المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم :: القرآن الكريم و علومه :: موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحنفي
صفحة 1 من اصل 1
10112023
الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
موسوعة القرآن العظيم ج 2 د. عبد المنعم الحفني
1246 - ( الظلم والظالمون )
الظلم لغة : هو وضع الشيء في غير محله ؛ وفي الشريعة هو التعدّى عن الحقّ إلى الباطل ، ويقال : ظلمه أي جار عليه وفعل له الظلم ، والجور من الظلم ، تقول : جار عن الشيء أي مال عنه ، وجار عليه ظلمه ، والجائر هو الظالم ، وفي التنزيل :وَمِنْها جائِرٌ( النحل 9 ) أي حائد عن الحقّ ، وهؤلاء هم أهل الأهواء وملل الكفر . والفرق بين الظلم والجور أن الظلم جور أشد ، وهو طمس لنور الحق ، ومنه كانت الظلمات ، بمعنى ذهاب النور ، كقوله :وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ( 19 ) وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ( 20 ) ( فاطر ) .وقيل :الظلم : هو البطش والاستيلاء ، والأخذ بغير حق ، ومجاوزة الحدّ ، وهو درجات ، ومنه الأشد ، كقوله :إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( لقمان 13 ) ، وقوله :وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى( النجم 52 ) ؛
والظلّام : هو الكثير الظلم كقوله تعالى :وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ( آل عمران 182 ) ، لأن الظلم يستحيل على اللّه ، فلا ملك ولا حقّ لأحد معه ، بل هو الذي خلق المالكين وأملاكهم وتفضّل عليهم بها ، وعهد لهم الحدود ، وحرّم وأحلّ ، فلا حاكم يعقبه ، ولا حقّ يترتب عليه .
وقيل : الظلم نقيض العدل والقسط والحق ، واللّه تعالى وصف نفسه بالعدل وبالحق ، وقال عن نفسه :قائِماً بِالْقِسْطِ( آل عمران 18 ) ، والعادل والحقّ من أسمائه تعالى وليس الظالم ، والإنسان مركوز فيه الظلم ويوصف به :وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا( الفرقان 27 ) ، وتوصف به الجماعة كما في الدعاء :رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها( النساء 75 ) ، وفي قوله :فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ( الحج 45 ) .
والظلوم : هو الكثير الظلم ، مثله مثل الظلّام ، كقوله :إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ( إبراهيم 34 ) ، وقوله :إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا( الأحزاب 72 ) . وظلم الإنسان للغير قد يكون له ما يبرره ، وإنما غير المبرر ظلمه لنفسه ، كقوله :رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا( الأعراف 23 ) ، وقوله :إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي( النمل 44 ) وظلمه لنفسه أن يعميها فلا تبصر الحق ، ويصمها فلا تسمعه ، ويوردها موارد الهلكة .
والظالم لنفسه له عذاب بئيس ، ويظل ظلمه يتابعه ويلاحقه ، ويطلق النفسانيون على ذلك اسم الندم ، وعذاب الضمير . ولا معذرة للظلم ، ولا فداء به ؛ والظلم من شيم الطغاة وهو أنسب لهم ؛ والهجرة من حق المظلوم . ويؤذن له أن يقاتل بأنه ظلم ، وأن ينتصر من بعد . ومن الظلم : العدوان ، والزور ، وهضم الحقوق ، والعلو ، وقد يأتيه الفرد كما تأتيه الجماعة ، ولا يورث ، وقد ينجب الظالم محسنا . ومن دأب الظالمين الشقاق البعيد ، وبعضهم أولياء بعض ، ولا يزدادون إلا خسارا وتبارا .
والآيات في الظلم كثيرة في القرآن ، ويتكرر وروده بها 308 مرة ، وفي الحديث :
« أنصر أخاك ظالما أو مظلوما » ، وقيل : يا رسول اللّه ، هذا تنصره مظلوما ، فكيف تنصره ظالما ؟
قال « تأخذ فوق يديه » ، فكنّى به عن كفّه عن الظلم بالفعل إن لم يكفّه القول ، وعبّر بالفوقية إشارة إلى اللجوء إلى الشدّة معه . وفي رواية قال : « يكفّه عن الظلم ، فذاك نصره إياه » . ونصر الظالم ، بمنعه من الظلم . من تسمية الشيء بما يؤول إليه ، وهو من وجيز البلاغة . وفي قوله تعالى :لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ( النساء 148 ) ، وقوله :وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ( الشورى 39 ) ، أن للمظلوم أن ينتصر بمثل ما ظلم وليس عليه ملام ، وله أن يجهر بالسوء :وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( 41 ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ( 42 ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( 43 ) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ( الشورى ) ، وكأنه يدعو المظلوم أن يعفو عن الظلم :فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ( الشورى ( 40 ) أو أن يردّ الظلم بالمثل :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها( الشورى 40 ) . وفي الحديث : « اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة »، يعنى أن ظلمات الظالم تكتنفه وتحيط به يوم القيامة فلا يغنى عنه ظلمه.
وقد ينتصر المظلوم بالدعاء على الظالم ، وفي الحديث : « اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين اللّه حجاب » ، وفي دفع الظلم قال صلى اللّه عليه وسلم : « من قتل دون ماله فهو شهيد » ، وفي رواية : « من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد » ،
وفي الحديث عند مسلم قيل : أرأيت يا رسول اللّه ، إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : « فلا تعطه » ، قال : أرأيت إن قاتلنى ؟ قال : « فقاتله » ، قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : « فأنت شهيد » ، قال : أفرأيت إن قتلته ؟
قال : « فهو في النار » ، والحديث فيه : أن للإنسان أن يدفع الظلم عن نفسه وماله ، ولا شئ عليه ، وهو شهيد إذا قتل ، وإذا قتل فلا قود - أي قصاص - عليه ، ولا دية - أي تعويض . وقصاص الظالمين يوم القيامة أن يأتيهم العذاب :فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَ وَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ ( 44 ) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ ( 45 ) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ ( 46 ) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ( إبراهيم ) .
وأما المؤمنون فكما جاء بالحديث : « يحبسون يوم القيامة بقنطرة بين الجنة والنار ، فيتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا نقّوا وهذّبوا أذن لهم بدخول الجنة » .
* * *
1247 - ( العتيق والمكاتب والمدبّر )
العتق في اللغة : هو الخلوص ، وفي القرآن :وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ( 29 ) ( الحج 29 ) ، وهو البيت الحرام ، قيل سمى كذلك لأن اللّه أعتقه من أن يتسلّط عليه جبّار بالهوان إلى انقضاء الزمان ، أو أن اللّه عزّ وجلّ يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب ، أو لأنه بيت العبادة لأمة جعلت من أهدافها عتق الفاسق من العبودية لغير اللّه .ولم توجد ديانة ، ولا ملّة ، ولا مذهب سياسي قال بتحرير الرقيق كما جاء في الإسلام ، والرقّ اليوم هو الاستعمار الجديد ، والإمبريالية الرأسمالية ، والتسلّط اليهودي على العالم ، ولا فرق بين استيراد الزنوج إلى أمريكا وغيرها قديما غصبا عنهم ، واستيراد الزنوج الجدد من أصحاب المؤهلات من مختلف البقاع تحت اسم الهجرة . وفي اليهودية أن الإسرائيلى إذا ابتاع عبدا إسرائيليا فله أن يخدمه ست سنوات ، وفي السابعة يخرج حرا مجانا ، وإن كانت له زوجة تخرج زوجته معه ، وإن زوّجه مولاه فولدت له فالمرأة وأولادها ملك سيده ، ويخرج هو وحده ، وإن رفض أن يخرج وحده وآثر أن يظل مع أسرته ، ثقب له مولاه أذنه ، فيخدمه أبد الدهر . ويمكن للإسرائيلى أن يبيع ابنته أمة ، وليس لمن يشتريها أن يبيعها لقوم غرباء ، وإن تزوّجها أو زوّجها لابنه ، فعليه أن يعاملها معاملة بناته فلا ينقصها طعامها ، ولا كسوتها ، ولا أوقاتها التي يبيتها معها ، فإن أخلّ واحدة منها فليس له عليها سلطان ، وتخرج من بيته مجانا بلا ثمن ( الخروج 21 / 2 - 11 ) .
ويمكن للأخ أن يبيع نفسه لأخيه رقيقا ، وعلى الأخ أن لا يعامله كرقيق بل كأجير ، ويظل هكذا إلى سنة اليوبيل ، ثم يعود حرا ( الأحبار 25 / 40 - 41 ) . وللإسرائيليين أن يستعبدوا من الأمم من حولهم ، ومن أبناء الغرباء المقيمين في إسرائيل ، ويكونون لهم ملكا ، ويورثونهم لبنيهم من بعدهم إرث الملك ، ويستخدمونهم أبدا ، وإذا ابتاع أجنبي إسرائيليا ، فعلى قومه أن يحرروه شراء من الأجنبي ( الأحبار 25 / 47 - 49 ) .
وإذا أبق عبد إسرائيلي إلى الإسرائيليين ، فعليهم ألا يسلّموه ( تثنية الاشتراع 23 / 15 ) .
وفي الإسلام : أن العتق هو التحرير ، وفي القتل الخطأ ، واليمين المنعقدة ، والظهار ، والوطء في رمضان كفّارة تحرير رقبة كقوله تعالى :وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ( النساء 92 ) ، وقوله :لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ( المائدة 89 ) وقوله :وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا( المجادلة 3 ) . والعتق إذن كان من أفضل القرب إلى اللّه ، وكان المستحب عتق الذكر عن الأنثى ، وعتق من له دين وكسب فينتفع بالعتق ، فإن لم يكن له كسب وسيتضرر بالعتق ويصير كلّا على الناس ، فلا يستحب عتقه . وإن كان من يخشى عليه الفساد ، كالجارية يخاف منها الزنا ، فكان يكره إعتاقها . والعتق يشترط فيه النية ، والتلفظ بما يفيد العتق ، كأن يقال صراحة : أنت حرّ ، أو محرّر ، أو عتيق ، أو معتق ، أو يقال كناية : لا سبيل لي عليك ، أو أنت سائبة ، أو لا رقّ لي عليك ولا ملك ، وأنت للّه . وكل من جاز تصرفه في ماله ، وكان بالغا ، عاقلا ، رشيدا ، فله أن يعتق ، ولا يصحّ من مجنون أو صبي ، أو سفيه محجور عليه ، أو سكران ، أو مكره . ولا يصحّ إلا من مالك . ومثلما يحصل العتق بالقول ، فإنه يحصل بالملك ، والاستيلاء . وإذا اتفق السيد وعبده على أن يؤدى له مالا يعتق عليه ، كان عليهما أن يكتباه ويكون العقد بينهما عقد معاوضة ، ولو أبرأه السيد عتق ، ولا ينفسخ العقد بموت السيد ، والعبد حينئذ يسمى مكاتبا ، ولا يصحّ بيع المكاتب ولا هبته .
ومن ملك ذا رحم محرّما - أي ذا قرابة يحرم بها النكاح - عتق عليه ، وولاؤه له ، وهو ما سمّيناه العتق بالملك . وإذا كان العبد لأكثر من واحد فأعتقوه في نفس الوقت ، فإنه يصير حرا ، وولاؤه بينهم على قدر حقوقهم فيه . وإذا استثنى في العتق ، كأن يقال له : أنت حرّ إن شاء اللّه ، يقع العتق ولا ينفعه الاستثناء . ومن الجائز عتق الأمة واستثناء ما في بطنها ، وعتق الحمل ( دون أمّه ) ، وعتق الأمة صداق لها . والمملوك نفقته على سيده بقدر كفايته من الطعام والكسوة ، ويجب عليه إعفاف مملوكه وتزويجه إذا طلب الزواج ، وتسأل الأمة لو جاءها من يطلبها للزواج . وإذا كاتب عبد سيده لزمته نفقة نفسه ، وتجب نفقة الرقيق المرهون على الراهن ، ونفقة العتيق على معتقه إذا كان فقيرا ولمولاه يسار .
والمكاتبة : في الشرع هو أن يكتب الرجل عبده على مال يؤدّيه ، فإذا أدّاه فهو حر ، كقوله تعالى :وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ( النور 33 ) .
وشرط المكاتبة : أن يكون العبد قادرا على الكسب وحده . والكتابة عقد معاوضة فلا تصحّ إلا عن تراض . ومن لا حرفة له لا يصحّ مكاتبته .
والكتابة تكون بقليل المال وكثيره ، وتكون منجّمة أي على أقساط ، وسميت كتابة لأنها تكتب ويشهد عليها ، ويظل المكاتب عبدا ما بقي عليه من مال الكتابة شئ ، لقوله صلى اللّه عليه وسلم : « المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم » . وقيل : إذا أدّى الثلاثة أرباع وبقي الربع فهو غريم ، أي مديون ، ولا يعود عبدا ، وقيل : إنه يصير بعقد الكتابة حرا ، ويصبح غريما بالكتابة ، ولا يرجع إلى الرق أبدا ، ويعتق معه ولده الذين ولدوا في كتابته ، والإسلام على سياسة منع الرق والاستعباد ، ولذلك يأمر اللّه تعالى أصحاب المال أن يعينوا المكاتبين بأموالهم ، بأن يعطوهم شيئا مما في أيديهم ، أو يحطّوا عنهم شيئا من مال الكتابة - قيل ربع الكتابة ، وقيل الثلث ، وقيل العشر ، والقرآن يعطى ذلك اسم الإيتاء ، والخطاب في الآية « وآتوهم » للناس أجمعين أن يتصدّقوا على المكاتبين ، وأن يعينوهم في فكاك رقابهم .
وكانت صفة عقد الكتابة أن يقول السيد لعبده : كاتبتك على كذا وكذا من المال ، في كذا وكذا قسطا ، إذا أدّيته فأنت حر . ويقول العبد : قد قبلت ، ونحو ذلك من الألفاظ . والكتابة الفاسدة أن يكاتبه على عوض مجهول ، أو عوض حالّ ، أو محرّم كالخمر والخنزير . وكتابة المريض صحيحة ، وإن كان من مرض الموت اعتبر من ثلثه ، وتصحّ الوصية بالكتابة . وإذا علّق السيد عتق عبده بموته ، كأن يقول : أنت حرّ ، أو أنت محرّر ، أو عتيق ، أو معتق ، بعد موتى فإنه يصير مدبّرا ، وكذا إن قال : أنت مدبّر ، أو قد دبّرتك ، فإنه يصير مدبّرا بنفس اللفظ من غير افتقار إلى نيّة . والتدبير كمصطلح يعنى : التعليق للعبد فلا يصبح محررا إلا بعد موت السيد ، ويصحّ مطلقا ، أي من غير شرط إلا الموت ، أو مقيّدا ، كأن يقول : إن مت في سفري هذا فأنت حر . وقد يعلق التدبير على صفة ، كأن يقول : إن شفى ابني فأنت حر مدبّر . وإذا كان للعبد سيدان يشتركان فيه ، فتدبير أحدهما لنصيبه لا يسرى على نصيب الشريك الثاني . وإذا دبّر الصبي المميز صحّ تدبيره ، ولا يصح تدبير المجنون . ولا يبطل التدبير بالرجوع فيه . وكسب المدبّر لسيده أثناء التدبير ، وله أن يطأ أمته أثناء التدبير ، وإذا دبّر السيد عبده ثم كاتبه جاز . ويجزئ عتق المدبّر في الكفّارة . وديته قيمته . وقيل المدبّر طلاقه اثنتان ، وقيل ثلاث طلقات وهو الصحيح ، وخلعه لزوجته صحيح ، وتعويض الخلع لسيده ، وخلع الأمة صحيح سواء كان بإذن سيدها أو بغير إذنه ، وطلاقها على عوض طلاق بائن ، والخلع معها كالخلع مع الحرة . وإن اجتمع العتق في المرض والتدبير ، قدّم العتق ، وإن اجتمع التدبير والوصية بالعتق ، تساويا ، وقد يقدّم التدبير . ويعتق المدبّر بعد الموت من ثلث المال ، والمدبّر لا يرث ولا يورث لأنه لا مال له ، وأما المكاتب فإن مات وله ما يورث ، ورثه ورثته بعد أداء بقية كتابته لسيده إن كان عليه منها شئ . وفي الإسلام الآن لا يوجد رقّ ولا رقيق ، ولا مكاتب ، ولا عتيق ، ولا مدبّر ، وصار الناس جميعا أحرارا ، إلا ما تحاول الرأسمالية أن تحييه باستغلال العمال وطبقة الفلاحين والطبقة المتوسطة ، واسترقاق هؤلاء جميعا لمصلحة الاستعمار الجديد والإمبريالية العالمية . واللّه المستعان .
* * *
1248 - ( العقل والتعقّل والمتعقلون )
يخاطب القرآن أصحاب العقول ، ولذا يأتي فيه دائما « أفلا تعقلون » مثلما في الآيةأَ فَلا تَعْقِلُونَ( 44 ) ، والآيةلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ( 73 ) من سورة البقرة . والعقل يأتي في القرآن 49 مرة ، وفي اللغة يقال عقال البعير لأنه يمنع عن الحركة ، والمعقل هو الحصن المنيع .والعقل نقيض الجهل . والمسلمون على القول بأن العقل ليس بقديم ولا معدوم ، فلو كان معدوما لما اختص بالاتصاف به الإنسان دون غيره ، ولما تباين الناس بشأنه ، وقد ثبت وجوده ، ولكن يستحيل القول بقدمه ، لأنه لا قديم إلا اللّه . والعقلmindخلاف الذهنbrain، وخلاف المخcerebrum، فالعقل هو قوة الإدراك ، والذهن قوة الفهم في العقل ، والمخ قطعة اللحم في الدماغ بها خصائص الإدراك والحسّ ، وهو مكان العقل والذهن .
ومن الفلاسفة من يقول إن الذهن في المخ ، والعقل في القلب ، أو أن العقل بخلاف القلب ، فالعقل يدرك ، ولكن القلب يفقه ، والعقل لا يقسو ، وإنما الذي يقسو ويرحم ويشفق هو القلب . وقد يقال للعقل النفس ، وهي التي مناطها الفجور والتقوى ، ومنها النفس اللّوامة ، والمطمئنة ، والراضية ، والأمّارة بالسوء . والعقل الذي هو مناط التكاليف الشرعية : هو العلم بوجوب الواجبات العقلية ، واستحالة المستحيلات ، وجواز الجائزات والضروريات ، ويمتنع أن يقال عاقلا من لا علم له أصلا ، أو عالما من لا عقل له أصلا .
والقرآن عندما يوجه الخطاب لذوي العقول ، إنما للحضّ على إدراك الحقائق ، وأحيانا يخاطبهم باسمأُولُوا الْأَلْبابِ( 19 ) ( الرعد ) ، واللّب هو العقل الخالص من الآفات والجهل ، وكل لبّ عقل ، وليس العكس . وأحيانا يخاطبهم القرآن باسم « أولى النّهى » كقوله :إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى( 54 ) ( طه ) ، والنّهى هو العقل عندما يكون عمله النّهى عن القبيح وكل ما ينافي العقل . وتنفرد العربية باسم « النّهى » حيث لا نظير له في اللغات الأوروبية ، وقد يماثله عندهم السوبر إيجوSuperegoأو الأنا الأعلى ، وعند كنط هو هو الآمر الخلقيThe moral imperative. وكل قضايا القرآن بلا استثناء من المعقولات ، يعنى أنها تطابق العقل ، على عكس قضايا التوراة فإنها قضايا إلزامية قسرية تنافى العقل . وأيضا فإن قضايا الأناجيل ورسائل الرسل كلها فوق العقل ، يعنى ليست من المعقولات ، ولذلك لا يمكن أن تلزم العقلاء ، وانظر مثلا إلى وعد التوراة لليهود وعدا ملزما مع عدم استحقاقهم له ، وإلى إصرار النصارى على القول بأن المسيح ابن اللّه ، وأن له طبيعة إلهية مع أنه عاش كبشر . وهذا الفارق بين الديانات الثلاث هو الذي يجعل للعقل مكانة خاصة عند المسلمين ، وهو عندهم آلة تمييز ، وغريزة ، وقوة على المعرفة ، ونور ، وبصيرة ، وصفة يتأتّى بها درك اللّه تعالى من أسبابه في الكون ، ونستنبط كل ذلك من آيات القرآن ، كآية التوحيد مثلا التي تقول :وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ( البقرة 163 ) ، قيل لمّا نزلت هذه الآية ، تساءل كفّار قريش ، قالوا : هل من دليل على ذلك ؟
فأنزل اللّه :إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( البقرة 164 ) ، وكأنهم طلبوا دليل التوحيد بعد آية التوحيد ، ويخاطب الدليل العقل ، ويتوجه إلى العقلاء ، فإن هذا الكون المعجز ، لا بد له من خالق بان صانع ، وأن كل ما خلقه وبناه وصنعه لهو الدليل على وحدانيته وقدرته ، ولذلك كان الحديث : « ويل لمن قرأ هذه الآية فمجّ بها » ، أي لم يتفكّر فيها ويعقلها ويعتبرها . وفي القرآن كلما جاء « انظروا » أو « أفلا تنظرون » ، أو « أو لم ينظروا » ، فاعلم أن الخطاب إلى العقلاء ، والنظر دعوة للتعقّل والتفكّر والتدبّر .
فهذه إذن هي مكانة العقل في القرآن ، ومكانة الدعوة إلى التعقّل . وللّه الحمد والمنّة .
* * *
1249 - ( العورة )
عورة الرجل : ما بين السرّة والركبتين ، وليست السرّة والركبتان من العورة . وعورة المرأة : المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين ، ولذا يجيء في القرآن : « إن بيوتنا عورة » ، يقصد بالبيوت من بها من النساء ، وفي آية الاستئذان لذلك :لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ( النور ) . والمرأة وإذا صلّت خمّرت رأسها . ويجب ستر العورة عند الاغتسال ، وأن تستر عورة الميت ، ويباح لكل من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه ، ولكل رجل أن ينظر إلى جسد صاحبه ما عدا العورة ، ولا عورة للغلام الذي لم يبلغ تسعا . وتنظر المرأة من المرأة كل شئ ما عدا ما بين السرّة والركبة ، ولا فرق بين مسلمتين وبين مسلمة وذمية ، ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس والكفّين ، ويكره له أن ينظر إلى ساق أمه وصدرها ، ولا يجوز له أن ينظر إلى أم أو بنت من زنى بها ، ويباح للرجال كبار السن أو المصابين بالعنّة أو المرض أن ينظروا إلى الأجنبية ، ويباح للطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدن المرأة وعورتها ، وللمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ليس بعورة . * * *
1250 - ( الفاسقون ملحدون أو عصاة )
الفاسق : في اللغة هو الخارج عن الطاعة ، تقول : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها ؛ ويقال للفأرة فويسقة ، لخروجها عن جحرها للفساد ، وعن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم . . » الحديث ، منها الفأرة . والفاسق في المصطلح : هو الملحد أو العاصي ، وفسق الملحد أشدّ وأفحش لأنه ينكر اللّه ولا ينكره العاصي .وفي التعريف بالفاسق يقول اللّه تعالى :الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ(البقرة 27) فهذه أفعال الفاسق ؛ والفسق رجس ، ومنه أن تطعم المحرّمات كلحم الخنزير (المائدة 2) ( الأنعام 121).
وفي الآية :وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ( المائدة 47 ) ، أن الفاسقين هم الخارجون عن طاعة اللّه ، وفي نفس المعنى الآية :وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ( المائدة 49 ) يذكر أن أكثرهم من العصاة المخالفين للحق الناكبين عن الشرع . وفي الآية :قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ( المائدة 9 ) ، أن الفاسقين هم غالبية أهل الكتاب ، ووصفهم بأنهم نقموا على المسلمين إيمانهم مقارنة بأنفسهم ، ولا يستوى المؤمنون والفاسقون ، كقوله :أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ( السجدة 18 ) ، قيل نزلت في الوليد بن عقبة بن معيط لمّا تلاحى وعلىّ بن أبي طالب ، فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ سنانا وأردّ للكتيبة ، فقال له علىّ : اسكت فإنك فاسق ! قيل : فنزلت الآية ، وهي مدنية مع أن سورة السجدة التي تتضمنها مكية ولم يصف علىّ الوليد بالفسق إلا بناء على الآية :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ( الحجرات 6 ) ، قيل : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط لمّا بعثه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مصدّقا ( أي يجمع الصدقات ) إلى بنى المصطلق ، فلما أبصروه أقبلوا نحوه ، فهابهم لإحنة ( أي لخلاف ) كانت بينه وبينهم ، فرجع إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبره أنهم ارتدّوا عن الإسلام ، فبعث النبىّ صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد إليهم يثبّت من أمرهم ولا يعجل ، فأتاهم ليلا وبثّ عيونه ، فوجدهم متمسكين بالإسلام ، وسمع آذانهم وشاهد صلاتهم ، فلما أصبحوا أتاهم ورأى صحة ما وجد ، فعاد إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبره ، فنزلت الآية ، فقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « التأنّى من اللّه والعجلة من الشيطان » . فلأن القرآن نزل في الوليد بن عقبة بن معيط بأنه فاسق ، سبّه علىّ وعيّره بفسوقه .
وفي رواية أن الوليد ظن بنى المصطلق في قدومهم لاستقباله ينوون قتله ، فرجع يزعم ذلك ، وسمّى الوليد فاسقا أي كاذبا ، فذلك أحد معاني الفاسق ؛ وقيل : هو المعلن بالذنب الذي لا يستحى اللّه .
وآية عدم مساواة المؤمن والفاسق احتج بها البعض على منه القصاص بين المسلم والكافر ، لأن من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول ، ولم ير أبو حنيفة ذلك ، وحكم بقتل المسلم بالذمّى ، بدعوى أن عدم المساواة بينهما يكون في الآخرة ، وأما في الدنيا فالمساواة واجبة في العدالة . وادّعى المستشرقون أن القرآن أخطأ عندما جعل « لا يستوون » جمعا ، بينما الإشارة إلى مؤمن واحد وفاسق واحد ، فهما اثنان ، وكان الواجب أن يقول « لا يستويان » ، ولذا لزم التنبيه إلى أن المؤمن الواحد يعنى جنس المؤمنين ، والفاسق الواحد يعنى جنس الفاسقين ، فالاثنان إذن جمع ، وفي الآية :أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ( 19 ) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ( السجدة 19 ) أن مقر المؤمنين هو الجنة ، ومأوى الفاسقين النار ، والفاسقون هم الذين خرجوا على الإيمان إلى الكفر .
* * *
1251 - ( الفرائض في القرآن سنة )
الفرائض هي التي ورد عنها في آية المواريث ، تقول :يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ( 11 )وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَمِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ( النساء ) ، ومعنى يوصيكم فرض عليكم ، فسميت الفرائض ، وتعلّمها من علم الإسلام ، قيل هو ثلاثة : الفرائض ، والطلاق ، والحجّ ، وفي الحديث : العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة ، أو سنّة قائمة ، أو فريضة عادلة » ، ومن أجل ذلك قيل إن علم الفرائض هو ثلث العلم ، والآية المحكمة : المراد بها كتاب اللّه ؛ والسنّة القائمة : هي الثابتة ؛ والفريضة العادلة : من العدل في القسمة بحسب ما ورد في آية المواريث من الأنصباء والسهام ، أو تكون مستنبطة فتعدل ما هو موجود في الكتاب والسنّة . والفرائض في القرآن ستة : النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس ؛ فالنصف فرض خمسة : ابنة الصّلب ، وابنة الابن ، والأخت الشقيقة ، والأخت للأب ، والزوج . وكل ذلك إذا انفردوا عمن يحجبهم عنه .والربع : فرض الزوج مع الحاجب ، وفرض الزوجة والزوجات مع عدمه . والثمن : فرض الزوجة والزوجات مع الحاجب . والثلثان : فرض أربع : الاثنتين فصاعدا من بنات الصلب ، وبنات الابن ، والأخوات الأشقاء أو للأب ، وكل ذلك إذا انفردن عمّن يحجبهن عنه .
والثلث : فرض صنفين : الأم مع عدم الولد ، وولد الابن ، وعدم الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات ، وفرض الاثنين فصاعدا من ولد الأم . وهذا هو ثلث كل المال . وأما ثلث ما يبقى فذلك للأم في مسألة زوج أو زوجة وأبوين ، فللأم فيها ثلث ما يبقى ، وفي مسائل الجد مع الإخوة إذا كان معهم ذو سهم وكان ثلث ما يبقى أحظى له . والسدس :
فرض سبعة : الأبوان ، والجد مع الولد ، وولد الابن ، والجدة والجدّات إذا اجتمعوا ، وبنات الابن مع بنت الصلب ، والأخوات للأب مع الأخت الشقيقة ، والواحد من ولد الأم ذكرا كان أو أنثى - وهذه الفرائض كلها من القرآن إلا فرض الجدّة والجدّين فإنه من السنّة .
ولإيجاب هذه الفروض الآن سببان : نسب ثابت ، ونكاح منعقد ، وقديما كان هناك سبب ثالث هو ولاء العتاقة . وقد يجتمع للرجل السببان أو الثلاثة ، فيكون زوجا للمرأة وابن عمها ، وقد يكون أيضا مولاها بحسب الزمن القديم ، وعلى ذلك يرث بوجهين ، أو ثلاثة أوجه ، ويكون له جميع المال إذا انفرد ، نصفه بالزوجية ، ونصفه بالولاء أو بالنسب .
فإذا مات المتوفى أخرجت من تركته الحقوق المعيّنات ، ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره ، ثم الديون على مراتبها ، والوصايا على مراتبها ، ويكون الباقي ميراثا بين الورثة ، وجملتهم ستة عشر : تسعة من الرجال : الابن ، وابن الابن وإن سفل ؛ والأب ، وأب الأب وهو الجد وإن علا ، والأخ ، وابن الأخ ، والعم ، وابن العم ، والزوج . ويرث من النساء ست :
البنت ، وبنت الابن وإن سفلت ، والأم ، والجدة وإن علت ، والأخت ، والزوجة . وكانوا قديما يورثون مولى النعمة وهو المعتق ، ومولاة النعمة وهي المعتقة . وجعل بعضهم الورثة جميعا في نظم واحد هكذا ليسهل حفظهم :
والوارثون إن أردت جمعهم * مع الإناث الوارث معهم
عشرة من جملة الذّكران * وسبع أشخاص من النسوان
وهم وقد حصرتهم في النظم * الابن وابن الابن وابن العم
والأب منهم وهو في الترتيب * والجدّ من قبل الأخ القريب
وابن الأخ الأدنى أجل والعم * والزوج والسيد ثم الأمّ
وابنة الابن بعدها والبنت * وزوجة وجدّة وأخت
والمرأة المولاة أعنى المعتقة * خذها إليك عدّة محققة
* * *
1252 - ( القدر والقدرية )
القدر : هو تعلّق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخاصة ، فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان معين ، وسبب معين ، عبارة عن القدر . وقيل : القدر : خروج الممكنات من العدم إلى الوجود واحدا بعد واحد مطابقا للقضاء .والقضاء في الأزل ؛ والقدر فيما لا يزال . والفرق بين القدر والقضاء : هو أن القضاء :
وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة ؛ والقدر : وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها ، ومن ذلك الزواج مثلا ، كقوله تعالى :سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً( الأحزاب 38 ) ، والأرزاق ، كقوله تعالى :يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ( الشورى 12 ) ، وحادثات الطبيعة ، كقوله تعالى :فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ( القمر 12 ) ، والموت ، كقوله تعالى :نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ( الواقعة 60 ) ، والطارئات من المصائر ، كقوله تعالى :فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ( النمل 57 ) ، وكل ذلك من القدر ، وهو ما لا دخل للإنسان فيه ولا تكليف عليه من جهته .
والقدرية : فرقة من الفرق الإسلامية ، ومذهب في الكلام ، من القدرة : بمعنى الاستطاعة ، وأن الإنسان مريد لأفعاله قادر عليها . ولا يرى القدرية أن الكفر والمعاصي بتقدير اللّه ، وإنما من أعمال الإنسان المحسوبة عليه ، والقدرية بهذا المعنى تعنى مذهب حرية الإرادة . وكان المعتزلة قدرية ، وعكسهم الجبرية ، وقيل إن للرسول صلى اللّه عليه وسلم حديثا في القدرية هو : « القدرية مجوس هذه الأمة » ، والحديث ضعيف ، فما كانت القدرية كمذهب قد ظهرت أيام الرسول صلى اللّه عليه وسلم . وقد ينصرف نقد المسلمين للمذهب إلى أنه يقصر القدرة على العباد من دون اللّه ، والحقيقة أن القدرية فرّقوا بين قدرة اللّه وقدرة العباد ، وقالوا إن قدرته تعالى قدرة إبداع ، وإن قدرة العباد هي قدرة اكتساب وإبداع .
والآيات في ردّ القدرية كثيرة ، منها قوله تعالى وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ( النحل 9 ) فبيّن أن المشيئة للّه ، ولا فرق بين مشيئته تعالى وإرادته ، فعينهما سواء بالنسبة إلى اللّه تعالى ، وإنما الفرق بينهما في متعلق كل منهما ، فالإرادة تتعلق بترجيح أحد طرفي الممكن من حيث وجود الشيء أو عدمه : كقوله تعالى :وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ( الرعد 11 ) ، والمشيئة تتعلق بحقيقة الشيء أو ماهيته من غير ترجيح لأحد جانبيها ، وقد يحدث أن تتوجه مشيئة اللّه بتعليق إرادته بأحد طرفي الممكن ، كقوله :إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( يس 82 ) ، فالإرادة هنا والمشيئة سيّان ، ويسمى ذلك مشيئة الإرادة ، يعنى أنه تعالى شاء أن يريد كقوله :وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ( النحل 93 ) ، والمعنى أنه لم يشأ أن يجعلنا أمة واحدة ، وشاء أن يترك الأمر لنا ليضل من يشاء أن يضل ، ويهتدى من يشاء أن يهتدى ، وفي الحالتين فإنه يضل ويهدى عدلا منه فيهم بخذلانه لفسوقهم ، أو بتوفيقه إياهم ، ثم إنهم لمسئولون في الحالتين بعد أن بيّن لهم السبيلين والنجدين : الضلال والهدى . والفرق بين مشيئة العبد ، كقوله :لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ( النحل 31 ) ، وقوله :اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ( فصلت 40 ) ، وقوله :فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ( البقرة 223 ) ، وبين مشيئة الربّ ، كقوله :كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ( آل عمران 40 ) ، أن مشيئة العبد : اختيار يتردد بين أمرين كل منهما ممكن الوقوع ، فيترجّح أحدهما لمزيد مصلحة وفائدة ، ولكن مشيئة الربّ : هي اختياره الثابت ، إذ لا يصحّ لديه تردد ولا إمكان حكمين . ( انظر أيضا القضاء والقدر ضمن باب الإيمان ، والقضاء ضمن باب المصطلحات ) .
* * *
1253 - ( القرء والأقراء )
القرء هو الحيض ، والجمع أقرؤ ، وأقراء ، تقول : أقرأت المرأة إذا حاضت ، فهي مقرئ ؛ وأقرأت طهرت ، وقيل : اقرأت يعنى صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلنا قرأت بلا ألف . وقد سمى الحيض قرءا ، لاجتماع الدم في الرحم ، والمرأة قبل هذا الدم في طهر ؛ وقيل : الطّهر هو اجتماع الدم في البدن ولم ينزل بعد إلى الرحم ، ولكل من القرء والطّهر وقت ، فكأن الرحم يجمع الدم وقت الحيض ، والجسم يجمعه وقت الطهر .وقد يقال للطهر مع الحيض قرء ، كما يقال قرء للخروج من الطهر إلى الحيض ، أو من الحيض إلى الطهر ، وعلى ذلك فإنه في الآية :وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ( البقرة 228 ) يكون القرء هو الانتقال ، فهن ينتقلن من طهر إلى حيض ، ثم من حيض إلى طهر ، ثلاثة انتقالات ، فيصير القرء هو الطهر والحيض معا ، وتكون عدّة المطلقة ثلاثة انتقالات : فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه ، اعتدّت المرأة بما بقي منه ، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة ، ثم ثالثا بعد حيضة ثانية ، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلّت للأزواج وخرجت من العدّة .
* * *
1254 - ( قريش والقرشيون )
هذا الاسم يأتي مرة واحدة في القرآن في قوله تعالى :لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ( 1 ) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ( 2 ) ( قريش ) ، يمتن اللّه عليهم بما خصّهم من نعمة الأمن الاقتصادي والأمن العام ، كقوله :أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ( العنكبوت 67 ) ، وقوله :أَ وَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ( القصص 57 ) ، فشرّفهم أن كان البيت في بلدهم ، وجعلهم سدنته ، يأتي إليهم القاصي والداني ، كقوله :جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ( المائدة 97 ) ، وخصّها بما خصّها به :وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ( المائدة 97 ) .وقريش وهم : بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ، فكل من كان من ولد النضر فهو قريشىّ أو قرشي . وقيل أصل الاسم قريش من التقرّش وهو التجمّع ، وكانت قريش متفرّقة في غير الحرم ، فجمعهم قصىّ بن كلاب في الحرم ، حتى اتخذوه مسكنا . وقيل : قريش هم بنو فهر بن مالك بن النضر ، ومن لم يكن من نسل فهو فهو ليس بقرشىّ .
والأول أصح ، لأن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « إنا ولد النضر بن كنانة لا نفقو أمّنا ، ولا ننتفى من أبينا ، » ، أي لا نتهم أمّنا ولا أبانا ، يعنى أنهم من زواج حلال وليسوا أبناء سفاح ، أو أنهم ينتسبون لآبائهم ولا يتركون ذلك انتسابا للأمهات .
وفي الحديث : « إن اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من بنى كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفانى من بني هاشم » أخرجه مسلم .
وكما ترى أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يقول بالاصطفاء ، وهو أصلا من نظريات القرآن ، وينسب التاريخ لفعل الصفوة ، والصفوة هي التي توجه آليات المجتمع وأوضاعه وقواه الاقتصادية والسياسية وتصنع التاريخ . وليست الصفوة سلالة عرقية ، ولكنها بتأثير التنشئة والتربية ، واليهود يقولون بأنهم الصفوة عرقيا واختيارا وليس عن استحقاق ، والقرآن يقول بالصفوة وإنما اختيارا ، عن تقوى وفلاح وعلم وصلاح ، وذلك هو الفرق بين نظرية الصفوة أو الاصطفاء في الإسلام ، وهذه النظرية عند اليهود في التوراة .
وقريش كانت صفوة العرب ، لأنهم كانوا أهل حرم ، ولأنهم فهموا حركة التاريخ فتجمعوا بعد تفرّق ، والتقرّش كما أسلفنا هو التجمّع ، وامتهنوا التجارة لأنها عصب التقدم وأساس التعلّم ، والتقرّش هو أيضا التكسّب ، تقول : قرش يقرش يعنى اكتسب ، والاكتساب قد يكون للمال ، أو للعلم ، أو للخبرة ، أو لمودة الناس ، أو يكون أحلافا وعهودا مع سائر الأمم والشعوب . وقريش كانوا أهل نجدة وأصحاب حمية ، ويعينون الناس والحجّاج خاصة ؛ ولم يخلقهم اللّه هكذا لهذا الدور دون البشر ، لكنهم فهموه ووعوه بالخبرة والتعلّم ، وكانوا أصحاب منعة ، وقيل : سمّوا قريشا من القرش أقوى سمك البحر ، يأكل ولا يؤكل ، ويعلو ولا يعلى عليه .
واشتهروا برحلتى الصيف والشتاء إلى الشام واليمن ، يمتارون فيهما ويميرون العرب ، فكانوا عماد الاقتصاد العربي ، يحملون لمختلف القبائل الميرة والزاد والعدة والزوّاد . وقادوا أكبر حركة مقاومة لديانة من الديانات ، ومنهم كان إمام الأنبياء والمرسلين ، وبلغتهم نزل أفضل كتب اللّه ، وعلى رأسهم كان أئمة الكفر ، فلم يوجد مطعن في الإسلام إلا وكان لهم في اختراعه نصيب ، ولم يذكر مصطلح الكفّار في القرآن إلا وكان المقصود به الذين أنكروا اللّه ونبوة محمد والبعث والحساب من القرشيين .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 10 نوفمبر 2023 - 21:03 عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق
الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
1255 - ( القضاء )
هو في الاصطلاح القرآني : الحكم الإلهى في أعيان الموجودات على ما هي عليه من الأحوال الجارية من الأزل إلى الأبد ، كقوله تعالى :وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( البقرة 117 ) ، على عكس القدر : فهو تعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان معين وسبب معين . ومن أمثلة القدر قوله تعالى :يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ( الرعد 26 ) ، ولو كان الأمر في الكفر والإيمان قضاء ما عصى اللّه أحد . والقضاء بمعان ، منها الوصية ، كقوله :وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ( الإسراء 23 ) ؛ والخلق ، كقوله :فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ( فصلت 12 ) ؛ والحكم ، كقوله :فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ( طه 72 ) ؛ والفراغ ، كقوله :قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ( يوسف 41 ) أي فرغ منه ؛ والإرادة ، كقولهإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( آل عمران 47 ) ؛ والعهد ، كقوله :إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ( القصص 44 ) . فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء اللّه . ( انظر أيضا القدر والقدرية ضمن باب المصطلحات ، والقضاء والقدر ضمن باب الإيمان ) . * * *
1256 - ( القياس أجمعت عليه أمة الإسلام )
كان إبليس أول من قاس ، فقال :أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ( الأعراف 12 ) ، فرأى أن النار أشرف من الطين ، ومن ثم كان هو أشرف من آدم . وهذا مثل في القياس . والقياس قال به كثيرون ، منهم الصحابة والتابعون ، والتعبّد به جائز عقلا وواقع شرعا ، فلا عصمة لأحد إلا في كتاب اللّه وسنّة نبيّه وإجماع أهل العلم إذا وجد فيهم الحكم ، فإن لم يوجد فالقياس . والاجتهاد والاستنباط من كتاب اللّه وسنّة نبيّه ، وإجماع الأمة هو الحق الواجب والفرض اللازم ، والأمة أجمعت على القياس ، ومن نصائح الأشعري فيه : أن ما لا تبلغه في الكتاب والسنة فقسه على ما تعرفه منهما ، وخذ ما ترى أنه الأشبه بالحق .- ولمّا قال أبو عبيدة لعمر في حديث الوباء : نفرّ من قدر اللّه ؟
قال عمر : نعم ! نفرّ من قدر اللّه إلى قدر اللّه ، ثم قال : أرأيت ؟ ! فقايسه وناظره بما يشبه مسألته ، وذلك هو « القياس المحمود » ، وهو أصل من أصول الدين يرجع إليه المجتهدون ، فأما « القياس المذموم » فهو المتكلّف الذي ليس على الأصول ، وهو ظنّ ، ونهى اللّه تعالى عنه فقال :وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( الإسراء 36 ) .
* * *
1257 - ( الكفر والكافرون )
الكفر : هو الجحود بأن للعالم خالقا ، وأنه اللّه الواحد ؛ والجاحد لا يشكر النعمة لأنه لم يقر أصلا بأن اللّه هو واهب النّعم . والكفران : هو ستر النعمة ؛ والكافر هو الجاحد لوجوده تعالى ، ولنعمه ، والجمع كافرون إن كان المقصود الكفر بالنّعم ، والكفرة إن كان المقصود إنكار اللّه . والكفر بخلاف الشرك ، لأن الكفر إنكار بالكلية للّه تعالى ، في حين أن الشرك إقرار باللّه وبأن له أندادا . والإيمان نقيض الكفر إن تعلّق الأمر باللّه ، والشكر هو النقيض إن تعلّق الأمر بالنّعم ، والكفور نقيض الشاكر ، ونقيض المؤمن ، والشيطان كفور ( الإسراء 27 ) ، وكذلك الإنسان ( الإسراء 67 ) ، والكفور ختّار ، أي غدّار ( لقمان 32 ) ، وخوّان ( الحج 38 ) ويئوس لا عزم له ( هود 9 ) ، ومغرور ( الملك 20 ) . ومن علامات كفره : الظلم ( الإسراء 99 ) ، والصدّ عن سبيل اللّه ( محمد 34 ) ، والفجر في إيقاع الأذى بالناس ( عبس 42 ) ، والكيد ( غافر 25 ) ، وكفره يزيد وينقص ( آل عمران 90 ) ، وزيادته تعنى الإصرار عليه ؛ وأعراب الناس : هم أجهلهم في الدين ( التوبة 97 ) ، وحالهم والكافر شديد الكفر سواء ؛ وهم سكان العشوائيات وأطارف التجمّعات السكنية ، ولا وسيلة لهم لمعرفة الدين ، ولا السماع للقرآن وتفهّم معانيه ، فتنتشر بينهم الخرافة . ومؤنث الكافرين الكوافر ، جمع كافرة ( الممتحنة 10 ) ، والنار مثوى الكافرين ( الزمر 32 ) ، وعذابهم فيها أليم وشديد ومهين ( المجادلة 4 ، والشورى 26 ، والبقرة 104 ) ، ولهم سلاسل وأغلال وسعير ( الإنسان 4 ) ، وجهنم لهم حصير ( الإسراء 8 ) .وإنكارهم شديد للبعث ( الروم 8 ) وللآخرة والزكاة ( فصلت 7 ) ، وللرسل ( فصلت 14 ) ، لعنهم اللّه بكفرهم ( البقرة 88 ) . ومثلما الإيمان له أئمة فكذلك الكفر ( التوبة 12 ) ، وهم أشد الناس إصرارا عليه والدعوة إليه ، من أمثال أبى جهل ، وعتبة ، وشيبة ، وغيرهم ، وكلمة الكفر ( التوبة 74 ) : هي استهزاؤهم بالدين وباللّه وبالرسول والقرآن ، ويحبون الحياة الدنيا على الآخرة ، ويبغونها عوجا ، وهم في ضلال بعيد ( إبراهيم 3 ) .
وقلوب الكفار : وصفها اللّه تعالى بعشرة أوصاف : بالختم ، والطبع ، والضيق ، والمرض ، والرّين ، والموت ، والقساوة ، والانصراف ، والحمية ، والإنكار . ( أنظر القلب في الإيمان وفي الكفر ضمن باب الإيمان ) .
* * *
1258 - ( اللوح المحفوظ )
هو لوح سماوي ، قيل هو خزانة كتبه تعالى إلى البشر ، رصد فيه كل الأقدار والمقادير ، والأسباب والمسببات ، وهو محفوظ من أن يضيع ، أو ينسى ، أو يطّلع عليه آخرون سواه تعالى ، أو من يكلّفه . وقيل هو أم الكتاب لأن منه انتسخ القرآن :وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ( الزخرف 4 ) وأم الكتاب : يعنى الكتاب الأصل أو المرجع ؛ وهو علىّ : أي لا يطال ، ولا ينال ، ولا يبدّل ؛ وهو حكيم : أي محكم الحفظ ، كقوله :إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ( 77 ) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ( 78 ) ( الواقعة ) يعنى أن القرآن من الذخائر والنفائس ، لأنه كلامه تعالى ؛ وإكرامه : أنه في كتاب مصون من الضياع والعبث والقدم ؛ والمكنون : هو المخفى الذي لا يطلع عليه أي أحد . وفي الآية :بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ( 21 ) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ( 22 ) ( البروج ) : المجيد : هو المتناهى في الشرف والكرامة والبركة ، لأن فيه كل شئ عمّا يحتاج إليه الناس من أحكام الدين والدنيا . ولنلاحظ أن الكثير من الكلام في المراجع المختلفة عن اللوح المحفوظ هو من الترهات ولا مرجعية له ، ويدرج ضمن الإسرائيليات ، وكان ابن عباس أكثر من شارك في الترويج لها ، وكلامه فيه يشكّل مع كلام الآخرين ميثولوجيا إسلامية خاصة تستحق دراسة كاملة ومن ذلك قوله : إن اللوح المحفوظ من ياقوتة حمراء ، وأعلاه معقود بالعرش ، وأسفله في حجر ملك يقال له « ماطريون » ، كتابته نور ، وقلمه نور ، وينظر اللّه تعالى في اللوح المحفوظ في كل يوم 360 مرة ، وفي كل مرة يقدّر جديدا ، فيرفع وضيعا ، ويضع رفيعا ، ويغنى فقيرا ، ويفقر غنيا ، ويحيى ويميت ، ويفعل ما يشاء ! ! !ومن خرافات أنس بن مالك الإسرائيلية قوله عن اللوح المحفوظ إنه في جبهة إسرافيل ! ! ومن خرافات غيره : أن اللوح المحفوظ عن يمين العرش ، وفيه أصناف الخلق والخليفة ، وبيان أمورهم ، وذكر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم ، والقضاء النافذ فيهم ، ومآل وعواقب أمورهم ! !
ومن أقوال ابن عباس العجيبة في اللوح المحفوظ : أول شئ كتبه اللّه تعالى في اللوح المحفوظ : إني اللّه ، لا إله إلا أنا ، محمد رسولي ، من استسلم لقضائى ، وصبر على بلائي ، وشكر نعمائي ، كتبته صدّيقا ، وبعثته مع الصدّيقين . ومن لم يستسلم لقضائى ، ولم يصبر على بلائي وشكر نعمائي ، فليتخذ إلها سواي ! » - فمن أين جاء ابن عباس بهذا الكلام عن اللّه تعالى ؟ ! وقيل : إن ابن الحنفية لمّا توعّده الحجّاج ، كتب إليه وهو مقتنع بكلام ابن عباس عن اللوح المحفوظ ، قال : بلغني أن للّه تعالى في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ : يعزّ ويذلّ ، ويبتلى ويفرح ، ويفعل ما يريد ، فلعل نظرة منها تشغلك بنفسك فتنشغل بها ولا تتفرغ !
- وقيل أيضا في اللوح المحفوظ : إنه يلوح للملائكة فيقرءونه ليعرفوا ما جهلوا عن الكون .
وأصل اللوح هو الكتف ، واللوح أيضا ما يكتب فيه .
* * *
1259 - ( المتقون : من هم ؟ )
من يتّقى ، ووقى ، واتّق ، واتّقون ، واتّقين ، والأتقى ، وتقىّ ، وتقاة ، والتّقوى . وترد المتّقون في القرآن 49 مرة . وأصل التقوى في اللغة : قلة الكلام ، ومن ذلك الحديث : « التّقىّ ملجم ، والمتّقى فوق المؤمن والطائع » : أي التّقىّ هو من يتّقى ، بصالح عمله ، وخالص دعائه ، عذاب اللّه ، مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه ، كقول النابغة :سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * فتناولته واتّقتنا باليدوالنصيف الخمار ، يقال المرأة نصفت رأسها بالخمار : يعنى اختمرت به ؛ وقد نصفها : أي أنه نصف بين الناس وبينها ، بمعنى صار حاجزا بينها وبينهم . ومن أقوال بعض العارفين : إن الناس ما أكثرهم ، إلا أنهم لا خير فيهم إلا تائب أو تقىّ .وعن البسطامي : المتّقى من إذا قال - قال اللّه ، ومن إذا عمل - عمل اللّه . - وعن الدارانى : المتّقون الذين نزع اللّه عن قلوبهم حبّ الشهوات . - وعند العرفانيين : المتّقى من يحذر الطريق كأنما يسير على شوك ، فذاك التقوى : الحذر . والشاعر يقول :
خلّ الذنوب صغيرها * وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق * أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة * إن الجبال من الحصى
والتقوى فيها كل الخير ، وهي وصية اللّه في الأولين والآخرين ، وخير ما يستفيده الإنسان ، كما يقول أبو الدرداء :
يريد المرء أن يؤتى مناه * ويأبى اللّه إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتى ومالي * وتقوى اللّه أفضل ما استفادا
والأصل في التقوى وقوى ، على وزن فعلى ، فقلبت الواو تاء من وقيته أقيه ، أي منعته ، ورجل تقىّ يعنى يخاف ، وأصله وقى ، وكذلك تقاة كانت في الأصل وقاة ، كما قالوا تجاه وتراث ، والأصل وجاه ووراث .
والمتّقون في التعريف : هم أولياء اللّه ( الأنفال 34 ) ، وليّهم اللّه ( الجاثية 19 ) ، يحبّهم ( التوبة 7 ) ، وهو معهم ( التوبة 36 ) ، يصدّقون اللّه ( البقرة 177 ) ، ويوفون بعهده ( آل عمران 76 ) ، ويجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم ( التوبة 44 ) ، ويؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة وينفقون مما يرزقون ، ويؤمنون بما أنزل على النبيين ، ويوقنون بالآخرة ( البقرة 2 / 5 ) ، ويؤمنون بالملائكة ، ويصبرون في البأساء والضراء وحين البأس ، ويؤتون المال على حبّهم ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين ( البقرة 177 ) ، وعدهم ربّهم دار الآخرة ولنعم دار المتقين ( النحل 30 ) ، وهم فيها في جنات ونعيم ( الطور 17 ) ، في ظلال وعيون ( المرسلات 41 ) ، ومقامهم فيها المقام الأمين ( الدخان 51 ) ، لهم العاقبة ( هود 49 ) ، وحسن المآب ( ص 49 ) ، وإمامهم إبراهيم ( الفرقان 74 ) ؛ والمقابل لهم :
الفجّار ، من الفجور : وهو ركوب المعاصي ، وارتكاب المفاسد ، والميل عن الحق ؛ والفاجر :
المنقاد للمعاصي ، والجمع فجرة وفجّار .
* * *
1260 - ( المتوسّمون هم المعتبرون )
من وسم : أي جعل له علامة ، وتوسّم الشيء تفرّسه وطلب وسمه ، أي علامته يستدل بها على مطلوب غيرها . والمتوسّمون تأتى مرة واحدة في القرآن ، في قوله تعالى :إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ( الحجر 75 ) ، فقد أنزل اللّه العذاب بقوم لوط فأخذتهم الصيحة مشرقين - أي وقت الشروق ، فجعلت عاليهم سافلهم ، وأمطرت عليهم حجارة من سجّيل - أي من جهنم ، وفي ذلك آيات لمن يعتبر ، وعلامات يقرأها المتفرّس المتأمل فيتّعظ ، فما زالت آثار ذلك اليوم ظاهرة في سدوم وعامورة بفلسطين ، وإنها لبسبيل مقيم يمر به العابرون فينظرون بالبصر والبصيرة . فالمتفرّسون صنف من المؤمنين يتّسمون بالفراسة ، وفيهم الحديث : « اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه » أخرجه الترمذي ، والحديث : « إن للّه عزّ وجلّ عبادا يعرفون الناس بالتوسّم » ، وهم إذن الناظرون المتفكّرون ، والواسم : هو الذي ينظر إليك من فرقك إلى قدمك .وأصل التوسّم : هو التثبّت والتفكّر . والوسم في الأصل التأثير بحديدة تصنع علامة في الخيل أو البقر أو البعير تدل على صاحبها . والمتوسّم لا يكون كذلك إلا بجودة قريحته ، وحدّة خاطره ، وصفاء فكره ، وتفريغ قلبه من حشد الهموم ، وتطهير نفسه من أدناس المعاصي ، وكدورة الأخلاق ، وفضول الدنيا . والمتوسمون : هم أهل الخير والصلاح . والتوسّم : عند الصوفية كرامة ، وعند أهل النظر استدلال بالعلامات ، ومنها ما يكون ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة ، ومنها ما يخفى فلا يبدو إلا بتمعّن وتفحّص وتفكّر وتأمّل ، ولا يدرك ببادئ النظر . وأهل التوسّم إذا توسّموا قصة لوط ، وآثار سدوم وعامورة ، يعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك غيرهم إذا ارتكبوا معاصي كمعاصيهم . وفي الخبر أن أنس بن مالك دخل على عثمان بن عفان ، وكان أنس قد مرّ بالسوق فنظر إلى امرأة ، فلما نظر إلى عثمان قال له عثمان : يدخل أحدكم علىّ وفي عينيه أثر الزنا ! فقال أنس : أوحيا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقال عثمان : لا ، ولكن برهان وفراسة وصدق ! وفي علم النفس : التوسّم والتفرّس من مدارك المعاني ؛ وفي المنطق لا يعتبر بالتفرّس ولا بالتوسّم حكم ، وإنما اعتباره في التحليل النفسي ، وفي القانون والشرع لا يؤخذ به موسوم ولا متفرّس ، فمدارك الأحكام معلومة قانونا وشرعا ومدركة قطعا ، وليس التوسم ولا الفراسة منها .
* * *
1261 - ( المجوس فرقة غنوصية )
المجوسMagi، واحدهم مجوسيMagus، فارسية وتعنى كاهنا . والغربيون أخذوا الاصطلاح عن الإغريقيةMagos. وكان المجوس خدمة دين زرادشت ، وهم رهبان ؛ وفي ملّتهم : أن الوجود له أصلان : النور « يزدان » ، والظلام « أهرمن » ، والأول مبدأ الخير ، والثاني مبدأ الشرّ ؛ والنار عندهم عنصر شريف علوي يطهّر من الأدران والشرور ، فكانوا لذلك لا يطفئون النار ، ويوقدونها باستمرار ، وجعلوا الصلاة إليها من طقوسهم ، فقيل فيهم إنهم « عبدة النار » ، فالعناصر عندهم أربعة : الماء ، والتراب ، والهواء ، والنار ، وأشرفها النار ، وكان إبليس من النار بينما الملائكة من النور ، فكان - كما قيل - أشرف منهم .وكنائس المجوس أو معابدهم تسمى « بيوت النار » ، ومع تقديسهم للنار فإنهم لم يكونوا يحرقون الموتى ، وإنما يضعونهم فوق أسطح البيوت فتأكل لحومهم الغربان والطير والهوام .
والمجوس علماء فارس وحكماؤها وفلاسفتها ، واشتهروا بالتنجيم وقراءة الطوالع .
وفي إنجيل متى ( 2 / 5 - 11 ) قيل إن هيرودس استدعاهم يسألهم عن ظهور نجم المسيح ، وأرسلهم إلى بيت لحم لما تنبّأ الكتبة ، يستفسرون عمّا إذا كان المسيح قد ولد ، وقيل : كان نجم المسيح يتبعهم ( لما ذا ؟ لم يقل أحد ) ، ووقف عند الموضع الذي عثروا فيه على المسيح مع أمه ، فسجدوا له ! ونسأل : كيف يقف النجم فوق الموضع الذي كان فيه المسيح ؟ إن النجم نراه من أي مكان وكأنه فوقنا ، فلما ذا هذا التخصيص لهؤلاء ؟ ولما ذا هذه الرواية عن المجوس ؟
ولما ذا انفرد بها متّى ؟ ومتّى نفسه لا نعرف عنه سوى أنه مؤلف هذا الكلام ، وأنه يهودي متنصّر ، وكان جابيا وله دراية بالتنجيم ، ولهذا كان هو الراوي الوحيد لحكاية المنجّمين المجوس . ورغم أنه كان يهوديا إلا أنه كان هو نفسه يتعبّد النجوم ويؤلّه الأصنام ، ولذا اعتقد أن المجوس هداهم نجم المسيح من فارس إلى القدس ، ثم إلى بيت لحم . ونسأل :
وبعد وصولهم ما ذا حدث ؟ وما ذا أفادوا أو استفادوا ؟ ويأتي ذكر المجوس في القرآن في الآية :إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( الحج 17 ) ، فهذه خمس ملل ضلوا :
اليهود ، والصابئة ، والنصارى ، والمجوس ، والمشركون ، وآمنت السادسة وهم المسلمون ، وفي الآية : أن اللّه يقضى بين المؤمنين وبين أتباع هذه الملل يوم القيامة ، أيهم الضال وأيهم المؤمن ؟ وفي الآية بعدها قال تعالى :أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ( الحج 18 ) ، فلمّا ذكر المجوس والنصارى في الآية الأولى ، استوجب أن يردّ على سجودهم للمسيح ، وأن يوبّخ متّى الذي افترى هذه الفرية : أن من الممكن أن يسجد بشر لبشر ! فقال : إن اللّه وحده هو الذي له السجود ، وأنه تعالى تسجد له كل المخلوقات والكائنات والموجودات ، ثم استثنى فقال « وكثير من البشر » وهؤلاء هم المؤمنون الموحّدون وقال : « وكثير حقّ عليه العذاب » من أمثال متّى وهؤلاء المجوس ، ونبّه إلى جرمهم ، أن عملهم هذا فيه إهانة للّه ، لأن الانصراف عنه تعالى إلى وثن ، أو صنم ، أو رجل - وإن يكن المسيح - فيه إهانة للّه ، وإكرام اللّه يكون بتوحيده وإفراده بالسجود ، ومن يكرم اللّه فإنما يكرم نفسه ، فإن جعل معبوده اللّه فإنه يرقى بنفسه ويسمو بها ، وإن جعل معبوده الصنم أو المسيح ، فقد أهان نفسه أيّما إهانة ، واستصغر شأن اللّه . ولربما يوجد في العالم مجوس حتى اليوم في الهند وإيران .
* * *
1262 - ( المحضرون )
من اصطلاحات القرآن ، من حضر ضد غاب ، والمحضرون جمع محضر : وهو الذي يجاء به قسرا ، ويوم القيامة يقسر الجميع على الحضور ، كقوله :وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ( يس 75 ) ، وقوله :يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً( آل عمران 30 ) يعنى قد أحضر لها ، وأكثر المحضرين من أهل النار ، كقوله :وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ( الروم 16 ) . * * *
1263 - ( المحكمات والمتشابهات )
في الآية :هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ( آل عمران 7 ) ؛ وفي الآية :هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ:أن آيات القرآن إما محكمات وإما متشابهات ، فما هما ؟ المحكمات : ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره ؛ والمتشابهات : هي ما لا يعلم تأويله إلا اللّه ، مثل وقت الساعة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، والدّجال ، وعيسى ، والحروف المقطّعة في أوائل السور ، وأن عدد خزنة جهنم تسعة عشر ، وأن بالجحيم شجرة اسمها الزقّوم ، والمحكمات : هي ثوابت الدين ، وهي الأصول المشتركة في كل الملل ، مثل واحدية اللّه ، فهذه هي المحفوظة في اللوح عنده تعالى ، وهو المسمى لذلك باسم اللوح المحفوظ . وقوله تعالى :كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ( هود 1 ) ، وقوله :كِتاباً مُتَشابِهاً( الزمر 23 ) ، متعلقهما بشيء آخر خلاف معنى « المحكمات والمتشابهات » ، فإحكام الآيات يعنى نظمها ورصفها ، وتشابه الكتاب يعنى أنه يشبه بعضه بعضا ، ويصدق بعضه بعضا ؛ وأما المحكم الذي نحن بصدده : فهو ما لا لبس فيه ولا يحتمل إلا وجها واحدا ، بينما المتشابهات : هي ما يحتمل عددا من الوجوه . وقيل :
المحكمات : فيها دفع الباطل والخصوم ، وحجة الربّ ، وعصمة العبد ، وليس لها تصريف ولا تحريف عمّا وضعن عليه ؛ والمتشابهات : لهن تصريف وتحريف وتأويل . والمحكمات : ما كان قائما بنفسه ، لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره ، والمتشابهات عكس ذلك ، مثل قوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً( الزمر 53 ) ، فإنها تحتاج إلى تفسير ويرجع فيها إلى غيرها ، فهذه من المتشابهات وليست من المحكمات ، مثل آيات الوصية ، ومثل قوله تعالى :فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ( المؤمنون 101 ) ، وقوله :وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ( الصافات 27 ) ، وقوله :وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً( الفتح 14 ) ، وقوله :وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً( الفتح 7 ) ، وقوله :وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً( النساء 137 ) ، فكأنه كان ثم مضى ، فهذه متشابهات تحتاج إلى تفسير ، فأما آيتا الأنساب ، فإنه عند نفخة الصور الأولى يكون الصعق ولا مجال فيه للسؤال عن الأنساب أو التساؤل ، وفي النفخة الثانية عند البعث يقبل بعضهم على بعض يتساءلون دون البحث في الأنساب ؛ وأما آيات « كان » فإنّ كان تعنى لم يزل ولا يزال ، وهكذا . وهذه جميعا من المحكمات .
* * *
1264 - ( المخبتون )
المخبتون : هم الذين لا يظلمون ، وإذا ظلموا لم ينتصروا ؛ والمخبت : هو المؤمن الخاشع المطمئن بأمر اللّه ؛ والخبت هو التواضع للّه ، كقوله تعالى :وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ( 34 ) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ( الحج 35 ) ، وصفهم بالخوف والوجل عند ذكر اللّه ، لقوة يقينهم ولمراعاتهم لربّهم وكأنهم بين يديه ؛ ووصفهم بالصبر وإقامة الصلاة وإدامتها . * * *
1265 - ( المراء والممترون )
المراء اصطلاح قرآني ويعنى الشك ، كقوله تعالى :فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ( هود 17 ) ، أي في شك ؛ والشك يدفع إلى الجدل ، كقوله :أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى( النجم 12 ) ، أي تجادلونه ؛ والممترون : هم الشاكون ، كقوله :الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ( آل عمران 60 ) ، والمراء مذموم ، وذلك هو « المراء الحقيقي » ، وهو الذي يكون شكّا صريحا عند صاحبه ، وهناك « المراء الظاهري » كقوله :فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً( الكهف 25 ) ، يعنى لا تكثر من المراء ، ويكفى أن لا تبدى رأيك ، أو تعتذر بأن تقول :هناك من لا يرى ذلك ، أو تقول : من وجهة نظر أخرى - من مثل هذه الاعتراضات التي ليست مراء أو امتراء إلا شكليا .
والفرق بين المراء والجدل ، أن المراء في الباطل ، والجدل في الحق ، كقوله :إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ( الشورى 18 ) ، وقوله :وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( العنكبوت 46 ) . والفرق بين المراء والشك ، أن الشك قول تفصح عنه ، ولكن المراء شك تبديه وتكثر من الجدل فيه . وقولك : « لا شك في كذا » ، يمنع الترجيح بين حالتين ، ويظهر أنك تميل إلى ناحية منهما . فإذا قلت : « لا مراء أن كذا » فإنك تعلن ترجيح واحدة وتجادل على صحتها أو بطلانها . والامتراء من أنماط سمات الشخصية ، وهو اصطلاح قرآني خالص أشدّ من اصطلاح « الشك » ، وهذا الأخير من مصطلحات علم النفس والطب النفسي والفلسفة الغربية ، وسمة الامتراء أكبر من سمة الشك ، لأن الامتراء فيه شك ويستتبع الجدل . وأصل الامتراء : أنه المسح على ضرع البهيمة استدرارا للبن ، والممترى لذلك : هو الذي يظل يعالج في المسألة ليفيد من ذلك استخراج ما يقوّى شكه ودفوعه لإثبات هذا الشك .
* * *
1266 - ( المستهزءون )
المستهزءون : هم الساخرون ، من هزأ : أي سخر ؛ ورجل هزأة : هو الذي يهزأ منه .والمستهزءون كمصطلح قرآني ، هم الذين يستهزءون باللّه وبآياته ورسوله ، وكذّبوا بكل شئ ، ويقول تعالى في وصفهم :وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ( الحجر 11 ) ، ويقول :اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ( البقرة 15 ) ، ويقول :فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ( الأنعام 5 ) ، ويقول :كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ( الأحقاف 26 ) ، ويقول :وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ( الأنعام 10 ) ، وأمثال هؤلاء المستهزئين لا يحق لمسلم أن يجادلهم ولا أن يجالسهم ، كقوله :إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ( النساء : 140 ) .
وكان أكابر المستهزئين أيام الرسول صلى اللّه عليه وسلم خمسة نفر ، كانوا رؤساء أهل مكة ، وهم : الوليد بن المغيرة ، وهو رأسهم ؛ والعاص بن وائل ؛ والأسود بن عبد المطلب بن أسد - أبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن الطلاطلة ، وقد هلكوا جميعا يوم بدر .
وقيل : فإن هؤلاء الذين عناهم اللّه تعالى بقوله :فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ( النحل 26 ) ، فشبّه ما أصابهم في موتهم بالسقف الواقع عليهم .
* * *
1267 - ( المفلحون )
من الفلح ، وأصله في اللغة الشقّ والقطع ؛ وفلاحة الأرض شقّها للحرث ؛ والفلّاح هو الذي ينهض بعبء الفلاحة وفي الأمثال : الحديد بالحديد يفلح - أي يشق . والفلحة تكون شقا بالشفة السفلى ، وصاحبها هو الأفلح . و « المفلحون » تأتى في اثنتي عشرة آية بمعنى الفائزين الذين يشقون لينالوا مطلبهم ، ويأتي في التعبير عنهم أنهم :وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( 5 ) ( البقرة ) ، أوفَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( 8 ) ( الأعراف ) ، ، أوهُمُ الْمُفْلِحُونَ( 22 ) ( المجادلة ) ، وفلاحهم هو الفوز بالجنة . وقيل : الفلاح هو الفوز والبقاء ، وفي الحديث : « حتى كاد يفوتنا الفلاح » ، قيل : وما الفلاح ؟ قال : « السحور » ، فكأن السحور به بقاء الصوم ، فلهذا سمّاه فلاحا . وفي التعريف بالمفلحين أنهم : الذين يؤمنون بالغيب ؛ وينفقون مما رزقهم اللّه ؛ ويؤمنون بما أنزل على الرسول ؛ وما أنزل من قبله ؛ ويوقنون بالآخرة ( البقرة 3 / 5 ) ؛يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ( آل عمران 104 ) ؛ والذين تثقل موازينهم عند الحساب ( الأعراف 8 ) ؛ والذين آمنوا بالرسول وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي أنزل معه ( الأعراف 57 ) ؛ والذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ( التوبة 88 ) ؛ والذين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم قالوا سمعنا وأطعنا ( النور 51 ) ؛ والذين يؤتون ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ( الروم 38 ) ؛ والذين يقيمون الصلاة ؛ ويؤتون الزكاة ( لقمان 5 ) ؛ والذين يحادّون من حاد اللّه ورسوله ( المجادلة 22 ) ؛ والذين يوقون شحّ أنفسهم ( الحشر 9 ) ، فهذه خمس عشرة صفة تميز المفلحين . * * *
1268 - ( المقتسمون : من هم ؟ )
المقتسمون اصطلاح قرآني ، كقوله تعالى :كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ( 90 ) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ( 91 ) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ( 92 )عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ *( الحجر ) ، من قسم قسما :الشيء جزّأه ، والمقتسم فاعل القسمة ، وقيل : المقتسمون هم قوم صالح تقاسموا على قتله ، واقتسموا أيمانا تحالفوا عليها . وقيل : هم كفار قريش ، منهم العاص بن وائل ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل ، وأبو البختري ، وأمية ، ومنبّه ، اقتسموا كتاب اللّه ، فجعلوا بعضه شعرا ، وبعضه سحرا ، وبعضه كهانة ، وبعضه أساطير الأولين ، ثم إنهم استهزءوا به ، وجعلوه عضين ، واحده عضّة ، أي وافقوا على بعضه وأنكروا بعضه ، وفي الرواية : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن العاضهة والمستعضهة أي الساحرة والمتسحّرة ، أي أنهم أكثروا البهت على القرآن ، ونوّعوا الكذب فيه ، والعضه هي النميمة ، والعضيهة هي البهتان ، يعنى أنهم يعضهون القرآن ويقولون ما ليس فيه ، من العضاة وهو نوع من الشجر كالشوك . وما يزال المستشرقون من أهل الكتاب هذا دأبهم ، وما زال ذلك في العلمانيين وفي التنويريين في عصرنا ، وخاصة في مصر : يقتسمون القرآن ، ويعضهونه ، وهم لذلك من المقتسمين بحسب الاصطلاح .
* * *
1269 - ( المقمحون )
في الآية :إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ( يس 8 ) ، والمقمحون : هم المعرضون الغافلون ، ويقال للمعرض عن الشيء أنه غافل عنه ، وفي التصنيف العقدي والنفسي القرآني المقمحون مثل أبى جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، من النوع الجامد التفكير المتسلّط ، يملؤه الكبر ، ويشبّهه القرآن بالغلّ يقيد يديه إلى عنقه حتى لترتفع رأسه ، ويقال لذلك الإقماح وفسّره أحدهم بأن تكون يديه مغلولة إلى العنق من تحت الذقن ، فترفع الرأس . ومن ذلك يقولون أقمحت الدابة : إذا شددت لجامها ، فترتفع رأسها . وقيل الأصل « مكمحون » بالكاف ، وأبدلت إلى القاف لقربها منها كما تقول قهرته وكهرته ويقال : أقمحتها ، وأكمحتها ، وأكفحتها ، وكبحتها ؛ والبعير قمح إذا رفع رأسه عند الحوض وامتنع من الشرب ، فهو قامح ، ويقال شرب فتقمّح وانقمح . وقيل الإقماح : هو رفع الرأس وغضّ البصر ، وأقمحه الغضب بمعنى ترك رأسه مرفوعا من الضيق . وكل ذلك أعراض بدنية للحالة النفسية التي يقال لها القموح . وهي من التشخيص النفسي الإسلامي الخالص . * * *
1270 - ( المن )
هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها ؛ وهو أن يتحدث المعطى بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه . والمن من الكبائر ، والمنّان أحد ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم . والعرب تقول لما يمنّ به : يد سوداء ؛ ولما يعطى عن غير مسألة : يد بيضاء ؛ ولما يعطى عن مسألة : يد خضراء . .وفي القول : المأثور من منّ بمعروفه سقط شكره ، ومن أعجب بعمله حبط أجره . وفي القرآن :لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى( البقرة 264 ) ، وعن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر - ثم تلا :لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى.
* * *
1271 - ( المنيبون )
المنيبون : هم التائبون إلى اللّه من الذنوب . وناب ، وتاب ، وثاب ، وآب ، بمعنى واحد ، وهو الرجوع . وأصل الإنابة القطع ، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع ، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى اللّه بالطاعة . والإنابة هي أيضا الرجوع ، من نبا ينوب إذا رجع المرة بعد الأخرى ، ومنه النّوبة لأنها الرجوع إلى عادة ، ومن ثم أناب إلى اللّه : رجع إليه وتاب ، كقوله تعالى :مُنِيبِينَ إِلَيْهِ( الروم 32 ) ، وقوله :عَبْدٍ مُنِيبٍ( سبأ 9 ) ، والمنيب : هو التائب الرجّاع إلى اللّه بقلبه . والمنيبون في القرآن هم بحسب النزول : إبراهيم ، وشعيب ، وداود ، وسليمان ، ونبيّنا محمد صلى اللّه عليه وسلم ؛ وفي إبراهيم قال تعالى :إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ( هود 75 ) ، لأنه كان يرجع إلى اللّه تعالى في أموره كلها ؛ وكانت دعوة شعيب :وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ( هود 88 ) وقوله : « أنيب » يعنى يرجع إليه في كل ما ينزل به من نوائب . والإنابة قد تعنى الدعاء ، وعندئذ يكون المعنى وله أدعو . وفي داود قال تعالى : وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ( ص 24 ) ، وأناب : يعنى تاب من خطيئته ورجع إلى اللّه . وفي سليمان قال :وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ( ص 34 ) ، أي رجع إلى اللّه وتاب . وكانت دعوة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم :اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، يعنى أنه يعتمد عليه ويرجع إليه في كل أموره . وفي معنى الإنابة أنه تعالى يستخلص لدينه من يرجع إليه ، كقوله :اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ( الشورى 13 ) ، وفي تعريف الذين هداهم قال :وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ( الزمر 17 ) ، والطاغوت : هو الأوثان ؛ ولهم البشرى :يعنى في الدنيا بالحياة الطيبة ، وفي الآخرة بالجنة . وقيل الذين أنابوا إلى اللّه في الآية هم :
عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقّاص ، وسعيد بن زيد ، وطلحة ، والزبير ، وزيد بن عمرو بن فضيل ، وأبو ذرّ ، وسلمان الفارسي ، وغيرهم ممن وحّد اللّه قبل مبعث النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فهؤلاء هم المنيبون في الآية ، والمبشّرون ، لأنهم لم يعبدوا الطاغوت في الجاهلية ، ورجعوا إلى عبادة اللّه وطاعته .
ومن المآثر في القرآن : أن الإنسان في طبعه ، لو أصابته شدة وبلاء ، يرجع إلى اللّه مخبتا مطيعا مستغيثا ، فإذا رفع عنه الغمّة وأنعم عليه ، نسي كأن لم يدع ، كقوله تعالى :وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ( الزمر 8 ) فالإنابة هي الرجوع والإخبات والطاعة والاستغاثة . جعلنا اللّه من المنيبين .
* * *
1272 - ( الناس ثلاثة : مؤمنون وكافرون ومنافقون )
يأتي في القرآن في نعت المؤمنين 202 مرة ، وفي نعت المؤمنات 23 مرة ، وفي نعت الكافرين 129 مرة ، وفي نعت الكوافر من النساء مرة واحدة ، وفي وصف المنافقين 67 مرة ، وفي وصف المنافقات خمس مرات . وهؤلاء الثلاثة : المؤمنون والمؤمنات ، والمنافقون والمنافقات ، والكافرون والكوافر ، هم أصناف الناس باعتبار الاعتقاد والعمل .والمؤمنون هم : التّوابون والمهتدون والمتّقون ، والمتوكلون ، والمفلحون والمحصنون ، وفي صلاتهم خاشعون ، وإذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم ، يؤمنون باللّه ورسله وملائكته وكتبه ، وبالآخرة والحساب ، ويخلصون دينهم ، ويسمعون ويطيعون ، ويصدقون ما عاهدوا اللّه عليه ، ويحبهم اللّه ويحبونه ، ويؤاخى بينهم الإيمان ، ولا يتخذون الكافرين أولياء . والمؤمن من أسمائه تعالى ، كقوله :هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ( الحشر 23 ) . وفي القرآن إذا ذكر الكافرون أو المنافقون ، يأتي ذكر المؤمنين كمقابل لهم ، لشرفهم وفضلهم ، لأن الكفر والإيمان متقابلان ، والتقابل من مناهج القرآن ، كالليل والنهار ، والجنة والنار ، والحياة والموت .
وتشير الآية :وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ( البقرة 8 ) إلى المنافقين والمؤمنين ، و « النّاس » اسم من أسماء الجموع ، جمع إنسان وإنسانة ، وتصغيره نويس ، من النّوس وهو الحركة ، أو من نسي وقلب فصار نيس ، ثم الناس ، ولما نسي آدم سمى إنسانا ، فكان النسيان في ذريته ، وهم الناس :وما سمّى الإنسان إلا لأنسه * ولا القلب إلا لأنه يتقلبوفي الآية :مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ( آل عمران 110 ) ، أن المؤمنين تقابل الفاسقين ، والفاسقون تطلق على الكافرين وعلى المنافقين ، فأما أن الكافرين فاسقون ، فمثل قوله تعالى :إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ( التوبة 84 ) ، وأما أن المنافقين فاسقون ، فمثل قوله تعالى :إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ( 67 ) ( التوبة ) ، وأما أن المنافقين بخلاف الكافرين ، فمثل :وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ( الأحزاب 1 ) . والكافر منكر وجاحد ، ويشهد على نفسه بالكفر ، وقلبه مطبوع به ؛ والمنافق منكر إلا أنه يستر إنكاره ويخادع ، ويظهر غير ما يضمر ، كاليربوع له حجران ، واحد اسمه نافقاء ، والآخر اسمه قاصعاء ، فإذا هوجم في واحد هرب من خلال الثاني ، ومن خداعه أنه يحفر الأرض حتى إذا كاد يبلغ السطح أبقى عليه تراب رقيق ، فإذا رابه ريب ، دفع ذلك التراب برأسه وخرج ، فظاهر حجرة تراب ، وباطنه سرداب ، وكذلك المنافق ، ظاهرة إيمان وباطنه كفر .
* * *
1273 - ( النسيء زيادة في الكفر )
من نسأه وأنسأه : يعنى أخّره ، يقال نسأ الشيء ، وهو منسوء ، يعنى أخّره . ومن ذلك أن تقول : نسأ اللّه في أجلك يعنى أخّره ، أي زاده ، وفي الحديث : « من سرّه أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه » أخرجه البخاري . وكانوا في الجاهلية يحرمون القتال في المحرم ، فإذا احتاجوا أن يقاتلوا فيه حرّموا صفرا بدله ، وقاتلوا في المحرم ، فذلك هو النسيء ، والسبب فيه أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات ، فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها ، فينسئون المحرّم أي يؤخرونه ، ويجعلونه في صفر ، فيحلّ لهم المحرّم ، وشهرا فشهرا استدار التحريم على السنة ، فأرجع الإسلام المحرّم إلى موضعه حيث كان وضعه منذ بدء الخليقة . ولذلك حجّوا في ذي الحجة عامين ، وفي المحرّم عامين ، وفي صفر عامين ، وكذلك في الشهور كلها ، حتى أن حجة أبى بكر قبل حجة الوداع وافقت ذا القعدة في السنة التاسعة ، ثم حجّ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة ، فذلك قوله في الحديث : « إن الزمان قد استدار لهيئته يوم خلق اللّه السماوات والأرض » ، أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها، وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء.وقيل إنهم كانوا في الجاهلية يزيدون شهور السنة خمسة عشر يوما ، فكان الحج يقع مرة في رمضان ، ومرة في ذي القعدة ، وفي كل شهر من السنة ، بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوما ، حتى أن أبا بكر حجّ سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة ، ولم يحج النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فلمّا كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر ، ووافق ذلك الأهلّة ، ولذا قال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم الحديث : « إن الزمان قد استدار . . » ، أي زمان الحج عاد إلى وقته الأصلي الذي عيّنه اللّه ، ثم قال : « السنة اثنا عشر شهرا » ينفى الخمسة عشر يوما التي زادوها في السنة ، وبذلك تعيّن الوقت الأصلي ، وبطل التحكّم الجاهلي .
وأما أول من نسأ ، قيل : بنو مالك بن كنانة ، وكانوا ثلاثة ؛ وقيل : عمرو بن لحى ؛ وقيل : رجل من بنى كنانة يقال له : نعيم بن ثعلبة ؛ ثم رجل يقال له : جنادة بن عوف ، وهو الذي أدركه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . وقيل : رجل يقال له القلمس ، واسمه حذيفة بن عبيد ، من بنى فقيم . وقيل : مالك بن كنانة . وقيل : كان الذي يفرضه يصبح رئيسا لهم .
وقوله :إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ( التوبة 37 ) لأن العرب جمعت إنكار اللّه فقالوا : ما الرحمن ؟ وإنكار البعث فقالوا : من يحيى العظام وهي رميم ؟ وأنكروا بعثة الرسل : أبشر منّا نتّبعه ؟ وأضافت إلى ذلك أنها شرّعت أن تستبدل شهرا بشهر وهكذا ، فذلك هو معنى أن النسيء زيادة في الكفر .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 10 نوفمبر 2023 - 21:02 عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
1274 - ( النصح )
النّصح : إخلاص العمل من الغش ؛ ويأتي في القرآن ثلاث عشرة مرة ، والأنبياء من الناصحين يبلّغون رسالات اللّه وينصحون لأقوامهم ( الأعراف 79 ) ، وهم لهم الناصحون الأمناء ( الأعراف 68 ) ومن النصح : التوبة النصوح ( التحريم 8 ) ، ونصح الشيء ، يعنى إذا خلص ، ونصح له القول ، أي أخلصه له ، وفي الحديث عند مسلم : « الدين النصيحة » قالها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ثلاثا ، قالوا : لمن ؟ قال : « للّه ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامّتهم » .و « النصيحة للّه » : تكون بإخلاص الاعتقاد في الوحدانية ، ووصفه بصفات الألوهية ، وتنزيهه عن النقائص ، والرغبة في محابّه ، والبعد من مساخطه ؛ و « النصيحة لرسوله » : تكون بالتصديق بنبوّته ، والتزام طاعته في أمره ونهيه ، وموالاة من والاه ، ومعاداة من عاداه ، وتوقيره ومحبته ، وتعظيمه وتعظيم سنّته ، وإحيائها بعد موته ونشرها ، والدعوة إليها ؛ و « النصح لكتاب اللّه » : يكون بقراءته ، والتخلّق به ، والتفقه فيه ، وتعليمه ؛ « والنصح لأئمة المسلمين » : يكون بإرشادهم إلى الحق وتنبيههم إلى ما أغفلوه ، وتحذيرهم من أن يكونوا فقهاء للسلطة يفتون بحسب طلب الحكام ؛ و « النصح للعامة : » بإرشادهم وإرادة الخير لكافتهم . وفي الحديث : « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » .
* * *
1275 - ( الهدى هديان )
الهدى : معناه الرشد والبيان ، والهدى هديان : هدى دلالة ، وهدى معونة ؛ والأول : هو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم ، ودلالته بالأنبياء وكتبهم ، كقوله تعالى :وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ( الرعد 7 ) ، وقوله :وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( الشورى 52 ) ، فأثبت لهم الهدى الذي معناه : الدلالة والدعوة والتنبيه ؛ وتفرّد اللّه تعالى بهدى المعونة الذي معناه : التأييد والمعونة والتوفيق من اللّه مباشرة ، فقال لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم :إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ( القصص 56 ) ، يعنى أنه صلى اللّه عليه وسلم لا يخلق الإيمان في قلوبهم ، فنفى هدى المعونة عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وأثبته لنفسه لكل الناس ، المؤمنين والكافرين على السواء ، كقوله :أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ( لقمان 5 ) ، وقوله :وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ( يونس 25 ) .والهدى : هو الاهتداء ، ومعناه راجع إلى معنى الإرشاد كيفما تصرفت . وقد تراد الهداية بمعنى إرشاد المؤمنين ، كقوله :فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ( 4 ) سَيَهْدِيهِمْ( محمد ) ، وقوله :فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ( الصافات ) ، أي فاسلكوهم إليها .
وعموم الهداية أنواع :
الأول : أن يؤتى اللّه من يهدى القوى التي يتمكن بها من الاهتداء ، كالقوة العقلية ، والحواس الظاهرة والباطنة ؛
والثاني : أن يعرّفه الدلائل الفارقة بين الحقّ والباطل ، وبين الصلاح والفساد ، كقوله :وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ( البلد 10 ) ؛
والثالث : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، كقوله :وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا( الأنبياء 73 ) ، وقوله :هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ( الفتح 28 ) ، وقوله :وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى( النحل 89 ) ؛
والرابع : أن يكشف عن بصائرهم ويريهم الأشياء على حقيقتها بالوحي والإلهام والكشف ، ويختص بذلك الأنبياء والأولياء ، كقولهأُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ( الأنعام 90 ) ؛
والخامس : أن الهداية هي الدلالة بلطف ، ولذلك لا تستعمل إلا في الخير ؛
والسادس : أن الهداية قد تتعدى نفسها كما في قوله :لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا( العنكبوت 69 ) فقد تتعدى بالحرف « اللام » أو « باللام » كقوله وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( الشورى 52 ) ، وقوله :إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ( الإسراء 9 ) ، ومعناها حينئذ الدلالة على ما يوصّل إلى المطلوب ، أو التعريف على الطريق ، أو الدعوة إلى الإيمان والطاعة ، وإيضاح السبيل الراشد ، والزجر عن طريق الغواية ، وذلك هو المسمى توفيقا ، كقوله :وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ( فصلت 17 ) .
ومن كل ما سبق فإن الهدى والهداية يستعملان إما بالمعنى اللغوي العرفي المشهود ، وإما بالمعنى الشرعي . والإضلال يقابل الاهتداء ، والضلال يقابل الهدى .
* * *
1276 - ( الهوى في القرآن )
قال ابن عباس : ما ذكر اللّه هوى في القرآن إلا ذمّه . والهوى : إرادة النفس وميلانها إلى ما تستلذ ؛ والجمع أهواء . وفي القرآن يأتي الهوى ست مرات ، كقوله تعالى :أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ( الجاثية 23 ) ، وقوله :وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ( القصص 50 ) ، وقوله :وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى( النجم 3 ) ، ويأتي عن الأهواء : سبع عشرة مرة ، كقوله تعالى :وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ( المائدة 48 ) ،وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ( الرعد 37 ) وفي الحديث قوله صلى اللّه عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به » ؛ وقوله : « ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى اللّه من الهوى » ، وقوله « والفاجر من اتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه » ، وقوله : « إذا رأيت شحّا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأى برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة » ، وقوله : « ثلاث مهلكات ، وثلاث منجيات ؛ فالمهلكات : شحّ مطاع ، وهوى متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه » ، وقال بعض أهل اللّه : إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله وعلمه ، فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء ، وإن كان عمله تبعا لعلمه فيومه يوم صالح . وقالوا : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك ! * * *
1277 - ( الوقت والساعة واليوم والشهر والسنة )
إدراك الزمن والروح الإسلامية المستشرقون والفلاسفة خصوصا ، على القول : بأن إدراك الساميين للزمن إدراك عام ، وأنهم يجهلون الخصوصية في الزمن ، وليست كذلك الروح الآرية . ودراسات هؤلاء يحددها البغض لليهودية ، وأدرجوا المسلمين عامة ، والعرب خاصة ، مع اليهود في القول بعمومية الزمن كنقيصة في الروح السامية ، وقالوا إن اصطلاح « الزمن » لا يوجد أبدا في التوراة ، ولا في الأناجيل ، وكذلك قالوا إن الساميين لم يعرفوا « أدب اليوميات » ، وهو المعنىّ بالتسجيل اليومى للأحداث ، ومتعلّق الحدث في اليوميات بالزمن . وكذلك ينقص الساميون الإحساس بالتاريخ ، وكتاباتهم فيه قليلة .والمستشرقون كاذبون فيما يخصّنا نحن أصحاب لغة القرآن ، فليس أكثر من المؤرخين ومؤلفات التاريخ واليوميات عند العرب ، وينفرد القرآن بمصطلح له دلالته الكبيرة عن الزمن ، وهو مصطلح « الساعة » ، وفي القرآن علم هو « علم الساعة » . ومصطلح الساعة كمصطلح الزمن لا يوجد حقيقة في التوراة جميعها ، ولا في الأناجيل ، ويتكرر في القرآن 48 مرة ، و « الساعة الصغرى » فيه هي هذه الساعة التي نعرفها بالدقائق والثواني ، كقوله تعالىلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ( الأعراف 34 ) ، وقوله :يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ( الروم 55 ) ، وقوله :لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ( الأحقاف 35 ) .
وقد تعنى الساعة الوقت عموما ، كقوله تعالى :الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ( التوبة 117 ) ، وقد تكون الإشارة إلى « الساعة الكبرى » أي يوم القيامة ، كقوله تعالى :وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ( غافر 46 ) ، وقوله :يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ( الشورى 18 ) ، وقوله :يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ( النازعات 42 ) . واليوم : مصطلح من مصطلحات الزمن في العربية وفي غيرها ، ويتألف من ليل ونهار يقسمانه مناصفة ، وقد يطول النهار ويقصر الليل أو العكس بحسب الفصول ، وبسبب الحالة الوجدانية ، فليل المحزون طويل نسبيا .
والزمن : منه الزمن الحسىّ ، كتحديدك ليوم الجمعة ، ومنه الزمن المعنوي ، كأن تقول يوم الحسرة ، واليوم العصيب . والنهار : ينقسم إلى فجر ، وضحى ، وظهر ، وعصر ( البقرة 187 ، والمدثر 33 ، والضحى 2 ) ؛ والليل : ينقسم إلى مغرب ، وعشاء ، وغسق .
والنهار والليل ، يحسبان بالساعات ، ويعدّان ( يونس 6 ) ؛ وكذلك الشهر والشهور ( التوبة 36 ) ، والسنة والسنوات ( يونس 5 ) . وتقسيم بداية النهار إلى فجر ، وفجر كاذب وصبح وضحى لا تعرفه اللغات الآرية ، وكذلك تقسيم وسط النهار إلى ظهر وعصر ، وأول الليل إلى مغرب ، وعشاء . والعصر في القرآن يرادف الزمن والدهر .
وهذه الأسماء تخلو منها اللغات الآرية ، وعلى ذلك فالعربى ، ومن ثم المسلم ، يدرك إدراكا رهيفا الزمن بطوله وأقسامه ، ومدلولات هذه الأقسام ، ويعيشها كاملة . وعند اليهود والنصارى لا فرق بين الزمن والوقت ، فكلاهماTimeليس غير .
فأي الأجناس إذن لا يحس الزمن - العرب أم الآريون ؟ ومن الزمن عند العرب السرمد ( القصص 71 ) ، والأزل ، والأبد ( البينة 8 ) ، وليس عند الآربين شئ من ذلك ، لأن لفظةeternityلا تعنى عندهم بالضبط « الأبد » ، مثلما في القرآن كقوله تعالى :ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً( 3 ) ( الكهف ) ، فالأبد استمرار الوجود في أزمنة غير متناهية من المستقبل ، فالأبد في القرآن دوام الوجود في المستقبل ، والأزل هو دوام الوجود في الماضي ، ولفظةpre eternityأوacternitas a parte anteإذن لا تساوى في معناها الأزل العربية ، واللّه تعالى أزلي أبدى حيث الأبد والأزل صفتان أظهرتهما الإضافة الزمانية لتعقل وجوب وجوده ، ولا شئ من ذلك عند اليهود والنصارى ، وأما من ناحية تقسيم الأفعال بحسب الزمن ، فإن المستشرقين يدّعون أن القرآن لا يوجد به إلا الأزمنة البسيطة ، وهي الأزمنة الأصلية : الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، والأمر ، وأما الأزمنة المركبة فلا وجود لها في كتب النحو العربي . والزمن المركب كالماضى التام ، والحاضر التام ، والماضي المستمر ، والحاضر المستمر ، والمستقبل القريب . وهذه الأزمنة إن خلت منها كتب النحو إلا أنها موجودة في الكلام العادي ، والناس قد يقولون : انتظرتك ، وقد انتظرتك ، وظللت أنتظرك ، وبينما كنت انتظرك ، وسأظل أنتظرك ، ولسوف أنتظرك ، وسأنتظرك ، وها أنا ذا انتظرك ، وكلها تستوفى الأزمنة المركبة أكثر مما في اللغات الآرية .
وأيضا فإن المستشرقين يزعمون أن التوراة وكذلك الأناجيل والقرآن ، وكلها كتب سامية تناولت التاريخ كأساطير ، وخلت من تحديد تاريخ أي حدث أو واقعة ، ودللوا بذلك على عدم الدراية بالزمن وبالتاريخ عند الساميين ، وذلك صحيح فعلا بالنسبة للتوراة والأناجيل ، ولكنه غير صحيح بالنسبة للقرآن ، فنحن نعرف تحديدا وبالتواريخ مناسبة كل سورة وآية في القرآن ، وأسباب نزولها ، والشخوص التي ارتبطت بها ، وعلى ذلك فإدراك التاريخ عند المسلمين هو إدراك خاص وليس عاما كما في التوراة ، والغريب أن الآريين لا شئ عندهم من المؤلفات أو الآثار يثبت لهم الإدراك العام أو الخاص للتاريخ ، وأما علم التاريخ فذلك من العلوم الحديثة عند الغربيين ، وكان من العلوم الثقات عند المسلمين قبل الآربين بقرون.
والفرق بين الحدث في التوراة والحدث نفسه في القرآن ، أن يرد في التوراة سردا كحدث من الأحداث ، أو عرضا كتاريخ لشعب اليهود ، وكتعبير عن تضخم الذات عند هذا الشعب ، بينما قد يرد هذا الحدث في القرآن قصدا للعبرة والاعتبار .
والفرق بين مفهوم التاريخ في القرآن ومفهومه عند اليهود أو عند الآريين ، كالفرق بين الأدب كفن في القرآن ومرادفهliteratureعند اليهود والآريين ، ففي العربية يرتبط الأدب بالتربية ، وبالتأديب ، وفي غير الغربية فإنه علم الحروف أو الكلام لا غير . والتاريخ بمعيار القرآن ليس تراكم أحداث ، وإنما عملية انتقاء من الأحداث لما يكون فيه الاعتبار والعظة ، ولما يفيد في تربية المسلم ويصلح أن يحيل على حاضره ، فيكون الحدث الوارد بمثابة الإشارات والتلميحات بما ينبغي على المسلم أن يفعله في مثل هذه الحالات ، وإذا صادفته مثل تلك الأحداث .
وانظر إلى طريقة العنعنة في رصد تاريخ الأحاديث ، أو إلى التأليف في التاريخ بحسب السنوات كما عند الجبرتى ، أو تقسيمه طبقات ، أو نسبته إلى الأشخاص ، وكل ذلك من باب التحديد وباعتبار الخاص وليس العام ، وتلك أمور خلت منها تماما كتب التاريخ في أوروبا وفي الهند والصين وانفرد بها العرب ، وكان العرب من أولى الأمم التي كان لها تقويم ، ومع أنه تقويم قمري إلا أنه متقدم جدا على التقويم القمرى العبري ، والتقويم الهجري أساسه تاريخ الهجرة - وهو أول المحرم من السنة التي جرت فيها الهجرة ، وشهور هذا التاريخ مأخوذة من رؤية الهلال ، ولا يزيد الشهر عن الثلاثين يوما ، ولا ينقص عن تسعة وعشرين يوما ، ويمكن أن يجيء أربعة أشهر ثلاثين يوما على التوالي لا أزيد منها ، وأن تجىء ثلاثة أشهر تسعة وعشرين يوما على التوالي لا أزيد منها .
والسنة اثنا عشر شهرا ، والسنون والشهور اصطلاحية . وأما التاريخ العبري أو اليهودي فسنوه شمسية ، وشهوره قمرية ، وتسمية شهوره : تسرى ، ومرخشوان ، وكسليو ، وطيبث ، وشفط ، وآذر ، ونيسان ، وايرسيون ، وتموز ، وآب ، وأيلول .
وهم يكبسون بعض السنين بشهر زائد ، ويسمون السنة الكبيسة : عبّورا ، وغير الكبيسة بسيطة ، وكبسوا تسع عشرة سنة سبعة أشهر قمرية ، ولكن العرب كانوا يزيدون الشهر الزائد على جميع السنة ، وأما اليهود فالشهر السادس عندهم وهو آذر يتكرر مرتين ، فيصير عندهم آذران ، آذر الكبس ويعدّونه زائدا ، وبعده آذر الأصل ويعدّونه من أصل السنة ، وبعدهما نيسان . وأول سنتهم يتردد بين أواخر آب وأيلول من السنة الشمسية ، والشهور إما 29 أو 30 يوما ، ويشترطون أن يكون أول أيام السنة إما السبت ، أو الاثنين ، أو الثلاثاء ، أو الخميس ، وأن يكون الخامس عشر من نيسان إما الأحد أو الثلاثاء ، أو الخميس ، أو السبت لا غير .
وكما ترى فإن التاريخ عندهم مسألة وطنية وليس علما ولا هو قريب من العلم ! وأما التاريخ الأفرنجي أو النصراني فجرت به مجموعة من التلفيقات لضمان توافق التاريخ مع أحداث النصرانية كصلب المسيح وقيامته وغير ذلك ، فالمسألة عندهم لم تكن علمية ولا فلسفية ولا قومية ولكنها كنسية في المحل الأول ، فأين هو الإحساس بالزمن أو بالتاريخ في ذلك كله ، سواء عند اليهود أو النصارى ؟ وذلك هو ردّنا بايجاز على دعاوى المستشرقين واليهود في مفهوم التاريخ والزمن عند العرب وفي القرآن ، واللّه الموفق .
* * *
1278 - ( يثرب اسم المدينة )
في الآية :يا أَهْلَ يَثْرِبَ( الأحزاب 13 ) فإن « يثرب » هي « المدينة » ، فإذا كانت الآية قد نزلت في السنة الخامسة من الهجرة ، فإن معنى ذلك أن الاسم « المدينة » لم يكن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قد أطلقه عليها بعد . ومن أسماء المدينة « طيبة » ، و « طابة » ، وقيل : إن لها أربعة وتسعين اسما ، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمّى .واسم يثرب اسم للأرض ، والمدينة ناحية منها ، ويبدو أن اسمها يثرب لأن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عميل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن إرم ، وفي بعض هذه الأسماء اختلاف . وبنو عميل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول فيها ، وبهذا سميت الأرض هناك بالجحفة .
* * *
وبذلك ينتهى بحمد اللّه ومنّته الباب الحادي عشر من موسوعة القرآن عن مصطلحات القرآن ، ويبدأ إن شاء اللّه الباب الثاني عشر عن الموت والساعة والقيامة والجنة والنار في القرآن . . .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1190 إلى 1220 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1121 إلى 1245 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات الحادي عشر الذكر والتسبيح والدعاء من 1961 إلى 2001 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1343 إلى 1374 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1375 إلى 1395 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1121 إلى 1245 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات الحادي عشر الذكر والتسبيح والدعاء من 1961 إلى 2001 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1343 إلى 1374 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1375 إلى 1395 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله