى عدم زيادته أيضا يلزم المطلوب ، لأن نفى المماثلة عن المثل ، يوجب نفى المماثلة عن نفسه بطريق الأولى .
وأما تشبيهه ، فإنه أثبت له مثلا ونفى عنه المماثلة . وإثبات المثل تشبيه .
وليس ذلك المثل إلا الإنسان المخلوق على صورته ، المتصف بكمالاته إلا الوجوب الذاتي الفارق بينهما . كما مر في ( الفص الآدمي ) .
 
قال الشيخ ، رضي الله عنه ، في كتاب الأسرار والصلاة : على أول مبدع كان ولا موجود ظهر هنالك ولا نجم فسماه مثلا . وقد أوجده فردا لا ينقسم في قوله : "ليس كمثله شئ " . وهو العالم الفرد العلم .
 
قال رضي الله عنه :  ( "وهو السميع البصير " فشبه . ) لأنه أثبت له ما هو ثابت لغيره . ونزه أيضا في هذا القول ، لأن تقديم الضمير يوجب حصر السمع والبصر فيه ، فنزه عن المشاركة مع الغير فيهما.
 
قال رضي الله عنه :  (وهي أعظم آية تنزيه نزلت ، ومع ذلك لم تخل عن تشبيه ، ب‍ ( الكاف ) . فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه . ثم ، قال : " سبحان ربك رب العزة عما يصفون " . ) أي ، عما يصفونه بحسب مبالغ عقولهم .
قال رضي الله عنه :  ( وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم . فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حددوه بذلك التنزيه.) لأن التميز عن كل شئ محدود بتمايزه عنها .
( وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا.) أي ، وذلك التحديد يحصل من قصور العقول عن إدراك الحقائق الإلهية وشؤونها على ما هي عليها . وما استفادت العقول المنورة هذه المعاني أيضا إلا بإعلام الله والاطلاع على أسرار آياته ، لا بأنفسهم .

 .
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:15 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 9:40 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الرابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الرابعة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الرابعة :-                                        الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )

قال رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السّلطان الأعظم في هذه النشأة الصّوريّة الإنسانيّة ، وبه جاءت الشّرائع المنزلة فشبّهت ونزّهت ، شبّهت في التّنزيه بالوهم ، ونزّهت في التّشبيه بالعقل ، فارتبط الكلّ بالكلّ ، فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه ) .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه ) الصورة الكاملة المتعقلة للمجردات ( الإنسانية ) بخلاف الملائكة ، ومن صار في حكمهم كإلياس عليه السّلام ، ولا ينافي حكم الوهم فيه كماله ، إذ ( به جاءت الشرائع المنزلة ) التي لا يتم إدراك العقل بدونها ، كما لا يتم إدراك الحواس بدون الشمس ، وإن كانت الشمس إنما تدركها الحواس ،

( فشبهت ) بحكم الوهم ، ( ونزهت ) بحكم العقل لصحة إدراكهما ، فجمعتهما في موضع واحد ، إذ ( شبهت ) في مقام ( التنزيه بالوهم ) ؛ فإنه يتبادر إليه عند ظهوره في المظاهر بصورها أن له هذه الصور في ذاته مع تنزهه في ذاته عنها ، ( ونزهت ) في مقام ( التشبيه بالعقل ) ،

فإنه يقول : أنه وإن ظهرت له هذه الصورة في المظاهر ، فهو على تنزه الرائي ؛ لأن ما بالذات لا يزول بالغير ، ( فارتبط الكل ) من التنزيه والتشبيه ( بالكل ) من غير تناقض ، بل على سبيل الوجوب ، ( فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ، ولا تشبيه عن تنزيه ) ؛ لاختلاط حكم العقل والوهم من غير مفارقة أحد الحكمين للآخر .

قال رضي الله عنه :  (قال اللّه تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فنزّه وشبّه ،وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشورى : 11 ] فشبّه ، وهي أعظم آية نزلت في التّنزيه ، ومع ذلك لم تخل عن التّشبيه بالكاف ؛ فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبّر عن نفسه إلّا بما ذكرناه ، ثمّ قال :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ[ الصافات : 180 ] ، وما يصفونه إلّا بما تعطيه عقولهم ، فنزّه نفسه عن تنزيههم إذ حدّدوه بذلك التّنزيه ، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا ) .

والدليل على الجمع بينهما في الشرائع ما ( قال اللّه تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ الشورى : 11 ] ، فنزه ) بنفي مثل المثل أولا ، ولزمه نفي المثل ثانيا ، وإلا كان نفسه مثلا لمثله ، ولكنه نسبه أولا ، إذ لم ينفه المثل من أول الأمر ،( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ،فشبه ) تصريحا بما فهم أولا من التشبيه في ضمن التنزيه ، فعلم أن هذا التشبيه أيضا في ضمن التنزيه ، كما أن ذلك التنزيه في ضمن التشبيه ، ( وهي أعظم آية نزلت في التنزيه ).


"" أضاف المحقق :
التنزيه : هو تعالى الحق عما لا يليق بجلال قدسه الأقدس ، والتنزيه على ثلاثة أقسام : تنزيه الشرع ؛ هو المفهوم في العموم من تعاليه تعالى عن المشارك في الألوهية ،
وتنزيه العقل : هو المفهوم في الخصوص من تعاليه تعالى عن أن يوصف بالإمكان ،
وتنزيه الكشف : هو المشاهد لحضرة إطلاق الذات المثبت للجمعية للحق ؛ فإن من شاهد إطلاق الذات صار التنزيه في نظره ، إنما هو إثبات جمعيته تعالى لكل شيء ، وإنه لا يصح التنزيه حقيقة لمن لم يشاهده تعالى كذلك .أهـ لطائف الإعلام."" 

قال رضي الله عنه :  (ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف ) المشعرة به من وجه ، إذ تقدير زيادتها خلاف الأصل بل لا يجوز أن يقال في القرآن بالزيادة الخالية عن الفائدة ، وإذا لم تخل أعظم الآيات الواردة في التنزيه عن التشبيه ، فما ظنك بآيات التشبيه ، وبما دون هذه الآية من آيات التنزيه والإخبار ، ولولا أن في الجمع بين التنزيه والتشبيه كمال المعرفة لم يرد ذلك في كلام اللّه تعالى ،

إذ ( هو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبر عن نفسه ) على لسانه ، ولسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم مع كمال قدرته على العبارات الصريحة في جميع الأمور ( إلا بما ذكرناه ) من التشبيه أو التنزيه معه ، فإن صح أنه ذكر محض التنزيه ،
فلا شكّ أنه ( ثم قال :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) المانعة لوصول العقول والأوهام إليه( عَمَّا يَصِفُونَ[ الصافات : 180 ] ) ؛ فدخل فيه أرباب العقول والأوهام جميعا ، ولا شكّ أنه لا عبرة بالوهم ما لم يصدقه العقل ، فالآية لتنزيه الحق نفسه عن تنزيهات العقلاء .

كما قال رضي الله عنه : ( وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم ) التي تمنع عزته وصولها إليه ، ( فنزه نفسه عن تنزيههم ) وإن صح به إيمانهم ، إذ القائل بالتشبيه المحض كافر ( إذ حددوه بذلك التنزيه ) حتى منعوا ظهوره في المظاهر ، ومنعوا وصفه بالصفات التي توجد في خلقه ما يناسبها نوع مناسبة ؛ ( وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا ) الأمر الجامع بين التنزيه والتشبيه ؛ لأنه من جملة المدركات المختصة بنوع خاص ، فالعقل وإن كان أعلاها ، فهو قاصر على إدراك المجردات ، فلا يدرك الحق إلا من جهة تجرده ، وهي جهة التنزيه والوهم يدركه من جهة التشبيه .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )


( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانيّة ) .
ويمكن أن يجعل هذا إشارة إلى تأويل ما رمز فيه من القصّة المصدّر بها ، فإنّ قرية جمعيّة هذه النشأة التي فيها صنم الصورة الكاملة الإنسانيّة - الملوّح إليه في كلامه ظاهرا سلطانها - إنما هو الوهم وذلك الصنم قد اختصّ به على ما بيّن في طيّ عبارته هذه .

الآيات الناظرة بحكم الوهم
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وبه جاءت الشرايع المنزلة ) أي بحكم الوهم ومقتضاه أنزلت الآيات الكاشفة عن التشبيه ، كقوله تعالى : “  وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى “  [ 8 / 17 ] وقوله : “  لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ “  [ 42 / 11 ] - وغيره من الآيات .
( فشبّهت ونزّهت : شبّهت في التنزيه بالوهم ) ، إذ من شأن الوهم أن يعيّن المعاني الكلَّيّة المنزّهة عن الموادّ المشخّصة ويشخّصها ،
ثمّ يجري عليها أحكام الجزئيّات والأشخاص كما أنّ من شأن العقل أن ينتزع من الأشخاص الماديّة موادّهم المشخّصة ، وحذف عنهم موجبات التشخّص بإجراء أحكام الكليّات المنزّهة عن الموادّ عليها ولذلك قال : ( ونزّهت في التشبيه بالعقل ) .

الكلي والجزئي
ثمّ إذ قد كان الأمر في الوجود بين كلَّين :
كلّ منزّه عن الموادّ المشخّصة التي يلبسه إيّاها الوهم ، وبها يدركه ، وهو المسمّى بالكلي في عرف النظر .
وكلّ متلبّس بالموادّ المشخّصة ينتزعها عنه العقل ، وبها يتعقّله ، وهو الذي يسمّى بالجزئي عندهم .
وذلك لما تقرّر في المقدّمة أنّ الإطلاق له صورتان : مؤدّى إحداهما التنزيه ، ومؤدّى الأخرى التشبيه وإذ كان ظاهر الإطلاق هو الكليّة الإحاطيّة ، فهي صورته .
ولذلك قال : ( فارتبط الكلّ بالكلّ ) ارتباط الكلَّي بجزئيه - وهو الكلّ - والكلّ بجزئه وهو الكلَّي ويلازم أحدهما الآخر ، تلازم حكم العقل حكم الوهم ( فلم يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ، ولا تشبيه عن تنزيه ) .
 

التنزيه في عين التشبيه في القرآن الكريم
أما الأول فكما ( قال تعالى : "لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فإنّه ظاهر في التنزيه ، حيث نفى عن كلّ شيء أن يماثل مثله ، فضلا عن أن يكون مثله .
ولذلك قال : ( فنزّه ) .
وإذ قد توجّه النفي إلى مثل المثل - الذي هو مدلول كاف التشبيه - يكون المثل مثبتا في أصل دلالة الآية ، وقوله : ( فشبّه ) إشارة إليه .
فعلم أن التنزيه والآيات الدالَّة عليه لا يخلو عن تشبيه ، وكذلك التشبيه والآيات الدالَّة عليه لا يخلو عن التنزيه ، كما في قوله تعالى : ( "وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  ) ، فإنّ ظاهره أن صاحب السمع والبصر هو الحقّ ، وهو محض التشبيه ولذلك قال : ( فشبّه ) بحسب الدلالة التي له في أصل معناه اللغوي .
ونزّه أيضا بحسب الدلالة التي له أيضا ، وذلك بحسب خاصيّة التركيب لدى التخاطب ، وهو ما يفيد الحصر من وضع صورة تركيبه - على ما بيّن في صنعة الأدب - وما قال : « فنزّه » اكتفاء بما مهّد أنّ كل تشبيه لا يخلو عن تنزيه ، وتنبيها أيضا على أنّ دلالته على التنزيه ليست غير دلالته على محض التشبيه ، فإنّ تنزيهه يحصر السمع والبصر فيه ، وهو عين التشبيه الكاشف عن محض التنزيه .
ولذلك قال رضي الله عنه : (وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم يخل عن تشبيه بالكاف)، فإنّ أصل معنى الكاف لغة هو التشبيه .
هذا ما انزل لبيان تعريف الحقّ نفسه ، من القرآن الذي هو كلام الله المنزل على عبده ، يعني الخاتم ، ( فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبّر عن نفسه إلَّا بما ذكرناه ) . قصور المنزّهين من أهل النظر عن التنزيه الحقيقي  ثمّ إنّه بعد ما أظهر معنى التنزيه الحقيقي وبيّن حقيقته ، نبّه على قصور التنزيه الرسمي الذي هو مدرك العقول الخالية عن آثار الجمعيّة القلبيّة الإنسانيّة ،

وإليه أشار بقوله : ( ثمّ قال : “  سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ “)  [ 37 / 180 ] ، والعامّة من ذوي العقول النظريّة ، وأهل الكثرة الإمكانيّة ، على ما هو مدلول ضمير الجمع في “  يَصِفُونَ “ والمفهوم منه ذوقا ولغة ، ( وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم فنزّه نفسه عن تنزيههم ) ، وهو التنزيه الذي يقابل التشبيه ، وهو المقيّد المحدّد ( إذ حدّدوه بذلك التنزيه ، وذلك لقصور العقل عن إدراك مثل هذا ) ، لغلبة التجرّد على نشأته القدسيّة العلية ، على ما عليه الملأ الأعلى . ما جاء في الشرائع مما تحكم به الأوهام

 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل.
فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه. وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف.
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم.
فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. )

قال رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السّلطان الأعظم في هذه النشأة الصّوريّة الإنسانيّة ، وبه جاءت الشّرائع المنزلة فشبّهت ونزّهت ، شبّهت في التّنزيه بالوهم ، ونزّهت في التّشبيه بالعقل . فارتبط الكلّ بالكلّ ، فلا يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه .  قال اللّه تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنزّه وشبّه ،وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشورى : 11 ] فشبّه . وهي أعظم آية نزلت في التّنزيه ومع ذلك لم تخل عن التّشبيه بالكاف. فهو أعلم العلماء بنفسه ، وما عبّر عن نفسه إلّا بما ذكرناه . ثمّ قال :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [ الصافات  :180].)


قال رضي الله عنه :  ( فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية وبه ) ، أي بالوهم وما يحكم به .
قال رضي الله عنه :  ( جاءت الشرائع المنزلة من عند اللّه فشبهت ) الشرائع ( ونزهت ، شبهت في ) مقام ( التنزيه بالوهم ) ، وحكمه إذ الوهم تلبس المعاني عن الصور نوعا من الصورة ( ونزهت في ) مقام ( التشبيه بالعقل ) وحكمه إذ العقل يجرد المعاني المنزهة في حدّ ذواتها عن الصور التي ألبسها الوهم لها ( فارتبط الكل ) ، أي كل من العقل والوهم ( بالكل ) ، أي بكل واحد من التنزيه والتشبيه .

أما ارتباط العقل بالتنزيه فظاهر ، وأما ارتباطه بالتشبيه فحكمه برفعه ، هذا إذا كان الكل إفراديا ، وأما إذا كان مجموعيا فمجموع أفراد كل من التنزيه والتشبيه كل ، وكل من الكلين مرتبط بالآخر ارتباط أجزاء كل منهما بأجزاء الآخر ، كل جزء بجزء ( فلم يمكن ) .
وفي النسخة المقابلة بالأصل فلم يتمكن ( أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه ) .


أما الأول فكما ( قال تعالى :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنزه ) ، لأن نفي المماثلة عن مثله يوجب نفي المماثلة عن نفسه بالطريق الأولى ، أو بأن يقال : نفي مثل المثل يستلزم نفي المثل ، لأنه لو كان له مثل ما يلزم أن يكون لمثله مثل وهو نفسه ، ولو قال بزيادة الكاف على خلاف الظاهر فالأمر ظاهر ( وشبه ) ، لأنه أثبت له مثلا ونفى أن يكون لمثله مثل فإثبات المثل تشبيه .

وأما الثاني فكما قال تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُفشبه ) فإنه أثبت له ما هو ثابت للخلق أعني السمع والبصر ونزه أيضا بحصر السمع والبصر فيه فلا شركة ، أو بإثباتهما له فإن ذلك تنزيه له عن الانحصار في التنزيه وهو كمال التنزيه ، ولم يقل ونزه اكتفاء بما سبق من أنه لا يخلف تشبيه عن تنزيه ( وهي ) ، أي قوله :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ( أعظم آية نزلت في التشبيه ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف ) ، أي بسبب إدخال الكاف على المثل فإنه يدل بحسب الظاهر على إثبات المثل ( فهو أعلم العلماء بنفسه وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه ، ثم قال :سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [ الصافات  : 180]

قال رضي الله عنه :  ( وما يصفونه إلّا بما تعطيه عقولهم . فنزّه نفسه عن تنزيههم إذ حدّدوه بذلك التّنزيه ، وذلك لقصور العقول عن إدراك مثل هذا . )
قال رضي الله عنه :  (ولا يصفونه إلا بما تعطيه عقولهم ) ، من الصفات التنزيهية ( فنزه نفسه عن تنزيهم إذ حدوده بذلك التنزيه ) وجعلوه متميزا عن الأشياء محدودا بتمايزه عنها ، ( وذلك ) التحديد ( لقصور العقول ) ، من حيث أنظارها الفكرية ( عن إدراك مثل هذا ) الذي ذكرناه من اشتمال كل تنزيه على تشبيه وكل تشبيه على تنزيه فهو سبحانه مشبه في مجالي صفاته كما أنه منزه في حقيقة ذاته


.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:15 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 9:53 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الخامسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الخامسة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الخامسة :-                                        الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ جاءت الشّرائع كلّها بما تحكم به الأوهام . فلم تخل عن صفة يظهر فيها . كذا قالت ، وبذا جاءت . فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحقّ التّجلّي فلحقت بالرّسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل اللّه .اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُفاللَّهُ أَعْلَمُموجّه له وجه بالخبريّة إلى رسل اللّه ، وله وجه بالابتداء إلىأَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ. وكلا الوجهين حقيقة فيه ولذلك قلنا بالتّشبيه في التّنزيه وبالتّنزيه في التّشبيه .  وبعد أن تقرّر هذا فنرخي السّتور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلّى فيها الحقّ . )
 
(ثم جاءت الشرائع كلها) من عند اللّه تعالى إلى الأمم المكلفين بها على ألسنة أنبيائهم ورسلهم عليهم السلام بما تحكم به الأوهام على العقول الإنسانية من التصوير والتمثيل في حق اللّه تعالى مع التنزيه والتقديس عن جميع ذلك فأقرّ الصور لمحة ونفاها لمحة ، لأن أمره تعالى "كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ"، فيقال فيه هو هذا ثم يقال : ليس (هو) هذا لانتفائه في اللمحة الثانية .
(فلم يخل الحق تعالى عن صفة) عند الأوهام العقلية (يظهر فيها) للعقلاء
 
(كذا قالت ، أي الشرائع كلها بمضمون حكمها وصريح عبارات أدلتها النقلية (وبذا ، أي بما ذكر جاءت ، أي الشرائع من عند اللّه تعالى إلى الأمم بواسطة المرسلين عليهم السلام (فعملت جميع الأمم على ذلك ، أي وصفت الحق تعالى بما تعطيه أوهامها من الأوصاف المختلفة (فأعطاها الحق تعالى (التجلي ، أي الانكشاف في حضرة الأوهام فتكلم كل واحد بما تجلى له في وهمه من الصفات الإلهية (فلحقت تلك الأمم (بالرسل والأنبياء عليهم السلام وراثة نبوية في نفس الأمر من غير متابعة شرعية منهم في البعض فإنهم كفروا وإن وافقوا المقصود ،
لأن المطلوب منهم أخذ المقصود بالمتابعة لا بالاستقلال ، لأن الاستقلال رسالة من اللّه تعالى وهم لم يرسلوا فنطقت ، أي الأمم بما نطقت به يعني الأمم من الصفات الإلهية على حسب ما وقع لهم التجلي الإلهي في أوهامهم وتخيلاتهم فأصابوا الحق ، لأن الكل تجلياته سبحانه وأخطأوا حيث لم يأذن اللّه تعالى فإنه ليس كل صواب مقبولا .
 
قال تعالى :وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ البقرة : 189 ] .
مع أن المقصود إتيان البيوت وقد حصل سواء أتى من الظهور أو من الأبواب الكبرى ، ولكن البر أي الإحسان إلى الشارع الإتيان من الأبواب ، أي المتابعة في ذلك كتارك الأكل نهارا لا يسمى صائما حتى ينوي متابعة الشارع فيما شرعه من ذلك ،
وهكذا جميع المشروعات من الفروض والنوافل ، فالنية شرط في حصول العبادات مطلقا في المأمور والمنهي ، وهو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " .
أو بما نطقت به . رواه البخاري ورواه أبو داود ورواه غيرهما .
 
رسل اللّه فاعل نطقت لأنهم ورثتهم من حيث الأوهام البشرية التي لم تقبل منهم لعدم متابعتهم لهم فيها كما تبعت الأنبياء عليهم السلام ربهم في ذلك .
قال تعالى :قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ[ الكهف : 110 ] ،
فالفارق الوحي وهو القذف في القلب والكل يقذف في قلوبهم ولكن المتابعة الإلهية تنتجها المعرفة الربانية وهي المقتضية للقبول على الوجه التام فلولا متابعة الأنبياء عليهم السلام لأمر ربهم على الكشف في نفوسهم لما فرق بينهم وبين أممهم في التجليات الإلهية ومقتضى ما تعطى من الأوصاف وكذلك الوراثة النبوية في الأمم ما قبل منها إلا وراثة أهل المتابعة دون غيرهم ولهذا قال تعالى عن الكافرين :وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ "اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ"[ الأنعام : 124 ] .
بأن يأذن اللّه تعالى لهم بذلك فيكون ما يجدونه من الأوصاف عن الوحي النبوي لا عن وسواس نفوسهم كما قال تعالى :"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ" [ ق :16] ،
فثبت له تعالى العلم بجعل الرسالة في المرسلين عليهم السلام ، والعلم أيضا بوسواس النفوس في غير أهل المتابعة من الناس . ثم قال تعالى :وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ[ ق : 16]
 
فأثبت القرب إلى الإنسان بجميع أنواع الإنسان على السواء من غير تفاوت ، وبقي التفاوت بوسواس النفس ، ووحي الرب وهو الجعل للرسالة في المرسلين دون غيرهم ، لا العلم بهم فإنه مشترك كما ذكرنا فاللّه أعلم .
 
الواقع في هذه العبارة في هذا الكتاب كلام موجه ، أي ذو وجهين له وجه بالخبرية ، أي موجه بكونه خبرا إلى ، قوله هنا رسل اللّه إذا تم الكلام على قوله بما نطقت به الآية التي سبب نزولها كما ذكر البيضاوي في تفسره :  أن كفار قريش لما قال أبو جهل تزاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يوحى إليه واللّه لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه انتهى .
 
"" أضاف المحقق :
ونص ما أورده البيضاوي في تفسيره كاملا :وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [ الأنعام : 124 ]
يعني كفار قريش لما روي : أن أبا جهل قال : زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يوحي إليه اللّه لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فنزلت :اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ[ الأنعام : 124 ]
استئناف للرد عليهم بأن النبوة ليست بالنسب والمال وإنما هي بفضائل نفسانية يخص اللّه سبحانه وتعالى بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالاته من علم أنه يصلح لها ، وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه . تفسير البيضاوي . أهـ ""
 
فيبقى قوله تعالى :قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ[ الأنعام : 124].
، فنائب الفاعل ضمير أوتي راجع إلى نبيهم الذي جاءتهم آيته ، أي معجزته وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم ، لأنهم لم يقولوا مثل ما أوتي جميع الأنبياء والرسل ،
وإنما قالوا : إن يأتينا وحي كما يأتيه ، فرسل : مبتدأ ، واللّه : مضاف إليه ، واللّه : خبر المبتدأ كما قال تعالى  :إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ( 49 ) [ القمر : 49 ] .
في قراءة رفع كل على أنها خبر إنّ ثم قوله : اعلم ، صفة للّه بإضمار هو تعالى ، وحيث يجعل رسالته متعلق بأعلم وله ، أي لقوله اللّه وجه آخر موجه أيضا بالابتداء ، أي هو مبتدأ إلى أعلم فأعلم خبر المبتدأ حيث يجعل رسالته متعلق بأعلم أيضا
 
وكلا الوجهين في عبارة هذا الكتاب هنا (حقيقة فيه) ، أي في اللّه تعالى على حسب ما ورد عنه سبحانه (فلذلك) ، أي لكونهما حقيقة لا مجازا (قلنا) في حقه تعالى (بالتشبيه) للّه تعالى (في التنزيه) حيث كان الكلام أنهم نطقوا بما نطقت به رسل اللّه من التجليات في أوهامهم اللَّهُ "أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ" .
فهو تعالى منزه عن كل ما نطقوا به ، لأن اللّه تعالى لم يجعل الرسالة فيهم ، فهو تنزيه اللّه تعالى والتشبيه في ضمنه لمطابقتهم ما نطقت به الرسل عليهم السلام .
 
وقلنا أيضا (بالتنزيه) للّه تعالى (في التشبيه) حيث كان الكلام أنهم نطقوا بما نطقوا به ورسل اللّه هم اللّه وهو تشبيه للّه تعالى والتنزيه في ضمنه حيث أثبت الرسل صورا إنسانية مسماة بأسماء معلومة ، فجعلها مبتدأ والمبتدأ غير الخبر ، وإلا لما صح الحمل ولزم تحصيل الحاصل مثل قولك : زيد زيد فلا فائدة فيه .
 
(وبعد أن نقول) لك يا أيها السالك (هذا) الكلام (فنرخي الستور) على وجوه الأسرار (ونسدل الحجب على عين المنتقد) ، أي المنكر وعين (المعتقد) ، أي المصدق لئلا تفسد المعاني الصحيحة بالأفهام الفاسدة أو يصعب إدراكها فتوجب وقفه فإن وراء ما ذكر أسرار الاتحاد الروحاني وأنوار الاختلاف الجسماني فلا يسعه إلا العبد الفاني والسر المتداني ،
فإن الشريعة مجرد بيان والحقيقة خلاصة عيان ، والكل ثابت فلا يتغير بما هو يكون وما هو كائن وما كان لأنه نفس الأمر في وعائي الزمان والمكان وإن كانا ، أي المنتقد والمعتقد أيضا اللذين نسبة الحقائق عليهما (من بعض صور ما تجلى) ، أي انكشف (فيها الحق) تعالى لأهل الكمال .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها ) من لدن آدم إلى محمد عليهم السلام ( بما تحكم به الأوهام كلها ) وما حكم الأوهام إلا بسريان الحق في كل صورة من الصور التنزيهية والتشبيهية فكذلك الشرع جاء نزه وشبه ثم نزه عن التنزيه
وقرر بذلك حكم الوهم فإذا جاءت الشرائع بما حكم به الأوهام ( فلم تخل ) من الأخلاء أي لم تجعل الشرائع ( الحق ) خاليا ( عن صفة تظهر فيها ) إذ لا بد بظهور الحق من صفة وثبوت تلك الصفة له عين التشبيه على أن كونه في كنزه ظهوره بصفة الخفاء والعماء وتنزيه الشرع إنما هو بمقتضى العقول لا لكون الأمر في نفسه كذلك لذلك نزه عن تنزيه العقول بقولهسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ( كذا ) أي كقولي هذا
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( قالت ) الشرائع ( وبذا ) أي وبما حكم الأوهام ( جاءت فعلمت الأمم ) أي جميع الأمم ( على ذلك ) أي على ما جاءت به الشرائع وحكم الأوهام ( فأعطاها ) أي الأمم ( الحق التجلي ) الذي يحصل به شهود سريان الحق في جميع الصور كما أعطاه الرسل .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلحقت ) الأمم في هذا التجلي ( بالرسل وراثة فنطقت ) الأمم ( بما نطقت به رسل اللّه ) من التنزيه والتشبيه وقال اللّه تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ، فاللّه أعلم موجه له وجه بالخبرية إلى رسل اللّه ) على تقدير أن يكون قوله لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ كلاما تاما بأن جعل مفعول أوتي الذي أقيم مقام الفاعل ضميرا عائدا إلى الرسل ،
فعلى هذا قوله رُسُلُ اللَّهِ مبتدأ اللّه خبره واعلم خبر مبتدأ محذوف
أي رسل اللّه هم عين اللّه من جهة اتصافهم بالصفات الحقانية وإن كانوا غيره من جهة اتصافهم بالصفات الامكانية فكان هذا القول من قبيل إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ، ومن أكرمني فقد أكرم اللّه وغير ذلك ولا استحالة في هذا التوجيه والمقصود من هذا التوجيه مع أنه لا يخلو عن تعسف إظهار التشبيه للمحجوبين في الآية
 
فلا يظهر لهم التشبيه في الآية إلا بهذا الوجه ( وله وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالته ) وهو ظاهر وبهذا الوجه ثبت التنزيه أي اللّه أعلم لا غير ) وكلا الوجهين حقيقة فيه ) ،
 
أي في اللّه أما أكون وجه الابتداء حقيقة فلكون دلالتهما على الذات الموصوفة بالألوهية حقيقة وأما كون وجه الخبرية حقيقة فلكونه للوصفية في التحقيق ( لذلك ) أي لأجل كون كلا الوجهين حقيقة ) قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه ، وبعد أن تقرر هذا ) ولما انتقل كلامه إلى مقام الفرق والفرق لا يكون إلا بالاحتجاب
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فنرخي الستور ونسدل الحجب على عين المنتقد ) وهو أهل الحقيقة ( والمعتقد ) وهو الذي يعتقد بأهل الحق ويصدق فيما بقوله ( وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق) بتجلي الحق المراد من هذا الكلام النهي عن الظهور بما تقرر من أسرار التنزيه والتشبيه والأمر بالستر ليظهر التفاضل .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها. كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته . «فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته . و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه. وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال رضي الله عنه  : ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام ، فلم تخل الحقّ عن صفة يظهر فيها ، كذا قالت ، وبذا جاءت ، فعملت الأمم على ذلك ، فأعطاها الحقّ التجلَّي ، فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله  " الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَه ُ " فـ « الله أعلم » موجّه : له وجه بالخبرية إلى رسل الله وله وجه بالابتداء إلى « أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَه ُ).
 
بمعنى أنّ قولهم : " لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ الله "  يعني هذا الرسول ، وتمّ كلام القوم ، وابتدأ برسل الله ، ثم حمل « الله أعلم » على « رسل الله » ، بمعنى أنّ رسل الله هم الله ، فإنّه هويّتهم وهم صورته ، وهو من حيث هو أعلم حيث يجعل رسالاته ، فجعل الله هوية رسله ، فكان تشبيها في عين تنزيه .
والوجه المشهور ظاهر ، وفي تسويغ هذا الوجه دقّة وتلطَّف ، فتدبّره بفهمك الثاقب .
 
ولذلك قال  رضي الله عنه : ( وكلا الوجهين حقيقة فيه ، لذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه )
فإنّك إذا حملت « الله أعلم » على " رسل الله " ، نفيت الغيرية ، فأثبتّ الوحدة الحقيقية ،
كقوله عليه السّلام : « هذه يد الله » وأشار إلى يمينه المباركة صلَّى الله عليه وسلم فأوّل أهل الحجاب ، وآمن أهل الإيمان ، وكشف أهل الشهود والعيان أنّ يده عليه السّلام هي عين يد الله العليا في قوله : "يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ " رأي عيان ، فافهم .
 
قال رضي الله عنه  : ( وبعد أن تقرّر هذا ، فنرخي الستور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلَّي فيها الحق )
 
يعني رضي الله عنه  : لهم وعنهم وفي نظرهم وبموجب زعمهم ، ( ليظهر تفاضل استعداد الصور ، وإنّ المتجلَّي في صورة هو بحكم استعداد تلك الصورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ، لا بدّ من ذلك )
 حتى ينسب إلى المتجلَّي ما ينسب إلى تلك الصورة من الحجاب ، والكشف ، والتجلَّي والستر ، والعرفان والمنكر .
 


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام ، فلم تخل الحق عن صفة يظهر فيها ، كذا قالت وبذا جاءت ، فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فألحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به " رُسُلُ الله الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَه " فاللَّه أعلم موجه له وجه بالخبرية إلى رسل الله ، وله وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالته ) .
 
والوجه الأول : أن يوقف على قولهم :" لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ " أي هذا الرسول على أن القول قد تم وابتدأ بقوله -   ( رُسُلُ الله ، الله )   - بمعنى أن رسل الله هم الله ، وأعلم خبر مبتدإ محذوف أي هو أعلم حيث يجعل رسالاته ، والمعنى رسل الله صورته والله هويتهم ، وهو من حيث هم وهم من حيث هو أعلم من حيث يجعل رسالاته ، وإذا كان الله هوية الرسل والرسل صورته كان تشبيها في عين تنزيه . والوجه الثاني هو المشهور ظاهرا .
( وكلا الوجهين حقيقة فيه فلذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه ، وبالتنزيه في التشبيه ) أي فلأن الوجه المذكور أولا حقيقة
كالوجه الثاني قلنا بالتشبيه في عين التنزيه ، ونفى الغيرية في إثبات الوحدة الحقيقية كقوله عليه الصلاة والسلام « هذه يد الله » وأشار إلى يمينه المباركة ،
وهذا الحديث أوله أهل الحجاب وآمن به أهل الإيمان ، وعاين أهل الكشف والشهود أن يده صلى الله عليه وسلم عين يد الله العليا في قوله : " يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ "  وكانت يد رسول الله فوق أيديهم رأى أعيان
 
"" أضاف بالي زادة :
( عن صفة يظهر فيها ) إذ لا بد لظهور الحق من صفة ، وثبوت تلك الصفة له عين التشبيه ، على أن كونه في كنزه ظهوره بصفة الخفاء والعماء ، وتنزيه الشرع إنما هو بمقتضى العقول لا لكون الأمر في نفسه كذلك ، لذلك نزه عن تنزيه العقول بقوله :" سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ" .اهـ بالى زادة. ""
 
قال رضي الله عنه : (وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق)
 
أي بعد تقدير قاعدة الجمع بين التنزيه والتشبيه نسدل الغطاء على عين المنتقد ، أي المحقق العاقل الذي خلاصة المذاهب بالنظر العقلي البرهاني ، والمعتقد أي المقلد لما اعتقده بالعقد الإيماني وإن كانا من جملة مظاهر الحق ومجاليه ، ولكن قد أمرنا بالستر عنهم وأن نكلمهم على حسب نظرهم واعتقادهم بموجب زعمهم ، كما قيل : كلموا الناس على قدر عقولهم ، فإن الله تعالى قال : " وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِه " وما أمكنهم فهمه
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ثم ، جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام ، فلم تخل الحق عن صفة يظهر فيها . ) " لم تخل " من " الإخلاء " .
أي ، جاءت الشرائع كلها بمقتضى القوة الوهمية على التشبيه والتنزيه ، فلم تجعل الحق خاليا عن صفة يظهر الحق فيها وهو عين التشبيه .
 
قال رضي الله عنه :  (كذا قالت) أي الشرائع . (وبذا جاءت فعملت الأمم على ذلك) أي بمقتضى ذلك .
(فأعطاها) أي ، أعطى الحق الأمم . فأنث الضمير باعتبار تأنيث الجمع (الحق التجلي) أي ، تجلى عليهم بتلك الصفات الموجبة للتشبيه .
(فلحقت) أي الأمم . (بالرسل وراثة) أي، من جهة الوراثة . (فنطقت) أي، الأمم. (بما نطقت به رسل الله.) من التنزيه والتشبيه .
 
قال رضي الله عنه :  (الله أعلم حيث يجعل رسالاته. ف‍ "الله أعلم " موجه : له وجه بالخبرية إلى "رسل الله" . وله وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته . وكلا الوجهين حقيقة فيه . ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه، وبالتنزيه في التشبيه.) لما جعل الأمة ملحقة بالرسل بحكم الوراثة .
 
وقال رضي الله عنه  : ( فنطقت بما نطقت به رسل الله ) - أدرج قوله تعالى : ( وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله . الله أعلم حيث يجعل رسالته ) . ليبين التنزيه والتشبيه فيه .
 
فقوله رضي الله عنه : ( الله أعلم ، موجه ) أي ، موجه بالوجهين : الخبرية ، والابتدائية .
أما خبريته ، فلأن قوله تعالى : ( لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى ) . كلام تام ، لأن المفعول الذي أقيم فيه مقام الفاعل ضمير عائد إلى ( الرسول ) .
أي ، لن نؤمن بالآية حتى نؤتى مثل ما أوتى الرسول المبلغ إياها .
 
ف‍ ( رسل الله ) ، " الله " جملة أخرى . أي ، رسل الله هم مظاهر الله . و ( أعلم ) خبر مبتداء محذوف . أي ، هو أعلم حيث يجعل رسالاته .
والثاني ، ( الله ) مبتدأ و ( أعلم ) خبره . فهو كلام مستأنف .
والوجه الأول وإن كان فيه تعسفات كثيرة ، لكن لما كان في نفس الأمر كلاما حقا ، التزمه . ويظهر حقيته لمن يعرف سر قوله تعالى : " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله . يد الله فوق أيديهم . ومن يطع الرسول فقد أطاع الله " . وأمثال ذلك .
 
وكلا الوجهين حقيقة فيه . أي ، حق مطابق لما في نفس الأمر ، لا مجاز ، كما زعم أهل الظاهر في آية ( المبايعة ) و ( الطاعة ) وأمثالها . وإذا كان هوية الحق عين هوية الرسول ، ( 9 ) كان التشبيه الذي في الرسل ثابتا للتنزيه الذي في هوية الحق وبالعكس .
 
وذلك معنى قوله : ( ولذلك قلنا . . . ) - إلى آخره . أي ، ولأجل أن كلا الوجهين حقيقة في هذا الكلام ، قلنا بالتشبيه في عين التنزيه ، إذ هوية الحق
المنزه هي التي ظهرت في صورة الرسل المشبهة ، والهوية الظاهرة في الصور المشبهة
هي التي كانت منزهة في المرتبة الأحدية .
 
قال رضي الله عنه :  (وبعد أن تقرر هذا ، فنرخي الستور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق . ) .
أي ، وبعد أن تقرر أن التنزيه لا يخلو عن التشبيه وبالعكس ، نرخي الستور ونسدل الأغطية على عين المنتقد .
وهو المحقق الذي يعلم خلاصة المعاني والحقائق ، إما بالكشف والعيان أو بالنظر والبرهان ، وعلى عين المعتقد المؤمن بأهل الحقائق والعرفان.
(وإن كانا ) "من بعض صور ما تجلى فيها الحق" .. أي، المنتقد والمعتقد ، من بعض المظاهر التي تجلى الحق فيها.

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:16 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 9:59 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الخامسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الخامسة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الخامسة :-                                        الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال رضي الله عنه :  (ثمّ جاءت الشّرائع كلّها بما تحكم به الأوهام ، فلم تخل عن صفة يظهر فيها ، كذا قالت ، وبذا جاءت ، فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحقّ التّجلّي فلحقت بالرّسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فاللَّهُ أَعْلَمُ موجّه له وجه بالخبريّة إلى رسل اللّه ، وله وجه بالابتداء إلله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ،وكلا الوجهين حقيقة فيه ، ولذلك قلنا بالتّشبيه في التّنزيه ، وبالتّنزيه في التّشبيه ، وبعد أن تقرّر هذا فنرخي السّتور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلّى فيها الحقّ )
 
"" أضاف المحقق :
أي ما تعطيه حقيقتها ولوازمها: لوازم تلك الحقيقة ؛ فلا يذوق هذه المسألة إلا من تجلى له الحق في صورة استعداده فينسيه ما نسب لنفسه ، ويشاهده بذلك التجلي تفاضل الصور فيشبهه وينزهه ، ولا بدّ من ذلك في التجلي ، فلابدّ لظهور استعداد الصور من التجلي مثل هذه المسألة بما وقع في المنام من الصور الإلهية حتى يعلم منه ما في اليقظة ؛ فإنها على الحقيقة إهـ .شرح القاشاني  .""
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع ) شريعة موسى عليه السّلام وعيسى عليه السّلام ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وغيرهم عليهم السّلام ( كلها بما تحكم به الأوهام ) من التشبيه ، ( فلم تخل ) الحق فيما ورد فيها من التنزيهات فضلا عن التشبيهات ( عن صفة يظهر فيهما ) في المظاهر الخلقية حتى أنه يظهر بالتنزيه في الأرواح والملائكة العلوية ، فيشارك بها المظاهر ، والمشاركة مستلزمة للتشبيه ، بل عينها
( كذا قالت ) في المظاهر ، ( وبذا جاءت ) في الباطن ، فلا يجوز فيها التأول الموجب لرفع الظواهر بالكلية ، إذ لو كان لبينه الرسل ، لكنهم ما بينوا ؛ ( فعملت الأمم ) في اعتقاداتهم على ذلك ، ( فأعطاها التجلي ) الذي لا يعطيه المستمرين على الغلط ، فصاروا أولياء ، ( فلحقت بالرسل ) ورأت علومهم وأحوالهم .
 
( فنطقت بما نطقت به رسل اللّه ) من التنزيه تارة ، والتشبيه أخرى ، والجمع بينهما طورا ومن سائر العلوم والمعارف ، فأشبه كمالهم الكمال النبوي الذي لا يعرف قدره إلا اللّه كما قال اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [ الأنعام : 124 ] ) كيف ؟
وهم مظاهره الجامعة لما فيه من الصفات القابلة للظهور في المظاهر ، وفي ذلك كمال التشبيه ، فقد أشار إليه في هذه الآية بوجه من الوجوه ،( اللَّهُ أَعْلَمُ ) في القرآن بعد قوله :رُسُلُ اللَّهِ[ الأنعام : 124 ] .
( موجه ) ، أي : قابل لتوجيهه إلى ما ذكرنا من التنزيه والتشبيه جميعا ، لكن بوجهين مختلفين إذ ( له ) ، أي : لقوله :اللَّهِ ( وجه بالخبرية ) عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يوقف على قوله :مِثْلَ ما أُوتِيَ ،ويكون فيه ضمير لنبينا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم .
 
ثم قال الشيخ رضي الله عنه :  "رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ" ،فأسند اللّه ( إلى رسل اللّه ) أي : رسل اللّه هم المظاهر الكاملة ، كأنهم هم اللّه ظهر فيهم بجميع أسمائه وصفاته ، وهذا الوجه يدل على التشبيه ، ( وله وجه ) يدل على التنزيه ( بالابتداء إلىأَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ،) فإنه لما قطعت هذه الجملة عن قوله :مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ أشار إلى انقطاع الحق عن رسله ،
وهو دليل التنزيه ، فإنه لما تنزه عن التعلق بهم من حيث غناه عنهم ، فهو عن المتعلق بغيرهم أنزه ، وإنما تعلق بهم من حيث كمال ظهوره في المظاهر بهم بعد ظهوره في ذاته لذاته ، وتعلق بغيرهم لكونهم من مقدماتهم أو متمماتهم ، ( وكلا الوجهين حقيقة فيه ) ، إذ لا مجاز في الإسناد ولا في المفردات ، بل غايته حذف حرف التشبيه في أحد الوجهين من غير إقامة شيء مقامه ، حتى يكون فيه مجاز بالحذف ،
 
وحذف المبتدأ من قوله :أَعْلَمُ على ذلك الوجه ، فيجب الأخذ بالوجهين ، وإن كان في أحدهما كلفة الحذف ، ففيه كمال الفائدة حتى أن التنزيه إنما يكمل باعتباره ، فيجب الجمع بينهما ؛ ( فلذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه ، وبالتنزيه في التشبيه ) ؛ لأنهما مفهوما الجمع بين الوجهين .
 
( وبعد أن تقرر هذا ) عندنا بهذه الأدلة أنهما من النصوص ، فذلك بطريق الإشارة ، وليس فيها ما يلزم به الخصم من أهل النظر ، ولا من أهل التقليد ، ( فنرخي السّتور ) على وجه الاستدلال بها ، ( ونسدل الحجب ) على المدلول لا في حق أهل الكشف ، ولا المؤمنين بطريقتهم ، بل ( على عين المنتقد ) الناظر في الأدلة المتعارضة لتزييف البعض ، وترجيح البعض مع صحتهما من وجه دون وجه ، ( والمعتقد بالتقليد ) لبعض الطوائف دون البعض ، مع أن الكل مصيب من وجه دون وجه بمقدار ما ظهر لهم واستر عنهم ، كالعميان فيما لمسوا من الفيل ، وما يلمسون منه ، فلا يقول لهما بالتشبيه بظهوره في المظاهر ،
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق ) ، ويلزم منه ستر الحق على الحق .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
ما جاء في الشرائع مما تحكم به الأوهام
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثمّ جاءت الشرايع كلَّها بما تحكم به الأوهام ) ، لما لها من الإدراكات البرزخيّة الجمعيّة القلبيّة التي بها تفرّد الإنسان ، ومنها يستحصل كمالاته الخصيصة به ( فلم تخل ) الشرايع ( الحقّ ) عند إظهاره للأمم ( عن صفة يظهر فيها ) من الأوصاف الوجوديّة والمعاني الجزئيّة التي هي مدارك الأوهام ، كالاستواء على العرش ، والاختصاص بالفوقيّة ، وإثبات بعض الجوارح كاليد وغيره من القوى .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (كذا قالت ) الشرايع ( وبذا جاءت ) الرسل من عند الله ( فعملت الأمم على ذلك ) من الاعتقاد بتلك المعاني تقليدا لهم ، ولأنّ التقليد في العقائد القلبيّة التي يعقدها المقلَّد تابعا للمقلَّد له فيه إنما هو من قبيل الأعمال ، لا العلوم ، قال : « فعملت » ، دون : « علمت » مع أنّه من المعلومات ، تنبيها لهذه الدقيقة ( فأعطاها الحقّ التجلَّي ، فلحقت بالرسل وراثة ) للقرابة التي هي للأمم بحسب نيّاتهم وهممهم ، من الصورة التي عليها عقد بواطنهم ، وبها تصوّرت عقولهم ( فنطقت بما نطقت به رسل الله ) من الكلمة الجامعة بين التشبيه والتنزيه ، صورة ومعنى .
 
وجهي التفسير في الآية الكريمة : الله أعلم . . .
فلذلك ترى في كلامه هذا وجهين من الصورة : إحداهما كاشفة عن التنزيه ، والأخرى عن التشبيه فإن قوله تعالى : ( “  الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَه " رسالاته ) فيه الوجهان المذكوران ( فـ “  الله أَعْلَمُ “  موجّه ) بالوجهين :
(له وجه بالخبريّة إلى “  رُسُلُ الله “ ) وذلك أن توقف على قولهم “  لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ [ 6 / 124 ] أي هذا الرسول .
فتمّ هنا كلام القوم ، وابتدأ بقوله : " رُسُلُ الله الله "  ، بمعنى أنّ رسل الله هم الله ، وهو طرف التشبيه ووجهه الكاشف عنه ، و "  أَعْلَمُ "  حينئذ خبر مبتدأ محذوف ، أي "هو أعلم حيث يجعل رسالاته " .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وله وجه بالابتداء إلى « أعلم حيث يجعل رسالاته » ) وهذا الوجه هو الكاشف عن التنزيه ظاهرا ، فإنّه تضمّن التشبيه أيضا ، كما أن الأوّل متضمّن للتنزيه على ما يخفى ، إلَّا أنّ الغرض اشتمال هذه الصورة الكلاميّة للوجهين .


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وكلا الوجهين حقيقة فيه ) ، أي لا تفاوت بينهما بحسب التقدّم والتأخّر والوضوح والخفاء على ما هو المبادر إلى الأذهان العامّة من العلماء الرسميّة التي عندهم لا محتمل للوجه الأوّل أصلا ،
 
وذلك لما لهم من الحجب التقليدية والاعتقادات الاعتياديّة التي قد استحصلوها من آبائهم وراثة ومن مشايخهم واستاذيهم تعلَّما وكسبا ، فلا يمكن لهم الترقّي عنها أصلا ، ولذلك ترى الكمّل من الأنبياء لا يظهرون لهم من ذلك شيئا ، مع أنهم مبعوثون للإظهار ، ومأمورون بالإشاعة والإبلاغ وإلى ذلك أشار بقوله :
 
كلَّموا الناس على قدر عقولهم
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فلذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه ، وبالتنزيه في التشبيه وبعد أن تقرّر ) أمر إظهاره ( هذا ) على الطالب المسترشد والمتفطَّن المهتدي ( فنرخي الستور ونسدل الحجب على عين المنتقد ) الذي ينقد بنظره العقليّ فرائد الحقائق والمعارف ، ويذهب إليها ، كما هو سبيل سائر المتكلَّمين والحكماء ، وهو صاحب التنزيه ، لا حظَّ له في التشبيه أصلا ( والمعتقد ) الذي يعتقد ظاهر ما انزل من الكتاب بلا تأويل فيه ولا تدبّر وتفتيش عنه ، كما قيل : « الاستواء معلوم ، والكيفيّة مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة » وهو المشبّه الصرف الذي لا حظَّ له في التنزيه أصلا .
 
فلا بدّ للمحقق أن يمكَّنهما فيما هم عليه بإرخاء الستور والحجب ، ( وإن كانا من بعض صور ما تجلَّى فيها الحقّ ) وأن لا يظهر للناس إلا ما هو على قدر عقولهم وطبق عقائدهم .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه.
وبعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق. )
 
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ جاءت الشّرائع كلّها بما تحكم به الأوهام . فلم تخل عن صفة يظهر فيها . كذا قالت، وبذا جاءت . فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحقّ التّجلّي فلحقت بالرّسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل اللّه .اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ فاللَّهُ أَعْلَمُ موجّه له وجه بالخبريّة إلى رسل اللّه ، وله وجه بالابتداء إلىأَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ. وكلا الوجهين حقيقة فيه)
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام ) ، من التشبيه ( فلم يخل ) من الإخلاء ، أي لم تخل الشرائع ( الحق سبحانه عن صفة يظهر فيها ) ، أي من شأنه الظهور فيها في الصفات التشبيهية التي تنفيها العقول بنظرها الفكري بل ذكر الكل بعضها بالصريح وبعضها بالمقايسة كالاستواء على العرش والاختصاص بالفوقية وإثبات بعض الجوارح كاليد وغيرها من القوى ( كذا قالت ) الشرائع ( وبذا جاءت فعملت الأمم ) ، أي جرت ( على ذلك فأعطاها الحق التجلي ) في الصور التشبيهية ( فلحقت ) ، أي الأمم ( بالرسل وراثة ) لا أصالة ( فنطقت ) ، أي الأمم ( بما نطقت به رسل اللّه ) من صفتي التنزيه والتشبيه (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [ الأنعام : 124 ] أصالة ووراثة ولما ذكر رضي اللّه عنه هذا الكلام على سبيل الاقتباس من قوله تعالى :وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ[ الأنعام : 124 ]
 
اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُأراد أن يبين فيه ما تحتمله من صورتي التنزيه والتشبيه تأكيدا لما هو بصدد بيانه فقال : ( فاللّه ) في اللّه ( أعلم ) في الآية المذكورة ( موجه له ) وجهان :
قال رضي الله عنه :  ( وجه بالخبرية إلى رسل اللّه ) بأن يكون المسند إليه في أوتي ضمير الرسول ورسل اللّه مبتدأ واللّه أعلم خبره وأَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أعلم ،
ولا يخفى ما في حمل اللّه على رسل اللّه من التشبيه ( وله وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته ) كما هو الظاهر من غير تكلف ولا تشبيه في هذا المعنى ،
بل فيه تمييز بين اللّه ورسله وهو عين التنزيه ( فكلا الوجهين ) حقيقة تأتيه متحققة ( فيه ) ، أي في هذا الكلام لا تفاوت بينهما في أصل الانفهام من اللفظ وإن اختلف بحسب الحذف والإضمار والوضوح والخفاء
 
قال رضي الله عنه :  (ولذلك قلنا بالتّشبيه في التّنزيه وبالتّنزيه في التّشبيه . وبعد أن تقرّر هذا فنرخي السّتور ونسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ،)
 ( فلذلك ) ، أي لمتحقق هذين الوجهين في هذا الكلام ( قلنا : بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه ) لأن أحد الوجهين ناظر إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه فبالنظر إلى مجموعهما تنزيه في تشبيه وتشبيه في تنزيه ، وإن قد وصلت إلى هذا المقام واطلعت على ما في الوجه الأول من التكلف والتعسف ورأيته محل أن يطعن به الطاعنون المتحمدون على الظواهر على الشيخ رضي اللّه عنه ،
 
بل وجدت على حاشية بعض الشروح بخط بعض الأكابر أن حمل أبلغ الكلام وأفصحه على مثل هذا التوجيه الذي ينبو عنه الطبع السليم والعقل المستقيم من غير ضرورة في غاية التعسف ، بل لا يكاد يصبح بوجه أصلا ، أصابني هم عظيم لمكان اعتقادي بعلو شأن الشيخ ،
فبينا أنا في ذلك إذ ألقى في قلبي نعته على وجه الإجمال محملا لكماله رضي اللّه عنه من غير ارتكاب تكلف وتعسف ،
وحين أمعنت النظر فيه وفصلته انشرح له صدري واطمأن له قلبي ،
وهو أن أهل الإشارة كثيرا ما يفهمون من الكلمات القرآنية وغيرها معاني لا يساعدها عليها ما يسبقها من الكلمات الأخر ولا ما يلحقها ، بل يفهمونها مع قطع النظر عن السابق واللاحق ،
فإذا كان القارئ من أهل الإشارة وقرأ هذه الآية إلى أن وصل إلى رسل اللّه ،
اللّه ووجده على صورة المبتدأ والخبر لم يبعد أن يفهم فيه أن رسل اللّه هم اللّه من غير فهم حاجة في فهم هذا المعنى إلى حذف ولا إضمار ولا تقدير ويكون لاسم اللّه
 
فياللَّهُ أَعْلَمُ وجهان :
وجه إلى الخبرية نظرا إلى المعنى المفهوم بلسان الإشارة ،
ووجه إلى الابتداء نظرا إلى المعنى المراد بلسان العبارة ،
وما أحسن حينئذ استرداف بيان الوجهين بقوله :
وكلا الوجهين حقيقة فيه ، أي كلا الوجهين متحققة ثابتة في اسم اللّه أو في هذا الكلام من غير انفكاك أحدهما عن الآخر
ولذلك ، أي لتحققها على الوجه قلنا بالتشبيه في التنزيه والتنزيه في التشبيه .
( وبعد أن تقرر هذا ) القدر من صور التنزيه والتشبيه ( فترخى السدول وتسدل الحجب عن عين المنتقد ) ، وهو المتحكم بعقله على كلام أولياء اللّه بالنقد والتزييف ( والمعتقد ) ، وهو المؤمن بأحوالهم فما عمله آمن به وما أشكل عليه فرض إلى عالمه .
 
وقيل : المنتقد هو الذي ينقد بنظره العقلي فرائد الحقائق والمعارف ويذهب إليها كما هو سبيل الحكماء والمتكلمين ، وهو صاحب التنبيه لاحظ له في التشبيه أصلا ، والمعتقد الذي يعتقد ظاهر ما أنزل من الكتاب بلا تأويل فيه ولا تدبر ، ونقتبس عنه كما قيل الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وهو التشبيه وإن كانا من بعض صور ما تجلّى فيها الحقّ
 .
ولكن قد أمرنا بالسّتر ليظهر تفاضل استعداد الصّور ، فإنّ المتجلّي في صورة بحكم استعداد تلك الصّورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ولا بدّ من ذلك .
مثل من يرى الحقّ في النّوم ولا ينكر هذا وأنّه لا شكّ الحقّ عينه فتتبعه لوازم تلك الصّورة وحقائقها الّتي تجلّى فيها في النّوم ، ثمّ بعد ذلك يعبّر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التّنزيه عقلا . فإن كان الّذي يعبّرها ذا كشف أو إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزية فقط ، بل يعطيها حقّها من التّنزيه وممّا ظهرت فيه .
 

الصرف الذي لاحظ له في التنزيه ، فلا بد للمحقق من تمكينها فيما هما عليه بإرخاء الستور واعتدال الحجب ( وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق ) بصفة العلم .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:17 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 10:06 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السادسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السادسة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة :-                                        الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالسّتر ليظهر تفاضل استعداد الصّور ، فإنّ المتجلّي في صورة بحكم استعداد تلك الصّورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ولا بدّ من ذلك .   مثل من يرى الحقّ في النّوم ولا ينكر هذا وأنّه لا شكّ الحقّ عينه فتتبعه لوازم تلك الصّورة وحقائقها الّتي تجلّى فيها في النّوم ، ثمّ بعد ذلك يعبّر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التّنزيه عقلا . فإن كان الّذي يعبّرها ذا كشف أو إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزية فقط ، بل يعطيها حقّها من التّنزيه وممّا ظهرت فيه .  فاللّه على التّحقيق عبارة لمن فهم الإشارة .)

(ولكن قد أمرنا ، أي أمرنا الشارع (بالستر فيما لا تبلغه عقول القاصرين من العلوم كما قال صلى اللّه عليه وسلم : « كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون ".أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ "" : « حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب اللّه ورسوله » ""

(ليظهر) بذلك (تفاضل استعداد) أي تهيئة (الصور) الإنسانية لقبول فيض التجلي نفسها ، فتذوق تلك الصور حلاوة الوهب الإلهي وليظهر (أن المتجلي) الحق (في صورة) إنسانية ظاهر (بحكم استعداد تلك الصورة) لما قبلته من الإدراك (فينسب إليه) ، أي إلى المتجلي الحق سبحانه (ما تعطيه حقيقتها )، أي حقيقة تلك الصورة فيكون هو تعالى الظاهر بذلك دونها وما تعطيه (لوازمها) ،

أي لوازم تلك الصورة من نسبة العلم أو الجهل أو نحو ذلك مما هو لازم حقيقة تلك الصور بحيث لا ينفك عنها ، لأنه من جملة أحوالها (لا بد من ذلك) ،

أي من بقاء حقيقة تلك الصورة ولوازمها ، لأن المتجلي الحق بها هكذا أراد أن يتجلى فلا ينبغي أن تعطيها خلاف ما يظهر منها ، وإن كانت لا تقبل منه إلا مقدار استعدادها فإن استعدادها يقبل من فيض التجلي بحسبه ، وإن كان منامك هو أيضا من فيض التجلي عليها ، ولكنها لا تشعر لوقوفها في الفرق عن شهود الجمع .

(مثل من يرى الحق) تعالى (في النوم ولا ينكر هذا) ، الذي رآه أنه الحق سبحانه (وأنه لا شك) عنده (أن الحق تعالى عينه ، أي عين ما رأى (فتتبعه) ، أي تتبع ذلك المرئي في النوم لوازم (تلك الصورة) المرئية من الكبر أو الصغر أو الحسن أو ضده ونحو ذلك (وحقائقها التي تجلى فيها في النوم) كحقيقة غلام أو رجل أو جارية أو امرأة ونحو ذلك من غير الإنسان أيضا .

(ثم بعد ذلك) ، أي بعد تحققه بصورة ما رأى في النوم وضبطه لوازمها (يعبر) ذلك الرائي في النوم أي (يجاوز عنها) ، أي عن صورة ما رأى (إلى أمر آخر) تناسبه تلك الصورة فتأول رؤياه إليه على أكمل الوجوه بحيث (يقتضي) ذلك حصول التنزيه للّه تعالى (عقلا) عن كل ما لا يليق به ، لأنه تعالى نور والنور يكشف عن كل شيء مستور ، ويرجع حسن تلك الصورة أو سوءها إلى حال الرائي وأنه منهمك في الباطل ، وقد استقصينا طرفا واسعا من رؤية اللّه تعالى في النوم في كتابنا تعطير الأنام في تعبير المنام .

(فإن كان الذي يعبرها) ، أي تلك الرؤيا (ذا كشف) ، أي بصيرة نافذة في الغيب (أو) ذا (إيمان) ، أي تصديق وإذعان من غير كشف فلا يجوز ،

أي لا يتجاوز (عنها) ، أي عن صورة ما رأى (إلى تنزيه) اللّه تعالى (فقط بل يعطيها) ، أي صورة ما رأى (حقها) ، أي حق تلك الصورة (من التنزيه للّه) تعالى وحقها أيضا مما) ، أي من أمر الصورة التي (ظهرت) تلك الصورة فيه من التشبيه للّه تعالى فينزه ويشبه ويعمل بالعقل وبمقتضاه وهو التنزيه ، وبالحس وبمقتضاه وهو التشبيه (فاللّه) ، أي هذا الاسم الجامع (على التحقيق) في المعرفة (عبارة) لفظية في اللسان ومعنوية في القلب والجنان عن المرتبة الكلية التي هي مرتبة الألوهية الجامعة للجمعية الأسمائية الإلهية العالمية المظهرية الإمكانية الانفعالية (لمن فهم الإشارة) الوضعية الإلهية على صفحات المكان والزمان .
 

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. ).

قال رضي الله عنه: (ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور ) بتجلي الحق المراد من هذا الكلام النهي عن الظهور بما تقرر من أسرار التنزيه والتشبيه والأمر بالستر ليظهر التفاضل

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن المتجلي في صورة ) إنما يتجلى ( بحكم استعداد تلك الصورة فينسب إليه ) أي المتجلي وهو الحق ( ما تعطيه حقيقتها ) أي حقيقة تلك الصورة ( و ) ينسب إليه ما تعطيه ( لوازمها ) أي لوازم تلك الحقيقة فلا يذوق هذه المسألة إلا من تجلى له الحق في صورة استعداد فينسبه ما نسبه لنفسه ويشاهده بذلك التجلي تفاضل الصور فيشبهه فينزهه.

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لا بد من ذلك ) في التجلي فلا بد لظهور استعداد الصور من التجلي مثل هذه المسألة بما وقع في المنام من الصور الإلهية حتى يعلم منه ما في اليقظة فإن اليقظة على الحقيقة منام ، قال عليه السلام : « الناس نيام » فكما قيل إنما الكون خيال ،
فقال رضي الله عنه  : ( مثل من يرى الحق في النوم ) في صورة ( ولا ينكر هذا ) كما رأى رسول اللّه عليه السلام وقال : « رأيت ربي في أحسن صورة شاب » ( وأنه لا شك الحق عينه ) أي ولا ينكر أن الحق عين ذلك المرئي بلا شك ( فيتبعه ( أي الحق ( لوازم تلك الصورة وحقائقها )

قوله رضي الله عنه : ( التي تجلى فيها في النوم ) صفة للصورة ( ثم بعد ذلك يعبر ) ذلك الرائي ( أي يجاز عنها ) أي عن الصورة التي رأى فيها الحق ( إلى أمر آخر يقتضي ) ذلك الأمر ( التنزيه عقلا فإن كان الذي يعبرها ذا كشف أو ) ذا ( إيمان فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط بل يعطيها حقها ) أي بل ذلك الرائي يعطي حق تلك الصورة المرئية ( من التنزيه ومما ظهرت ) تلك الصورة ( فيه ) الضمير راجع إلى ما ،

فكان لهذه الصورة حقان حق التنزيه وحق التشبيه مما يلزمها في المنام فالعابر المذكور يعطي لها حقها في التنزيه بأن يقول الحق منزه عن الصورة بحسب ذاته ويعطي حقها من التشبيه بأن يقول هذه صورة من الصور التي يظهر فيها الحق هكذا أهل الكشف والشهود يرى الحق في كل صورة وفي كل كلام ينزه ويشبه يعني يرى .
من وجه ولم ير من وجه فجمع الرؤية وعدمها في صورة واحدة في زمان واحد ( فاللّه ) يعني فإذا علمت ما ذكرته فاعلم فلفظة اللّه في قوله تعالى رُسُلُ اللَّهِ اللّه أعلم

 ( على التحقيق عبارة ) عن ذات الحق من حيث ظهوره بالألوهية وما يظهر ألوهيته تعالى إلا في صورة مألوهاته فكما يظهر في صور مصنوعاته يظهر في كلامه ، لذلك وجه بالخبرية والابتدائية إعطاء الحق التشبيه والتنزيه في الكلام أيضا أو معناه فاللّه على التحقيق عبارة أي نسبة وإضافة في التحقيق لا وجود له في الخارج ثم جعل علما لذات الواجب الوجود من حيث اتصافه بالألوهية بالنسبة إلى مألوهاته فجعله خبرا بناء على هذا الأصل بلا اعتبار كونه علما للذات فإن اعتبار الذات مانع للخبرية ولا اعتبار هذا التحقيق .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( لمن فهم الإشارة ) أي إشارة كلامه القديم فإن أهل الإشارة يفهم من وجه لفظة اللّه هذا المعنى في هذا المقام وإن تركه أهل الشرع أو معناه أن يقول فاللّه على التحقيق عبارة أي يعبر عنه القارئ بهذين الوجهين إلى التنزيه ،

والتشبيه كما يعبر عن مسماه في المقام إليهما فإن قيل إن اللّه علم لذات الواجب الوجود فمن أطلق على غيره فقد كفر وأشرك باللّه تعالى فكيف وجه هذا الكامل وجه الخبرية قلنا إن معنى التنزيه والتشبيه عندهم عين معنى النفي والإثبات في كلمة التوحيد عند أهل الشرع ألا ترى كيف يعم النفي بحسب المفهوم وجود الواجب والممكن في كلمة التوحيد لذلك لو توقف القائل في النفي زمانا بلا عذر يكفر فوجب بالشرع ذلك النفي المحال على اللّه تعالى بمقارنة الإثبات بمعنى لولا الإثبات لاستحال على اللّه ذلك النفي فلا وجود لهذا النفي في الشرع ولا في نفس الأمر إلا بإثبات لذلك تسمى كلمة لا كلاما

وإن كان تفيد فائدة الكلام إذ الكلام يقتضي وجود الأجزاء قبل التأليف في كلمة عزيزة مركبة من النفي والإثبات فنفيه إشارة إلى تنزيه الحق وإثباته إشارة إلى تشبيه الحق وصورته المخصوصة إشارة إلى أن ذاته تعالى جامعة محيطة بكل ما يدخل تحت العدم المطلق والوجود المطلق ، فكما لا يخلو النفي عن الإثبات ولا الإثبات عن النفي في كلمة التوحيد كذلك لا يخلو التنزيه عن التشبيه ولا التشبيه عن التنزيه كما مر ،
فكما يكفر قائل النفي بدون الإثبات كذلك يكفر المشبه بدون التنزيه وبالعكس
أي يستر بعض أحكام اللّه التي جاءت بها الشرائع فظهر أنه إنما يلزم ذلك لو لم يقارن ذلك الإطلاق التشبيهي إلى التنزيه فهو بعينه مع التنزيه النفي مع الإثبات

فأطلق فنزه في زمان واحد فلا ينفك الوجه الخبري عن الوجه الابتدائي ولا الابتدائية عن الخبري في مشاهدة أهل الذوق فما أطلق فقط بدون النفي حتى يكفر
بل أطلق فنفى في زمان واحد بلا فصل بينهما بشيء فيهما كلمة واحدة لا عين لها في الخارج كما أن كلمة التوحيد لا عين لها في الخارج إذ ما في الخارج شيء مركب من النفي والإثبات يصدق عليه هي بل ما في الخارج إلا ذات واحدة مستجمعة بجميع الصفات

مع أن هذا الوجه أي الوجه الخبري في اللّه مختص بالرسل عندهم لا يتناول إلى غيرهم من الأعيان لكون الحق سمعهم وبصرهم وجميع قواهم من أجل تحصيلهم بالنوافل المحبة الإلهية فلم يكن الحق قوي لمن لم يحصل له هذا الكمال
فصدق اللّه على الرسل إلى التنزيه مقدار صدق النفي عليه إلى الإثبات بل هو أقصر منه صدقا لطول النفي باللسان منه وليس هذا أعقل من ذلك فجمع بين التنزيه والتشبيه أهل الحقيقة والشهود في قولهم هو لا هو كما جمع في كلمة التوحيد بين النفي والإثبات ،

فجمع الشهود بينهما أسرع من جمع اللسان لأن جمع التنزيه والتشبيه يرجع إلى العقل والوهم فالعقل ينزه الحق عما يثبت له الوهم والوهم يثبت للحق عما ينزهه عنه والشهود يجمع بينهما بلا تخلل آن والشيخ قدس سره وجه بالخبرية أعلاما للمحجوبين بهذا المعنى وهو من لطائف كلام رب العزة وأسراره لا يطلعه إلا أهل الإشارة بهذا التوفيق وبهذا ظهر تقدم أهل الكشف والذوق في رتب العلم عند أهل الانصاف .
ولما فرغ عن بيان حقيقة التنزيه والتشبيه وما يلزمهما من الأحكام شرع فيما هو المقصود من هذا الفص ،


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )

قال رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.  فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )

قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )
قال رضي الله عنه :  (ولكن قد أمرنا بالستر ) .

يعني رضي الله عنه  : لهم وعنهم وفي نظرهم وبموجب زعمهم ، ( ليظهر تفاضل استعداد الصور ، وإنّ المتجلَّي في صورة هو بحكم استعداد تلك الصورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ، لا بدّ من ذلك )
 حتى ينسب إلى المتجلَّي ما ينسب إلى تلك الصورة من الحجاب ، والكشف ، والتجلَّي والستر ، والعرفان والمنكر 

قال رضي الله عنه  : ( مثل من يرى الحق في النوم ، ولا شكّ هذا ، وأنّه لا شكّ الحقّ عينه ، فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلَّى فيها في النوم ، ثم بعد ذلك يعبر - أي يجاز - عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا ، فإن كان الذي يعبرها ذا كشف أو إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط ، بل يعطيها حقها من التنزيه ، وممّا ظهرت فيه ) . يعني : من التشبيه

قال رضي الله عنه :  ( فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة)
يشير رضي الله عنه  إلى ما ذكر أوّلا عن سعة سلطان الوهم ، والوهم قوّة ، لها مدخل في التخيّلات ، وتحكَّم أيضا في المعقولات والمحسوسات ، من شأنها أن تركَّب أقيسة كلَّية من الموادّ الجزئية ، وتحكم بالشاهد على الغائب.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )

قال رضي الله عنه :  (ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور ، وإن المتجلى في صورة بحكم استعداد تلك الصورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها لا بد من ذلك )
ولكن قد أمرنا بالستر عنهم وأن نكلمهم على حسب نظرهم واعتقادهم بموجب زعمهم ، كما قيل : كلموا الناس على قدر عقولهم ، فإن الله تعالى قال : " وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِه " وما أمكنهم فهمه.
أي فينسب إلى المتجلى ما تعطيه حقيقة تلك الصورة التي هي المجلى ولوازمها من الحجاب والكشف والتجلي والسر والعرفان والذكر ( مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا ، وإنه لا شك الحق عينه ) وأنه هو الحق عينه بلا شك .

قال رضي الله عنه :  ( فيتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم ، ثم بعد ذلك يعبر أي يجتاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا ، فإن كان الذي يعبرها ذا كشف وإيمان فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط بل يعطيها حقها من التنزيه ، ومما ظهرت فيه أي من التشبيه فاللَّه على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة ) .

"" أضاف بالي زادة :
( ولوازمها ) أي لوازم تلك الحقيقة فلا يذوق هذه المسألة إلا من تجلى له الحق في صورة استعداده فينميه ما نسبه لنفسه ، ويشاهده بذلك التجلي تفاضل الصور فيشبهه وينزهه ولا بد من ذلك في التجلي ، فلا بد لظهور استعداد الصور من التجلي مثل هذه المسألة بما وقع في المنام من الصور الإلهية حتى يعلم منه ما في اليقظة فإنها على الحقيقة قال عليه الصلاة والسلام « الناس نيام » وكما قيل : إنما الكون خيال .اهـ بالى  زادة. ""

يعنى أن الأمر بالستر إنما ورد سلطان الوهم على هذه النشأة فلا بد من الستر ليظهر تفاضل الاستعداد .
واعلم أن الوهم قوة تحكم في المتخيلات وتدرك المعاني الجزئية في المحسوسات ، وأحكامها في المعاني الجزئية التي تدركها من المحسوسات والمتخيلات أكثرها صحيحة ، وقد يحكم أيضا في المعقولات والمعاني الكلية بأحكام كلها فاسدة إلى ما شاء الله ، والتميز بين صحيحها وفاسدها لا يتيسر إلا لمن أخلصه الله بنور الهداية الحقانية ، وو فقه لإدراك الحق والصواب ، وأيد عقله بتأييد روح القدس ،

 

ومن شأن هذه القوة أن تركت أقيسة استقرائية أو تمثيلية من المواد الجزئية فتحكم من الجزئي على الكلى ، وتجعل الحكم بالقياس كليا والمقيس عليه جزئي ، وتحكم بالشاهد على الغائب والاستيلاء به على العقل يفسد أكثر أحكام العقل إلا ما صار لبا ،
والمقال الذي يتفاضل الاستعداد به ، هو أن الله قد يتجلى في صورة إنسانية مثلا في النوم فالمؤمن العاقل يؤمن بذلك ويتوهم أنه مطرد في جميع صور التجلي حتى أنه يظن أنه تعالى كما تجلى في هذه الصورة ، وأنه إذا تجلى تجلى في صورة إنسانية ، أو أن الصورة الإنسانية صورته مطلقا ، والمنزه ينزه الحق عن الصورة بالدليل العقلي ،


ويحكم الوهم أن التجرد عن الصورة له ذاتي فلا يعطيه الفكر إلا ذلك ، فيعبر عنها إلى ما يقتضيه التنزيه العقلي ، فحصره فيما لا صورة له ، وحدده وشبهه بالعقول والمجردات ،
ويتوهم أنه قد نزهه غاية التنزيه وهو في عين التشبيه ،
وأما صاحب الكشف فلا يعبر عنها إلى التنزيه المحض ، بل يعطيها حقها من التنزيه بأن لا يقيد الحق بصورة ، ولا يعطله عن جميع الصور ولا يجرده ويعطيها أيضا حقها مما ظهرت فيه من التشبيه بأن يضيف إليه في تلك الصورة أحكام تلك الصورة ولا يقيده بها ،

ويعلم أنه كلما شاء ظهر في أي صورة شاء فيضاف إليه ما يضاف إلى تلك الصورة وإن شاء لم يظهر في صورة أصلا ، وهو في كل موطن ومقام وظهور وبطون منزه عن ذلك كله غير مقيد بتجرد ولا لا تجرد ولا بإطلاق ولا لا إطلاق ،
فاللَّه عند التحقيق لفظ وعبارة فهم منه كل أحد ما بلغه من معرفته للحق بحسب استعداده ، ولمن فهم إشارة الحق وأهله عن الحق الصريح .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )

قال رضي الله عنه :  (ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وإن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها لا بد من ذلك.)

أي ، أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعدادات الأعيان في المظاهر ، فإن التجلي لا يقع على عين من الأعيان إلا بحسب استعداد تلك العين ، فيعلم الفاضل من المفضول ، ويتميز المراتب ( فينسب إليه ) أي ، إلى الحق المتجلي ، ما تعطيه حقيقة العين التي هي المجلى .
( ولوازمها ) أي ، حقيقة أعراضها الذاتية من اللوازم الحاصلة فيها عند المتجلي ، كما مر مرارا من أن المرايا لها أحكام لا تظهر إلا عند التجلي من الصغر والكبر والاستطالة والاستدارة ، وأمثالها .
( مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا . ) أي ، رؤية الحق في النوم كما لا ينكر رؤيته في الآخرة ( وأنه لا شك الحق عينه ) أي ، وأن المرئي هو الحق عينه بلا شك .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فيتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم . ثم ، بعد ذلك يعبر أي يجازعنها إلى أمر آخر يقتضى التنزيه عقلا . فإن كان الذي يعبرها ذا كشف أو إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط ، بل يعطيها حقها من التنزيه ومما ظهرت فيه.) أي ، الهوية الإلهية فيه .

لما ذكر أن المتجلي إنما يتجلى بحسب استعداد المتجلى له ، وجعل منسوبا إليه ما تعطيه حقيقة المتجلى له من الصور ولوازمها ، ذكر له مثالا :
وهو أن الإنسان يرى الحق في نومه على صورة من الصور ، ولا شك أن الحق هو المتجلي في تلك الصورة لروح النائم ، فلوازم تلك الصورة من الشكل والوضع واللون كلها تلحق الحق بتبعية الصورة وهذا عين التشبيه .
ثم ، المعبر إن كان من أصحاب النظر والعقل ، يعبر عنها ويقول ، إن الحق منزه عن الصورة . فالمراد بهذه الصورة كذا وكذا ، من المعاني المناسبة للتنزيه المجردة عن الصورة .
ويلزمه التحديد بل التشبيه بما لا صورة له ، كالعقول والمعاني المجردة .

وهو لا يشعر يدرك المعاني الجزئية في المحسوسات وأحكامه في المعاني الجزئية أكثرها صحيحة ، ويحكم في المعقولات والمعاني الكلية بأحكام كلها فاسدة إلا ما شاء الله ، غير مناسب لما ذكره الشيخ  ) رضي الله عنه .

لأنه ذكر أن الوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الإنسانية وبه جاءت الشرائع المنزلة ، فهو في صدد تصويب أحكام الوهم ، تخطئته.
(فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة.) لما نقل كلامه ، رضي الله عنه ، إلى قوله تعالى رسل الله : الله أعلم حيث يجعل رسالاته ، وذكر أن لها وجها إلى الخبرية ووجها إلى الابتدائية ، وبين التنزيه والتشبيه في المثال، قال منتجا عما ذكره :
( فالله على التحقيق عبارة ) أي ، فلفظ ( الله ) في ( الله أعلم ) في الحقيقة عبارة عن حقيقة ظهرت في صور الرسل لمن فهم ما أشرنا إليه من جعلنا ( الله ) خبرا (الرسل) .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:18 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 12 فبراير 2020 - 10:17 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السادسة الجزء الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السادسة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة :-                                        الجزء الثانية

خصوص النعم في شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )

قال رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالسّتر ليظهر تفاضل استعداد الصّور ، فإنّ المتجلّي في صورة بحكم استعداد تلك الصّورة ، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ولا بدّ من ذلك ، مثل من يرى الحقّ في النّوم ولا ينكر هذا ، وأنّه لا شكّ الحقّ عينه فتتبعه لوازم تلك الصّورة وحقائقها الّتي تجلّى فيها في النّوم ، ثمّ بعد ذلك يعبّر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التّنزيه عقلا ، فإن كان الّذي يعبّرها ذا كشف أو إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزية فقط ، بل يعطيها حقّها من التّنزيه وممّا ظهرت فيه ، فاللّه على التّحقيق عبارة لمن فهم الإشارة ) .
، ( ولكن قد أمرنا بالستر ) أي : بستر ظهور الحق على بعض صوره دون البعض بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « ما أحد يحدث قوما بحديث لا يبلغه قولهم إلا كان فتنة على البعض » . أورده ابن القيم في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح وابن كثير في التفسير وذكره العجلوني.
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم » .
ذكره المناوي في فيض القدير وابي نعيم في الحلية والعجلوني في كشف الخفاء . وعزاه الحافظ ابن حجر العسقلاني لمسند الحسن بن سفيان من حديث ابن عباس بلفظ "أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم".

وقول علي رضي اللّه عنه : " إن هاهنا لعلوم جمة ، وأشار إلى صدره لو وجدت لها حملة " .
وقول العارفين : إفشاء سر الربوبية كفر .

قال رضي الله عنه :  ( ليظهر تفاضل استعداد الصور ) بقبول ما يرد عليها من المعارف الإلهية ، فالكامل يعرف تنزيهه في ذاته ، وظهوره في الموجودات كلها ، والقاصر يقتصر على التنزيه تارة ، وهو المؤمن ، وعلى التشبيه تارة وهو الكافر ، ومنهم من يجمع بينهما لكن بحصر ظهوره ببعض المظاهر ، وهو أيضا كافر لا، لاعتقاد ظهوره فيها ، بل لجعله في حكم في استحقاق العبادة أو لا يحصر ،
ولكن ينكر المظاهر الكاملة كالأنبياء ، والملائكة ، والكتب الإلهية ، وتري القاصرة مظاهر كاملة ، فيكفر أيضا لرؤيته القصور عن الكمال الإلهي ، وكل هؤلاء وإن كانوا مظاهر الحق فلا تفاوت ظهور الحق فيها ، يظهر في بعضها بالعلم الكامل ، وفي بعضها لم يظهر .
كذلك ( فإن المتجلي في صورة ) يكون ( بحكم استعداد تلك الصورة ) ، والاستعدادات متفاوتة ، فيتفاوت حكم المتجلي فيها ،

وإن كان كاملا في ذاته ، ( فينسب إليه ) أي : إلى المتجلي ( ما تعطيه حقيقتها ) من نحو الملائكية ، والإنسانية ، والحيوانية ، والجمادية ، ( ولوازمها ) من العلم والجهل وسائر العوارض مع التفاوت الذي فيها ، مثل نسبتنا إليها هذه الحقائق واللوازم عند ظهورها في صور الأشياء بنسبة المعبرين كلهم من القدماء والمتأخرين إياها إليها عند رؤيتها في المنام بصورها ( مثل من يرى الحق في المنام ) بصورة تشبيهية ، ( ولا ينكر هذا ) لكونه مأثورا من السلف مع أن الشيء لما جاز أن يرى في المنام على خلاف صورته ، فرؤية من لا صورة له في ذاته مقصور بصورة في المنام لا تزيد على ذلك .

قال رضي الله عنه :  ( وإنه ) أي : المرئي ( لا شكّ الحق عينه ) ، إذ رؤي على أنه الحق ، وقد وعظ ، ونصح ، وفعل خلاف ما يفعله الشيطان ، ولم يوجب اعتقاد كون الحق على تلك الصورة في نفسه ، ( فيتبعه ) أي : الحق المرئي في تلك الصورة عند المعبر معان هي ( لوازم ) تلك الصورة وحقائقها ، وإن كانت ( تلك الصورة ) هي ( التي تجلى الحق فيها في النوم ) "في نسخة : المنام "
، وليس للحق في نفسه تلك اللوازم والحقائق ، فالمعبر بنسبها إليه من حيث تجليه في تلك الصورة التي لها تلك الحقائق واللوازم سواء كان منزها أو مشبها أو جامعا بينهما .

( ثم بعد ذلك ) أي : بعد نسبة تلك الحقائق واللوازم إلى الحق ، ( يعبر أي يجاوز عنها ) أي : تلك اللوازم والحقائق ( إلى أمر آخر ) يناسبها ، لكنه يكون مما ( يقتضي التنزيه عقلا ) ، واحترز به عن تنزيه الكمّل ، وهو التنزيه عن عدم الجمع بين التنزيه والتشبيه ، هذا إذا كان المعبر من أهل النظر أو مقلدا لهم ، ( فإن كان الذي يعبرها ذا كشف أو ) لم يكن ذا كشف ، ولكن كان ذا ( إيمان ) بطريق الكشف ،

قال رضي الله عنه :  (فلا يجوز) أي : لا يتجاوز ( عنها ) ، أي : عين تلك اللوازم والحقائق إلى صرف التنزيه ، ( بل يعطيها ) أي : الذات الإلهية (حقها من التنزيه) بأن يقول : إنها ظهرت في هذه الصورة ، وليست صورتها في الواقع ، (ومما ظهرت فيه) من التشبيه وقع بينهما ، فأنبه على أن (التحقيق عبارة) عن المعبر عنه والمعبر إليه ، بل عن كل شيء باعتبار استقراره في مقر غيره تارة ، وباعتبار ظهوره في المظاهر أخرى ،(لمن فهم الإشارة) إلى الجمع بين التنزيه والتشبيه فيه .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )
ولكن أمرنا بالستر ) وأن لا يظهر للناس إلا ما هو على قدر عقولهم وطبق عقائدهم ، وذلك ( ليظهر تفاضل استعداد الصور ) ويتمّ به أمر ظهور تفاصيل أحكام الأسماء بجزئيّاتها على ما هو مبتغى ألسنة استعداداتهم .


التجلي بحكم استعداد محله
( و ) يظهر ( أن المتجلَّي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة ، فينسب ) المتجلَّى له ، أو على صيغة المجهول وهو أظهر وفي بعض النسخ أيضا : " فإنّ المتجلي " ، وذلك غير بعيد عن الصواب .
( إليه ) أي إلى المتجلَّي ( ما تعطيه ) تلك الصورة ( حقيقتها ولوازمها ) أي ينسب المجلى إلى المتجلَّي ما يعطيه عين ذلك المجلى من التنزيه والتشبيه ولوازمه - من الظهور والستر والمعرفة والنكر كذا وغير ذلك - كل ذلك تحقيقا لقضيّة الظهور والإظهار ، وتفصيل أحكام الجزئيّات وإعطاء حكم الكثرة حقّها .


رؤية الحقّ في النوم والاختلاف في تعبيره
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولا بدّ من ذلك ، مثل من يرى الحقّ في النوم ، ولا ينكر هذا ) لسعة عالم المثال ، وظهور كل ما يمكن أن يتخيّل فيه عند كلّ أحد ( وأنّه لا شك الحقّ عينه ) ، فإنّه عين سائر المراتب من الحضرات والعوالم ، ( فيتبعه ) الحقّ ( لوازم تلك الصورة ) ، أي أعراضها الخارجة عن ذاتها - كالوضع والمقدار واللون المعيّن مما يلزم تلك الصورة - ( وحقائقها ) أي ذاتيّاتها التي يتقوّم بها الصورة ( التي تجلَّى فيها ) الحقّ ( في النوم ثمّ بعد ذلك ) عند الانتباه في النشأة الجمعيّة وانقهار حكم الخيال والمثال ( يعبر ) أصله من العبر ، وهو تجاوز من حال إلى حال ، ومنه اشتق عبرة العين والعبارة ، وإليه أشار بقوله :

قال الشيخ رضي الله عنه :  (أي يجاوز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه ) عقلا ، إن كان المعبّر من أرباب العقول والأنظار ، ( فإن كان الذي يعبرها ذا كشف أو إيمان فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط ) فإنّ أحدهما صاحب القلب .
والآخر من ألقى إليه السمع وهو شهيد وهما إنما يحكمان بالتنزيه الذي في التشبيه - لا بالذي يقابله ، وهو المعبّر عنه بـ « فقط » - ( بل يعطيها حقا من التنزيه ومما ظهرت فيه ) من الأوصاف التي هي مبدأ التشبيه إذ قد عرفت أنّ الحقّ عين هذه الصورة المثاليّة في عالمها .


التعبير والعبارة
وأما في عالم اليقظة والانتباه الذي هو موطن التحقيق ، فهو العبارة التي يعبّر بها عن تلك الصورة ، وإليه أشار بقوله : ( فاللَّه على التحقيق عبارة ) يعبّر بها سائر الصور التي رأى بها الراؤون في مداركهم .
فإنّ الوجود الكلامي هو الذي تفرّد به الحقّ من العين الموجود ، واختصّ به من بين الصور الخارجيّة تحقيقا ، على ما نطقت به الشرايع وجاءت به الرسل وإلَّا فسائر الأطوار من الوجود وجميع المراتب الاستيداعيّة منها والاستقراريّة للحقّ فيها جهة وللعالم فيها أخرى ، كما سيحقّق أمره آنفا .
ثمّ إنّ العبارة التي قد اختصّت بالحقّ لها صورة ظاهرة ، وهي الحروف التي هي مختزن الحقائق الإلهيّة ، كما نبّهت على بعض ما اشتمل عليه الحروف « الله » ، ولها معنى خفيّ ، وهو العبور عمّا يدرك ، ويحيط به المدارك كما نبّه عليه في تعبير الرؤيا ، وإليه أشار بقوله : ( لمن فهم الإشارة ) ، فإنّ الإشارة هي المعنى الخفيّ . المؤثر هو الله تعالى ، والمؤثر فيه العالم


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه. فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. )

( ولكن قد أمرنا بالستر ) ، وألا يظهر للناس إلا ما هو على قدر عقولهم وإنما أمرنا بالستر ( ليظهر تفاضل استعداد الصور ) في إظهار أحكام المتجلي فيها وإعطائها لوازمها له من غير تصرف أمر خارج عنها ( فيها )

وليظهر ( أن المتجلي في صورة إنما يكون بحكم استعداد تلك الصورة فنسبت ) على البناء للفاعل ، أي ينسب استعداد تلك الصورة أو على البناء للمفعول ، أي ينسب ( إليه ) ،
أي إلى المتجلي ( ما يعطيه ) الضمير المنصوب إما عائد إلى التجلي أو إلى ما الموصولة ،

( حقيقتها ) ، أي حقيقة تلك الصورة ( ولوازمها لا بد من ذلك مثل من يرى الحق في النوم ولا يذكر هذا وإنه ) بكسر الهمزة عطفا على جملة لا ينكر أو بفتحها عطفا على هذا ، أي وأنه أي المرئي في النوم ( لا شك الحق عينه ) فالحق عينه خبر إن ولا شك معترضة بين اسمه وخبره ( فتتبعه لوازم تلك الصورة ) ، أي أعراضها الخارجة عن ذاتها كالوضع والمقدار واللون ( وحقائقها ) ، أي ذاتياتها المقومة لها ( التي تجلى ) الحق ( فيها في النوم ) الموصول إما صفة للصورة وللوازمها وحقائقها ( ثم بعد ذلك ) ،

أي عند التيقظ والانتباه ( يعبر ) ، أي يجاز ( عنها ) ، أي عن تلك الصورة ( إلى أمر آخر يقتضي التنزيه ) عن الصورة وأحكامها ( عقلا ) ، أي من حيث العقل ، فإن العقل من حيث هو لا يحكم إلا بتنزيهه عن الصور وأحكامها ( فإن كان الذي يعبرها ذا كشف ) وعيان ممن له قلب ( أو إيمان ) وتقليد ممن أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ] .

( فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط بل يعطيها حقها في التنزيه ) ، بأن تقول هذه الصورة باعتبار ما هي صورة له منزه عن الصورة الحسية والمثالية والعقلية كلها .

( ومما ظهرت فيه ) ، أي ويعطى حقها من الصفات التشبيهية التي ظهرت فيه ، أي في الحق سبحانه من جهة ظهوره في هذه الصورة بأن يقول الحق سبحانه ،
وإن كان بحسب ذاته منزها عن هذه الصورة وأحكامها لكن بحسب ظهوره في هذه الصورة عينها ، وأحكامها أحكامه فلا ينفيها عنه مطلقا وإذ قد عرفت أن اللّه فياللَّهُ أَعْلَمُذو وجهين ناظر أحدهما إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه ، واتضح عندك سر التنزيه والتشبيه بمثاله أورد هناك


قال رضي الله عنه :  ( فاللّه على التّحقيق عبارة لمن فهم الإشارة) .
 ( فاللّه ) المشير أحد وجهيه إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه واتضح معناهما غاية الاتضاح بواسطة المثال المذكور فهو وضوح الدلالة عليهما ( على التحقيق عبارة ) ، أي كالعبارة لا إشارة ، لأنه لا خفاء به لكن كونه في وضوح المعنى كالعبارة إنما هو
 ( لمن فهم الإشارة ) ، لا للمتحمد على العبارة خصوصا على الوجه الذي حملنا كلامه رضي اللّه عنه عليه ، فإن فيه إشارة إلى إشارة ولا يبعد أن يجعل ذلك قرينة عليه ،

ولما انجر كلامه رضي اللّه عنه إلى أن استعدادات الصور متفاضلة في إظهار أحكام الحق المتجلي فيها ، أو أنها تعطى الحق وتنسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها ، وهذا نوع تأثير من الصورة في الحق المتجلي فيها أراد أن يبين المؤثر في الحقيقة ما هو والمؤثر فيه ما هو

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:19 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 4:58 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السابعة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السابعة :-                                        الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.  والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).
 
قال رضي الله عنه :  (وروح هذه الحكمة وفصّها أنّ الأمر ينقسم إلى مؤثّر وموثّر فيه وهما عبارتان : فالمؤثّر بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو اللّه ، والمؤثّر فيه بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو العالم .   فإذا ورد أي الوارد الإلهيّ فألحق كلّ شيء بأصله الّذي يناسبه ، فإنّ الوارد أبدا لا بدّ أن يكون فرعا عن أصل . كما كانت المحبّة الإلهيّة عن النّوافل من العبد . فهذا أثر بين مؤثّر ومؤثّر فيه كان الحقّ سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبّة . فهذا أثر مقرّر لا تقدر على إنكاره لثبوته إن كنت مؤمنا . )
 
(وروح) ، أي سر (هذه الحكمة) الإلياسية (وفصها) ، أي موضع نقش خاتمها يعني زبدتها وخلاصتها (أن الأمر) الإلهي الواحد باعتبار ظهور الخلق عنه (ينقسم إلى مؤثر) بصيغة اسم الفاعل ومؤثر بصيغة اسم المفعول (فيه وهما) ،
أي هذان القسمان (عبارتان) لفظيتان ومعنويتان (فالمؤثر) وهو القسم الأوّل (بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو اللّه والمؤثر فيه) وهو القسم الثاني (بكل وجه) من وجوهه (وعلى كل حال من أحواله (وفي كل حضرة) من حضراته (هو العالم) بفتح اللام ، أي المخلوقات كلها
(فإذا ورد) عليك يا أيها السالك (ذلك الأمر الإلهي) المنقسم إلى ما ذكر (فألحق) ذلك الأمر عندك (كل شيء) ظهر منه (بأصله) ، أي جعله ملحقا بأصله الذي يناسبه منه كالحياة إذا نشأت في شيء كانت من الأمر المحيي ، والموت من الأمر المميت ، والعز من المعز ، والذل من المذل ، وهكذا .
(فإن) الأمر (الوارد) عليك (أبدا) ، أي دائما في الدنيا والبرزخ والآخرة (لا بد أن يكون) ذلك الوارد ، أي يظهر عندك (فرعا) ناشئا (عن أصل) له غير ذلك لا يكون (كانت) جواب إذا أي وجدت (المحبة الإلهية) ظاهرة (عن) سبب التقرب إليه تعالى بأعمال النوافل من العبد المؤمن كما ورد في الحديث : « لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به » إلى آخره ،
فهذا ، أي العبد أثر ظاهر من مؤثر فيه هو الحق تعالى وقد كان الحق تعالى حينئذ سمع العبد وبصره وقواه جميعها كما هو في الحديث المذكور ظاهرا ذلك عن هذه المحبة الإلهية للعبد فهذا ، أي كون الحق تعالى سمعا وبصرا وغير ذلك أثر ، أي مضمون حديث مقرر ، أي وارد عن النبي عليه السلام لا تقدر أنت يا أيها الإنسان على إنكاره لثبوته شرعا ، أي صحة سنده إن كنت مؤمنا بكلام النبوّة .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.  والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).
 
فقال رضي الله عنه  : ( روح هذه الحكمة وفصها ) أشار به إلى أن للفص فصا وهو روح ذلك الفص ( إن الأمر ينقسم إلى مؤثر ) وهو إيجاد الأثر في غيره ( و ) إلى ( مؤثر فيه ) وهو قبول الأثر عن غيره ) وهما عبارتان ) متقابلتان لا يصدق إحداهما على ما يصدق عليه الأخرى كتقابل العلة والمعلول وإن كان كل واحد منهما مظهرا بحقيقة واحدة ( فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو اللّه تعالى والمؤثر فيه بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو العالم ) فالأثر هو الإضافة الحاصلة بينهما فكان الحق أصلا للبعض المناسب له والعالم أصلا للبعض المناسب له.
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا ورد ) عليك الوارد وهو ظهور الحق في النوم في صورة مثالية أو في صورة حسية شهادية ، أو الوارد الأثر مطلقا ( فالحق ) أنت ( كل شيء ) من الوارد ( بأصله الذي يناسبه ) فإن الكمالات الإلهية كالوجود والعلم والقدرة والحياة وغير ذلك آثار فيك لاحقة إلى أصلها الذي مناسبه وهو الحق تعالى قال اللّه تعالى :ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ[ النساء : 79 ] .
والنقائص الامكانية كالاحتياج وغيره وهو الأثر الحاصل فيك من اللّه فالحق إلى أصله الذي يناسب ذلك الاحتياج به وهو أنت فلا يكون الحق أصلا له وإنما الحق الوارد بأصله المناسب له
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن الوارد أبدا ) لكونه أثرا ( لا بد أن يكون فرعا عن أصل كذلك كانت المحبة الإلهية فرعا عن النوافل من العبد فهذا ) أي المحبة الإلهية أو الحب عن النوافل ( أثر ) حاصل ( بين مؤثر ) وهو الحق ( ومؤثر فيه ) وهو العبد العامل بالنوافل فالمحبة الإلهية على التحقيق هي صورة ظهور ذلك العبد بالنوافل فالحق إلى أصله ( كان الحق سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبة الإلهية فهذا ) أي كون الحق قوى العبد ( أثر ) حاصل بين المؤثر وهو الحق والمؤثر فيه وهو العبد المحب فكون الحق قوى العبد على التحقيق هي صورة ظهور المحبة الإلهية ، وهو أثر حاصل من العبد العامل بالنوافل فألحقه إلى أصله ( مقرر لا تقدر ) أنت ( على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا ) بالشرع .
 
ولما أتم انقسام الأمر إلى المؤثر والمؤثر فيه وأحوالهما رجع إلى تفصيل ما أجمله في رؤية الحق في المنام فقال:


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.  والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).
 
قال رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله. والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.  فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد. فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.  والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).
قال رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة وفصّها أنّ الأمر ينقسم إلى مؤثّر ومؤثّر فيه وهما عبارتان ، فالمؤثّر بكل وجه ، وعلى كل حال ، وفي كلّ حضرة هو الله ، والمؤثّر فيه بكل وجه ، وعلى كل حال ، وفي كل حضرة هو العالم ، فإذا ورد وارد الحقّ فألحق كلّ شيء بأصله الذي يناسبه ، فإنّ الوارد أبدا لا بدّ أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبّة الإلهية عن النوافل من العبد ، فهذا أثر بين مؤثّر ومؤثر فيه وكما  كان الحق سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبة ، فهذا أثر مقرّر لا تقدر على إنكاره ، لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.)
 
يشير رضي الله عنه  إلى ما ذكر أوّلا عن سعة سلطان الوهم ، والوهم قوّة ، لها
مدخل في التخيّلات ، وتحكَّم أيضا في المعقولات والمحسوسات ، من شأنها أن تركَّب أقيسة كلَّية من الموادّ الجزئية ، وتحكم بالشاهد على الغائب ، وتجري الحكم كلَّيا والمقيس عليه جزئي والمقيس كلي ، ويعبّر في العرف النظري عن هذا القياس بالتمثيل ،
 
والمثال فيما نحن بصدده : أنّ الحق - مثلا - تجلَّى في صورة إنسانية نوما ، فالمؤمن العاقل يؤمن بذلك ، ويتوهّم أنّه مطَّرد في جميع صور التجلَّي ، أو أنّه كلَّما يتجلَّى يتجلَّى في الصورة الإنسانية ، أو أنّ الصورة الإنسانية صورته في كلّ تجلّ .
 
والمنزّه ينزّه الحق عن الصورة في الدليل العقلي ويحكم بالوهم :
أنّ ذلك له تعالى ذاتي ، وذلك تعيّن له في مرتبة الفكر ، لا في الكشف ولا في التجلَّي ولا كلَّما شاء ، فإنّه تعالى إن شاء ظهر في كل صورة ، فأضيف إليه ما يضاف إلى تلك الصورة ، وإن لم يشأ ، لا يضاف إليه صورة أصلا ، فلا يحكم عليه أنّه في كل موطن ومقام منزّه كذلك ، وهو وهم من المنزّه ، لأنّ تنزيهه عن الصورة حصوله فيما لا صورة له ، وحدّه به ، وهو تعالى غير محدود .
وتشبيه له تعالى بالعقول والمجرّدات عن الصور في زعم من يقول بذلك ، وهو قد يتوهّم أنّه قد نزّه وهو في عين التشبيه ، فلا يخلو عاقل ، كما ذكر رضي الله عنه عن الوهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.  والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).
 
قال رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة وفصلها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه وهما عبارتان) وإلا فالمؤثر والمؤثر فيه واحد لا شيء غيره .
 
قال رضي الله عنه :  ( فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو الله ، والمؤثر فيه بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو العالم ، فإذا ورد ) أي وارد الحق والضمير للأمر المنقسم المذكور وهو الوارد
( فالحق كل شيء بأصله الذي يناسب ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كانت المحبة الإلهية فرعا عن النوافل من العبد ، فهذا أثر بين مؤثر والمؤثر فيه )
أي الأحباب أثر من الحق في قوله : أحببته وكون الحق سمع العبد وبصره أثر مقرر وفي العبد مؤثر فيه
 
قال رضي الله عنه :  ( كان الحق سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبة ، فهذا أثر مقرر لا تقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا ). أي صورة إنسانية
"" أضاف بالي زادة :
فالحق بأصله الذي يناسبه ، فإن الكمالات الإلهية كالوجود والعلم والقدرة وغيرها آثار فيك لاحقة إلى أصلها الذي يناسبه وهو الحق تعالى قال :" ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله " والنقائص الإمكانية كالاحتياج وغيره ، وهو الأثر الحاصل فيك منك ، فالحق إلى أصله الذي يناسب ذلك الاحتياج به وهو أنت ، فلا يكون الحق أصلا له .اهـ بالى زادة ""
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.   والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).
 
قال رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة وفصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه . وهما عبارتان : فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو "الله " . والمؤثر فيه بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو "العالم " . ) هذا كلام مستأنف .
أي ، روح هذه الحكمة ( الإيناسية ) وخلاصتها أن الأمر الإلهي وشأنه منقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه (وهما عبارتان) أي ، لفظا (المؤثر) و (المؤثر فيه) عبارتان بحسب الظهور في مراتب الكثرة عن الحقيقة الواحدة الظاهرة فيها ، إذ حقيقة المؤثر والمؤثر فيه واحدة .
قال رضي الله عنه : ( فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال هو "الله " ) أي ، سواء كان التأثير حاصلا من مظهر من المظاهر الكونية ، أو اسم من الأسماء الإلهية ، فإن (المؤثر) هو الذات الإلهية بحسب أسمائها وصفاتها ، لأنها علة العلل ومبدأ كل شيء في الأزل .
 
و( المؤثر فيه ) هو أعيان العالم ، لأنها محل ولايات الأسماء ومظهرها . وإنما جعل انقسام الأمر إليهما روح هذه الحكمة ، لأن بين العلة والمعلول لا بد من مناسبة رابطة بينهما ، وتلك المناسبة هي المؤانسة الثابتة بين الحق والعالم .
 
قال رضي الله عنه : ( فإذا ورد ) الوارد الإلهي ( فألحق كل شئ بأصله الذي يناسبه . ) أي ، إن كان الوارد عن الحضرة الإلهية ، كالوجود والعلم والقدرة وأمثال ذلك من الكمالات الإلهية ، فألحق إليها . وإن كان عن حضرة أعيان العالم ، كالفقر والاحتياج والإمكان وغير ذلك من النقائص الكونية ، فأسند إلى العالم .
 
قال رضي الله عنه :  ( فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل ) وأصل كل شئ هو الكلى الذي يناسبه جزئية المتفرع عليه ، لذلك قال : ( كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد . )
إذ النوافل من العبد هي الكمالات التي ظهر بها العبد وأقامها ، فلا جرم استلزمت المحبة الإلهية التي هي أيضا كمال وسبب لحصول باقي الكمالات .
 
فهو كالمثال لقوله : (فإن الوارد . . . لا بد أن يكون فرعا عن أصل.) أي ، كما كانت المحبة الإلهية متفرعة عن النوافل الصادرة من العبد . لا يقال إنه مناقض لما ذكره ، إذ جعل المؤثر نوافل العبد والمتأثر المحبة الإلهية ، لأن النوافل وإن كانت ظاهرة من العبد ، لكنها في الحقيقة كمالات صادرة من الهوية الإلهية الظاهرة في الصورة العبدانية ، فلا يكون المؤثر في نفسه إلا الله .
 
قال رضي الله عنه : (فهذا أثر) أي ، هذا الحب أثر . (بين مؤثر) وهو الحق . (ومؤثر فيه.) وهو العالم .
وفي بعض النسخ : (من مؤثر ومؤثر فيه) . أي ، فهذا أثر حاصل من مؤثر ومؤثر فيه .
وعلى هذا الأثر وبواسطته ( كان الحق سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبة.) أي ، المحبة الإلهية .
 
قال رضي الله عنه : (فهذا أثر مقرر ، لا تقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.) أي ، هذا أثر من المؤثر الذي هو الله ، لأن المحبة الإلهية هي التي أوجبت أن يكون الحق سمع عبده وبصره ويده ورجله ، وغير ذلك . ولا يمكن أن ينكر المؤمن بالشريعة لهذا الأثر .

فالسامع لهذا المعنى لا يخلو إما أن يكون صاحب العقل السليم، أو صاحب العقل المشوب بالوهم.
والأول وهو قوله :
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:21 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 5:02 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السابعة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السابعة :-                               الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله. والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).

قال رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة وفصّها أنّ الأمر ينقسم إلى مؤثّر ومؤثّر فيه ، وهما عبارتان : فالمؤثّر بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو اللّه ، والمؤثّر فيه بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو العالم ، فإذا ورد أي الوارد الإلهيّ فألحق كلّ شيء بأصله الّذي يناسبه ، فإنّ الوارد أبدا لا بدّ أن يكون فرعا عن أصل ، كما كانت المحبّة الإلهيّة عن النّوافل من العبد ، فهذا أثر بين مؤثّر ومؤثّر فيه كان الحقّ سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبّة ؛ فهذا أثر مقرّر لا تقدر على إنكاره لثبوته إن كنت مؤمنا ).

قال رضي الله عنه :  ( وروح هذه الكلمة ) أي : معنى قولنا :اللَّهِ عبارة ( وفصها ) ، أي : كمال تحقيقها المقصود منها ( إن الأمر ) ، أي : أمر الموجودات ( ينقسم إلى مؤثر فيه ، وهما عبارتان ) عن اللّه والعالم ، صادقتان على كل موجود من صورة أو معنى جامع للجهتين ، وإلا صدقت إحداهما لا بحالة كما في ذات الحق ، وحقيقة العبد من حيث هما كذلك ، ( فالمؤثر بكل وجه ) أي : سواء كان تأثيره حقيقيّا أو غير حقيقي ، وسواء كان حسيّا أو معنويّا ، وسواء كان ظاهرا أو باطنا ، ( وعلى كل حال ) ، أي : سواء كان ثابتا أو متغيرا ،

قال رضي الله عنه :  (وفي كل حضرة ) أي : سواء في حضرة القديم من الذات الإلهية ، أو صفاتها ، أو أسمائها ، أو في حضرة المحدثات الجوهرية أو الغرضية ( هو اللّه ) ، إما باعتبار استقراره في مقر غيره ، أو باعتبار ظهوره في أسمائه وصفاته ، أو في مظاهر المحدثات ، ( والمؤثر فيه بكل وجه ، وعلى كل حال ، وفي كل حضرة هو العالم ) ، إما بكونه في مقره ، أو بظهوره في مرآة الحق ، ( فإذا ورد ) نص أو كشف في نقطة أو منام بأمر جامع للمؤثر والمؤثر فيه ، فالحق أمر من ( إلحاق كل شيء ) في ذلك الوارد من المؤثر والمؤثر فيه ( بأصله ) الكلي ( الذي يناسبه ) بهذا المعنى ، وإن باينه بوجه آخر ، ولا يمكن أن يكون الوارد ذلك الأصل حتى لا يمكن إلحاقه بأصله .

قال رضي الله عنه :  ( فإن الوارد لا بدّ أن يكون فرعا ) جزئيّا ( عن أصل ) كلي ، إذ لا تحقق للكلي من حيث هو كلي في الواقع ، ولا في النص المتعلق بالمعرفة الإلهية أو الكونية على ما عرف بالاستقراء ، ومثاله ( كانت المحبة الإلهية عن النوافل الصادرة من العبد ) بمقتضى قوله عزّ وجل :
"ولا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ". رواه البخاري وابن حبان

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهذا ) الحب الإلهي وإن كان قديما من حيث كونه صفة للحق ، فهو من حيث تعلقه بهذا العبد ( أثر ) لوقوعه ( بين مؤثر ) هو الحق الظاهر في العبد ونوافله ، ( ومؤثر فيه ) هو العبد بتعلق الحب القديم به خلاف ما يتبادر إلى الأفهام أن المؤثر هو العبد ؛ لتأثيره في النوافل المؤثرة في الحب الإلهي ، وأن المؤثر فيه هو الحق بإيجاد المحبة فيه وهو غلط ؛ ولظهور الحق في هذا العبد بتأثير تعلق الحب فيه ؛ فإن ( الحق سمع العبد ، وبصره ، وقواه ) ، لكن هذا الظهور للحق في العبد من جملة العالم ؛

لأنه ( عن هذه المحبة ) ؛ وذلك لأن هذا الظهور أثر للمحبة ، فالمحبة من حيث المؤثرية حق ، كما أنها من حيث كونها مؤثرا فيها خلق ، وظهور الحق في العبد من حيث التأثير بالمحبة حق ، ومن حيث كونه حاصلا من المحبة خلق ؛ فافهم ، ( وهذا مقرر لا يقدر على إنكاره ؛ لثبوته ) شرعا ، ولا تنكر الثابت شرعا ( إن كنت مؤمنا ) ، هذا فيما يلوح لصاحب الكشف من النصوص أو من كشفه في يقظة أو منام من تجليه في مجلي طبيعي .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله. والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).

المؤثر هو الله تعالى ، والمؤثر فيه العالم
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة وفصّها ، أنّ الأمر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه ، ولهما عبارتان ) كاشفتان عن خصوصيّتيهما الامتيازيّة ، أي يعبّر بهما إلى ما هو لبّه ومغزاه ( فالمؤثّر بكلّ وجه ) سواء كان بالتبعيّة أو الاستقلال ، تامّا في التأثير أو غير تامّ ، ( وعلى كل حال ) من أحوال الوجود - موجودا كان في الخارج أو في الذهن ، حقيقيّا أو اعتباريا ( وفي كل حضرة ) من الحضرات الإلهية والعوالم الكيانيّة : ( هو الله ) ، فإنّك قد عرفت أنّه العبارة الكاشفة عن الخصوصيّة الخاصّة به دون غيرها من الوجوه والأحوال والحضرات .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (والمؤثّر فيه بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو العالم ) ، أي هو العبارة الكاشفة عن خصوصيّة العالميّة ، لا غير ذلك من الوجوه والأحوال التي للعوالم .
( فإذا ورد ) لك من عالم الأعيان والحقائق شيء ( فألحق كلّ شيء بأصله الذي يناسبه فإنّ الوارد ) الذي يحدث ظهوره ( أبدا لا بدّ وأن يكون فرعا عن أصل ) وجزئيّا لكليّ ، مما يحيط به مما هو فيه بالقوّة . فيخرج عنه بالفعل كالفاعل والقابل مثلا فإنّه لا بدّ لكلّ وارد أن يكون تحت أحدهما ، فرعا عنه سواء كان الوارد من الحقائق الإلهيّة أو الكيانيّة ،

( كما كانت المحبّة الإلهيّة ) في قرب النوافل إنما ظهرت (عن النوافل من العبد ، فهذا أثر )  يعني المحبّة الإلهيّة ( بين مؤثّر ) هو العبد بقوّة النوافل ، ( ومؤثّر فيه ) هو الحقّ ولذلك ( كان الحقّ سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبّة ) إلحاقا بأصله ، فإنّ قوى العبد هو المؤثّر بالتزام النوافل في الحقّ ، حتّى يخرج الأثر - وهي المحبّة - من القوّة إلى الفعل ، فإذا الحق كلّ شيء بأصله يكون قوى العبد هو الحقّ ، والمحبّة الإلهيّة هنا أثر من العبد .

 
 أقسام الناس في فهم المعارف   
ثمّ إنّ هذا الكلام لبعده عن مدارك العامّة وأذواقهم مهّد مقدّمة لبيانه ، قد فصّل فيها مراتب الناس في فهم ذلك الأصل ، تنزّلا إلى مداركهم ،
وقال : ( فهذا أثر محقّق لا تقدر على إنكاره ، لثبوته شرعا ) لوروده بطرق صحيحة من الحقّ بلسان الخاتم ، ( إن كنت مؤمنا ) حقّا ، لا تقليدا مبدؤه الرعونة وقبول الناس .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله. والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.).

قال رضي الله عنه : (وروح هذه الحكمة وفصّها أنّ الأمر ينقسم إلى مؤثّر ومؤثّر فيه وهما عبارتان : فالمؤثّر بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو اللّه، والمؤثّر فيه بكلّ وجه وعلى كلّ حال وفي كلّ حضرة هو العالم . فإذا ورد أي الوارد الإلهيّ فألحق كلّ شيء بأصله الّذي يناسبه، فإنّ الوارد أبدا لا بدّ أن يكون فرعا عن أصل . كما كانت المحبّة الإلهيّة عن النّوافل من العبد )

وأحكامها أحكامه فلا ينفيها عنه مطلقا وإذ قد عرفت أن اللّه فياللَّهُ أَعْلَمُذو وجهين ناظر أحدهما إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه ، واتضح عندك سر التنزيه والتشبيه بمثاله أورد هناك ( فاللّه ) المشير أحد وجهيه إلى التنزيه والآخر إلى التشبيه واتضح معناهما غاية الاتضاح بواسطة المثال المذكور فهو وضوح الدلالة عليهما ( على التحقيق عبارة ) ،

أي كالعبارة لا إشارة ، لأنه لا خفاء به لكن كونه في وضوح المعنى كالعبارة إنما هو ( لمن فهم الإشارة ) ، لا للمتحمد على العبارة خصوصا على الوجه الذي حملنا كلامه رضي اللّه عنه عليه ، فإن فيه إشارة إلى إشارة ولا يبعد أن يجعل ذلك قرينة عليه ،

ولما انجر كلامه رضي اللّه عنه إلى أن استعدادات الصور متفاضلة في إظهار أحكام الحق المتجلي فيها ، أو أنها تعطى الحق وتنسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها، وهذا نوع تأثير من الصورة في الحق المتجلي فيها أراد أن يبين المؤثر في الحقيقة ما هو والمؤثر فيه ما هو فقال :
( وروح هذه المسألة ) ، أي مسألة التأثير والتأثر .

وفي بعض النسخ : وروح هذه الحكمة ومعناه أن ما ذكر روح هذه الحكمة لكن باعتبار هذه المسألة ، لكن المعول عليه المطابق للنسخة المقروءة عليه رضي اللّه عنه هو الأول ( أن الأمر ) ، أي أمر الوجود ( يقسم إلى مؤثر ) ، يستند إليه إيجاد الأثر ( ومؤثر فيه ) يستند إليه قبول الأثر ( وهما عبارتان ) ، يعبر عنهما بهما فالعبارة المعبر بها عن المؤثر هو الاسم اللّه والعبارة المعبر بها عن المؤثر فيه هو العالم وإلى ذلك أشار بقوله : ( فالمؤثر بكل وجه من الوجوه ) الأسمائية ( وعلى كل حال ) من أحوال المؤثر فيه ( وفي كل حضرة ) من الحضرات الإلهية والكونية ( هو اللّه والمؤثر فيه بكل وجه ) له ،

أي الحق سبحانه باعتبار حقيقته أو باعتبار وجوده ( وعلى كل حال ) من أحواله المتغيرة المتبدلة بعد الوجود ( وفي كل حضرة هو العالم . فإذا ورد الوارد الإلهي ) عليك شيء من الآثار ( فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ) ، أي يناسب الأصل ذلك الشيء أو بالعكس فإن المناسبة نسبة بين بين ( فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية ) ، للعبد ( فرعا عن النوافل من العبد)

قال رضي الله عنه :  ( فهذا أثر بين مؤثّر ومؤثّر فيه كان الحقّ سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبّة . فهذا أثر مقرّر لا تقدر على إنكاره لثبوته إن كنت مؤمنا .)

قال رضي الله عنه :  (فهذا أثر بين مؤثر ) هو النوافل ( وبين مؤثر فيه هو الحق سبحانه ) بحسب الظاهر .
وأما بحسب الحقيقة فالمؤثر هو اللّه ، فإن تأثير النوافل إنما هو باعتبار أنها أفعال وجودية ظاهرة من الحق سبحانه ولكن في مظهر العبد 
فهي من حيث أنها أمور وجودية مؤثرة مستندة إلى الحق سبحانه ، ولو كان فيها نقص وقصور فهي مستندة إلى استعداد العبد ، والتأثر لها إنما هو من الحيثية الأولى لا غير والمؤثر فيه العبد ، فإنه لا شك أنه يحدث في الجناب الإلهي من حيث مرتبة الجمعية أمر فالذي يترتب على النوافل هو ظهور آثار المحبة الإلهية في العبد ،

فالمؤثر العبد لا الحق وكذلك ( كان الحق سمع العبد وبصره وسائر قواه ) فرعا ( عن هذه المحبة ) المتفرعة عن النوافل ( فهذا ) ، أي كون العبد عين الحق ( أثر مقرر ) بين المؤثر الذي هو المحبة الإلهية وبين المؤثر فيه الذي هو العبد ( ولا يقدر على إنكاره ) ،

أي إنكار ذلك الأثر الذي هو كون قوى العبد عين الحق ( لثبوته شرعا ) للحديث الوارد في قرب النوافل ( إن كنت مؤمنا ) ، بما ثبت بالشرع إيمانا حقيقيا يدعوك إليه قوة اليقين بالشارع من غير أن تبقى فيك دغدغة من جانب العقل أو الوهم ، لا تقليديا يبعثك عليه الاعتراض العاجل أو حسن الظن ممن ألقاه إليك مع بقاء دغدغة من العقل

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:22 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 5:16 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثامنة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثامنة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثامنة :-                                    الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا العقل السّليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ في مجلى طبيعيّ فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصّحيح .  ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحقّ في هذه الصّورة لأنّه مؤمن بها . وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيّل بنظره الفكريّ أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التّجلي في الرّؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه . ومن ذلك قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر : 60 ] . قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا إلّا إذا كان من يدعوه غيره . )
(وأما) صاحب (العقل السليم) من آفات التقليد الرديء والعناد والغرور والأعراض الفاسدة .
(فهو إما صاحب) كشف عن (تجل إلهي) ، أي ظهور للحق تعالى عنه (في مجلى) ، أي مظهر (طبيعي) كالصور المحسوسة فيعرف ما قلناه من التحاق الفرع بالأصل لانقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه (وإما مؤمن) ،
 
أي مصدق (مسلم) ، أي مذعن للوارد عن الشارع (يؤمن) أي يصدق (به) أي بالأثر المذكور والحديث المسطور (كما) أي على حسب (ما ورد) ، أي بالمعنى الذي أراده اللّه تعالى ورسوله (في) الإسناد (الصحيح) من غير عدول إلى تأويل عقلي ونظر فكري .
(ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم) لغلبته (على) هذا (العاقل) المؤمن المسلم للذي ورد على حسب ما ورد الباحث ذلك العاقل (فيما جاء به الحق) تعالى (في هذه الصورة) مما تضمنه الحديث المذكور (لأنه) ، أي ذلك المؤمن المسلم (مؤمن) ، أي مصدق (بها) ، أي بتلك الصورة الواردة ،
ولا يمكن امتناعه من الوهم لغلبته عليه بالضرورة وإن نفى الصورة واحترز من ذلك كمال الاحتراز ، لأن لفظ الحديث يقتضيها ،
فحال هذا المؤمن المسلم مثل حال صاحب التجلي المذكور إلا أنه غير عارف بمن تجلى له ، وهو محترز منه خائف على إيمانه بالغيب من جهله بما الأمر عليه في نفسه وأما العاقل (غير المؤمن) بالوارد في الحديث المذكور (فيحكم) دائما (على الوهم) الغالب فيه (بالوهم) الغالب فيه على عقله فيتخيل بنظره الفكري وقياسه العقلي (أنه قد أحال على اللّه( تعالى ، أي اعتقد أنه محال في حق اللّه تعالى عنده ما (أعطاه ذلك التجلي) الإلهي والانكشاف الرباني لتلك الصورة التي رآها في (الرؤيا) المنامية حيث لا يقدر على إنكارها ولا يستطيع أن يجحد أنه رأى اللّه تعالى في صورة كذا .
 
(و )لأن (الوهم في ذلك) ، أي فما رآه (لا يفارقه) أصلا لأن ذلك التجلي وجدان عنده وذوق له (من حيث لا يشعر) بحاله وما هو عليه (لغفلته عن نفسه) وذهوله عنها ومن ذلك ،
أي من التحاق الفرع بالأصل وما تقرر فيه قوله تعالى ادعوني يا أيها العباد استجب لكم ما تدعوني فيه ،
فإنه إذا كان لسان الداعي كما ورد في الحديث ، كان هو الداعي تعالى وهو المستجيب ، ولهذا ورد في قوله تعالى :وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( 25 ) [ يونس : 25 ] ، أي يدل على أنه عين الداعي .
 
وقال تعالى :اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ[ الشورى : 47 ] ، فهو عكس الأوّل ليتبين العبد ما هو الأمر عليه في نفسه (قال اللّه تعالى : "وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) ، أي طلبوا منك أن تعرفهم بي وتدلّهم عليّ "فَإِنِّي قَرِيبٌ" إليهم ، ولأني أقرب للشيء من نفسه ؛
ولهذا ورد :"وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"[ ق : 16 ] وذلك لأن حبل الوريد من الصورة الجسمانية والحق تعالى متجل عليه في صورته النفسانية التي هي حقيقته "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ" بأن عرف نفسه فعرف ربه فدعاه سبحانه وهو شرط في الآية يعني إذا دعاني لا إذا دعا غيري لجهله بي في صورة التجلي (إذ) ،
 
أي لأنه تعالى (لا يكون مجيبا) لدعوة الداع (إلا إذا كان) تعالى (هو من يدعوه) ، أي عين الداعي فيكون صدق عليه مقتضى قوله :إِذا دَعانِ[ البقرة : 186 ] ، كما ذكرنا.
""وفي نسخة أخرى : من يدعوه غيره  بدل  هو من يدعوه "".
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم ) وهو الباقي على الفطرة الأصلية الخالي عن العقائد الفاسدة ( فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ) ما قلناه من ظهور الحق في صور الأشياء في النوم وغيره أو يعرف ما قلناه من انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( وإما مؤمن مسلم يؤمن به ) أي يؤمن ما قلناه ( كما ورد في الصحيح )
 
وأيا ما كان ( ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة ) المرئية في المنام ( لأنه ) أي العاقل ( مؤمن بها ) أي بهذه الصورة التي تجلى الحق له فيها فطلب حقيتها فبحث بالوهم في ذلك فيحكم الوهم عليه في تصوره .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإما غيره المؤمن ) وهو صاحب الاعتقادات الفاسدة والعقل المشوب بالوهم الحيواني ( فيحكم على الوهم ) أي فيحكم على بطلان ما حكم عليه الوهم من ظهور الحق بصور الأشياء ( بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا والوهم في ذلك لا يفارقه ).
 
أي والحال أن الوهم السلطاني لا يفارق عن ذلك المتخيل ( من حيث لا يشعر ) عدم مفارقة الوهم عنه ( لغفلته عن نفسه ومن ذلك ) أي ومن انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْوَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِإذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان ) أي وجد ( من يدعوه ) فالمجيب فاعل ومؤثر والداعي قابل ومؤثر فيه فالأثر الحاصل بينهما له وجه إلى الفاعل ووجه إلى القابل فالحق كل شيء بأصله.
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم ) وهو الباقي على الفطرة الأصلية الخالي عن العقائد الفاسدة ( فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ) ما قلناه من ظهور الحق في صور الأشياء في النوم وغيره أو يعرف ما قلناه من انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( وإما مؤمن مسلم يؤمن به ) أي يؤمن ما قلناه ( كما ورد في الصحيح )
 
وأيا ما كان ( ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة ) المرئية في المنام ( لأنه ) أي العاقل ( مؤمن بها ) أي بهذه الصورة التي تجلى الحق له فيها فطلب حقيتها فبحث بالوهم في ذلك فيحكم الوهم عليه في تصوره .
 
قال رضي الله عنه :  ( وإما غيره المؤمن ) وهو صاحب الاعتقادات الفاسدة والعقل المشوب بالوهم الحيواني ( فيحكم على الوهم ) أي فيحكم على بطلان ما حكم عليه الوهم من ظهور الحق بصور الأشياء ( بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا والوهم في ذلك لا يفارقه ) أي والحال أن الوهم السلطاني لا يفارق عن ذلك المتخيل.
 
قال رضي الله عنه : ( من حيث لا يشعر ) عدم مفارقة الوهم عنه (لغفلته عن نفسه ومن ذلك) أي ومن انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان ) أي وجد ( من يدعوه ) فالمجيب فاعل ومؤثر والداعي قابل ومؤثر فيه فالأثر الحاصل بينهما له وجه إلى الفاعل ووجه إلى القابل فالحق كل شيء بأصله.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.  ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )


قال رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.  ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها. وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».  قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه، )


قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح. ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )
 
قال رضي الله عنه :  ( قوأمّا العقل السليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهي في محلّ طبيعي ، فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به ، كما ورد في الصحيح . ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة ، لأنّه مؤمن بها وأمّا غير المؤمن فيحكم بالوهم على الوهم ، فيتخيّل بنظره الفكري أنّه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلَّي في الرؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر بغفلته عن نفسه  ) .
 
يشير رضي الله عنه  إلى ما ذكر أوّلا عن سعة سلطان الوهم ، والوهم قوّة ، لها
مدخل في التخيّلات ، وتحكَّم أيضا في المعقولات والمحسوسات ، من شأنها أن تركَّب أقيسة كلَّية من الموادّ الجزئية ، وتحكم بالشاهد على الغائب ، وتجري الحكم كلَّيا والمقيس عليه جزئي والمقيس كلي ، ويعبّر في العرف النظري عن هذا القياس بالتمثيل ، والمثال فيما نحن بصدده : أنّ الحق - مثلا - تجلَّى في صورة إنسانية نوما ، فالمؤمن العاقل يؤمن بذلك ، ويتوهّم أنّه مطَّرد في جميع صور التجلَّي ، أو أنّه كلَّما يتجلَّى يتجلَّى في الصورة الإنسانية ، أو أنّ الصورة الإنسانية صورته في كلّ تجلّ .
 
والمنزّه ينزّه الحق عن الصورة في الدليل العقلي ، ويحكم بالوهم : أنّ ذلك له - تعالى - ذاتي ، وذلك تعيّن له في مرتبة الفكر ، لا في الكشف ولا في التجلَّي ولا كلَّما شاء ، فإنّه - تعالى - إن شاء ظهر في كل صورة ، فأضيف إليه ما يضاف إلى تلك الصورة ، وإن لم يشأ ، لا يضاف إليه صورة أصلا ، فلا يحكم عليه أنّه في كل موطن ومقام منزّه كذلك ، وهو وهم من المنزّه ، لأنّ تنزيهه عن الصورة حصوله فيما لا صورة له ، وحدّه به ، وهو - تعالى - غير محدود ، وتشبيه له - تعالى - بالعقول والمجرّدات عن الصور في زعم من يقول بذلك ، وهو قد يتوهّم أنّه قد نزّه وهو في عين التشبيه ، فلا يخلو عاقل ، - كما ذكر رضي الله عنه - عن الوهم .
 
قال رضي الله عنه  : ( ومن ذلك قوله : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " قال تعالى : "وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ"، إذ لا يكون مجيبا إلَّا إذا كان  من يدعوه غيره).
 
يعني : يتوهّم الداعي ذو الوهم أنّ قربه عنه كقرب الأشياء الجسمانية بعضها من بعض ، وأنّه غيره من كل وجه ، وذلك وهم منه ، إذ هو هو ، لا غير ، ويتوهّم المفكَّر أيضا أنّ القرب والبعد لا يكونان إلَّا بين الأجسام المتحيّزة بعضها من بعض ، وهو أيضا وهم منه .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.  ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم فهو إما صاحب تجلى إلهي في مجلى طبيعي ) أي صورة إنسانية
"" أضاف بالي زادة :
فالحق بأصله الذي يناسبه ، فإن الكمالات الإلهية كالوجود والعلم والقدرة وغيرها آثار فيك لاحقة إلى أصلها الذي يناسبه وهو الحق تعالى قال :" ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله " والنقائص الإمكانية كالاحتياج وغيره ، وهو الأثر الحاصل فيك منك ، فالحق إلى أصله الذي يناسب ذلك الاحتياج به وهو أنت ، فلا يكون الحق أصلا له .اهـ بالى زادة ""
 
قال رضي الله عنه :  ( فيعرف ما قلناه ، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح ، ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به في هذه الصورة ) أي فيما آتاه الله الحق في الصورة التي رآه في النوم .
 
قال رضي الله عنه :  ( لأنه مؤمن بها ، وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ) أي قد استحال في حقه تعالى كونه في صورة جسدانية
( والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ) أي لا ينفك أن يتوهم في حقه تعالى التمثيل بصورة من حيث لا شعور له به
 
قال رضي الله عنه :  ( ومن ذلك قوله تعالى :" ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ "   ، قال الله تعالى :" وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ " إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه ) كان تامة أي إذا وجد من يدعوه يعنى أن صاحب الوهم يتوهم أن قربه تعالى منه كقرب الأجساد بعضها من بعض ، وأنه غير الداعي من كل وجه ، وذلك وهم منه إذ هو هو لا غير .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح. ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم ، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلي طبيعي ، فيعرف ما قلناه . وإما مؤمن مسلم يؤمن به . كما ورد في الصحيح . )
"العقل السليم " هو القلب الساذج من العقائد الفاسدة ، الباقي على الفطرة الأصلية .
فهو إما صاحب تجلى إلهي ، أي ، ذو كشف وعيان في هذه النشأة العنصرية والصورة الطبيعية .
 
وإما مؤمن بالرسل وأهل الكشف ، مسلم أمره إليهم منقاد بأوامرهم : فإن كان صاحب تجل ، فهو عارف بشهوده حقيقة ما قلناه من أن الأمر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه . والمؤثر في جميع الحضرات الكونية والإلهية هو الله ، والمؤثر فيه في كلها هو الأعيان ، ولا بد أن يسند كلا منهما إلى أصله .
وإن كان مؤمنا بالرسل والأولياء ، فيؤمن به كما ورد في الصحيح : (أن العبد لا يزال يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه. . .) . الحديث
 
قال رضي الله عنه :  (ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها).
المراد ب‍ ( الصورة ) الصورة التي تجلى بها الحق في النوم . أو صورة الرسل . أي، ولا بد أن يحكم الوهم بحقيقة ما أدركه وشاهده من الصورة المرئية في النوم ، أو اليقظة ، على العاقل المؤمن بالرسل ، الطالب تحقيق ما أتاه الحق من هذه الصورة المثالية ، أو الصورة الكاملة الإنسانية ، من الآيات والأخبار الدالة على تجليات الحق بالصور الحسية والمثالية .
لأن هذا العاقل مؤمن بأن تلك الصورة المرئية صورة الحق . أو بالرسل والشرائع المنزلة بالتنزيه الذي يحكم به العقل ، والتشبيه الذي يحكم به الوهم .
 
قال رضي الله عنه :  (وأما غير المؤمن ، فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه.)
أي ، وأما العاقل الذي لا إيمان له بالرسل والشرائع ، وهو صاحب العقل المشوب بالوهم ، فيحكم على بطلان ما حكم به الوهم من إثبات الصور على الله بالوهم الذي هو مشوب بعقله .
لأن العقل إذا تنور بنور الكشف ، أو الإيمان ، يدرك ما هو الأمر عليه ، وعند عدم الإيمان بالشرائع لا يخلص عن حكم الوهم ، فيتخيل أن ما أعطاه التجلي في الرؤيا من الصورة مستحيل ، لما أعطاه نظره الفكري ذلك ، فأبطل حكم الوهم بتوهمه الفاسد ، وهو لا يشعر بذلك لعدم علمه بنفسه وأحكامها .
 
قال رضي الله عنه :  (ومن ذلك قوله تعالى : "أدعوني أستجب لكم ". قال الله تعالى : "وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني" . إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه.)
أي ، ومن ذلك القبيل المذكور - وهو قوله : إن الأمر منقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه - قوله تعالى : ( أدعوني أستجب لكم ) و ( أجيب دعوة الداع ) . لأن أمر الوجود منقسم إلى مؤثر ومتأثر : والداعي هو القابل المتأثر ، والمجيب هو الفاعل المؤثر .

وكما أن الفاعل لا يكون فاعلا إلا بالقابل ، كذلك لا يكون المجيب مجيبا إلا إذا حصل من يدعوه . وذلك إشارة إلى قوله : إن الأمر منقسم . و(كان) في قوله : (إلا إذا كان من يدعوه.) تامة .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:23 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 5:20 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثامنة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثامنة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثامنة :-                                    الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )
 
قال رضي الله عنه :  (وأمّا العقل السّليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ في مجلى طبيعيّ فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصّحيح ، ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحقّ في هذه الصّورة ؛ لأنّه مؤمن بها ، وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم ، فيتخيّل بنظره الفكريّ أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التّجلّي في الرّؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر : 60 ] ، قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ البقرة : 186 ] ، إذ لا يكون مجيبا إلّا إذا كان من يدعوه غيره )
 
قال رضي الله عنه : ( وأما العقل السليم ) عن النظر الفكري أو تقليد صاحبه ، ( فهو ) ، أي : صاحبه ( إما صاحب تجلّ إلهي ) أي : قائل بجواز أن يتجلى في المنام ( في مجلي طبيعي ) ، فإن منهم من يجوز ذلك في المنام ، وإن منع منه في اليقظة ، ( فيعرف ما قلناه ) من العبور من الحق إلى الخلق ؛ لأنه إنما جوز ذلك ؛ لأن المنام قابل للتعبير بخلاف اليقظة ، فيكون المرئي في المنام صورة يعبر عنها إلى ما هو الحق في الواقع ، ولا يتأتى ذلك في صورة اليقظة ، إذ لا عبور فيها عنده ، ( وإما ) قائل بجواز تجليه في المنام في المجلي الطبيعي ، لكنه ( مؤمن ) ، والمؤمن ( مسلم ) ، أي : منقاد لما ورد من نصوص الرؤية ، فهو ( يؤمن به ) أي : بكونه مرئيّا ، ( كما ورد في الصحيح ) من قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ، لا تضامون في رؤيته »رواه البخاري ومسلم .
 
وهو وإن قال : بأنه يرى لا في صورة طبيعية ؛ لأنه ( من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق ) على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من تجليه ( في هذه الصورة ) الطبيعية ، إذ ذكر تحوله في الصور ، ولا يتأتى بدون الصور الطبيعية ، وإنما يحكم عليه ؛ ( لأنه مؤمن بها ) أي : برؤيته في تلك الصور التي تفيد تارة وتنكر أخرى .
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما غير المؤمن ) من ترونه في الآخرة ، وفي المنام كالمعتزلة ، وهو صاحب النظر الفكري أو المقلد له ، ( فيحكم ) إذا سمع النصوص القائلة بتحولة في الصور في الآخرة أو في المنام ( على الوهم ) ، إذا حكم برؤيته فيها ( بالوهم ) بأنه من لا صورة له يستحيل رؤيته في صورة أو يتحول في الصور ، مع أن العقل لا يمنع من رؤية من لا صورة له في الصورة ، كما لا يمنع من رؤية من له صورة أن يرى في غير صورته ، فقد رئي جبريل عليه السّلام في صورة دحية مع أنها ليست بصورته اتفاقا .
 
قال رضي الله عنه :  ( فيتخيل ) عند رده النصوص بكونها أخبار الآحاد أو بتأويلها على وفق وهمه ( بنظره الفكري ) الذي لا يحيل ظهور الحق في صورة ، وإنما يحيل كونه في نفسه ذا صورة ( أنه قد أحال على اللّه ) رؤيته في الصورة ، حتى أحال ( ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ) ، مع أنه يجوز في الرؤيا رؤية الشيء في غير صورته ؛ لذلك يحتاج فيه إلى التعبير كما ترى العدو في صورة الحية ، وهو لم يفعل ذلك أيضا من كل وجه ، إذ ( الوهم منه في ذلك ) ، أي : إثبات الصورة للحق ( لا يفارقه ) ؛ فإنه ما دام بدنه صحيحا كان علمه باقيا ، وإن كان علمه ( من حيث لا يشعر ) به صاحبه ؛ ( لغفلته عن نفسه ) لاحتجابه به بربه عنها ، فلا يلوح له ما يحكم به نفسه من الجمع بين التنزيه والتشبيه بقوتيه العقلية والمؤمنة ، ولو كوشف عنها لعرف ربه بما يلوح من جميع قواها ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .
 
قال رضي الله عنه :  ( ومن ذلك ) ، أي : ومما يلحق فيه كل شيء من المؤثر والمؤثر فيه بأصله ، ويحكم فيه الوهم بتصوير الحق ما أشار إليه ( بقوله تعالى : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [ غافر : 60] ، فالداعي من حيث التأثر بالمدعو به عبد ، ومن حيث التأثير في الإجابة حق ظهر في العبد ، والمجيب من حيث التأثير في المدعو به حق ، ومن حيث التأثر للدعوة عبد ظهر فيه ، ولظهور كل منهما في مرآة الآخر ( قال اللّه تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [ البقرة : 186 ] ،
إذ لا قرب هنا بالزمان والمكان والرتبة بل بالظهور ، وهو مستلزم لتصوير الوهم الحق بصورة ما ظهر في العبد ، وبصورة العبد الظاهرة في مرآة الحق ، وكيف تكون الإجابة من الحق من حيث هو حق ، وهي متوقفة على الدعوة ؟
 
قال رضي الله عنه :  ( إذ لا يكون ) المجيب ( مجيبا إلا إذا كان ) أي : وجد ( من يدعوه ) ، والمتوقف على الغير حادث ، فلا يتصف به الحق من حيث هو حق لا يقال : إذا كان الحق ظاهرا في العبد من حيث تأثير الدعوة .
فالإجابة لا تتوقف على الغير ، فيجوز أن يكون المجيب هو الحق من حيث هو حق ؛ لأنّا نقول :
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا العقل السليم ) - عمّا يعوقه عن كماله - ( فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ ) إذا وفّق لما قدّر لأصل استعداده من إدراك الحقائق كلَّها ، على ما هي عليه ، فهو ( في مجلى طبيعيّ ، فيعرف ما قلناه ، وإما مؤمن مسلم ) يلقى السمع لصاحب التجلَّى والبيان ، فهو ( يؤمن به ، كما ورد في الصحيح ) فما بقي إلَّا صاحب النظر والاستدلال ، فإنّه غير مؤمن بإلقاء السمع إلى صاحب التجلَّي ، ولا بالغ عقله إلى كماله الطبيعي.
 
قال رضي الله عنه :  ( و ) حينئذ ( لا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث ) ضرورة نفاذ أمره في هذه النشأة وعدم انقهاره أصلا ، فيكون تحت حكمه (فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنّه مؤمن بها ) .
 
هذا على تقدير أن يكون الباحث من حكماء الإسلام والمتكلَّمين من الملَّيين ، فأمّا إذا لم يكن منهم - كالفلاسفة الذين قصروا طريق الاستفاضة على النظر المجرّد والبحث البحت - فإليه أشار بقوله رضي الله عنه  : ( وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم ) فإنّهم يوصون أولا بتسخير قوّتي الوهم والخيال وعزلهم عمّا في تصرّفهما من مدارك الجزئيّات مطلقا - صوريّة ومعنويّة - حتى يصفو لهم حكم صرافة العقل في الكليّات المنزّهة عما يشوب به قدس التنزيه ويميل إلى هذا المشرب أكثر المنتمين إلى التحقيق والمنتسبين إلى التصوّف ، حتى أنّ بعض شارحي هذا الكتاب يستشمّ المتفطَّن من كلامه رائحة ذلك الميل ، ومن ثمّة تراه يستهجن مدركات الوهم كل الاستهجان.
 
 الغرض من الحكايات القرآنيّة تقرير أحوال الإنسان
وكأنّك قد اطَّلعت في طيّ هذه التعليقات أنّ ما في القرآن الكريم مما يفهم منه العامة أنّه حكاية الأمم السالفة في الأزمنة الماضية ، إنما هو تقرير أحوال الأمم الحاضرة في كلّ زمان ، على ما عبّر عن ذلك ألسنة استعداداتهم ويعبر من الأزل إلى الأبد ما هو أساطير الأوّلين ،
على ما زعم الجاحدون للتنزيل وجلالة قدره من أرباب الزيغ والطغيان - ومن ذلك حكاية تخصيص آدم بمنصب الخلافة ، واغتباط الملإ الأعلى له في ذلك وادّعاؤهم أنّهم المستحقون لها بتقديسهم وتسبيحهم ،
وأنّ آدم بما فيه من قوّتي الوهم والخيال والشهوة والغضب ، بعيد عن نيل مثل تلك المنقبة الكريمة ، وتعيير الحق عزّ شانه لهم في ذلك الدعوى بأنّ آدم بجمعيّته التي اختص بها من احتياز القوى - التي هي مبدأ الشعور والإشعار لطرف التشبيه من الحقّ - يعلم من الأسماء الكاشفة للحقّ ما لا يعلمون ، وهي الأسماء الوجوديّة المبيّنة للحقائق التشبيهيّة التي بها يتمّ أمر التنزيه .
 
التشابه الفكري بين الملائكة وأهل النظر
فإنّ تلك القصّة بعينها هي التي بين الحكماء من أهل النظر والاستدلال وبين أرباب الأذواق من اولي الألباب ، فإنّهم هم الذين يستفتحون مدارك القوى البشريّة والجمعيّة الآدميّة ، ويستحقّون ما يستحصل من تلك القوى - التي رئيسهم الوهم - بأنّها لا يمكن لها تسبيح الحقّ ،
فإنّها مبدأ الإفساد وإهراق الدماء ، فيعزلون تلك القوى عن درجة الاعتداد بمداركها والاعتبار بأحكامها ويحصرون أمر ذلك الاعتداد والاعتبار في العقل المجرّد الذي يسبّح الحقّ ويقدّسه ، ذاهلين عن قصور عقلهم المجرّد عن أداء التنزيه حقّه ، وأنّهم هم المفسدون في عزل تلك القوى ، ولكن لا يشعرون منزلتهم .
 
تسلَّط الوهم على أصحاب النظر
ومن آيات قصورهم في رتبة الشعور والعلم أنّهم يحكمون على الوهم وسدنته بالوهم ، ويعزلونه بأمره ، ذاهلين عنه وعن أنّه هو الحاكم ، يعزل نفسه بما لا يشعر به صاحب النظر الفكريّ ، ضرورة أنّ الوهم من المعاني الجزئيّة التي إنما يدركها الوهم فصاحب النظر انما يدركه ويعزله به ، ( فيتخيّل بنظره الفكري أنّه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلَّي في الرؤيا ) مما لا يناسب تنزيه العقل المجرّد له من الصور الجسدانيّة والمثل الجسمانيّة التي استحال عنده بنظره الفكري أن يكون لله .
 
قال رضي الله عنه :  ( والوهم في ذلك ) التخيّل ( لا يفارقه من حيث لا يشعر به ) ، فإنّه هو السلطان الحاكم في هذه النشأة - كما عرفت آنفا - ولكن لاتّحادّه بالكلّ - لما تقرّر من أنّ السلطان هو الهيئة الجمعيّة الكلَّيّة - لا يشعر به ( لغفلته عن نفسه ) ، فإنّه يحسب أنّ الوهم أمر غيره ، وعرض يفارقه ، فهو بعد في سنة الغفلة ورقاد الذهول ، إذا مات عن نظره الفكريّ انتبه من نومه ، وتيقّظ ليومه فلا تغفل عن دقائق هذه الإشارات فإنّه من جلائل الحقائق .
 
المؤثّر والمتأثّر في الداعي والمجيب
قال رضي الله عنه :  ( ومن ذلك ) - أي مما ورد لك مما لا بدّ فيه من إلحاق كلّ شيء من أحكامه المتكثّرة المتفرّعة بأصله ، الذي يتفرّع عنه ولكن الحكم مع أحديّة العين حتى يتحقّق معناه - ( قوله تعالى : “ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ") [ 40 / 60 ]
فإنّ الدعاء يخالف الإجابة حكما ، فلذلك نسب الدعاء إلى العبد المتأثّر بحسب أصله ، والإجابة إلى الحقّ المؤثّر .
 
هذا ما يدل على ذلك إجمالا ، والذي يدلّ على ذلك تفصيلا ما (قال تعالى : “وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ“) [ 2 / 186 ] ،
فإنّ أحكام المتأثّر العبد والمؤثّر الحقّ قد فصّل في هذه الآية تفصيلا ، حيث عيّن مقام بعد العبد السائل بإثبات الواسطة ، وقرب المجيب الحقّ بقوله : “  قَرِيبٌ “  ،
وأشار إلى أحديّة فعل الحقّ المؤثّر بقوله : "أُجِيبُ "، وإلى أنّ اختلافه بحسب الصور والأحكام المتكثّرة
 
إنّما هو من جهة العبد المتأثّر بقوله : “  دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ “  ، حيث عبّر ما يتعلَّق بالعبد من السؤال والدعاء بصيغ ثلاثة متكثّرة - من المصدر والصفة والفعل .
 
وفيه إشارة أيضا إلى ما للعبد من الألسنة التي له عند الدعاء :
أحدها لسان الاستعداد المشار إليه بصيغة المصدر .
والثاني لسان الحال ، المعبّر عنه بصيغة الوصف .
والثالث لسان الفعل والقول المدلول فيه بصيغة الفعل .
وإذ قد تختلف قبلة الدعاء في موطن الفعل لتشابه الصور والأشكال هنالك دون غيره ، فتنحرف حينئذ عن سمت إطلاقه ، خصّصه بقوله : “  إِذا دَعانِ “  .
 
ثمّ إنّه لا بدّ من اختلاف الصور هناك ، ( إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه ) ووجد الداعي مستقلا بحسب الصورة.
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )


قال رضي الله عنه : (  وأمّا العقل السّليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ في مجلى طبيعيّ فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصّحيح . ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحقّ في)
 
قال رضي الله عنه : ( وأما العقل السليم ) بل صاحبه وهو صاحب القلب الشارح من العقائد الفاسدة الباقي على القوة الأصلية .
 
قال رضي الله عنه :  ( فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي ) بأن تجلى عليه الحق في مجلى من مجالي الطبيعة فيكشف عليه كيفية تجليه فيها وكونه عنها من وجه وميزها عنها من وجه ( فيعرف ما قلناه ) من كون قوى العبد عين الحق أو تجلى عليه في مجلاه الطبيعي ونشأته العنصرية باسمه العليم ، فتأيد عقله السليم بهذا المتجلي فأدرك عقله السليم بهذا المتجلي ، فأدرك العقائد على ما هي عليه فيعرف ما قلناه من غير أن يبقى للوهم عليه حكم ( وإما مؤمن مسلم يؤمن به ) ، أي بما قلناه ( كما ورد في الحديث الصحيح ) ، أن العبد لا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث ولكن لا يخلو عن وسوسة بحث وتفتيش عما آمن به وأسلم .


قال رضي الله عنه :  ( ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث ) ، أي الذي هو في صدد بحث وتفتيش ( فيما جاء به الحق).


قال رضي الله عنه :  ( هذه الصّورة لأنّه مؤمن بها . وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم فيتخيّل بنظره الفكريّ أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التّجلّي في الرّؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه . ومن ذلك قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[ غافر : 60 ] . قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا إلّا إذا كان من يدعوه غيره . )
 
قال رضي الله عنه :  (في هذه الصورة ) التي تجلى فيها الحق نوما أو يقظة من معنى التشبيه ( لأنه مؤمن بها ) بما فيه معنى التشبيه .
والحكم بالتشبيه إنما هو من الوهم ، فإذا حكم عليه الوهم به وانقاد له اطمأن فقوله فيما جاء به الحق يحتمل أن يكون متعلقا بيحكم أو الباحث ( وأما غير المؤمن ) بما جاء به الحق من صور التشبيه ( فيحكم على الوهم ) ، بأنه كاذب في حكمه ولكن حكمه هذا على الوهم إنما هو ( بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ) ، أو غيرها من معنى التشبيه ( والوهم في ذلك ) ، الحكم ( لا يفارقه ) فإن الحاكم بهذا الحكم هو ، فهو يصدقه ( من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ) .
 
وهذا أن الحاكم فيه وهمه ( ومن ذلك ) القبيل ، أي قبيل حديث قرب النوافل من حيث الدلالة على مؤثر ومؤثر فيه ( قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
وكذا قوله حيث ( قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ[ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا ) ،
 
كما في الآية الثانية ( إلا إذا كان ) ، أي وجد ( من يدعوه غيره ) بل دعوته ولا يكون مستجيبا كما في الآية الأولى إلا إذا وجد دعاء الداعين فالدعاء في الآيتين هو المؤثر والمجيب هو المؤثر والمجيب هو المؤثر فيه ، إذ لولا الدعاء لم تكن إجابة ولا استجابة ، فلا بد ههنا من داع مؤثر ومجيب مؤثر فيه مختلفين بالصورة

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:24 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 5:24 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة التاسعة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة التاسعة :-                                        الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
قال رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الدّاعي عين المجيب فلا خلاف في اختلاف الصّور ، فهما صورتان بلا شكّ .  وتلك الصّور كلّها كالأعضاء لزيد : فمعلوم أنّ زيدا حقيقة واحدة شخصيّة ، وأنّ يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه . فهو الكثير الواحد ، الكثير بالصّور ، والواحد بالعين .  وكالإنسان واحد بالعين بلا شكّ . ولا شكّ أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ، وأنّ أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا . فهو وإن كان واحدا بالعين ، فهو كثير بالصّور والأشخاص . )
 
(وإن كان ) حينئذ (عين الداعي) من حيث التجلي بالوجود عين المجيب له دعاه (فلا خلاف في اختلاف الصور) لهما في كل لمحة ، لأن الخلق الجديد يقتضي ذلك ، فإذا كانت الصورة للعبد باعتبار استيلاء نفسه عليها كان هو الداعي والحق تعالى متجل عليه بصورته في مفهوم خياله ،
فإذا تحوّلت صورة العبد في صورة المتجلي الحق باعتبار استيلاء الرب تعالى عليه في ظاهره وباطنه غاب العبد فكان هو المجيب الحق ،
(فهما صورتان) صورة عبد داع وصورة رب مجيب ظهر فيها بطريق التجلي وهو على ما هو عليه من إطلاقه الحقيقي وتنزهه وتقدسه بلا شك عند العارف بذلك أصلا وتلك الصور كلها التي هي للداعي وللمجيب الحق تعالى بل لجميع العالم المحسوس والمعقول الصادرة من الأمر الإلهي الواحد الذي هو كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ كما قال تعالى :وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ( 50 ) [ القمر: 50 ].
 
وقد قال سبحانه :وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ[ الروم : 25 ] فالكل كلمح بالبصر لقيامه بما هو كلمح بالبصر وهو الأمر الإلهي وذلك قوله تعالى :بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ[ ق : 15 ] .
كالأعضاء المختلفة (لزيد) مثلا (فمعلوم) عند العقلاء (أن زيدا حقيقة واحدة شخصية) ، أي متشخصة في الحس وأن صورة (يده) مثلا (ليست) هي صورة رجله ولا صورة (رأسه ولا) صورة (عينه ولا) صورة حاجبه فهو ، أي زيد الكثير ومع ذلك هو الواحد أما الكثير فهو بالصور المختلفة لأعضائه الجسمانية وأما الواحد فهو بالعين ، أي الذات النفسانية الواحدة .
 
(وكالإنسان) ، أي جنس الآدمي الكلي وهو الحيوان الناطق فإنه (بالعين) ، أي الماهية المشتملة على الجنس والفصل (واحد) كلي (بلا شك) عند العقلاء في ذلك ولا تشك أيضا أن (عمروا) الذي هو جزئي من جزئيات الإنسان الكلي لزيادة التشخص فيه على ذلك الكلي (ما هو زيد) الذي هو جزئي آخر من تلك الجزئيات غير الجزئي الأوّل (ولا هو) أيضا خالد ،
أي الذي هو جزئي آخر ولا هو أيضا جعفر الجزئي الآخر ولا شك أيضا أن أشخاص) ، أي جزئيات (هذه العين الكلية الإنسانية (الواحدة لا تتناهى وجودا) ، أي من حيث دخولها في الوجود شيئا فشيئا .
 
(فهو) ، أي الإنسان المذكور (وإن كان واحدا بالعين) ، أي الماهية (فهو) ، أي الإنسان (كثير بالصور والأشخاص) المختلفة القائمة كلها بتلك العين الواحدة في الزمان الواحد والأزمنة الكثيرة .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
قال رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب ) في الحقيقة ( فلا خلاف في اختلاف الصور فهما صورتان بلا شك ) فإن قيل لا شك أن المراد بالمجيب هو الحق تعالى الواجب الوجود وبالداعي هو العبد الممكن الوجود فلا يمكن الاتحاد والعينية بينهما في الحقيقة ،
 
فإن حقيقة الممكن لا يكون إلا ممكنا كما أن حقيقة الواجب لا يكون إلا واجبا قلنا لا شك أن صورة الداعي أثر لصورة المجيب والأثر لا حقيقة له في نفسه بل حقيقته حقيقة من له ذلك الأثر الحاصل منك في المرآة لا شك أنه عينك في الحقيقة إذ لا حقيقة له إلا حقيقتك فعينية الحق والعبد في الحقيقة عينية الأثر بمن له الأثر لا عينية زيد وعمرو في الحقيقة الانسانية فإن هذه الحقيقة حقيقة كل واحد منهما في نفسه بالنسبة إليهما وعند التحقيق تلك الحقيقة أثر للحق فقولنا حقائق الأشياء ثابتة
وإن لم يكن مجعولة لكونها أمورا معقولة لا أعيان لها في الخارج لكنها لا يقال في حقها أنها ليست بفيض الفياض فلا حقيقة في أنفسها لكونها آثارا لا حقيقة الحق الفياض لذلك كان الحق حقيقة الحقائق
خلق اللّه آدم على صورته وهو آدم عليه السلام الحقيقي الذي هو العقل الأول والروح المحمدي لا آدم الصوري العنصري وهو أول ما خلقه اللّه من الأشياء وهو حقيقة الإنسان الكامل عند أهل الكشف الذي خلق اللّه على صفة الكامل ،
وهو أمر لطيف نوري ومن لطافته ينشعب منه الأرواح الكثيرة وما نقص بالانشعاب وما زاد بعدم لذلك قال الرسول عليه السلام : " أنا أب الأرواح وأم الأشياء "
 
قال رضي الله عنه :  ( وتلك الصورة كلها ) التي تظهر فيها الحقيقة الواحدة اسمائية كانت أو كونية ( كالأعضاء لزيد ) من بعض الوجوه وهو تمثيل بالظاهر لما في الباطن ) فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية ، وأن صورة يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبيه فهو الكثير الواحد الكثير بالصور الواحد بالعين ) أي الكثير باعتبار أجزائه إذ لكل جزء من أجزائه صورة شخصية يمتاز بها عن الآخر فكان بالنسبة إلى أجزائه كثيرا وواحدا باعتبار حقيقته الشخصية إذ هي صورة واحدة ممتازة بذاتها عن الآخر .
 
قال رضي الله عنه :  ( وكالإنسان بالعين ) أي باعتبار حقيقته الكلية ( واحد بلا شك ولا شك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ) في الصورة ( وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا يتناهى وجودا فهو ) أي الإنسان ) وإن كان واحدا بالعين فهو كثير بالصور والأشخاص ) فكذلك الحق تعالى جل ذكره واحد من حيث ذاته كثير بحسب أسمائه وصفاته فلا تعدد في ذاته بتعدد أسمائه وصفاته.
ولما فرغ عن التمثيل شرع في المقصود من التمثيل .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
قال رضي الله عنه : ( وإن كان عين الداعي عين المجيب. فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك. وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه. فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين. وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا. فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
قال رضي الله عنه  : ( وإن كان عين الداعي عين المجيب ، فلا خلاف في اختلاف الصور ، فهما صورتان بلا شكّ ، وتلك الصور كلَّها كالأعضاء لزيد ، فمعلوم أنّ زيدا حقيقة واحدة شخصية ، وأنّ يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه ) .
 
يعني : مع أنّ زيدا ليس إلَّا هيئة اجتماعية من هذه الأعضاء ، فليست صورة عضو منه عين عضو آخر .
 
قال رضي الله عنه  : ( فهو الكثير الواحد ، الكثير بالصورة ، والواحد بالعين ، وكالإنسان بالعين واحد بلا شكّ ولا نشكّ أنّ عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ، وأنّ أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا شخصيا، فهو وإن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص).
 
قال العبد : قد صرّح بالحق الموجود المشهود في هذا المثال ، فإنّ عين الحق - تعالى - لمّا تجلَّى في قابلية كلَّية ، يعمّ ظهور هذه الصور الاعتقادية فيها بحسبها ، فلا شكّ أنّ كلّ ناظر يعتقد فيه صورة إذا رأى صورة معتقده فيه أقرّ واعترف ، ذلك التحقيق يقتضي أنّه لم يقرّ ولم يعترف إلَّا بصورة اعتقاده في الحقّ لا بالحق ، فلو أقرّ واعترف بالحق ، لاعترف وأقرّ به في صور المعتقدات كلَّها ، مع إقراره واعترافه أنّه غير محدود ، ولا منحصر في شيء منها ، ولا في الجميع ، ولكنّه إذا رأى صورة غير صورة معتقده أنكره ،
 
وهو تعالى يقبل إنكاره من حيث خلاف صورة معتقده ، كما يقبل إقراره في عين صورة معتقده ، ويكون عين الكلّ وهو في ذاته تعالى الغنيّة عن العالمين منزّه عن كلّ هذا ، وعن الظهور والتعيّن بها جمعا وفرادى ، وعن نفيك هذه الأمور والصور عنه وتنزيهه عنها .
 
وأمّا ظهور الصور متغيّرة في مرآة الحق لاختلاف في المرآة فضرب مثل لتجلَّي الحق في صور الحضرات مرائي ، فلا يكون تجلَّيه وظهوره في مرآتية كل حضرة حضرة إلَّا بحسبها ، فإنّ نظر ناظر إلى الحق من حيث تجلَّيه في حضرة ،
فإنّه تظهر صورة الرائي له في تلك الحضرة بحسبه ، وأمّا في تجلَّيه الوجودي الذاتي الأحدي الجمعي ، فلا يرى فيه صورة إلَّا على ما هي عليه ، ولكنّ الناظر إن لم يغلب على نظره التقيّد بصورة دون صورة ، ولا حصره في الصورة المرئيّة في المرآة كلَّها ولم ينفها عنه مطلقا ، فإنّه يرى العين بعين رؤية العين عينها ، فافهم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
لقوله رضي الله عنه  : ( وإن كان عين الداعي عين المجيب فلا خلاف في اختلاف الصور ، فهما صورتان بلا شك ، وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد ، فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية ، وأن يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه ) مع أن أحدية جمع هذه الأعضاء بحقيقته وهيأتها الاجتماعية صورته الظاهرة
( فهو الكثير الواحد الكثير بالصور الواحد بالعين ، وكالإنسان بالعين واحد بلا شك ) أين هو كالإنسان بالعين أي بالحقيقة الإنسانية من حيث هي لا بالشخصية واحد
 
قال رضي الله عنه :  ( ولا شك أن عمر إما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا فهو وإن كان واحدا بالعين فهو كثير بالصور والأشخاص )
يعنى وليس في المرآة صورة واحدة من تلك الصور هي مجموع تلك الصور جملة واحدة ، لأن المرآة لا يرى فيها إلا ما قابلها ، وهو الصور الكثيرة.
 
"" أضاف بالي زادة :
لاختلاف مقادير المرائي فللحق أثر في الصورة الظاهرة في مرآته بحسب تجلياته الذاتية ، وللرائى أثر بحسب اعتقاده إذ الحق لا يتجلى له إلا بصورة اعتقاده ، فكان للحق أثر بوجه ، وما له أثر بوجه فأهل الذوق والتمييز لعلمه بمراتب الأشياء يلحق كل أثر إلى صاحبه ، ويعطى كل ذي حق حقه ، فإن طلبت أنت معرفة الحق بالمثال الشهادى فانظر في المثال مرآة واحدة اهـ .أهـ بالى زادة""
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
قال رضي الله عنه : (وإن كان عين الداعي عين المجيب، فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.)  أي ، لا شك أن الإجابة والاستجابة لا يمكن إلا بين عينين متغائرين بالحقيقة ، أو بالصورة .
فإن كان عين الداعي بعينها عين المجيب في الحقيقة ، فلا بد من اختلاف الصور ليكون أحدهما داعيا والآخر مجيبا .
فهما ، أي الداعي والمدعو صورتان بلا شك ، فوحدتهما حقيقة مستندة إلى الواحد الأحد والغنى الصمد ، وكثرتهما صورة مستندة إلى كثرة أسماء الأعيان الواقعة في حظيرة الإمكان .
 
قال رضي الله عنه : ( وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد.) أي ، وتلك الصور التي في المظاهر الإلهية والكونية كلها كصور الأعضاء للحقيقة الجسمية الظاهرة في شخص زيد ، إذ الحقيقة الجسمية واحدة ، وصورها الحاصلة عليها متعددة .
 
قال رضي الله عنه : (فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية ، وأن يده) أي ، صورة يده ( ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه . فهو الكثير الواحد : الكثير بالصور ، الواحد بالعين وكالإنسان بالعين.) عطف على قوله : ( كالأعضاء ) .
أي الصور التي يظهر الحق فيها كثيرة مع أحدية عينه ، كتكثر صور أفراد الإنسان مع أن عين الإنسان (واحد بلا شك . ولا شك أن عمروا ما هو زيد) صورة ، ولا صفة .
 
قال رضي الله عنه : (ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا يتناهى وجودا. فهو ) أي، الإنسان (وإن كان واحدا بالعين) أي ، بالحقيقة والعين الثابتة الإنسانية .

(فهو كثير بالصور والأشخاص.).
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:25 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 5:27 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة التاسعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة التاسعة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة التاسعة :-                                        الجزء الثاني
خصوص النعم في شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو وإن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
قال رضي الله عنه :  (وإن كان عين الدّاعي عين المجيب . فلا خلاف في اختلاف الصّور ، فهما صورتان بلا شكّ ، وتلك الصّور كلّها كالأعضاء لزيد ؛ فمعلوم أنّ زيدا حقيقة واحدة شخصيّة ، وأنّ يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه ، فهو الكثير الواحد ، الكثير بالصّور ، والواحد بالعين ، وكالإنسان واحد بالعين بلا شكّ ، ولا شكّ أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ، وأنّ أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا فهو وإن كان واحدا بالعين ، فهو كثير بالصّور والأشخاص ).
 
قال رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي ) من حيث ظهور الحق فيه ( عين المجيب ، فلا خلاف في اختلاف الصور ) ، إذ لا شكّ في أن الداعي إنما أثر في الإجابة بظهور صورة الحق فيه ، والحق إنما تأثر بظهور صورة العبد فيه ؛ لامتناع تأثر الحق من نفسه ، ومن غيره جميعا ،
قال رضي الله عنه :  ( فهما صورتان ) إحداهما في مرآة العبد ، وهي صورة الحق ، والأخرى في مرآة الحق ، وهي صورة العبد ( بلا شكّ ) ، إذ لا حلول للصورة في المرآة ، فإنه يرى الصغيرة جرم السماء بمقدار بعده عنها ، وليس ذلك مقدار سطح المرآة ولا عمقها ، والوهم مستلزم بصور الحق بهما في نفسه ، ولا ينافي وحدة عين الداعي ، والمجيب اختلاف صورتهما ، إذ ( تلك الصور كلها ) أشارت بذلك إلى أن صورة العبد في مرآة الحق صورة الحق أيضا ، ( كالأعضاء ) التي هي صور مختلفة ( لزيد ) مع وحدته بالشخص .
 
قال رضي الله عنه :  ( فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية ) ، فلا مجال للكثرة في تلك الحقيقة أصلا ، وإنما يكون لها مجال في الحقيقة النوعية ، ولكن كثرة الصور فيها مجال ، ( إذ يده ليست صورة رجله ، ولا رأسه ، ولا عينه ، ولا حاجبه ) ، بل كل منها صورة مخالفة صورة الآخر بحيث لا مقارنة بينها بخلاف الصور الظاهرة لشخص في المرايا المختلفة ؛ ( فهو ) ، أي :
زيد ( الكثير الواحد ) مع تنافي وحدته الشخصية الكثيرة ، لكن ذلك التنافي في ذاته فقط لا في ذاته مع صورة ، فهو الكثير بالصور ( الواحدة بالعين ) ،
وكذلك العين الوجودية واحدة بالذات ، كثيرة بالصور المختلفة بحيث يكون بعضها حقيقة مؤثرة ، وبعضها خلقية متأثرة ، وإن أنكرت كون الأعضاء صورا مختلفة لزيد ، فقل العين الواحدة الوجودية ( كالإنسان ) والصور المختلفة كأفراد ، فإنه ( بالعين ) ، أي : بحقيقته التي هي الحيوان الناطق واحد لما تقرر في الحكمة من أن النفوس الإنسانية متفقة بالحقيقة ، ومع ذلك لها صور مختلفة إذ ( لا شكّ أن عمر ما هو زيد ، ولا خالد ، ولا جعفر ) لوجوب التخالف بين صورهم ، فكذا صور العين الوجودية بعضها حق ، وبعضها خلق ولو باعتبار الظهور ، فلابدّ أن يحكم الوهم بتصويرها في نفسها .
 
ثم أشار إلى أن هذه العين الإنسانية لما لم تكن ذات صورة في نفسها لم تنحصر في صورة واحدة ، فقال : ولا شكّ ( العين الواحدة ) الإنسانية ( لا تتناهى وجودا ، فهو ) أي :
الإنسان ، ( وإن كان ) في الواقع ( واحدا بالعين ) ؛ لوجوب وجود الكلي الطبيعي في الواقع ، ( فهو كثير بالصور ) ؛ وذلك لكثرة ( الأشخاص ) التي لا تتميز إلا بكثرة الصور ، فكذا العين الوجودية ، وإن امتنع فيها كثرة الأشخاص ، فلا يمتنع أن يكون له صور غير متناهية في
 ظهوره بذاته لنا ، وإن لم تكن في مظاهرنا .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )
 
( وإن كان عين الداعي عين المجيب ، فلا خلاف في اختلاف الصور ) فإنّ العين متّحدة ، فلو لم تكن الصورة منها تتكثّر وتختلف ، لا يمكن ورود المتقابلين لها ، ( فهاتان صورتان بلا شكّ ) .
 
ثمّ إنّك قد عرفت مما سبق لك آنفا أنّ للهويّة المطلقة كليّتين إحاطيّتين بحسب مشعري الوهم والعقل ، الذي هما مناط أمر التنزيه والتشبيه ، وأنّ الذين هو مدرك الوهم منهما هو المسمّى بالكلّ - في عرف النظر ، والذي هو مدرك العقل يسمّى بالكلَّي - في عرفهم وقد أشار إليهما بقوله : " فارتبط الكلّ بالكلّ " ، فهاتان هما الصورتان اللتان قد أشار إليهما بصورة التمثيل .
 
فالأوّل من الكلَّين - أعني مدرك الوهم ومناط حكم التشبيه - هو الذي دلّ عليه قوله : ( وتلك الصور كلَّها كالأعضاء لزيد ، فمعلوم أنّ زيدا حقيقة واحدة شخصيّة ، وأنّ يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه، فهو الكثير الواحد الكثير بالصور ، الواحد بالعين ).
 
والثاني من الكلَّين الذي هو مدرك العقل ومناط حكم التنزيه ، وهو الذي أشار إليه بقوله : ( وكالإنسان : واحد بالعين بلا شكّ ) وحدة نوعيّة ، ( ولا شكّ أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ، وأنّ أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا ، وإن كان واحدا بالعين ، فهو كثير بالصور والأشخاص) .
فقد علم بهذا التصوير والتمثيل أنّ العين الواحدة قد تظهر في الصور الكثيرة ، سواء كان في تنزيه العقل أو تشبيه الوهم .
ثم إنّ هذا التقرير إنما يفيد للمستبصرين بطريق النظر والاستدلال ، وأما أهل الإيمان العقدي فلا نفع لهم فيه أصلا ، ولذلك قال منبّها لهم :
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك.
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه ولا عينه ولا حاجبه.
فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص . )


قال الشيخ رضي الله عنه :  (وإن كان عين الدّاعي عين المجيب فلا خلاف في اختلاف الصّور ، فهما صورتان بلا شكّ.)
( وإن كان عين الداعي عين المجيب ) بحسب الحقيقة ( فلا خلاف في اختلاف الصور فهما ) ، أي الداعي والمجيب ( صورتان بلا شك ) الصورة التي هو الداعي صورة كونية إنسانية .


والصورة التي هو المجيب صورة إلهية أسمائية وقد عرفت كيفية إلحاق الأثر إلى المؤثر الحقيقي الذي هو إلحاق التأثير إلى العبد فيما سبق نفس الحال ههنا عليه ، ثم لما انجر كلامه إلى وحدة عين الحق سبحانه وكثرة مظاهره أورد له مثالين :  
أحدهما أن نسبة عينه الواحدة إلى الصور المتكثرة المتغايرة كنسبة النفس الواحدة الشخصية إلى بدنها المتكثر بصور أعضائه المتغايرة .
والثاني : أن نسبتها إلى الصورة المتكثرة كنسبة الكلي إلى جزئياته ،
 
قال رضي الله عنه :  ( وتلك الصّور كلّها كالأعضاء لزيد : فمعلوم أنّ زيدا حقيقة واحدة شخصيّة ، وأنّ يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه . فهو الكثير الواحد ، الكثير بالصّور ، والواحد بالعين .  وكالإنسان واحد بالعين بلا شكّ . ولا شكّ أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر ، وأنّ أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا . فهو وإن كان واحدا بالعين ، فهو كثير بالصّور والأشخاص . )



فإن الأول إشارة بقوله : ( وتلك الصور المتكثرة المتغايرة كلها كالأعضاء ) المتكثرة المتغايرة ( لزيد ) ، أي لبدنه ( فمعلوم أن زيدا ) باعتبار نفسه الناطقة ( حقيقة ) مجردة واحدة ( شخصية وأن يده ) ، التي هي واحدة من أعضاء بدنه ( ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه فهو الكثير الواحد بالصور ) ، أي بصور أعضاء بدنه ( الواحد بالعين ) ، أي عين حقيقته المجردة الشخصية ، فكما أن كثرة صور أعضاء البدن لا يقدح في وحدة تلك الحقيقة ، فكذلك كثرة الصور الكونية لا تقدح في وحدة العين الواحدة .
 
وإلى الثاني أشار بقوله : ( وكالإنسان فإنه بالعين ) ، أي بحقيقته النوعية الإنسانية ( واحد بلا شك ولا شك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا فهو ) ، أي الإنسان ( وإن كان واحدا بالعين فهو كثير بالصور والأشخاص ) فكما أن كثرة الصور والأشخاص لا تقدح في وحدة حقيقة النوعية ، كذلك كثرة الصور الكونية المظهرية لا تقدح في وحدة العين الظاهرة .
ثم إنه أوضح ذلك زيادة إيضاح بقوله :
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:25 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 7:31 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة العاشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة العاشرة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة العاشرة :-                                        الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أنّ الحقّ عينه يتجلّى يوم القيامة في صورة فيعرف ، ثمّ يتحوّل في صورة فينكر ، ثمّ يتحوّل عنها في صورة فيعرف ، وهو هو المتجلّي - ليس غيره - في كلّ صورة .  ومعلوم أنّ هذه الصّورة ما هي تلك الصّورة الأخرى : فكأنّ العين الواحدة قامت مقام المرآة فإذا نظر النّاظر فيها إلى صورة معتقده في اللّه عرفه فأقرّ به . وإذا اتّفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره ، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره فالمرآة عين واحدة والصّور كثيرة في عين الرّائي ، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة .
مع كون المرآة لها أثر في الصّور بوجه ، وما لها أثر بوجه : فالأثر الّذي لها كونها تردّ الصّورة متغيّرة الشّكل من الصّغر والكبر والطّول والعرض ؛ فلها أثر في المقادير ، وذلك راجع إليها).
 
(وقد علمت) يا أيها الإنسان (قطعا) من غير شك (إن كنت مؤمنا) ، أي مصدقا جازما (أن الحق) تعالى (عينه) ، أي ذاته سبحانه (يتجلى) ، أي ينكشف (يوم القيامة)
لأهل المحشر (في صورة) كما ورد في الحديث الصحيح "" اللفظ للبخاري :  
... فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت،
(وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها)، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون،
فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم......"" رواه الستة وغيرهم .
(فيعرف) ، أي يعرف فيها من كان يعرفه في الدنيا بتلك الصورة (ثم يتحوّل) سبحانه (في صورة) أخرى (فينكر) فيها ، أي ينكره من لم يعرفه فيها في الدنيا (ثم يتحوّل) سبحانه (عنها في صورة) أخرى (فيعرف) فيها ،
لأنه كان يعرف فيها في الدنيا من حيث التصوّر في الخيال ومع ذلك كله (هو) سبحانه وتعالى (هو) على ما هو عليه في الأزل من تنزهه وتقدسه (المتجلي) في تلك الصورة المتحوّل فيها (ليس غيره) أصلا (في كل صورة) تجلى بها وتحوّل عنها إلى غيرها .
(ومعلوم) عند العقل أن هذه الصورة التي تجلى فيها ما هي عين تلك الصورة الأخرى التي تحوّل عنها ونحو ذلك (فكانت العين) ، أي الذات الإلهية واحدة في نفسها (وقد قامت) لأهل المحشر يوم القيامة الناظرين إليها (مقام المرآة) المجلوة الظاهرة لهم كلهم على ما هي عليه من إطلاقها الحقيقي بحيث لا ينضبط منها عند ظهورها أمر من الأمور في الخيال ولا في الحس أصلا لعدم تقيدها من حيث هي بوجه من الوجوه غير ما استعد له الناظر من الصورة الناشئة عن مقدار قوّته في إدراك ما استطاع منها في الدنيا وهي غيب عنه ومات على ذلك فيظهر له منها في حضورها يوم القيامة مقدار ذلك .
 
(فإن نظر الناظر فيها) ، أي في تلك العين التي هي كالمرآة (إلى صورة معتقده) بصيغة اسم المفعول أي ما كان يعتقده (في اللّه) تعالى في الدنيا ومات على ذلك .
 
عرفه ، أي عرف معتقده الذي مات عليه (فأقر) ، أي اعترف (به) أنه ربه تعالى .
(وإذا اتفق أن يرى فيها) ، أي في تلك العين التي كالمرآة (معتقد) ، أي ما يعتقده (غيره) من صورة استعداد ذلك الغير (أنكره) أن يكون ربه وتعوّذ منه كما ورد في الحديث .
وقد ذكرنا فيما مر وغيره بعكسه (كما يرى) الإنسان (في المرآة) المجلوة (صورته و) يرى أيضا (صورة غيره فيها فالمرآة عين واحدة) لم تتغير أصلا في نفسها ، وإن ظهرت فيها الصور المختلفة وتحوّلت منها وعادت إليها ،
وإنما التغير والتحوّل والاختلاف في الصور فقط لا في المرآة (والصور) الظاهرة في المرآة (كثيرة في عين الرائي وليس) حالا (في) تلك (المرآة صورة منها) ، أي من تلك الصور الكثيرة (جملة واحدة مع كون المرآة لها) أثر محقق في ظهور تلك (الصور) فيها (بوجه) إذ لولا وجود المرآة ما كانت تلك الصور والأشكال الظاهرة أصلا ( وما لها) ،
 
أي لتلك المرآة أثر في الصور أصلا (بوجه) آخر ، لأن المرآة خالية من تلك الصور الظاهرة فيها ، فهي على ما هي عليه كانت لم تتغير عن حالها الأصلي بحركة ولا سكون ولا انحراف ولا أمر من الأمور حتى ظهرت فيها تلك الصور .
 
(فالأثر الذي لها) ، أي للمرآة في الصور الظاهرة فيها (كونها) ، أي المرآة المذكورة ترد ، أي ترجع الصورة الظاهرة فيها من الشيء الذي يقابلها متغيرة الشكل عما هي عليه في ذات ذلك الشيء المقابل لها من الصغر كالمرآة الصغيرة تظهر فيها الصور الكبار صغار والكبر كالمرآة الكبيرة تظهر فيها الصور الكبار كبارا على أصلها (والطول) هكذا في المرآة الطويلة تظهر فيها الصور المستديرة طويلة (والعرض) كذلك في المرآة العريضة (فلها) ، أي للمرآة من حيث حضراتها التي هي عليها أثر ظاهر منها (في المقادير) ، أي مقادير الصور الظاهرة فيها وذلك الأثر (راجع) من حيث الظهور (إليها) ، أي إلى المرآة لا إلى تلك الصور فالصور في نفسها على ما هي عليه وقد ظهرت المرآة من تلك الصور بما اقتضت حضراتها أن تظهر به لعين الرائي من صغر الصور أو كبرها أو طولها أو عرضها .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
فقال رضي الله عنه : ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا ) بالشرائع ( أن الحق عينه ) وعينه تأكيدا للحق ( يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف ثم يتحول في صورة فينكر ثم يتحول عنها ) فيتجلى ( في صورة فيعرف وهو ) أي الحق ( هو المتجلي ) وجاء ضمير الفصل لحصر التجلي بالحق ( ليس غيره ) تأكيدا للحصر ( في كل صورة ) تنازعا فيه المتجلي وليس فأيهما أعمل قدّر مفعول الآخر كما أن المتجلي في صورة زيد وعمرو وخالد ليس إلا عين الإنسان لا غير .
 
قال رضي الله عنه :  ( ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى ) أي الصورة المعروفة ليست عين الصورة المنكرة ولا الصورة المعروفة عين الصورة المعروفة الأخرى ( فكأن ) بالتشديد ( العين الواحدة ) وهي الذات الإلهية ( قامت مقام المرآة ) في ظهور اختلاف الصور فيها بعين الناظرين ) فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقدة في اللّه عرفه فأقرّ به وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره فالمرآة عين واحدة والصورة كثيرة في عين الرائي و ) الحال ( ليس في المرآة صورة منها ).
 
أي من الصور التي رأى الرائي فيها ( جملة واحدة ) أي أصلا بل الصور إنما تحصل في عين الرائي عند نظره في المرآة ( مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما ) أي ليس ( لها أثر بوجه فالأثر الذي لها ) أي المرآة ) كونها ) أي كون المرآة ( تردّ الصورة ) إلى الناظر ( متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض ) فإذا كان الأمر كذلك ( فلها ) أي للمرآة ( أثر في المقادير وذلك الأثر راجع إليها ) أي إلى المرآة لا إلى الرائي.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
قال رضي الله عنه : ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة. ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به. وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره. فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )


قال رضي الله عنه :  (وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أنّ الحق عينه يتجلَّى يوم القيامة في صورة فيعرف ، ثم يتحوّل في صورة فينكر ، ثم يتحوّل عنها في صورة فيعرف ، وهو هو المتجلَّي ليس غيره في كل صورة ، ومعلوم أنّ هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى ، فكان العين واحدة قامت مقام المرآة ، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقدة في الله عرفه وأقرّ به ، وإذا اتّفق أن يرى فيها معتقد غيره ، أنكر كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره ، فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي ، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة مع أنّ المرآة لها أثر في الصور بوجه ، وما لها أثر بوجه ، فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيّرة الشكل من الصغر والكبر ، والطول والعرض ، فلها أثر في المقادير ، وذلك راجع إليها ).
 
قال العبد : قد صرّح بالحق الموجود المشهود في هذا المثال ، فإنّ عين الحق - تعالى - لمّا تجلَّى في قابلية كلَّية ، يعمّ ظهور هذه الصور الاعتقادية فيها بحسبها ، فلا شكّ أنّ كلّ ناظر يعتقد فيه صورة إذا رأى صورة معتقده فيه أقرّ واعترف ، ذلك التحقيق يقتضي أنّه لم يقرّ ولم يعترف إلَّا بصورة اعتقاده في الحقّ لا بالحق ، فلو أقرّ واعترف بالحق ، لاعترف وأقرّ به في صور المعتقدات كلَّها ، مع إقراره واعترافه أنّه غير محدود ، ولا منحصر في شيء منها ، ولا في الجميع ، ولكنّه إذا رأى صورة غير صورة معتقده أنكره ،
 
وهو تعالى يقبل إنكاره من حيث خلاف صورة معتقده ، كما يقبل إقراره في عين صورة معتقده ، ويكون عين الكلّ وهو في ذاته تعالى الغنيّة عن العالمين منزّه عن كلّ هذا ، وعن الظهور والتعيّن بها جمعا وفرادى ، وعن نفيك هذه الأمور والصور عنه وتنزيهه عنها .
 
وأمّا ظهور الصور متغيّرة في مرآة الحق لاختلاف في المرآة فضرب مثل لتجلَّي الحق في صور الحضرات مرائي ، فلا يكون تجلَّيه وظهوره في مرآتية كل حضرة حضرة إلَّا بحسبها ، فإنّ نظر ناظر إلى الحق من حيث تجلَّيه في حضرة ، فإنّه تظهر صورة الرائي له في تلك الحضرة بحسبه ، وأمّا في تجلَّيه الوجودي الذاتي الأحدي الجمعي ، فلا يرى فيه صورة إلَّا على ما هي عليه ، ولكنّ الناظر إن لم يغلب على نظره التقيّد بصورة دون صورة ، ولا حصره في الصورة المرئيّة في المرآة كلَّها ولم ينفها عنه مطلقا ، فإنّه يرى العين بعين رؤية العين عينها ، فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
قال رضي الله عنه : ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى في القيامة في صورة فيعرف ، ثم يتحول في صور فينكر ، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف ، وهو هو المتجلى ليس غيره في كل صورة ، ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى فكانت العين الواحدة قامت مقام المرآة ، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به ، وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره ، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره ، فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي ، وليس في المرآة صورة جملة واحدة )
 
يعنى وليس في المرآة صورة واحدة من تلك الصور هي مجموع تلك الصور جملة واحدة ، لأن المرآة لا يرى فيها إلا ما قابلها ، وهو الصور الكثيرة
"" أضاف بالي زادة :
لاختلاف مقادير المرائي فللحق أثر في الصورة الظاهرة في مرآته بحسب تجلياته الذاتية ، وللرائى أثر بحسب اعتقاده إذ الحق لا يتجلى له إلا بصورة اعتقاده ، فكان للحق أثر بوجه ، وما له أثر بوجه فأهل الذوق والتمييز لعلمه بمراتب الأشياء يلحق كل أثر إلى صاحبه ، ويعطى كل ذي حق حقه ، فإن طلبت أنت معرفة الحق بالمثال الشهادى فانظر في المثال مرآة واحدة اهـ .أهـ بالى زادة""
 
 قال رضي الله عنه : ( مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه ، فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض ، فلها أثر في المقادير وذلك راجع إليها)
قد صرح بالحق المشهود في هذا المثال ، فإن الحق تعالى لما تجلى في صور المعتقدات رأى كل ناظر معتقد فيه صورة معتقده فعرفه وأقرّ به ، وصوّر سائر المعتقدات فلم يعرفها وأنكرها ، فهو في الحقيقة لم يعترف إلا بصورة معتقده في الحق لا بالحق ، وإلا لاعترف وأقرّ به في جمع صور المعتقدات ، لأن العارف للحق المعترف به يعلم أنه غير محدود ولا ينحصر في شيء منها ولا في الجميع ، ولكنه تعالى يقبل إنكاره في غير صورة معتقده كما يقبل إقراره في صورة معتقده وهو عين الكل غنى بذاته عن العالمين ، وعن كل هذه الصور والتعين بها جمعا وفرادى ، وعن نفى هذه الصور والتنزيه عنها جميعا كما هو مذهب العقلاء .
 
وأما تأثير المرآة في الصور فهي ردها مختلفة المقادير لاختلاف مقادير المرايا في الصغر والكبر والطول والعرض إذا كانت مختلفة ،
وهو ضرب مثال لتجلى الحق في صور الحضرات الأسمائية ، فتصير مرآة الحق مرايا مختلفة الحكم ، فلا يكون تجليه وظهوره في مرآة كل صورة إلا بحسبها ، فإن نظر ناظر الحق من حيث تجليه في حضرة من حضراته فإنه يرى صورته في تلك الحضرة بحسبها لما ذكرنا من تأثير المرآة في الصور .
وأما في تجليه الذاتي الوجودي الأحدى ، فلا يرى فيه صورته إلا على ما هي عليه إذا لم يغلب على نظره التقيد بصورة دون صورة ، ولا حصر في الصور المرئية في المرايا بهذه الاعتبارات .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
قال رضي الله عنه : ( وقد علمت قطعا، إن كنت مؤمنا، أن الحق عينه.) (عينه) تأكيد (للحق) . أي ، الحق عينه
قال رضي الله عنه : (يتجلى يوم القيامة بصورة ، فيعرف ، ثم يتحول في صورة ، فينكر . ثم يتحول عنها في صورة ، فيعرف.) كما جاء في الحديث الصحيح .
 
قال رضي الله عنه : (وهو هو المتجلي ليس غيره في كل صورة.) أي ، والحق هو المتجلي في هذه الصور المعروفة المقبولة والمنكرة المجهولة .
 
قال رضي الله عنه : (ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى : وكأن) بتشديد (النون) . وفي بعض النسخ : ( فكانت ) ( العين الواحدة ) التي هي الذات الأحدية (قامت مقام المرآة) التي يظهر فيها الصور المختلفة باختلاف صور الناظرين .
 
قال رضي الله عنه :  ( فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله ، عرفه وأقر به . وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره ، أنكره . كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره : فالمرآة عين واحدة ، والصور كثيرة في عين الرائي ، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة ) أي ، والحال أنه ليس في المرآة صورة أصلا .

قال رضي الله عنه :  ( مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه ، وما لها أثر في الصور بوجه . فالأثر الذي لها كونها ترد الصور متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير ، وذلك) الأثر (راجع إليها.) أي، إلى المرآة .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:27 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 7:36 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة العاشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة العاشرة على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة العاشرة :-                                        الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
قال رضي الله عنه :  (وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أنّ الحقّ عينه يتجلّى يوم القيامة في صورة فيعرف ، ثمّ يتحوّل في صورة فينكر ، ثمّ يتحوّل عنها في صورة فيعرف ، وهو هو المتجلّي ليس غيره في كلّ صورة ، ومعلوم أنّ هذه الصّورة ما هي تلك الصّورة الأخرى ؛ فكأنّ العين الواحدة قامت مقام المرآة ، فإذا نظر النّاظر فيها إلى صورة معتقده في اللّه عرفه فأقرّ به ، وإذا اتّفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره ، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره فالمرآة عين واحدة والصّور كثيرة في عين الرّائي ، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة ، مع كون المرآة لها أثر في الصّور بوجه ، وما لها أثر بوجه ؛ فالأثر الّذي لها كونها تردّ الصّورة متغيّرة الشّكل من الصّغر والكبر والطّول والعرض ؛ فلها أثر في المقادير ، وذلك راجع إليها ).
 
وكيف تنكر هذا ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا ) برؤية الحق في القيامة ، فلم تحمل النصوص الواردة فيها على غير معنى الرؤية ( إن الحق عينه ) من غير اعتبار ظهوره في مظهر ، وإلا كان مرئيّا اليوم لكل أحد بلا فرق من رؤية اليوم ورؤية يوم القيامة ، اللهم إلا أن يقال بكمال ذلك المظهر دون هذه المظاهر ، لكنه باطل للاتفاق على أن أكمل المظاهر مظاهر الرسل والملائكة ، لكن رؤية يوم القيامة في مظاهرهم خلاف الإجماع ( يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف ، ثم يتحول في صورة فينكر ، ثم يتحول عنها ) ، فيتجلى ( في صورة ) هي المرئية أولا أو أعلى منها ؛ ( فيعرف ) .
 
وهو ما روى مسلم عن أبي سعيد الخدري : « أن ناسا في زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا : يا رسول اللّه ! هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : وهل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب ، وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس معها سحاب ؟
قالوا : لا ، يا رسول اللّه ، قال : ما تضارون في رؤية اللّه يوم القيامة ، إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة ، أذّن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد يعبد غير اللّه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ، ثم قال بعد أسطر : حتى إن لم يبق إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها ، قال : فماذا تنتظرون ! لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا : إنا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ، ولم نصاحبهم ،
فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه منك لا نشرك باللّه شيئا مرتين أو ثلاثا ، حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب ، فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونها ؟
فيقولون : نعم ، فيكشف عن ساق ، فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه إلا أذن اللّه له بالسجود ، ولا يبقى من كان يسجد رياء إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة ، كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم ، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فقال : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا . . . إلى آخر الحديث » . رواه مسلم
 
قال رضي الله عنه :  ( وهو ) أي : اللّه ( هو المتجلي ليس غيره ) متجليا ( في كل صورة ) حتى المنكرة ، خلاف ما يقول بعضهم : إن الملك في الصورة المنكرة ، والمراد بالصورة المعروفة : الصفة أطلق عليها الصورة بطريق المشاكلة فرارا من رؤيته في صورة ، إذ لا صورة له في ذاته مع أنه لا يزيد على ما قبلوه من ظهور جبريل في صورة دحية مع أنه ليس على صورته في ذاته .
 
ثم أشار إلى أن هذه الصور ليست له في ذاته لاختلافها ، والصورة الذاتية لا تختلف ؛ فقال : (ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى ) .
 
ثم أشار إلى أنها ليست باعتبار المظهر ؛ فقال : ( وكأن العين الواحدة قامت ) لأهل الرؤية في القيامة ( مقام المرآة ) ، لكن المرآة ترى فيها صور الأشخاص ، والمرئي في مرآة الحق صور الاعتقادات المختلفة ، ( فإذا نظر الناظر فيها ) أي : في مرآة الحق ( إلى صورة معتقده في اللّه ) في الدنيا ، ( وأقر به ) بلسانه ( وإذا اتفق أن يرى فيها ) صورة ( معتقد غيره ) ، ولا استحالة في ذلك إذ ليس بطريق الحلول ، بل ( كما يرى في المرآة ) المتعارفة ( صورته ، وصورة غيره ) من غير حلول تلك الصور فيها ؛
( فالمرآة ) المتعارفة ( عين واحدة ، والصور كثيرة ) ، والواحد لا تحل فيه الصور الكثيرة ، وإلا لجاز أن يكون الشيء الواحد ماء ونارا معا ، وجاز أن يكون الإنسان الواحد زيدا وعمر معا ، فهي إنما توجد ( في عين الرائي ) بشرط مجازاتها للمرآة فنظرها فيها ، وكيف يكون في المرآة جميع تلك الصور .
 
قال رضي الله عنه :  ( وليس في المرآة صورة منها جملة ) مع كونها ( واحدة ) ، إذ لا يتسع لها مقدار سطح المرآة ، وهي ترى بعيدة فوق مقدار ثخن المرآة ، ثم الصورة الحالة مؤثرة في المحل ، ولا يتأتى ذلك في صور المرآة ( مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه ) ، وهي علة الوجود ، ولكنها غير تامة إذ ( ما لها أثر ) في الصور ( بوجه ) ، فالعلة المجموع منها ، ومن قيام الشخص بحذائها ، ( فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر ، والطول والعرض ) على خلاف ما عليه الشخص ، ( فلها أثر في المقادير ) لا في نفس الصور ، وإلا كانت مثل المرايا لا مثل الأشخاص ، فالمؤثر في أصلها هو الشخص ، ( وذلك ) الأثر التغييري ( راجع إليها )
 
أي : إلى مقادير المرايا لأنفسها ، والمحل لا يؤثر في نفس الصورة الخالية ، فكيف يؤثر فيها ما هو من عوارض المحل ، وإنما رجع ذلك الأثر التغييري إلى مقادير المرائي ؛ لأنه
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
مثال آخر لرؤية الواحد كثيرا
ثم إنّ هذا التقرير إنما يفيد للمستبصرين بطريق النظر والاستدلال ، وأما أهل الإيمان العقدي فلا نفع لهم فيه أصلا ، ولذلك قال منبّها لهم : ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا حقّا ) ، بما روي في الصحاح من ثقات الرواة عن الحضرة الختميّة ، الكاشفة عن الأمر بما هو عليه ( أنّ الحقّ عينه يتجلَّى يوم القيامة في صورة ، فيعرف ، ثمّ يتحوّل في صورة فينكر ، ثمّ يتحوّل عنها في صورة فيعرف).
( وهو هو المتجلَّي - ليس غيره - في كلّ صورة ومعلوم أنّ هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى ، فكان العين الواحدة قامت مقام المرآة ) في إراءة الصور المتخالفة في القبول والرد عند توجّه المعتقد إليها.


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله ) المأنوسة إليها ، المشغولة بها ، لقوّة الرقائق الارتباطية التي بين تلك الصورة ومعتقدها ، حيث حكمت بتصويره إيّاها ، وجعلها قبلة قبوله بين الصور : ( عرفه وأقرّ به وإذا اتّفق أن يرى فيها معتقد غيره ) من الصور المتمثّلة بها : ( أنكره كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره ، فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي ) لا في العين الواحدة ، فإنّها منزّهة عن الصور كلَّها ( وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة ) فإنّها بمنزلة العين الواحدة التي هي القابليّة الأولى ، وهي من الفيض الأقدس عن الثنويّة مطلقا .
 
أثر المرآة في الرؤية
ثمّ إنّك قد عرفت أن مبدأ التعيّنات إنما هو القابل ، ومن ثمة قال : ( مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه ) وهو حيثيّة كونها بمنزلة القابل الطالب بلسان الاستعداد أحكام التعيّنات ووجوه التخصيصات ، ( وما لها أثر بوجه ) وهو من حيث أنّها بمنزلة العين الواحدة التي قد اندمجت فيها تلك الأحكام ، وتلاشت وجوه ظهورها .
 
مبدأ الاختلاف في الخصوصيّات
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فالأثر الذي لها كونها تردّ الصور متغيّرة الشكل - من الصغر والكبر ، والطول والعرض ) ، فإنّها بمنزلة مبادئ الاختلاف الأسمائيّة والشؤون الذاتيّة وإنما تختلف الأسماء بالحيطة والشمول ، والاندراج والكليّة ، وهي التي بمنزلتها الصغر والكبر والطول والعرض ، فإنّها مقادير إنما تتخالف بها الأشياء ، تخالفا عرضيّا نسبيّا لا ذاتيا حقيقيّا .
 
( فلها أثر في المقادير ) التي هي مبدأ الخصوصيّات وهذا يناسب ما تسمعه من الصدر الأول من الحكماء الفيثاغوريين - أرباب التعاليم – حيث ذهبوا إلى أن العدد أصل الماهيّات ، وما تراه قد عوّل عليه أهل التحقيق من تلامذة الأئمّة المهتدين ، نقلا عنهم ، حيث ذهبوا إلى أنّ استخراج الخواصّ من الأشياء إنما يعلم من العدد المستخرج من أسمائها وهذا من أصول ما ذهب إليه السيد سلام الله على آبائه الكرام وعليه ، على ما أومى إليه في المقدمة .
 
فعلم أنّ مبدأ خصوصيّات الأشياء وتمايزها إنما هو القابليّة الأولى المتمثّلة هاهنا بالمرآة ، ( وذلك ) الأحكام الخصيصة بكل منها تفصيلا ( راجع إليها ) .
 
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ تلك القابليّة إنما هو من الفيض الأقدس ، الذي لا مجال للثنويّة فيه أصلا فوجّه ذلك المعنى في المثال المذكور بقوله:
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أنّ الحقّ عينه يتجلّى يوم القيامة في صورة فيعرف ، ثمّ يتحوّل في صورة فينكر ، ثمّ يتحوّل عنها في صورة فيعرف ، وهو هو المتجلّي ليس غيره في كلّ صورة . ومعلوم أنّ هذه الصّورة ما هي تلك الصّورة الأخرى : فكأنّ العين الواحدة قامت)


ثم إنه أوضح ذلك زيادة إيضاح بقوله : ( وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا ) حقا بما تدل عليه صحاح الأحاديث النبوية صلى اللّه عليه وسلم على مصدرها ( أن الحق عينه يتجلى في القيامة في صورة فيعرف بثم يتحول في صورة فينكر ثم يتحول عنها في صورة فيعرف وهو هو المتجلي ليس غيره في كل صورة .
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى فكان العين الواحدة قامت
 
قال رضي الله عنه :  ( مقام المرآة فإذا نظر النّاظر فيها إلى صورة معتقده في اللّه عرفه فأقرّ به . وإذا اتّفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره ، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره فالمرآة عين واحدة والصّور كثيرة في عين الرّائي ، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة .  مع كون المرآة لها أثر في الصّور بوجه ، وما لها أثر بوجه : فالأثر الّذي لها كونها تردّ الصّورة متغيّرة الشّكل من الصّغر والكبر والطّول والعرض ؛ فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها.  )


قال رضي الله عنه :  (مقام المرآة ) في إراءة الصور المتخالفة ( فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في اللّه عرفه فأقر به . وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره ، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره بالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة ) .
 
أما في المثال فلما دل على بطلان القول بانطباع الصور فيها ، وأما في الممثل فلتنزهها عن صور التعينات كلها ( مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه ) ما ( وما لها أثر فيها بوجه ) آخر ( فالأثر الذي لها في الصور كونها ترد الصور متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض ) ، بحسب تغيرها في هذه الأمور ، فإذا كانت المرآة صغيرة رئيت الصور صغيرة على هذا القياس من الكبر والطول والعرض ( فلها ) ، أي للمرآة ( أثر في المقادير ) ، أي مقادير الصور ( وذلك ) الأثر ( راجع إليها ) ، أي إلى المرآة.

 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:27 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 7:44 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الحادية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الحادية عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الحادية عشر :-                               الجزء الأول

جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )
 
قال رضي الله عنه :  (وإنّما كانت هذه التّغييرات منها لاختلاف مقادير المرائي .
فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي ، لا تنظر الجماعة ، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا . فهو غنيّ عن العالمين ؛ ومن حيث الأسماء الإلهيّة فذلك الوقت يكون كالمرائي .
فأيّ اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر ، فإنّما يظهر للنّاظر حقيقة ذلك الاسم .
فهكذا هو الأمر إن فهمت . فلا تجزع ولا تخف فإنّ اللّه يحبّ الشّجاعة ولو على قتل حيّة).
 
(وإنما كانت هذه التغييرات) في الصور (منها) ، أي من تلك العين الواحدة التي هي كالمرآة (لاختلاف مقادير المرائي) الموجودة في تلك العين الواحدة ، أي الموجودة المختلفة فكل إنسان ناظر إلى مرآة مخصوصة هي حضرة اسم من أسمائها ، فلها فيه صورة مخصوصة (فانظر) يا أيها السالك (في المثال) المذكور (مرآة واحدة من) جملة (هذه المرائي) المذكورة (لا تنظر الجماعة) من المرائي كلها (وهو) ،
أي ذلك النظر المخصوص (نظرك) إليه تعالى (من حيث كونه) سبحانه (ذاتا فهو) تعالى من هذا الوجه (غني عن العالمين)، أي لا افتقار له ولا احتياج إلى شيء منهم أصلا .
 
وأما نظرك (من حيث الأسماء الإلهية) المتجلي بها سبحانه على كل شيء فهو ظاهر بصورة كل شيء (فذلك الوقت يكون) تعالى من تلك الحيثية (كالمرائي) الكثيرة المختلفة كل اسم منها بمنزلة المرآة المستقلة (فأي اسم إلهي) من ذلك (نظرت فيه نفسك) من حيث هو كالمرآة المجلوة أو نظرت (من نظر) فيه نفسه من غيرك (فإنما يظهر) من ذلك (في) عين (الناظر حقيقة ذلك الاسم) الإلهي بمقتضى ما هو عليه تلك الصورة من الحالة المخصوصة .
 
(فكهذا) ، أي كما ذكرنا (هو الأمر) الإلهي عليه في نفسه والشأن الرباني (إن فهمت) يا أيها السالك ما قد ذكرنا (فلا تجزع) ، أي لا يقل صبرك (ولا تخف) من تحقيق هذه المعاني الإلهية والأسرار الربانية وإن أزالت ما عندك من الجهل الذي كان بمقتضى نظرك القاصر (فإن اللّه) تعالى (يحب الشجاعة) ، أي قوّة القلب في جميع الأمور (ولو على قتل حية) يجدها الإنسان .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرايا ) فللحق أثر في الصورة الظاهرة في مرآته بحسب تجلياته الذاتية وللرائي أثر بحسب اعتقاده إذ الحق لا يتجلى له إلا بصورة اعتقاده فكان للحق أثر بوجه وما له أثر بوجه فأهل الذوق والتمييز لعلمه بمراتب الأشياء يلحق كل أثر إلى صاحبه يعطي كل ذي حق حقه فإن طلبت أنت معرفة الحق بالمثال الشهادي
 
قال رضي الله عنه :  ( فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي لا تنظر الجماعة ) أي لا ينظر العامة بل ينظر الخواص ، فإن العامة لا تنظر فيها لطلب معرفة اللّه بل إنما تنظر لمعرفة صورته المجهولة له بوجه والخواص إنما ينظرون من حيث كونها مثالا لمعرفة اللّه هنالك مطلبهم أو بتاء الخطاب فمعناه لا تنظر كثرة المرآة .
 
قال رضي الله عنه :  ( وهو ) أي النظر في المثال مرآة واحدة ( نظرك ) في الحق ( من حيث كونه ذاتا فهو ) أي الحق من هذه الحيثية ( غني عن العالمين ) لا يكون مرآة لأحد ولا يكون أحد مرآة له فكما أن المرآة المنظور فيها من حيث نفسها واحدة غنية عن الصور الحاصلة فيها كذلك ذات الحق ( من حيث ذاته غني عن العالمين ) وانظر إلى المرايا المتخالفة في المقدار وهو نظرك في الحق ( من حيث الأسماء الإلهية فكذلك الوقت ) أي وقت نظرك في الحق من حيث الأسماء الإلهية.
 
قال رضي الله عنه :  ( يكون ) الحق ) كالمرايا المتكثرة المتخالفة المقادير فأيّ اسم إلهي نظرت ) أنت ( فيه نفسك أو من نظر فيه ) نفسه ( فإنما يظهر للناظر حقيقة ذلك الاسم ) كما يظهر للناظر حقيقة المرآة من الطول في المرآة الطويلة والعرض من المرآة العريضة والصغر والكبر والناظر واحد وهذه الصور المختلفة هي حقائق المرايا تظهر للناظر .
 
قال رضي الله عنه :  ( فهكذا ) أي فكما ذكرنا ( هو ) الشأن ( الأمر ) في حق الحق ( إن فهمت ) فاطلب بقتل نفسك بالفناء في اللّه فاصبر بالبلايا في طريق الوصول إلى ما ذكرناه من معرفة الحق ( فلا تجزع ولا تخف ) وكن شجاعا على قتل نفسك فإنه يوصلك إلى شهود الحق ( فإن اللّه يحب الشجاعة ولو على قتل حية ) حقيرة خارجة عنك قليلة الضرّ والعداوة التي لا تضرّك إذا لم تقتل فلا يجب عليك قتلها مع أنها لو قتلها وصلت درجة الشجاعة فاستحقت حب اللّه .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )
 
قال رضي الله عنه : ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا : فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت . فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية. )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )


قال رضي الله عنه : (وإنّما كانت هذه التغييرات منها، لاختلاف مقادير المرائيّ) .
 
أمّا ظهور الصور متغيّرة في مرآة الحق لاختلاف في المرآة فضرب مثل لتجلَّي الحق في صور الحضرات مرائي ، فلا يكون تجلَّيه وظهوره في مرآتية كل حضرة حضرة إلَّا بحسبها ، فإنّ نظر ناظر إلى الحق من حيث تجلَّيه في حضرة ، فإنّه تظهر صورة الرائي له في تلك الحضرة بحسبه ، وأمّا في تجلَّيه الوجودي الذاتي الأحدي الجمعي ، فلا يرى فيه صورة إلَّا على ما هي عليه ، ولكنّ الناظر إن لم يغلب على نظره التقيّد بصورة دون صورة ، ولا حصره في الصورة المرئيّة في المرآة كلَّها ولم ينفها عنه مطلقا ، فإنّه يرى العين بعين رؤية العين عينها ، فافهم .
قال رضي الله عنه  : ( فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي لا تنظر الجماعة وهو نظرك من حيث كونه ذاتا ، فهو غنيّ عن العالمين ، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرائي ، فأيّ اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر فإنّما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم ، فهكذا هو الأمر إن فهمت ، فلا تجزع ولا تخف ، فإنّ الله يحبّ الشجاعة ولو على قتل حيّة ).
 
يشير رضي الله عنه:  محرّضا على إطلاق العلم بالله عن كلّ قيد وحصر في عقد ، وليس ذلك إلَّا بإفساد الاعتقادات الجزئية التقييدية التحديدية صورة أو معنى أو بهما معا ، ويشجّع الناظر في حقيقة الحق على إفساد صورة التقييد والتحديد ، حتى يشهد الحق الموجود المشهود الشاهد ، كما هو في حقيقته ، وذلك بأن يراه عين كل شيء غير منحصر في تعيّنه به وفيه ،
ولا في الكلّ مطلقا عن الكلّ جامعا بين التعيّن واللاتعيّن مطلقا في جمعه بينهما ، قابلا كلّ وصف وحكم واعتبار من كل حاكم وواصف معتبر ، مع كمال تقديسه ونزاهته في حقيقته عن كل ذلك ، وإطلاقه في ذاته الغنيّة عن العالمين ، فهذا هو العلم المحقّق الصحيح بحقيقة الحق على ما يعلم نفسه ، وفي تفصيل ذلك طول ، فتدبّر وتحقّق إن شاء الله تعالى.
 
واعلم : أنّه ليس وراء الله مرمى ولا دونه منتهى ، وهو المنتهى والمنتهى ولا انتهاء له إلَّا إليه ، إليه المصير ، وهو الواحد الأحد الذي ليس في الوجود غيره .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )
 
قال رضي الله عنه :  (وإنما كانت هذه التغييرات منها لاختلاف مقادير المرايا )
قد صرح بالحق المشهود في هذا المثال ، فإن الحق تعالى لما تجلى في صور المعتقدات رأى كل ناظر معتقد فيه صورة معتقده فعرفه وأقرّ به ، وصوّر سائر المعتقدات فلم يعرفها وأنكرها ، فهو في الحقيقة لم يعترف إلا بصورة معتقده في الحق لا بالحق ، وإلا لاعترف وأقرّ به في جمع صور المعتقدات ،
لأن العارف للحق المعترف به يعلم أنه غير محدود ولا ينحصر في شيء منها ولا في الجميع ، ولكنه تعالى يقبل إنكاره في غير صورة معتقده كما يقبل إقراره في صورة معتقده وهو عين الكل غنى بذاته عن العالمين ، وعن كل هذه الصور والتعين بها جمعا وفرادى ، وعن نفى هذه الصور والتنزيه عنها جميعا كما هو مذهب العقلاء .
 
وأما تأثير المرآة في الصور فهي ردها مختلفة المقادير لاختلاف مقادير المرايا في الصغر والكبر والطول والعرض إذا كانت مختلفة ،
وهو ضرب مثال لتجلى الحق في صور الحضرات الأسمائية ، فتصير مرآة الحق مرايا مختلفة الحكم ، فلا يكون تجليه وظهوره في مرآة كل صورة إلا بحسبها ، فإن نظر ناظر الحق من حيث تجليه في حضرة من حضراته فإنه يرى صورته في تلك الحضرة بحسبها لما ذكرنا من تأثير المرآة في الصور .
وأما في تجليه الذاتي الوجودي الأحدى ، فلا يرى فيه صورته إلا على ما هي عليه إذا لم يغلب على نظره التقيد بصورة دون صورة ، ولا حصر في الصور المرئية في المرايا بهذه الاعتبارات .
 
قال رضي الله عنه :  ( فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي لا تنظر الجماعة ، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا فهو غنى عن العالمين ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرائي ، فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم ، فهكذا هو الأمر إن فهمت ، فلا تجزع ولا تخف ، فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية )
 
أي فانظر في هذه المثال مرآة واحدة هي مرآة الذات الأحدية ، ولا تنظر المرايا الأسمائية ، وفيه تحريض على التوجه إلى الذات الأحدية على إطلاقها عن كل قيد وحصر في عقد ،
وذلك بإفناء الاعتقادات المتجزية التحديدية والتقييدية صورة ومعنى ،
وتشجيع للطالب السالك سبيل الحق على كسر أصنام المعتقدات كلها ، ورفع حجب التعينات بأسرها ، حتى يشهد الحق المحض الشاهد المشهود على الحقيقة في عين كل شيء غير منحصر فيه وفي تعينه ولا في الكل ، بل مطلقا جامعا بين التعين واللاتعين فيكون سويا على صراط مستقيم " صِراطِ الله الَّذِي لَه ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الأُمُورُ "
ولا عوج ولا التواء ولا ميل ولا تعرج في سير الله كالحية ، ولا حية إلا نفسك "أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِه أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ "
"" أضاف بالي زادة :
غنى عن العالمين : أي لا يكون مرآة لأحد ولا يكون أحد مرآة له ، فتكون المرآة المنظور فيها من حيث نفسها واحدة غنية عن الصور الحاصلة فيها ، كذلك ذات الحق من حيث ذاته غنى على العالمين ، وانظر إلى المرايا المتخالفة في المقدار وهو نظرك في الحق من حيث الأسماء فذلك الوقت يكون كالمرائي .أهـ بالى زادة ""
 
 فالميل إلى اختلاف المذاهب والمعتقدات ومعارج طرق الحضرات ، إنما هو كانسياب الحيات فاجتنبها واتبع الطريقة المحمدية في قوله تعالى :" ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ من الأَمْرِ فَاتَّبِعْها " أي فاتبع الطريقة " ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ".  فاقتل حية نفسك في التقييد بتعينك ،
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )


قال رضي الله عنه : ( فإنما كانت هذه التغيرات منها ) أي ، من المرآة . ( لاختلاف مقادير المرآئي . ) هذا تصريح بوجه التشبيه .
وتقريره : أن المرآة مع أنها خالية عن الصور التي يظهر فيها لها أثر في الصور الظاهرة فيها.
وذلك ردها إياها متغيرة الشكل في الصغر والكبر والطول والعرض والاستدارة وغيرها .
فكل من الرائي والمرآة مؤثر من وجه ومتأثر من آخر . فكذلك للحق أثر في الصور الظاهرة في مرآة ذاته ، وذلك بواسطة تجلياته الغيبية وشؤونه الذاتية .
ولصور العالم أثر، وهو بواسطة تفاوت أعيانهم واختلاف استعداداتهم الموجبة لاختلاف عقائدهم .
فلا بد للعارف أن يلحق الأثر الإلهي إلى حضرته ، والأثر الكوني إلى حضرته.
قال رضي الله عنه : (فانظر في المثال مرآة واحدة) أي، حال كونه مرآة واحدة (من هذه المرائي لاينظر الجماعة) أي ، بنظرك الكامل الجامع للعقائد ، لا بنظر الجماعة من المعتقدين بالاعتقادات الجزئية.
 
ويجوز أن تقرأ : (لا تنظر الجماعة) . بتاء الخطاب . ومعناه : فانظر في مرآة واحدة ، ولا تنظر في جماعة المرآيا التي هي الأسماء ، فإنها تفرق خاطرك وتخرجك عن الصراط المستقيم . كما قال تعالى : (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) .
قال رضي الله عنه : ( وهو نظرك من حيث كونه ذاتا. ) أي ، أنظروا لشأن نظرك في الحق من حيث كونه ذاتا واحدة غنية عن العالمين .
ويجوز أن يعود الضمير إلى مصدر ( فانظر ) . أي ، وذلك النظر شهودك إياه من حيث ذاته ، لا من حيث أسمائه .
قال رضي الله عنه : ( فهو ) أي ، الحق من حيث ذاته ( غنى عن العالمين ، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرآتي . ) أي ، وإذا كان نظرك فيه من حيث أسمائه وصفاته ، يكون كالمرآئي المتكثرة .
والخلاصة ، أنك إذا نظرت إلى الحقيقة الواحدة المرآتية ، لا إلى المرايا المتعددة التي هي أشخاصها بنظرك الكامل ، وجدت الحقيقة المرآتية مثالا للذات الغيبية الإلهية ، وإذا نظرت إلى المرايا المتعددة ، وجدتها أمثلة لمرآيا الأسماء المتكثرة ، فتكون عقيدة الناظر في الذات من حيث هي هي ومن حيث الأسماء والصفات ، كالهيولي بجميع العقائد ، بخلاف أصحاب العقائد الجزئية ، فإنه يقر بما يعرفه ، وينكر بما يجهله .
قال رضي الله عنه : ( فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك ) بتاء الخطاب ، ونصب ( نفسك ) على المفعولية . ( أو من نظر ، فإنما يظهر للناظر ) وفي بعض النسخ : ( في الناظر ) .
( حقيقة ذلك الاسم . ) أي ، أي اسم إلهي شاهدت نفسك في مرآته وأدركت صورة عقيدتك ، أو نفس من نظر فيها وعقيدته ، فإنما يتجلى لنظر الناظر حقيقة ذلك الاسم ، فتصير كالمرآة المظهرة صورة كل ناظر فيها .
أو : أي اسم إلهي نظرت بسكون ( التاء ) فيه نفسك ، أو نفس من نظر فيه ترفع ( نفسك ) على الفاعلية فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم بظهور لوازمه فيه . 
والأول أنسب ، لأنه جعل ( الاسم ) مرآة . وهي لا يشاهد ، وإنما يشاهد الصورة فيها . كما مر مرارا من أن عين المرآة لا ترى ، ولا يمكن أن يراها أحد .
قال رضي الله عنه : ( فهكذا هو الأمر ، إن فهمت . ) أي ، الشأن الإلهي في تجلياته وفي ظهوراته كالشأن في المرآة ، إن فهمت ما أشير إليك من أن الذات الأحدية غير مدركة ، ولا صورة فيها من حيث هي ، وهي مظهرة لجميع صور العالم ( فلا تجزع ولا تخف ) عند احتجابك عن شهود نفسك ، ولا تخف عند إقدامك بطلب شهود حقيقتك من الفناء .
 
قال رضي الله عنه : ( فإن الله يحب الشجاعة ) وأعلى مراتب الشجاعة هو إفناء نفسه وذاته مع صفاتها وأفعالها في عين ذات الحق وصفاته وأفعاله . وإنما كانت الشجاعة محبوبة لاستلزامه عين البقاء الأبدي وتحققه بالوجود المحض الحقاني .

قال رضي الله عنه : (ولو على قتل حية) هذا تضمين لقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية ). وليست الحية سوى نفسك. أي ، الحية التي هي عدو لك وينبغي قتلها ليست في الحقيقة إلا نفسك .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:29 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 7:48 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الحادية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الحادية عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الحادية عشر :-                               الجزء الثاني

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )

قال رضي الله عنه :  ( وإنّما كانت هذه التّغييرات منها لاختلاف مقادير المرائي، فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي ، لا تنظر الجماعة ، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا ؛ فهو غنيّ عن العالمين ، ومن حيث الأسماء الإلهيّة فذلك الوقت يكون كالمرائي ، فأيّ اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر ، فإنّما يظهر للنّاظر حقيقة ذلك الاسم ، فهكذا هو الأمر إن فهمت ، فلا تجزع ولا تخف فإنّ اللّه يحبّ الشّجاعة ولو على قتل حيّة )
( إنما كانت هذه التغييرات منها ) أي : في الصور و(اختلاف مقادير المرائي) .
ثم أشار إلى سبب رؤية صور الاعتقادات في مرآة الحق دون صور الناظرين ؛

"" أضاف المحقق :
فهو يرى الخلق في مرآة الحق ، وإنما كان الحق في ذوق صاحب هذه الرؤية باطنا ، والخلق ظاهرا ؛ لأن وجه المرآة يخفى لظهور ما يتجلى فيها ، فإنه متى انطبع في المرآة صورة لا بد وأن تظهر في وجهها لأجل ذلك .أهـ . لطائف الإعلام ). ""


فقال : ( فانظر في المثال ) أي : إذا علمت أن المرآة مثال لحضرة الحق في ظهور الصور ، فانظر فيه بوجه آخر يكون به مثالا لرؤية صور الاعتقادات دون صور الناظرين ،
فتقول : ( مرآة واحدة ) قابلها مرايا كثيرة ، فظهرت في تلك المرآة حتى صارت كأنها مجموعة من المرائي يظهر فيها ما في تلك المرائي من الصور ، لكن لا يكون في هذه المرآة شيء من صور الناظرين ، إذ لا تكون قابلة تلك المرائي لها بنظر الجماعة فيها حتى تظهر صورهم في تلك المرائي ، ثم في تلك المرآة الواحدة ، فالمرآة الواحدة هو الحق والمرايا المتقابلة هي نفوس الناظرين ، والصور التي فيها صور اعتقاداتهم لا صور أشخاصهم لغنائهم عن أنفسهم ، فلا تكون لهم صور في نفوسهم .

( وهو ) أي : النظر في مرآة الحق باعتبارين أحدهما ( نظرك من حيث كونه ذاتا ) ، ولا تحصل منه صورة في مرآته ؛ لأنه أجل من أن تدركه نفوسا ، وتعقله أذهانا ، ويتخيله خيالنا ؛ ( فهو غني عن العالمين ) فلا يظهر في شيء حتى يكون له صورة في النفس ، وإنما يظهر في ضمن الأسماء ، وإن كان قد يكون مغلوبا بحيث لا يلتفت إليه ، والثاني نظرك ( من حيث الأسماء الإلهية ، فذلك الوقت تكون ) هذه المرآة الواحدة الإلهية بظهور صور الاعتقادات الحاصلة من ظهور صور الأسماء في نفوس الناظرين ( كالمرائي ) ،

لكن لا تظهر فيها تلك المرائي لغنائها في نظره ، وإنما يظهر ما فيها من صور الاعتقادات ؛ لوجودها في الواقع بحيث تقوم بها تلك الصور ، وإليه الإشارة بقوله : ( فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو ) نفس ( من نظر ) من غيرك .

 

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإنما تظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم ) دون حقيقة نفس الناظر لغنائها في نظره مع وجودها في نفس الأمر ، ( فلا تجزع ) فإن النظر في الاسم الإلهي لما أوجب فناء النفس يكون ذلك مانعا من الرؤية ، ( ولا تخف ) من إفناء نفسك بحصول هذه الرؤية من توهم أن إفنائها مخل بالرؤية القائمة بالنفس ، إذ يكفي لها قيامها في نفس الأمر لا في نظرك ، فإنه مانع من الرؤية ، فكن شجاعا في إفنائها من نظرك ، ( فإن اللّه يحب الشجاعة ولو على قتل حية ) ،وهو إشارة إلى إفناء النفس إذ

 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )


ثمّ إنّك قد عرفت أنّ تلك القابليّة إنما هو من الفيض الأقدس ، الذي لا مجال للثنويّة فيه أصلا فوجّه ذلك المعنى في المثال المذكور بقوله ( وإنما كانت هذه التغيّرات منها لاختلاف مقادير المرائي ) ، أي تلك الآثار والخواصّ ليست من الأفعال المباينة للمرائي والقابليّات الخارجة عنها ، بل القوابل إنما هي قوالب تلك الخصوصيّات ، وهي صورة ظهورها ومثال ظلَّها وعكسها .
ثمّ إنّ التجليّات كما أنّ منها ما هو أسمائيّ وهي متخالفة الأحكام ، فمنها ما هو ذاتيّ أحدىّ العين والحكم ، والمثال يجب أن يطابق سائر أفراد الممثّل وجميع جزئيّاته ، فأشار إلى تصوير الأسمائيّ منها والذاتيّ مفصلا فالذاتيّ الذي هو أحديّ العين والحكم هو المعبّر عنه بقوله


التجلَّي الذاتي والأسمائي
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي ) عند تمثّل الصورة بنظرك الواحد بالعين والشخص ، ( لا بنظر الجماعة ) ، فإنّه لا مجال للتعدّد في هذا التجلَّي أصلا ، - فلذلك قال : ( وهو بنظرك من حيث كونه ذاتا ) ، أي المرآة هاهنا ليس إلَّا نظرك نفسك ، من حيث الوحدة العينيّة - التي لا مجال للمغائرة ولا للكثرة فيها أصلا ، فهو الظاهر ، وهو المظهر ( فهو غنيّ عن العالمين ) هذا أمره من حيث الذات .

( و ) أما ( من حيث الأسماء الإلهيّة فذلك الوقت ) والزمان الجامع لشتات المقولات التي كانت كل واحدة منها مظهر اسم من الأسماء الإلهيّة ، فذلك الزمان الجامع ( يكون كالمرائي فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر ، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم ) ، فالناظر هاهنا هو الذي في المثال المذكور بمنزلة المرآة ، التي يظهر فيها مثال الشخص عند التعاكس ، وهي معدومة بنفسها ، لا حظَّ لها من الوجود ، والموجود بالحقيقة هو ذلك الاسم ولذلك قال : "حقيقة ذلك الاسم " .

( فهكذا هو الأمر ) من أنّ الناظر نفسها معدومة العين والأثر كما ظهر في المثال ( إن فهمت ، فلا تجزع ) من هذا العدم ( ولا تخف ) من نسبة البوار والهلاك إلى نفسك ، ( فإنّ الله يحبّ الشجاعة ولو على قتل حيّة ) وليست الحيّة سوى نفسك  .
ثمّ إنّ في العبارة الختميّة هذه لطائف قد نبّه إليها إيماء منها أن النفس بقتلها لا تموت في حدّها الذاتي وفي عبارة « الحيّة » دلالة على ذلك وإليه أشار بقوله :

 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت .
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية  )

قال رضي الله عنه :  ( وإنّما كانت هذه التّغييرات منها لاختلاف مقادير المرائي . فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرائي ، لا تنظر الجماعة ، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا . فهو غنيّ عن العالمين ؛ ومن حيث الأسماء الإلهيّة فذلك الوقت يكون كالمرائي .)

( وإن كانت هذه التغيرات منها ) ، أي من المرآة ( لاختلاف مقادير المرئي ) ، في الصغر والكبر والطول والعرض كما عرفت ، فعلى هذا المرآة مثال لاستعدادات المتجلي لهم أو للحضرات الأسمائية وإذا أردت مثالا للتجلي الذاتي أو الأسمائي

( فانظر في هذا المثال ) المورد للعين الواحدة والصور المتكثرة ( مرآة واحدة من هذه المرائي لا ينظر ) بصيغة النهي هكذا في النسخة المقروءة عليه رضي اللّه عنه ، أي انظر مرآة واحدة من المرائي لا ينظر ( الجماعة ) ، أي جماعة منها أكثر من الواحد وجه وجهك إلى الوحدة الصرفة التي لم يكن فيها شائبة كثرة ( وهو ) ، أي النظر إلى مرآة واحدة

( نظرك ) إلى الحق سبحانه ( من حيث كونه ذاتا ) واحدة من غير نظر إلى كثرة الأسماء ( فهو ) ، أي الحق من هذه الحيثية ( غني عن العالمين ) فلا يبقيك في نظرك بل يغنيك عن نفسك فإنك من العالم ( و ) أما إذا نظرت إليه ( من حيث الأسماء الإلهية فمن ذلك الوقت يكون ) الحق فيه من حيث كثرة تلك الأسماء ( كالمرائي ) المتكثرة للعين الواحدة الظاهرة في الحضرات الأسمائية
 

قال رضي الله عنه :  ( فأيّ اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر ، فإنّما يظهر للنّاظر حقيقة ذلك الاسم .  فهكذا هو الأمر إن فهمت . فلا تجزع ولا تخف فإنّ اللّه يحبّ الشّجاعة ولو على قتل حيّة . )
 ( وأي اسم إلهي ) استعددت بالأشرف على الفناء فيه لمظهريته أو استعد غيرك ( إذا نظرت فيه ) ، أي في شأنه ( نفسك ) ، أي حالها ( أو ) نظر ( من نظر ) ، هل يظهر في الناظر ذلك الاسم ؟
( فإنما يظهر في الناظر ) كان ما كان ( حقيقة ذلك الاسم ) لا وجهه ورسمه كما إذا حصل العلم به بالفكر والنظر ، وظهور الأسماء الإلهية وتجليها على الناظر بحقائقها يوجب فناءه عن نفسه ، فإنه حينئذ كالمرآة والمرآة من حيث هي مرآة معدومة عن نظر الرائي ، وأما التجلي الذاتي فهو أولى بذلك .


( فهكذا هو الأمر ) ، أي أمر الفناء في المتجلي الذاتي أو الأسمائي ( فإن فهمت فلا تجزع ولا تخف ) من ورود الهلاك على نفسك ( فإن اللّه يحب الشجاعة ولو على قتل حية ) .
إشارة إلى قوله عليه السلام : « إن اللّه يحب الشجاعة ولو على قتل حية » .

""أورده الديلمي بمأثور الخطاب ولفظه : " يا علي كن غيورا فإن اللّه عز وجل يحب الغيور وكن سخيا فإنّ اللّه عز وجل يحب السخاء ، وكن شجاعا فإن اللّه عز وجل يحب الشجاعة وإن امرؤ سألك حاجة فاقضها له فإن لم يكن لها أهلا كنت لها أهلا . أهـ "" .

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:29 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 7:55 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثانية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثانية عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثانية عشر :-                               الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )
 
قال رضي الله عنه :  ( وليست الحيّة سوى نفسك . والحيّة حيّة لنفسها بالصّورة والحقيقة . والشّيء لا يقتل عن نفسه . وإن أفسدت الصّورة في الحسّيّ فإنّ الحدّ يضبطها والخيال لا يزيلها .  وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذّوات والعزّة والمنعة ، فإنّك لا تقدر على إفساد الحدود . وأيّ عزّة أعظم من هذه العزّة ؟ )
 
(وليست الحية) التي يحب اللّه تعالى الشجاعة في قتلها (سوى نفسك) وهي أنانيتك الوهمية والحية التي هي نفسك (حية لنفسها فليس كونها حية موقوفا عليك فهي حية (بالصورة) ، أي بسبب الصورة التي لها مما يظهر منها الأذى وبسبب (الحقيقة) ، أي ماهيتها التي هي الحيوان المؤذي والشيء لا يقتل بالبناء للمفعول بحيث يهلك (عن نفسه) ،
 
أي بسبب الصورة تفسد نفسه وتتلف وتنعدم وإنما يقتل غيره وهو صورة الجسد (فإن أفسدت الصورة) الإنسانية الجسمانية الظاهرة (في الحس) فليس ذلك فساد النفس (فإن الحد) ، أي التعريف الذاتي للنفس بأنها الحيوان المؤذي لاتصافها بالغفلة عن خالقها (يضبطها) بعد الموت ، لأنها ليست بعرض حتى تفسد بفساد صورة الجسد ، بل هي باقية بعد الموت وبعد فساد صورة جسدها بالوصف التي كانت فيه حال تصوّرها بالجسد من خير وشر ،
 
فالغفلة لا تفارقها لم تزل عنها في الحياة الدنيا بالرياضة الشرعية والمعرفة الإلهية (والخيال) الذي كان لها في حياتها وهي منتقشة فيه بجميع أحوالها فإنه (لا يزيلها) ، أي يرفعها منه بعد الموت بل تبقى فيه متخيلة عنده كما كانت (وإذا كان الأمر) في نفسه (على) مقتضى (هذا) الكلام المذكور (فهذا) الحال الذي للنفوس بعد الموت (هو الأمان على الذوات) ، أي نفوس الأشياء كلها حيث قلنا بحياتها وإدراكاتها لأنها مسبحة ، فلا تفسد نفوسها بما هي عليه من الأحوال أصلا وإن فسدت صورها الظاهرة وتفرقت أجزاؤها وفنيت .
 
وهذه الحالة أيضا هي (العزة) ، أي الرفعة لتلك النفوس (والمنعة) بالكسر أي الحماية والصون لها من الزوال والاضمحلال (فإنك) يا أيها الإنسان (لا تقدر على إفساد الحدود) ، أي التعاريف الذاتية التي للنفوس وهي ماهيتها المقوّمة لها بإفساد أجسادها (وأي عزة) لها (أعظم من هذه العزة ؟) بحيث لا يقدر قاتلها على قتلها ولا إفسادها وإتلافها .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )
 
قال رضي الله عنه :  ( وليست الحية ) الكاملة في العداوة المهلكة الواجب القتل المانعة عما ذكرناه من المعارف الإلهية ( سوى نفسك ) فإذا قتلها بالفناء في اللّه فقد وصلت أعلى درجة الشجاعة فاستحقت كمال حب اللّه فلما شجع السالكين إلى محاربة النفس ونفلهم من قتل قتيلا فله سلبه ، وسلب النفس حب اللّه ومعرفته رجع إلى تحقيق القتل والاعدام وجعله مبني لبيان المعارف بعده.
 
فقال رضي الله عنه  : ( والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة ) أي الحية لا تعدم بالقتل مطلقا بل هي باقية بذاتها وحقيقتها بصورتها النوعية وإن انعدمت بالصورة الحسية ( والشيء لا يقتل عن نفسه ، وإن أفسدت الصورة في الحس ) فنفسه باقية بالصورة البرزخية قال بعض الأفاضل إنما نقل الكلام في هذه الحكمة الايناسية إلى بيان البقاء وكشف المعاد
لأن إلياس كان إدريس فارتفع إلى السماء وبقي فيها وفني صورته الشخصية ثم عاد إلى الصورة الالياسية تم كلامه وليس بصحيح لأن إدريس إنما رفع إلى السماء بعد تحصيل الاعتدال الحقيقي الذي هو سبب للبقاء فينا في فناء صورته الشخصية
 
وإنما جاءت الصورة الالياسية لتحويل الحق باطنه في النشأة الأخروية فيحشر بالحشر الروحاني مع بقاء صورته الشخصية كما سيأتي تحقيقه تفصيلا في المتن ولا إشارة في كلام المصنف إلى ما قاله ذلك الفاضل بل كلامه كله في هذا المقام يدل على خلافه ومثل هذا الكلام ينشأ من الميل إلى التناسخ وإنما يبقى ذات المقتول أو الميت بالصورة ( فإن الحد ) أي حد المقتول ) يضبطها ) أي الصورة ( والخيال ) البرزخي ( لا يزيلها ) أي الصورة .
 
قال رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان من اللّه على الذوات والعزة والمنعة فإنك لا تقدر على فساد الحدود وأيّ عزة أعظم من هذه العزة ) وفيه دلالة على أن الإنسان في الحقيقة هو الروح الباقي أزلا وأبدا ولا يفنى بفناء الصورة العنصرية ، بل يصوّر بصورة بحسب استعداده وينتقل إلى عالم آخر فلا قتل ولا موت عن نفسه فلا خوف من الموت لمن انكشف له هذا المعنى وإنما الخوف للمحجوبين.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )
 
قال رضي الله عنه : ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة. والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )
 
قال رضي الله عنه : (وليست الحيّة سوى نفسك، والحيّة حيّة لنفسها بالصورة والحقيقة ، والشيء لا يقتل عن نفسه وإن أفسدت الصورة في الحسّ، فإنّ الحدّ يضبطها والخيال لا يزيلها ) .
يشير رضي الله عنه:  محرّضا على إطلاق العلم بالله عن كلّ قيد وحصر في عقد ، وليس ذلك إلَّا بإفساد الاعتقادات الجزئية التقييدية التحديدية صورة أو معنى أو بهما معا ، ويشجّع الناظر في حقيقة الحق على إفساد صورة التقييد والتحديد ، حتى يشهد الحق الموجود المشهود الشاهد ، كما هو في حقيقته ، وذلك بأن يراه عين كل شيء غير منحصر في تعيّنه به وفيه ،
ولا في الكلّ مطلقا عن الكلّ جامعا بين التعيّن واللاتعيّن مطلقا في جمعه بينهما ، قابلا كلّ وصف وحكم واعتبار من كل حاكم وواصف معتبر ، مع كمال تقديسه ونزاهته في حقيقته عن كل ذلك ، وإطلاقه في ذاته الغنيّة عن العالمين ، فهذا هو العلم المحقّق الصحيح بحقيقة الحق على ما يعلم نفسه ، وفي تفصيل ذلك طول ، فتدبّر وتحقّق إن شاء الله تعالى.
 
واعلم : أنّه ليس وراء الله مرمى ولا دونه منتهى ، وهو المنتهى والمنتهى ولا انتهاء له إلَّا إليه ، إليه المصير ، وهو الواحد الأحد الذي ليس في الوجود غيره .
 
قال رضي الله عنه  : ( وإذا كان الأمر على هذا ، فهذا هو الأمان على الذوات والعزّة والمنعة ، فإنّك لا تقدر على إفساد الحدود ، وأيّ عزّة أعظم من هذه العزّة ؟)


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )


قال رضي الله عنه : (وليست الحية سوى نفسك ، والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة والشيء لا يقتل عن نفسه ، وإن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها والحيال لا يزيلها) .
 
تشجيع للطالب السالك سبيل الحق على كسر أصنام المعتقدات كلها ، ورفع حجب التعينات بأسرها ، حتى يشهد الحق المحض الشاهد المشهود على الحقيقة في عين كل شيء غير منحصر فيه وفي تعينه ولا في الكل ، بل مطلقا جامعا بين التعين واللا تعين فيكون سويا على صراط مستقيم " صِراطِ الله الَّذِي لَه ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الأُمُورُ "
ولا عوج ولا التواء ولا ميل ولا تعرج في سير الله كالحية ، ولا حية إلا نفسك "أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِه أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ "
"" أضاف بالي زادة :
غنى عن العالمين : أي لا يكون مرآة لأحد ولا يكون أحد مرآة له ، فتكون المرآة المنظور فيها من حيث نفسها واحدة غنية عن الصور الحاصلة فيها ، كذلك ذات الحق من حيث ذاته غنى على العالمين ، وانظر إلى المرايا المتخالفة في المقدار وهو نظرك في الحق من حيث الأسماء فذلك الوقت يكون كالمرائي .اهـ بالى زادة ""
 
 فالميل إلى اختلاف المذاهب والمعتقدات ومعارج طرق الحضرات ، إنما هو كانسياب الحيات فاجتنبها واتبع الطريقة المحمدية في قوله تعالى :" ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ من الأَمْرِ فَاتَّبِعْها " أي فاتبع الطريقة " ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ".  فاقتل حية نفسك في التقييد بتعينك ،
 
ومعنى قوله : والحية حية لنفسها أن كل متعين نفسك كان أو غيرها فهو حي بحياته تعالى متعين بحقيقته فكيف يقتل عن نفسه ، وإن أفسدت صورته في الحس فهو باق في العلم بالعين وفي الخيال بالمثال، فلا سبيل إلى إخفائه الطريق ، فالطريق هو التحقيق بالحق ، والنظر إلى العين بالفناء، حتى يتجلى لك فتشهده بفناء الكل به، ويتحقق معنى قوله :" كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه ".
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )
 
قال رضي الله عنه : (وليست الحية سوى نفسك.) أي ، الحية التي هي عدو لك وينبغي قتلها ليست في الحقيقة إلا نفسك . كما قال ، صلى الله عليه وسلم : (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك).
 
قال رضي الله عنه : (والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة. والشئ لا يقتل عن نفسه. وإن أفسدت الصورة في الحس ) ( لا يقتل . وإن أفسدت ) هما على البناء للمفعول .
أي ، الذات الحية حية لنفسها ، وذاتها باقية بصورتها النوعية وحقيقتها الكلية .
والشئ لا يفنى عن نفسه ولا يزال . وإن دخل الفساد فيه ، لا يدخل في حقيقته وصورته النوعية بل في صورته الحسية .
 
وإنما نقل الكلام في هذه الحكمة ( الإيناسية ) إلى بيان البقاء وكشف المعاد ، لأن إلياس ، عليه السلام ، كان إدريس ، فارتفع إلى السماء ، وبقى فيها وفنى صورته الشخصية ، ثم عاد إلى صورته الإلياسية .
 
فنبه رضي الله عنه : المحجوبين عن العود ، الجاهلين بالبقاء السرمدي ، بحال إدريس عليه السلام .
قال رضي الله عنه : (فإن الحد يضبطها ، والخيال لا يزيلها.) تعليل للبقاء . والمراد ب‍ (الحد) حقيقة المحدود . إذ الحد والمحدود لا يختلفان إلا بالإجمال والتفصيل فقط .
أي ، فإن الحقيقة الثابتة في العلم ، المعبر عنها ب‍ (الحد) ، يضبط حقيقة ما أفسدت صورته عن التفرق والفناء ، والخيال الحافظ للمثال يحفظها عن الفناء ولا يزيلها .
ويجوز أن يكون المراد ب‍ (الحد) الصورة العقلية المثبتة في ألواح الكتب السماوية واللوح المحفوظ .
 
قال رضي الله عنه : (وإذا كان الأمر على هذا ، فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة . فإنك لا تقدر على إفساد الحدود ، وأي عزة أعظم من هذه العزة . )
 
أي ، وإذا كان الشأن الإلهي على هذا الطريق ، بحيث لا يفنى شئ ولا ينعدم ذات أصلا بحسب الحقيقة ، فهذا هو الأمان من الله على الذوات . والعزة عين لا يقهرها بالإفناء والإعدام .
ويجعل لها منعة ، أي حرسة تحرسها وتمنعها من طريان الهلاك والفساد عليها . وهي حقائقها وصورها التي في العوالم غير الحسية .
 
وإذا قتلت نفسا ، فإنك لا تقدر على إفناء حقيقتها ، بل تقدر على إفناء صورتها الحسية .

وتلك الحقيقة باقية مع صورها التي لها في جميع العوالم . وإن أراد الخالق ، يعطيها أيضا صورة أخرى حسية بحيث لا تشعر ، فيجعلها موجودة مرة أخرى .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:31 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 8:00 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثانية عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثانية عشر :-                               الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )

قال رضي الله عنه : (وليست الحيّة سوى نفسك ، والحيّة حيّة لنفسها بالصّورة والحقيقة ، والشّيء لا يقتل عن نفسه .  وإن أفسدت الصّورة في الحسّيّ فإنّ الحدّ يضبطها والخيال لا يزيلها ، وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذّوات والعزّة والمنعة ، فإنّك لا تقدر على إفساد الحدود ، وأيّ عزّة أعظم من هذه العزّة ؟)

وهو إشارة إلى إفناء النفس إذ ( ليست الحية ) التي تصير بقتلها محبوب الحق ( سوى نفسك ) التي بقاؤها في نظرك حاجب عن رؤية الحق ، وكيف هذا الإفناء إعداما للنفس ، وليس قتل الحية المشبه بها إعداما لها ، إذ المسيئ لا يقبل عن نفسه ،
وإلا لصدق أن يقال : الحية ليست محبة ، وإن فسدت الصورة في الحس ، فليس ذلك إعداما لها من كل وجه ، فإن الحد بسطها ، ( والخيال لا يزيلها ) .

قال رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر ) أي : أمر الصور المتزايلة ( على هذا ) من عدم الزوال من كل وجه ، ( فهذا هو الأمان على الذوات ) التي ليس من شأنها العدم أصلا ، ( والعزة ) لها عن قول الغير ( والمنعة ) من التأثر ، وكيف تقدر على إفساد الصور بالكلية مع عجزك عن إفساد حدودها ، ( فإنك لا تقدر على إفساد الحدود ، وأي عزة ) للحدود ( أعظم من هذه العزة ) ، فإذا انضمت هذه العزة إلى عزة الذوات كانت في غاية العظمة ، ولكنك قد أمرت بقتل حية النفس ، وهي من الذوات المجردة التي لا صورة لها إلا في الوهم ،

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )
 
قال رضي الله عنه :  (وليست الحيّة سوى نفسك ) . ثمّ إنّ في العبارة الختميّة - هذه - لطائف قد نبّه إليها إيماء منها أن النفس بقتلها لا تموت في حدّها الذاتي وفي عبارة « الحيّة » دلالة على ذلك وإليه أشار بقوله : ( والحيّة حيّة لنفسها بالصورة والحقيقة ) .

النفس معدومة غير قابلة للعدم
ومنها أنّها إذا كانت النفس حيّة بذاتها فلا تقبل بالقتل سوى فساد الصورة الحسيّة وإسقاط النسبة الوهميّة ، وبيّن أنّهما ليسا من حقيقتها القائمة الدائمة في شيء ، وذلك هو مبدأ محبّة الله تعالى له وإلى ذلك أشار بقوله : ( والشيء لا يقتل عن نفسه ، وإن فسدت الصورة في الحسّ ، فإنّ الحدّ ) العقليّ ( يضبطها ) بذاتيّاتها ، ضبطا جامعا لأفرادها ، مانعا عن غيرها ، (والخيال لا يزيلها) عن الصورة الجسدانيّة التي عليها ، ( وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات ) من الجزع عن فنائها حيث مهّد « فلا تجزع » ، ( والعزّة والمنعة ) من تطرّق النقص إليها ، فلا خوف عليهم حيث مهّد « ولا تخف » ( فإنّك لا تقدر على فساد الحدود ) الذاتيّة التي للحقائق .

قال رضي الله عنه :  ( وأي عزّة أعظم من هذه العزّة ؟ ) التي لا يمكن أن يحوم حول حمى حدوده الذاتيّة تطرّق نقص ولا فساد ، ولكن لما فسدت الصورة الحسيّة التي هي مبادئ حكم الخيال ، بالقتل الذي هو مبدأ ثوران أمر الوهم وسلطانه ، حكم الوهم تابعا للمتخيّلة بذلك القتل فتخيّل بالوهم أنّك قتلت  .
وهذا الوهم الذي يتبع المتخيّلة في أحكامها هو الذي يذمّه الحكماء المحققون وينسبون أحكامه إلى الفساد ، حيث يشيرون إلى الأحكام الفاسدة بأنّها أوهام ، وصار ذلك مزلَّة أقدام المتأخّرين منهم ، وحسبوا أن الوهم مطلقا حكمه باطل وليس كذلك ، فإنّ الوهم المستقلّ بالحكم أو الذي يتبع العقل في حكمه ، فهو من أساطين حكَّام هذه النشأة عند اقتناص الحقائق الذوقيّة ،ولذلك قال :

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزيلها. و إذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.  وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ )

قال رضي الله عنه :  (وليست الحيّة سوى نفسك. والحيّة حيّة لنفسها بالصّورة والحقيقة . والشّيء لا يقتل عن نفسه. وإن أفسدت الصّورة في الحسّيّ فإنّ الحدّ يضبطها والخيال لا يزيلها)

قال رضي الله عنه :  ( وليست الحية ) التي هي عدولك ويجب قتلها ( سوى نفسك والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة ) ، أي الحية حية في حد ذاتها أمرين :
أحدهما : الصورة .
والآخر : الحقيقة .
( والشيء لا يقتل ) ، أي لا يزال ( عن نفسه ) بأن تنعدم مطلقا ( فإن أفسدت الصورة في الحس فإن ) الحقيقة باقية في العالم العقلي والصورة غير منحصرة في الحسية ، وإذا زالت الصورة الحسية جاز أن يجعل له صورة أخرى .

وإلى ذلك أشار بقوله : فإن ( الحد ) يعني الحقيقة المحدودة الموجودة في العالم العقلي من حيث أنها موجودة في العلم ( يضبطها ) ، أي يضبط نفسها عن التفرق والسيئات ( والخيال ) المنفصل ( لا يزيلها ) عن الصورة المثالية وإن زالت عنها الصورة الحسية وإنما لم يتعرض للوجود الروحاني ، لأن وجود روح مجرد لكل حيوان زال عن الحس غير معلوم

قال رضي الله عنه :  (وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذّوات والعزّة والمنعة ، فإنّك لا تقدر على إفساد الحدود . وأيّ عزّة أعظم من هذه العزّة ؟ )

معلوم ( وإذا كان الأمر على هذا ) ، أي على أن الحد يضبطها والخيال لا يزيلها ( فهذا هو الأمان ) من اللّه ( على الذوات والعزة ) حين لا يقهرها بالإعدام مطلقا ( والمنعة ) ، أي الحرسة التي يحفظها ويحرسها من طريان الهلاك لها ( فإنك لا تقدر على إفساد الحدود ) ، أي حقائقها ولا على إزالة صورها المثالية عن عالم المثال ، ولا عن إعدامه عن عالم الأرواح إن كانت ذات أرواح مجردة ( وأي عزة أعظم من هذه العزة ) ، بل تقدر على إفناء صورتها الحسية . والحقيقة باقية مع صورها التي لها في سائر العوالم

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:31 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 8:07 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثالثة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثالثة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثالثة عشر :-                               الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية. وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )
 
قال رضي الله عنه : ( فتتخيّل بالوهم أنّك قتلت ، وبالعقل والوهم لم تزل الصّورة موجودة في الحدّ .  والدّليل على ذلك :"وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى" [ الأنفال : 17 ] .  والعين ما أدركت إلّا الصّورة المحمّديّة الّتي ثبت لها الرّمي في الحسّ ، وهي الّتي نفى اللّه الرّمي عنها أوّلا ثمّ أثبته لها وسطا ، ثمّ عاد بالاستدراك أنّ اللّه هو الرّاميّ في صورة محمّديّة ، ولا بدّ من الإيمان بهذا .  فأنظر إلى هذا المؤثّر حتّى أنزل الحقّ في صورة محمّديّة . وأخبر الحقّ نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منّا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه ، وخبره صدق والإيمان به واجب ، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ؛ فإمّا عالم ، وإمّا مسلم مؤمن . )
 
فتتخيل يا أيها الإنسان بالوهم ، أي بسبب القوّة الواهمة المستولية عليك أنك قتلت ، أي نفسك وأفسدتها وأعدمتها وبالعقل والوهم أيضا لم تزل الصورة النفسانية منك موجودة على ما هي عليه في الحد الذاتي أي تعريفها بماهيتها وإن فسدت صورة جسدها واضمحلت ،
ولولا أن النفوس صور الحق تعالى الظاهر بها للأبد بحيث لا تضمحل ولا تزل ما كان لها هذه العزة والمنعة عن أن يصل إليها فساد أو يتطرق إليها فناء أو زوال إلا فيه تعالى كما هو وصفها الحقيقي .
 
والدليل على ذلك الأمر المذكور قوله تعالى عن نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم لما أخذ كفا من تراب ورمى به في وجوه الأعداء في بعض الغزوات .
وقال : « شاهت الوجوه » .  رواه مسلم وابن حبان في صحيحه ورواه غيرهما .
فانهزموا ولم يبق أحد منهم إلا وصل التراب في عينيه (" وَما رَمَيْتَ") من حيث أن صورتك للّه تعالى تجلى بها ("إِذْ رَمَيْتَ") من حيث أن صورتك لك ظهرت بها ("وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى") [ الأنفال : 17 ] من حيث أن الصورة له ولهذا اخترق العادة في هزم الأحزاب وإيصال التراب وذلك قوله عليه السلام : " وهزم الأحزاب وحده ولا شيء قبله ولا شيء بعده." قال المحقق : رواه ابن سلام في الأموال
""أضاف الجامع : من الشواهد عليه
1- حديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، ولا شيء بعده". رواه احمد بالمسند
2 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:" لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده ولا شيء بعده"رواه الجوزي في جامع المسانيد و شهاب الدين أحمد في إتحاف الخيرة المهرة . ""
 
(والعين) الناظرة من الحاضرين (ما أدركت) في الظاهر (إلا الصورة المحمدية) ، أي المنسوبة إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم (التي ثبت لها الرمي المذكور (في الحس وهي) ، أي تلك الصورة المحمدية (التي نفى اللّه تعالى (الرمي) المذكور (عنها أوّلا) بقوله سبحانه :وَما رَمَيْتَ، أي في نفس الأمر (ثم أثبته) ، أي الرمي سبحانه (لها) ، أي للصورة المحمدية (وسطا) ، أي ثانيا في وسط الكلام بقوله :إِذْ رَمَيْتَ، أي بحسب ما يظهر منك للحس .
 
(ثم عاد) تعالى (بالاستدراك) آخرا وثالثا إن اللّه تعالى (هو الرامي) وحده (في صورة محمدية) ظاهرة فقال تعالى ولكن اللّه رمى ، أي في نفس الأمر ، لأنه "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ"[ الحديد : 3 ] .
وقال تعالى أيضا في هذه الآية قبل ذلك في حق الصحابة رضي اللّه عنهم لما كانوا يفتخرون بقتل المشركين في تلك الغزوة فيقول الرجل : أنا قتلت خمسة ،
ويقول الرجل : أنا قتلت عشرة ونحو ذلك على حسب ما ورد في الخبر عنهم .
فقال تعالى لهم كما قال لنبيه عليه السلام :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ[ الأنفال : 17 ] ، أي من حيث أن صوركم ليست لكم ولكن اللّه قتلهم ،
أي من حيث أن صوركم للّه تعالى تجلى بها فقتل المشركين ، ولم يقل لهم إذ قتلتموهم
كما قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إذ رميت لأنهم لا يحتاجون إلى إثبات الفرق ، لأنه أصل فيهم فلا يتكلفون لشهوده بخلاف النبي صلى اللّه عليه وسلم ،
 
فإنه لولا إثبات الفرق له بقوله :إِذْ رَمَيْتَ لوقف في أصله وهو الجمع ، فنفى الفعل عنه بالكلية وأثبته للّه تعالى وحده فقط ،
والكمال بالجمع في الفرق والفرق في الجمع (ولا بد من الإيمان) ، أي التصديق بهذا الأمر المذكور لأنه قرآن منزل وهو حق لا شبهة فيه (فانظر) يا أيها السالك (إلى هذا المؤثر) في رميه المذكور (حتى أنزل الحق) وهو وجوده تعالى أي أظهره للحس (في صورة محمدية) يراها كل أحد ولا يعرفها إلا العارفون ويجحده الجاهلون.
 
قال تعالى :وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ الأعراف : 198 ] .
وقال عليه السلام : "من رآني فقد رأى الحق " . رواه احمد بالمسند
(وأخبر الحق) تعالى (نفسه) تأكيد للحق (عباده) مفعول أخبر (بذلك) ، أي أنه تعالى حق في صورة محمدية كما هو مضمون الآية المذكورة (فما قال أحد منا) معشر العباد (عنه) تعالى (ذلك الأمر المذكور (بل هو) سبحانه (قال الشيخ رضي الله عنه : ) ذلك (عن نفسه) في كلامه القديم المنزل على نبيه صلى اللّه عليه وسلم (وخبره) تعالى (صدق) من غير شبهة كما قال سبحانه :"وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا"[النساء : 122].
 
(والإيمان) ، أي التصديق (به) ، أي بما قاله تعالى عن نفسه من ذلك (واجب) ، أي فرض على المكلفين بحيث يكفر منكره والشاك فيه (سواء أدركت) يا أيها الإنسان (علم) ، أي مفهوم معنى (ما قال) تعالى من ذلك فإنه يجب الإيمان بذلك العلم المذكور (أو لم تدركه) ، أي علم ما قال سبحانه (فإما) أنك (عالم) بذلك القول الإلهي (وإما مسلم) ، أي مذعن له (مؤمن) ،
أي مصدق به والجاحد له كافر لا محالة والمتأوّل مبتدع لعدوله عن الحق القرآني المؤيد بالسنة من غير ضرورة وليس القصور عن أحوال الكاملين وأذواق السالكين بعد رقي التأويل خصوصا ممن يدعي العلم وينسب نفسه إلى معرفة الكتاب والسنة وليس له حال رباني ولا كشف وجداني فإن الإسلام له أسلم والإيمان بحاله أحكم واللّه أعلم .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية.
وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )


( فتتخيل ) أنت ( بالوهم ) الفكري ( أنك قتلت ) وأزلت الصورة مطلقا ( وبالعقل ) المنور بنور القدس ( والوهم ) السلطاني ( لم تزل الصورة موجودة في الحد ) وإنك لا تقتل إلا في تخيل عقلك المشوب بالوهم والأمر في نفسه ليس على ما في تخيلك بل القاتل في الحقيقة هو اللّه لا أنت .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والدليل على ذلك ) أي على أنك قاتل في تخيلك بالوهم وأن اللّه هو القاتل في الحقيقة لا أنت ( قوله تعالى :وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى[ الأنفال : 17 ] ،والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس وهي ) أي الصورة المحمدية .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( التي نفى اللّه الرمي عنها أوّلا ) بقولهما رَمَيْتَ ( ثم أثبته ) أي الرمي ( لها ) أي للصورة المحمدية ( وسطا ) بقوله إِذْ رَمَيْتَ بناء على ما أدركته العين من ثبوت الرمي لها في الحس ( ثم عاد بالاستدراك أن اللّه هو الرامي في صورة محمدية ) فاثبت الحق لنفسه الرمي ملاصقا بالصورة المحمدية لا من حيث كونه مجردا عنها والمقصود أن الرمي أثر حاصل بينهما .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولا بد من الإيمان بهذا فانظر إلى هذا المؤثر ) وهو الرمي فإنه وإن كان في التحقيق أثرا للحق لكنه يؤثر فيه ( حتى أنزل ) هذا المؤثر ( الحق في صورة محمدية ) فالمعلول علة لعلة بوجه كما سيأتي فإن تأثير الحق في وجود الرمي وتأثير الرمي في نزول الحق في صورة رامية ليظهر منه .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأخبر ) الحق قوله ( نفسه ) بالنصب أو بالرفع ( عباده بذلك ) أي رميه في صورة محمدية ( فما قال أحد منا ذلك بل هو قائل عن نفسه وخبره صدق والايمان به واجب سواء أدركت ) بالذوق والشهود ( علم ما قال ) الحق في الرمي ( أو لم تدركه ) فإذا وجب الايمان به ( فإما عالم ) أنت ( وإما مسلم مؤمن ) ولا ثالث إلا باطل وهو العقل الذي ينقاد إلى نظره الفكري في تحصيل مجهولاته ، فإن طابق شيء بنظره الفكري قبل وإلا فلا .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية.
وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )
 
قال رضي الله عنه : (فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد . والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية. وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه. وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية. وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )
 
قال رضي الله عنه : (فتتخيّل بالوهم أنّك قتلت ، وبالعقل والوهم لم تزل الصورة موجودة في الحدّ ، والدليل على ذلك "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى ". والعين ما أدركت إلَّا الصورة المحمدية التي ينسب لها الرمي في الحسّ ، وهي التي نفى الله الرمي عنها أوّلا ، ثم أثبته لها وسطا ، ثم عاد بالاستدراك أنّ الله هو الرامي في صورة محمدية ، ولا بدّ من الإيمان بهذا ، فانظر إلى هذا المؤثّر ، حتى أنزل الحق في صورة محمدية ، فأخبر الحق نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منّا عنه ذلك ، بل هو قال عن نفسه ، وخبره صدق والإيمان به واجب ، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ، فإمّا عالم أو مسلم مؤمن.)
 
يشير إلى أنّ العلَّية معلولة وجودا وتقديرا لمعلوليّة المعلول ،
لأنّه لولا معلولية المعلول لم تتحقّق علَّية العلَّة ، وحينئذ لم تكن العلَّة علَّة لهذا المعلول ،
فعلَّيّة العلَّة متوقّفة التحقق على معلولية المعلول ، فإذن معلولية المعلول علَّة لعلَّية العلَّة ، ولولا العلة وعلَّيّتها - لما كان المعلول معلولا ولا المعلولية نعتا له ، فتكون علَّية العلَّة علَّة لمعلولية المعلول ، والمعلول معلول بقيام المعلولية به ،
وكذلك العلة علَّة لقيام العلَّية بها فالعلة مع علَّيتها - التي بها علة للمعلول - معلولة لمعلولية المعلول التي هو بها معلول ، إذ هي عينه ، كما أنّ العلَّية ليست زائدة على العلَّة إلَّا في التعقّل لا في الوجود ، إذ العقل ينتزع معنى العلَّية فيفرزه زائدا على عين العلة ، وليس كذلك ،
إذ العلَّية والمعلولية لا عين لهما خارجا عن العلَّة والمعلول في الوجود ، إذ لو كان لهما تحقّق وجودي دون عين العلة والمعلول ، لتحقّق امتيازهما عنهما في الوجود ، والامتياز ليس إلَّا في تعقّل المتعقّل ، وكذلك جميع المتضايفات لا تحقّق لأحدهما إلَّا بالآخر ، فكلّ منهما علة لمعلوله ،
 
فيقول الناظر المناظر والمفكَّر الماهر بعد تحقّقه أحدية عين العلة والمعلول :
هذه العين الواحدة باعتبار كونها علة ليست معلولة لعلَّته بل باعتبار آخر فتنتقل العلَّية إلى المعلول باعتبار آخر ، والمعلولية إلى العلَّة كذلك باعتبار آخر ، وبتغاير الاعتبارين يتغاير الحكمان ، فنقول : والعلَّة باعتبار عليّته ليست معلولة لمعلولها ، والمعلول باعتبار معلوليته ليس علَّة لعلَّته إلَّا باعتبار الانتقال المذكور ،
 
فنقول له بلسان الذوق والتحقيق : للعين الواحدة فيهما مع وجود الاعتبارين صلاحية قبول الكلّ بكونها عين العلة وعين المعلول ، حال كون العلة علَّة وكون المعلول معلولا ، وعين العلية والمعلولية المعتبرتين في العلة والمعلول حالتئذ ، فهي في عينها جامعة بين العلية والمعلولية ، فهي العلة بعلَّيتها والمعلول بمعلوليتها ، إذ لا يمكن اعتبار هذه العين الواحدة إلَّا وجميع الاعتبارات لها من عينها في حالة واحدة على السواء .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية. وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )
 
قال رضي الله عنه :  (وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة ، فإنك لا تقدر على إفساد الحدود ، وأي عزة أعظم من هذه العزة فتتخيل بالوهم أنك قتلت . وبالعقل والوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد ، والدليل على ذلك  " وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى " والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها هذا الرمي في الحس ، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ، ثم أثبته لها وسطا ، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية ، ولا بد من الإيمان بهذا فانظر إلى هذا المؤثر حتى نزل الحق في صورة محمدية وأخبر الحق نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه ، وخبره صدق والإيمان به واجب ، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ، فإما عالم وإما مسلم مؤمن ).
 
يعنى أن العلية معلولة وجودا وتقديرا لمعلولية المعلول ، لأنه لولا معلولية المعلول لم تتحقق علية العلة ، فعلية العلة موقوفة التحقق على معلولية المعلول ، فإذن معلولية المعلول علة لعلية العلة وعليتها ، وكذلك العلة وعكسها ، لما كان المعلول معلولا لهما لأنهما متضايفان ،
فيتوقف كل واحد منهما على الآخر ذهنا وخارجا فتكون علية العلة علة لمعلولية المعلول ، ومعلولية المعلول علة لعلية العلة ، والمعلول معلول بقيام المعلولية به ،
وكذلك العلة علة بقيام العلية بها ، فالعلة مع عليتها التي هي بها علة للمعلول معلول لمعلولية المعلول الذي هو بها معلول ، ومعلولية المعلول ليست زائدة عليه إلا في العقل ،
 كما أن علية العلة ليست بزائدة على العلة إلا في العقل فهي في الخارج عينه ، لكن العقل ينزع معنى المعلولية فيجعله زائدا على ذات المعلول ،
وكذا معنى العلية بالنسبة إلى ذات العلة ، وليس كذلك في الخارج ، إذ العلة والمعلولية لا غير لهما في الخارج زائدة على العلة والمعلول في الوجود ، لأنه لو كان لها تحقق وجودي دون عين العلة والمعلول في الوجود لتحقق امتيازها عنهما في الوجود ،
لكن الامتياز ليس إلا في التعقل ، وكذلك جميع أقسام المتضايفين لا تحقق لأحدهما وجودا إلا بالآخر فكل منها علة لمعلوله
 
"" أضاف بالي زادة :
أنزل الحق في صورة محمدية فالمعلول علة لعلته بوجه كما سيأتي ، فإن تأثير الحق ، في وجود الرمي وتأثير الرمي في نزول الحق في صورة رامية ليظهر منه اهـ بالى زادة ""
 
ومعنى قوله : والذي حكم العقل به صحيح مع التحرير في النظر أن ذلك صحيح عند تحرير المبحث ومحل النزاع ، لأن الذي حكم العقل به هو أن الشيء الذي يتوقف عليه وجود شيء آخر حتى يتحقق به لا يتحقق في وجوده على وجود ذلك المتأخر المتحقق به وإلا لزم الدور ، وذلك عند تجريد المرادين عن معنى التضايف ، أما إذا أخذهما من حيث أنهما متضايفان فلا بد من التوقف في الجانبين .
وفي بعض النسخ : مع التحرز في النظر ، أي الاحتراز عن معنى التضايف فيهما وغايته أي وغاية الناظر والمفكر إذا رأى الأمر على خلاف مقتضى الدليل العقلي ، وتحقق أن العين واحدة في هذه الصورة الكثيرة أن يقول إنها وإن كانت حقيقة واحدة في العلة والمعلول فهي من حيث كونها علة في صورة من الصور الكثيرة لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها فيكون معلولها حينئذ علة لها وهي معلولة له .
 
وحينئذ لم يقف مع نظره العقلي وجوابه بلسان الذوق . والتحقيق أن العين الواحدة في الصورتين لها صلاحية قبول الأمرين بالاعتبارين ،
فلها حال كونها علة صلاحية كونها معلولا ، وحال كونها معلولا صلاحية كونها علة ، فهي في عينها جامعة للعلية والمعلولية وأحكامهما ،
فكانت علة بعليتها ومعلولة بمعلوليتها ، فلها بحسب الأحوال جميع هذه الاعتبارات من حيث عينها على السواء ،
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية. وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )
 
قال رضي الله عنه : (فتتخيل بالوهم إنك قتلت ، وبالعقل والوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد.) أي ، فتتوهم أنك قتلت ، والقاتل في الحقيقة هو الله . والمقتول هو باق في العالم العقلي ، وصورته موجودة في العالم المثالي . وتشاهد بالعقل المنور والوهم المدرك للمعاني الجزئية أن صورتها العقلية موجودة في الحقيقة ، وما أفسدت إلا صورتها الحسية .
 
قال رضي الله عنه : ( والدليل على ذلك ) أي ، على أن القاتل هو الله ، لا أنت ، هو قوله تعالى :(" وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" . والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي) أي، الصورة المحمدية (التي نفى الله الرمي عنها أولا، ثم أثبته لها وسطا) بقوله: (إذ رميت).
 
قال رضي الله عنه : (ثم عاد بالاستدراك : أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا.)
( فانظر إلى هذا المؤثر ) وهو الاسم ( الرامي ) كيف تنزل لإظهار فعله في المظاهر . (حتى أنزل الحق ) هذا المعنى المذكور . (في صورة محمدية. أخبر الحق نفسه.) بالنصب . أي، عن نفسه . ويجوز أن يكون بالرفع ، فيكون تأكيدا (للحق) .
 
قال رضي الله عنه : (عباده بذلك . فما قال أحد منا عنه ذلك ، بل هو قال عن نفسه. وخبره صدق والإيمان به واجب ، سواء أدركت علم ما قال ) ، أي ، أحطت بعقلك بسر ما قال وجعل نفسه راميا في صورة محمدية بعقلك ( أو لم تدركه . فإما عالم )

أي ، فالناس إما عالم . ( وإما مسلم مؤمن . ) بالإيمان التقليدي .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:32 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 8:31 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثالثة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثالثة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثالثة عشر :-                               الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل والوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية.
وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )

قال رضي الله عنه :  ( فتتخيّل بالوهم أنّك قتلت ، وبالعقل والوهم لم تزل الصّورة موجودة في الحدّ ، والدّليل على ذلك وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ الأنفال : 17 ] ،
والعين ما أدركت إلّا الصّورة المحمّديّة الّتي ثبت لها الرّمي في الحسّ ، وهي الّتي نفى اللّه الرّمي عنها أوّلا ثمّ أثبته لها وسطا ، ثمّ عاد بالاستدراك أنّ اللّه هو الرّاميّ في صورة محمّديّة ، ولا بدّ من الإيمان بهذا ) .

قال رضي الله عنه:  (فتتخيل بالوهم) عند إفنائها (أنك قتلت، وبالعقل والوهم لم تزل الصورة ) فضلا عن الذات (موجودة في الحد).
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والدليل على ذلك ) أي : على كون الفاني في نظرك باقيا في الواقع وفي حس غيرك ، وفي الحد قوله تعالى :( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) [ الأنفال : 17 ] ؛  فكيف تفني في الواقع الصورة المحمدية ؟

قال رضي الله عنه :  ( والعين ) الباصرة من الناس ( ما أدركت ) للرامي ( إلا الصورة المحمدية ) ، إذ هي ( التي ثبت لها الرامي في الحس ) ، وهذه الصورة المحمدية ( هي التي نفى اللّه الرمي عنها ) ، أو باعتبار فنائها ، ( ثم أثبته ) أي : الرامي ( لها وسطا ) لثبوتها حسّا ، ورؤية العين الرامي منها ، وهي لا تكذب .
 

قال رضي الله عنه :  ( ثم ) لما كانت فانية من حيث هي باقية من حيث هي لربها قائمة ( عاد بالاستدراك ) ، وبيّن ( أن اللّه هو الرامي ) باعتبار إشراقه وظهوره ( في صورة محمدية ) ، فلا يمكن إنكار ظهوره في المحدثات ؛ وذلك لأنه ( لا بدّ من الإيمان بهذا ) النص الدّال على ظهوره في الصورة المحمدية ، ولا قائل بالفرق بينها وبين سائر الصور ، وعلى أنه أثر فناء النفس .

قال رضي الله عنه :  ( فانظر إلى هذا المؤثّر حتّى أنزل الحقّ في صورة محمّديّة ، وأخبر الحقّ نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منّا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه ، وخبره صدق والإيمان به واجب ، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ؛ فإمّا عالم ، وإمّا مسلم مؤمن ).
 

قال رضي الله عنه : ( فانظر إلى هذا المؤثر ) الذي بلغ النهاية في التأثير ( حتى أنزل الحق ) بإشراق نوره ( في صورة محمدية ) ، ولا يقال : كيف يؤثر الفناء وهو عدمي ؟

لأنّا نقول : ( أخبر الحق نفسه ) لا في مظهر يمكن أن يدخل فيه الشيطان ( عباده ) الكمّل الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ( بذلك ) التأثير للفناء في تجليه ، ولو أنكرتم علينا هذا القول ، ( فما قال أحد منا ) ابتداء ( عنه ذلك ) ، ( بل هو قال عن نفسه ) أولا فتبعناهم ، وليس ذلك بطريق الأمر ، حتى يمكن أن يقال لغلبة أمر بالاعتقاد على خلاف الواقع ، كما أن له أن يكلف بالمحال عند الأشعري ، بل هو بطريق الخبر

 
قال رضي الله عنه : ( وخبره صدق ) بحيث يكون تكذيبه كفرا ؛ وذلك لأن ( الإيمان به واجب ) بحيث لا يجوز التوقف فيما لم تعلم منه ، بل ( سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ) ، وبعد الإيمان ؛ ( فإما ) ما أنت ( عالم ) بتأويله ، ( وإما مسلم ) علمه إلى اللّه من غير إنكار ؛ لأنك ( مؤمن ) فإنا تبعناه في مثل ذلك القول ، فلا ينبغي أن ينكر علينا أيضا ،
بل لا بدّ من تسليم ما لم نحط بعلمه ، وكيف ينكر أثر العدمي بالنظر العقلي بعض النص الإلهي ، مع أنه قد صح بالكشف الصحيح باتفاق أهله تأثير اختلاف المجال في اختلاف التجلي ، مع أن التجلي علة وجود المجالي ، فقد أثر المعلول المعدوم قبل تأثير العلة فيه في علته بالاختلاف .

 

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية. وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فتخيّل بالوهم أنّك قتلت) .

أيّ وهم حكمه باطل
وهذا الوهم الذي يتبع المتخيّلة في أحكامها هو الذي يذمّه الحكماء المحققون وينسبون أحكامه إلى الفساد ، حيث يشيرون إلى الأحكام الفاسدة بأنّها أوهام ، وصار ذلك مزلَّة أقدام المتأخّرين منهم ، وحسبوا أن الوهم مطلقا حكمه باطل وليس كذلك ، فإنّ الوهم المستقلّ بالحكم أو الذي يتبع العقل في حكمه ، فهو من أساطين حكَّام هذه النشأة عند اقتناص الحقائق الذوقيّة ،

ولذلك قال : ( وبالعقل والوهم لم تزل الصورة موجودة في الحدّ ) ، أي الحدّ الكلَّي الكاشف عن الحقيقة ، لا يزال الوهم يتصوّر فيه أشخاصها وجزئيّاتها فصورة الشخص التي غابت بالقتل عن الحسّ وحكمت المتخيّلة - عند استتباعها الواهمة - بفسادها تبعا للحسّ ، لا زالت موجودة فإنّ مقوّمات حقيقته وذاتيّات حدّه غير قابلة للفساد أصلا ، والعوارض المشخّصة لها إنما هي لوازم غير ممكنة الانفكاك عنها .


وما رميت إذ رميت
فعلم من تشبيب هذه المقدّمات أنّ نفس العبد حيّة في ذاتها ، على ما أشير إليه في العبارة الختميّة ، ولها تأثير في ذاتها ، ولكن لا من حيث أنّها عبد وإن قتلت وأسقطت عنها الإضافات من الأفعال والصفات ، ( والدليل على ذلك ) عقلا وذوقا ما أشير إليه آنفا ونقلا قوله تعالى : ( “  وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى “  والعين ما أدركت ) عند مشاهدة ذلك الفعل وصدوره من الفاعل ( إلَّا الصورة المحمديّة ، التي ثبت لها الرمي في  الحسّ ) ، ولا شكّ أنّ الصورة الحسيّة من كل شيء هي الفاسدة بذاتها ، لأنّها صورة كونيّة ظليّة ، وإن كانت في الحقيقة هي المشتملة على الصورة الحيّة بذاتها ، وهي التي باعتبار التأثير منها ونسبة الفعل إليها حقّ - كما سبق بيانه .


ولذلك قال رضي الله عنه  : ( وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ) ، يعني باعتبار الصورة الأولى ، ( ثم أثبته لها وسطا ) ، يعني باعتبار الصورة الحقيقيّة التي هي البرزخ الجامع بين العبديّة والحقيّة ، الواقعة في وسط الاعتدال ولذلك وقعت في العبارة القرآنيّة وسطا بين نفي التأثير عن الصورة المحمديّة وبين استدراك إثباته لله تعالى فيها ، كما قال :  


الرامي هو الله في الصورة المحمّديّة   
قال رضي الله عنه :  ( ثمّ عاد بالاستدراك أنّ الله هو الرامي في صورة محمديّة ) وفي خصوصيّة عبارته هاهنا بقوله : « ثم عاد » إشعار بدقيقة من جلائل الحكم ، وهي أنّ المعاد الحقيقيّ والمراد الغائيّ إنما هو الظهور بصورة الأثر ، والبروز بكسوة الغلبة بالفعل والقهر ، والكلام والخبر فهي إشارة إلى ختم الولاية ، كما أنّ الأولين - يعني النفي والإثبات - إشارة إلى ختم النبوّة.

قال رضي الله عنه :  ( ولا بدّ من الإيمان بهذا ) ، يعني أنّ التأثير مطلقا بدءا وإعادة للحقّ ، ولكن في صورة محمديّة ( فانظر إلى هذا المؤثّر ) كيف تنزل متدرّجا في إظهار كماله صورة ومعنى ، من آدم في مدارج الأنبياء ( حتى أنزل الحقّ في صورة محمّديّة ) خاتميّة مظهرة لأمر الكمال بالتعبير عن تمام الكلام ، وكاشفه له عن تمام المرام ، حيث أبان ( وأخبر الحقّ نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منّا ذلك ، بل هو قال عن نفسه - وخبره صدق والإيمان به واجب ، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ) ،

فإنّ الفائزين بنيل الكمال الإنساني - كما مرّ غير مرّة - قد انحصر أمرهم في طائفتين : وهما العالمون أصحاب القلوب ، أو المؤمنون أرباب إلقاء السمع : ( فإمّا عالم ، وإمّا مسلم مؤمن ) .


الفرق بين حكم النظر والذوق في مسألة العلة والمعلول
ثمّ إنّه استشعر أن يقال هاهنا : إنّ أصحاب العقول الذين يستحصلون المعارف والحقائق بالنظر والفكر - لا يتمّ هذا الكلام عندهم ولا يستقيم هذا الحصر في الطائفتين لديهم ، فأشار إلى دفع مقالهم بقوله :
 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد .
والدليل على ذلك «و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» : والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية. ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية. وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . )

قال رضي الله عنه : ( فتتخيّل بالوهم أنّك قتلت ، وبالعقل والوهم لم تزل الصّورة موجودة في الحدّ . والدّليل على ذلكوَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى[ الأنفال : 17 ] . والعين ما أدركت إلّا الصّورة المحمّديّة الّتي ثبت لها الرّمي في الحسّ ، وهي الّتي نفى اللّه الرّمي عنها أوّلا ثمّ أثبته لها وسطا ، ثمّ عاد بالاستدراك أنّ اللّه هو الرّاميّ في صورة محمّديّة، ولا بدّ من الإيمان بهذا.فأنظر إلى هذا المؤثّر حتّى أنزل الحقّ في صورة محمّديّة . وأخبر الحقّ نفسه عباده بذلك ، فما قال أحد منّا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه ، وخبره صدق والإيمان به)


( فتتخيل بالوهم ) الكاذب ( أنك قتلت ) وأفنيت المقتول بالكلية ( وبالعقل والوهم ) الصادق ، أي بحكمها ( لم تزل الصورة ) ، أي صورته العقلية ( موجودة في الحد ) ، بل في صورته المثالية في عالم المثال وصورته الروحية في عالم الأرواح إن كان ذا روح مجرد مما قتلته بالحقيقة حيث قتلته بالصورة .

( والدليل على ذلك ) ، أي ما يدل على مثل ذلك من نفي الفعل بحسب الحقيقة وإثباته بحسب الصورة قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) [ الأنفال : 17 ] ،

أي ما رميت حقيقة إذ رميت صورة (وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس وهي ) ، أي الصورة المحمدية هي ( التي نفى اللّه الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا ثم عاد بالاستدراك أن اللّه هو الرامي في صورة محمدية ولا بد من الإيمان بهذا . فانظر إلى هذا المؤثر ) ، 
بفعل الرمي كيف نزل عن مرتبة الجمعية ( حتى أنزل ) نفسه يعني ( الحق في صورة محمدية وأخبر الحق نفسه ) ، بالرفع تأكيد للحق ( عباده بذلك فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه وخبره صدق والإيمان به،

 
قال رضي الله عنه :  ( واجب ، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ؛ فإمّا عالم ، وإمّا مسلم مؤمن . )
(واجب سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه فأما ) أنت ( عالم ) ، أي ممن له قلب ( وإما مسلم مؤمن ) ممن أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:33 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 8:47 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الرابعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الرابعة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الرابعة عشر :-                               الجزء الأول

جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى.   )

قال رضي الله عنه :  ( وممّا يدلّك على ضعف النّظر العقليّ ، من حيث فكره ، كون العقل يحكم على العلّة أنّها لا تكون معلولة لمن هي علّة له حكم العقل لا خفاء به ، وما في علم التّجلي إلّا هذا ، وهو أنّ العلّة تكون معلولة لمن هي علّة له .  والّذي حكم به العقل صحيح مع التّحرير في النّظر ؛ وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدّليل النّظريّ ؛ إنّ العين بعد أن ثبت أنّها واحدة في هذا الكثير ، فمن حيث هي علّة في صورة من هذه الصّور لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها ، في حال كونها علّة ، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصّور ، فتكون معلولة لمعلولها ، فيصير معلولها علّة لها . هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكريّ . )

(ومما يدلك) يا أيها السالك (على ضعف) ، أي قصور وعجز (النظر العقلي من حيث فكره) ، أي العقل وهو الذي يتمسك به المتأوّلون ممن يدعي علوم الأوراق وهو محروم من علوم الأذواق ، فيعدلون عن ظواهر الكتاب والسنة بلا ضرورة تقتضي ذلك غير قصورهم عن مواجيد الرجال وتشتيت أحوالهم في حب الدنيا وكثرة الانكباب على مطالعة القيل والقال (كون العقل) من كل أحد (يحكم على العلة) كحركة اليد مثلا علة لحركة الخاتم الذي فيها ، يلزم من وجودها وجود حركة الخاتم بطريق التأثير ليخرج السبب ، فإنه كذلك بلا تأثير (إنها) ،
أي تلك العلة (لا تكون معلولة) أيضا (لمن هي علة له) فينعكس الأمر برجوع المعلول علة ،

والعلة معلولا فتصير حركة الخاتم علة لحركة اليد هذا الأمر المذكور (حكم العقل لا خفاء فيه) عند العقلاء أصلا (وما في علم التجلي) الإلهي عند العارفين المحققين من أهل اللّه تعالى (إلا هذا) بعكس النظر العقلي (وهو أن العلة تكون معلولة) دائما (لمن هي علة له) كأسماء اللّه تعالى علل للآثار المخلوقة تقتضي إيجادها وكذلك الآثار المخلوقة في حال كونها معلولة لها هي علل للأسماء الإلهية تقتضي تميزها عن الذات الإلهية وإفرازها بالمعاني المختلفة وتميز بعضها عن بعض عند المؤمنين العارفين ،
وإن كانت تلك الأسماء الإلهية قديمة ، فإن تلك الآثار قديمة أيضا في العلم القديم الإلهي وفي أحكام القضاء والقدر والكلام القديم لكن لا أعيان لها متميزة بالوجود في تلك الحضرات ، كما أن الأسماء قبل ظهور آثارها لا تمييز لها عن الذات الإلهية ، ولا تمييز لبعضها عن بعض أيضا .

 
والحكم الذي (حكم به العقل) من أن العلة لا تكون معلولة لمن هي علة له (صحيح) أيضا (مع التحرير ، أي الاتقان (في النظر) الفكري بالنسبة إليه فإنه يقتضي ذلك (وغايته) ، أي النظر (في ذلك) الحكم المذكور (أن يقول) ، أي العاقل (إذا رأى الأمر) في هذا الحكم (على خلاف ما أعطاه الدليل النظري) على وجه النقص له (أن العين) ، أي الذات الواحدة (بعد أن ثبت أنها واحدة في هذا) الأمر (الكثير) الصور (فمن حيث هي) ، أي تلك العين الواحدة (علة في صورة من هذه الصور) الكثيرة (لمعلول ما) ينسب إلى تلك الصورة من حركة أو سكون مثلا (فلا تكون) ، أي تلك العين الواحدة (معلولة لمعلولها) الذي ينسب إلى تلك الصورة (في حال كونها) ، أي تلك العين الواحدة (علة له) ، أي لذلك المعلول المذكور (بل ينتقل الحكم) في تلك العين الواحدة (بانتقالها) ،

أي انتقال تلك العين أي تكرار ظهورها واستتارها ( في الصور) الكثيرة (فتكون حينئذ (معلولة لمعلولها) المذكور في حال آخر غير الأوّل لانتقال الحكم فيها (فيصير معلولها) المذكور (علة لها) من وجه آخر غير وجه ما هو معلول لها (هذا غايته) ، أي النظر العقلي في إدراك هذه المسألة كالواحد من العشرة مثلا علة لكونها عشرة من وجه ، فهي معلولة له وهو علتها وهي أيضا علة لكونه جزءا من وجه آخر غير وجه كونها عشرة ، بل وجه كونها مركبة ، وليس التركيب خاصا بها بل موجود فيما زاد على الواحد ، فالواحد معلول لها من هذا الوجه أكثر من ذلك لا يدرك العقل في هذا الحكم (إذا كان) ،
أي العاقل (قد رأى الأمر) في هذه القضية (على ما هو عليه) بأن وجد علة المعلول وهي معلولة له (ولم يقف) في ذلك (مع نظره الفكري) المقتضي عنده لامتناع ذلك فإنه يحكم باختلاف الجهة ولا يسعه الحكم باتحادها وإذا اتسع نظره وأبطل العلة من أحد الطرفين فلا إشكال عنده حينئذ .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى.  )

قال رضي الله عنه :  (ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له هذا حكم العقل لإخفاء به وما) أي وليس (في علم التجلي إلا هذا)

قوله (وهو) بيان لما أشير إليه بهذا فهو ضمير الشأن (أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له) فالعقل يحكم على أن العلة لا تكون معلولة لمعلولها والكشف وهو العلم الحاصل من التجلي يحكم على أن العلة تكون معلولة لمعلولها فلا يصح حكم العقل من حيث نظره الفكري وإلا لما حكم على أن العلة ليست معلولة لمعلولها
وليس كذلك بل العلة قد يكون معلولة لمعلولها بالكشف الصحيح وجاء من العقل الحكم الصحيح إذا تحرز عن الفكر عند رؤية الأمر على ما هو عليه وبينه بقوله (والذي حكم به العقل صحيح) واقع مطابق بما في نفس الأمر (مع التحرز في النظر) أي إذا لم يقف مع نظره الفكري بل جرد نفسه عنه .
 

قال رضي الله عنه :  (وغايته) أي غاية العقل (في ذلك) أي في صحة حكمة مع التحرز في نظره (أن يقول إذا رأى) العقل (الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري ) قوله (إن العين) مقول القول (بعد أن ثبت) أي بعد التسليم (أنها) أي العين (واحدة في هذا الكثير) فإذا كانت واحدة ( فمن حيث هي علة في صورته من هذه الصور ) وهي صورته العلية ( لمعلول ما ) يتعلق بقوله علة ( فلا يكون ) العين (معلولة لمعلولها في حال كونها علة) أي حال كون العين علة لذلك المعلول ( بل ينتقل الحكم ) أي حكم العلية والمعلولية (بانتقالها ) أي بانتقال العين ( في الصور فتكون ) العين التي هي علة في صورة ( معلولة لمعلولها فيصير معلولها ) أي معلول العين ( علة لها ) أي للعين كالمعلول الأول وهو العقل الأول فإن العين علة له

فلما انتقل العين إلى المعلول الثاني وهو نفس الكلية يصير العقل الأول علة لظهور العين في صورة النفس الكلية
ومما أظهر لك منه آدم وحواء أو بنوه فإن العين تعينت في صورة من الصور فكانت علة لآدم فلا يكون العين معلولة لآدم في حال كونها علة له بل ينتقل الحكم بانتقال العين التي هي علة لآدم إلى صورة حوّاء وصورة البنين والبنات فيصير آدم علة للعين في ظهورها بهذه الصورة .

 قال رضي الله عنه :  (هذا ) الحكم الصحيح ( غايته ) أي غاية العقل ( إذا كان قدر أي الأمر على ما هو عليه ) وهو رؤيته أن العين واحدة في الكثير ( ولم يقف مع نظره الفكري ) فإذا وقف مع نظره الفكري ولم يتحرز في النظر لا يجيء هذا الحكم منه بل يحكم على العلة بأنها لا يكون معلولة لمعلولها .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى. )

قال رضي الله عنه : ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له. والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها . هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى. )

قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى. )

قال رضي الله عنه : ( وممّا يدلّ على ضعف النظر العقلي من حيث فكره كون العقل يحكم على العلَّة أنّها لا تكون معلولة لمن هي علَّة له ، هذا حكم العقل لا خفاء به ، وما في علم التجلَّي إلَّا هذا وهو أنّ العلَّة تكون معلولة لمن هي علَّة له والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر ، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري : إنّ العين بعد أن ثبت أنّها واحدة في هذا الكثير ، فمن حيث هي علَّة في صورة من هذه الصور لمعلولها في حال كونها علَّة ، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور ، فتكون معلولة لمعلولها ، فيصير معلولها علَّة لها . هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكري).


فيقول الناظر المناظر والمفكَّر الماهر بعد تحقّقه أحدية عين العلة والمعلول :
هذه العين الواحدة باعتبار كونها علة ليست معلولة لعلَّته بل باعتبار آخر فتنتقل العلَّية إلى المعلول باعتبار آخر ، والمعلولية إلى العلَّة كذلك باعتبار آخر ، وبتغاير الاعتبارين يتغاير الحكمان ، فنقول : والعلَّة باعتبار عليّته ليست معلولة لمعلولها ، والمعلول باعتبار معلوليته ليس علَّة لعلَّته إلَّا باعتبار الانتقال المذكور ،
فنقول له بلسان الذوق والتحقيق : للعين الواحدة فيهما مع وجود الاعتبارين صلاحية قبول الكلّ بكونها عين العلة وعين المعلول ، حال كون العلة علَّة وكون المعلول معلولا ، وعين العلية والمعلولية المعتبرتين في العلة والمعلول حالتئذ ، فهي في عينها جامعة بين العلية والمعلولية ، فهي العلة بعلَّيتها والمعلول بمعلوليتها ، إذ لا يمكن اعتبار هذه العين الواحدة إلَّا وجميع الاعتبارات لها من عينها في حالة واحدة على السواء ،

وهذا صورة الأمر في التجلَّي ، فإنّ المتجلَّي والمتجلَّى له والتجلَّى وكون المتجلَّى متجلَّيا والمتجلَّى له متجلَّى له هو الحق الواحد عينه ، المستغرق لجميع هذه الاعتبارات التي يتعقّلها العقل ، والامتياز والفرقان ليس إلَّا في العقل والصور المتعقّلة المفروضة المنتزعة عن العين ، والدليل على ذلك أحدية العين ، فإنّ واحدا أحد ما ثمّ إلَّا هو ، فانظر ما ذا ترى ، وتأمّل مليّا تجده واضحا جليّا .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى.  )

قال رضي الله عنه : ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له ، هذا حكم العقل لا خفاء به ، وما في علم التجلي إلا هذا ، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له ، والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر ، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري أن العين بعد أن ثبت أنها واحدة في هذا الكثير ، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها فيصير معلولها علة لها ، وهذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكري )


يعنى أن العلية معلولة وجودا وتقديرا لمعلولية المعلول ، لأنه لولا معلولية المعلول لم تتحقق علية العلة ، فعلية العلة موقوفة التحقق على معلولية المعلول ، فإذن معلولية المعلول علة لعلية العلة وعليتها ، وكذلك العلة وعكسها ، لما كان المعلول معلولا لهما لأنهما متضايفان ،
فيتوقف كل واحد منهما على الآخر ذهنا وخارجا فتكون علية العلة علة لمعلولية المعلول ، ومعلولية المعلول علة لعلية العلة ، والمعلول معلول بقيام المعلولية به ،
وكذلك العلة علة بقيام العلية بها ، فالعلة مع عليتها التي هي بها علة للمعلول معلول لمعلولية المعلول الذي هو بها معلول ، ومعلولية المعلول ليست زائدة عليه إلا في العقل ،
 كما أن علية العلة ليست بزائدة على العلة إلا في العقل فهي في الخارج عينه، لكن العقل ينزع معنى المعلولية فيجعله زائدا على ذات المعلول،
وكذا معنى العلية بالنسبة إلى ذات العلة ، وليس كذلك في الخارج ، إذ العلة والمعلولية لا غير لهما في الخارج زائدة على العلة والمعلول في الوجود ، لأنه لو كان لها تحقق وجودي دون عين العلة والمعلول في الوجود لتحقق امتيازها عنهما في الوجود ،
لكن الامتياز ليس إلا في التعقل ، وكذلك جميع أقسام المتضايفين لا تحقق لأحدهما وجودا إلا بالآخر فكل منها علة لمعلوله
 

"" أضاف بالي زادة :
أنزل الحق في صورة محمدية فالمعلول علة لعلته بوجه كما سيأتي ، فإن تأثير الحق ، في وجود الرمي وتأثير الرمي في نزول الحق في صورة رامية ليظهر منه .أهـ بالى زادة ""

ومعنى قوله : والذي حكم العقل به صحيح مع التحرير في النظر أن ذلك صحيح عند تحرير المبحث ومحل النزاع ، لأن الذي حكم العقل به هو أن الشيء الذي يتوقف عليه وجود شيء آخر حتى يتحقق به لا يتحقق في وجوده على وجود ذلك المتأخر المتحقق به وإلا لزم الدور ، وذلك عند تجريد المرادين عن معنى التضايف ، أما إذا أخذهما من حيث أنهما متضايقان فلا بد من التوقف في الجانبين .

وفي بعض النسخ : مع التحرز في النظر ، أي الاحتراز عن معنى التضايف فيهما وغايته أي وغاية الناظر والمفكر إذا رأى الأمر على خلاف مقتضى الدليل العقلي ، وتحقق أن العين واحدة في هذه الصورة الكثيرة أن يقول إنها وإن كانت حقيقة واحدة في العلة والمعلول فهي من حيث كونها علة في صورة من الصور الكثيرة لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها فيكون معلولها حينئذ علة لها وهي معلولة له

وحينئذ لم يقف مع نظره العقلي وجوابه بلسان الذوق . والتحقيق أن العين الواحدة في الصورتين لها صلاحية قبول الأمرين بالاعتبارين ،
فلها حال كونها علة صلاحية كونها معلولا ، وحال كونها معلولا صلاحية كونها علة ، فهي في عينها جامعة للعلية والمعلولية وأحكامهما ،
فكانت علة بعليتها ومعلولة بمعلولتيها ، فلها بحسب الأحوال جميع هذه الاعتبارات من حيث عينها على السواء ،
وهكذا صورة الأمر في التجلي ، فإن المتجلي والمتجلي له والتجلي وكون المتجلي متجليا والمتجلي له هو الحق الواحد بعينه المنعوت بجميع هذه الاعتبارات التي يتعقلها العقل ،
والفرقان والامتياز ليس إلا في العقل والصور المتعلقة ، والنسب المفروضة المتفرعة عن الحقيقة الواحدة ، وهو الله الواحد الأحد ليس في الوجود إلا هو .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى. )


قال رضي الله عنه : (ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره ، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي) أي، العلة.
قال رضي الله عنه :  (علة له. هذا حكم العقل، لاخفاء به . وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة يكون معلولة لمن هي علة له).
أي ، فإن لم تحط بعقلك بسر ما سمعت ، فاعلم أن العقل المشوب بالوهم من حيث نظره الفكري ضعيف في إدراك الأشياء على ما هي عليه . ويدل عليه كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لما هو معلول لها .
وما في علم التجلي إلا هذا ، أي التجلي الإلهي يعطى للعارف المكاشف أن العلة معلولة لمعلولها . وذلك لأن عين المعلول حال ثبوتها في العدم تطلب من عين العلة أن تجعلها موجودة معلولة لها ، كما تطلب عين العلة وجود معلولها . والطلب من الطرفين رابطة بينهما.

وأيضا ، علية العلة كمال من كمالاتها ، ولا يتم إلا بالمعلول ، فمعلولية المعلول سبب لعلية العلة . هذا إذا أخذنا وجود كل منهما مجردا عن العلية والمعلولية .
وأما إذا أخذنا هما مع الصفتين ، فلا بد من أن يتوقف كل منهما على الآخر ، كما أن معلولية المعلول لا تحصل إلا بعلية العلة بكونهما متضايفين .
وكذلك حكم جميع المتضايفين . فالعلة من حيث إنها علة معلولة لمعلولها .
وأيضا ، المكاشف يجد الكشف أن ذاتي العلة والمعلول شئ واحد ، ظهر في مرتبتين مختلفتين ، والعلية والمعلولية من المتضايفين اللذين كل منهما علة للآخر، فيحكم على العلة من حيث إمتيازها عن المعلول أنها معلولة لمعلولها .
وهو حق ، إذا لم يكن الامتياز بينهما إلا بما يقتضى التضايف ، وإلا فلا


قال رضي الله عنه : (والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر.) وفي بعض النسخ: (مع التحرر في النظر) . أي ، إذا حرر المكاشف نظره فيما حكم به العقل ، يجد ذلك صحيحا .
لأن ذات العلة ووجودها مجردا عن العلية سابقة على وجود المعلول وذاته ، سبقا ذاتيا لا زمانيا . فلو كان وجود المعلول وذاته علة لعلته ، بطل ذلك السبق الذاتي . وأيضا ، يلزم الدور لتوقف وجود كل منهما في الخارج على وجود الآخر .
هذا إذا أخذنا وجود كل منهما مجردا عن العلية والمعلولية . وأما إذا أخذنا هما مع الصفتين فلا بد من أن يتوقف كل منهما على الآخر .
ومعنى ( التحرر ) هو أن الناظر تحرر في نظره عما يوجب التضايف ، أي، يأخذ ذات كل منهما مجردا عما يوجب التضايف .

قال رضي الله عنه : (وغايته في ذلك أن يقول : إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري إن العين بعد أن ثبت أنها واحدة في هذا الكثير) ، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها في حال كونها علة ، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور ، فتكون معلولة لمعلولها ، فتصير معلولها علة لها . (هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكري.).

أي ، وغاية العقل أنه إذا شاهد الأمر لا على ما يعطيه نظره العقلي ، بل على ما هو عليه ، كما يعطى التجلي للمكاشف ، أن يقول مصححا لما يعطى التجلي وموجها له : أن العين بعد أن ثبت وحدتها ، 
أي بعد تسليم أن الذات الظاهرة في هذه الصور الكثيرة واحدة ، فهي علة في صورة من الصور لمعلول ما .
ومن حيث إنها علة ليست معلولة لمعلولها ، بل من حيثية أخرى ، وهي باعتبار ظهورها في صورة المعلول أيضا ، فينتقل حكم العلية إلى الصورة المعلولية بانتقال تلك العين إليها .
أي ، بظهور تلك العين في صورة المعلول ، فيصير معلولها علة لها .
هذا غاية ما يقدر العقل عليه عند شهوده الأمر على ما هو عليه . وهو ضعيف .
لأنه لا انتقال للذات من صورة العلة إلى صورة المعلول لينتقل العلية معها .
وأنت تعلم أن الجهات المختلفة التي يعتبرها العقل والنسب التي يضيفها إلى الذات الأحدية كلها متحدة في عين الوجود مستهلكة في الذات الأحدية.

فما في الوجود إلا ذاته تعالى الظاهرة في صورة بالعلية وفي أخرى بالمعلولية .
- بل الذات حال ظهورها بالعلية ظاهرة فيها بالمعلولية لما هو معلول لها . 
فإنها في حالة واحدة متصفة بالضدين وجامعة للنقيضين ، إذ لا يشغلها شأن عن شأن ، فهي حال كونها باطنة ظاهرة ، وحال كونها ظاهرة باطنة ، واعتبار الجهات والمغايرة بينهما من خصائص العقل ، وأما في الحقيقة فليس إلا الوجود المحض وتجلياته لا غير .
فلا عاقل ولا معقول ، ولا الجهات التي يفرضها العقل .
ولهذا المعنى قال أولا : ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي ) ونسب الضعف إليه .
.

يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:35 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 8:55 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الرابعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الرابعة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الرابعة عشر :-                               الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى. )
 
 
قال رضي الله عنه :  ( وممّا يدلّك على ضعف النّظر العقليّ ، من حيث فكره ، كون العقل يحكم على العلّة أنّها لا تكون معلولة لمن هي علّة له حكم العقل لا خفاء به ، وما في علم التّجلي إلّا هذا ، وهو أنّ العلّة تكون معلولة لمن هي علّة له ، والّذي حكم به العقل صحيح مع التّحرير في النّظر ؛ وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدّليل النّظريّ ؛ إنّ العين بعد أن ثبت أنّها واحدة في هذا الكثير ، فمن حيث هي علّة في صورة من هذه الصّور لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها ، في حال كونها علّة ، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصّور ، فتكون معلولة لمعلولها ، فيصير معلولها علّة لها ، هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكريّ ).
 
قال رضي الله عنه :  ( فانظر إلى هذا المؤثر ) الذي بلغ النهاية في التأثير ( حتى أنزل الحق ) بإشراق نوره ( في صورة محمدية ) ، ولا يقال : كيف يؤثر الفناء وهو عدمي ؟
لأنّا نقول : ( أخبر الحق نفسه ) لا في مظهر يمكن أن يدخل فيه الشيطان ( عباده ) الكمّل الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ( بذلك ) التأثير للفناء في تجليه ، ولو أنكرتم علينا هذا القول ، ( فما قال أحد منا ) ابتداء ( عنه ذلك ) ، ( بل هو قال عن نفسه ) أولا فتبعناهم ، وليس ذلك بطريق الأمر ، حتى يمكن أن يقال لغلبة أمر بالاعتقاد على خلاف الواقع ، كما أن له أن يكلف بالمحال عند الأشعري ، بل هو بطريق الخبر
 
قال رضي الله عنه : ( وخبره صدق ) بحيث يكون تكذيبه كفرا ؛ وذلك لأن ( الإيمان به واجب ) بحيث لا يجوز التوقف فيما لم تعلم منه ، بل ( سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه ) ، وبعد الإيمان ؛ ( فإما ) ما أنت ( عالم ) بتأويله ، ( وإما مسلم ) علمه إلى اللّه من غير إنكار ؛ لأنك ( مؤمن ) فإنا تبعناه في مثل ذلك القول ، فلا ينبغي أن ينكر علينا أيضا ،
بل لا بدّ من تسليم ما لم نحط بعلمه ، وكيف ينكر أثر العدمي بالنظر العقلي بعض النص الإلهي ، مع أنه قد صح بالكشف الصحيح باتفاق أهله تأثير اختلاف المجال في اختلاف التجلي ، مع أن التجلي علة وجود المجالي ، فقد أثر المعلول المعدوم قبل تأثير العلة فيه في علته بالاختلاف .
 
وإليه الإشارة بقوله : ( ومما يدلك ) خاطب صاحب الكشف ؛ لأن غيره لا يطلع ( على ) هذا على ( ضعف النظر العقلي ) إذا تجرد عن الكشف والشرع ، بل كان ( من حيث فكره ) بترتيب المقدمات التي كلما تحيط بصحتها ( كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون ) أبدا ( معلولة لمن هي علة له ) ؛ لئلا يلزم الدور هذا ( حكم العقل لا خفاء به ) ، وإن كان قد يتوهم أن المعلول علة لعلية العلة ، وهو غلط ، إذ لو توقفت عليه العلة على المعلول للزم الدور أيضا ، بل عليتها إما بالذات أو بانضمام غير المعلول إليها ، ( وما في علم التجلي إلا هذا ) الذي ينفيه النقل ، ( وهو أن العلة تكون معلولة ) في الجملة ( لمن هي علة له ) كان التجلي علة وجود المجالي ، واختلاف المجالي علة اختلاف التجلي .
 
ثم أشار إلى أن لحكم العقل محلا خاصا ، ولحكم التجلي محلا آخر يعرف ذلك عند اجتماعهما ؛ فقال : ( والذي حكم به العقل ) صادق في بعض الصور دون البعض ، وإنما يكون ذلك ( مع التحرير في النظر ، وغايته ) أي : وغاية حكم صدق العقل ( في ذلك ) أي :
في كون العلة لا تكون معلولة أبدا يعرف ذلك ( إذا رأى ) العاقل ( الأمر ) ، أي : أمر التجلي ( على خلاف ما أعطاه الدليل النظري ) أي : ( العين ) التي هي علة وجود الموجودات ( بعد أن ثبت أنها ) لا يختلف تجليها ، لكن تجليها ليس باعتبار ذاتها ، بل باعتبار كونها ( في هذا الكثير ) من الأسماء المختلفة ، لكن في تجليها باسم معين في معلولات متعددة مختلفة اختلاف آخر وراء ذلك ، ( فمن حيث هي علة في صورة ) معينة ( من هذه الصور ) الأسمائية ( لمعلول ما ) من معلولات تلك الصورة ، ( فلا تكون ) تلك العين مع الصورة المعينة ( معلولة لمعلولها في حال كونها علة ) له ، ثم ينتقل إلى غيره من المعلولات إذ لا اختلاف ، فمن أين يكون له أثر في اختلاف التجلي .
 
قال رضي الله عنه :  ( بل ينتقل الحكم ) بالعلية من العلة إلى المعلول ( بانتقالها ) أي : بانتقال كون العلة علة لمعلول آخر ، ولو في تلك الصورة الخاصة لاسم خاص ، (فتكون ) العلة التي هي التجلي ( معلولة لمعلولها ) لتأثيره في اختلاف التجلي ، ( فيصير معلولها ) من حيث الوجود ( علة لها ) من حيث الاختلاف ، ومع اختلاف الجهات فلا دور ، ( وهذا غايته ) أي : غاية العاقل ( إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ) ، وإلا كان مقرّا على حكم العقل منكرا للكشف ، كيف لا وكثيرا ما ينكره الكاشف ،
 
قال رضي الله عنه :  ( فمن وقف مع نظره الفكري ) ، وإنما لا ينكره عن المكاشف من أهل النظر من لم يبق مع نظره الفكري ، ولا يستدل بإثبات التأثير للمعدوم على إثبات الصانع ؛ لأن بطلان تأثير المعدوم في إيجاد الشيء معلوم بالضرورة ، وإنما يتصور له التأثير في تخصيص الموجود بوجه خاص مثل تأثير عدم السواد في المحل بقبوله البياض أو غيره من الألوان .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى. )
 
الفرق بين حكم النظر والذوق في مسألة العلة والمعلول
ثمّ إنّه استشعر أن يقال هاهنا : إنّ أصحاب العقول الذين يستحصلون المعارف والحقائق بالنظر والفكر لا يتمّ هذا الكلام عندهم ولا يستقيم هذا الحصر في الطائفتين لديهم ، فأشار إلى دفع مقالهم
بقوله رضي الله عنه : ( ومما يدلَّك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره ) لا مطلقا ، فإنّه الذي يدركه العقل عند بلوغه رتبة ذوق الرجال ، وما قصر عنه أفهام الواقفين في مواقف بدايات المدارك البشريّة من أطفال أهل الطلب وطفيليّ طريق نوال كمالهم حكم العقل من حيث فكره فيما نحن بصدده ،
 
وهو ( كون العقل يحكم على العلَّة أنّها لا تكون معلولة لمن هي علَّة له هذا حكم العقل ) من حيث نظره الفكريّ على ما هو الظاهر عند المسترشدين بطريق النظر ، ( لا خفاء به ) عندهم بناء على الأصل المبرهن : "إنّ القابل لا يكون فاعلا " .
قال رضي الله عنه :  ( وما في علم التجلَّي إلَّا هذا ) الذي حقّق أمره لك ، ( وهو أنّ العلَّة ) التي هي مبدأ التأثير ( تكون معلولة ) متأثّرة ( لمن هي علة له ) ، كفعل الحقّ في الصورة المحمّديّة ، فإنّه علَّة لها مع أنّ الصورة المحمّديّة في التجلَّي علَّة للفعل الحقّ ، وهو الرمي .
 
تقريب حكم العقل والذوق في مسألة العلة والمعلول
قال رضي الله عنه :  ( والذي حكم به العقل ) في هذه المسألة - من أنّ الفاعل من حيث أنّه فاعل لا يمكن أن يكون قابلا بتلك الحيثية - ( صحيح ) ولكن ( مع التحرير ) يعني إذا حرّر ما هو محلّ النزاع حقّ التحرير فإنّه ما لم يحرّر ويبيّن المبحث ( في النظر ) والبحث لا يتمّ تقريب الطرفين فيه ، ولا يتميّز الصحيح عن الفاسد منه على ما بيّن في صناعته .
( و ) العقل الفكريّ ( غايته في ذلك ) البحث ( أن يقول ) في توجيه ما رآه مخالفا لمقتضى النظر والفكر ، وتطبيقه على قانون البحث وميزانه
 
قال رضي الله عنه :  ( إذا “ رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري ) عند بلوغه رتبة الكمال البشري والذوق القلبي : ( إنّ العين بعد أن ثبت أنّها واحدة في هذا الكثير ) من التعيّنات الصورية ( فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور ) التي هي مجلى العين في منصّات معرس الإظهار - كما تقرّر أمره آنفا - ( لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها ) بتلك الصورة بعينها ( في حال كونها علَّة بل ينتقل الحكم ) بالعلَّية والمعلوليّة وسائر المتقابلات والمتخالفات على تلك العين الواحدة ( بانتقالها في ) تلك ( الصور ) التعيينيّة ، حتّى يجتمع الحكمان على الصورة الواحدة بحيثيّة واحدة ، ( فتكون معلولة لمعلولها ، فيصير معلولها علَّة لها ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( هذا غايته ) أي غاية العقل عند بلوغه مرتبة الإحاطة القلبيّة ، والسعة الإنسانيّة التي يلزمه أمر كمال الإدراك والإظهار ، وتمام مرتبة الشعور والإشعار
 
وإليه أشار بقوله : ( إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكري ) الذي للعقل في مواقف نقصه عند عدم بلوغه رتبة الكمال المقدّر له ، فإنّ النظر الفكري يحيل أن يكون لواحد أحكام متنافية ، فإنّ تنافي اللوازم من أبين ما يستدلّ به على تباين الملزومات وتكثّر أعيان ماهيّاتها .
 
هذا ما لم يبلغ أشدّه ولم تحصل له رتبة الإحاطة القلبيّة وسعتها الإطلاقيّة التي تمحو آثار التفرقة ، وتزيل ضيق التباين والتكثّر .
ثمّ إنّ التفرقة لها مراتب متفاوتة الأحكام في الجلاء والخفاء ، أبينها ظهورا لحكم التفرقة وضيق أمرها هو التقابل ، فأقسام المتقابلات هي أشدّ المضايق المتمانعة الأحكام ، وأجلاها في ذلك هو الفاعل والمنفعل ، ضرورة ظهور أمر تمانع أحكامهما وتنافي لوازمهما على صحائف الأكوان الخارجيّة ومجالي الألوان الحسّية ، وهذا هو المعبّر عنه بالعليّة والمعلوليّة ،
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره، كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير، فمن حيث هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى. )
 
قال رضي الله عنه :  (وممّا يدلّك على ضعف النّظر العقليّ ، من حيث فكره ، كون العقل يحكم على العلّة أنّها لا تكون معلولة لمن هي علّة له حكم العقل لا خفاء به ، وما في علم التّجلي إلّا هذا ، وهو أنّ العلّة تكون معلولة لمن هي علّة له . والّذي حكم به العقل صحيح مع التّحرير في النّظر ؛ وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدّليل النّظريّ ؛ إنّ العين بعد أن ثبت أنّها واحدة في هذا الكثير ، فمن حيث هي علّة في صورة من هذه الصّور لمعلول ما ، فلا تكون معلولة لمعلولها ، في حال كونها علّة ، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصّور ، فتكون معلولة لمعلولها ، فيصير معلولها علّة لها . هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ، ولم يقف مع نظره الفكريّ)
 
( ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له ) ، لأن العين واحدة فعين ظهرت بصورة العلة والمعلول يجوز أن تظهر بصورة معلول ،
 
فكما أنها علة لمعلولها تكون معلولة لمعلولها فتكون العلة معلولة لمعلولها ( والذي حكم به العقل صحيح ) ، في نظر المكاشف أيضا ( مع التحرير في النظر ) ، أي إذا حرر نظره فيما حكم به العقل وجد ذلك صحيحا ، لأن وجود ذات العلة سابق على وجود ذات المعلول .
فلو كان وجود ذات المعلول علة لوجود ذات العلة لزم الدور ( وغايته ) ، أي غاية العقل ( في ذلك ) ، أي فيما حكم به الكشف ( أن يقول إذا رأى الأمر ) أمرا مكان كون العلة معلولة لمعلولها ( على خلاف ما أعطاه الدليل النظري : أن العين بعد أن ثبت أنها واحدة في هذا الكثير ) من صورة العلة والمعلول ومعلول المعلول ( فمن حيث هي ) ،
 
أي هذه العين الواحدة ( علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما فلا تكون معلولة لمعلولها في حال كونها علة له بل ينتقل الحكم ) بالعلية والمعلولية ( بانتقالها في الصور ) فينتقل إلى صورة معلول المعلول ( فتكون معلولة لمعلولها فيصير معلولها علة لها . هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه ) من وحدة العين وكثرة الصور ( ولم يقف مع نظره الفكري ) الغير المؤدي إلى ذلك
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:35 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 9:01 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الخامسة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفقرة الخامسة عشر :-                               الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.
فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قال رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلّية بهذه المثابة ، فما ظنّك باتّساع النّظر العقلي في غير هذا المضيق ؟  فلا أعقل من الرّسل صلوات اللّه عليهم وقد جاؤوا بما جاؤوا به في الخبر عن الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا بما لا يستقلّ العقل بإدراكه وما يحيله العقل رأسا ويقرّ به في التّجلّي الإلهي .  فإذا خلا بعد التّجلّي بنفسه حار فيما رآه : فإن كان عبد ربّ ردّ العقل إليه ، وإن كان عبد نظر ردّ إلى حكمه . وهذا لا يكون إلّا ما دام في هذه النّشأة الدّنياوية محجوبا عن نشأته الأخراويّة في الدنيا . فإنّ العارفين يظهرون ههنا كأنّهم في الصّور الدّنياويّة لما يجري عليهم من أحكامها ، واللّه تعالى قد حوّلهم في بواطنهم في النّشأة الأخراويّة ، لا بدّ من ذلك . فهم بالصّورة مجهولون إلّا لمن كشف اللّه عن بصيرته فأدرك . )

(وإذا كان الأمر في العلة) عند العقل (بهذه المثابة) يتسع فيها بنظره الفكري تارة ويضيق أخرى (فما ظنك) يا أيها السالك (باتساع النظر العقلي في غير هذا) الأمر (المضيق) من أمور الغيب الأخروي ونحوه (فلا أعقل) ، أي أكثر عقلا (من الرسل) والأنبياء (صلوات اللّه) وسلامه (عليهم وقد جاؤوا) من عند اللّه تعالى بما

(جاؤوا به في الخبر) ، أي في الإخبار (عن الجناب الإلهي) مما يتعقل بمقتضيات الرضوان والغضب منه تعالى في الأحكام الشرعية ، وما يتعلق بأمور الآخرة والبرزخ وأخبار الأمم الماضية والآتية قبل يوم القيامة (فأثبتوا) لأممهم من ذلك (ما أثبته العقل وزادوا) عليه (بما لا يستقل العقل بإدراكه) بل يحتاج في إدراكه إلى معونة من الخبر (وما يحيله) ، أي يحكم باستحالته (العقل رأسا وإنما يقر) العقل (به) ، أي بذلك المستحيل (في) حالة (التجلي) ، أي الانكشاف (الإلهي) عليه .

(فإذا خلا) ، أي العقل (بعد التجلي) الإلهي (بنفسه حار) ، أي العقل يعني أدركته الحيرة (فيما) ، أي في الأمر الذي رآه من ذلك المستحيل عنده (فإن كان) ، أي صاحب العقل بعد ذلك في حال غفلته (عبد رب) ، أي تابعا لربه سبحانه في كل ما أشكل عليه مفوضا في جميع أموره إليه رد ، أي رجع (العقل) الحاكم منه باستحالته ذلك الأمر وامتناعه (إليه) ، أي إلى ربه تعالى ووقف مع إسلامه لذلك وإيمانه به (وإن كان ، أي صاحب العقل (عبد نظر) فكري ، أي تابعا لنظره الفكري معتمدا عليه في جميع أمور دينه ودنياه كعلماء الظاهر المحجوبين عن معرفة ربهم الذوقية ومن تابعهم رد ، أي أرجع (الحق) الذي حار فيه (إلى حكمه) ، أي حكم نظره الفكري وفهمه بمقتضى عقله وجزم به كذلك .

(وهذا) الأمر المذكور (لا يكون) من العبد (إلا ما دام) واقفا (في هذه النشأة ) الظاهرة للحس والعقل (محجوبا عن) القيام بحكم (نشأته) ، أي خلقته (الأخروية) الغيبية وهو كائن (في) حال الحياة (الدنيا) قبل موته منها وانتقاله إلى البرزخ كما قال سبحانه عمن هذا حاله "يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ"[ الروم  : 7].

(فإن العارفين) باللّه تعالى القائمين بأمره سبحانه بعد العبور عن عالم الخلق (يظهرون ههنا) في هذه الدار الدنيا بين الناس (كأنهم) ،
أي حالهم الظاهر منهم للغافلين المحجوبين يشبه أنهم مثلهم قائمون (في الصور) الخلقية (الدنيوية) الجامدة في العقل والحس (لما يجري عليهم) ، أي على ظواهرهم (من أحكامها) ،
أي الصورة الدنيوية من أكل وشرب ونوم وجماع وطاعة ومعصية ومرض وموت ونحو ذلك (واللّه تعالى قد حوّلهم) ، أي العارفين (في بواطنهم) في الدنيا (في النشأة الأخروية) لقيامهم بأمره تعالى ومفارقتهم أحوال الخلق عن كشف منهم وشهود (لا بد من) ثبوت (ذلك) لهم في طور المعرفة الذوقية .

(فهم) ، أي العارفون (بالصورة) الإنسانية ، أي بسببها وسبب أحكامها الدنيوية (مجهولون) بين الناس كما قال تعالى :" وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ[ الفرقان : 7 ] ،
وقالوا :ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ( 34 ) [ المؤمنون : 33 - 34 ] ،
وقالوا :إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً[ المؤمنون : 38 ] ، وقالوا لرسلهم :ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ[ يس : 15]

مع أن القائلين من العقلاء البالغين والمقول لهم ذلك من أكمل أهل الأنوار الإلهية وأفضل أولى الصفوة والخصوصية ، فكيف بمن دونهم من أهل الولاية والوراثة المحمدية (إلا لمن كشف اللّه) تعالى (عن بصيرته) من الناس (فأدرك) مقامات الرجال وميز مراتب أهل الكمال كما وفق اللّه تعالى في الزمان السابق جماعة للإيمان بالأنبياء عليهم السلام فجعلهم عمدة في نقل الحق والشرع وتبليغه بعدهم للأمم المؤمنين بهم .
 

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك. فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قال رضي الله عنه :  ( فإذا كان الأمر في العلية ) في حق النظر العقل ( بهذه المثابة ) فإنه لا يدرك الأمر في العلية على ما كان عليه إلا مع التحرز في النظر فلا يسع الأمر في هذا المضيق مع أن الأمر لم يكن خارجا عن طوره في هذا المقام

قال رضي الله عنه :  ( فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق ) الذي أضيق منه فإن من الأمور أضيق منه بحيث كانت خارجة عن طور النظر العقلي فكيف يتسع العقل فيها فلا تظن أن العقل يدركها بالنظر فإنما علمها بالتجلي الإلهي
 
قال رضي الله عنه :  (فلا أعقل من الرسل صلوات اللّه عليهم أجمعين ، وقد جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي فأثبتوا للحق ما أثبته العقل وزادوا فيما لا يستقل العقل بإدراكه) بل يحتاج إلى التجلي الإلهي (وما يخيله رأسا) أي ولا يخيل العقل ثبوته للحق بكلية (ويقرّ به)
من الإقرار ( في التجلي الإلهي ) إذ التجلي يزيل حكم النظر العقلي أي زادوا كل ذلك في الإثبات ( فإذا خلا ) العقل ( بعد التجلي بنفسه ) أي رجع إلى مرتبة عقله ( حار فما رآه ) فإذا كان الأمر كذلك ( فإن كان ) العبد ( عبد رب ردّ العقل إليه ) إلى ربه كالأنبياء والأولياء


قال رضي الله عنه :  ( فإن كان ) العبد ( عبد نظر ردّ الحق إلى حكمه ) أي حكم العقل أو فإن كان المتجلي له عبد ربّ ردّ إلخ ( وهذا ) أي رد الحق إلى حكم العقل ( لا يكون إلا ما دام ) المتجلي له ( في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأة الأخروية في الدنيا فإن العارفين يظهرون هنا ) أي في عالمنا هذا ( كأنهم في الصورة الدنيوية لما يجري عليهم من أحكامها ) أي من أحكام الدنيوية

قال رضي الله عنه :  ( واللّه تعالى قد حوّلهم في بواطنهم في النشأة الأخروية لا بد من ذلك ) التحول لهم وإلا لم يكونوا عارفين ( فهم بالصورة مجهولون ) لا يعلمهم الناس فإنهم ستروا اللّه عن أعين الأغيار فسترهم اللّه عن أعين المحجوبين ( إلا لمن كشف اللّه ) غطاءه ( عن بصيرته فأدرك ) وهم الذين قال تعالى في حقهم : أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك. فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قال رضي الله عنه : (وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟ فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي. فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك. فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك. فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قال رضي الله عنه  : ( وإذا كان الأمر في العلَّة بهذه المثابة ، فما ظنّك باتّساع النظر العقلي في غير هذا المضيق ؟ فلا أعقل من الرسل - صلوات الله عليهم - وقد جاؤوا بما جاؤوا به في الخبر عن الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل » يعني في طور العقل . « وزادوا ما لا يستقلّ العقل بإدراكه وما يحيله العقل رأسا ويقرّ به في التجلَّي فإذا خلا بعد التجلَّي بنفسه ، حار فيما رآه ، فإن كان عبد ربّ ، ردّ العقل إليه ، وإن كان عبد نظر ، ردّ الحق إلى حكمه ، وهذا لا يكون إلَّا ما دام في هذه النشأة الدنياوية محجوبا عن نشأته الآخرة في الدنيا ) .

 
يعني : يكون في هذه النشأة أبدا مقيّدا فيحار ويجار عن الحق ، ولا يجار إليه ، حتى يجيره عمّا يحيّره ، ويخبر بما يخبره .

قال رضي الله عنه  : (فإنّ العارفين يظهرون هنا كأنّهم في الصورة الدنياوية لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حوّلهم في بواطنهم في النشأة الأخراوية، لا بدّ من ذلك، فهم بالصورة مجهولون إلَّا لمن كشف الله عن بصيرته، فأدرك)
أي جمع ليوم الجمع ونشر من قبره أي انطلق عن قيده ولم يتقيد بتعينه.


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.  فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قال رضي الله عنه :  (وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق ، فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاؤوا بما جاؤوا في الخبر عن الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل ) أي في طور العقل

قال رضي الله عنه :  ( وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه ولا يخيله العقل رأسا ويقربه في التجلي الإلهي ، فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه ، فإن كان عبد رب رد العقل إليه ، وإن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه ، وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا )
يعنى هذه الحيرة لا تكون إلا إذا كان صاحبها في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن النشأة الأخروية ، فإنه فيها مقيد أبدا بعين العقل مقيد للأمر بحسب تقيده فيسعى في قيد ،
فإذا أطلق تحير لتعوده بحكم القيد ، فإن غلب حكم القيد حار عن الحق فأخذ بقيده ، وإن غلب حكم الإطلاق حار عما تحيره وانحاز إلى الحق وأذعن له الحق فراعى حكم الطرفين فكان من الكمل ، وإن بقي في الحيرة كان من الوله ،
وأما الكمل فهم خرجوا عن النشأة الدنيوية باطنا وإن كانوا فيها ظاهرا

قال رضي الله عنه :  ( فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيوية لما يجرى عليهم من أحكامها ، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية لا بد من ذلك ، فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عين بصيرته فأدرك )
قد حشر أي جمع ليوم الجمع فشاهد أحوال القيامة ونشر من قبره أحيا بالحياة الأخروية عن قبر تقيده ، وانغماسه في غواشيه بالمتجرد عن ملابسته .

"" أضاف بالي زادة :
فعجل لهم ما أجل لغيرهم ، فأنشأ الله العارفين نشأتين في حال حياتهم دنيوية وأخروية . أهـ بالى زادة  . ""


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك. فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قال رضي الله عنه :  (وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة ، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق ) أي ، إذا كان الأمر الإلهي وشأنه عند التجلي بهذه المثابة في العلية ، حيث يجعل المعلول علة لعلته ، فما ظنك في غير هذا المضيق من المواضع التي يكون مجال التعقل فيها واسعا ، ويجوز عليها أمورا شتى .


قال رضي الله عنه :  (فلا أعقل من الرسل ، صلوات الله عليهم) ، لأنهم يشاهدون الأمر على ما هي عليه بالتجلي الإلهي .
(وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر) أي ، جاءوا بما جاءوا من المعاني الغيبية في صورة الخبر المروى عنهم .

قال رضي الله عنه :  ( من الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا فيما لا يستقل العقل بإدراكه ، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي الإلهي. ) وإنما كانوا أعقل الخلائق وأكملهم ، لأنهم كانوا منورون بالأنوار الإلهية ، مشاهدون للحقائق على ما هي عليها ، لذلك أخبروا عن الجناب الإلهي بما لا يستقل العقل بإدراكه وما يحيل نسبته إلى الله عقلا لإعطاء التجلي ذلك وإقراره لحقيقته .

قال رضي الله عنه :  ( فإذا خلا بعد التجلي بنفسه ، حار فيما رآه . ) لأنه رجع إلى بشريته بارتفاع حكم التجلي عنه وغلب عليه عقله المانع من ذلك ، وهو لا يشك فيما رآه ، فتحصل الحيرة .
 

قال رضي الله عنه :  (فإن كان عبد رب ، رد العقل إليه ، وإن كان عبد نظر ، رد الحق إلى حكمه . )
أي، فإن كان المتجلى له عبد الحق، رد عقله إليه، وإن كان عبد العقل، رد الحق إلى حكم العقل ويؤوله. كما نشاهده اليوم في العلماء الظاهريين أنهم إذا سمعوا آية من الآيات، أو خبرا من الأخبار الدالة على طور فوق العقل، يؤولون ذلك وينزلونه إلى ما يحكم به عقولهم .

قال رضي الله عنه : (وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنياوية محجوبة عن نشأته الأخراوية في الدنيا. فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنياوية لما يجرى عليهم من أحكامها ، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخراوية لا بد من ذلك . فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك.) .

أي، وهذا الرد إلى العقل لا يكون إلا ما دام المتجلى له في هذه النشأة الدنياوية محجوبا عن نشأة الأخراوية، فإن ارتفع عنه الحجاب واطلع على ما في نشأته الأخراوية اطلاعا شهوديا ، 
وهو في الدنيا، فحينئذ لا يبقى للعقل معه نزاع فيما أدرك من التجلي، ولا يحتاج إلى الرد إلى مقامه ، ولا تحصل الحيرة .

 
فإن العارفين المكاشفين للحقائق بالتجليات الإلهية ظاهرون في الدنيا بالصورة ويجرى عليهم أحكام ما يتعلق بموطن الدنيا ، والله تعالى حول قلوبهم إلى النشأة الأخراوية . فهم بالصورة في الدنيا وبالباطن في الآخرة .
ولا يعرفهم إلا من كشف الله عن بصيرته الغطاء ورفع عن عينه الحجاب .
كما قال تعالى : ( أوليائي تحت قبابي، لا يعرفهم غيري ).
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:38 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 9:09 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الخامسة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الخامسة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الخامسة عشر :-                               الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.  فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )


قال رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلّية بهذه المثابة ، فما ظنّك باتّساع النّظر العقلي في غير هذا المضيق ؟ فلا أعقل من الرّسل صلوات اللّه عليهم ، وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل ، وزادوا بما لا يستقلّ العقل بإدراكه ، وما يحيله العقل رأسا ، ويقرّ به في التّجلّي الإلهي ، فإذا خلا بعد التّجلّي بنفسه حار فيما رآه ؛ فإن كان عبد ربّ ردّ العقل إليه ، وإن كان عبد نظر ردّ إلى حكمه ، وهذا لا يكون إلّا ما دام في هذه النّشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدّنيا ؛ فإنّ العارفين يظهرون هاهنا كأنّهم في الصّور الدنيوية لما يجري عليهم من أحكامها ، واللّه تعالى قد حوّلهم في بواطنهم في النّشأة الأخروية ، لا بدّ من ذلك ، فهم بالصّورة مجهولون إلّا لمن كشف اللّه عن بصيرته فأدرك )

ثم بالغ في بيان قصور العقل من حيث نظره الفكري ( في العلية ) ، أي : كون المعلول علة لعلته ( بهذه المثابة ) من الضيق مع أنها ليست من المضايق المحيرة ، ( فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق ؟ ) مما يحير العقول ، وينهر الألباب ، فإذا كان في النظر العقلي هذا القصور ، فالكامل لا يقف معه إذا كوشف بما لا يستقل به ، ولا يحيله أيضا ، بل يأخذ بكشفه ، ويعرف قصور العقل ، فذلك كمال عقله ،


قال رضي الله عنه :   ( فلا أعقل من الرسل ) لثناء اللّه عليهم ، إذ عرفوا كمال الكشف ، وعدم استقلال العقل بأكثر الأمور ، وإن كلامنا فإنه بمثابة الميزان الذي يوزن به اللآلئ وزن الجبال ؛
ولذلك ( قد جاءوا بما جاءوا به ) ( عن الخطاب الإلهي ) بالكشف عن علمه ، ( فأثبتوا ما أثبته العقل ) إذ عرفوا بالعقل صحة مقدماته ، إذ يعتبر الاطلاع عليها قبل ذلك لقصور العقل ،
( وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه ) ، فعجز عن إقامة البرهان على إثباته ، ولكن ( ما يحيله العقل رأسا ) ؛ لأنه صادق في كل ما يحكم بالمقدمات البينة في العقل ، وإن لم ( يقر به ) استغلالا يقر به ( في ) وقت ( التجلي ) ؛ لأنه لا يقدر على إنكار المحسوسات ما لم يكن عنده برهان قاطع على استحالته ، والأمر الكشفي حين الكشف في معنى المحسوسات ؛ لكونه من الوجدانيات .

ومع ذلك ( فإذا خلا ) العبد ( بعد ) زوال ( المتجلي ) الموجب لإفراده بنفسه ليقيم عليه البرهان النظري ( حار فيما رآه ) ؛ لأنه كالمنكر لما فوق طوره ، وقد زال المعارض له ،

قال رضي الله عنه :  (فإن كان ) العاقل الذي كان مكاشفا ( عبد رب ) علم أنه من عباد اللّه المخلصين الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ، وعرف بالقرائن أن الكشف لم يكن من تخليط الشيطان ، ( رد العقل إليه ) فألزمه قبول ما لا يستحيل عنده ، وإن لم يكن له عليه برهان لقصوره ،


قال رضي الله عنه :  ( وإن كان عبد نظر ) ، فزعم أن كل ما لا يستقل العقل بإدراكه ، وعجز عن إقامة البرهان عليه فهو باطل في نفس الأمر ، وإن لم يكن على استحالته للعقل برهان ( رد ) الحق المتجلي ( إلى حكمة ) ، وزعم أن كلما عجز العقل عن إقامة البرهان على ثبوته ، فهو من تخليط الشيطان ، ولكنه من قصور التجلي إذ ( هذا ) الرد منه ( لا يكون إلا ما دام ) الرد ( في هذه النشأة الدنيوية ) ، حيث نفى بعد التجلي ؛ لقصوره ( محجوبا عن النشأة الأخروية ) ؛ وذلك لكونه بعد الكشف مستغرقا ( في الدنيا ) التي هي أجل الحجب ، وليس ذلك شأن من كمل في حقه التجلي وهو العارف ، وإن كان مردودا إلى الخلق بعد الفناء .

قال رضي الله عنه :  ( فإن العارفين يظهرون هاهنا ) أي : في مقام الرد إلى الخلق لتكميلهم وإرشادهم ، ( كأنهم في الصورة الدنيوية ) بمجرد المثال ( لما يجري عليهم من أحكامها ) العادية والشرعية ، ( واللّه تعالى قد حولهم في بواطنهم ) عن الدنيا ، فجعلهم ( في النشأة الأخروية ) بكشف جميع الحجب عنهم ، وإنما فعل بهم ذلك ؛ لأنه ( لا بدّ من ذلك ) الظهور لانتظام أمور الدنيا بحيث تصير مزرعة للآخرة ، ( فهم بالصورة ) الدنياوية ( مجهولون ) بحيث لا يرون من العوام ( إلا لمن كشف اللّه عن بصيرته ، فأدرك ) بواطنهم ، وإن لم يصل إلى رتبتهم ، لكن كوشفوا بهذا القدر منهم ؛ ليسترشدوا بهم ،
فلا يعرف ذلك بظهور الكرامات ، فإنها لا تتميز عن الاستدراجات بدون هذا الكشف للبصيرة ، لكنه لا يعد صاحبها عارفا لبقائه في الدنيا من وجه ،
ثم أشار إلى خواص هذه الحيوانية ؛ ليعلم أن من استجمعها كان متحققا بها من كل وجه ، وإلا كان متحققا بها من وجه دون وجه ، ومن ليس فيه شيء منهما ، فكأنه ليس بحيوان أصلا ، وإن عد من الحيوانات ، فقال  
 

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.  فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

ولذلك قال رضي الله عنه : ( وإذا كان الأمر في العليّة ) التي هي أجلى المضايق المتباينة وأقواها حكما للتمانع ( بهذه المثابة ) - حيث حكم العقل بما وصل إليه من الوحدة الذاتيّة وحياطة القلبيّة وسعتها : أنّ العين الواحدة يصلح لأن تكون موردة لحكمي العلَّية والمعلوليّة ، والفاعليّة والقابليّة - ( فما ظنّك باتّساع النظر العقلي في غير هذا المضيق ) ، الذي ليس بهذه الشدّة من الضيق .
وذلك عند طلوع تلك الوحدة على العقل بأنوارها الإطلاقيّة وتجليّاتها الإحاطيّة الماحية لظلام أحكام التعيّنات الفارقة ، وهي مرتبة كمال العقل وبلوغه ، فما دونها من العقول في مواقف النقص ومقام القصور .

قال رضي الله عنه : (فلا أعقل من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم) لبلوغ عقولهم مرتبة كمالها (وقد جاؤوا بما جاؤوا به في الخبر) المنزل (عن الجناب الإلهيّ) ، الكاشف عن الحكم الحقّة ، (فأثبتوا ما أثبته العقل) من الحكم الطبيعيّة والعمليّة أكثرها ، ومن الإلهيّة ، الأحكام التنزيهيّة منها فقط ( وزادوا ما لا يستقلّ العقل بإدراكه ) مجرّدا عن الوهم من الأحكام التشبيهيّة وحكمها اللازمة لها ( وما يحيله العقل رأسا ) ، سواء كان مستقلا بنفسه أو مع غيره ، كاتّصاف العين الواحدة بالأحكام المتنافية من حضرة تعانق الأطراف ومجمع الأضداد ، ( ويقرّ به في التجلَّي ) لظهوره بما لا يمكن أن يتطرّق إليه شبهة من بين يديه ولا من خلفه .


حكم عبد الربّ وعبد النظر
قال رضي الله عنه :  (فإذا خلا بعد التجلَّي بنفسه، حار فيما رآه) مما يخالف نظره الفكري وعقله النظري ، ( فإن كان عبد ربّ ) بتصحيح نسبة العبوديّة إليه عند استفاضة ما يغتذي به ظاهرا وباطنا ، عبادة وعبودة ، ( رد العقل إليه ) ، بما زاد في دائرة إدراكه من السعة القلبية التي عرفت أمرها آنفا ، ( وإن كان عبد نظر ) بتصحيح نسبته إليه عند استفاضة ما يقويه ويغتذي به ( ردّ ) عقله ( الحقّ إلى حكمه ) ، أي حكم النظر الفكري ، الغالب على مشاعره ومداركه أمر التفرقة التعيّنيّة ، ذاهلا عن الوحدة العينيّة ، بعيدا عنها .

العارف مجهول في الدنيا
قال رضي الله عنه :  ( وهذا ) الردّ والتحيّر ( لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنياويّة ) محاطا لأحكامها ، ( محجوبا عن نشأته الاخرويّة في الدنيا ) لغلبة الأحكام الدنيوية على مداركهم من الصور الحسّية والمثاليّة ، وانقهار أحكام الاخرويّات فيهم من المعارف المعنويّة والحقائق الإطلاقيّة ، وهذا إنما هو للمحجوبين في الدنيا ، المحاطين لحكمها ، دون العارفين الذين لا ينحجبون عن أحد المتقابلين بالآخر ،
ولا يحاطون لحكم أصلا ( إنّ العارفين يظهرون هنا كأنّهم في الصور الدنياويّة، لما يجري عليهم من أحكامها) التعينيّة الفارقة ، (والله تعالى قد حوّلهم في بواطنهم في النشأة الاخرويّة) ، تحويل تقلَّبات قلبيّة إطلاقيّة ،

( لا بدّ ) للعارف ( من ذلك ) ، حتى يكون عارفا ( فهم بالصورة مجهولون ) لاشتراكهم مع العامّة فيها قولا وفعلا ، ولا يظهرون من آثار العرفان شيئا ، كما قال ابن الفارض :
سقتني حميا الحب راحة مقلتي ... وكأسي محيا من عن الحسن جلت
فأوهمت صحبي أن شرب شرابهم ... به سر سري في انتشائي بنظرة
وبالحدق استغنيت عن قدحي، ومن ... شمائلها، لا من شمولي، نشوتي
ففي حان سكري حان شكري لفتية ... بهم تم لي كتم الهوى مع شهرتي

فهم في قباب العزة والخفاء في الدنيا على أهلها ( إلا لمن كشف الله عن بصيرته ) المدركة للحقائق ، النافذة في البواطن ، غير الواقفة في مواقف الحسّ والخيال على ما هو موطن إدراك العامّة من أهل الرسوم وأرباب العادات ( فأدرك ) الصور ببواطنها ، وميّزها حقّ التمييز .
 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه: فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .  
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.  فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. )

قال رضي الله عنه :  ( وإذا كان الأمر في العلّية بهذه المثابة ، فما ظنّك باتّساع النّظر العقلي في غير)
( وإذا كان الأمر في العيلة بهذه المثابة ) من التعارض بين العقل والكشف والاحتياج في التقصي عن تناقضهما بأمثال هذه الدقائق ( فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير

قال رضي الله عنه :  ( هذا المضيق ؟ فلا أعقل من الرّسل صلوات اللّه عليهم وقد جاؤوا بما جاؤوا به في الخبر عن الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا بما لا يستقلّ العقل بإدراكه وما يحيله العقل رأسا ويقرّ به في التّجلّي الإلهي . فإذا خلا بعد التّجلّي بنفسه حار فيما رآه : فإن كان عبد ربّ ردّ العقل إليه ، وإن كان عبد نظر ردّ إلى حكمه . وهذا لا يكون إلّا ما دام في هذه النّشأة الدّنياويّة محجوبا عن نشأته الأخراويّة في الدّنيا . فإنّ العارفين يظهرون ههنا كأنّهم في الصّور الدّنياويّة لما يجري عليهم من أحكامها ، واللّه تعالى قد حوّلهم في بواطنهم في النّشأة الأخراويّة ، لا بدّ من ذلك . فهم بالصّورة مجهولون إلّا لمن كشف اللّه عن بصيرته فأدرك . )

قال رضي الله عنه :  (هذا المضيق ) ، وكثرة أحكام العقل المناقضة لما يحكم به الكشف .
( فلا أعقل من الرسل صلوات اللّه عليهم فقد جاؤوا بما جاؤوا به في الخبر عن الجناب الإلهي فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ) على ما أثبته العقل ( ما لا يستقل العقل بإدراكه ) ولا يحيله ( وقد يحيله العقل رأسا وإنما يقر به في التجلي الإلهي ، فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه )، لأنه رجع إلى حكم عقله بارتفاع حكم التجلي عنه فعقله يأتي من قبول ما رآه وهو لا يشك فيه بحكم التجلي ( فإن كان عبد رب رد العقل إليه ) ، أي إلى ما رآه ( وإن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه ) ، أي حكم العقل .
 

( وهذا ) الرد إلى العقل ( لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيوية لما يجري عليهم من أحكامها ) ، أي أحكام الدنيا ( واللّه تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية ، لا بد من ذلك فهم بالصورة مجهولون ) ، لا يظهرون لأحد ( إلا لمن كشف اللّه عن بصيرته فأدرك ) أشخاصهم وأحوالهم).
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:38 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 9:22 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السادسة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السادسة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة عشر :-                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )
 
قال رضي الله عنه :  (فما من عارف باللّه من حيث التّجلّي الإلهيّ إلّا وهو على النّشأة الآخرة : قد حشر في دنياه ونشر من قبره ؛ فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون ، عناية من اللّه تعالى ببعض عباده في ذلك .  فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسيّة الإدريسيّة الّذي أنشأه اللّه نشأتين ، فكان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ثمّ رفع ونزل رسولا بعد ذلك ، فجمع اللّه له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ، وليكن حيوانا مطلقا حتّى يكشف ما تكشفه كلّ دابّة ما عدا الثّقلين ؛ فحينئذ يعلم أنّه قد تحقّق بحيوانيّته .  وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذّب في قبره ومن ينعّم ، ويرى الميّت حيّا والصّامت متكلّما والقاعد ماشيا . والعلامة الثّانية الخرس بحيث إنّه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقّق بحيوانيّته . وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنّه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقّق بحيوانيّته . ولمّا أقامني اللّه في هذا المقام تحقّقت بحيوانيّتي تحقّقا كلّيا . فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع ؛ فكنت لا أفرّق بيني وبين الخرس الّذين لا يتكلّمون . )
 
(فما من عارف باللّه) تعالى في كل زمان إلى يوم القيامة (من حيث التجلي الإلهي) عليه وانكشاف الأمر الرباني له (إلا وهو) ، أي ذلك العارف قائم (على النشأة) ، أي الخلقة (الأخروية) التي قال تعالى :وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى [ النجم : 47 ] ،
 
وذلك لأنه قد مات بالموت الاختياري ، وقبر في ترابه الذي خلق منه وسئل في قبره وتنعم بنعيم القبر وفني جسمه وتفرقت أجزاء تركيبه ونفخ في صوره (وقد حشر) في أرض القيامة كل ذلك وهو (في دنياه) بين الغافلين ولا يشعرون به (ونشر) ، أي خرج (من قبره إلى عالم آخرته (فهو) ، أي ذلك العارف يرى كشفا بحسه وعقله (ما لا يرون) ، أي الناس (ويشهد) ، أي يعاين من عوالم غيب الملكوت والملك (ما لا يشهدون) ، أي الناس وهذا (عناية من اللّه تعالى) ، أي محض فضل ومنة واعتناء (ببعض عباده) تعالى المؤمنين في ذلك الأمر المذكور فمن أراد العثور) ،
 
أي الاطلاع (على هذه الحكمة) الإلهية (الإلياسية الإدريسية) ، أي المنسوبة إلى إلياس الذي هو إدريس عليه السلام (الذي أنشأه) ، أي خلقه (اللّه تعالى نشأتين) ، أي مرتين (فكان) إدريس عليه السلام (نبيا) فقط (قبل نوح عليه السلام) فهو أحد أجداد نوح عليه السلام واسمه يومئذ إدريس عليه السلام (ثم رفع) إلى السماء الرابعة كما قال تعالى :وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [ مريم : 57 ] .
 
وقد ذكر المصنف قدس اللّه سره فص حكمته فيما تقدم بعد فص حكمة نوح عليه السلام ونزل ، أي إدريس عليه السلام من السماء (رسولا بعد ذلك) الرفع إلى أهل قرية بعلبك كما مر ذكره وكان اسمه حينئذ إلياس عليه السلام .
 
وذكر المصنف قدس اللّه سره هذا الفص لبيان حكمته (فجمع اللّه) تعالى (له) ، أي لإدريس عليه السلام (بين المنزلتين) ، أي منزلة النبوّة أوّلا قبل نوح عليه السلام من غير رسالة ، ومنزلة الرسالة أيضا مع النبوّة بعد نوح عليه السلام (فلينزل) ،
أي أداء العثور على ذلك (عن حكم عقله) عليه بالكلية إلى حكم (شهوته) عليه بما تقتضيه في التناول المباح دون المحظور عليه وليكن في ذلك الحال (حيوانا مطلقا) ،
أي في جميع أموره الظاهرة والباطنة (حتى يكشف) من غيب الملكوت (ما تكشفه كل دابة من الحيوانات (ما عدا الثقلين) ، أي الإنس والجن (فحينئذ يعلم) ، أي ذلك الذي يريد العثور والاطلاع إذا فعل كذلك أنه قد تحقق بحيوانيته في نفسه وخرج عن حكم عقله بالكلية (وعلامته) ،
أي علامة من تحقق بحيوانيته (علامتان) العلامة (الواحدة هذا الكشف) المذكور عما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين (فترى من يعذب في قبره ومن ينعم) في قبره ولا يحجبه عن شهود ذلك إدراك عقله ، لأنه قد تجرد عن حكمه ، ولا يحجب العقلاء عن أمور الغيب والملكوت إلا دخولهم تحت أحكام عقولهم في ظواهرهم وبواطنهم .
 
(ويرى الميت) المقبور وغيره (حيا و) يرى (الصامت) من حجر أو شجر (متكلما) بنطق عربي فصيح ويرى (القاعد) من الناس وغيرهم (ماشيا) قبل إتيان الزمان الذي قدر مشيه فيه (والعلامة الثانية من ذلك الخرس ، أي عدم القدرة على النطق بالكلية مع سلامة آلة النطق (بحيث أنه لو أراد أن (ينطق بما رآه) من تلك الأمور الملكوتية (لم يقدر) على ذلك من غلبة الحيوانية عليه (فحينئذ) ، أي إذا كان بهذه المثابة فإنه (يتحقق بحيوانيته) كما ذكر .
 
وقال المصنف قدس اللّه سره : (كان لنا تلميذ) ، أي مريد خادم لطريقنا طالب لعلمنا منا (قد حصل له هذا الكشف) المذكور في العلامة الأولى للتحقق بالحيوانية (غير أنه) ، أي ذلك التلميذ (لم يحفظ عليه الخرس) فكان ينطق ببعض ما يرى من ذلك لفوت العلامة الثانية منه (فلم يتحقق بحيوانيته) على الوجه التام (ولما أقامني اللّه) تعالى .
 
قال المصنف عن نفسه قدس اللّه سره (في هذا المقام ، أي مقام الكشف المذكور (تحققت بحيوانيتي) في (نفسي تحققا كليا) فكنت في تلك الحال أرى ببصري وببصيرتي (وأريد أن أنطق بما أشاهده) من تلك الأمور (فلا أستطيع) لكمال تحققي بالحيوانية (فكنت لا أفرّق بيني وبين) القوم (الخرس) جمع أخرس (الذين لا يتكلمون) لعدم قدرتهم على الكلام .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا.
والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف باللّه من حيث التجلي الإلهي إلا وهو على النشأة الأخروية قد حشر في دنياه ونشر من قبره ) في باطنه ( فهو يرى ما لا يرون ) أي المحجوبون ( ويشهد ما لا يشهدون عناية من اللّه ببعض عباده في ذلك ) المقام الدنيوي فعجل لهم ما أجل لغيرهم فأنشأ اللّه العارفين نشأتين فجمع العارفون في حال حياتهم نشأتين دنيوية وأخروية.
 
قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد العثور ) أي الاطلاع ( على هذه الحكمة الالياسية الإدريسية الذي أنشأه اللّه نشأتين ) فجمع الالياس وهو إدريس نشأتين نشأة دنيوية ونشأة أخروية من حيث التجلي الإلهي كما ذكر في حق العارفين ( فكان نبيا قبل نوح ثم رفع ) إلى السماء ( ونزل رسولا بعد ذلك فجمع اللّه ) فيه ( بين المنزلتين ) النبوة والرسالة ( فلينزل ) جواب من ( عن حكم عقله إلى شهوته وليكن حيوانا مطلقا ) بحيث لا يحكم العقل عليه أصلا فيفوته العقل مطلقا ( حتى يكشف ) ذلك النازل ( ما يكشفه كل دابة ما عدا الثقلين ) من أحوال الموتى من التنعيم والتعذيب ( فحينئذ ) أي فحين يكشف ما يكشف كل دابة ( يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته ) فيه أنزل منزلة إدريس حيث نزل عن سماء غفلة إلى أرض نفسه فهذا النزول لا يكون إلا بعد العروج إلى سماء الروح بالرياضات والمجاهدات كما كان رفع إدريس إلى السماء كذلك
 
قال رضي الله عنه :  ( وعلامته ) أي وشرط التحقق بمقام الحيوانية ( علامتان الواحدة هذا الكشف ) المذكور وهو قوله حتى يكشف ما يكشفه كل دابة فإذا كشف هذا المذكور ( فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم ويرى الميت حيا في قبره والصامت متكلما والقاعد ماشيا والعلامة الثانية الخرس بحيث أنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ ) أي فحين تحقق العلامتان .
 
قال رضي الله عنه :  ( يتحقق بحيوانيته وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته ) لعدم وجود العلامتين ( ولما أقامني اللّه تعالى في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع فكنت لا أفترق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون).


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )
 
قال رضي الله عنه : (فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك. فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته. وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته. وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته. ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون. )
 
قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.)
 
قال رضي الله عنه: (فما من عارف بالله من حيث التجلَّي الإلهي إلَّا وهو على النشأة الآخرة قد حشر في دنياه).
أي جمع ليوم الجمع « ونشر من قبره » أي انطلق عن قيده ولم يتقيد بتعينه ،
 
قال رضي الله عنه  : ( فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون عناية من الله ببعض عباده في ذلك .
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين ، وكان نبيّا قبل نوح ، ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك ، فجمع الله له بين المنزلين ، فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ، ويكون حيوانا مطلقا )  يعني من غير تصرّف عقلي  .
 
قال رضي الله عنه : ( حتى يكشف ما يكشفه كلّ دابّة ما عدا الثقلين ، فحينئذ علم أنّه قد تحقّق بحيوانيته . وعلامته علامتان : الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذّب في قبره ومن ينعّم ، ويرى الميّت حيا والصامت متكلَّما والقاعد ماشيا . والعلامة الثانية الخرس بحيث إنّه لو أراد أن ينطق بما رآه ، لم يقدر ، فحينئذ يتحقّق بحيوانيته .
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف ، غير أنّه لم يحفظ عليه الخرس ، فلم يتحقّق بحيوانيته . ولمّا أقامني الله في هذا المقام تحقّقت بحيوانيتي تحقّقا كلَّيا ، فكنت أرى وأريد النطق بما أشاهده ، فلا أستطيع ، فكنت لا أرى الفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلَّمون ) .
 
قال العبد : إنّما ذكر الشيخ  رضي الله عنه قبيل ذكره سرّ هذا الكشف مسألة ظهور العين الواحدة في صور كثيرة هي في تلك الصور عينها غير مقيّدة ولا منحصرة في شيء منها ، فيصدق على تلك العين الواحدة في صورة من تلك الصور الكثيرة أنّها عينها في صورة أخرى أو صور أخر من وجه ، ويصدق أيضا أنّها من كونها في صورة عينها أنّها عين الأخرى من حيث تغاير الصورتين ، والتعيين باعتبار آخر ،
فيقال في إدريس : إنّه هو إلياس عينه ، أو إلياس المرسل إلى بعلبكّ هو إدريس الذي كان يوحى إليه قبل نوح من حيث التعين ، ويصدق أنّه غيره من حيث الصورة والتعيّن ، فتحقّق ولا تغلط في الحقائق والأعيان بالتباس التعينات عليك .
فلو قلنا : إنّ العين أخلت الصورة الإدريسية وانتقلت إلى الصورة الإلياسية فكانت عامرتها دون الصورة الإدريسية ، لكان عين القول بالتناسخ ، ولكنّ الفرق ما بيّنّا ، فتدبّر وتبصّر ،
فإنّا نقول : إنّ عين إدريس وهويته - مع كونها قائمة في إنّيّة إدريس وصورته في السماء الرابعة
 
هي الظاهرة في الصورة الإلياسية ، والمتعيّنة في إنّيّة إلياس الباقي إلى الآن ، فيكونان من حيث العين والحقيقة واحدا ، ومن حيث التعيّن الصوري والظهور الشخصي اثنين ، كحقيقة جبرئيل وعزرائيل وميكائيل ، يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتّى ، كلَّها قائمة موجودة مشهودة بهؤلاء الأرواح الكلَّية الكاملة، فكذلك أرواح الكمّل وأنفسهم ، فافهم.
 
وكذلك الحق - المتجلَّي في صور تجلَّيات لا تتناهى وتعيّنات أسماء إلهية لا تحصى - واحد في ذاته وعينه المنزّهة في عين كونه كثيرا بالصور والتعيّنات .
 
ثمّ إنّه رضي الله عنه  أحال التحقّق بهذه الحقيقة على الحقيقة من غير الطريقة على أن يتحقّق السالك بحيوانيته ، وينزل من حكم العقل إلى حيوانيته ، ويعزل عن حكم العقل جانبا ، حتى يبقى حيوانا محضا حقيقة ليعلم سرّ نزول إدريس - بعد أن تحقّق بروحانيته حتى بقي عقلا مجرّدا بلا شهوة - إلى صورة إلياسية مبعوثا إلى أهل بعلبكّ ،
وفائدته في ذلك ، التحقّق بالمنزلتين : منزلة شهود الحق والتحقّق به في الملإ الأعلى ذوقا ، والتحقّق بشهود الحق أيضا في الأسفل والتحقّق به كذلك .
حقّقنا الله وإيّاك بحقائق الجمع بين هذين الكمالين بحوله وفضله وطوله ، إنّه قدير .
 
ولهذا دعا قومه في صورة إلياسية ، وأخبرهم بأحدية العين في عين كثرة لا تنحصر ،
فقال الله تعالى حكاية عنهم في القرآن أنّه قال لهم : "الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الأَوَّلِينَ " مع تحقّق كثرة المربوبين في أزمنة متغايرة بالتعين ، ومعلوم أنّ نسبة مربوب إلى ربّ غير النسبة الأخرى إلى مربوب آخر ،
على أنّ النسبة والتعيّن والربوبية والمربوبية في الكلّ من حيث الإطلاق واحدة أيضا ، ولكن ليست هذه النسبة عين تلك النسبة الأخرى ، فاعقل ذلك ولا تغفله ولا تهمله أبدا ،
فإدريس هو إلياس بحقيقته وعينه ، وليست صورته الإدريسية عين صورته الإلياسية ، فالصورتان متميّزتان غيران والعين واحدة ،
والصورة من كونها صورة مطلقة  واحدة أيضا ، فلا غيرية إلَّا في التعيّن والتشخّص لا غير، وهو متعلَّق الحدوث والفناء والزوال وغيرها ، فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )
 
قال رضي الله عنه : ( فما من عارف باللَّه من حيث التجلي الإلهي إلا وهو على النشأة الآخرة قد حشر في دنياه ونشر من قبره ، فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون عناية من الله ببعض عباده في ذلك )
قد حشر أي جمع ليوم الجمع فشاهد أحوال القيامة ونشر من قبره أحيا بالحياة الأخروية عن قبر تقيده ، وانغماسه في غواشيه بالمتجرد عن ملابسته .
"" أضاف بالي زادة :
فعجل لهم ما أجل لغيرهم ، فأنشأ الله العارفين نشأتين في حال حياتهم دنيوية وأخروية . أهـ بالى زادة  . ""
 
قال رضي الله عنه : (فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله تعالى نشأتين فكان نبيا قبل نوح ، ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك ، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ويكون حيوانا مطلقا) أي من غير تصرف عقلي
 
قال رضي الله عنه :  ( حتى يكشف ما يكشفه كل دابة ما عدا الثقلين ، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته ، وعلامته علامتان ، الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم ، ويرى الميت حيا ، والصامت متكلما ، والقاعد ماشيا . والعلامة الثانية الحرس ، بحيث أنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر ، فحينئذ يتحقق بحيوانيته ، وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف ، غير أنه لم يحفظ عليه الحرس فلم يتحقق بحيوانيته ، ولما أقامني الله تعالى في هذا المقام تحققت بحيوانيتى تحققا كليا ، فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع ، فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون )
لما ذكر قبيل ذكره من كشف النشأتين مثال ظهور العين الواحدة في صور كثيرة هي في تلك الصور عينها غير متقيد ولا منحصر في شيء منها ،
 
فيصدق على تلك العين الواحدة في صورة من تلك الصور الكثيرة أنها عينها في صورة أخرى أو صور أخر من وجه ، ويصدق أيضا أنها غير الأخرى من حيث تغاير الصورتين والتعين من وجه ،
علم من ذلك ظهور إلياس في النشأتين ، وأن إلياس المرسل إلى بعلبك هو عين إدريس الذي كان يوحى إليه قبل نوح من حيث العين والحقيقة ، ويصدق أنه غيره من حيث الصورة والتعين فلا تلتبس عليك التعينات ،
فلو قلنا : إن العين أخذت الصورة الإدريسية وانتقلت إلى الصورة الإلياسية لكان عين القول بالتناسخ ، ولكنا نقول : إن عين إدريس وهويته مع كونها قائمة في إنية إدريس وصورته في السماء الرابعة هي الظاهرة في الصورة الإلياسية والمتعينة في إنية إلياس ،
فيكونان من حيث العين واحدا ومن حيث التعين الصوري والظهور الشخصي اثنين كحقيقة جبريل وعزرائيل وميكائيل ،
 
فإنهم يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتى ، كلها قائمة موجودة هؤلاء الأرواح الكلية الكاملة فكذلك أرواح الكمل وأنفسهم ، وكالحق المتجلى في صور تجليات غير متناهية ، وتعينات أسماء إلهية لا تحصى كثرة مع أحدية ذاته وعينه المتنزهة عن أن تتكثر بالصور والتعينات ،
ثم إنه قدس سره أحال التحقق بهذا المعنى والاطلاع على الحكمة الإلياسية عن أن يتحقق السالك بحيوانيته ويتنزل عن رتبة العقل وحكمه حتى يبقى حيوانا محضا ، ليعلم سر نزول إدريس بعد أن تحقق بروحانيته حتى بقي عقلا مجردا بلا شهوة إلى صورة إلياس مبعوثا إلى أهل بعلبك .
 
وفائدة التحقق بالمنزلتين منزلة شهود الحق والتحقق به في الملإ الأعلى ذوقا ومنزلة ،
والتحقق بشهود الحق أيضا في العالم الأسفل والتحقق به ليكشف ما تكشفه كل دابة أي يطلع على عذاب القبر والتنعم فيه ، فإنه يطلع على ذلك الحيوانات العجم شهودا دون الثقلين ، والباقي ظاهر
"" أضاف بالي زادة :
( تحقق بحيوانيته ) فيه نزل منزلة إدريس عليه السلام حيث نزل عن سماء عقله إلى أرض نفسه ، فهذا النزول لا يكون إلا بعد العروج إلى سماء الروح بالرياضات والمجاهدات كما كان رفع إدريس إلى السماء كذلك .أهـ بالى زداة ""
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا وهو على النشأة الأخراوية : قد حشر في دنياه ونشر من قبره ، فهو يرى ما لا يرون ، ويشهد ما لا يشهدون ، عناية من الله ببعض عباده في ذلك . )
وإنما قال رضي الله عنه  : ( من حيث التجلي الإلهي ) لأن العارفين لهم مراتب بحسب سيرهم في الملكوت والجبروت والمثال المقيد والمطلق .
وأدناهم صاحب العرفان العلمي المجرد . والحشر والنشر يقع لكل منهم أبدا بحسب مقامهم مع أهل ذلك الموطن الذي حصلوا فيه ، فيشاهدون أنهم حشروا فيه ونشروا من قبور أبدانهم ورفع عنهم الحجب ووضع لهم الميزان والصراط ، وحكم الحق العدل بالفصل والقضاء .
كل ذلك على سبيل الشهود ، فيروا ما لا يراه المحجوبون ويشهدوا ما لا يشهده المنغمسون في الهيئات الجسمانية والصفات الظلمانية ، عناية من الله ببعض عباده حيث عجل له ما أجل لغيره ليتدارك باقي عمره ويحصل ما به حصول الدرجات العالية ، فإن الدنيا مزرعة الآخرة .
 
قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله تعالى نشأتين فكان نبيا قبل نوح، عليه السلام، ثم رفع فنزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل من حكم عقله إلى شهوته، ويكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته . ) .
 
أي ، فمن أراد أن يطلع على حكمة إلياس ، الذي كان إدريسا نبيا قبل نوح ، فرفع إلى السماء ، ثم نزل رسولا ليجمع بين النبوة والرسالة وهو المراد ب‍ ( المنزلتين ) فلينزل عن حكم عقله الذي هو السماء ، إلى محل نفسه وشهوته الذي هو الأرض ، بالنسبة إليها ليناسبه في التنزل .
 
قال رضي الله عنه :  ( ويكون حيوانا مطلقا ) أي ، كالحيوان الذي لا يزاحمه عقله بالتصرف في الأشياء ، بل منقادا للواردات الرحمانية من المقام الحيوانية حتى يشاهد روحانية ( إلياس ) ومقامه المختص به ، فيطلع على الحكم
الخصيصة به ، وينكشف له ما تكشفه كل دابة سوى الثقلين من الاطلاع على أحوال الموتى بالتنعيم والتعذيب وغيرهما ، وعند هذا الانكشاف يعلم أنه قد تحقق بالمقام الحيوانية .
 
وينبغي أن ينتقل مرة أخرى إلى المقام العقلي المجرد بالانقطاع من الشهوات الجسمانية واللذات الطبيعية ، كما سقطت شهوة إلياس ، عليه السلام ، ليصير ما أدركه عين اليقين ، ويكون متحققا وذائقا لما عاينه وشاهده .
 
كما أشار إليه من بعد بقوله رضي الله عنه  : ( إذا تحقق بما ذكرناه ، انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا). (وعلامته) أي ، وعلامة التحقق بهذا المقام على ما أعطانا
(علامتان: الواحدة هذا الكشف) المذكور (فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم ، ويرى الميت حيا) بالحياة البرزخية (والصامت متكلما) بالكلمات الروحانية الملكوتية ، (والقاعد ماشيا) بالحركات المعنوية والمثالية . (والعلامة الثانية الخرس) أي، البكم.
 
قال رضي الله عنه :  (بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه، لم يقدر، فحينئذ يتحقق بحيوانيته.) أي ، بمقام الحيوانية ، لأن الحيوان لم يقدر أن يتكلم حسا بما يراه ، وإن كان متكلما في عالمه المثالي بروحه ومعناه .
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 10:25 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 9:28 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السادسة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السادسة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة عشر :-                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فما من عارف باللّه من حيث التّجلّي الإلهيّ إلّا وهو على النّشأة الآخرة ، قد حشر في دنياه ونشر من قبره ؛ فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون ، عناية من اللّه تعالى ببعض عباده في ذلك ).
 
( فما من عارف باللّه ) القاطع للالتفات إلى غيره إذا عرف حق معرفته ، وهي الحاصلة ( من حيث التجلي الإلهي ) لا من حيث النظر الفكري الذي لأهل الكلام والفلسفة ( إلا وهو على النشأة الآخرة ) .
 
ولذلك يقولون : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، كأنه ( قد حشر ) إلى مولاه ، وإن كان ( في دنياه ، ونشر عن قبره ) الحاجب له نوع حجاب عن الآخرة ، وإن كان البرزخ أشبه بالآخرة من الدنيا ، ( فهو يرى ما لا يرون ) من الأمور النظرية التي لا يأمن النظر فيها عن الغلط ، ( ويشهد ما لا يشهدون ) مما لا يستقل النظر بإدراكه أصلا ،
 
وليس ذلك من الكشف حتى يدل على أن من لم يحصل له من كسبه أنه غير مقبول ، بل أنه يكون ( عناية من اللّه ببعض عباده في ذلك ) لئلا يتحير إذا رآه في الآخرة ، فجاء كمن كان مدّ يده في ظلمة ، ففتح اللّه عن نور عظيم يخاف عليه العمى ،
وإذا كان الوقوف مع النظر العقلي موجبا للقصور نزل إدريس عليه السّلام عن السماء بعد ما رفع إليه يلحق فيه بالملائكة عن عقله المجرد ؛ ليعود إلى الحيوانية مرة أخرى ، فبعث إلى طائفة من الإنسان الذين بقيت حيوانيتهم لتناسبهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسيّة الإدريسيّة الّذي أنشأه اللّه نشأتين ، فكان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ثمّ رفع ونزل رسولا بعد ذلك ، فجمع اللّه له بين المنزلتين ، فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ، وليكن حيوانا مطلقا حتّى يكشف ما تكشفه كلّ دابّة ما عدا الثّقلين ؛ فحينئذ يعلم أنّه قد تحقّق بحيوانيّته ).
"" أضاف تحقيق :
فبه نزل منزلة إدريس عليه السّلام حيث نزل عن سماء عقله إلى أرض نفسه ؛ فهذا النزول لا يكون إلا بعد العروج إلى سماء الروح بالرياضيات والمجاهدات كما رفع إدريس إلى السماء كذلك أهـ . شرح القاشاني . ""
 
قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية ) ، إذ إلياس هو ( الذي أنشأه اللّه نشأتين ) فأعطاه الحيوانية مرتين من غير نسخ ، بل بتقليب جسمه من الحيوانية إلى الروحانية ، ثم منها إلى الحيوانية مع بقاء صورته المثالية الحيوانية ،
( فكان ) عند الحيوانية الأولى ( نبيّا قبل نوح عليه السّلام ) مسمى بإدريس عليه السّلام ، ( ثم رفع ) يجعل جسمه في حكم الروحانيات ، فكانت حكمته قدوسية ؛ لكون معرفته تنزيهية محضة حتى كان على النصف من المعرفة ، ( ثم نزل ) ثانيا بعود حيوانيته ؛ ليكون ( رسولا بعد ذلك ) المحصل له المعرفة التشبيهية ، ( فجمع اللّه له بين المنزلتين ) الملكية والحيوانية على أكمل الوجوه فيهما ؛ فلذلك جعل له الشيخ - رحمه اللّه - فصين في كتابه .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلينزل عن حكم عقله ) إذا غلب عليه الملكية نسبية ( إلى شهوته ) ؛ ليعود إلى الحيوانية الكاملة ؛ لكونها بعد الملكية بسببه كالفرق بعد الجمع ، ( ويكون حيوانا مطلقا ) وإلا ضعفت حيوانيته ، فلا تزول غلبة الملكية عنه ولا يضره ذلك ، بل يفيده فائدة جليلة ( حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ) تدب على الأرض ( ما عدا الثقلين ) من أحوال الميت وغيره من الأمور الأخروية ، فليست هذه الحيوانية كحيوانية الإنسان والجان إن قلنا : إنه حيوان لخلوها عن هذه الخاصة التي هي مقتضى الحيوانية ، فكأن حيوانيته ليست بحيوانية ، فإذا حصلت هذه الخاصة في العارف ، ( فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذّب في قبره ومن ينعّم ، ويرى الميّت حيّا والصّامت متكلّما والقاعد ماشيا ، والعلامة الثّانية الخرس بحيث إنّه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقّق بحيوانيّته ، وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنّه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقّق بحيوانيّته ، ولمّا أقامني اللّه في هذا المقام تحقّقت بحيوانيّتي تحقّقا كلّيّا ، فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع ؛ فكنت لا أفرّق بيني وبين الخرس الّذين لا يتكلّمون)
 
ثم أشار إلى خواص هذه الحيوانية ؛ ليعلم أن من استجمعها كان متحققا بها من كل وجه ، وإلا كان متحققا بها من وجه دون وجه ، ومن ليس فيه شيء منهما ، فكأنه ليس بحيوان أصلا ، وإن عد من الحيوانات ، فقال : ( وعلامته علامتان العلامة الواحدة هذا الكشف ) المخصوص بمن تخفت حيوانيته عن الإنسانية والجنية ، وهو كشف الأمور البرزخية ما في البرزخ والقيمة وسائر الملكوتيات .
 
أما كشف ما في البرزخ ، ( فيرى من تعذب في قبره ومن تنعم ، ويرى الميت حيّا ) معذبا أو منعما ، ( والصامت متكلما ) ناطقا ، كما أشار إليه بقوله عزّ وجل :عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ[ النمل : 16 ] ، وقوله :أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ[ فصلت : 21 ] ،
وقوله :وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ[ الإسراء : 44 ] ،
( والقاعدة ماشيا ) ، كما أشار إليه قوله عزّ وجل :وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ[ النمل : 88 ] .
 
قال رضي الله عنه :  ( والعلامة الثانية الخرس ) « بمعني: القهر » عن النطق الإنساني ( بحيث لو أراد أن ينطق بما رآه ) في الحس أو في الكشف ( لم يقدر ) على النطق ، ( فحينئذ ) أي : حين إذ يجمع العلامتين ( يتحقق بحيوانيته ) من كل وجه لجمعيته خواصها ،
( وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف ) الذي هو العلامة الأولى ، ( غير أنه ) لم تحصل له العلامة الثانية ، إذ ( لم يحفظ عليه الخرس ، فلم يتحقق بحيوانيته ) من كل وجه ،
بل لا يقال : إنه تحقق بها من وجه أيضا ، إذ هذه العلامة هي الظاهرة ، فإذا فقدها فكأنما فقد الحيوانية من كل وجه ،
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما أقامني اللّه في هذا المقام ) أي : مقام الكشف عن أحوال الميت ، ونطق الصامت ، وحركة القاعد ( تحققت بحيوانيتي ) بظهور العلامة الثانية التي هي أظهر العلامات ، فكان ( تحققا كليّا ) ، وإن لم يتبدل على الصورة الإنسانية ، فليست الإنسانية بتلك الصورة بل بالنطق ، وقد ذهب عني بالكلية ( فكنت أرى ) أشياء مما ذكرنا ومن غيره ، ( وأريد أن أنطق بما أشاهده ) من ذلك الكشف بقصد الإرشاد ( فلا أستطيع ) ، وليس عدم هذه الاستطاعة كعدم استطاعة المريض ، بل كعدم استطاعة الأخرس .
 
قال رضي الله عنه :  ( فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون ) بشيء من الكلام لا كالذين يتكلمون بالبعض ويعجزون عن البعض ، وإذا كان لهذه الحيوانية بعد الملكية هذا الكشف .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا.
والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )
 
العارف شاهد بعين الآخرة في دنياه
قال رضي الله عنه :  ( فما من عارف باللَّه من حيث التجلَّي الإلهيّ ) - لا من حيث النظر العقلي والعقائد التقليديّة ( إلا وهو على النشأة الآخرة قد حشر في دنياه ) أي أظهر عليه مواطنها الحسابيّة ومواقفها الميزانيّة الخطابيّة ، وأخرج له صورة الجمعيّة الكليّة الكتابيّة ، بما انطوت عليه من خيره وشره ، وتميّز بينهما في ميزان العدل ، فإنّ الحشر إخراج الجماعة عن مقرّهم ( ونشر من قبره ) ، أي بسط صورة تلك الجمعيّة من مقرّ خفائه ومكامن صنوف حجبه الجسمانيّة
 
والطبيعيّة والعاديّة ، على صحائف الإظهار ومجالي الشعور والإشعار ، برقوم الانبساط والانتشار .
قال رضي الله عنه :  ( فهو يرى ما لا يرون ) حسّا ( ويشهد ما لا يشهدون ) ذوقا وعقلا ، ( عناية من الله ببعض عباده في ذلك ) الكمال الخاصّ ، موطن تعانق الأطراف ، الظاهر به النهايات والغايات ومن ثمّة يرى ظهور كل من المتقابلين في مقابله كالآخرة في الدنيا ، والخفاء في الصورة الظاهرة ، والعروج في صورة النزول كما يشير إليه بقوله :
 
سلوك من أراد الحكمة الإلياسيّة 
قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية ) التي إنما يتحقّق بهما كلّ من استحكمت فيه رقائق الجمعيّة المزاجيّة فيه ، واستعدّ بذلك للعروج في مدارج تنزّلات المزاج  من الاستيداعيّة منه والاستقراريّة والترقّي إلى المعراج الذاتي والوحدة الحقيقيّة ، ولذلك يتمكَّن من الجمع بين المنزلتين والفوز بخصائص الزمانين في سلسلتين
.
وصاحب هذه الحكمة هو ( التي أنشأه الله نشأتين ) بقوّة الرقيقة الاتحاديّة التي له بين الباطن منه والظاهر .
 
وفي ظاهر عبارته ما يدلّ على هذا ، حيث أنّث الموصول للحكمة ، وذكَّر الضمير لصاحبها لكمال الاتّحاد بينهما ، فإنّ صاحب هذه الحكمة أنشئ أوّلا في السلسلة الآدميّة التي بها يؤسّس مادّة الأوضاع التشريعيّة الدينيّة ، التي إنّما تمّت قواعد بنيانها بنوح ، كما يكشف عن ذلك تلويحه مع بيّناته
وإليه أشار بقوله : ( وكان نبيّا قبل نوح ) لتحقّقه بالدراية الحكميّة العلميّة ، كما يكشف عنه اسمه التي سمّي به فيها يعني إدريس وقيل : هو المسمّى بهرمس الهرامسة ، واضع قوانين الحكمة وممهّد ترتيبها وتدوينها ، ( ثمّ رفع ) بميامن تلك العلوم وكمال رقيقته الاتحاديّة التي بها ، ( ونزل ) بقوّة تلك الرقيقة الاتحاديّة الامتزاجيّة ( رسولا بعد ذلك ) في السلسلة التي ختم فيها أمر الرسالة ، ولذلك سمّي فيها بـ « إلياس » أي معرّف قلب القرآن ومظهره ( فجمع الله له ) في رفعه ونزوله أولا وآخرا ( بين المنزلتين ) نبوّة ورسالة .
 
 النزول إلى الحيوانيّة
قال رضي الله عنه :  ( فلينزل ) ذلك المريد الذي أراد العروج على هذا المعراج الذاتي والوحدة الإطلاقيّة ، منحدرا يرتقي ( عن حكم عقله إلى شهوته ويكون حيوانا مطلقا ) ، فإنّ العقل وإن كان موطن العلم والحكم بما هو مقتضى التنزّه والتقدّس ، ولكن لوقوعه في مقابلة الإطلاق الحقيقيّ والعين الواحدة بالوحدة الذاتيّة قد قوي فيه قهرمان التقيّد والتعيّن ، وظهر سلطان التفرقة العالميّة والامتياز الخلقيّ العبديّ ولذلك تراه وقد قيل في قطر من أقطار عالمه : “  أَنَا خَيْرٌ “  ، وفي آخر منها : “  نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ “  .
 
ومن ثمّة إذا تنزّل عن حكمه المفرّق إلى الحيوان المطلق الذي هو أصل بنيته ومادّة جمعيّته يظهر له من أمر الجمع الإطلاقيّ ما يتبيّن لديه كليّات الأمور وجزئيّاتها على ما هي عليه ، ( حتّى يكشف ما يكشفه كلّ دابّة ) ممّا هو في غيب العقل ومداركه الفارقة ، من الأمور الظاهرة لدى الحيوانات المطلقة ، المخفّفة عن أعباء أحمال العقل وتكاليفه - يعني ( ما عدا الثقلين - فحينئذ يعلم أنّه قد تحقّق بحيوانيّته ) .
 
علامة النزول إلى الحيوانيّة
قال رضي الله عنه :  ( وعلامته علامتان : الواحدة هذا الكشف ) الكاشف عن موطن الجمع ، والعين الواحدة الإطلاقيّة ، فلا ينحجب صاحبه بأحد العالمين عن الآخر، ( فيرى من يعذّب في قبره ومن ينعّم ) ، ولا بأحد المتقابلين عمّا يقابله ( فيرى الميت حيّا ، والصامت متكلَّما ، والقاعد ماشيا.
( والعلامة الثانية الخرس ) الذي هو مقتضى الحيوان بإطلاقه ، ( بحيث أنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيّته ) .
(وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف، غير أنّه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقّق بحيوانيّته ولما أقامني الله في هذا المقام تحقّقت بحيوانيّتي تحقّقا كليّا فكنت أرى وأريد النطق بما أشاهده ، فلا أستطيع فكنت لا افرّق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون ) .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته، و يكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.
وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف، فيرى من يعذب في قبره و من ينعم، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا. والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته.
وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.  )


قال رضي الله عنه :  ( فما من عارف باللّه من حيث التّجلّي الإلهيّ إلّا وهو على النّشأة الآخرة : قد حشر في دنياه ونشر من قبره ؛ فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون ، عناية من اللّه تعالى ببعض عباده في ذلك .)


قال رضي الله عنه :  ( فما من عارف باللّه من حيث التجلي الإلهي ) ، لا من حيث نظره العقلي ( إلا وهو على النشأة الآخرة فقد حشر في دنياه ونشر من قبره ) ، أي بدنه ( فهو يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون عناية من اللّه ببعض عباده في ذلك) .


قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسيّة الإدريسيّة الّذي أنشأه اللّه نشأتين ، فكان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ثمّ رفع ونزل رسولا بعد ذلك ، فجمع اللّه له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ، وليكن حيوانا مطلقا حتّى يكشف ما تكشفه كلّ دابّة ما عدا الثّقلين ؛ فحينئذ يعلم أنّه قد تحقّق بحيوانيّته . وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذّب في قبره ومن ينعّم ، ويرى الميّت حيّا والصّامت متكلّما والقاعد ماشيا . والعلامة الثّانية الخرس بحيث إنّه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقّق بحيوانيّته . وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنّه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقّق بحيوانيّته . ولمّا أقامني اللّه في هذا المقام تحقّقت بحيوانيّتي تحقّقا كلّيا . فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع ؛ فكنت لا أفرّق بيني وبين الخرس الّذين لا يتكلّمون) .
 
قال رضي الله عنه :  (فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية ) المنسوبة إلى (الذي أنشأه اللّه نشأتين) : نشأة النبوة والرسالة ( فكان نبيا قبل نوح ) عليه السلام ( ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك فجمع اللّه له بين المنزلتين فلينزل ) ، أي من أراد العلو على هذه الحكمة ( عن حكم عقله ) الذي له حكم السماء ( إلى شهوته ) ، التي لها حكم الأرض ( وليكن حيوانا مطلقا ) ، لا يزاحمه العقل بالتصرف في الأشياء منقادا للواردات الرحمانية من مقام الحيوانية ( حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته . وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم ، ويرى الميت حيا ) بالحياة البرزخية
 
( والصامت متكلما ) ، بالكلمات الروحانية الملكوتية ، ( والقاعد ماشيا ) بالحركات المعنوية والمثالية
( والعلامة الثانية الخرس ) ، أي البكم ( بحيث أنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر فحينئذ يتحقق بحيوانيته . وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته . ولما أقامني اللّه في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا ، فكنت أرى وأريد النطق بما أشاهده فلم أستطع ، فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون .) من مقام الحيوانية.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:41 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 9:33 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السابعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السابعة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السابعة عشر :-                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )

قال رضي الله عنه :  ( فإذا تحقّق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجرّدا في غير مادّة طبيعيّة ، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصّور الطّبيعيّة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في الصّور الطّبيعيّة علما ذوقيّا .  فإن كوشف على أنّ الطّبيعيّة عين نفس الرّحمن فقد أوتي خيرا كثيرا . وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله : فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [ الأنفال : 17 ] .  وما قتلهم إلّا الحديد والضّارب والّذي خلف هذه الصّور . فبالمجموع وقع القتل والرّمي ، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها . فيكون تامّا . فإن شهد النّفس كان مع التّمام كاملا : فلا يرى إلّا اللّه سبحانه عين ما يرى . فيرى الرّائي عين المرئيّ . وهذا القدر كاف ، واللّه الموفّق الهادي .)

(فإذا تحقق) السالك (بما ذكرنا) من حيوانيته على التمام انتقل بعد ذلك إلى أن يكون عقلا مجردا ، أي خالصا قائما (في غير مادة )، أي صورة طبيعية عنصرية فيشهد عند ذلك أمورا كثيرة ملكوتية هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعية العنصرية كأرواح الكواكب المسلطة على تدبير الأجسام الإنسانية والحيوانية والنباتية والجمادية وأسرار الحفظة الكرام الكاتبين الذين هم في مواد الأعمال الإنسانية ، وأنوار القبض والبسط والجلال والجمال الساري في عالم القلوب والنفوس البشرية وغير ذلك .

(فيعلم) بذلك (من أين يظهر هذا الحكم) الإلهي المطلق (في الصور الطبيعية) العنصرية مع بعد المناسبة بينهما (علما ذوقيا) ، أي مستندا إلى الذوق وهو الوجدان (فإن كوشف) في هذا المقام بأن كاشفه الحق تعالى أي كشف له (على أن الطبيعة) الكلية السارية في مجموع العالم مادة له في جميع الصور الحسية والعقلية (عين نفس) بفتح الفاء (الرحمن) الوارد في الحديث كما مر ذكره (فقد أوتي) ، آتاه اللّه تعالى (خيرا كثيرا) ، لأن ذلك الكشف حصل له بالنور الذاتي الذي قال تعالى :اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ النور : 35 ].

 وهذا النور الذاتي إذا سرى في كلية العبد أبطلها وقام بنفسه فيها ، فكان هيولى كل شيء وتحقيق بالغيب غيبا وبالشهادة شهادة وحاز مرتبة الكمال المطلق للحق بالنقص المحقق للعبد .

(وإن اقتصر) ، أي السالك (معه) ، أي مع عقله المجرد (على ما ذكرنا) من ذلك الكشف السابق (فهذا القدر يكفيه من المعرفة) باللّه تعالى الصحيحة (الحاكمة على عقله) في رتبة التنزيه بالكشف عن حكم الظهور في صور الطبيعة (فيلحق) ، أي صاحب هذه المعرفة المذكورة (بالعارفين) الكاملين (ويعرف عند ذلك ذوقا) ، أي وجدانا من نفسه معنى قوله تعالى : ("فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ") [ الأنفال : 17 ] ،
أي المشركين والخطاب للصحابة رضي اللّه عنهم مع أنهم قتلوهم في الظاهر للحس (ولكن الله قتلهم) بكم وبأسلحتكم (وما قتلهم) بحسب ما يظهر لكل أحد (إلا الحديد) وهو السيف والرمح ونحو ذلك (والضارب) بالحديد وهم الصحابة رضي اللّه عنهم ، والعالم النفساني والروحاني والأمر الإلهي الرباني (والذي خلق هذه الصور) . " وفي نسخة : والذي خلف هذه الصور بدل  الذي خلق هذه الصور".

 المذكورة (فبالمجموع) من ذلك كله (وقع القتل) للمشركين من الصحابة رضي اللّه عنهم (و) كذلك (الرمي) من النبي صلى اللّه عليه وسلم .

(فيشاهد) صاحب هذه المعرفة المذكورة جميع (الأمور بأصولها) الروحانية (وصورها) الطبيعية والعنصرية (فيكون) عارفا (تاما) ، أي غير ناقص المعرفة (فإن شهد) مع ذلك عين (النفس) بفتح الفاء الرحماني كما ذكر (كان مع التمام) في المعرفة (كاملا
أي زائدا المعرفة فائضا مكملا لغيره (فلا يرى) في هذا الوجود (إلا اللّه تعالى) فيرى (عين ما يرى) من كل محسوس ومعقول وموهوم مع تميزه تعالى عنده عنها بالوجود المطلق على ما هو عليه أزلا وأبدا ،
وتميزها عنه تعالى بصورها الثابتة في حضرة علمه القديم من غير وجود لها أصلا (فيرى) ببصره وبصيرته الرائي منه ومن غيره هو (عين المرئي) منه ومن غيره ويتحقق بالجمع والفرق (وهذا القدر كاف) في المعرفة (واللّه الموفق والهادي) في النهايات والمبادي .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )

قال رضي الله عنه : (فإذا تحقق ) ذلك النازل ( بما ذكرناه ) من مقام حيوانيته ( انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية ) فحينئذ قد تحقق بمقام إلياسية (فيشهد أمورا) كلية مجردة في غير مادة طبيعية ( هي أصول لما تظهر في الصورة الطبيعية ) كشهود إلياس.

قال رضي الله عنه : ( فيعلم ) حينئذ ( من أين يظهر هذا الحكم ) وهو الرمي والقتل وغير ذلك ( في الصور الطبيعية علما ذوقيا ) كما علم إلياس ( فإن كوشف ) لهذا العارف المشاهد أصول الأمور مع هذا الكشف ( على أن الطبيعية عين النفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا وإن اقتصر ) هذا العارف ( معه ) أي مع هذا الكشف ( على ما ذكرناه فهذا القدر ) أي كشف الأصول الظاهرة في صور الطبيعة على الاقتصار ( يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ) الشهود ( ذوقا ) معنى قوله تعالى :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ[ الأنفال : 17 ] ، لشهوده كيفية صدور الأفعال من اللّه .

قال رضي الله عنه :  ( وما قتلهم ) في الحقيقة ( إلا الحديد والضارب والذي خلق هذه الصورة ) الضاربية والحديدية وهو الذات الإلهية الباقية بعد إفناء هذه الصورة العنصرية ( فبالمجموع وقع القتل والرمي فيشاهد الأمور بأصولها ) وهي الحقائق المجردة الإلهية والحقائق المجردة الكونية ( وصورها ) الطبيعية والعنصرية ويشاهد كيفية صدور الأحكام من جملتها ( فيكون تاما ) في المعرفة باللّه لا كاملا ( فإن شهد النفس ) أي فإن شهد مع ذلك أن النفس الرحمن عين الطبيعية .

قال رضي الله عنه :  ( كان مع التمام كاملا ) في المعرفة باللّه فعلى هذا التقدير ( فلا يرى إلا اللّه في عين كل ما يرى فيرى الرائي عين المرئي ) فمن حيث أنه كاملا يرى الرائي عين المرئي ويرى غيره من حيث أنه تام لا كامل فجمع بين الشهودين شهود النفس الرحمن وشهود أصول الأمور وصورها فلكل شهود حكم في هذا العارف ( وهذا القدر ) من البيان في المعرفة باللّه ( كاف ) للطالبين والسالكين إلى اللّه ( واللّه الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد ) .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )


قال رضي الله عنه : (فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا. فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور. فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )


قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )


قال رضي الله عنه  : ( فإذا تحقّق بما ذكرناه » يعني إذا نزل إلى حيوانيته وتحقّق بها « انتقل إلى أن يكون عقلا مجرّدا في غير مادّة طبيعية ، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعية ، فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في الصور الطبيعية علما ذوقيا ) .


يعني رضي الله عنه  : أنّ السالك المتحقّق بحيوانيته إن انتقل بعد ذلك إلى التحقّق بكونه عقلا مجرّدا عن القيود الطبيعية ، تحقّق حينئذ ذوقا أنّ العين - التي كانت في العقل عين العقل ، وفي النفس عين النفس ، وفي المعاني معنى مجرّدا معقولا ، وفي الحقّية وجودا بحتا صرفا هو عين ذاته - تباركت وتعالت : وهو في الحيوان حيوان وفي الجماد " جماد " قد ظهرت العين الحقيقة بهذه الصور كلَّها ، فهي أصل الكلّ ومنشؤه ومنبعه ، ومنه وعليه منبعثه ومهيعه ، وإلى العين مصيره ومرجعه ، وأنّه أيضا في صورة من صورها أصل ومنشأ لصورة أخرى بعدها .


قال رضي الله عنه  : (فإن كوشف على أنّ الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا)
فإنّه قد أوتي الحكمة التي بها يغلب أعيان خلق العالم كلَّه مع كثرة صورها غير المتناهية حقّا واحدا أحدا لا كثرة فيه أصلا ، وهذا هو الخير الكثير .

قال رضي الله عنه : ( وإن اقتصر معه على ما ذكرناه ، فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله ، فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا  "فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ الله قَتَلَهُمْ ").

يعني  رضي الله عنه  : أنّ الله قتلهم في صوركم وموادّكم ، ( وما قتلهم إلَّا الحديد والضارب والذي خلف هذه الصور ، فبالمجموع وقع القتل والرمي ، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها ، فيكون تامّا ، فإن شهد النفس ، كان مع التمام كاملا ، فلا يرى إلَّا الله عين ما يرى ، فيرى الرائي عين المرئيّ ) كما كان يرى العلَّة عين المعلول ( وهذا القدر كاف ، والله الموفق  الهادي ) .

 
 شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )


( فإذا تحقق بما ذكرناه ) أي عند نزوله إلى حيوانيته والتحقق بها ( انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في مادة طبيعية ، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعية ، فيعلم من أين يظهر هذا الحكم في الصورة الطبيعية علما ذوقيا )
يعنى أن السالك المتحقق بحيوانيته إذا انتقل بعد ذلك إلى التحقق بكونه عقلا مجردا عن القيود الطبيعية ،
تحقق حينئذ ذوقا أن العين التي كانت في عالم العقل عقلا هي في عالم النفس نفس ، فشهد في العالم العقلي عقولا هي أصول لما في العالم الأسفل من الصور الطبيعية ،
فيعلم أن الأحكام المختلفة في الصور الطبيعية هي معاني الأعيان والحقائق العقلية علما ذوقيا ، فالحقيقة التي هي وجود بحث صرف هي ذاته تعالى في عالم الأعيان عين ،
وفي عالم المعاني معنى صرف معقول ، وفي عالم العقول عقل مجرد ، وفي عالم النفس نفس ، وفي عالم الحيوان حيوان ، وفي النبات نبات ، وفي الجماد جماد ،
فقد ظهرت العين الحقيقة في المراتب كلها بهذه الصور مع بقائها على حالها في عالمها فهي أصل الكل ومنشؤه ومنبعه ، وإلى الأصل الأول والحقيقة الأولى مصيره ومرجعه " وإِلَى الله تُرْجَعُ الأُمُورُ " منه بدأ الكل وإليه يعود

قال رضي الله عنه : (فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن "فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً")   فإنه قد أوتى الحكمة التي بها تنقلب أعيان خلق العالم كله ، مع كثرة صورها الغير المتناهية حقا واحدا أحدا لا كثرة فيه أصلا وهو الخير الكثير ، لأن الغالب على حاله الإحسان العلمي والحكمة والتوحيد

قال رضي الله عنه : (وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله فيلحق بالعارفين، ويعرف عند ذلك ذوقا "فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنَّ الله قَتَلَهُمْ")
يعنى أن الله قتلهم في صوركم وموادكم

قال رضي الله عنه :  ( وما قتلهم إلا الحديد والضارب والذي خلف هذه الصورة ، فبالمجموع وقع القتل والرمي فيشاهد الأمور بأصولها وصورها فيكون تاما ، فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا ، فإن النفس الرحماني هو عين فيض الوجود والحياة على الكل بل عين تنزل الحق إلى الصور كلها ) فلا يرى إلا الله عين ما يرى فيرى الرائي عين المرئي ، وهذا القدر كاف ،

والله الموفق والهادي .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )

قال رضي الله عنه :  ( وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس ، فلم يتحقق بحيوانيته . ولما أقامني الله في هذا المقام ، تحققت بحيوانيتي تحققا كليا ، فكنت أرى وأريد أن أنطق بما أشاهده فلا أستطيع ، فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون).

قال رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه ) أي ، بالمقام الحيوانية وانكشف له أسرار عالم الطبيعة وشاهد الأحوال البرزخية وعلم حقيقة ما جاء به الشريعة .

قال رضي الله عنه :  ( انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية ، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصورة الطبيعية فيعلم من أين يظهر هذا الحكم في صورة الطبيعة ، علما ذوقيا. )
وإنما ينتقل إلى مقام العقل المجرد مرة أخرى بعد شهود الأمر على ما هو عليه في البرزخ ، لأنه إذا صار عقلا مجردا ، شارك العقول المجردة والأرواح المطهرة ، واطلع على عالم

الجبروت وما فيه من الأنوار القاهرة ، فحينئذ يشاهد أمورا كلية وحقائق مجردة ، هي أصول لما يظهر في عالم الطبيعة ، فيعلم ذوقا أن الأمور الكلية كيف تنزل وتصير جزئية محسوسة مصورة بالصورة الطبيعية العنصرية ، من غير تنزل روحه المجردة إلى هذه الصورة الإنسانية والمقام الحيوانية .
وبرجوعها إلى مقامها الأصلي وتحققها بالعهد الأول يعرف كيفية تنزلات الذات الإلهية من المقام

قال رضي الله عنه :  ( الأحدية ) و ( الواحدية ) إلى المراتب الكونية وظهورها في جميع مراتب العوالم السفلية والعلوية ، شريفها وخسيسها ، عظيمها وحقيرها ، فيشاهد الحق في جميع مراتب الوجود شهودا حاليا ، فيفوز بالسعادة العظمى والمرتبة الكبرى .
رزقنا الله وإياكم السعادة وجعلنا ممن كمل وطهر بالعبادة .


قال رضي الله عنه :  (فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن ، فقد أوتى خيرا كثيرا.) أي، فإن علم ذوقا أن الطبيعة هي التي تسمى ب‍ (النفس الرحماني) وليست مغائرة له في الحقيقة ، فقد أوتى خيرا كثيرا .
وتفسير (الطبيعة) و (النفس الرحماني) قد مر في (الفص العيسوي) ومواضع أخر مرارا ، فلا نحتاج إلى ذكرهما هاهنا .
قال رضي الله عنه :  ( وإن اقتصر معه ) أي ، مع مقام الخرس ( على ما ذكرناه ) من شهود الأمور التي هي أصول لما يظهر في الصورة الطبيعية ، ( فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله ) أي ، النظر الفكري .

قال رضي الله عنه :  (فيلحق بالعارفين، ويعرف عند ذلك ذوقا) حقيقة قوله تعالى: ("فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم".) لأنه شهد ظهور الحق في جميع مراتب الوجود وكيفية صدور الأفعال منه في المظاهر الكونية ،
فنفى القتل عنهم، وأضاف إلى الله، كما قال : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ).
( وما قتلهم إلا الحديد والضارب ، والذي خلف هذه الصور) من الهوية الإلهية .
(فبالمجموع وقع القتل والرمي) (فيشاهد الأمور) عطف على قوله : (ويعرف عند ذلك ذوقا ) . ( بأصولها ) وهي الحقائق المجردة الكونية . (وصورها) وهي الصور الطبيعية والعنصرية والمثالية الخيالية . (فيكون تاما.)

قال رضي الله عنه :  (فإن شهد النفس) بفتح (الفاء) . أي ، فإن شهد مع الحقائق المجردة النفس الرحماني. (كان مع التمام كاملا : فلا يرى إلا الله عين ما يرى.) أي، لا يرى في كل عين ما يرى إلا الله، لاغيره.
(فيرى الرائي عين المرئي. وهذا القدر كاف.) أي، في العرفان. (والله الموفق والهادي . )

.

يتبع 


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:42 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 9:43 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة السابعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة السابعة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السابعة عشر :-                         الجزء الثاني

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )

قال رضي الله عنه :  ( فإذا تحقّق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجرّدا في غير مادّة طبيعيّة ، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصّور الطّبيعيّة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في الصّور الطّبيعيّة علما ذوقيّا ، فإن كوشف على أنّ الطّبيعيّة عين نفس الرّحمن فقد أوتي خيرا كثيرا ، إن اقتصر معه على ما ذكرناه ؛ فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله ؛ فيلحق بالعارفين ، ويعرف عند ذلك ذوقا ،فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [  الأنفال : 17 ] ، وما قتلهم إلّا الحديد والضّارب والّذي خلف هذه الصّور . فبالمجموع وقع القتل والرّمي، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها ، فيكون تامّا؛ فإن شهد النّفس كان مع التّمام كاملا ؛ فلا يرى إلّا اللّه سبحانه عين ما يرى ، فيرى الرّائي عين المرئيّ، وهذا القدر كاف ، واللّه الموفّق الهادي ).

قال رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق ) العارف ( بما ذكرنا ) من الحيوانية ، ثم الملكية ،
ثم الحيوانية مع الكشف المذكور ( انتقل ) من هذه الحيوانية ( إلى أن يكون عقلا مجردا ) ؛ لأن هذه الحيوانية تجذبه إلى العالم العلوي أشد من جذب الملكية التي قبلها ، فتكمل ملكيته ثانيا أكمل بما كانت عند الانتقال من الحيوانية الأولى ؛ لأنها بحسب المنتقل منه 

فيصير ( في غير مادة طبيعية ) ، بل إما في مادة مثالية أو لا يبقى في مادة أصلا ، ( فيشهد ) بهذه الملكية بعد الحيوانية الثانية ( أمورا هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعية ) ؛ لالتحاقه بالملأ الأعلى فوق رتبة الملائكة السماوية ، وهي منتقشة بالفعل بكل ما يؤخذ في عالم الكون والفساد وبالأسباب الحقيقية ؛

لذلك بخلاف الملائكة السماوية فإن انتعاشها بذلك لا يكون بالفعل بجميع ما يكون فيه البعض ، ثم يمحي ويثبت البعض الآخر على حسب حركات أفلاكها ، وليس فيها أسباب ذلك وأسرارها على وجه الاستيعاب والاستقصاء ، ( فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في الصور الطبيعية ) أي : يعرف ذلك في حكم جزئي يطلع عليه ، فيمكنه في الجملة التصرف في العالم بمقتضى ذلك ،
 

قال رضي الله عنه :  ( فإن كشف ) له مع ذلك ( أن الطبيعة عين نفس الرحمن ، فقد أوتي خيرا كثيرا ) ، إذ يحصل له كمال المعرفة مع كمال التصرف في العالم ، إذ يرى نفسه الذي هو من الصور الطبيعية عين نفس الرحمن الذي به سريان إشراق نوره في الموجودات ، وهو الذي يتحد به الحق مع الخلق ، فيتم له التوحيد ( وإن اقتصر معه ) أي : مع الانتقال إلى العقل المجرد ( على ما ذكرنا ) من شهود أصول ما يظهر في الصور الطبيعية .

قال رضي الله عنه :  ( فهذا القدر يكفيه من المعرفة ) وإن لم يبلغ إلى كمالها المفضي إلى التوحيد ، لكنها من المعرفة ( الحاكمة على عقله ، فيلحق ) في الجملة ( بالعارفين ) ؛ لأنه لما اطلع على أصول ما يظهر في الصور الطبيعية اطلع على أصل تلك الأصول ، وهي ظهور الحق بصور أسمائه في الموجودات ، ( فيعرف عند ذلك ذوقا ) وراء المعرفة العلمية معنى قوله تعالى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) [ الأنفال : 17 ] ، إذ يعرف أن اللّه هو القاتل والرامي باعتبار ذاته ، وباعتبار ظهوره في الحديد والضارب والرامي بصور أسمائه ؛

وذلك لأنه ( ما قتلهم إلا الحديد والضارب ، والذي خلق هذه الصور ) ، وما رماهم إلا الحديد والقوس والرامي ، والذي خلق هذه الصور ، ( فبالمجموع وقع القتل والرمي ، فيشاهد الأمور بأصولها ) ، كالخالق وأسمائه ( وصورها ) كالحديد والضارب ، ( فيكون تامّا ) في المعرفة لكن فيه تفرقة .

( فإن شهد ) مع ذلك ( النفس ) الرحماني بعين الصور الطبيعية ( كان مع التمام كاملا ) ؛ لوصوله إلى رتبة التوحيد ،
"" أضاف المحقق :
أي : شهد مع ذلك أن النفس الرحماني غير الطبيعية كان مع التمام كاملا في المعرفة باللّه .أهـ شرح القاشاني. ""

قال رضي الله عنه :  ( فلا يرى إلا اللّه عين ما يرى ) من الصور الطبيعية ، فلا تتفرق في نظره الصور والخالق بخلاف نظر الأول ، فيصير كما قال الإمام حجة الإسلام الغزالي في الباب الثالث من كتاب « التلاوة » : بل التوحيد الخالص ألا يرى في كل شيء إلا اللّه ،

( وهذا القدر كاف ) في تمام المعرفة وكمالها ، وإن كان لا يخلو عن النظر في الأسماء والنفس ، واللّه الموفق لتحصيل هذا الكمال ، والهادي لطريق تحصيله ، ( واللّه الموفق ) لمراتب الأكملية ، و ( الهادي ) للسير فيه ومنه بعد السير إليه ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .

ولما فرغ عن بيان الحكمة الإيناسية المفيدة للأنس بالعوالم ، شرع في بيان الحكمة الإحسانية المفيدة أنس العبد بالحق والحق بالعبد ، فيرى العبد ربه في كل شيء ، والرب يرى صور أسمائه وآثارها في خلقه ،
وهذا هو الإحسان المشار إليه بقوله عليه السّلام : « أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ؛ فإنه يراك »  ؛
فقال : فص الحكمة الإحسانية في الكلمة اللقمانية


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )


العقل البالغ
قال رضي الله عنه :  ( فإذا تحقّق بما ذكرناه ) من الإطلاق الحقيقيّ الجامع بين الوحدة العينيّة والكثرة التعينيّة عند تحقّقه بالحيوانيّة الكليّة تحقّقا كليّا ، خالصا عن تقيّدات الموادّ وتشخّصات الأفراد .

فلذلك ( انتقل إلى أن يكون عقلا مجرّدا ) عن مشخّصاته الفارقة ( في غير مادة طبيعية ) ، فإنّها هي مبدأ التفرقة والتكثّر ، وهذا العقل هو البالغ رتبة استوائه القلبي - كما أشير إليه غير مرّة - والعالم حقائق الأمور بما هي عليه بأصولها وفروعها وخصائصها وأعراضها ( فيشهد أمورا ) في ذلك الموطن العلمي الإطلاقي

قال رضي الله عنه :  ( هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعيّة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صورة الطبيعة ) يعني ظهور شخص واحد في صورتين ، كظهور إدريس في صورة إلياس ، مع بقاء الأول بحاله ، بدون نسخ ولا فسخ على ما هو مدرك العامّة في ذلك .
فإنّك قد عرفت حيث حقّق الارتباط بين الكلَّين أنّ طريان الكثرة للواحد لا يزيله عن أمر الوحدة وما يعوقه عنها ، بل يقوّيه ويكمله .

ومن جملة ما ظهر من هذه الأصول أمر العقل ومدركه في الصور الطبيعيّة ، حيث قصر نظر العقل فيها على طرق التنزيه ، ولا يتمكَّن من إدراك طرف التشبيه أصلا ، ما دام في صورته الطبيعيّة ، والوهم على عكس ذلك - ( علما ذوقيّا ) فإنّ العقل حينئذ في مقرّ إطلاقه الجمعي ، لا مجال لتفرقة الدليل والمدلول هناك أصلا .

قال رضي الله عنه : (فإن كوشف) مع العلم بهذه الكثرة وخصائص الكثير (على أنّ الطبيعة) التي هي مبدأ تلك الكثرة (عين نفس الرحمن) - وهي العين الواحدة في الصور الكثيرة - ( فقد أوتي خيرا كثيرا) ، ضرورة أنّ نفس الرحمن هو الوجود الذي هو الخير ، فإذا شوهد ذلك في الكثير فقد أوتي خيرا كثيرا .

وظهر من كلامه هذا أنّ الحكمة - التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا - إنما هو التحقّق بالوحدة الحقّيّة مع الكثرة الكونيّة ، مرتبطا أحدهما بالآخر ، على ما لا يخفى للمتأمّل في حروفها الكاشفة عنها ( وإن اقتصر معه على ما ذكرنا ) من التحقّق بأصول تلك الصور ، ومبادئ تلك الخصائص ، دون الوجه  الجمعيّ الإحاطيّ النفسي الرحمانيّ ، ( فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله ) بالقصور ما دام في صورته الطبيعيّة .


لا يعرف حقّ الأمر غير العارفين
وفي هذا القيد استشعار أنّ طائفة أهل النظر من الفلاسفة والمتكلمين الذين قد حكم عليهم عقولهم ، ليسوا من المعرفة في شيء وهذه الطائفة لمّا علمت قصور مدارك العقل وعجزه عرفت أمر العقل بما هو عليه ( فيلحق بالعارفين ، ويعرف عند ذلك ) التحقّق بمبادئ الأفعال ، وارتباط كل أصل بفروعه المنشعبة عنه ( ذوقا ) يعني قوله تعالى : - ("فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ الله قَتَلَهُمْ“).

قال رضي الله عنه :  ( وما قتلهم ) لدى المدارك الحسّية ( إلا الحديد والضارب الذي خلف هذه الصور ) منحجبا بها عن تلك المدارك ، منكشفا لدى العقل الصافي مشرب شعوره عن شوائب العادات والتقليدات الواهية ، ورسومها الخالية (فبالمجموع وقع) هذا (القتل والرمي) .

 
وإنما خصّ هذان الفعلان في تحقيق الأمر من عالم الأفعال لكمال ظهورهما وتوجّه المدارك نحوهما بجوامع قصدها ، ولأنّهما أيضا من الكليّات التي تترتّب عليها أمور وأحكام جزئيّة فإذا نظر العارف فيهما عند صدورهما من المجموع ، وتميّز بين الأصول والفروع ( فيشاهد الأمور بأصولها وصورها ، فيكون تامّا ).

قال رضي الله عنه :  (فإن شهد النفس ) الرحمانيّ - الذي هو أصل الأصول - ( كان مع التمام كاملا ) فإنّك قد عرفت فيما سلف أنّ الكمال باحتياز غايات الأمور وحدودها ، وهو الحقّ في صورة النفس الرحماني الذي تتّحد به الكلمات الوجوديّة كلَّها ، اتّحاد الكلمات اللفظيّة بالنفس الإنسانيّ ( فلا يرى إلَّا الله عين ما يرى ، فيرى الرائي عين المرئي ) ،
وهذا هو احتياز الغايات فإنّ الرؤية التي هي غاية الحركة الوجوديّة قد اتّحدت بها غاية الظهور ، يعني المرئي - وغاية الإظهار - يعني الرائي - فانحازت برؤية الغايات .

قال رضي الله عنه :  (وهذا القدر يكفي) للبيب المتفطَّن في تحقيق أمر الكمال ، (والله الموفّق والهادي) له إلى إدراكه وتحقّقه .

تم الفص الإلياسي

 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى. فيرى الرائي عين المرئي . وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.  )

قال رضي الله عنه :  ( فإذا تحقّق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجرّدا في غير مادّة طبيعيّة ، فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصّور الطّبيعيّة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في الصّور الطّبيعيّة علما ذوقيّا .).

قال رضي الله عنه :  ( فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل )
من مقام الحيوانية ( إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية فيشهد أمورا هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعية فيعلم من أين يظهر هذا الحكم في الصور الطبيعية علما ذوقيا .

قال رضي الله عنه :  ( فإن كوشف على أنّ الطّبيعيّة عين نفس الرّحمن فقد أوتي خيرا كثيرا .  وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله : فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [ الأنفال : 17].وما قتلهم إلّا الحديد والضّارب والّذي خلف هذه الصّور . فبالمجموع وقع القتل والرّمي ، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها . فيكون تامّا . فإن شهد النّفس كان مع التّمام كاملا : فلا يرى إلّا اللّه سبحانه عين ما يرى . فيرى الرّائي عين المرئيّ . وهذا القدر كاف ، واللّه الموفّق الهادي .)

فإن كوشف على أن الطبيعة ) التي هي مبدأ الكثرة ( عين نفس الرحمن ) الذي هو العين الواحد في الصور الكبيرة ( فقد أوتي خيرا كثيرا ) . ضرورة أن نفس الرحمن هو الوجود الذي هو الخير فإذا شوهد ذلك الكثير فقد أوتي خيرا كثيرا .

قال رضي الله عنه :  ( وإن اقتصر معه ) ، أي مع الخرس ( على ما ذكرناه ) ، من مشاهدة أمور هي أصول لما يظهر في الطبيعة ( فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله ) بالكشف ( فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا ) ،

حقيقة قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْوما قتلهم إلا الحديد والضارب الرباني الذي خلف هذه الصورة فبالمجموع وقع القتل والرمي ، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها فيكون تاما ، وإن شهد النفس الرحماني ) الذي هو أصل الأصيل ( كان مع التمام كاملا ) ، فإن الكمال هو الوصول إلى غايات الأمور وهو الحق في صورة النفس الرحماني الذي متحد به الكلمات الوجودية كلها اتحاد الكلمات اللفظية بالنفس الإنساني .

قال رضي الله عنه :  (فلا يرى إلا اللّه عين ما يرى ، فيرى الرائي عين المرئي وهذا القدر كاف ) في التحقيق بمقام الكمال وإن كانت مرتبة التكميل فوقه ( واللّه الموفق ) لسلوك سبيل مرتبة الكمال والتكميل ( والهادي ) إلى سواء السبيل .

تم الفص الإلياسي
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:43 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 9:54 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثامنة عشر .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الثامنة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثامنة عشر :-                        
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
22 – شرح نقش فص حكمة إيناسيه في كلمة الياسية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( " أحسن الخالقين " ويقول الله : " أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ" [النحل : 17]
فخلق الناس : التدبر ، وهذا الخلق الآخر : الإيجاد .)
 
إنّما خصّت الكلمة الالياسية بالحكمة الإيناسية لأنّه عليه السلام قد غلب عليه الروحانية و القوّة الملكوتية حتّى ناسب بها الملائكة و أنس بهم، كما أنس بواسطة جسمانيته بالانس. فقد أنس بالطائفتين و خالط الفريقين.
و كان له من كل منهما رفقاء يأنس بهم. و بلغ من كمال الروحانية مبلغا لا يؤثّر فيه الموت، كالخضر و عيسى عليهما السلام.
قال رضى الله عنه، «إلياس هو إدريس.
كان نبيا قبل نوح عليه السلام. ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثمّ بعث إلى قرية بعلبكّ ... ثمّ مثّل له انفلاق الجبل المسمّى «لبنان» ... عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار. فلمّا رآه، ركب عليه، فسقطت عنه‏ .
كان الحكم بأنّ إلياس عين إدريس مستفاد من الشهود للأمر على ما هو عليه، فانّه رضى الله عنه كان يشاهد جميع أرواح الأنبياء عليهم السلام في مشاهده، كما صرّح به في فص هود عليه السلام من فصوص الحكم و في غيره من الكتب.
و يؤيّد ذلك قراءة ابن مسعود «و إنّ إدريس» في موضع "إلياس" و قراءة بعضهم «إدراسين» في موضع «إلياسين» على أنّهما لغتان في إدريس وإلياس. منه. الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة».
 
(يقول) إلياس عليه السلام مخاطبا لقومه العاكفين على عبادة صنم كانوا يسمّونه «بعلا»، «أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ» جعل عليه السلام صفة الخالقية مشتركة بين الحق سبحانه و بين من سواه.
(و يقول الله تعالى، "أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ")، أثبت الخلق لذاته و نفاه عمّن سواه.
فبين الكلامين بحسب الظاهر تدافع و تناقض.
فأشار رضى الله عنه إلى التوفيق بينهما بقوله، فخلق الناس المفهوم من كلام إلياس عليه السلام هو التقدير- فانّ الخلق في اللغة جاء على ثلاثة معان:
أحدها التقدير يقال، «خلقت النعل»، إذا قدّرته.
و ثانيها الجمع، و منه «الخليقة» لجماعة المخلوقات.
و ثالثها بمعنى القطع يقال، «خلقت هذا على ذاك»، أي قطعته على مقداره.
فمعنى كونه أحسن الخالقين أنّه أحسن المقدّرين.
(و هذا الخلق الآخر) المذكور في قوله تعالى، «أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ»، هو(الإيجاد) عرفا شرعيا، لأنّ الموجد سبحانه يجمع بين الوجود و الماهية و يقتطع من أشعّة مطلق نور الوجود قدرا معيّنا و يضيفه إلى الحقيقة الكونية بقطع نسبته من إطلاقه.
 
حال إدريس عليه السلام في الرفع إلى السماء كانت كحال عيسى عليه السلام.
وكان كثير الرياضة، مغلّبا لقواه الروحانية على النفسانية، مبالغا في التنزيه.
وقد تدرّج في الرياضة والسير إلى عالم القدس والتجرّد عن‏ لمّا رأى إلياس عليه السلام تمادى قومه على كفرهم، دعا ربّه أن يقبضه إليه، فيريحه منهم.
فقيل له، «انظر يوم كذا، فاخرج فيه إلى بلد كذا. فما جاءك من شي‏ء، فاركبه ولا تهبه».
فخرج، ومعه اليسع عليه السلام، حتّى إذا كان بالبلد الذي ذكر له في المكان الذي أمر به، أقبل فرس من نار حتّى وقف بين يديه.
فوثب عليه، فانطلق، وكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذّة المطعم و المشرب.
وطار في الملائكة وكان إنسيا ملكيا سمائيا أرضيا.
كذا في تاريخ ابن الجوزي رحمه الله..
 
منه علائق الحسّ حتّى بقي ستّ عشر سنة لم ينم ولم يأكل ولم يشرب على ما نقل.
فعرج إلى السماء الرابعة، التي هي محلّ القطب.
ثمّ نزل بعد مدّة ببعلبكّ، كما ينزل عيسى عليه السلام على ما أخبرنا نبينا صلّى الله عليه وسلم.
 
فكان «إلياس» النبي صلّى الله عليه وسلم و«الجبل المسمّى لبنان» حقيقته الجسمانية التي يبلغ فيها الروح الإنساني الإلهي لبانتها وحاجتها من تكميل قواها بها وفيها، و«انفلاقها» صورة الفرقان العقلي بين العالي الشريف والسافل السخيف من قواها وحقائق ذاتها، و«الصورة الفرسية المتمثّلة من نار» نفسه الناطقة،
وهي نور في صورة فرس من نار فالصورة النارية لشدّة الشوق والطلب الإرادي لاحراق القوى الشهوية وإحراق حجبها المانعة عن الانسلاخ والتقديس والطهارة عن الأوساخ والصورة الفرسية لحقيقة همّته المترقّية إلى أعالى ذرى العروج، و«جميع آلاته» صورة تكامل قواه الروحانية للانسلاخ والمفارقة عن الأدناس والأوساخ لأجل السير والسلوك الروحاني الذي كان بصدده.
فلمّا أمر بالركوب عليه، ركبه، فسقطت القوى الشهوية منه عن التعلّق بالملاذّ الجسمانية الطبيعية.
فبقي روحا مجرّدا عن الشهوات، كالملائكة و الأرواح.

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:44 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 10:11 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة التاسعة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة التاسعة عشر :-                         الجزء الأول  
كتاب تعليقات د أبو العلا عفيفي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 1385 هـ :
22 – فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
الفص الثاني و العشرون حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
(1) حكمة إيناسية في كلمة إلياسية «إلياس الذي هو إدريس»:
(1) أشار إليه في الفص السابع و نسب إليه الحكمة القدوسية.
يذهب الكتاب المسلمون أمثال القفطي و اليعقوبي و ابن أبي أصيبعة - متبعين في ذلك بعض المصادر العبرية- إلى أن إدريس الوارد ذكره في القرآن هو هرميس إله الحكمة عند المصريين و اليونان، و أنه أيضا أخنوخ النبي اليهودي.
وقد أدى إلى هذا الخلط الغريب، التطورات التي مر بها تاريخ هرميس إله الحكمة عند قدماء المصريين و اليونان على يد وثنيي حران من جهة و المسلمين و اليهود من جهة أخرى. فإننا نعلم أنه عند ما قلت أهمية هرميس في العالم الهليني القديم و قلت عناية هذا العالم بالكتابات الهرميسية منذ منتصف القرن السادس الميلادي، انتقل مركز العناية به وبهذه الكتابات إلى حران المركز الثقافي الوثني العظيم في بلاد الجزيرة.


و ليس هناك من شك في أن الكتابات الهرميسية كانت معروفة باللغة العربية في هذا الجزء من العالم حوالي القرن التاسع الميلادي، و أنه يحتمل أن تكون قد ترجمت من أصلها اليوناني إلى اللغة السريانية قبل ذلك بقرون.
و مما هو جدير بالذكر هنا أنه قبل أن يعرف العرب هرميس كان بعض الكتاب من الشرقيين قد غيروا كثيرا من معالم شخصيته و بدلوا كثيرا من الكتابات الهرميسية فمزجوا هذه الكتابات بأفكار يهودية و غير يهودية مما كان شائعا في الشرق عندئذ، كما صوروا هرميس إله الحكمة عند اليونان بصورة نبي من أنبياء بني إسرائيل. و مما يدل على ذلك دلالة قاطعة عدهم هرميس وأخنوخ و إدريس و إلياس شخصا واحدا، و وصف بعض المسلمين لهرميس الأكبر الذي هو هرميس الهرامسة (لأنهم يذكرون ثلاثة منهم) بنفس الأوصاف التي يصف اليهود بها أخنوخ و إدريس.
نعم، لم يذكر ابن العربي شيئا عن هرميس، و لكن ليس هناك من شك في أن ما يذكره عن إدريس النبي مأخوذ من المصادر الهرميسية اليهودية. فإنه يقول مثلا إن إدريس «كان نبيا قبل نوح و رفعه الله مكانا عليا فهو في قلب الأفلاك ساكن و هو فلك الشمس».


وهذا وصف ينطبق في ظاهره على وصف اليهود لأخنوخ.
ولكن لإدريس عند ابن العربي معنى آخر يختلف تماما عن هذا، فإنه مجرد رمز للعقل الإنساني في حال تجرده التام عن جميع علاقاته بالبدن، أو هو العقل المحض المتجه نحو المعرفة الكاملة بالله.
وهو بهذا المعنى قريب الشبه جدا بالصورة التي صور بها اليونان هرميسهم.
فالعبارة الرمزية الواردة في بدء الفص عن إدريس، تفسر العلاقة بين عقل الإنسان و جسمه.
فإن جبل لبنان الذي يقول فيه إن اسمه مشتق من اللبانة أي الحاجة ليس إلا رمزا للجسم الإنساني الذي هو موضع الشهوات والحاجات، والفرس الناري ليس إلا رمزا للنفس الحيوانية كما يصفها أفلاطون.
و الآلات النارية التي على الفرس هي شهوات البدن و أهواؤه.
أما ركوب الفرس فرمز لضبط النفس الشهوية عن طريق تحكيم النفس الناطقة (العقل) فيها.
 
(2) «الله أعلم حيث يجعل رسالته ... فالله أعلم موجه له وجه بالخبرية إلى رسل الله و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالته».
(2) النص الكامل للآية القرآنية هو «و إذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته» (سورة الأنعام آية 124)
و يرى ابن العربي أنه يمكن فهمها على وجهين:
الوجه الأول باعتبار كلمة «الله» الثانية خبرا لرسل الله. فكأنه يريد بهذا الوقف على أوتي، و يجعل «رسل الله» جملة خبرية تامة.
ويجعل أعلم خبرا لمبتدإ محذوف تقديره هو أعلم حيث يجعل رسالته.
وهذا التفسير نص في وحدة الوجود لأنه يجعل رسل الله صورا أو مجالي لله و يجعل الله الذات المتجلية في هذه الصور، وهو تفسير بعيد عن روح القرآن، كما أنه بعيد عن ذوق اللغة و لكنه متمش تماما مع منطق مذهب المؤلف الذي يأخذ تفسير الآية على هذا الوجه دليلا على فكرته في التشبيه المقابل للتنزيه.
و يستدل بعض الشراح على إمكان هذا التفسير ببعض الآيات القرآنية التي يشتم منها رائحة وحدة الوجود، مثل قوله تعالى «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله» (قرآن 48 آية 10)، و قوله «من يطع الرسول فقد أطاع الله» (سورة 4 آية 80).
و الوجه الثاني هو الوقف على «الله» الأولى و اعتبار «الله» الثانية مبتدأ خبره أعلم حيث يجعل رسالته.
فكأن معنى الآية أن الكفار إذا جاءتهم آية ما جديدة رفضوها و قالوا لن نؤمن حتى نؤتى من الآيات مثل ما أوتي رسل الله، و لكن الله يعلم حيث يضع رسالته.
وهذا هو المعنى المفهوم عادة من الآية و لا أثر لفكرة وحدة الوجود فيه.
وإذا أخذنا التفسير الأول على أنه دليل التشبيه، فإننا لا بد أن نأخذ التفسير الثاني على أنه دليل التنزيه، لأنه يشير إلى التفرقة بين الحق و الخلق- بين الله و رسله- حيث تنمحي هذه التفرقة على التفسير الأول.
وقد أراد ابن العربي بإيراد هذين الوجهين الإشارة إلى أن بعض آيات القرآن تحمل التشبيه و التنزيه معا، و هذه واحدة منها.
 
(3) «و بعد أن تقرر هذا فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد و المعتقد».
(3) بعد أن شرح أن الحقيقة الوجودية يجب أن يراعى فيها جانبا التشبيه و التنزيه معا و أن مراعاة أحدهما دون الآخر يؤدي لا محالة إلى علم ناقص بحقيقة الأمر على ما هو عليه،
قال إن من واجبنا الآن أن نقف حجاجنا مع كل من المنتقد و هو صاحب النظر الفكري والمعتقد وهو التابع الآخذ بظاهر الشرع.
يشير بذلك إلى المتكلمين والفلاسفة الذين يقولون بتنزيه الحق تنزيها مطلقا، وإلى أهل السنة الذين يقولون بالتشبيه.
وقد أوقف الحجاج مع هاتين الطائفتين لأنهما محجوبتان عن العلم الكامل بحقيقة الوجود، فإن كل طائفة منهما لا تنظر إلى هذه الحقيقة إلا من جانب واحد.
وقد فضل الصمت في هذه المسألة لكي يظهر التفاضل بين الناس في استعداداتهم لمعرفة الحق، فإن الحق قد تجلى في صور أعيان الممكنات فعرفته كل صورة بحسب استعدادها.
والصور متفاضلة في الاستعداد فهي بالتالي متفاضلة في علمها بالله.
ويستوي أن نقول إن التفاضل واقع في صور الممكنات التي يتجلى فيها الحق، أو أن نقول كما يقول جامي، إنه واقع في صور تجلي العلم الإلهي في الكائنات.
فإنه لا فرق بين التعبيرين في مذهب يقول بوحدة الوجود كمذهب ابن العربي.
وإذا عددنا المنتقد و المعتقد صورتين من بعض ما تجلى فيه الحق كما يقول، فإن هناك صورة ثالثة لم يذكرها، و لكنها تفهم من سياق كلامه، وهي صورة العارف الكامل الذي يقول بالتشبيه والتنزيه معا.
وإذا كان المنتقد صاحب النظر يقول بالتنزيه استنادا إلى عقله، والمعتقد صاحب الوهم يقول بالتشبيه استنادا إلى وهمه، فإن العالم الكامل يجمع بين القولين استنادا إلى عقله ووهمه وذوقه.
 
(4) «فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه».
(4) يشير إلى تعبير صاحب الكشف و الايمان للصورة التي يرى فيها الحق في نومه فيقول إنه يعطيها حقها من التنزيه و التشبيه معا.
أما المنزه على الإطلاق فينكر تجلي الحق في صورة من الصور، سواء أ كانت هذه الصورة من صور العالم الخارجي أم من صور الرؤيا، لأن الحق في نظره لا يحد بحد و لا تحصره صورة.
و أما المشبه فيجيز تجلي الحق للنائم في صورة من صور على نحو ما يعتقد من تجليه يوم القيامة على خلقه في صورة من الصور و لا يرى بأسا من هذا.
وأما صاحب الكشف و الإيمان فيعطي صورة الحق في النوم حقها من التنزيه بأن يقول إنها صورة للحق و لكنه ليس منحصرا فيها بل يتجاوزها إلى غيرها من الصور التي لا تحصى عددا، كما أنه ظاهر في العالم الخارجي بصور أعيان الممكنات من غير أن تحصره واحدة منها.
وهذا هو معنى التنزيه عنده، أي أنه يقول «إن الحق من حيث ذاته منزه عن الصور العقلية و المثالية و الحسية كلها لعجز العقول و الأوهام عن إدراكها، و إن كان بحسب أسمائه و صفاته و ظهوره في مراتب العالم غير منزه عنها» (القيصري ص 232).
أما حق الصورة من التشبيه فهو إعطاؤها كل مشخصاتها و مميزاتها الخاصة بها من حيث هي كذلك، مثل الشكل و الوضع و المكان و الزمان و غيرها.
ومعنى هذا أن ابن العربي يفهم من التشبيه و التنزيه الذي ينسبه إلى صاحب الكشف و الإيمان معنى الإطلاق و التحديد، لا التنزيه و التشبيه اللذان يفهمهما عادة أهل الكلام و الفلاسفة.
وقد أشرنا إلى ذلك فيما مضى في تعليقاتنا على التنزيه و التشبيه في الفص النوحي.
 
وإذا كان الأمر كذلك: أي إذا كان كل منا يصور الحق بصورة ما يقضي بها استعداده فتكون صورة تنزيه أحيانا و صورة تشبيه أحيانا أخرى، أو تجمع بين الأمرين، تبين لنا مغزى قول ابن العربي «فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة».
أي أنه لفظ يفهمه كل إنسان بحسب استعداده و علمه بنفسه و بالعالم المحيط به، أو هو رمز لصورة اعتقاده الخاص.
والله الذي هو عبارة بهذا المعنى هو الإله المخلوق في الاعتقاد الذي أسلفنا ذكره، لا الله من حيث هو في ذاته، فإنه من هذه الحيثية يتعالى عن كل علم و كل فهم.
وقد فسر القيصري «الله» في قول المؤلف «فالله على التحقيق عبارة» بأنه «الله» الوارد في قوله تعالى «رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته» كأنما يريد أن لفظة الله في الآية انما هي في الحقيقة عبارة عن حقيقة ظهرت في صورة الرسل.
ولا بأس بهذا التفسير و لكني أفضل ما ذهبت إليه.
 
(5) «فالمؤثر بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو الله ... إلى قوله فإذا ورد فالحق كل شيء بأصله الذي يناسبه».
(5) لم يذكر صراحة فاعل «ورد» مما دعا إلى غموض النص و اختلاف الشراح فيه، فإن جامي مثلا يرى أن المراد بالوارد الآثار من الكتاب أو السنة، و يفهم العبارة على أنه إذا وردت آية أو حديث يشيران إلى ناحية التأثير، فألحقهما بالأصل الذي يناسب معناهما.
و إذا وردا في شيء يتعلق بالتأثر فألحقهما بالأصل الذي يناسب معناهما.
و يرى القيصري أن المراد بالوارد الوارد الإلهي.
و لعله يقصد بذلك المعنى الذي يلقيه الله في القلب القاء فيتذوقه صاحبه من غير تدبر أو تفكير: فإذا ورد مثل هذا المعنى و كان خاصا بالله نسبه صاحب الكشف إلى أصله، و إذا ورد و كان خاصا بالعالم نسبه إلى أصله الآخر.
و إنني أرى أنه من الممكن أن يكون المراد بالوارد كل فكرة تخطر بالبال و تتصل بالأمر الذي قال انه ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه، و أن معنى العبارة أنه إذا خطرت ببالك فكرة عن أمر وجودي فأحق هذا الأمر بإحدى المقولتين اللتين أشار إليهما و هما مقولتا الفعل و الانفعال، فإن كل أمر وجودي لا يخلو عن أن يكون علة أو معلولا فاعلا أو منفعلا.
و يدل ظاهر العبارة على أن ابن العربي يعترف بأصلين أو مبدأين يستند إليهما الوجود: هما مبدءا العلية و المعلولية أو التأثير و التأثر، و لكن هذه الثنوية ليست سوى ثنوية صفات تتصف بها حقيقة واحدة لا انقسام فيها و لا تعدد، و ليست بحال من الأحوال ثنوية جوهرية تفترض وجود جوهرين مختلفين متمايزين، جوهر فاعل و آخر منفعل.
و ليس هناك ما يمنع القائل بوحدة الوجود أن يقول بثنوية الصفات في الحقيقة الوجودية الواحدة كما قال اسبينوزا بوجود صفتي الامتداد و العقل في الجوهر الواحد الذي هو أصل جميع الموجودات.
الحقيقة إذن واحدة في نظر ابن العربي: إذا نظرنا إليها من وجه و راعينا فيها جانب الفعل سميناها الحق، و إذا نظرنا إليها من وجه آخر و راعينا فيها جانب الانفعال أطلقنا عليها اسم العالم.
ولكن الفعل والانفعال مقولتان يخضع لهما العقل البشري في تفكيره ويستعين بهما على فهم الوجود، ولكنهما لا تعبران عن حقيقة الوجود في نفسه.
فإذا كان لا بد لنا من التمييز بين الحق و الخلق الله و العالم فأبرز صفات الأول صفة العلية وما يتبعها، وأبرز صفات الثاني صفة المعلولية و ما يتبعها.
وإذا ورد لنا خاطر يتصل بأمر وجودي سهل علينا على هذا النحو أن نرده إلى الله أو إلى الحضرة الإلهية إن كان فيه صفة الفعل، أو نرده إلى العالم أو الحضرة الكونية إن كان فيه صفة الانفعال، وان كان كل أمر في الوجود لا يرد في الحقيقة إلا إلى حقيقة واحدة.
 
(6) «كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد».
(6) شرحنا كيف يعتبر المؤلف مبدأ العلية و المعلولية أساسا الوجود بأسره، و كيف ينسب جانب الفعل إلى الحق و جانب الانفعال إلى الخلق مع أن الوجود في جوهره حقيقة واحدة.
والآن نراه يسوق مسألة الحب الإلهي الناشىء من تعبد العبد بالنوافل شاهدا على وجود هذا المبدأ، يؤيده الحديث الوارد فيه وهو الحديث القدسي الذي يقول الله فيه «ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها» إلخ.
فيرى المؤلف أن في هذا الحديث إشارة إلى مؤثر (علة) و هو النوافل و متأثر (معلول) و هو المحبة الإلهية إذ المحبة الإلهية للعبد نتيجة لازمة عن تقرب العبد إلى ربه بالنوافل. و قد يبدو في ظاهر هذا الكلام تناقض لما قرره من قبل أن المؤثر على الإطلاق و بكل وجه و في كل حضرة هو الحق.
ولكن لا تناقض على الحقيقة إذا اعتبرنا أن المؤثر في صورة العبد المتقرب بالنوافل هو الحق الظاهر بهذه الصورة، لأن النوافل أفعال وجودية ظاهرة من الحق في مظهر العبد: فهي من حيث إنها أمور وجودية مؤثرة، مستندة إلى الحق سبحانه.
ولو كان فيها نقص أو قصور فهي مستندة إلى استعداد العبد: و الأثر لها من الحيثية الأولى.
أما المتأثر فهو العبد من حيث ظهور آثار المحبة الإلهية فيه. فالمؤثر فيه على الحقيقة العبد لا الحق، كما أن المؤثر على الحقيقة الحق لا العبد.
ثم ساق مثلا آخر يوضح به مبدأ التأثير والتأثر فقال: «وكما كان الحق سمع العبد وبصره وقواه عن هذه المحبة»: يشير بذلك إلى الجزء الأخير من الحديث القدسي المذكور آنفا.
فالمحبة الإلهية الحاصلة عن قرب النوافل أصل، و كون الحق سمع العبد وبصره وسائر قواه فرع: والمؤثر هو الحق من حيث حبه للعبد والمتأثر العبد من حيث ظهور أثر تلك المحبة فيه. وكمال المحبة إنما يكون في أن يدرك العبد أن الحق سمعه وبصره وسائر قواه.
 
(7) «و أما العقل السليم» إلى قوله «لغفلته عن نفسه».
(7) المراد بالعقل السليم القلب الساذج من العقائد الفاسدة، الباقي على الفطرة الأولى.
ولا يخلو صاحب هذا القلب من أن يكون أحد رجلين: رجل تجلى له الحق في مجلى طبيعي إما في نفسه أو في أية صورة أخرى وكشف له تجليه في هذه الصورة وعرفه أنه عين هذا المجلى من وجه وغيره من وجه آخر: و هذا يعرف ما أشار إليه المؤلف من أن الحق عين قوى العبد من سمع وبصر ويد و رجل وغير ذلك، أو يعرف ما قال من أن الامر منقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه، وأن المؤثر في جميع الحضرات الكونية والإلهية هو الحق، والمؤثر فيه في جميع هذه الحضرات هو أعيان الممكنات.
ورجل مؤمن بما وردت به الاخبار الإلهية، مسلم بأوامر الرسل منقاد إليهم.
وهذا يؤمن بالأمر الذي ورد في الحديث الصحيح من أن العبد يتقرب إلى الحق بالنوافل حتى يحبه فإذا أحبه كان سمعه وبصره و يده ورجله إلى آخره.
أما صاحب العقل الذي يخيل إليه أنه يحكم عقله وحده في مسائل الإلهيات - كالمعتزلة من النظار- فهو واهم في ظنه، خاضع لسلطان الوهم من حيث لا يدري:
لأنه لا بد أن يعترف بما جاء به الحق من أنه عين العبد و سمعه و غير ذلك من القوى- إن كان مؤمنا به.
واعترافه هذا نتيجة لاستعمال وهمه. و قد جاءت الشريعة التي يؤمن بها بالتنزيه الذي يحكم به العقل و التشبيه الذي يحكم به الوهم. فاعتقاده أنه يعمل عقله وحده وهم منه و خطأ.
وأما صاحب العقل غير المؤمن بما ورد في الشرع من معاني التشبيه فيحكم على الوهم بالوهم، لأنه يحيل على الله تجليه في أية صورة من الصور الحسية و المثالية: أي أنه يحكم على الوهم (الذي يؤيد تجلي الحق في الصور) بأنه كاذب في حكمه، و لكن حكمه هذا على الوهم إنما هو بالوهم، لأنه يتوهم أو يتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله تجليه في الرؤيا أو في أية صورة من الصور، وينكر كل معنى من معاني التشبيه، والوهم في ذلك لا يفارقه أبدا لأنه يصدقه ويخضع له من حيث لا يدري.
ولعل المؤلف يقصد بهذا الصنف الأخير الفلاسفة.
 
(8) «و من ذلك قوله تعالى ادعوني أستجب لكم» إلى قوله «فهو كثير بالصور و الأشخاص».
(8) أي و مما يستدل به أيضا على وجود مبدأي التأثير و التأثر، و أن التأثير في كل حالة راجع إلى الحق، و التأثر في كل حالة راجع إلى الخلق، قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم» و قوله «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» و نحوهما من الآيات التي تشير إلى الاثنينية في ظاهرها و تدل في باطنها على معنى الجمع و الوحدة.
فهو يقول إن الاستجابة لاتكون إلا بوجود اثنين: داع و مستجيب، إذ لايكون مستجيب إلا إذا وجد دعاء الداعين كما في الآية الأولى، ولا يكون مجيب إلا إذا وجد من يدعوه كما في الآية الثانية.
و في كلتا الحالتين يوجد مؤثر وهو الدعاء ومؤثر فيه وهو المجيب.
فالظاهر يقتضي وجود صورتين مختلفتين، إحداهما للداعي المؤثر و الأخرى للمجيب المتأثر، كما يقتضي أن التأثير للعبد و التأثر للحق و لكن الأمر في الحقيقة على خلاف ذلك: إذ عين الداعي عين المجيب بالرغم من اختلاف صورتيهما.
 
نعم توجد صورتان: إحداهما كونية إنسانية و هي صورة الداعي، و الأخرى إلهية أسمائية و هي صورة المجيب، و لكنهما صورتان لحقيقة و عين واحدة.
و ليس التأثير المعزو إلى الأولى معزوا إليها من حيث هي صورة كونية إنسانية، بل من حيث هي مجلى من مجالي الحق: أي أن المؤثر على الحقيقة هو الله. و أما المتأثر فهو العبد لظهور أحكام الإجابة فيه.
وخلاصة القول أن الأمر في نفسه وحدة في كثرة أو كثرة في وحدة، و أن التفرقة بينهما تفرقة اعتبارية محضة.
ولما قرر هذه المسألة التي هي لب مذهبه و جوهره و المحور الذي يدور عليه جميع تفكيره أخذ يتلمس لها أنواعا من التشبيه و التمثيل لا تزيدها في الواقع إلا غموضا و تعقيدا. وغاية ما يقال فيها أنها أقيسة مع الفارق.
فقد شبه النسبة بين العين الوجودية الواحدة و الصور المتكثرة المتغايرة بالنسبة بين النفس الواحدة الشخصية و بين بدنها المتكثر بصور أعضائه.
فزيد مثلا حقيقة واحدة و لكنه كثير بصور أعضائه. فهو كثرة في وحدة أو وحدة في كثرة.
وكل صورة من صور أعضائه مختلفة متغايرة عن الصورة الأخرى، كاليد التي تختلف عن الرجل و عن الرأس.
و لكن هذه الكثرة الصورية يتألف منها كل واحد هو زيد.


وفي هذا التمثيل من التضليل ما فيه:
أولا لأنه يصور المسألة تصويرا ماديا و يجعل النسبة بين الحق و الخلق أشبه بنسبة الكل المادي إلى أجزائه، و هذا ما لا يرضاه ابن العربي نفسه لأنه لا يرمي مطلقا إلى هذا التفسير المادي للوجود،
ثانيا إن من الصعب أن نفهم أن صورة يد زيد أو صورة رجله أو أي عضو من أعضائه إنما هي مجلى لزيد بنفس المعنى الذي به يقال إن صورة كيت و كيت من صور الممكنات مجلى للحق، بدليل أننا نستطيع أن نقول- في عرف أصحاب وحدة الوجود- إن كذا من الموجودات هو الحق- أي أنه صورة للحق- ولا نستطيع أن نقول إن يد زيد بمعنى أنها صورة له.
و التمثيل الثاني الذي أورده هو أن نسبة العين الوجودية الواحدة إلى الصور المتكثرة كنسبة الكلي إلى جزئياته أي كنسبة «الإنسان» مثلا إلى زيد و عمرو و بكر و غيرهم ممن لا يحصى عددهم من بني الإنسان.
وهذا وإن كان أدنى إلى ما يرمي إليه المؤلف في فهمه للنسبة بين الحق والخلق، وأبعد عن المادية من التمثيل السابق، إلا أنه لا يمكن أن يعد تصويرا دقيقا لفكرة وحدة الوجود.
 
(9) «و قد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه ... إلى قوله فهكذا الأمر إن فهمت».
(9) من التشبيهات التي يلجأ إليها ابن العربي في إيضاح الصلة بين الحق و الخلق- الوحدة و الكثرة- تشبيه العين الوجودية بالمرآة، و الكثرة الوجودية التي هي أعيان الممكنات بالصور التي يراها الرائي في المرآة.
وهو تشبيه طريف ولكنه كغيره من التشبيهات الأخرى التي ذكرها يجب ألا ينظر إليه في جميع لوازمه ومقتضياته، إذ لا يعدو أن يكون تمثيلا بأمور مادية محسوسة لمسألة تعلو على التمثيل وعلى المادية.
يقول إن عين المرآة واحدة و لكن الصور التي يراها الرائي فيها كثيرة و مختلفة.
وكل صورة ترى في المرآة تتعين على نحو تقتضيه طبيعة المرآة من جهة و طبيعة الشيء المرئي من جهة أخرى. فترى الصورة كبيرة أو صغيرة، وبهذا الشكل أو ذلك بحسب مقادير المرايا في الصغر والكبر والطول والعرض والتجويف والتقعير، وبحسب طبيعة الأعيان المنعكسة عليها.
وإذا تأملنا في الصور المرئية في المرآة وجدنا أنها لا وجود لها فيها على وجه التحقيق، لأن الصور لا تنطبع على صفحة المرآة انطباع صورة الخاتم على الشمع مثلا.
كذلك الأمر في الذات الإلهية الواحدة و الكثرة الوجودية الظاهرة بصورها فيها. فالذات الإلهية بمثابة المرآة وأعيان الموجودات بمثابة الصور المرئية.
وكل عين من أعيان الممكنات تبدو في المرآة (الذات الإلهية) في صورتها الخاصة- أو يبدو الحق الظاهر بها في صورتها الخاصة- فيعرفه من يعرفه و ينكره من ينكره.
أما الذين يعرفون فهم الذين يرون في المرآة صورة اعتقادهم كما يرى الناظر إلى المرآة صورة نفسه فيها فيعرفها.
وأما الذين ينكرون فهم الذين يرون في المرآة صورة اعتقاد غيرهم كما يرى الناظر إلى المرآة صورة غيره فيها فيجهلها.
وهكذا يفسر ابن العربي الأثر الوارد من أن الله سبحانه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف ثم يتحول في صورة أخرى فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو هو المتجلي في كل صورة.
وكما أن صور المرآة لا وجود لها في الحقيقة، كذلك صور الممكنات في مرآة الوجود الحق لا وجود لها في الحقيقة، إذ لا وجود إلا للمرآة- في حالة المثال- وللذات الإلهية- في حالة الممثل.
هذا و قد فسر القاشاني (ص 363 - 4) قول المؤلف «و ليس في المرآة صورة منها جملة واحدة» بمعنى أنه ليس في المراة صورة واحدة من تلك الصور هي مجموع تلك الصور جملة واحدة، لأن المرآة لا يوجد فيها إلا ما قابلها و هو الصور الكثيرة.
وفسرتها أنا بمعنى أنه لا يوجد في المرأة صورة واحدة على الإطلاق.
ويلاحظ أن الذات الإلهية المشبهة بالمرآة الظاهر فيها الصور، إنما هي الذات الإلهية المتجلية بالأسماء، أي الذات كما ندركها في صور الموجودات أو في صور الأسماء الإلهية الظاهرة في هذه الموجودات، إذ كل اسم من الأسماء الإلهية إنما هو بالنسبة إلى صور الموجودات التي يتجلى فيها كمرآة بالنسبة للصور الظاهرة فيها.
ولذلك أشار في كلامه إلى المرايا بالجمع، يريد الأسماء الإلهية، لا إلى مرآة واحدة.
أما الذات الإلهية من حيث هي، أو من حيث تجليها الذاتي، فإنها لا تعرف ولا تنكر ولا يقال فيها انها تظهر فيها صور الوجود: فهي في ذاتها منزهة عن كل صورة و كل تعين.
وهذا في نظر المؤلف معنى وصف القرآن لله بأنه غني عن العالمين، وأنه الغني وأنتم الفقراء، وأنه الغني الحميد و ما ماثل ذلك من الآيات.

(10) «فلا تجزع و لا تخف فإن الله يحب الشجاعة ... إلى قوله: لم تزل الصورة موجودة في الحد».
(10) عرض هنا لمسألة فساد صور أعيان الممكنات و بقائها بحدودها و حقائقها. إذ كانت أعيان الموجودات صورا و مجالي للذات الإلهية الواحدة، و الذات الإلهية هي الوجود الأزلي الأبدي الدائم، لزم أن الموت و الفناء و الفساد لا تعرض إلا للصور التي تتحول و تتغير في جوهر الوجود العام.
أما الجوهر المقوم لهذه الصور فباق على الدوام ممتنع على الفساد، في أمان تام من كل أنواع التغير.
وإذا كانت أعيان الممكنات ليست إلا صورا معقولة متعينة في هذا الجوهر، كان لها- من هذه الناحية- مثل ما له من العزة و المنعة و الأمان.
وهذا معنى قوله: «فهذا هو الأمان على الذوات و العزة و المنعة».
لكل موجود ممكن وجود في عالم الحس و وجود في العالم المعقول ووجود في حضرة الخيال (الخيال المنفصل الذي هو عالم المثال).
فإذا فسدت صورته الحسية بقي في حده وحقيقته: أي بقي في العالم المعقول من حيث هو تعين معقول في الذات الإلهية، وحفظ وجوده كذلك في عالم المثال.
وهذا معنى قوله: «فإن الحد يضبطها و الخيال لا يزايلها».
وإذا كان الأمر على ما وصف، وجب علينا ألا نجزع من الموت ولا نخاف، فإن الموت لن يصيب منا إلا صورنا المحسوسة: أجسامنا.
فإن فنيت هذه الأجسام بقينا بحقائقنا في صورنا المعقولة و المثالية.
بل يجب أن نتشجع و لو على قتل حية- كما يقول الحديث الشريف- و ليست الحية سوى نفوسنا أي صورنا الخاضعة للسكون والفساد.
هنالك بقاء إذن بعد الموت: بل بقاء لصور أعيان الموجودات في حدودها و حقائقها: و لكنه بقاء المتعين في اللامتعين و المقيد في المطلق.
ولكن على أي نحو يكون هذا البقاء؟
أهو بقاء يحتفظ فيه الفرد بفرديته؟
هل تبقى الممكنات بعد فناء صورها المحسوسة أمورا معقولة صرفة: عقولا أو أرواحا؟ هذه أسئلة لم يجب عنها ابن العربي إجابة صريحة، ولكن لنا أن نستنتج من أقواله أنه أميل إلى الاعتقاد بأن الوجودات الجزئية الخاصة عند ما ترجع إلى الوجود العام بعد فناء صورها المحسوسة لا تفقد فرديتها وشخصيتها.
 
(11) «و الدليل على ذلك: و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى».
(11) أي و الدليل على ظهور الحق في صور أعيان الممكنات و أنه هو- لا هذه الصور- الفاعل لكل شيء و المؤثر في كل شيء قوله تعالى في حق نبيه محمد (صلى الله عليه و سلم): «و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى» (قرآن س 8 آية 17)،
فإنه قد نفى الرمي عن الصورة المحمدية أولا، ثم أثبته لها وسطا في قوله:
«إذ رميت» ثم عاد فنفاه عنها و أثبته لله في قوله: «و لكن الله رمى». فالرامي على الحقيقة هو الحق و لكن في صورة محمدية.
ولم يثبت الرمي للصورة من حيث هي صورة، بل من حيث هي مجلى للحق يظهر الحق الأثر على يديها.
وكذلك الحال في كل عين من أعيان الممكنات: فإن لكل منها وجها إلى الحق يعطيها صفة الفعل والتأثير والبقاء و وجها إلى الخلق يعطيها صفة الانفعال والتغير والفناء.
هذا، ويلاحظ أن الصوفية من أصحاب وحدة الوجود قد استغلوا هذه الآية وما ماثلها إلى أبعد حد واتخذوها أساسا لمذهبهم. وليس من شك في أن في القرآن آيات لو أخذت على ظاهرها لجاءت نصا صريحا في وحدة الوجود، ولكن مقصود هذه الآيات شيء وما يرمي إليه أصحاب وحدة الوجود شيء آخر.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:45 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 10:11 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة التاسعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة التاسعة عشر على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة التاسعة عشر :-                         الجزء الثاني 
(12) «فإما عالم و إما مسلم مؤمن».
(12) بعد أن أورد قوله تعالى: «ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى» شاهدا على مذهبه في وحدة الوجود، قال إنه ينبغي لكل مسلم أن يصدق بهذه الآية لورودها في القرآن الذي يجب أن يصدق به. بل يجب أن يصدق بها سواء أدرك مغزاها أم لم يدرك.
أما الذي يدرك مغزاها الحقيقي فهو الصوفي صاحب الذوق الذي يعلم كشفا و ذوقا وحدة الوجود، و هذا هو الذي أشار إليه «بالعالم».
وهذه أول مرة يستعمل فيها كلمة «العالم» بدلا من «العارف».
وأما الذي لا يدرك المغزى الحقيقي للآية، بل يصدق ويؤمن بها كما وردت، فهو المسلم المؤمن الذي يأخذ بالآيات كما جاءت ولا يحاول تأويلها وصرفها عن ظاهرها: فهو يسلم بأن الله يرمي ولو لم يدرك على أي نحو يرمي، ويسلم بأن الله ينزل إلى السماء ويجيء ويتكلم، وأن له وجها ويدا ونحو ذلك من غير أن يدرك حقيقة معاني هذه العبارات.
وهذا هو موقف المشبهة و الحشوية من المسلمين.
بقيت طائفة ثالثة لا هي بالصوفية أصحاب الأذواق و لا بالمؤمنين الآخذين بظاهر الآيات، و هؤلاء هم المتكلمون أصحاب النظر الذين يؤولون هذا النوع من متشابه الآيات و يحتكمون إلى العقل وحده ولكن العقل وحده في نظر المؤلف قاصر عن أن يدرك حقيقة الوجود على ما هي عليه، و كثيرا ما يحيل أمورا يكشف عنها الذوق ويخبر بها ظاهر الشرع كما سيذكره المؤلف فيما بعد.
ومن هنا كان أخذ العلم بالحقائق عن الذوق، والتسليم بما ورد في الشرع على ظاهره أسلم و أبعد عن الشك و الحيرة من الاحتكام إلى العقل.
 
(13) «و مما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له».
(13) هذه إحدى المسائل التي يحكم العقل باستحالتها لمناقضتها لما يعتبره الفكر أوليا بينا بذاته، مع أن التجلي و الكشف الصوفي يقضيان بصحتها: و العلة لا تكون معلولة معلولها في نظر العقل لأنه يحكم بأن الشيء الذي يتوقف عليه وجود شيء آخر كي يتحقق به، لا يمكن أن يتحقق وجوده هو بتوقفه على وجود ذلك الشيء الآخر المتأخر عنه، و إلا لزم الدور.
هذا قصارى ما يصل إليه العقل ولا يستطيع أن يتعداه لأنه ينظر إلى العلة والمعلول من حيث إنهما شيئان مختلفان متمايزان وجودا وتقديرا.
أما الذوق الذي يشهد الوحدة الوجودية بين العلل والمعلولات فإنه لا يرى حرجا من القول بأن العلة معلولة للمعلول،
كما أن المعلول معلول للعلة: وذلك أن العلل والمعلولات جميعها صور متكثرة في عين واحدة لها صلاحية قبول العلية والمعلولية باعتبارين مختلفين: فلها حال كونها علة، صلاحية كونها معلولة وحال كونها معلولا صلاحية كونها علة، فهي في عينها جامعة للعلية و المعلولية وأحكامهما.
وليس الفرق بين الحالتين إلا في الذهن و في النسب المفروضة في الحقيقة الواحدة.
ولكن على أي نحو يؤثر المعلول في علته بحيث تصبح العلة معلولة له؟
لا يؤمن ابن العربي بأن العلية و المعلولية معناهما مجرد الفعل والانفعال على التوالي، لأن المعلول يفعل في العلة كما تفعل العلة في المعلول، وينفعل عنها كما تنفعل هي عنه.
وذلك أنه لو لا معلولية المعلول لم يمكن أن تتحقق علية العلة أي أن علية العلة موقوفة على معلولية المعلول.
وإذن تكون معلولية المعلول علة لعلية العلة لأن العلية والمعلولية متضايفان يتوقف كل منهما على الآخر وجودا وذهنا: أي أن علية العلة لا تكون ولا تعقل إلا بمعلولية المعلول، كما أن معلولية المعلول لا تكون ولا تعقل إلا بعلية العلة.
ولما كانت العلل و المعلولات جميعها صورا و مجالي للوجود الواحد الحق، وكان لكل منها صفتا العلية و المعلولية معا، صعب التمييز بين ما يصح أن نسميه منها عللا وما يصح أن نسميه معلولات.
والحقيقة أنها كلها علل من وجه و معلولات من وجه آخر، وأنها علل من حيث ظهور الحق فيها، ومعلولات من حيث صورها.
وبهذه الطريقة ينفي ابن العربي كثرة العلل ويقرر وحدتها، لأن الاعتراف بكثرة العلل شرك صريح وتناقض ظاهر مع القول بوحدة الوجود.
وبها أيضا يرجع جانب المعلولية في الوجود إلى صور الموجودات: أي إلى العالم.
أي أن نظرته إلى العلة والمعلول هي نظرته إلى الوحدة والكثرة أو إلى الحق والخلق.
 
(14) «فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة. فقد حشر في دنياه و نشر في قبره».
(14) النشأة الأخروية هي الحال التي عليها الإنسان الصافي النفس و القلب، المتجرد من الشهوات و علائق البدن، الكاشف لحقائق الأمور على ما هي عليه.
والنشأة الدنياوية هي الحال التي عليها عامة الناس من تعلق بالبدن وشهواته، وجهل بحقائق الأمور وحجاب كثيف بين العبد وربه.
فالناس صنفان:
صنف على النشأة الأولى و هم «العارفون» بالله من حيث تجليه لهم لا من حيث نظرهم العقلي، و هؤلاء هم الذين يردون العقل إلى حكم الذوق.
وصنف على النشأة الثانية و هم الذين يعرفون الحق بالنظر الفكري و يردونه إلى حكم النظر. و قد سمى أصحاب النشأة الأخروية بهذا الاسم لأن لهم صفات أهل الآخرة من حشر و بعث إلخ.
أما بعثهم من القبور فمعناه خروجهم من أحكام البدن المستولي عليهم.
وأما حشرهم فمعناه جمعهم أو تحققهم من جمعهم في العين الوجودية الواحدة التي هي الحق.
فالعارفون يظهرون للناس في صورتهم الدنياوية، ولكن الله قد حول بواطنهم إلى النشأة الآخرة، ولو أنهم لا يعرفهم في هذه النشأة إلا أصحاب الكشف والبصيرة.
 
(15) «فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية ... إلى آخر الفص».
(15) يقول كان لإدريس نشأتان: نشأة سماوية لما رفعه الله إلى السماء و أقام روحانيته المجردة في فلك الشمس (راجع الفص الرابع)، و نشأة عنصرية أرضية عند ما نزل إلى الأرض و أرسل إلى بعلبك باسم النبي إلياس.
ولكنا ذكرنا (تعليق 1 فص 22) أن إدريس ليس إلا رمزا للعقل الإنساني في حال تجرده عن علائق البدن و توجهه نحو المعرفة الكاملة بالله.
والآن نضيف أن (إلياس) وهو الاسم الثاني له، ليس إلا رمزا للعقل نفسه في حال اتصاله بالبدن وخضوعه لشهواته و حاجاته.
ولذلك قال إن من أراد أن يعرف الحكمة الإلياسية الادريسية يجب أن يتحقق في نفسه بالحالتين جميعا: أي يجب أن يتحقق أولا بحيوانيته المطلقة ثم يرقى تدريجيا في سلم التجريد حتى يصبح عقلا صرفا فيحصل له التحقق بالنشأتين على الوجه الأكمل، و ينكشف له ما انكشف لإدريس و إلياس.
وفي كلام ابن العربي في هذه المسألة وصف دقيق للمعراج الروحي والترقي الصوفي لم يذكره في أي فص آخر من فصوص هذا الكتاب.
ويظهر أنه يرى البلية العظمى في الطريق الصوفي- حيث يكون الحجاب بين السالك إلى الله وبين الحقائق الكشفية أكثف ما يكون- إنما هي الحال التي يتعلق العقل فيها بالبدن وشواغله بحيث لا يتخلص السالك في الطريق من عقله فيكون حيوانا صرفا، ولا يتجرد من بدنه فيكون عقلا صرفا.
أما إذا تحقق السالك بحيوانيته ثم ارتقى إلى مقام الكشف العقلي فإنه ينكشف له في الحالين أمور لا مجال لانكشافها في الحالات الأخرى- حالات اشتغال العقل بمطالب البدن.
ولذلك يرى ابن العربي أن المريد في بدء حياته الصوفية يجب أن ينزل تدريجيا عن حكم عقله و لا يجعل له سلطانا عليه، ولا يعمل عقله في التفكير في شيء من الأشياء، بل يدعه غفلا من كل شيء عاطلا من كل عمل حتى يتحقق بحيوانيته.
وعندئذ يصاب بالخرس فلا يستطيع النطق بأمر من الأمور إذا أراد، ولا يقدر على تفسير ما يرى و ما يشعر.
وفي الوقت نفسه يحصل له نوع خاص من الكشف هو بعينه ما يحصل لغير العاقل من الدواب و الأنعام، كأن يطلع على أحوال الموتى بالتنعيم والتعذيب وغير ذلك.
ثم ينبغي له أن ينتقل مرة أخرى إلى مقام العقل المجرد بالانقطاع عن الشهوات الجسمانية واللذات الطبيعية لتسقط عنه شهوته كما سقطت عن إلياس، وليصير ما يدركه عين اليقين، ويكون محققا وذائقا لما يعانيه ويشاهده.
وهنا يشاهد السالك أمورا هي أصول لما يظهر في الصور الطبيعية:
يريد بهذه الأمور شيئا أشبه بالمثل الأفلاطونية في العالم المعقول: وهي التي يعاين صورها المحسوسة في العالم المحسوس و صورها البرزخية في الكشف الحيواني في عالم البرزخ أو المثال.
ولكن العالم المعقول في مذهب ابن العربي ليس هو العالم المثالي الأفلاطوني وإنما هو عالم الذات الإلهية في مقام أحديتها.
فكأنه يريد أن يقول إن صاحب العقل المجرد يشاهد في حال تجرده تنزلات الذات الإلهية من مقام الأحدية إلى المراتب الكونية، وظهورها في جميع صور الموجودات العلوية و السفلية، شريفها وخسيسها، عظيمها وحقيرها.
فإن كوشف صاحب هذا المقام بالاضافة إلى ما ذكرنا بأن الطبيعة هي عين النفس الرحماني وليست شيئا مغايرا له في الحقيقة، فقد وقف على سر عظيم وهو معنى قوله:
«فقد أوتي خيرا كثيرا» لأنه يعلم حينئذ أن الحقيقة التي هي وجود بحت صرف، وهي النفس الرحماني، قد تفتحت فيها مراتب الوجود بصورها التي لا تتناهى وهي باقية على حالها في عالمها.
فهي أصل الكل ومنشؤه، وإلى هذا الأصل الأول مصيره ومرجعه.
عند ذلك يعرف السالك ذوقا معنى قوله تعالى: «فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم»، أي يعرف أن الذي قتلهم ليس الحديد من حيث هو حديد، ولا الضارب بالحديد من حيث هو كذلك، وإنما هو الموجود خلف صورة الحديد وصورة الضارب وهو الواحد الحق،
ولذلك قال: «فبالمجموع وقع القتل والرمي».
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:45 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 11:04 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة العشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة العشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة العشرون :-                         الجزء الأول  
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس  "2" قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة،
………………………………….
1 - المناسبة
يقول الشيخ رضي الله عنه : « اعلموا أن الله تعالى لما خلق القوة المسماة عقلا جعلها في النفس الناطقة ليقابل بها الشهوة الطبيعية إذا حكمت على النفس أن تصرفها في غير المصرف الذي عين لها الشارع ، وأودع الله في قوة العقل القبول لما يعطيه الحق ولما تعطيه القوة المفكرة ، فخلق الله تعالى العقل في الإنسان لدفع سلطان الشهوة  والهوى . 
وفطر الله تعالى الإنس والجن على العقل لا لاکتساب علم ، ولكن جعله الله آلة للإنس والجن ليردعوا به القهوة في هذه الدار خاصة لا في الدار الآخرة . 
ولولا ما حصر الشرع في الدنيا تصرف الشهوة ، ما كان للعقل جلوة » ، فناسب العقل إلياس عليه السلام الذي يقول عنه في أول هذا الفص إنه كان عقلا بلا شهوة . 
ولما كان هذا الفص يتكلم في العقائد وعن التنزيه والتشبيه وظه العقل من ذلك وقد قال إلياس عليه السلام لقومه « أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين » فخاطبهم بالدليل العقلي الذي هو تأنيس للعقل لأنه بين النظر والقبول ، فإن العام الصحيح هو ما كان عن كشف محقق ، لذلك سيت حكمة إيناسية .

2 - إدريس وإلياس عليهما السلام *
ذكر البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق قال : ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس ، ولم يرفع ذلك لا إلى النبي مع ولا إلى كل من ابن مسعود أو ابن عباس ، ومعلوم لدى أهل العلم ضعف قيل ويذكر ، وذكر الشيخ
 

ص 326


وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية.
……………………………………...
ابن العربي في كتابه مسامرة الأخيار نسبين مختلفين لكل من إدريس وإلياس عليهما السلام ثم قال وقيل إن إلياس هو إدريس . 
إشارة لما ذكره البخاري في صحيحه . 
أما تحقيق هذه المسألة فنراه مذكورة فيما كتبه الشيخ بخط يده حين يقول في الفتوحات المكية ما يلي : 

الفتوحات ج 2 / 5 - أبقى الله تعالی بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسل الأحياء بأجسادهم في هذه الدار الدنيا ثلاثة وهم : 
إدريس بقي حيا بجسده وأسكنه الله السماء الرابعة . 

وأبقى في الأرض أيضا إلياس وعیسی ( من حيث أن عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض في آخر الزمان ) وكلاهما من المرسلين ، وهما قائمان بالدين الحنيف الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع عليهم أنهم رسل . وأما الخصر وهو الرابع فهو من المختلف فيه عند غيرنا لا عندنا . 

فهؤلاء باقون بأجسامهم في الدار الدنيا ، فكلهم الأوتاد . واثنان منهم الإمامان . وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم . 
والواحد من هؤلاء الأربعة الذين هم : عيسى وإلياس وإدريس وخضر هو القطب . واثنان منهم هما الإمامان أربعتهم هم الأوتاد . 
والمطب میں هؤلاء لا يموت أبدا أي لا يصعق .

الفتوحات ج 1 / 254 - من حصل علوم الوهب مما ليس بسرع جماعة من الأولياء منهم الخضر على التعيين فإنه قال : من لدنه . 
والذي عرفناه من الأنبياء عليهم السلام آدم وإلياس و زکریا و یحیی و عیسی و ادریس وإسماعيل ، وإن كان قد حصله جميع الأنبياء عليهم السلام ، ولكن ما ذكرنا منهم إلا من حصل لنا التعريف به وأسسوا لنا من الوجه الذي نأخذ عن الله تعالى منه . 
فلهذا سمينا هؤلاء ولم نذكر غيرهم .

الفتوحات ج 3 / 39 - أما اليوم فإلياس والخضر ( الموجودان الآن في الأرض حتى نزول عيسى عليه السلام) على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، إما بحكم الوفاق أو بحكم الاتباع . 
وعلى كل حال فلا يكون لهما ذلك إلا على طريق التعريف لا على طريق النبوة .

الفتوحات ج 3 / 514  - الخضر وإلياس و عیسی ( بعد نزوله ) من أمة محمد صلى الله عليه وسلم  الظاهرة .


ص 327


فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، "3"
فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه.
وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع و شبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية.
وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها.
وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة
……………………………….
الفتوحات ج 3 / 230 - يتميز على سائر الأنبياء من أدرك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم  الظاهرة ، كعیسی ( عند نزوله ) وإلياس ( الموجود الآن على قيد الحياة على الأرض) فهذان قد كسل لهم المقام المحمدي . 

الفتوحات ج 3 / 50 - إدريس عليه السلام كان نبيا .  ولم يجيء له نص في القرآن برسالته .  بل قيل فيه صديقا نبيا ، فكان عليه السلام من الأنبياء الذين بعثوا قبل نوح عليه السلام الذي هو أول رسول أرسل .

الفتوحات ج 2 / 445 - اعلم أن الاسم النور توجه على إيجاد السماء الرابعة وهي قلب العالم وقلب السموات . 
فأظهر عينها يوم الأحد، وأسكن فيها فطب الأرواح الإنسانية وهو إدريس عليه السلام ، وسمي الله هذه السماء مكانا عليا ، لكونه قلبا ، فإن الدي فوقها أعلى منها ، فأراد علو مكانة المكان ، فلهذا المكان من المكانة رتبة العلو .
 

الفتوحات ج 2 / 455 - ( السماء الرابعة ) وأسكنها ادریس عليه السلام وهو القطب الذي لم يمت إلى الآن. والأقطاب فينا نوابه.
هذا هو الثابت عن النسخ بخط يده ، فلا داعي للتعني بشرح ما هو مخالف له ما لم يثبت صحة نسبة إليه ، كما جاء في هذا النص من هذا الكتاب - راجع مقدمة الكتاب ص 12.

3 - ملاحظة *
هذا يخالف تماما القواعد التي أرساها الشيخ في التحدث عن علوم الأنبياء وأذواقهم ، وهو الذي يقول إن نهايات الأولياء بدايات الأنبياء . 
راجع ما جاء في خاتم الأولياء فص 2


ص 328


من عند الله،  "4"  و حكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها.
ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل.
فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، "5"
و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، و نزهت في التشبيه بالعقل. "6"

فارتبط الكل بالكل، فلم يتمكن
……………………………………..
4 - راجع الظاهر في المظاهر
- راجع وحدة الوجود       فص 2، هامش 6 ، ص 45 ، فص 5 ، هامش 6، ص 84

"" 6 - وحدة الوجود - المرايا   فص 2، هامش 6، ص 45 
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم
المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .

فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .

فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .

علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.

فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.


"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق .

أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".

تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسوا ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
( الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟

( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر  فص 5 هامش 6، ص 84
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .

فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .

فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606 . أهـ  ""

5 - الوهم
إن للوهم حكما في الإنسان كما للعقل حکما فيه ، فمن القوى التي خلقها الله في هذا الخليفة بل في الإنسان الكامل والحيوان وهو مطلق الإنسان قوة تسمى الوهم وقوة تسمى العقل وقوة تسمى الفكر ، وميز الحضرات الثلاث لهذا الخليفة ، وجعل فيه قوة مصورة تحت حكم العقل والوهم ، يتصرف فيها العقل بالأمر ، كذلك الوهم يتصرف فيها بالأمر ، وقوى في هذه النشأة سلطان الوهم على العقل ، والوهم سريع الزوال لإطلاقه بخلاف العقل ، فإنه مقيد محبوس بما استفاده ، فأثر الأوهام في النفوس البشرية أظهر وأقوى من أثر العقول إلا من شاء الله تعالى ، فالغالب على الخلق حكم الأوهام لسلطنة الوهم على العقل ۰
"العقل مشتق من العقال وهو القيد"
الفتوحات ج 1 / 415 - ج 3 / 364 - ج 4 / 409 


6 - التشبيه والتنزيه
لما أخذ الرسول يصف للناس مرسله الحق تعالی ليعرفهم به المعرفة التي ليست عندهم ، مما كانوا أحالوا مثل ذلك على الحق تعالی وسلبه عنه أهل الأدلة النظرية ، وأثبتوا تلك الصفات للمحدثات دلالة على حدوثها ، فلما سمعوا ما تنكره الأدلة العقلية النظرية وترده ، افترقوا عند ذلك على فرق ، فمنهم من ارتد على عقبه وشك في دليله الذي دله على صدقه وأقام له في ذلك الدليل شبهات قادحة فيه صرفته


ص 329


أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه: قال تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه و شبه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وهي أعظم آية تنزيه نزلت،  و مع
…………………………………...
عن الإيمان والعلم به فارتد على عقبه ، ومنهم من قال إن في جمعنا هذا من ليس عنده سوی نور الإيمان ولا يدري ما العلم ولا من طريقه ، وهذا الرسول لا نشك في صدقه وفي حكمته ، ومن الحكمة مراعاة الأضعف ، فخاطب هذا الرسول بهذه الصفات التي نسبها إلى ربه أنه عليها هذا الضعيف الذي لا تنظر له في الأدلة .
 وليس عنده سوی نور الإيمان رحمة به ، لأنه لا يثبت له الإيمان إلا بمثل هذا الوصف . 
وللحق أن يصف نفسه بما شاء على قدر عقل القابل ، وإن كان في نفسه على خلاف ذلك ، واتكل هذا المخبر بهذا الوصف والمراعي حق هذا الأضعف على ما يعرفه من علمنا به وتحققنا من صدقنا فيه ووقوفنا مع دليلنا، فلا يقدح شيء من هذا فيما عندنا ، إذ قد عرفنا مقصود هذا الرسول بالأمر، فثبتوا على إيمانهم مع كونهم أحالوا ما وصف الرسول به ربه في أنفسهم ، وأقروه حكمة واستجلابا للأضعف ، وفرقة أخرى من الحاضرين قالوا هذا الوصف يخالف الأدلة ، ونحن على يقين من صدق هذا المخبر . 
وغايتنا في معرفتنا بالله سلب ما نسبناه لحدوثها ، فهذا أعلم بالله منا في هذه النسبة . فنؤمن بها تصديقا له، ونكل علم ذلك إليه وإلى الله، فإن الإيمان بهذا اللفظ ما يضرنا. 

ونسبة هذا الوصف إليه تعالی مجهولة عندنا ، لأن ذاته مجهولة من طريق الصفات الثبوتية ، والسلب فما يعول عليه ، والجهل بالله هو الأصل ، فالجهل بنسبة ما وصف الحق نفسه به في كتابه أعظم ، فلنسلم ولنؤمن على علمه بما قاله في نفسه ، وفرقة أخرى من الحاضرين قالوا لا نشك في دلالتنا على صدق هذا الخبر .
وقد أتانا في نعت الله الذي أرسله إلينا بأمور إن وقفنا عند ظاهرها وحملناها عليه تعالی کما تحملها على نفوسنا أدى إلى حدوثه وزال كونه إلها ، وقد ثبت ، فننظر هل لها مصرف في اللسان الذي جاء به ، فإن الرسول ما أرسل إلا بلسان قومه .
 فنظروا أبوابا مما يؤول إليها ذلك الوصف مما يقتضي التنزيه وينفي التشبيه ، فحملوا تلك الألفاظ على ذلك التأويل ، فإذا قيل لهم في ذلك أي شيء دعاكم إلى ذلك ؟ قالوا
 

 ص 330

 
ذلك لم تخل عن التشبيه بالكاف. "7"
فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه
………………………………………………...
أمران ، القدح في الأدلة ، فإنا بالأدلة العقلية أثبتنا صدق دعواه ولا نقبل ما يقدح في الأدلة العقلية فإن ذلك القدح في الأدلة على صدقه ، والأمر الآخر قد قال لنا هذا الصادق إن الله الذي أرسله ليس كمثله شيء ، و وافق الأدلة العقلية ، فتقوى صدقه عندنا بمثل هذا ، فإن قلنا ما قاله في الله على الوجه الذي يعطيه ظاهر اللفظ وتحمله عليه كما تحمله على المحدثات ضللنا ، فأخذنا في التأويل إثباتا للطريقين، وفرقة أخرى وهي أضعف الفرق لم يتعدوا حضرة الخيال ، وما عندهم علم بتجريد المعاني ولا بغوامض الأسرار ولا علموا معنى قوله « ليس كمثله شيء » ولا قوله « وما قدروا الله حق قدره » وهم واقفون في جميع أمورهم مع الخيال ، وفي قلوبهم نور الإيمان والتصديق ، وعندهم جهل باللسان ، فحملوا الأمر على ظاهره ، ولم يردوا علمه إلى الله فيه ، فاعتقدوا نسبة ذلك النعت إلى الله مثل نسبته إلى نفوسهم ، وما بعد هذه الطائفة طائفة في الضعف أكثر منها ، فإنهم على نصف الإيمان حيث قبلوا نعت التشبيه ولم يعقلوا نعوت التنزيه من ليس كمثله شيء ، والفرقة الناجية من هؤلاء الفرق المصيبة للحق ، هي التي آمنت بما جاء من عند الله على مراد الله وعلمه في ذلك مع نفي التشبيه بليس كمثله شيء .
فتوخات ج 2 / 306 - للاستزادة راجع كتابنا الفقه عند الشيخ الأكبر ص 114 - المشبهة والمجسمة ص 122 - مراتب الناس ص 135

 
7- «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .. الآية
اعلم أنه لما اختلفت الأمزجة كان في العالم العالم والأعلم ، والفاضل والأفضل ، فمنهم من عرف الله مطلقا من غير تقييد ، ومنهم من لا يقدر على تحصيل العلم بالله حتى يقيده بالصفات التي لا توهم الحدوث وتقتضي كمال الموصوف ، ومنهم من لا يقدر على العلم بالله حتى يقيده بصفات الحدوث ، فيدخله تحت حكم ظرفية الزمان وظرفية المكان والحد والمقدار ، ولما كان الأمر في العلم بالله في العالم في أصل خلقه ، وعلى هذا المزاج الطبيعي أنزل الله الشرائع على هذه المراتب ، حتى يعم

 

ص 331


إلا بما ذكرناه.
ثم قال «سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وما يصفونه إلا
…………………………………….
الفضل الإلهي جميع الخلق كله ، فأنزل « ليس كمثله شيء » وهو لأهل العلم بالله مطلقا من غير تقيد ، وأنزل قوله تعالى « أحاط بكل شيء علما » « وهو على كل شيء قدير » « فعال لما يريد » " وهو السميع البصير " « الله لا إله إلا هو الحي القيوم » « فأجره حتى يسمع كلام الله » « وهو بكل شيء عليم » وهذا كله في حق من قيده بصفات الكمال ، وأنزل تعالى من الشرائع « الرحمن على العرش استوى » « وهو معكم أينما كنتم » « وهو الله في السموات والأرض » « تجري بأعيننا » "ولو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا " وهذا في حق من قيده بصفات الحدوث ، فعمت الشرائع ما تطلبه أمزجة العالم ، ولا يخلو المعتقد من أحد هذه الأقسام ، والكامل المزاج هو الذي يعم جميع هذه الاعتقادات . ويعلم مصادرها ومواردها ، ولا يغيب عنه منها شيء ، فإن ذات الحق وإنيته مجهولة عند الكون . ولاسيما وقد أخبر جل جلاله عن نفسه بالنقيضين في الكتاب والسنة. فشبه في موضع ونزه في موضع بـ " ليس كمثله شيء " وشبه بقوله « وهو السميع البصير » فتفرقت خواطر التشبيه ، وتشتت خواطر التنزيه ، فإن المنزه على الحقيقة قد قيده وحصره في تنزيهه، وأخلى عنه التشبيه ، والمشبه أيضا قيده وحصره في التشبيه، وأخلى عنه التنزيه ، والحق في الجمع بالقول بحكم الطائفتين فلا ينزه تنزيها يخرج عن التشبيه ، ولا يشبه تشبيها يخرج عن التنزيه . فلا تطاق ولا تقيد، لتميزه عن التقييد ، ولو تمیز تقيد في إطلاقه ، ولو تقيد في إطلاقه لم يكن هو ، فهو المقيد بما قيد به نفسه من صفات الجلال ، وهو المطلق بما سي به نفسه من أسماء الكمال ، وهو الواحد الحق الجلي الخفي ، لا إله إلا هو العلي العظيم . يقول بعض علماء التوحيد إن الحق يعطي المناسبة من وجه ، ولا يعطي المناسبة من وجه ، ويقول جماعة من العلماء بنفي المناسبة جملة واحدة ، ومذهبنا أنا بحسب ما يلقي إلينا في حق نفسه ، فإن خاطبنا بالمناسبة قلنا بها حيث خاطبنا ، لا نتعدی ذلك الموضع ونقتصر عليه ، وإن خاطبنا برفع المناسبة رفعناها في ذلك الموطن الذي

 

ص 332

 

* * * * *
…………………………………...
رفعها فيه لا تتعداه ، فيكون الحكم له لا لنا ، هذا هو الذي نعتمد عليه ، فقوله « ليس كمثله شيء » على زيادة الكاف رفع للمناسبة الشيئية ، لأنه ما ثم موجود لا يغيب . 
له عين ، ولا يحصره این ، إلا الله ، وتمام الآية « وهو السميع البصير » إثبات للمناسبة ، والآية واحدة ، والكلمات مختلفة ، فلا نعدل عن هذه المحجة : فهي أقوى حجة ، وعلى ذلك نقول في هذه الآية « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » إنها أصل في النزيه لأهله ، وأصل في التشبيه لأهله ، ففي هذه الآية تفي التشبيه المفهوم منه على زيادة الكاف أو فرض المثل ، إذ كان لا يستحيل فرض المحال ، فإن بعض العلماء يرى أنه لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل

فأحرى أن يماثل هو في نفسه ، فما حظ العقل من الشرع مما يستقل به دلیله إلا «لیس کمثله شيء » على زيادة الكاف لا على إثباتها صفة ، ومن وجه التشبيه فإن الكاف كاف الصفة ما هي زائدة كما يرى بعضهم ، وتدل عند بعضهم على نفي المثل عن المثل المحقق ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله خلق آدم على صورته » في بعض وجوه محتملان ، فجعله متلائم نفي أن يماثل ذلك المثل فقال : « ليس كمثله شيء » أي ليس مثل مثله شيء ، فالكاف في « كمثله » على وجهين ، وقتا على زيادة الكاف ، ووقتا على كونها صفة لفرض المثل . 
وهو مذهبنا والحمد لله ، فارتفع بهذه الآية « ليس كمثله شيء » الأشكال والأمثال ، ولم يتقيد أمر الإله ولا انضبط، وجهل الأمر ، وتبين أنه لم يكن معلوما وقت الاعتقاد بأنه كان معلوما لنا ، ولم يحصل في العلم به أمر ثبوتي ، بل سلب محقق و نسبة معقولة . 

 
أعطتها الآثار الموجودة في الأعيان ، فلا كيف ولا أين ولا متى ولا وضع ولا إضافة ولا عرض ولا جوهر ولا كم وهو المقدار ، وما بقي من العشرة إلا انفعال محقق . وفاعل معين ، أو فعل ظاهر من فاعل مجهول ، يثرى أثره ولا نعرف خبره ولا يعلم عينه ولا يجهل كونه ، فالحق لا يضاهي لأنه ليس كمثله شيء ، أما صفات التشبيه فهي مضاهاة مشروعة ، فما أنت فاهيته ، فالعقل ينافي المضاهاة ، والشرع ثبت

 

ص  333


بما تعطيه عقولهم. فنزه نفسه عن تنزيههم إذ حدوده بذلك التنزيه "8"
، وذلك
………………………………………..
وينفي ، والإيمان بما جاء به الشرع هو السعادة ، فلا يتعدى العاقل ما شرع الله له والعاقل من هجر عقله ، وتبع شرعه بعقله من كونه مؤمنا ، وأكمل العقول عقل ساوی إيمانه وهو عزیز.
الفتوحات ج 1 / 290 ، 351 - ج 2 / 174 ، 211 ، 219 ، 290 ، 291 ، 470 ، 661 ، 662 ، 692 - ج 3 / 534 - ج 4 / 411 

 

8 - «سبحان ربك رب العزة عما يصفون ».. الآية
« سبحان ربك رب العزة عما يصفون» هي حضرة لا تقبل التنزيه ولا التشبيه فيتنزه عن الحد بنفي التنزيه الذي كان يتخيله المنزه ، فإن التنزيه يحده ، ويشير إليه ويقيده ، ويتنزه عن المقدار بنفي التشبيه في « سبحان ربك رب العزة » أي هو الممتنع لنفسه أن يقبل ما وصفوه به في نظرهم وحكموا عليه بعقولهم ، وأن الحق لا يحكم عليه الخلق ، والعقل والعاقل خلق ، وإنما يعرف الحق من الحق بما أنزله إلينا وأطلعنا عليه کشفا وشهودا بوحي إلهي أو برسالة رسول ثبت صدقه وعصمته فيما يبلغه عن الله ،
فدخل تحت قوله تعالى في تنزيه نفسه « عما يصفون » ما يصفه به عباده مما تعطيهم أدلتهم في زعمهم بالنظر الفكري ، فالحق سبحانه لا يعرف في " ليس كمثله شيء" ، وفيما ذكره في سورة الإخلاص ، وفي عموم قوله بالتسبيح الذي هو التنزيه « رب العزة عما يصفون » والعزة تقتضي المنع أن يوصل إلى معرفته، وإن كان تعبدنا بما وصف به نفسه شرعا ، فنقرره في موضعه ، وتقوله كما أمرنا به على جهة القربة إليه ،

وما ظفر بالأمر إلا من جمع بين التنزيه و التشبيه ، فقال بالتنزيه من وجه عقلا و شرعا ، وقال بالتشبيه من وجه شرعا لا علا ، فقد قال تعالى « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » فأوقف العالم في مقام الجهل والعجز والحيرة . 
لیعرف العارفون ما طلب منهم من العلم به ، وما لا يمكن أن يعلم ، فيتأدبون ولا يتجاوزون مقاديرهم ، كما قالت اليهود في الخبر النبوي المشهور ، من کون الحق يضع الأرض يوم القيامة على أصبع والسماوات على إصبع ۰۰۰ ( الحديث ) فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم 
.

يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:47 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 11:28 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة العشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة العشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة العشرون :-                         الجزء الثاني  

ص 334

لقصور العقول عن إدراك مثل هذا. "9"
ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام. فلم تخل عن صفة يظهر فيها.
كذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته .
«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبرية إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حيث يجعل رسالاته .
و كلا الوجهين حقيقة فيه، "10"
ولذلك قلنا بالتشبيه في التنزيه وبالتنزيه في التشبيه. "11"
وبعد أن تقرر هذا
………………………………...
« وما قدروا الله حق قدره » فصاحب علم النظر الواقف مع عقله المتحكم على الحق بدنیله هيهات أن يدرك الألوهية ، وأين الألوهية من الكون ، وأبن المحدث من حضرة العين ، كيف يدرك من له شبه من لا شبه له ، للعقل عقل مثله ، وليس للحق حق مثله ، محال وجود ذاتين وإلهين ، لا يشبه شيئا ولا يتقيد بشيء ولا يحكم عليه شيء ، بل ما يضاف إليه إلا بقدر ما تمس حاجة الممكن المقيد إليه ، فالعقل ما عرفه ، كيف يلتس بأمر هو خلقه عاجزا فقيرة مستمدة ؟! تعالى الله عن إدراك المدركين علوا كبيرا « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » فلا يطاب بالعقول ما لا يصح إليه الوصول . 
فتوحات ج 2 / 283 ، 580 - ج 3 / 536  - کتاب ذخائر الأعلاق .

9 - راجع حكم العقل هامش رقم (21)  بالفص الحالي

10 ۔ " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى وتی مثل ما أوتي رسل الله ، الله أعلم حيث يجعل رسالته "۰

إذا قرأت « رسل الله الله » فإن انقطع نفسك على الجلالة الثانية كان ، وإلا فاقصد ذلك ثم ابتدئ " الله أعلم حيث يجعل رسالته "، قال تعالى في الذين يبايعون الرسول « إنما يبايعون الله » ، فأنزله منزلته . 
فتوحات ج 4 / 122 ، 405
هذا الذي جاء في الفتوحات هو أوضح وأدق تعبيرا عن المراد والمقصود بالاستشهاد بهذه الآية في هذا الوطن عن التعبير بقوله هنا « الله أعلم ». 

 11 - راجع هامش رقم 6


ص 335
 

فنرخي الستور و نسدل الحجب على عين المنتقد والمعتقد ، وإن كانا من بعض صور ما تجلى فيها الحق.
ولكن قد أمرنا بالستر ليظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها و لوازمها لا بد من ذلك:  "12"  مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر أي يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا.
فإن كان الذي يعبرها ذا كشف و إيمان ، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها حقها في التنزيه و مما ظهرت فيه.
فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة. وروح هذه الحكمة و فصها أن الأمر

………………………………………………….
12 - التجلي في الصور
الخيال من جملة ما خلق الله ، وهو رحم يصور الله فيه ما يشاء . 
فظهر لنا سبحانه فيه بأسمائه وصفاته صورا ، فإن المواطن تحكم بنفسها في كل ما ظهر فيها . 
فمن مر على موطن انصبغ به ، والدليل الواضح في ذلك رؤيتك الله تعالى في النوم . وهو موطن الخيال ، فلا ترى الحق فيه إلا صورة جسدية ، كانت تلك الصورة ما کانت ، والحكم على الله أبدا بحسب الصورة التي يتجلى فيها ، فما يصح لتلك الصورة من الصفة التي تقبلها، فإن الحق يوصف بها ويصف بها نفسه ، وهذا في العموم إذا رأى الحق أحد في المنام في صورة ، أي صورة كانت . 

حمل عليه ما تستلزمه تلك الصورة التي رآه فيها من الصفات ، وهذا ما لا ينكره أحد في النوم ، ومن رجال الله من يدرك تلك الصورة في حال اليقظة ، ولكن هي في الحضرة الخيالية التي يراه فيها النائم لا غير، وهذه المرتبة يجتمع فيها الأنبياء والأولياء رضي الله عنهم ، فما ظهرت صورة في جوهر العالم لا ظهرت بجميع أحكامها سواء كانت الصورة محسوسة أو متخيلة ، فإن أحكامها تتبعها. 

كما قال الأعرابي لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف الحق جل جلاله بالضحك ، 
قال : لا نعدم خيرا من رب يضحك، إذ من شأن من يضحك أن يتوقع منه وجود الخير ، فكما أتبع الصورة الضحك أتبعها وجود الخير منها ، وهذا في الجناب الإلهي فكيف في جوهر العالم . 
فتوحات  ج 3 / 452 ، 507 ، 538 - ج 4 / 108 ، 200


ص 336


ينقسم إلى مؤثر و مؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة و هو الله.
والمؤثر فيه بكل وجه و على كل حال و في كل حضرة هو العالم فإذا ورد.
فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد .
فهذا أثر بين مؤثر و مؤثر فيه: و كما كان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا يقدر على إنكاره لثبوته شرعا إن كنت مؤمنا.
وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه، وإن كان عين الداعي عين المجيب.
فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك. "13"
وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد: فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله و لا رأسه
……………………………………………...
13 - المؤثر والمؤثر فيه
كل مؤثر فيه من العالم فمن الإجابة الإلهية ، وأما اسم الفاعل من ذلك فهو معلوم عند كل أحد، ومن علم أنه سبحانه علا في صفاته وعلی، وجل في ذاته وجلی۔ وأن حجاب العزة دون سبحانه مسدل ، وباب الوقوف على معرفة ذاته مقفل ، إن

خالب عبده فهو المسمع السميع ، وإن فعل ما أمر بفعله ، فهو المطاع المطيع : فهو سبحانه يطيع نفسه إذا شاء بخلقه . 
وينصف نفسه مما تعين عليه من واجب حقه . فليس إلا أشباح خالية ، على عروشها خاوية ، وفي ترجيع الصدى ، سر ما أشرنا إليه لمن اهتدى ، فهو فعل الحق في شرعك ، مع أصل وضعك ، ناداك في سرك . 
فأجابه الصدى من شرعك ، فاشكر شكر من نحقق أنه بالتكليف ظهر الاسم المعبود ، و بوجود حقيقة لا حول ولا قوة إلا بالله ظهرت حقيقة الجود، وحقيقة العبودية الوقوف عند أوامر السيد . 
وما مأمور إلا من يصح منه الفعل بما أمر به . والأفعال خلق الله .


ص 337


ولا عينه ولا حاجبه. فهو الكثير الواحد: الكثير بالصور ، الواحد بالعين.
وكالإنسان: واحد بالعين بلا شك. ولا نشك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا.
فهو و إن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص .
وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي ليس غيره في كل صورة.
ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى: فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به.
وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره.
فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها.
وإنما كانت هذه التغيرات منها لاختلاف مقادير المرائي: فانظر في المثال مرآة واحدة من هذه المرايا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرك من حيث كونه ذاتا: فهو غني عن العالمين، ومن حيث الأسماء

……………………………………………..
فهو الآمر والمأمور ، فأين التصرف الحقيقي الذي به يسى العبد عبدا قائما بأوامر سیده ، أو منازعا له فيتصف بالإباق ، فبقى المسى عبدا على ظهور الاقتدار بجريان الفعل على ظاهره وباطنه ، إما بموافقة الأمر أو بمخالفته ، وإذا كان هذا الذي ذكرناه فلا عبودية تصريف ، فهو ( أعني العبد ) موجود بلا حكم ، وهذا مقام تحقيقه عند جميع علماء الذوق من أهل الله ، 

إلا طائفة من أصحابنا وغيرهم ممن ليسوا منا ، يرون خلاف ذلك ، وأن الممكن له فعل ، وأن الله قد فوض إلى عباده أن يفعلوا المسكنات من الأفعال ، فكلفهم فعلها ، فقال « أقيموا الصلاة » و « آتوا الزكاة » و « أتموا الحج والعمرة لله » و « جاهدوا في سبيل الله » وأمثال هذا ، فإذا أثبتوا أن للعبد فعلا فلا يصح ترك عبودية التصريف ،
وأما عبودية الإسكان فأجمعوا على كونها وأنه لا يتصور ترکها ، فإن ذلك ذاتي للسكن ، وبعض أصحابنا يلحظ في ترك العبودية ، کون الحق قوى العبد وجوارحه ، فإنه يغيب عن عبوديته في تلك الحال ، فهو ترك حال لا ترك حقيقة .


ص 338


الإلهية فذلك الوقت يكون كالمرايا: فأي اسم إلهي نظرت فيه نفسك أو من نظر، فإنما يظهر في الناظر حقيقة ذلك الاسم: فهكذا هو الأمر إن فهمت . "14"
فلا تجزع ولا تخف فإن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية، وليست الحية سوى نفسك. والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة.
والشيء لا يقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها والخيال لا يزيلها. وإذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود.
وأي عزة أعظم من هذه العزة؟ فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد . "15"
والدليل على ذلك «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى»
………………………………………….
فإذا سمعتم العبد يكلم فذلك تكوین الحق فيه . 
والعبد على أصله صامت واقف بين يديه تعالى ، فالسنة العالم كلها أقوال الله وتقسيمها لله ، فيضيف إلى نفسه منها ما يشاء ، ويترك منها ما يشاء، فانظر النطق من غير محل النطق نجده الحق،وانظر المستمع تجده مستمعا مسمعا ، مخاطبا مخاطبا، فإذا كان هو المتكلم والمكلم. 
المستسع المسع ، فأنت عدم وإن کنت موجودا ، كما أنت حاضر وإن کنت مفقودة . ولذلك أشار مع مخبرا عن ربه « ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ۰۰ » فمن كان الحق سمعه وبصره . 
فكيف يخفى عليه شيء ، ومن كان الحق لسانه كيف ينتهي كلامه.
فتوحات ج 1 / 2 - ج 2 / 216 - ج 3 / 211 ، 218 ، 260 . کتاب تاج الرسائل - کتاب التدبيرات الإلهية.
راجع وحدة الوجود الظاهر في المظاهر فص 5 ،هامش 6، ص 84

14 - راجع فص 2 ، هامش 4، ص 44

15 - الجهاد الأكبر
ما جاء في هذه الفقرة يشير إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى فإن نفسك لك حية ما دامت هي حية ، فهي عدو لك ، وقتلها قتل معنوي وهو الذي عبر عنه بقوله « فتتخيل بالوهم أنك قتلت » مع بقائها في الحد حقيقة موجودة ، 
وفي ذلك يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه :-
 

ص 339


والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية.
ولا بد من الإيمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية.
وأخبر الحق نفسه عباده بذلك، فما قال أحد منا عنه ذلك بل هو قال عن نفسه.
وخبره صدق والإيمان به واجب، سواء أدركت علم ما قال أو لم تدركه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . "16"
ومما يدلك على ضعف النظر العقلي من حيث فكره،
……………………………………..
الجهاد الأكبر هو جهاد الهوى فإنه أكبر الأعداء إليك الذين يلونك ، فإنه بين جنبيك ، ولا أكفر من النفوس بنعم الله ، فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها من بعد ما جاءتها ، ولا يلي الإنسان أقرب إليه من نفسه ، وجهاد النفس أعظم من جهاد العدو ، لذلك قال عليه السلام إن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر ، 

لأن الإنسان لا يخرج إلى جهاد العدو إلا بعد جهاد نفسه ، وجهاد العدو قد يقع من العبد للرياء والسمعة والحمية ، وجهاد النفس أمر باطن لا يطلع عليه إلا الله ، فحظ كل موفق أن ينظر إلى نفسه الأمارة بالسوء التي تحمله على كل محظور ومكروه ، وتعدل به عن كل واجب ومندوب ، للمخالفة التي جبلها الله عليها ، وهي أقرب الكفار والأعداء إليه ، 

فإذا جاهدها وقتلها أو أسرها حينئذ يصح له أن ينظر في الأغيار على حسب ما يقتضيه مقامه ، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء ، الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء الأحياء ، فالهوى هو أقرب الكفار إليك فاشتغل به وإلا اشتغل بك فيهدم دينك.
الفتوحات ج 1 / 467 - ج 4 / 462 . كتاب الوصية - كتاب مواقع النجوم - كتاب التدبيرات الإلهية .


16 - قوله تعالى «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى » .. الآية
في حضرة الأفعال ينسب الفعل بالعوائد إلى المخلوق والحق مبطون فيه . 
وينسب الفعل بخرق العادة إلى الله لا إلى المخلوق ، لأنه خارج عن قدرة المخلوق .
 فيظهر الحق وإن كان لا يظهر إلا في الخلق ، ومن هنا يتبين أن ما قام فيه الإنسان عين ما قام فيه الحق بين ظاهر و باطن ، فإذا ظهر من. ظهر بطن الآخر ، وذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم  في رميه التراب في أعين المشركين « وما رميت إذ رميت » فالرمی 
 

ص 340


كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له : هذا حكم العقل لا خفاء به، وما في علم التجلي إلا هذا، وهو أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له.
والذي حكم به العقل صحيح مع التحرير في النظر، وغايته في ذلك أن يقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدليل النظري، إن العين بعد ثبت أنها واحدة في هذا الكثير،فمن حيث

………………………………………..
وقع منه صلى الله عليه وسلم  بقول الله . وإيصال الرمي إلى أعين الكفار حتى ما بقيت عين لمشرك خاص إلا وقع من التراب في عينه . فهذا ليس المخلوق . 
فقال تعالى « ولكن الله رمى » إثباتا للنفي في أول الآية . 
فإن الله محا رسول الله صلى الله عليه وسلم  في حكم رميه مع وجود الرمي عنه ، فقال « وما رمیت » فمحاه « إذ رميت » فأثبت السبب « ولكن الله رمى » وما رمى إلا بید رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
فقوله تعالی « وما رميت » نفي « إذ رميت » إثبات عين ما نفي « ولكن الله رمى » نفي عين ما أثبته .

فصار إثبات الرمي بين طرفي نقي . 
فالنفي الأول عين النفي الآخر . فمن المحال أن يبت عين الوسط بين النفيين لأنه محصور . فيحكم عليه الحصر . 
ولاسيما أن النفي الآخر زاد على النفي الأول باتبان الرمي له لا للوسط ، فتبت الرمي في الشهود الحسي لمحمد صلى الله عليه وسلم  بثبوت محمد صلى الله عليه وسلم . 
فمحمد صلى الله عليه وسلم  رام لا رام ، وهذا لا يدرك إلا بعين البصيرة . فالبصيرة بها تدرك الأمر على ما هو عليه . 
لأنه علم محقق ، وإذا أدرك بالنور عين نسبة ما ظهر في الحس سمي بصرا. 
فاختلفت الألقاب باختلاف المواطن ، فأبان الله لنا فيما ذكره في هذه الآية ، الذي كنا نظنه حقيقة محسوسة ، إنما هي متخيلة يراها رأي العين . 
والأمر في نفسه على خلاف ما تشهده العين، وهذا سار في جميع القوى الجسمانية والروحانية. 
ولولا الاسم الباطن ما عرفنا أن الرامي هو الله في صورة محمدية ، فإنه ما رمى إلا محمد صلى الله عليه وسلم  ، وما وقع الحس إلا على رميه ، وما رمى إلا الله . 
فأين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ 
محاه وأثبته ثم محاه ، فهو مثبت بين محوين ، كما ورد في الخبر كنت سمعه وبصره ، فأين الإنسانية هنا؟ 
فإنه نفى عين ما أثبته لك، وأثبته لنفسه فقال « ولكن الله رمى » وما رمى إلا العبد ، فأعطاه أسمه وسماه به ، وبقي الكلام في أنه هل حلاه به کما سماه به أم لا ؟ 
فإنا لا نشك أن العبد رمی ، ولا شك أن الله تعالی قال « ولكن الله رمی » وقد نفى الرمي عنه أولا ، والحق لا يباهت خلقه . 
فما بقول


ص 341 


هي علة في صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تكون معلولة لمعلولها، في حال كونها علة، بل ينتقل الحكم بانتقالها في الصور، فتكون معلولة لمعلولها، فيصير معلولها علة لها .
هذا غايته إذا كان قد رأى الأمر على ما هو عليه، و لم يقف مع نظره الفكرى.
وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق؟

…………………………………………………...
إلا ما هو الأمر عليه في نفسه ، فقوله « إذ رمیت » أثبت لك ما رأيت ، ودل قوله « ولكن الله رمى » على أمر يستوي فيه البصير والأعمى ، فيد الله يد الأكوان وإن اختلفت الأعيان ، وهذا عهد من الله تعالى إلينا أن الفعل الذي يشهد به الحس أنه العبد ، هو الله تعالى لا للعبد ، فإن أضفته لنفسي فإنما أضيفه بإضافة الله لا بإضافتي . فأنا أحكي وأترجم عن الله به وهو قوله « والله خلقكم وما تعملون » فرد الفعل الذي أضافه إلى نفسه وهو حقه الذي له قبلي بهذه الإضافة ، ولكن لابد من میزان إلهي نرده به إليه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم « اعبد الله كأنك تراه » فإن الوزن نعت إلهي . 
لا ينبغي لعبد من عباد الله أن يغفل عنه في كل فعل ظاهر في الكون من موجود ما من الموجودات ، فلا يزال مراقبا له في غيره ، فيحكم عليه بالميزان الموضوع عنده . 
وليس إلا الشرع ، وهذه الآية تشير إلى نفي الركون إلى الأسباب لا الأسباب ، فإن الله لا يعطل حكم الحكمة في الأشياء ، والأسباب حجب إلهية موضوعة لا ترفع .
فمن الحكمة إبقاء الأسباب مع محو العبد من الركون إليها ، على نفي أثرها في المسببات ، فالأسباب ستور وحجب ، وفي هذه الآية علم إضافة الأفعال ، هل تضاف إلى الله أو إلى العبد أو إلى الله وإلى العبد ؟ 
فإن وجودها محقق و نسبتها غير محققة . وهذا موضوع اختلف الناس فيه ، والخلاف لا يرتفع من العالم بقولي ، فمن الناس من نسب الأفعال إلى الخلق ، ومنهم من نسب الأفعال إلى الله ، ومنهم من نسب الفعل إلى الله بوجه و إلى العباد بوجه ، فعلق المحامد والحسن بما ينسب من الأفعال للحق . 
وعلق المذام والقبح بما ينسب من الأفعال العباد . لحكم الاشتراك العقلي . 
وكمال الوجود توقف على وجودها ، قال تعالى :" وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" فنفى الرمي عمن أثبته له، فأثبت بهذه الآية أعيان العالم، والفعل كله إنما يظهر صدوره من الصورة ، وهو القائل « ولكن الله رمى » فكان الحق عين الصورة التي

ص 342

 
فلا أعقل من الرسل صلوات الله عليهم وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي.
فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه

………………………………………….
نشاهد الأعمال منها . وهذا مقام الحيرة . فصدق الله الخواص في حيرتهم بقوله هذا الأخص خلفه علما و معرفة ، فنفى عين ما أثبت ، فما أثبت وما نفى ، فأين العامة من هذا الخطاب ؟ فالعلم بالله حيره. والعلم بالخلق حيرة . 
وقد حجر النظر في ذاته وأطلقه في خلقه ، فالهداف في النظر في خلقه لأنه الهادي وقد هدى . 
والعسي في النظر في الحق فإنه قد حجر وجعله سبیل الردي : وهذا خطاب خاطب به العقلاء فما زادهم إلا إيمانا بالحيرة و تسلیما لحكمها ، 
ولذلك قال تعالى في هذه الآية « وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا » فجاء بالخبرة بقوله تعالى « وليبلي » أي قلنا هذا اختبارا المؤمنين في إيمانهم لنا في ذلك من تناقض الأمور الذي يزلزل إنسان من في إيمانه نقص عما يستحقه الإيمان من مرتبة الكمال ، فإن الله خير المؤمنين وهو ابتلاؤه با ذکر من في الرمي وإثباته .
 وجعله بلاء حسنا . أي إن تفاه العبد عمه أصاب . وإن أنبه له أصاب ، وما بقي إلا أي الإصابتين أولى بالعبد ، وإن كان كله حسناء وهذا موضع الحيرة ، ولذلك سماه بلاء أي موضع اختبار ، فمن أصاب الحق وهو مراد الله أي الإصابتين أو أي الحكمين أراد . حكم النفي أو حكم الإنبات . كان أعظم عند الله من الذي لا يصيب لذلك قال : « إن الله واسع عليم » . 
فتوحات ج 1 / 731 - ج 2 / 69 ،147 ، 553 - ج 3 / 286 ، 411 ، 525 - ج 4 / 33، 213 ، 580 ، 335 ، 414


17 - الخيال والمحال
ما أوسع حضرة الخيال ، فيها يظهر وجود المحال ، بل لا يظهر فيها على التحقيق إلا وجود المحال ، فإن الواجب الوجود وهو الله تعالى لا يقبل الصور ، وقد ظهر بالصورة في هذه الحضرة ، فقد قبل المحال الوجود الوجود في هذه الحضرة ، فما قبل شيء من المحدثات صورة الحق سوى الخيال .
الفتوحات ج 2 / 312 
 راجع حكم العقل . هامش رقم 21


ص 343


 فإن كان عبد رب رد العقل إليه، و إن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه .
وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا.
فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها،  "18"  والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك.
فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك.
فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه و نشر في قبره ، فهو يرى ما لا ترون،

…………………………………...
18 - الملامية
الملامية هم رجال الله الذين حلوا من الولاية في أقصى درجاتها ، وما فوقهم إلا درجة النبوة . 
وهذا يسمى مقام القربة في الولاية ، و آيتهم من القرآن « حور مقصورات في الخيام » پنبه بنعوت نساء الجنة وحورها على نفوس رجال الله . 

الذين اقتطعهم إليه ، وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة الإلهية في زوايا الكوں أن تستند إليهم عين فتشغلهم ، لا والله ما يشغلهم نظر الخلق إليهم ، حبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة والمثابرة على الفرائض منها والنوافل ، فلا يعرفون بخرق عادة فلا يعظمون ، 
ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة ، مع كونهم لا يكون منهم فساد ، فهم الأخفياء الأبرياء الأمناء في العالم . 
الغامضون في الناس ، فيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل « إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة ، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر والعلانية وكان غامضا في الناس » يريد أنهم لا يعرفون بين الناس بكبير عبادة ، ولا ينتهكون المحارم سرا وعلنا ، فهم المجهولون في الدنيا لأنهم لا يتميزون بأمر يخرجهم عن حكم ما يعطيه موطن الدنيا ، ومن هذا ظهر خواص الله الأكابر في الحكم بصورة العامة ، فجهلت مرتبتهم ، فلا يعرفهم سواهم ، وما لهم مزية في العالم . 
بخلاف أصحاب الأحوال فإنهم متميزون في العموم مشار إليهم بالأصابع ، لما ظهر عليهم بالحال خرق العوائد : وأهل الله أنفوا من ذلك الاشتراك غير الجنس معهم في ذلك ، فأهل الله معلومون بالمقام مجهولون بالشهود لا يعرفون .
الفتوحات ج 1 / 181 - ۲۹۹ج 2 / 269 - ج 3 / 457 .

ص 344

 
ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك. "19"
فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين "20" فلينزل عن حكم عقله  "21" إلى شهوته، "22"  و يكون حيوانا مطلقا
………………………………………...
19 - العارف في باطنه على النشأة الآخرة
شهوة الجنة يقع لها اللذة بالمحسوس والمعقول على صورة ما يقع بالمحسوس من وجود الأثر البرزخي عند نيل المنتهى المعقول سواء ، ولا أعني بالجنة أن هذه الشهوة التي هذا حكمها لا توجد إلا في الجنة ، وإنما أضفناها إلى الجنة لأنها تكون فيها لكل أحد من أهل الجنة ، وفي الدنيا لا تقع إلا لآحاد من العارفين ، 

فإن لهم مقام الآخرة في الدنيا ، فلهم الكشف والمشاهدة ، وهما أمران يعطيهما عين اليقين ، وهو أتم مدارك العلم ، فالعلم الحاصل عن العين له أعظم اللذات في المعلومات المستلذة ، فهم في الآخرة حكما ، وفي الدنيا حسا ، وهم في الآخرة مكانة وفي الدنيا مكانا ، 
ثم يتصل لهم ذلك بالآخرة من القبر إلى الجنة وما بينهما من منازل الآخرة ، وهو قوله تعالى : « لهم البشرى في الحياة الدنيا ، وهي ما هم فيه من مشاهدة « وفي الآخرة » من القبر إلى الجنة ، فهو نعیم متصل ، فهذا نعیم العارفين ، وليس لغيرهم هذا النعيم الدائم . 
الفتوحات ج 2 / 193 ، 654


20 - راجع هامش رقم 2 *


21 - حكم العقل
اعلم أن العقل ما عنده شيء من حيث نفسه ، وأن الذي يكتسبه من العلوم إنما هو من كونه عنده صفة القبول، وهو بالنظر إلى ذاته لا علم عنده إلا بالضروریات التي فطر عليها ، فهو من جملة القوى يستفيد من جميع القوى ولا يفيد العقل سائر القوى شيئا ، وعنده فضول كثير ، أداه إليه حكم الفكر عليه وجميع القوى التي في الإنسان ، فلا شيء أكثر تقليدا من العقل ، وهو يتخيل أنه صاحب دليل إلهي ، وإنما هو صاحب دلیل فكري ، فإن دليل الفكر يمشي به حيث يريد، والعقل

ص 345



* * * *  
…………………………..
کالأعمى بل هو أعمى عن طريق الحق ، فإن الجن والإنس جعل الله لهم العقل ليردوا به الشهوة إلى الميزان الشرعي ، ويدفع عنهم به منازعة الشهوة في غير المحل المشروع لها. لم يوجد لهم العقل لاقتناء العلوم، والذي أعطاهم الله لاقتناء العلوم إنما هي القوة المفكرة ، فالعقل بين النظر والقبول ، 
فإن الأمر جله ومعظمه فوق طور العقل . فإن العقل لا يصح أن يدرك الحق ، فإن العقل لا يقبل إلا ما علمه بديهية أو ما أعطاه الفكر ، وقد بطل إدراك الفكر للحق ، فقد بطل إدراك العقل له من طريق الفكر . 

ولكن مما هو عقل ، إنما حده أن يعقل ويضبط ما حصل عنده ، فقد يهبه الحق المعرفة به فيعقلها لأنه عقل لا عن طريق الفكر ، هذا لا نمنعه ، فإن هذه المعرفة التي يهبها الحق تعالی لمن شاء من عباده لا يستقل العقل بإدراكها ولكن يقبلها ، فلا يقوم عليها دليل ولا برهان لأنها وراء طور مدارك العقل ، ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل ليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغلب عليه شبهة خيالية فكرية، يكون في ذلك فساد نظره . 
الفتوحات ج 1 / 94 ، 261 ، 289 - ج 2 / 290 ، 358 ، 523 ، 644 - ج 3 / 99

 

22 - الشهوة

الشهوة آلة للنفس تعلو بعلو المشتهى وتسفل باستفال المشتهى ، 
والشهوة إرادة الالتذاذ بما ينبغي أن يلتذ به ، فالشهوة هي إرادة الملذوذات فهي لذة والتذاذ بملذوذ عند المشتهي ، فإنه لا يلزم أن يكون ذلك ملذوذا عند غيره ، ولا أن يكون موافقا لمزاجه ولا ملايمة طبعه ، وذلك أن الشهوة شهوتان . 
عرضية وهي التي يمنع من اتباعها فإنها كاذبة وإن تفعت يوما ما فلا ينبغي للعاقل أن يتبعها لئلا يرجع ذلك له عادة فتؤثر فيه العوارض ، 
وشهوة ذاتية فواجب عليه اتباعها فإن فيها صلاح مزاجه الملايمتها طبعه ، وفي صلاح مزاجه صلاح دينه ، وفي صلاح دينه سعادته ، ولكن يتبعها بالميزان الإلهي الموضوع من الشارع ، وهو حكم الشرع المقرر فيها ، وسواء كان
 

ص 346


الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته.
ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني و بين الخرس الذين لا يتكلمون.
فإذا تحقق بما ذكرناه انتقل إلى أن يكون عقلا مجردا في غير مادة طبيعية، فيشهد  أمورا هي أصول لما يظهر في

………………………………………..
بدرجة البهائم ، والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر عنه في الصحيح أنه قال « إن للميت جؤارة وإن السعيد منهم يقول قدمونی قدموني ، يعني إلى قبره . 
وإن الشقي منهم يقول "إلى أين تذهبون بي " وأخبر صلى الله عليه وسلم أن كل شيء يسمع ذلك منه إلا الإنس والجن ، فدخل تحت قوله كل شيء مما يمر عليه ذلك الميت من جماد ونبات وحيوان ، 

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان راكبا على بغلة فمر على فبر داثر ، فنفرت البغلة ، فقال إنها رأت صاحب هذا القبر يعذب في قبره ، فلذا نفرت ، 
وقال في ناقته لما هاجر ودخل المدينة ترك زمامها، فأراد بعض الصحابة أن يسسكها. 
فقال دعوها فإنها مأمورة، ولا يأمر إلا من يعقل الأمر، حتی برکت بفناء دار أبي أيوب الأنصاري. 
فنزل به ، وقال في الصحيح إن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس ، وهذا کله معاين لكل شيء ، ولا يشهد هذا من الإنس والجن إلا أفراد من أفراد هذين النوعين ، 

وقال تعالى : "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" ، والأمثال هم الذين يشتركون في صفات النفس ، فكلهم حيوان ناطق يعرف ذلك أهل الكشف عينا ويسمعونه بأذائهم ، كما يسمعون كل صوت ، وما من حيوان إلا ويشهد ذلك ، ولذلك أخرسهم الله عن تبلیغ ما يشهدونه إلينا ، فهم أمناء بصورة الحال في حقنا ، ولا يكشف الله لأحد من النوع الإنساني ما يکشفه للبهائم ما ذكرناه إلا إذا رزقه الله الأمانة ، وهي أن يستر عن غيره ما يراه من ذلك إلا بوحي من الله بالتعريف ، فإن الله ما أخذ بأبصار الإنس وبأسماعهم في الأكثر . 
وبالفهم في أصوات هبوب الرياح وخرير المياه وكل مصوت إلا ليكون مستورا ، فإذا أفشاه هذا المكاشف فقد أبطل حكمة الوضع ، إلا أن يوحى إليه بالكشف عن بعض ذلك فحينئذ يعذر في الإفشاء بذلك القدر .
الفتوحات ج 3 / 490 ، 491 

 
ص 348


صور الطبيعة فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعة علما ذوقيا.
فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا، "24"
وإن اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين و يعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحديد و الضارب، و الذي خلف هذه الصور.
فبالمجموع وقع القتل و الرمي، فيشاهد الأمور بأصولها و صورها، فيكون تاما. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى.
فيرى الرائي عين المرئي . "25"  وهذا القدر كاف، والله الموفق الهادي.
…………………………………...

24 - الطبيعة نفس الرحمن
راجع فص 15 ، هامش 19 ، ص 237 

"" 19 - الطبيعة هي نفس الرحمن   فص 15 ، هامش 19 ، ص 237 
اعلم أن الله وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن ، لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومآل الناس والخلق إليها .

فإن الرحمن لا يظهر عنه إلا مرحوم ، فالنفس أول غيب فظهر لنفسه ، فكان فيه الحق من اسمه الرب ( إشارة إلى الحديث النبوي ) مثل العرش اليوم الذي استوى عليه بالاسم الرحمن ، وهو أول كثيف شفاف نوري ظهر.

فلما تمیز عمن ظهر عنه وليس غيره ، وجعله تعالی ظرفا له « إشارة إلى ما جاء في الحديث - كان الله في عماء - » لأنه لا يكون ظرفا له إلا عينه ، فظهر حكم الخلاء بظهور هذا النفس ، ثم أوجد من هذا العماء جميع صور العالم ، وفيه ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعة ( البنت لا الأم) و الطبيعة (الأم) هي أحق نسبة بالحق مما سواها .

فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها ، وهو النفس بفتح الفاء ، وهو الساري في العالم ، أعني في صور العالم ، وبهذا الحكم يكون نجلي الحق في الصور التي ذكرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى .

فانظر في عموم حكم الطبيعة ، وانظر في قصور حكم العقل لأنه في الحقيقة صورة من صور الطبيعة، بل من صور العماء ، والعماء هو من الطبيعة ، وإنما جعل من جعل رنية الطبيعة دون النفس وفوق الهيولي لعدم شهوده الأشياء، وإن كان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه يعني بها الطبيعة ( البنت ) التي ظهرت بحكمها في الأجسام الشفافة من العرش فما حواه ، فهي بالنسبة إلى الطبيعة نسبة البنت إلى المرأة التي هي الأم ، فتلد کا .تلد أمها ، وإن كانت البنت مولودة عنها ، فلها ولادة على كل من يولد عنها ،

وكذلك العناصر عندنا القريبة إلينا ( الماء والهواء والتراب والنار ) هي طبيعة لما تولدت عنها ، فلهذا سميناها طبيعة ( أي البنت ) ، فالعماء هو الجسم الحقيقي العام الطبيعي الذي هو صورة من قوة الطبيعة ( الأم ) تجلى لما يظهر فيه من الصور ، وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبية التي طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن ، فتنفس فكان العماء . 

فلو لم تكن الطبيعة - وهي موجود خامس هو أصل للأركان الأربع - نورا في أصلها لما وجدت بين النفس الكلية وبين الهيولي الكل ، فعن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد وجسماني من عالم الأجسام العلوي والسفلي ، فتركيبها لا نهاية له في الدنيا والآخرة .

فالنشأة الطبيعية تحوي على الأسرار الإلهية ، وأنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون ، فذمت وجهل قدرها فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فيه الرحمة بل هو عين الرحمة ، فجوهر العالم في النفس الرحماني الذي ظهرت فيه صور العالم . 
فتوحات ج 1 / 56 ، 723 - ج 2 / 352 ، 551 - ج 3 / 420 ، 430 ، 452 . أهـ ""

 

25 - راجع وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر - المرايا .
راجع فص 2، هامش 6، ص 45 
راجع فص 5 هامش 6، ص 84
موجود بالهامش 4


ص 349
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 20 فبراير 2020 - 9:50 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 13 فبراير 2020 - 11:42 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الحادية والعشرون .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الإلياسي الفقرة الحادية والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
كتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحكم عبد الباقي مفتاح 1417هـ :
22 - فص حكمة إيناسيه في كلمة إلياسية
المرتبة 22 : لفص حكمة إيناسيه في كلمة إلياسية من الاسم العزيز ومرتبة المعادن وحرف الظاء ومنزلة سعد الذابح
لا يكون الرزاق رزاقا للجميع إلا إذا كان غنيا عن أن يأتيه الرزق من غيره .
فظهور الرزاق يستلزم ظهور الاسم العزيز المتعزز بأرزاقه للمرزوقين ولعزته عن الافتقار إلى رزق من غيره .
فظهر العزيز في المرتبة المسامته للرزاق فله الرتبة 22 وبظهوره ظهر عالم المعادن المسامت لعالم النبات .
وقد قرن الحق تعالى في سورة الحديد بين الحديد وبين الاسم العزيز
فقال :وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ( الحديد ، 25 ) .
وأعز المعادن وأكملها الذهب المعدن الشمسي لظهوره في الأرض بتوجه وحركة روحانية السماء القطبية الرابعة وكوكبها الشمس وهي سماء إلياس وإدريس الذي سماه الشيخ في الباب 15 من الفتوحات بمداوي الكلوم
وهو أول من أظهر علوم الكيمياء والفلك وتدبير المعادن وسر الإكسير وعلاقة كل ذلك بالحروف والأوزان .
" أنظر ما ذكره الشيخ حول هذا الموضوع في الباب 167 من الفتوحات:
 " فأنسب الأنبياء لمرتبة المعادن هو إلياس وإدريس لتحققهما ظاهرا بسر المعادن ولتحققهما باطنا بسر العزة ،
فإدريس هو قطب الأرواح لرفعة مكانه في قطب الأفلاك الشمسي قال تعالى عنه :وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا( مريم ، 57 ) .
وإلياس صعد إلى السماء على فرس من نار وجميع آلاته من نار فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة لعزته عن الأغراض النفسية
فناسب تمام المناسبة إدريس صاحب الحكمة القدوسية لعزة القدوس .
وأشار الشيخ في هذا الفص للاسم العزيز بذكره للآية : " سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون " وبكلامه على التنزيه . . . ثم أكد مرة أخرى تلك الإشارة
بقوله : " وأي عزة أعظم من هذه العزة " بعد ذكره للقتل . . . والقتل يتم عادة بالمعدن . . . وإشاراته للمعدن داخل الفص متعددة منها ذكره للنار التي بها يتم التأثير في المعادن فتحولها من كثافة جبل لبنان لينفلق إلى لطافة فرس من نار . . .

ومنها ذكره للمرآة بوجهيها :
وجه الصفاء الصقيل حيث تتجلي الصورة ،
ووجهها الثاني المعدني الكثيف الذي لولا وجوده في ظهر المرآة ما ظهرت الصورة كاملة في وجهها الصقيل ،
إشارة إلى أن الكمال لا يظهر الا بالجمع بين التنزيه والتشبيه والإطلاق والتقييد . . .
ومنها ذكره في آخر الفص للحديد والضارب . . . وذكره لتحول نشأة البواطن إشارة إلى تحول المعادن من خسيسة إلى نفيسة وهو علم الكيمياء الإدريسي الإلياسي العيسوي . . .
فالعلوم الإدريسية والعيسوية متداخلة متشابهة ومنها اشتراكهما في علم الإحياء وسر الإكسير والتصرف بالحروف والأسماء .
وقد ذكر الشيخ في الباب 167 علاقة عيسى بهذه العلوم الإدريسية .
وختم الشيخ الباب بذكر الصلة بين الصور الطبيعية التي منها المعادن والأسماء الإلهية الظاهرة بالنفس الرحماني .
وأما المنزلة الفلكية المتوجه على إيجادها الاسم العزيز فهي منزلة سعد الذابح ولها حرف الظاء . فانظر كيف ناسب معنى " سعد الذابح " عزة المعدن .
فالعزة من مظاهر السعادة ، والذبح لا يكون عادة إلا بالمعادن وقد أشار إلى هذا المعنى في آخر الفص عند قوله :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ( الأنفال ، 17 ) وما قتلهم إلا الحديد والضارب . .
وكذلك حرف الظاء هو من الحروف المستعلية التي لها العزة والعلو ومن الحروف المجهورة التي لها الظهور وهو من أوصاف العزة ، ومن الحروف المطبقة الأربعة ، والإطباق من الصفات القوية المناسبة للمعادن . . .

وفي الفصل 32 من الباب 198 المناسب لهذا الفص فصل الشيخ ظهور المعدن بالعزة
فقال ما خلاصته : ( اعلم أن الذات لما اختصت بسبع نسب تسمى صفات إليها يرجع جميع الأسماء والصفات ( . . . )
وكانت السماوات سبعا والسيارة سبعة والأرضون سبعة والأيام سبعة
جعل اللّه تكوين المعادن في هذه الأرض عن سباحة هذه السبعة الدراري بسبعة أفلاكها في الفلك المحيط فأوجد فيها سبعة معادن

ولمّا كان الاسم العزيز المتوجه على إيجادها ولم يكن لها مشهود سواه عند وجودها أثر فيها عزة ومنعا فلم يقو سلطان الاستحالة التي تحكم في المولدات والأمهات من العناصر فإن الاستحالة تسرع إليها أو إليهنّ وهذا يبعد حكمه في المعادن فلا تتغير الأحجار مع مرور الأزمان والدهور إلا عن بعد عظيم وذلك لعزتها التي اكتسبتها من الاسم الإلهي العزيز .
ثم إن هذا الاسم طلب بإيجادها رتبة الكمال لها حتى تتحقق بالعزة فلا يؤثر فيها دونه اسم إلهي نفاسة منه لأجل انتسابها إليه .
وعلم العلماء بأن وجودها مضاف إليه فلم يكن القصد بها إلا صورة واحدة فيها عين الكمال وهو الذهبية . . . الخ . . .

فخلع المعدن صورة المرض والانحراف ليلتحق بالكمال الذهبي كخلع إلياس كثافة جبل جثمانه الترابي بعد انفلاقه على فرس اللطافة النارية الذي عرج به إلى فلك الشمس القلبي حيث رتبة الكمال الذهبي . . .
ولا يكون ذلك الا بتدبير نار المجاهدة ، وتربية حرارة الشوق واصطلاء جذوة الذوق ،

يقول الشيخ في آخر هذا الفصل : ( ومن هذا الاسم الإلهي وجود الأحجار النفيسة كاليواقيت واللآلىء من زبرجد وزمرد ومرجان ولؤلؤ وبلخش . وجعل في قوة الإنسان إيجاد هذا كله أي هو قابل أن يتكون عنه مثل هذا ويسمى ذلك في الأولياء خرق عادة والحكايات في ذلك كثيرة ولكن الوصول إلى ذلك من طريق التربية والتدبير أعظم في المرتبة في الإلهيات ممن يتكون عنه في الحين بهمته وصدقه فإن الشرف العالي في العلم بالتكوين لا في التكوين لأن التكوين إنما يقوم مقام الدلالة على أن الذي تكون عنه هذا بالتدبير عالم ، وصاحب خرق العادة لا علم له بصورة ما تكون عنه بكيفية تكوينها في الزمن القريب ، والعالم يعلم ذلك).

وإلى مثل هذا العلم الذوقي يشير الشيخ في قوله آخر الفص : ( . . . فيعلم من أين ظهر هذا الحكم في صور الطبيعية علما ذوقيا ، فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا )

يشير الشيخ هنا إلى الدخول إلى فص لقمان الحكيم لقول اللّه تعالى :وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً( البقرة ، 269 ) .
ثم زاد التمهيد تأكيدا بذكره لكلمة " حاكمة " المشيرة للحكمة فقال : ( وان اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله).
ومن ناحية أخرى ، فإن في ذكر الشيخ للحيوان في أواخر الفص إشارة لعلاقته بالباب 24 المخصوص بالمرتبة الحيوانية المتوجه على إيجادها الاسم المذل الذي هو عكس الاسم الحاكم على هذا الباب وهو المعز أو العزيز.
 فللمعدن حكم العقل العزيز بعلمه وللحيوان الشهوة المذلة . . . وبينهما مرتبة النبات التي لها حكمة الاحسان اللقماني .

بقي سؤال : ما علاقة الحكمة الإيناسية بالكلمة الإلياسية ؟
الجواب - : واللّه أعلم أن كلمة : إيناس مشتقة من كلمة : إنس .
والإنس يتميز عن غيره من المخلوقات بجمعه بين العقل والشهوة أو العزة والذلة أو التتريه والتشبيه أو اللطافة السماوية والكثافة الأرضية أو الملكية والحيوانية أو الإطلاق والتقييد لأن اللّه تعالى خلقه بيديه فله الجمع بين كل ضدين . . . وهذا هو موضوع هذا الفص . . .
هذا ومن ناحية أخرى فإن كلمة آنس وردت في القرآن مقترنة بالنار أربع مرات
آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً( القصص ، 29 )
إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ( طه ، 10 ) .
إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ( النمل ، 7 ) .
وعلى فرس النار ركب إلياس لغلبة عزة الروحانية فيه حتى ناسب ملائكة السماء وأنس بهم كما أنس بالإنس ، وبلغ من كمال التروحن عدم التأثر بالموت الحسي ، كالمعادن التي لا تتأثر . بمرور الدهور لا سيما الذهب ،
فاتصلت حياته البرزخية بحياته الدنيوية كإدريس وخضر وعيسى لشربهم من إكسير عين الحياة الذي يقلب المعادن الخسيسة الزائلة إلى جواهر نفيسة باقية . .

22 : سورة فص إلياس عليه السلام
سورة هذا الفص هي سورة " النصر " :
- ومناسبتها لموضوع الفص تظهر في الآية :فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ( النصر ، 3 ) ومدار كل الفص على التسبيح والتنزيه .
قال الشيخ عن إلياس : " فكان الحق فيه منزها " وذكر الآيتين :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ( الشورى ، 11 ) وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ( الصافات ، 180 ) .
فهذه العزة مقرونة بالتنزيه .
والاسم الحاكم على مرتبة هذا الفص هو " العزيز " المتوجه على إيجاد المعادن .
فمناسبة " النصر " للعزيز واضحة لأن العزة مقرونة بالنصر والفتح ، ودخول الناس في دين اللّه أفواجا قال تعالى :وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً( الفتح ، 3 )
وقال :وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً( الفتح ، 19 ) .
وقال :أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ( المائدة ، 54 )
ومناسبة " النصر " مع المعادن هي أن نصر اللّه لرسله مقرون ببأس الحديد .
قال تعالى في الآية 65 من سورة الحديد :الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ
وقال عن الفاتح الصالح ذي القرنين :آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ. . .أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً( الكهف ، 96 ) - والقطر النحاس المذاب .  
وقال عن الخليفة داود :وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [ سبأ آية 10 ].
ونصر اللّه إلياس ونجاه من عدوه بانفتاح جبل لبنان عن فرس ناري فركبه وفتح به باب السماء إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً( النصر ، 3 )
ومن الاتفاق اللطيف أن المنزلة الفلكية المناسبة لهذا الفص هي " سعد الذابح " والذبح قتل بالمعدن عادة .
وقد كرر الشيخ كلمة القتل وكلمة الرمي فقال مثلا في إشاراته لسورة " النصر " :
فلا تجزع ولا تخف فإن اللّه يحب الشجاعة . . ولو على قتل حية وليست الحية سوى نفسك . . .

وأي عزة أعظم من هذه العزة فتتخيل بالوهم أنك قتلت . . .وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ( الأنفال ، 17 ) . . .
وقال في آخر الفص :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ( الأنفال ، 17 ) وما قتلهم إلا الحديد والضارب . . . فبالمجموع وقع القتل والرمي . . . " .
وأشار الشيخ إلى كلمة " واستغفره " من الآية الأخيرة للنصر ، بقوله : " . . . نرخي الستور ونسدل الحجب . . . قد أمرنا بالستر " والغفر هو الستر ، والأمر بالستر هو الاستغفار .
وقول الشيخ في أواخر الفص أن العارف قد حشر في دنياه ونشر في قبره تلويح إلى أن سورة " النصر " هي آخر سورة نزلت
فكانت كما فهمها علماء الصحابة - إعلاما للنبي صلى اللّه عليه وسلم بقرب انتقاله للرفيق الأعلى ورجوعه إلى الحضرة الزلفى التي لم يفارقها بحال إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً

وهنا تظهر صلة أخرى بين هذا الفص وسابقه
الحاكم عليه الاسم " المميت " : فالقتل والرمي ورجوع إلياس للسماء ورجوع سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كلها من مظاهر " المميت " .
وكلام الشيخ في آخر الفص عن التحقق بالحيوانية التي يرى صاحبها أحوال الموتى في قبورهم ، تلويح لفص عزير الذي له مرتبة الشمس حيث إدريس عليه السلام .
فإلياس لما صعد إلى السماء التحق في سماء الشمس بمقامه الإدريسي .
وقد رأينا أن سورة ذلك الفص الشمسي الوسطي الرابع عشر هي العاديات ، أي الأفراس المعدة للجهاد كفرس إلياس الناري الذي صعد به إلى السماء .

وسمى الشيخ منزل العاديات في الباب 22 من الفتوحات : " منزل النفوس الحيوانية " .
فرجوع إلياس إلى مقامه كان تحت حكم الاسم " العزيز " الحاكم على هذا الفص
وإليه أشار الشيخ في كلامه عن آية :إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً من سورة النصر التي خصص لها الوصل الخامس من الباب " 396 ف " فقال : " . . . ويتضمن هذا المنزل الخامس من العلوم الإلهية علم تفصيل الرجوع الإلهي بحسب الرجوع إليه من أحوال العباد وهو علم عزيز " .
ولعلاقة العزيز بالنصر يقول الشيخ في ديوانه :
" من روح سورة النصر والفتح :
من اسم العزيز النصر إن كنت تعقل * ومن بعده فتح له النفس تعمل- وختم الشيخ الفص بالكلام عمن أوتي خيرا كثيرا ، كتمهيد لفص لقمان الذي أوتي الحكمة وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً( البقرة ، 269 ) ،
وله سورة الزلزلة التي فيها ذكر الخير :فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ( الزلزلة ، 7 )

وإلى هذه الرؤية أشار في آخر الفص قائلا : " فلا يرى إلا اللّه عين ما يرى ، فيرى الرائي عين المرئي . "
وإذا كانت " النصر " بشرى للنبي صلى اللّه عليه وسلم بقرب انتقاله للرفيق الأعلى ،
ففي " الزلزلة " وصف لانقلاب أمر الدنيا للآخرة والرجوع إلى اللّه تعالى .

ومنزلا السورتين يقعان في " منزل الدهور " حسبما ذكره الشيخ في الباب 22 فـ " أي ضمن السور المفتتحة بلفظة " إذا " فللزلزلة " منزل الولادة " أي ولادة يوم القيامة

وللنصر منزل " البشارة باللقاء ".
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
» السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى