المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم :: القرآن الكريم و علومه :: موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحنفي
صفحة 1 من اصل 1
26102023
الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
موسوعة القرآن العظيم ج 1 د. عبد المنعم الحفني
911 . اصطفاء مريم على نساء العالمين
يقول تعالى :وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ( 42 ) ( آل عمران ) ، فهل كانت مريم مصطفاة على نساء زمنها ، أم على نساء الدنيا كلها إلى يوم الدين ؟ونلاحظ تكرار كلمة اصطفاء ، والأولى تعنى اصطفاءها واختيارها لعبادته ، والثانية هي اصطفاؤها واختيارها لولادة عيسى ، وفي الحديث : « كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام » أخرجه مسلم .
والكمال هو التناهي والتمام ، والكمال المطلق للّه تعالى خاصة ، وأكمل نوع الإنسان هو « الإنسان العابدhomo religiosus» ، والأنبياء هم أخصّ العبّاد ، ويليهم الأولياء ، ثم الصدّيقون ، ثم الشهداء ، ثم الصالحون ، ثم المؤمنون .
وإذا كان ذلك صحيحا فيلزم أن تكون مريم وآسية بحسب الحديث ، كل منهما نبيّة ، لأنهما بلغتا حدّ الكمال في النساء . ومريم أوحى إليها اللّه كما أوحى إلى الأنبياء ، غير أن الوحي وحده لا يكفى ، فاللّه أوحى إلى النحل ، وإلى الحواريين ، وإلى الأئمة ، وإلى أم موسى ، وهؤلاء جميعا ليسوا أنبياء ؛ ولا كانت مريم ولية ، ولم يرد أنها كذلك ، وإنما جاء فيها أنها « صدّيقة » ، كقوله تعالى :وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ( 75 ) ( المائدة ) ،
وقوله :وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ( 12 ) ( التحريم ) ،
فشهد لها اللّه تعالى بالصدّيقية ، وبالتصديق ، وبالقنوت .
وفي حين بشرّ زكريا بالغلام فتساءل : أنّى يكون له هذا وامرأته عاقر ؟ وطلب تأكيد الوعد بآية ، فإن مريم بشّرت بالغلام فلحظت أنها بكر لم يمسسها بشر ، فكان الردّ عليها :كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ( 21 ) ( مريم ) ،
فاقتصرت على ذلك ، وصدّقت بكلمات ربّها ، ولم تسأل آية كما سأل زكريا .
ولم تنل مريم شهادتها بالصدّيقية والتصديق إلا كمرتبة قريبة دانية من اللّه تعالى ، وليس سببها أنها نبيّة ، فالنبوة وظيفة ، وإنما سببها الاصطفاء ، وأنها اختيرت لذلك من ربّها ورشّحتها صفاتها الذاتية ، ولمّا كان ما حدث لها لم يحدث مثله من قبل ولا من بعد ، فإنها تكون فعلا « قد اصطفيت على العالمين » ، بفرادة الحدث الذي جرى لها ، وخصوصا على « نساء العالمين » بولادتها المعجزة للمسيح عليه السلام .
* * *
912 . حمل مريم كان في المحراب
يقول القرآن :وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا ( 16 ) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا ( 17 ) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ( 18 ) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا ( 19 ) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ( 20 ) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا ( 21 ) فَحَمَلَتْهُ( 22 ) ( مريم ) ،والخطاب إلى النبىّ محمد صلى اللّه عليه وسلم ، تذكيرا له بأن يقصّ على قومه قصة مريم ، ليعرّفهم بكمال قدرة اللّه تعالى .
وقوله تعالى :انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهايعنى اتخذت لنفسها مكانا تعتزل نفسها فيه عنهم ، وهو محراب الكنيس ، ففصلت نفسها عن رواد المكان المشتغلين فيه بستار .
واصطلاح « الانتباذ » أقوى من اصطلاح « الاعتزال » ، لأن الاعتزال يعنى الانفصال عنهم ، وأما الانتباذ فهو ابتعاد وانفراد .
وقد نسأل : ولم انتبذت ؟
وربما كان السبب أن مريم كانت موقوفة على سدانة الكنيس وخدمته والعبادة فيه ، فإذا أتاها ما يأتي النساء من الحيض ، انتبذت لتطهر ، وربما أنها اختارت أن تكون صومعتها في الكنيس إلى جانب المحراب في شرقيه لتخلو للعبادة ، وكانوا يبنون المحاريب إلى جهة الشرق ، والشرق المكان الذي تشرق منه الشمس ، خصّوا العبادة بالشرق لأنهم كانوا يعظّمون جهة المشرق من حيث تطلع الأنوار ، والجهات الشرقية عندهم هي أفضل الجهات ، ويؤثرونها على غيرها ، ولمّا حضروا إلى مصر اختار لهم يوسف الإقليم الشرقي مقاما لهم ، وهو محافظة الشرقية الآن ، وكان اسمها من قديم أرض جاسان ، وعاصمتها تانيس أو أفاريس .
والهكسوس اختاروا الشرقية لمقامهم كذلك لأنهم ساميون مثل العبرانيين ، والتفكير السامي يؤثر الشرق في كل شئ ، وكل أحداث قصة موسى مع الفرعون جرت في الشرقية وليس في منف .
وروى عن ابن عباس أنه قال : إني لأعلم الناس لم اتخذ النصارى المشرق قبلة ؟ لقول اللّه عزّ وجلّ :إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا( 16 ) .
والأمر كان أكبر من ذلك ، لأن السؤال يظل كما هو لم يردّ عليه ابن عباس : فلم اختارت مريم الجهة الشرقية ؟ والجواب في التراث العبراني ، وهو إيثارهم جهة الشرق وأن تكون محاريبهم إلى الشرق .
وقال ابن عباس : لو كان شئ من الأرض خيرا من المشرق لوضعت مريم عيسى عليه السلام فيه ، وهذا صحيح . وهذا المكان الشرقي يقول فيه إنجيل لوقا ، الفصل الأول ، إنه الهيكل ، ومن عادة الكهنوت أن يدخلوه للتبخير ، وفي ذلك الوقت كان جمهور الشعب يصلى خارجا ، وفيه ظهر ملاك الربّ لزكريا واقفا عن يمين مذبح البخور .
غير أن لوقا لا يقول إن مريم ظهر لها جبريل في المحراب ، ولا نعرف من الأناجيل ، بخلاف القرآن ، أين ظهر لها ؟ وهذا من الفروق بين قصة القرآن وقصص الأناجيل .
* * *
قصة المسيح
913 . قول القرآن : عيسى ابن مريم
يأتي ذلك ست عشرة مرة ، ومن ينسب إلى والدته لا يكون إلها ، لأن اللّه تعالى قديم وليس حادثا ، وقولنا « عيسى ابن مريم » تنبيه إلى أن عيسى حادث وليس قديما ، فهو ليس إلها إذن كما يقول النصارى .وكذلك فإن النسب إلى الوالدة تذكير بأنه من أم دون أب ، فإن النصارى لمّا قالوا في مريم وفي ابنها ما قالوا ، صرّح اللّه باسم مريم مقترنا باسم عيسى ، فإذا كرر الناس ذلك كما في آيات القرآن ، استقر الاعتقاد في وجدان الناس أن عيسى لا أب له ، واستشعرت قلوبهم ما يجب عليهم اعتقاده من نفى الأب عنه ، وتنزيه الأم الطاهرة عن مقالة اليهود فيها .
وفي سفر التكوين يأتي عن الخلق أنهم من « نسل المرأة » ( 3 / 15 ) ، فلا واحد من البشر إلا وكان ابن امرأة ، ولم يكن المسيح استثناء ، فصار ينسب لأمه وصار الناس كذلك ينسبون لأمهاتهم ، فيقال : فلان ابن فلانة ، فذلك أوكد من أن يقال فلان ابن فلان .
* * *
914 . اسمه المسيح
تردد اسم « المسيح » إحدى عشرة مرة في القرآن ، وقال فيه اللّه تعالى أنه كلمة منه تعالى ألقاها إلى مريم ( آل عمران 45 والنساء 171 ) ، وأنه رسول اللّه قد خلت من قبله الرسل ( المائدة 75 ) ، فمن قال إنه « اللّه » فقد كفر ( المائدة 17 ) ، ومن قال إنه « ابن اللّه » ( التوبة 30 ) فقد كفر أيضا ، والمسيح لم يدع إلا إلى اللّه ( المائدة 72 ) ، وما كان يستنكف أن يكون عبدا له ( النساء 172 ) .والمسيح لقب لعيسى ، والاسم معرّب ، وأصله الشين أي المشيح ، ومعناه المفرز والمكرّس للخدمة ، وهو الممسوح بالدهن المقدّس ، والدهن هو الطّيب ، ومن أفخر الأنواع ، وكان العبرانيون يمسحون الكهنة ، ونقلوا ذلك عن المصريين ، وهؤلاء كانوا يمسحون الملوك والكهنة ، وكذلك فعل العبرانيون مع داود ، ومسحوه ثلاث مرات ، وحتى الضيوف كانوا يمسحونهم بالطّيب : رؤوسهم وأرجلهم ، والعرب يفعلون ذلك حتى الآن ويستخدمون الطّيب بالإضافة إلى البخور ، وكانوا قديما ما يزالون يمسحون المرضى للشفاء ، ويمسحون الموتى طهارة لهم ، ويراد بالمسح أنه الطهارة للمثول بين يدىّ اللّه ، ومسح الكاهن بغرض تكريس نفس المؤمن لخدمته تعالى ،
وفي المزامير عن مسح المسيح : « مسحك اللّه إلهك بدهن الابتهاج أفضل من رفقائك » ( مزامير 45 / 7 ) ، و « الربّ مسحنى لأبشّر المساكين » ( أشعياء 61 / 1 ) .
* * *
915 . اسمه عيسى
يأتي اسم عيسى في القرآن خمسا وعشرين مرة ، وهو التصحيف العربي للاسم السرياني عيشوYeshu، وعند النصارى هو يسوعJesus، وينطق في العبرانية يشوع ، ومعنى الاسم أنه « السيد المخلّص » ، أو المخلّص فقط ، أو المخلص ، والمسيح هو لقبه ، وفي الأناجيل ورد الاسم يسوع المسيح ، أو المسيح يسوع ، نحوا من مائة مرة ، بينما ورد اسم المسيح فقط نحو ثلاثمائة مرة .واسم عيسى لا ينصرف في العربية .
* * *
916 . إقرار عيسى أول ما نطق بالعبودية للّه
النصارى على القول بأن المسيح هو ابن اللّه ، وبعض الفرق تقول هو اللّه ، والقرآن ضد هذا القول وذاك وينفيهما في الآية :فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ( 29 ) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا( 30 ) ( مريم )فلمّا كان المسيح في المهد أوتى الكلام ليقرّ الحق عن أمه ، وسبق إلى دحض فرية النصارى بأنه ابن اللّه ، فكان أول ما نطق به الإقرار بعبوديته للّه تعالى وربوبيته ، ردّا على من غلا من بعد في شأنه ، وأخبر بما قضى من أمره ، وبما هو كائن إلى أن يموت ، وأن اللّه آتاه الكتاب وجعله نبيا ، وآتاه نعم أخرى كثيرة .
وليس في الأناجيل الأربعة من ذلك شئ عن كلام المسيح ، والقرآن أوفى وأغنى بالتفاصيل ، وما حكاه عنه من العقل بعينه وليس خرافة لا من قريب ولا من بعيد .
* * *
917 . دليل القرآن الداحض لربوبية المسيح
هذا الدليل هو لا معقولية ادعاء واحد من البشر أنه إله بقوله تعالى :ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ( 79 ) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( 80 ) ( آل عمران )فما يمكن أن يكون من يزعم الإلهية نبيا ، أو يكون قد أوتى الكتاب والحكمة ، والمعقول أن يطالب النبىّ باعتباره نبيا ، أن يكون الناس ربّانيين ، يتعلمون العلم الربّانى ويعلّمونه . ومن غير المعقول أن يأمرهم أن ينزلوا الملائكة والنبيين منزلة الأرباب ، فيعظّمونهم ويقدّسونهم كما يفعل النصارى واليهود ، فالنصارى هم الوحيدون الذين يلقّبون بعض قساوستهم بصاحب القداسة فينسبون لهم صفة للّه ، وينسبون للمسيح أنه ابن اللّه . واليهود يمجّدون ذواتهم ويعظّمون شعبهم ، ويجعلون من بعض أنبيائهم أربابا على الحقيقة ، مثل النبي إيليا ، وينتظرون عودته إلى الأرض ليحكم بين الناس .
ولذلك ظن اليهود أن محمدا أراد منهم أن يكونوا معه مثلما هم مع بعض أنبيائهم ، وأن يتّخذوه ربّا ، فنزلتما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ- إلى قوله :أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( 80 ) ( آل عمران ) ،
على طريق الإنكار والتعجب من فعل اليهود عموما والنصارى خصوصا ، ونهى القرآن أن يكون التأليه هو تقدير النبوة عند الناس ، وألزم الخلق حرمتهم . وقد ثبت عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم نهيه البتة أن يعامل الناس أحدا كإله ، وأمر الجميع فقال : « لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ، وليقل فتاي وفتاتى .
ولا يقل أحدكم ربّى وليقل سيدي » ، فهذه هي اشتراكية الإسلام أو عدالته الاجتماعية : لا تأليه لأحد ، ولا أحد فوق المساءلة !
* * *
918 . البرهان أن عيسى ابن مريم مخلوق كسائر البشر
في الآية :هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( 6 ) ( آل عمران ) تعريض بل تصريح : بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق كما خلق اللّه سائر البشر ، لأنه صوّره في الرحم وخلقه كما يشاء ، فكيف يكون إلها كما تزعم النصارى ، وقد تقلّب في الأحشاء ، وتنقّل من طور إلى طور ، حتى استوفى شهور الحمل التسعة ،كما قال تعالى :يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ( 6 ) ( الزمر ) ؟
* * *
919 . المسيح وأمّه مخلوقان محدودان محصوران
يقول النصارى في « قانون إيمان الرسل » : « أؤمن باللّه العظيم ، خالق السماوات والأرض ، وبيسوع ابنه الوحيد ، ربّنا الذي حبل به من الروح المقدس ، وولد من العذراء مريم » .ويقولون في قانون الإيمان النيقاوى : « بالحقيقة نؤمن بإله واحد : اللّه الأب ، ضابط الكل .
ونؤمن بربّ واحد يسوع المسيح ، ابن اللّه الوحيد ، المولود من الأب قبل كل الدهور ، نور من نور ، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق - واحد مع الأب في الجوهر ، ونؤمن بالروح القدس الربّ المحيى ، المنبثق من الأب ، نسجد له ونمجّده مع الأب والابن . . » .
ويقولون في قانون الإيمان الأثناسيوسي : « نعبد إلها واحدا في ثالوث ، وثالوثا في وحدانية ، من غير اختلاط في الأقانيم ولا تقسيم في الذات ، لأن أقنوم الأب هو غير أقنوم الابن ، وغير أقنوم الروح القدس ، ولكن الأب والابن والروح القدس ليسوا إلا إلها واحدا ، ومجدا واحدا ، وعظمة أبدية واحدة » .
وواضح كل الوضوح أن قول النصارى بالتثليث هو إيمان راسخ ، ولذا قال فيهم القرآن :لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ( 73 ) ( المائدة ) ؛ وقال :لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( 17 ) ( المائدة ) ؛
وقال :لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً( 172 ) ( النساء )،
وبذلك قضى بكفرهم بقولهم : « إن اللّه هو المسيح ابن مريم » ، قالوا ذلك على جهة الإيمان بهذا الكلام ، لا على جهة الحكاية ولو كان المسيح إلها لقدر على دفع ما نزل به أو بغيره ، وفي الأناجيل أن اليهود أمسكوا به ودفعوه إلى الصليب ، وأقاموه عليه ، ودقّوا عليه بالمسامير ، فما استطاع أن يحمى نفسه ، أو يمنع ما ينزلونه به ، فأىّ إله هذا ؟ !
واللّه تعالى له ملك السماوات والأرض و « ما بينهما » ، والمسيح وأمه « ممّا بينهما » ، وهما ليسا سوى مخلوقين محدودين محصورين ، وما أحاط به الحدّ والنهاية لا يصلح للألوهية !
* * *
920 . الدليل على أن مريم وابنها عيسى بشران
هو قوله تعالى :كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ( 75 ) ( المائدة ) ، ومن يأكل الطعام ويشرب ، لا بد أن يتغوّط ويبول ، وأن يجوع ويشكو إذا جاع ، وتلك أوصاف ليست لإله وإنما لبشر ، فإذا كانت مريم وابنها عيسى يأكلان الطعام فذلك دليل على أنهما بشران . * * *
921 . عيسى مثل لبنى إسرائيل
كان ميلاد عيسى معجزة فقد ولد من غير أب ، كما كانت حواء معجزة لأنها جاءت من أب وليس من أم ، وكان آدم معجزة لأنه بدون أب ولا أم ، وكنّا نحن معجزة لأننا نولد من أب وأم من مجرد نطفة ، وذلك دليل على طلاقة قدرة اللّه تعالى ، وجعل اللّه لعيسى إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والأسقام كلها ، ولم يجعل ذلك لغيره في زمانه ، مع أن بني إسرائيل كما قيل ، كانوا يومئذ من أعلم الناس بالطب والتطبيب ، والناس دونهم ، فأنزل اللّه عن عيسى :إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ( 59 ) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ( 60 ) ( الزخرف )فأكدت الآية أن عيسى رغم أنه معجزة ويصنع المعجزات ، إلا أنه عبد من عباد اللّه ، فلا يفتتن الناس به إذا أحيا ميتا أو أبرأ مريضا ، ونبّه إلى أن مواهبه نعم منه تعالى أفرده بها كمعجزات له ليؤمن الناس به ويصدّقوه ، فجعله مثلا لبنى إسرائيل ، فليس بعيدا على اللّه أن يجعل منهم ملائكة كما جعل من عيسى ما كان عليه ، وإذن لأسكنهم - أي الملائكة - الأرض بدلا من السماء ، وكانوا خلفا لهم - أي لهؤلاء النصارى ، فلما ذا إذن عبدوا عيسى وألّهوه مع أنه مجرد مثل لقدرة اللّه ووحدانيته تعالى ؟ !
* * *
922 . لو أراد اللّه ابنا لاتخذه من الملائكة وليس من البشر
لمّا قال النصارى اتخذ اللّه عيسى ولدا ، وأنه ابن اللّه على الحقيقة وليس على المجاز ، ردّ عليهم فقال :لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ( 17 ) ( الأنبياء ) ،واللهو كما قيل هو المرأة ، وقيل الولد ، يعنى أن يتخذ اللّه صاحبة أو يكون له ولد ، فلو أراد ذلك لكان المعقول أن تكون صاحبته من أهل السماء ، أو أن يكون الولد من الملائكة ، وليس أن تكون الصاحبة مريم ، والولد عيسى !
* * *
923 . التثليث في القرآن وعند النصارى
يقول تعالى :فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا( 171 ) ( النساء ) .ومن قول النصارى بثلاثة اشتق التثليث ، وهو من الأصول النصرانية ، وفي اعتقاد النصارى أن من لا يحفظ الإيمان بالتثليث من غير تعديل ، يموت موتا أبديا .
وعن التثليث في إنجيل متّى يقول : « تلمّذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الأب والابن والروح القدس » ( / 19 28 ) .
والأب هو اللّه ، والابن هو أيضا اللّه ، وكذلك روح القدس .
وفي رسالة بولس الثانية إلى كنيسة كورنثوس ، فإن الثلاثة ، هي الأقانيم الثلاثة ، والأقنوم هو الصفة ، يقول بولس : « نعمة ربّنا : يسوع المسيح ؛ ومحبة اللّه : الأب ؛ وشركة الروح القدس معكم جميعا ( / 14 13 ) ،
وفي رسالته إلى كنيسة غلاطية يقول عن مسحة الروح القدس للمؤمنين : « ثم بما أنكم أبناء ، أرسل اللّه روح ابنه إلى قلوبنا » ( 4 / 6 ) ، فاللّه الأب هو المرسل ، والروح القدس هو المرسل ، والابن هو سرّ الإرسالية ؛
وفي رؤيا يوحنا : « الذين يشهدون في السماء ثلاثة : الأب ، والكلمة ، والروح القدس ، وهؤلاء الثلاثة هم واحد ( 5 / 7 ) .
وهذا الكلام ، بلغة المناطقة ، لا يعنى شيئا ، أيnil، وهو تفلسف وليس فلسفة ، ويكشف عن جهل وضلال ،
وينبّه إليه القرآن :يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ( 171 ) ( النساء ) .
والغلو هو التجاوز في الحدّ ، والنصارى غلت في المسيح حتى جعلوه ربّا .
والقرآن يدعو إلى التوحيد ، والنصارى يدعون إلى التثليث ، وكان المجوس اثنينية ، والرسول صلى اللّه عليه وسلم نهى أن يطريه المسلمون كما أطرت النصارى عيسى ، وأمرهم أن يقولوا أنه عبد اللّه ورسوله ، وذلك هو النقيض الخالص لمقالة النصارى في اللّه ( انظر أيضا عيسى كلمة اللّه ، وعيسى روح من اللّه ) .
* * *
924 . عيسى كلمة اللّه إلى مريمفي إنجيل يوحنا : « في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند اللّه . وكان الكلمة اللّه . هذا كان في البدء عند اللّه . كلّ به كوّن ، وبغيره لم يكوّن شئ مما كوّن » ( 1 / 3 ) .
وفسّر ذلك أبىّ بن كعب فقال : خلق اللّه أرواح بني آدم لما عليهم الميثاق ، ثم ردّها إلى صلب آدم ، وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام ، فلمّا أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم ، فكان منه عيسى عليه السلام .
والكلمة هي « كن » ، بها تكوّنت المخلوقات ، وبدونها ما كانت توجد .
وفي القرآن قال تعالى :إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( 82 ) ( يس 82 ) ،
وقال يوحنا في إنجيله : « والكلمة صارت جسدا وحلّ فينا » ( 1 / 14 ) ، وبكلمات كهذه « وحلّ فينا » بدأ الضلال والقول بالحلول ، فقيل : اللّه عقل .
والكلمة تجسيد للعقل ، والعقل غير منظور وظهر في الكلمة ، يعنى في مخلوقاته ، وفي المسيح ، مثلما يمكن أن يحلّ المسيح في المؤمنين به .
وفي القرآن الأمر على خلاف ذلك، يقول تعالى :إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ( 171 ) ( النساء )،
فالكلمة هي « كن » ، وبها خلق آدم من غير أبّ ولا أم ، وخلقت حواء من أب بلا أم ، وخلق عيسى من أم بلا أبّ ، وخلق النبىّ يحيى بكلمة منه ، من أب وأم ، إلا أن الأم كانت عاقرا والأب شيخا كهلا ، وكذلك إسحاق ، خلقه بكلمة منه ، من إبراهيم وسارة ، وإبراهيم كان شيخا وسارة عجوزا عقيما، والإنسان عموما خلقه من أب وأم ، فكذلك كان الحال مع عيسى ، وذلك جميعه بكلمة « كن » يقولها اللّه تعالى فيكون الخلق كما أراد وقضى.
فبكلمة « كن » كانت بشارته تعالى إلى مريم ، وكانت رسالته إليها على لسان جبريل قوله :يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ( 45 ) ( آل عمران ) ،
فقال : « اسمه المسيح » ولم يقل اسمها ، فنعلم أن « كلمة » في الآية تعنى ولدا ، أي بشّرها بولد .
فعيسى إذن لم يكن بدعا ؛ ولم يكن سابقا ، ومثله مثل آدم وحواء ويحيى وإسحاق ، فلما ذا يؤلّه دونهم ؟! (انظر أيضا عيسى روح من اللّه) .
* * *
925 . عيسى روح من اللّه
في الآية :إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ( 171 ) ( النساء ) ،روى أن عيسى كانت له ستة أسماء بحسب القرآن ، هي : المسيح ، وعيسى ، وكلمة اللّه ، وروح من اللّه ؛ وعبد اللّه ، ورسول اللّه .
والذي أوقع النصارى في الضلال هو ما قيل بأنه « روح منه » أي من اللّه ، فقالوا إذن عيسى جزء من اللّه ، وتكون له طبيعة اللّه وليست طبيعة الجسد الذي تجسّد فيه ، وقيل بل تكون له طبيعتان ، الأولى لاهوتية ، والثانية ناسوتية يعنى بشرية ، وهذه الطبيعة الثانية هي التي جرى عليها الصلب ؛ وأما المسيح الربّ .
أو الإله ، فهو الذي ارتفع إلى السماء ، فلو اجتمع اللاهوتي بالناسوتى فالمتحكّم لا يكون بداهة هو الناسوتي ، ويتأبّى العقل أن يقبل أن الطبيعة البشرية تكون لها الغلبة على الطبيعة الإلهية ، فالصدّيق أو النبىّ يحاول أن يرقى بنفسه ليكون ربّانيا ، فهل جرى العكس على عيسى ، ونزل عن إلهيته ليكون إنسانا ؟ والإله والإنسان لا يستويان .
وقيل الألوهة عند النصارى ثلاثية هي : الأب وهو اللّه ، والابن أي كلمته وهو عيسى ، وروح القدس أي روح اللّه ، والثلاثة أوجه لشئ واحد هو اللّه ، وهو شرك صريح يثبته جريجوريوس فيقول :
التثليث المسيحي لا يتعارض مع الإيمان بالتوحيد » - وكلامه مغالطة صريحة ، والمغالطات باب من أبواب المنطق ، والمغالط أو السوفسطائى يلعب بالألفاظ بمثل هذا القول السابق .
وفي الإسلام الروح الأمين ، أو روح القدس ، الذي نفخ في درع مريم هو جبريل ، وعند جريجوريوس أحد أقطاب الكنيسة المصرية رغم أسماء قساوستها اليونانية : أن روح القدس هو اللّه ، ويصف ذلك بأنه حقيقة دينية وليست فلسفية ، وهي تعليم إلهي .
وينتحل جريجوريوس مراجع له من التوراة ، والتوراة لا تقول بالحلول صراحة ولا بالتثليث ، ويستشهد برسالة بطرس الأولى وليس فيها ما يثبت قوله . « انظر أيضا عيسى كلمة اللّه ، وأيضا التثليث في القرآن وعند النصارى ) .
* * *
926 . هل عيسى علم للساعة ؟
يذهب أصحاب الإسرائيليات إلى تفسير الآية :وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ( 61 ) ( الزخرف ) ،أن من أعلام الساعة خروج المسيح ، لأن اللّه ينزله من السماء قبيل قيام الساعة ، غير أن اليهود في زعمهم أن الذي ينزل قبل قيام الساعة هو « النبىّ إيليا » ، والمسيح عندهم هو إيليا وليس عيسى ، وإيليا هو النبىّ إلياس أو إدريس بالعربية ، رفع إلى السماء ، وطالما أنه رفع فسيعود حتما ، وأنه ينزل في آخر الزمان وقبل يوم القيامة ليعيد لليهود مجدهم ( ملاخى 4 / 5 - 6 ) ،
ويسمون إيليا لذلك باسم « المسيح المنتظر » ، وهي العبارة التي قال مثلها الشيعة : « المهدى المنتظر » ، والمهدى هي البديل لمصطلح « المخلّص » المسيحي .
وقال النصارى : إن المسيح هو الذي ينزل وليس إيليا .
وفي هذه الآية من القرآن وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِلا دليل على أن الكلام عن المسيح كما يقول أصحاب التفاسير ، وتؤكد ذلك الآية قبلها فتجعله عبدا أنعم اللّه عليه بالنّبوة ، تقول :إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ( 59 ) ( الزخرف ) ،
أي آية وعبرة يستدل بها على قدرة اللّه ، وهذه الآية هي المسيح عيسى ، لأنه كان من غير أب ، وجعل إليه إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والأسقام ما لم يجعل لغيره في زمنه .
والصحيح أن الذي هو علم للساعة هو الذي تشير إليه الآية :وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ، والكلام فيها عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ،
والمعنى أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم باعتباره خاتم الرسل صار علما للساعة ، أي علامة ، لأنه بعد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لا يكون أنبياء ، فهو آخرهم ، وهو الأقرب لذلك من الساعة ، فأولى بهم أن يتّبعوه إذن ، لأن الصراط الذي يدعو إليه هو الصراط المستقيم ، ولأن الديانة التي يبشّر بها هي القول الحق الذي لا تحريف فيه ،
وفي الحديث : « بعثت أنا والساعة كهاتين » وضمّ السبابة والوسطى ، فهو إذن المعنىّ بأنه علم أو علامة من علامات الساعة .
وقد جاء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وتوفى وانتهى الأمر ، ولا ادّعاء بأنه سيعود ، ففي القرآن لا رجعة لأحد إلا يوم القيامة ، لا المسيح ولا إيليا ، وقول النصارى بأن عيسى سيرجع مردود عليه : هل يرجع أحد بعد أن يموت إلا يوم القيامة ؟ ولو كان عيسى سيرجع لذكر ذلك القرآن صراحة ، ولكن لا إشارة إلى ذلك من قريب أو بعيد ، وأحاديث المسيح الدجّال كلها موضوعة ، ولا مجال كي يكون المسيح قاتلا للدّجال كما ادّعوا ، ولا لأن يكون هو المجدّد للدين على سنة وشريعة نبيّنا ، فتلك جميعها تلفيقات مهر فيها اليهود بخاصة ليفسدوا على الإسلام أنه الديانة التي لم تحدث بها تحريفات .
وروّج لها الشيعة للأسف .
* * *
927 . هل أخطأ القرآن بتقديمه عيسى على غيره
في الآية :إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً( 163 ) ( النساء ) ،قال المستشرقون - وخاصة هوروفتس - هذا الدعىّ الأفّاق ، أن القرآن أو بالأحرى محمد ، أخطأ في ترتيب الأنبياء : فوضع عيسى قبل أيوب ، وسليمان قبل داود ، ويونس قبل هارون ، وأيوب قبل يونس وقبل هارون وداود وسليمان ، وكل ذلك خطأ ويكشف زيف محمد كنبىّ !
وهوروفتس هو الذي أخطأ ، لأنه في أول الآية تقدّم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم على سائر الأنبياء الذين جاءوا قبله ، فنعلم أن مقياس التقديم والتأخير باعتبار قدر وشرف هذا النبىّ أو ذاك ، مثل قوله تعالى :وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ( 7 ) ( الأحزاب ) ،
فخصّ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بالذكر أولا ، وخصّ آخرين بالتقدمة على غيرهم تشريفا لهم ، وقدّم عيسى على أنبياء كانوا قبله .
والواو لا تقتضى الترتيب ، وتخصيص عيسى بهذه المرتبة هو ردّ على اليهود الذين ينكرونه ، وتحقيق لنبوته ، وقطع لما رآه اليهود فيه ، ودفع لاعتقادهم .
ولم يكن خطأ ولا سوء تصحيف أن أطلق القرآن على مزامير داود اسم « الزبور » ،
والمزاميرpsalmsاليهودية ، أشعار دينية ترنّم أصلا على صوت « المزمارpipeأوreedأوflute» ، والواحد مزمور ، وبالعبريةmizmor، وبالحبشيةmazmur، وبالسريانيةmazmor، واليهود أطلقوا عليها هذا الاسم لغلبة اعتبارها للزمر ، أي للموسيقى ، والقرآن أعطاها اسم « الزبور » باعتبارها كتاب للأناشيد من « الزبر » الذي هو الكتابة ، والأصحّ لها هو الاسم « زبور » كما أورده القرآن ، لأنه « كتاب أناشيد » وليس « نوتة موسيقية » ، والأصل في الكلمة قوتها على التوثيق ، أي بيان الصواب والحق ، ويسمى الكتاب لذلك « زبورا » لقوة الوثيقة به .
ومرة أخرى يخطئ هوروفتس وليس القرآن ولا محمد كما ادّعى !
* * *
928 . عمران موسى والصلة بينه وبين مريم أم المسيح
في الآية :إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ( 33 ) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ( آل عمران ) ، يؤكد القرآن على أن عمران - والد موسى - هو رأس الشجرة التي منها هارون ، والتي انحدرت منها مريم أم المسيح والمسيح ، بالتبعية . ولقد عرفنا مما سبق أن هناك عمرانين ، عمران الأول أبو موسى ، وهو معروف ومشهور ، وأوردت التوراة اسمه ، وعمران الثاني أبو مريم أم المسيح ، ولم يذكر بالاسم ، لا في التوراة ولا في الأناجيل ، ومرجعنا الوحيد فيه هو القرآن ،كقوله تعالى :وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها( التحريم 12 ) ،
وقوله :إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً( آل عمران 35 ) ،
فأما الأول فهو عمران الحقيقي ، وأما الثاني فيعنى بيت عمران ، أو آل عمران ، واسم عمران هو لاوى بن قهات ، وكان عبدا صالحا ، وهو رأس عشيرة العمرانيين التي منها موسى وهارون ، واليصابات زوجة زكريا ، ومريم أم المسيح ، وكانت لعمران ابنة اسمها مريم هي أخت موسى التي دلت ابنة فرعون على أمها لترضع موسى ، وكانت بتولا كمريم العذراء أم المسيح ، وهؤلاء جميعهم يشكلون الدوحة العمرانية وكانوا من الصالحين ( سفر العدد 20 / 1 ) ،
وهم المعنيون باصطلاح آل عمران في الآية ، ويقابلهم آل إبراهيم الذين ينحدرون من إبراهيم ، وهم : إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف ، والأسباط ، والجميع - سواء آل عمران أو آل إبراهيم - تصدق عليهم الآية :ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ( آل عمران 34 ) ،
وخصّ اللّه في سورة آل عمران بالتنويه عن ذرية عمران ، لأن من بينهم كان أنبياء ورسل اصطفاهم - أي اختارهم - فكانوا صفوة الخلق أجمعين ، وللصفوة في اليهودية والنصرانية والإسلام نظرية تؤكد أن اللّه يمايز بين الناس بالفضل ، وقد اصطفى أنبياءه من النخبة الطيبة الصالحة ، فإن كان قد ذكر آدم ونوحا مفردين ، فإنه جعل الفضل في آل إبراهيم وآل عمران ، وقد ترسّخت النبوة فيهم وتتابع الأنبياء والرسل منهم ، وكان نبيّنا من الدوحة الأولى - دوحة إبراهيم .
ولأن سورة آل عمران تناولت من هؤلاء الصفوة من أنبياء ورسل بيت عمران أكثر ممن تناولتهم من آل إبراهيم ، فقد أطلقوا على السورة أنها « سورة آل عمران » ،
ولعل ذلك يفسّر لنا أكثر لما ذا قال اللّه « امرأة عمران » ، « وابنة عمران » ، في الإشارة للأصول الطيبة لمريم وابنها .
ولعله أيضا يلقى المزيد من الوضوح على السبب الذي من أجله كان قوله تعالى في سورة مريم 28 « يا أخت هارون » ، وفي هذه الآيات جميعا لا لبس ولا خطأ في نسبة مريم إلى عمران أو إلى هارون ، حيث أن المعنى فيهما ينصرف إلى أنها من «بيت هارون» الذي هو نفسه «بيت عمران».
وهذا ما أكده القرآن ولم تتناوله الأناجيل ولا تطرقت إليه، حتى أنهم في النهاية نسبوا مريم لدوحة زوجها يوسف النجّار، وجعلوها تبعا له من بيت داود. واللّه حسبنا .
وثمة مسألة أخرى تطرق إليها المستشرقون ، فقد ظنوا أن القرآن أخطأ ثانية بأن جعل مريم أم المسيح ابنة لعمران ، وعمران هو أبو موسى ، فخلط بين مريم أم المسيح ومريم أخت موسى في الآية :إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 35 ) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ( 36 ) ( آل عمران ) .
والقرآن لم يخلط ، والخلط في أذهان المستشرقين من اليهود والنصارى .
والقرآن مرجع من المراجع ، مثله مثل التوراة والإنجيل ، ومصداقية القرآن ليست بأقل من مصداقية التوراة والإنجيل ، فالقرآن يقول ، والتوراة والإنجيل يقولان ، فعلى الأقل لا ترجيح لأيهم طالما أن كلا منهم لا يعدو القول ، فإن قال القرآن إن أم مريم كانت زوجة للمدعو عمران أو عمرام ، فإنه مثل قول التوراة أن عمران آخر كان أبا لموسى ، فلما ذا لا يكون هناك عمرانان ، واحد لمريم ، وآخر لموسى ، ولا علاقة بينهما سوى علاقة القرابة والمشابهة في الأسماء ؟
ويخلو الإنجيل تماما من اسم أم مريم واسم أبيها ، ولا يوجد مصدر لنا عن ذلك إلا القرآن ، ويذكر القرآن أن والد مريم هو عمران ، فلما ذا الخلط بينه وبين عمران الآخر والد موسى وبينهما نحو ستمائة سنة ، وربما ألف سنة أو أكثر ؟ ! !
ولما ذا الخلط بين مريم أم المسيح ومريم الأخرى شقيقة موسى ؟ وأما أن يقول القرآن مرة « امرأة عمران » ( آل عمران 36 ) عن جدّه المسيح ، ومرة « مريم بنت عمران » ( آل عمران 35 )
عن العذراء ، فهذه طريقة العرب والساميين عموما في التعريف بالناس من باب التبجيل ، فلا ينادون بأسمائهم وإنما بألقابهم ، ونحن ننسب دائما إلى الأصول فنقول البكري أو الهاشمي ، أو الطالبي وهكذا .
وعمران الذي تنسب إليه مريم أخت موسى ، كان والد موسى وهارون ، كما أن مريم أم المسيح كانت تنحدر من دوحة عمران أو بالأصح هارون ابنه ، لأنها كانت صدّيقة وتنتمى إلى جماعته من الكهنة ، ولذا نسبها القرآن إلى هذا الأصل المبارك ، وعلى ذلك ينتفى الخلط بالكلية ويظهر جليا أن الالتباس عند المستشرقين سببه قلة درايتهم باللغة العربية وطرق التعبير بها وخاصة في القرآن ، فوجب التنبيه لذلك .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 26 أكتوبر 2023 - 23:24 عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق
الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
929 . أتباع عيسى اسمهم النصارى
في كتب العهد الجديد : أن المسيحيين دعوا لأول مرة مسيحيين في أنطاكية ( أعمال 11 / 26 ) نحو سنة 42 أو 43 م ) ، واللقب كان في أول الأمر من باب القذف والذمّ ( بطرس الرسالة الأولى 4 / 16 ) ،ومن أقوال المؤرخ تاسيتوس ( المولود نحو سنة 54 م ) أن تابعي المسيح كانوا من سفلة الناس ، ومن العامة ، حتى أن أجريياس لمّا قال لبولس : بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا » ( أعمال 26 / 28 ) ، كان يقصد أن كلامه طيب وحججه قوية ، ولكنه لا يرضى أن يكون مسيحيا فيعاب بهذا الاسم .
ولا يأتي اسم المسيحي أو المسيحيين في القرآن ، ولكن يأتي الاسم « نصراني » ، كقوله تعالى :ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا(آل عمران 67)،
والاسم « نصارى » في الجمع كقوله :وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ ( 113 ) ( البقرة ) نسبة إلى « الناصرة » ، وهي إحدى مدن فلسطين من إقليم الجليل ، أي في الجزء الشمالي من فلسطين ، وتقوم على جبل مرتفع ، ويرى منها جبل الشيخ والكرمل ، وذكرت في كتب العهد الجديد تسعا وعشرين مرة ، وهي مسقط رأس مريم وزوجها يوسف النجّار ، وفي الناصرة كانت بشارة مريم بالمسيح ( لوقا 1 / 26 ) ،
وعادت إليها مريم مع يوسف من مصر ( متى 2 / 23 ) .
والناصرة اسم سريانى وليس عبرانيا ، وموجود في العربية ، وهي التي تنصر ، أو المنصورة ، وفي الناصرة نشأ المسيح وترعرع ( لوقا / 16 4 ) ، وأمضى الجزء الأكبر من حياته ، وكان يكبر بين أهلها كما يقول لوقا : بالحكمة والسن والنعمة ( لوقا 2 / 52 ) ،
ولكنه ما أن بدأ رسالته حتى رفضه أهلها مرتين ( متى 4 / 13 ، 13 / 54 - 58 ؛ ولوقا 4 / 28 - 31 ؛ ومرقس 6 / 1 - 6 ) .
وفي الناصرة كانت العين التي كانت مريم تتردد عليها ، والموضع الذي فيه أتتها البشارة ، ويسمى اليوم كنيسة البشارة ، وبالقرب منها على حافة الجبل المطل على مرج بنى عامر وقرب الكنيسة الرومانية ، الموضع الذي عنده أراد يهود الناصرة أن يلقوا منه هذا « الناصري » ، فهكذا دعاه بطرس ( أعمال 2 / 22 ) ، وبولس ( أعمال 26 / 9 ) ،
والمسيح نفسه سمّى نفسه : الناصريnazarine، والنسبة تعود إلى مدينة الناصرةnazareth، ومن ثم كان أنصاره هم النصارىnazarines.
واسم النصراني تصحيف عربى للناصرى ، والأنثى يقال لها نصرانية ، وفي الحديث : « فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه » أخرجه البخاري ، وقال صلى اللّه عليه وسلم : « لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار » أخرجه مسلم . وكان الأحرى أن يكون الجمع « النصرانيين » .
ويسمى ابن عباس الناصرة التي ينسب إليها المسيح والنصارى باسم قرية نصران ؛ وقيل هم سمّوا نصارى لأنهم نصروا بعضهم البعض ، وكأن الأنصار في المدينة سموا أنصارا لمناصرتهم أيضا للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم .
وقيل ربما كان اسم الأنصار للآية :قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ( آل عمران 52 ) ، فهؤلاء أنصاره ، وصحّف الاسم إلى النصارى ، والشاعر يقول :لمّا رأيت نبطا أنصارا * شمّرت عن ركبتى الإزاراكنت لهم من النصارى جارا.
* * *
930 . رحلة المسيح وأمه إلى مصر في القرآنفي إنجيل متى : أن هيرودس دعا المجوس ليعلم أين ولد الصبى الذي سيكبر ليخلّص شعبه ، فذكروا أنه في بيت لحم ، فأرسلهم ليبحثوا عنه ، ورأى يوسف زوج مريم ، أن عليه أن يهرب بالغلام إلى مصر ، ليصدق على المسيح ما جاء في سفر هوشع « من مصر دعوت ابني » ( 11 / 1 ) ، والمقصود بهذه العبارة عند هوشع أن الابن هو شعب إسرائيل ، يعنى أن الشعب كان على موعد مع اللّه بخروجه من مصر ، ولكن كاتب الإنجيل وظّف العبارة لصالح عيسى وجعلها بشارة .
وبالهروب إلى مصر نجا المسيح ، وقيل : إن هيرودس قتل كل صبيان بيت لحم وتخومها ، من ابن سنتين فما دون ( متى 2 / 8 - 16 ) .
وظلّت العائلة المقدسة بمصر - مريم وزوجها وابنها عيسى ، وربما بعض أولادها من زوجها كانت أنجبتهم في ذلك الحين - إلى أن مات هيرودس ، فرأى يوسف في الحلم : « أن خذ الصبى وأمّه واذهبوا إلى أرض إسرائيل ، فقد مات طالبو نفس الصبى » .
وارتحلوا إلى الناصرة لينشأ المسيح ناصريا ، ويدعى الناصري .
ويقول المستشرقون ، خاصة فينسينك ، وهوروفتس ، وبيترز : إن القرآن أشار إلى هروب يوسف بمريم والمسيح إلى مصر في الآية :وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ( 50 ) ( المؤمنون ) ،
والربوة هي المكان المرتفع من الأرض ، قيل هي مصر ، لأن أرضها مرتفعة ، وذات قرار أي مستوية ، ومعين أي ماء جار ظاهر للعيون .
* * *
931 . الحواريون أنصار عيسى
لمّا دعا عيسى اليهود إلى اللّه أنكروه :فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( 52 ) ( آل عمران ) ،والحواريون في الآية كانوا اثنى عشر كما جاء عنهم في إنجيل متّى ( 10 / 2 - 42 ) : سمعان المدعو بطرس ؛ وأندراوس أخوه ؛ ويعقوب بن زبدى ؛ ويوحنا أخوه ؛ وفيلبّس ؛ وبرتلماوس ؛ وتوما ؛ ومتّى العشّار ؛ ويعقوب بن حلفى ؛ وتداوس ؛ وسمعان القانونىّ ؛ ويهوذا الإسخريوطى الذي أسلم عيسى لليهود ، وهؤلاء أسلموا على يديه ، ونصروا اللّه بالدعوة إليه ، بناء على وصية عيسى لهم ، قال : إلى طريق الأمم لا تتّجهوا - يعنى لا تبشّروا غير اليهود .
وقال : بل انطلقوا إلى الخراف الضالة من آل إسرائيل ، فخصّ اليهود بالدعوة دون العالمين ؛ والدعوة طبقا للأناجيل مضمونها : الاعتراف بعيسى ابنا للّه ، بينما هي في القرآن كما ورد على لسان الحواريين ، قالوا :رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ( 53 ) ( آل عمران )،
والرسول الذي اتبعوه هو عيسى ، وإيمانهم بما أنزل اللّه هو إيمانهم بأحكامه فيه ، فلمّا أقرّوا باللّه سألوه أن يكتبهم مع من يشهدون لأنبيائه بالصدق ، أي مع الصدّيقين .
ودعوة الحواريين في القرآن - كما ترى - للّه ، بينما دعوتهم في الأناجيل لعيسى نفسه ، وهذا هو الفرق بين الإسلام والنصرانية .
* * *
932 . قصة مائدة عيسى في الإنجيل والقرآن
المائدة لا تكون مائدة إلا إذا كان عليها طعام ، فإن لم يكن عليها طعام فهي طاولة ، وخوان ؛ تقول ماد أي أطعم وأعطى ، والمائدة تميد ما عليها ، أي تعرض ما عليها من أنواع الطعام ، ويسمى الطعام أيضا مائدة تجاوزا ، لأنه يؤكل على المائدة .وعن مائدة عيسى يأتي في إنجيل متّى : ثم إن يسوع دعا تلاميذه وقال إنني أتحنن على الجمع - وكانوا كثيرين أتوا إليه من مختلف القرى - لأن لهم معي ثلاثة أيام ، وليس لهم ما يأكلون ، ولا أريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق .
فقال له تلاميذه : من أين لنا في البرية خبز يشبع مثل هذا الجمع ؟
فقال لهم يسوع : كم عندكم من الخبز ؟ فقالوا : سبعة ، ويسير من السمك .
فأمر أن يتكئ الجمع على الأرض ، ثم أخذ الأرغفة السبعة والسمك ، وشكر ، وكسر ، وأعطى تلاميذه ، والتلاميذ ناولوا الجمع ، فأكلوا جميعهم وشبعوا ، ورفعوا ما فضل من الكسر سبع سلال مملوءة ، وكان الآكلون أربعة آلاف رجل سوى النساء والصبيان ، ثم صرف الجمع وركب السفينة إلى تخوم مجدل » ( إنجيل متّى 15 / 22 - 29 ) .
وفي إنجيل لوقا :
يشترط المسيح للمائدة ، يقول : « إذا صنعت غذاء أو عشاء فلا تدع أحبّاءك ، ولا إخوانك ، ولا أقرباءك ، ولا الجيران الأغنياء ، لئلا يدعوك هم أيضا فتكون لك منهم المكافأة ، وإذا صنعت مأدبة فادع المساكين والجدع والعرج والعميان ، فتكون مباركا ، إذا ليس لهم ما يكافئونك به ، فتكون مكافأتك في قيامة الصدّيقين ( يعنى في الآخرة ) » ( لوقا 14 / 12 - 14 ) .
وفي إنجيل يوحنا : « أن الفصح عيد اليهود كان قد قرب ، فرفع يسوع عينيه فرأى جمعا كثيرا مقبلا إليه ، فقال لفيلبس : من أين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء ؟ فأجابه فيلبس : إنه لا يكفهم خبز بمائتى دينار حتى ينال كل واحد منهم شيئا يسيرا !
فقال له أندرواس أخو سمعان بطرس : إن هاهنا غلاما معه خمسة أرغفة من الشعير ، وسمكتان ، ولكن ما هذه لهذا العدد من الناس ! ! ؟
فقال يسوع : مروا الناس بأن يتكئوا ، وكان في الموضع عشب كثير ، فاتكأ الرجال ، وكان عددهم نحو خمسة آلاف ، وأخذ يسوع الأرغفة وشكر ، وقسم على المتكئين ، وكذلك السمكتين ، على قدر ما شاءوا .
فلما شبعوا قال لتلاميذه : أجمعوا ما فضل من الكسر لئلا يضيع شئ منها ؛ فجمعوا فملئوا اثنتي عشرة قفة من الكسر التي فضلت عن الآكلين من خمسة أرغفة الشعير ، فلما عاين الناس الآية التي عملها يسوع ، قالوا : في الحقيقة هذا هو النبىّ الآتي إلى العالم ! » . ( يوحنا 6 / 4 - 14 ) . وكما ترى فإن الروايات النصرانية في هذه المائدة مختلفة بشدة ، فمرة الأرغفة سبعة واليسير من السمك ، والآكلون أربعة آلاف سوى الصبيان والنساء ، والمتبقى من الطعام يملأ سبع سلال ؛ ومرة الأرغفة خمسة ، والسمك اثنتان ، والناس نحو خمسة آلاف ، والمتبقى من الطعام يملأ اثنتي عشرة قفة ، وفي الروايتين أنهم كانوا في صيام ، وأن المدعوين هم الفقراء والمحتاجون .
والدرس المستفاد هو ما قاله الناس : « هذا حقا هو النبىّ الآتي إلى العالم » ! وأما رواية القرآن فتأتي في سورة المائدة ، وتتسمى السورة باسم هذا الحدث الفريد والمعجزة الخارقة ، فلما آمن الحواريون وأشهدوا عيسى بإسلامهم ، وكانوا في صيام ، سألوه أن يدعوهم إلى طعام من عند اللّه ، قالوا :يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 112 ) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 113 ) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ( 115 ) (المائدة).
وقولهم : « هل يستطيع ربّك » ليس شكّا في اللّه ، ولكن بمعنى « هل يطيعك ربّك إن سألته أن ينزّل عليك مائدة ؟ وما كان ينبغي أن يسألوه هذا السؤال ، إنما لأنهم كانوا في ابتداء استنصارهم ، ولذلك ردّ عليهم عيسى : « اتقوا اللّه إن كنتم مؤمنين » ، لمّا سمع غلطهم وتجويزهم على اللّه ما لا يجوز ، لأنهم كانوا كحواريين خلصاءه وأنصاره ، كما قال :مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ( 52 ) ( آل عمران ) ،
فكان ينبغي عليهم وهم الذين بلغهم من نبيهم ما يجب للّه وما لا يجب ، أن لا يقولوا ما قالوا ، كقول بعضهم لمّا سألوا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ، وهي شجرة كان المشركون يتباركون بها وينوطون بها سلاحهم ، أي يعلقونه ، ويعكفون حولها ، فسألوه أن يجعل لهم مثلها .
وكذلك فعل قوم موسى لمّا قالوا :اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ( 138 ) ( الأعراف ) .
ولم يكن الحواريون يتعللون لعيسى ، فهم مؤمنون عارفون عالمون ، وإنما المعنى كما قد تسأل عزيزا لك معروفا فتقول له : هل تستطيع أن تفعل هذا ؟ وأنت تعلم أنه يستطيع ، والحواريون علموا ذلك علم دلالة وخبر ونظر ، فأرادوا أن يكون علمهم علم معاينة ، كما قال إبراهيم :رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى( 260 ) ( البقرة ) ،
وكان إبراهيم يعلم علم خبر ونظر ، فأراد المعاينة التي لا يدخلها الريب والشك ، ومثل ذلك قاله الحواريون : « وتطمئن قلوبنا » ، تماما كما قال إبراهيم :وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي( 260 ) ( البقرة ) .
ثم إن قولهم : « هل يستطيع ربّك » تلطّف في السؤال ، وأدب مع اللّه تعالى .
وكان ردّ عيسى : « اتقوا اللّه إن كنتم مؤمنين » لأنه لم يستبشر خيرا بكثرة أسئلتهم واقتراحاتهم لآيات اللّه ، لأنه تعالى لا يفعل إلا الأصلح لعباده ، فلما نهاهم بيّنوا سبب سؤالهم ، قالوا : « أن نأكل منها » ، فقد كانوا جوعى ، وكما جاء بقصتىّ الإنجيل ، كانوا بالآلاف ، ولهم ثلاثة أيام لم يذوقوا طعاما ، وكان من ساروا خلفه من أصحابه يدركون حاجة الناس ، وأن أكثرهم مرضى وزمنى وعميان ، ولم يكن معهم نفقة لفقرهم ، فأراد الحواريون سدّ جوعة الناس ، ولتطمئن قلوبهم أنهم صاروا شعب اللّه ، وأنه اجتباهم واختارهم لدعوته ، وأن دعوتهم مستجابة عنده ، وليستيقنوا قدرة عيسى ، وليعلموا أنه قد صدقهم ، وليشهدوا للّه بالوحدانية ، ولعيسى بالرسالة والنبوّة ، واقتنع عيسى فدعا ربّه ، ونزلت المائدة ، قيل كان نزولها يوم أحد ، وكانت عيدا لأولهم وآخرهم ، فكفت أولهم وآخرهم ، وكانت آية منه تعالى ، ودلالة وحجة ، واشترط عليهم أن يكون إيمانهم بعدها كاملا ، فإن شهدوا المائدة وعاينوها ، وعرفوا المعجزة ولمسوها ونظروها ، فما لهم حجة بعدها أن يداخلهم الريب ، وإلا فمن يشك بعدها فله العذاب الشديد ، قيل : له الدرك الأسفل من جهنم ، وفيه العذاب الشديد ، وعد به ثلاثة : المنافقون ، وآل فرعون ، ثم المكذّبون لعيسى بعد نزول المائدة .
* * *
في الأناجيل الأربعة : أن اليهود طالبوا الوالي أن يصلب يسوع الذي يقال له المسيح ، وقالوا فيه : دمه علينا وعلى بنينا ، وحينئذ جعلوا يبصقون على يسوع ويضربونه على رأسه ، وهزءوا به ونزعوا رداءه ، ومضوا به ليصلب ، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه ، وجعلوا فوق رأسه لافتة مكتوبا عليها : هذا هو يسوع ملك اليهود ! ( متى 27 ، ومرقس 15 ، ولوقا 23 ، ويوحنا 18 ، 19 ) .933 . المسيح لم يصلب ولكن شبه لهم
وينفى القرآن واقعة صلب اليهود للمسيح ، بقوله تعالى :وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً ( 157 ) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ( 158 ) ( النساء ) .
وقوله تعالى « شبّه لهم » : ألقى شبهه على غيره ، ولم يكونوا يعرفون شخصه ، واستعانوا في ذلك بتلميذه يهوذا ، وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكّون فيه ، واختلف فيه عوامهم ، وقالوا : إنه إله ؛ وبعضهم قال : ابن اللّه ؛ ومن شاهد رفعه نفى قتله ؛ وبعض فرقهم قالوا : صلب عيسى من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته ؛ وقالت فرقة أخرى : إن الصلب وقع على الناسوت واللاهوت معا وادّعى اليهود قتله لأن من رأس المؤامرة ضده كان يهوذا رأس اليهود ، وهو الذي سعى إلى تسليمه .
وهؤلاء جميعا ما كان لهم علم إلا اتبعوا الظن ، وما قتلوه ، بل رفعه اللّه إليه ، والرفع ليس غريبا في التوراة بل له سابقة ، ففي سفر الملوك الثاني يأتي أن النبىّ إيليا ( إلياس ) جاءت مركبة وفرسان نارية وحملته إلى السماء ( 2 / 1 - 18 ) ،
وفي نبوءة ملاخى ( 4 / 5 - 6 ) أن إيليا سيرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، ولذلك يترك اليهود مقعدا خاليا على مائدة عيد الفصح لإيليا ، فليس عجيبا إذن أن يقول القرآن أن عيسى رفع ، وأن ينزّهه عن الصلب !
* * *
في القرآن أن الإنجيل هو كتاب عيسى :وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ( 46 ) ( المائدة ) ، وأنه تعلّمه على اللّه تعالى :وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ( 110 ) ( المائدة ) ، 934 . أربعة أناجيل للمسيح وليس إنجيلا واحدا
غير أن ما لدينا هو أربعة أناجيل وليس إنجيلا واحدا ، والأناجيل الأربعة هي الأناجيل القانونية التي أقرتها الكنيسة ، وهي أناجيل : متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، وهؤلاء هم مؤلّفوها ، وكانت كتابتها بعد المسيح في القرن الثاني الميلادي ، يعنى أنها ليست من عند اللّه ، وهناك أناجيل أخرى وصفت بأنها غير قانونية ، أي لم تقرّها الكنيسة ، كإنجيل يعقوب ، وإنجيل نيقوديموس ، وإنجيل الإبيونيين ، وإنجيل المصريين ، وإنجيل العبرانيين ، وإنجيل الناسيين ، وإنجيل بطرس ، وإنجيل توما ، وإنجيل الطفولية - وهو إنجيل عربى .
والأناجيل جميعها لم يقصد بها الإخبار عن اللّه تعالى ، أو عن الآخرة ، ولكنها تقص سيرة المسيح ، فهي من هذه الناحية مثل كتب السيرة .
والأناجيل غير القانونية كلها عن مريم وزوجها يوسف ، وعجائب المسيح في حداثته ، وهي من النوع الذي يرضى عامة الناس ويرتاحون إليه ، وجميع الأناجيل غير متفقة تماما فهناك اختلافات بينها ، وأما وصف القرآن للإنجيل باعتباره كتاب اللّه فهو من عند القرآن ، والمقصود به الحكم التي كان المسيح ينطق بها بوحي من ربّه ، وكلمة إنجيل يونانية وتعنى البشارة ، والمذكور في الأناجيل أقوال للمسيح من نوع الحكم ، ولكنها مبشّرة ومتفائلة ، والتراث المسيحي كله يوناني ، وأسماء القساوسة التي يعطونها لأنفسهم واللغة التي يقيمون بها القداس يونانية ، والمسيح لم يكن يتكلم اليونانية ، وما كان يعرف إلا العبرية ، وانحراف كتبة الأناجيل إلى القول بأن المسيح ابن اللّه هو من عندهم وروايتهم ، فيوحنا يقول في إنجيله ( 3 / 16 )
« أن اللّه أرسل اللّه الوحيد لخلاص المؤمنين » .
ومضمون الأناجيل كما يقول بولس : « أن المسيح مات لأجل خطايا البشر » . فشتّان بين رسالة القرآن : أن اللّه واحد لا إله إلا هو ، ورسالة الأناجيل : وكلها تدعو للمسيح وليس للّه ، ولذلك يقال أحيانا « إنجيل المسيح » ،
وأحيانا يقال : « إنجيل السلام » ، وأحيانا يسمونه « إنجيل مخلّصنا » ، وأحيانا « إنجيل مجد المسيح » ، و « إنجيل الملكوت أو بشارة الملكوت » ، وهذه الأسماء جميعا من عندهم ، وليست من عند اللّه .
ومقالة القرآن :وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ( 3 ) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ( آل عمران )
،وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ( المائدة 46 )
تعنى أنه تعالى أذن للمسيح أن يبشر الناس بملكوت السماء ، وأن بشارته هدى لهم ورحمة ، فما زاد عن ذلك في الأناجيل فهو من وضع مؤلفيها ، ومنه قولهم أنه ابن اللّه ، وعلينا إذن أن لا نقول إننا نؤمن بالإنجيل كما هو الآن ، ولكن إيماننا به أو بها ، أي بتعاليم المسيح فيها ، بما لا يخالف روح الدعوة في القرآن ، ونستطيع بالتأكيد أن نستخلص تعاليم المسيح من الأناجيل ، فكل قول حق ينسب إليه نحن نؤمن به ، ولا تعارض بين الأديان فيما يخص اللّه تعالى طالما هي تدعو إليه ولا تشرك به فيما تورده عنه .
* * *
« اذهب يا شيطان ، فإنه قد كتب للربّ إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد » . ( متى 4 / 10 ) .935 . نماذج من أقوال المسيح مما يصلح أن يكون إنجيلا
( وهذا توحيد صريح ) .
« طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات . وطوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض . طوبى للحزانى فإنهم يعزّون .
طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ فإنهم يشبعون . طوبى للرحماء فإنهم يرحمون . طوبى لأتقياء القلوب فإنهم يعاينون اللّه .
طوبى لفاعلى السلام فإنهم بنى اللّه يدعون . طوبى للمضطهدين من أجل البرّ فإن لهم ملكوت السماوات .
طوبى لكم إذا عيّروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم كل كلمة سوء من أجلى كاذبين .
افرحوا وابتهجوا فإن أجركم عظيم في السماوات ، لأنهم هكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم » . ( متى 5 / 2 - 12 ) .
( وهذا إقرار بأن عيسى مجرد نبىّ كالأنبياء ) .
« قد سمعتم أنه قيل للأولين لا تقتل فإن من قتل يستوجب الدينونة ، أما أنا فأقول لكم إن كل من غضب على أخيه يستوجب الدينونة » ( متى 5 / 21 - 22 ) . ( وهذا إقرار بالآخرة والبعث والحساب ) .
« قد سمعتم أنه قيل للأولين لا تزن ، أما أنا فأقول لكم إن كل من نظر إلى امرأة لكي يشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن شكّكتك عينك اليمنى فاقلعها وألقها عنك ، فإنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم » ( متّى 5 / 27 - 29 ) ( وهذا تشريع ).
« قد سمعتم أنه قيل : أحبب قريبك ، وأبغض عدوك . أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى من يبغضكم ، وصلّوا لأجل من يعنتكم ويضطهدكم » . ( متّى 5 / 43 - 44 ) . ( وهذا كلام في الأخلاق والتربية وسياسة الاجتماع ) .
« لا تدينوا لئلا تدانوا ، فإنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون ، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم .
ما بالك تنظر القذى في عين أخيك ولا تفطن للخشبة التي في عينك . . . ؟ اسألوا فتعطوا . أطلبوا فتجدوا .
اقرعوا فيفتح لكم ، لأن كل من يسأل يعطى ، ومن يطلب يجد ، ومن يقرع يفتح له .
أي إنسان منكم يسأله ابنه خبزا فيعطيه حجرا ؟ أو إن سأله سمكة يعطيه حية ؟ » .(متّى 7 / 1 - 10). ( وهذا كلام في الاجتماع الإنسانى ).
* * *
تناولتها سورة البروج ، تقول :قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ( 4 ) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ ( 5 ) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ( 6 ) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ( 7 ) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( 8 ) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( 9 ) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ( 10 ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ( 11 ) . 936 . قصة أصحاب الأخدود
والسورة مكية ، وتحكى عن فئة من نصارى نجران قيل : كانوا يؤمنون بأن للمسيح طبيعة واحدة ، وهي طبيعة بشرية ، يعنى أنه كان نبيا ولم يكن ابن اللّه كما يزعم أغلب النصارى ، ولذلك نوّه بهم القرآن ، وأثنى عليهم ووصفهم بأنهم مؤمنون .
وقيل إن أصحاب الأخدود هم ملك حمير وأتباعه ، وهو الملقببذى نواس ، فقد كانت له غدائر من الشّعر تنوس ، أي تهتز كلما اهتز ، فسمى ذا نواس ، واسمه الحقيقي زرعة بن تبّان بن أسعد الحميري ، وكان على الوثنية ، فتهوّد وأسمى نفسه يوسف بن ذي نواس بن تبّع الحميري ، ودعا النصارى أن يتهوّدوا ، فمن أبى منهم اضطهده وعذّبه .
وقيل : إن نصارى نجران كانوا نيفا وثمانين فردا بين رجل وامرأة ، وقيل سبعون أو ثمانون ألفا ، وهذا خطأ ، لأن الأخدود الذي حفر لتعذيبهم ما كان يمكن أن يستوعب سبعين أو ثمانين ألفا ! ! ثم لما ذا يحرق ذو نواس اليهودي هؤلاء النصارى واليهود لا يدعون الآخرين لاعتناق ديانتهم ؟
والغالب أن الذي أعمل فيهم التحريق هم نصارى مثلهم كانوا يقولون بطبيعتين للمسيح .
على أن الرواية أن ذا نواس هذا كان يهوديا ولم يردهم أن يعتنقوا اليهودية ،
وإنما أن ينكروا المسيح بالكلية ، فلم يوافقوا ، فخدّ لهم أخدودا ، وقيل سبعة أخاديد ، وطرح فيها النفط والحطب ، ثم عرضهم عليها ، فمن أبى أن ينكر المسيح قذفوه فيها .
والمستشرقون يجزمون بأن المحرّقين كانوا نصارى ، وأنهم المقصودون بما يعرف تاريخيا باسم شهداء نجران ، وأن المحرقةholocaustالتي أوقدها اليهود الحميريون لنصارى نجران كانت نحو سنة 523 بعد الميلاد ، وقالوا إن في التاريخ ثلاثة أخاديد ، فأخدود كان بنجران ، والآخر بالشام ، والآخر بفارس .
والذي بالشام حفره أنطونيانس الرومي ، والذي بفارس حفره بختنصر ، والذي بأرض اليمن حفره يوسف بن ذي نواس ، وسورة البروج نزلت في أصحاب الأخدود الذين كانوا بنجران .
وقال اليهود : إن الذين حرّقوا كانوا بفارس وكانوا يهودا ، وزعموا أنهم النبىّ دانيال وأصحابه ، وقالوا : إنّ أهل نجران كانوا على أي حال أهل شرك ويعبدون الأصنام ، وأنهم قالوا لليهود فيها : تكفرون أو تقذفون في الأخدود وتحرقون بالنار ؟
والأخدود شق عظيم مستطيل في الأرض كالخندق ، وجمعه أخاديد . « والنار ذات الوقود » أي المضرمة في الحطب . وقوله « إذ هم عليها قعود » المقصود بهم أصحاب الأخدود ، فبعد أن خدّوه قعدوا على حوافه ينظرون من يلقونه فيه من المؤمنين .
والمستشرقون يترجمون أصحاب الأخدودthe people of the ditch، ومنهم إكسيل موبرج ، كذّب قصة القرآن ولم ير صلة بينها وبين قصة شهداء نجران من النصارى ؛ والمستشرقان جايجر ولوث شكّكا في القصة وقالا ربما تكون إشارة إلى دانيال وأصحابه ؛ وأنكر هوروفتس وجريمه أن تكون للقصة أصل من الواقع .
والصحيح أن القصة رويت ليصبر المسلمون على ما يلاقون من الأذى والألم والمشقة التي كانوا عليها ، وذهب أصحاب التفاسير إلى أن أصحاب القصة كانوا من الفتية من المؤمنين مثل فتية سورة الكهف ، فكانت الرواية عنهم ليتأسّى بقصتهم الشباب المسلم .
وفي ذلك الوقت كان عمّار بن ياسر وبلال وغيرهما من الشباب المسلم يؤذون أبلغ الأذى ، والصبر على الأذى من الإيمان ، ونزلت الآية :مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ( 106 ) ( النحل )
فيها الحضّ على الصبر إلا من أكره وقلبه عامر بالإيمان ، وقد يلجأ المؤمن إلى التّقيّة درءا للعذاب ، والبعض قد يرضى بالعذاب ، وفي وصية النبىّ صلى اللّه عليه وسلم للشاب : « لا تشرك باللّه شيئا وإن قطّعت أو حرّقت بالنار » أخرجه ابن ماجة ،
وامتحن كثير من المسلمين بالقتل والصلب والتعذيب فصبروا ، ومن هؤلاء عاصم وخبيب وأصحابهما ، وإن ما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق لتشيب من ذكره الولدان .
* * *
937 . قصة الغلام والراهب
في الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أصحاب الأخدود قصة « الغلام والراهب » ، رواها لأصحابه ، تنبيها لما كان يلقاه من الشدائد من وحّد اللّه قبلهم ، وعبده دون غيره ، وإيناسا لهم بها ، لتصبيرهم على ما يلاقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها ، ليتأسّوا بمثل هذا الغلام في صبره ، وتصلّبه في الحق ، وتمسّكه به ، وبذله نفسه إظهارا لدعوته ، وإقناعا للناس للدخول في الدين ، مع صغر سنّه وعظيم صبره .وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار ، وكذلك كثير من الناس لمّا آمنوا باللّه تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم ، صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا عن دينهم .
تقول الرواية عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : « كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت ، فابعث إلىّ غلاما أعلّمه السحر ، فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه ، وسمع كلامه ، فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل .
حبسني الساحر .
فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة ، قيل أسد ، قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم : الساحر أفضل ، أم الراهب أفضل ؟
فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر الساحر فأقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس . فرماها ، فقتلها ، ومضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بنى ، أنت اليوم أفضل منى ، فقد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدلّ علىّ .
وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوى الناس من سائر الأدواء ، فسمع جليس للملك كان قد عمى ، فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال : ما هنا لك أجمع ، إن أنت شفيتنى . فقال : إني لا أشفى أحدا ، إنما يشفى اللّه . فإن أنت آمنت باللّه دعوت اللّه فشفاك . فآمن باللّه فشفاه اللّه .
فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس ، فقال له الملك : من ردّ عليك بصرك ؟ قال : ربّى . قال : ولك ربّ غيرى ؟ !
قال : ربّى وربّك اللّه ! فأخذه فلم يزل يعذّبه حتى دلّ على الغلام ، فجىء بالغلام ، فقال له الملك : أي بنى ، أقد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل ؟ ! قال : أنا لا أشفى أحدا ! !
إنما يشفى اللّه ! فأخذه فلم يزل يعذّبه حتى دلّ على الراهب ، فجىء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك !
فأبى ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقّه به حتى وقع شقّاه . ثم جئ بالغلام فقيل له : أرجع عن دينك ، فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا ، فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته ، فإن رجع عن دينه وإلا فأطرحوه ، فذهبوا به فصعدوا الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ! فرجف بهم الجبل فسقطوا ، وجاء يمشى إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم اللّه .
فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا ، فاحملوه في قرقور ( أي مركب صغير ) ،
فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه ! فقال الغلام : « اللهم اكفنيهم بما شئت » . فأنكفأت بهم السفينة فغرقوا ! وجاء يمشى إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم اللّه .
وقال للملك : إنك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به . قال : وما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل : باسم اللّه ، ربّ الغلام ، ثم ارمنى ، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني .
فجمع الملك الناس في صعيد واحد ، وصلبه - أي الغلام - على جذع ، ثم أخذ سهما من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال : باسم اللّه ، ربّ الغلام ، ثم رماه ، فوقع السهم في صدغه ، فوضع الغلام يده على صدغه في موضع السهم ، فمات . فقال الناس : آمنا بربّ الغلام ، آمنا بربّ الغلام ! وقيل للملك : أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد واللّه نزل بك حذرك ! قد آمن الناس !
فأمر بالأخاديد في أفواه السكك ، فخدّت ، وأضرم النيران . وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها .
حتى جاءت امرأة معها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أمّه اصبرى ، فإنك على الحق » . أخرجه الترمذي بمعناه ، والقصة كما ترى في « الاستشهاد » ، وهو أعلى درجات الإيمان .
وبرواية ابن عباس عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « كان ملك بنجران ، وفي رعيته رجل له فتى ، فبعثه إلى ساحر يعلّمه السحر ، وكان طريق الفتى على راهب يقرأ الإنجيل ، فكان يعجبه ما يسمعه من الراهب ، فأقبل يوما فإذا حية عظيمة قطعت على الناس طريقهم ، فأخذ حجرا ، فقال : باسم اللّه ، ربّ السماوات والأرض وما بينهما ، فقتلها ، ثم إن الملك لما رمى الغلام بالسهم وقتله ،
قال أهل المملكة : لا إله إلا اللّه ، الملك صار يعبد إله الغلام ثامر ( اسم الغلام ) ، فغضب الملك ، وخدّ الأخاديد ، وجمع فيها الحطب وأشعل النار ، وعرض أهل مملكته عليها ، فمن رجع عن التوحيد تركه ، ومن ثبت على دينه قذفه في النار .
وجئ بامرأة مرضع ، فقيل لها : ارجعي عن دينك ، وإلا قذفناك وولدك .
فأشفقت المرأة ، وهمّت بالرجوع ، فقال لها الصبى الرضيع : يا أمي ، اثبتى على ما أنت عليه ، فإنما هي غميضة - يعنى طرفة عين - ، فألقوها وابنها . قيل : وارتفعت النار فطالت الملك وأصحابه فأحرقتهم » .
وبعد - فهذه قصة الغلام والراهب ، وقصة الرضيع وأمه والملك الكافر ، وما حفر من أخاديد أو محارق ، يذكر التاريخ أن هذه هي ثاني محرقة أو هولوكوستholocaustللموحّدين بعد محرقة إبراهيم ، والفارق بين الاثنتين أن محرقة إبراهيم أقامها عبدة الأصنام لإبراهيم الموحّد ، في بلدة أور من أعمال بلاد ما بين النهرين ( العراق ) ،
ومحرقة أصحاب الأخدود كانت لنصارى نجران ، والذي أقامها هم يهود نجران ، أحرقوا فيها المؤمنين من النصارى .
وهذه المحرقة الثالثة هي التي ذكرتها الرواية في قصة الغلام والراهب .
ويحفل التاريخ بالمحارق والمذابح للمسلمين في أسبانيا على يد محاكم التفتيش ، وفي البوسنة وكوسوفا على يد الصرب النصارى ، وفي الشيشان على يد النصارى الروس ، ثم في فلسطين على يد اليهود ،
وفي أفغانستان والعراق على يد نصارى ويهود بريطانيا وأمريكا ، وحسبنا اللّه ، ولن تنقطع المحارق والمذابح الجماعية عبر التاريخ ، والعبرة بالصبر والثبات ، والقصة كما يقول اللّه تعالى :نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ( 120 ) ( هود ) ،
ويقول :أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ( 2 ) ( العنكبوت ) ،
وسيظل المسلمون يفتنون دائما أبدا ، أو كما يقول تعالى :أَ وَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ( 126 ) ( التوبة ) ،
فالفتنة من سنن اللّه ، وعلاجها الصبر والثبات ، ومحك الإيمان فيها الاستشهاد . وحسبنا اللّه .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 26 أكتوبر 2023 - 23:26 عدل 1 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
938 . أصحاب الفيل
هذه القصة من معجزات القرآن العلمية ، وتتضمنها سورة الفيل فلربما الفيل فيها رمز للقوة الغاشمة كالتي لدى أمريكا ، ولربما الطير الأبابيل فيها هي قنابل بيولوجية جرثومية تفتك بالعدو ضمن ما يسمى حديثا بالحرب البيولوجية أو الجرثومية .والفيل في اللغة هو ضعف العقل ، والحمق ، وأصحاب الفيل هم أصحاب الرأي السقيم يؤمنون بأنفسهم ولا يؤمنون باللّه ، ويحاربون الأديان ويعبدون الأصنام .
وقيل في قصة هؤلاء ضمن سورة الفيل من سور القرآن : أن أبرهة الأشرم كان قائد جند ملك الحبشة ، وكان واليه على اليمن ، وكان يحقد على العرب أن يكون لهم بيت كالبيت العتيق ، يحجّون إليه من كل فج ، وكان أبرهة على دين النصارى ، فبنى كنيسة في صنعاء كانت عالية حتى أن العرب أسموها « القلّيس » ، لأن الناظر إليها يرفع رأسه عاليا حتى أن قلنسوته لتقع عن رأسه ، وسمع العرب بنيّة أبرهة ، فذهب متعصب منهم إلى الكنيسة ودخلها وتغوّط فيها ، وبلغ ذلك أبرهة ، فأقسم ليسيرنّ إلى الكعبة ويخربنّها حجرا حجرا ، وصحب أفيالا معه بقصد التخويف ، وتقدّم بجيش عرمرم يغزو البلاد ، فسمّوا لذلك « أصحاب الفيل » ،
وسمّى اليوم الذي غزوا فيه مكة « يوم الفيل » ، وسمّى العام « عام الفيل » ، وقيل كان عام الفيل قبل مولد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بأربعين سنة ، وقيل بثلاث وعشرين سنة ، والصحيح ما روى عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « ولدت عام الفيل » .
وقيل إن فتية من قريش لمّا سمعت بقسم أبرهة ، توجهوا إلى كنيسة وأضرموا فيها النيران حتى أتت عليها .
ومن اليمن خرج ضده شريف يقال له « ذو نفر » لكنه هزم ، وفي أرض خثعم اعترضه نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه ، فأمره ليكون دليله في بلاد الحجاز ، وفي الطائف تصدّت له ثقيف ومالأته ، وأوفدت معه دليلا منهم يقال له : أبو رغال ، وانتهى أبرهة إلى المغمس بالقرب من مكة ، وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها ، ومنها إبل عبد المطلب ، فجاء يلتقى بأبرهة ليستعيد إبله ، وكان من رأيه أن أحدا ليس قبلا لأبرهة وجيشه ، وتعجب أبرهة أن يلح عبد المطلب في طلب الإبل ولا يرجوه أن لا يهدم الكعبة ، وعبد المطلب على الرأي أن البيت بيت اللّه ، وبيت رسوله إبراهيم ، فإن يمنعه من بطش أبرهة فهو بيته وحرمه ، وإن يخلى بين أبرهة وبيته ، فليس بوسع عبد المطلب ولا غيره أن يفعل شيئا .
وقال عبد المطلب لأبرهة : أريد إبلي لأنى أنا ربّ الإبل ، وأما البيت فله ربّ يحميه ، - وقوله بالطبع مغالطة مفضوحة ، وشبيه به قول اليهود لموسى :فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ( 24 ) ( المائدة ) .
ورجع عبد المطلب إلى العرب وأمرهم بالخروج من مكة والتحصّن برءوس الجبال ، وأخذ بحلق باب الكعبة يدعو اللّه :
اللّهم إن المرء يمنع * رحله فامنع رحالك
وانصر على آل الصليب * وعابديه اليوم آلك
لا يغلبن صليبهم * ومحالهم أبدا محالك
وتوجه أبرهة إلى الكعبة ، وحرنت أفياله ، فكانت تتوجه إلى كل اتجاه إلا اتجاه الكعبة ، وأرسل اللّه تعالى ابتلاءه على جيشه : طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل ، أي طيرا صغيرة دقيقة كأنها الميكروبات ، ترميهم بالوباء المدمر كأنه من جهنم ، فيطفح جلدهم وكأنهم أصيبوا بالجدرى ، وكأن الحجارة من سجيل ، هي القنابل الجرثومية التي أصابتهم بالوبال وقضت عليهم ، ودفعتهم إلى الهرب يبتدرون الطريق ، وقريش على رأس الجبل ينظرون ويقول شاعرهم :
أين المفر ، والإله الطالب * والأشرم المغلوب وليس الغالب
فكانت هذه النصرة مما يعدّ على قريش من نعمه تعالى عليهم ، وكانت هزيمة أبرهة وجيشه معجزة ، وآياته تعالى كلها معجزات باقيات ، وهي من حولنا يدركها ذوو البصائر ، ولا يمارى فيها إلا الكفور ،
وخلاصة القصة : بأنه في أي معركة بين الحق والباطل ، فإن العبرة بالخواتيم ،
كقوله تعالى :وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ( 216 ) ( البقرة ) ،
وقوله :فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ( 52 ) ( المائدة ) ،
وقوله : وعَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ( 129 ) ( الأعراف ) .
واللّه غالب على أمره ، فيا أمة محمد ، لا تهنوا ولا تحزنوا ، ولا تكونوا في ضيق مما يمكرون ، عسى ربّنا أن يبدّلنا خيرا !
* * *
939 . قصة الإسراء والمعراج
الإسراء يعنى السير في الليل ، تقول سرى وأسرى ، كسقى وأسقى ، وإنما سرى إذا سرت من آخر الليل ، وأسرى إذا سرت من أول الليل .والآية التي تحكى عن الإسراء تقول :سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( 1 ) ( الإسراء ) ،
يعنى أن رحلة الإسراء بدأت من أول الليل ، وكانت رحلة عظيمة وآية من آيات اللّه ، أسرى فيها بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ورأى فيها من الأعاجيب ما رأى ، فسبحان الذي حقق لنبيّه ذلك ، له التنزيه والذكر العظيم ، وكان سميعا بصيرا بعبده محمد صلى اللّه عليه وسلم ،
كقوله مع موسى وهارون :إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى( 46 ) ( طه ) ،
فلما كان « عام الحزن » ، ووفاة عمه أبى طالب وزوجته خديجة ، وما لاقاه من قومه بعدهما ، وما استشعر من غربة وهو في بلده وبين ناسه ، والسجن الكبير الذي وضعوه فيه ، والمهانة التي يصادفها منهم يوميا ، لم يكن يشكو بثّه وحزنه إلا إلى اللّه ، وهو العليم بحاله ، والمطّلع على أحواله ، فكانت رحلة الإسراء جائزة له على صبره ، وخروجا به عن هذه الوحشة والقطيعة ، وتسرية له ، وردا لاعتبار الدين بعد أن اعتور الشك الكثيرين .
وكان الإسراء إلى بيت المقدس لأنه كان إذا دعا وإذا صلى يتوجه إلى بيت المقدس ، وهو مجمع أرواح الأنبياء ، أراده داود ثم سليمان رمزا لوحدانية اللّه ، ولاجتماع كلمة المسلمين على التوحيد ، وإشارة إلى أن الناس صنفان : جماعة المؤمنين وجماعة الكافرين ، والأولون بيتهم هو بيت اللّه في القدس ، والآخرون بيوتهم هي بيوت النار ، أو بيوت الأوثان والأصنام .
وبيت المقدس بالنسبة لما حوله من عالم الناس ودنياهم بمثابة القلب من الجسد ، ولا حياة لجسد بلا قلب ، وكان الناس قبله بلا قلب ، فصار هذا البيت هو القلب لهم يضخ الإيمان في قلوبهم ، والنظرة إليه عن قرب ، تشدّ الأزر ، والتوجه إليه عن بعد يقوّى الروح ، ويحمّس النفس ، واجتماع المسلمين على الصلاة إلى بيت واحد مهما بعدت بهم الشقة ، ونأت بهم الديار ، يجعلهم أمة واحدة هي أمة « لا إله إلا اللّه » ، وحزبا واحدا هو « حزب اللّه » ، وسفرة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى القدس ، وزيارة البيت كانت بمثابة الحج ، والإسراء إشارة لكل من يعاني الوصب من الحياة ، فما عليه ليشفى إلا أن يحجّ إلى بيت اللّه ، وبيوته ثلاثة :
البيت الحرام : وهو أقدم هذه البيوت ، وهو المحرّم أن يدخله مشرك ، وأن يفعل فيه إثم ، وأن ترتكب فيه معاص ، وأن يراق فيه دم ؛
وبيت المقدس : وهو مجمع الأنبياء ، المبارك من حوله وما حوله ؛
وبيت النبىّ صلى اللّه عليه وسلم في المدينة ، وهو مسجده ، بناه كما بنى إبراهيم البيت الحرام ، وكما بنى سليمان بيت المقدس .
والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم إذ يحج إلى هذا البيت لا يشرّع للمسلمين أن يكون حجّهم إليه ، لأن الإسراء كان خاصا بالنبىّ وحده صلى اللّه عليه وسلم ، وفي هذه السورة المباركة وصف اللّه تعالى نبيّه بالعبودية ، فقال : « أسرى بعبده » ، فجعل العبودية له تعالى أشرف المقامات وأسمى المرتبات ، وفي سورة النجم وصفه في مقام الوحي بالعبودية أيضا فقال :فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى( 10 ) ،
وفي مقام الدعوة وصفه بالعبودية كذلك فقال :وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ( 19 ) ( الجن ) ،
فالعبودية للّه مكافأة قبول كسائر المكافئات للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ومع أن سورة النجم سابقة على سورة الإسراء ، فالنجم في التنزيل هي الثالثة والعشرون ، والإسراء هي الخمسون ، إلا أن المفسرين دأبوا على الاستشهاد بآيات سورة النجم استكمالا لمجريات أحداث سورة الإسراء ، وهذا خطأ ، لأن الرؤيا في سورة النجم هي رؤيا أخرى بخلاف رؤيا الإسراء ، وهي رؤيا تسبق رؤيا الإسراء ، ورؤيا سورة النجم هي التي رأى فيها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم جبريل مرتين ، ففي المرة الأولى كان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم على الأرض ويتطلع إلى السماء ، فرأى جبريل بالأفق الأعلى
كقوله تعالى :وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ( 7 ) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ( 8 ) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ( 9 ) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى( 10 ) ( النجم ) وعبده : هو عبد اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وفي هذه الرؤية يقول تعالى :ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ( 11 ) أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى( 12 ) ( النجم ) ، ثم أنه رأى جبريل مرة أخرى وإنما في السماء :وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ( 13 ) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ( 14 ) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ( 15 ) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ( 16 ) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ( 17 ) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى( 18 ) ،
وفي رأينا أن المعراج يرد عنه في سورة النجم وتحدّثت به هذه السورة وحدها ، وفيها يقسم اللّه تعالى بالنجم كقسمه بمواقع النجوم ، وإنه لقسم عظيم ، بأن المعراج حقيقة ، وأنه صلى اللّه عليه وسلم ما ضلّ وما غوى ، وما نطق عن الهوى وهو يحدّث عن هذا المعراج الذي عرّج به جبريل إلى السماء ، فرأى سدرة المنتهى وجنة المأوى ، وشاهد ما يغشى السدرة ، وما زاغ بصره وما طغى - أي ما رأى إلا ما سمح له برؤيته ، ورأى من آياته الكبرى ، فقد كان كل ما شاهده وأبصر به وعاينه آيات كبرى ، كقوله تعالى :لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا( 1 ) ( الإسراء )
أي نريه ما يدلّ على قدرة اللّه تعالى وعظمته ، فيطمئن قلبه ، ويسكن خاطره ، وترضى نفسه .
والمعراج كحدث ، مستقل إذن عن الإسراء - من قولنا عرّج به أي مرّ به ، والمعراج سفرة فيها تعاريج ، أي لم تكن على خط واحد ، والسفر عبر الفضاء علميا لا يكون في خط واحد ، وكان المعراج بين الأرض والسماء ، وبين السماوات السبع .
والإسراء لاحق على المعراج ، وللأسف الشديد أن المفسرين خلطوا الرحلتين ، وجعلوهما رحلة واحدة ، ووضعوا الأحاديث على ما فهموه ، أو حرّفوا فيه ، فكان الخلط بين الإسراء والمعراج ، ولعلنا ننتقى من هذا الكم الزاخر من الأحاديث ما يوافق ما جاء في القرآن عن الإسراء وعن المعراج ، وننحى ما لا يوافقهما ، أو نعيد الرأي في هذه الأحاديث ، ونعزل ما يناسب الإسراء عمّا يناسب المعراج .
وينبغي أن ننبّه إلى أن كل هذه الأحاديث ، رغم ما فيها من خلط وروايات متضاربة ، فإنها معقولة ولا تتنافى مع العلم .
ومن الضروري أن نعى أن الإسراء شامل للسفر إلى بيت المقدس وتلقّى الوحي بالصلاة ، فهذه رؤيا ، بينما رؤيا سورة النجم رؤيا أخرى ، وفيها أبصر جبريل في صورته الملكية ، وعاين سدرة المنتهى وجنة المأوى ورأى الآيات العجيبة .
والإسراء كحدث ضخم كان قبل الهجرة ، والناس فيه اختلفوا أشد الاختلاف ، وبعض الذين آمنوا بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم لم يصدقوا إمكان أن يسرى به ذهابا من مكة إلى بيت المقدس ثم إيابا من بيت المقدس إلى مكة في ليلة واحدة ، وهي الرحلة التي تستغرق معهم ذهابا فقط نحو الشهر .
وتزعّم أبو جهل المكذّبين للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وفيما أورده المحدّثون فإنهم نسبوا إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أنه كان نائما في البيت الحرام حينما جاءه ثلاثة نفر حملوه إلى حيث بئر زمزم ، وتولى جبريل شق صدره ، وغسّله وغسل جوفه ، وحشاهما بالإيمان والحكمة ، ولنلاحظ الرمزية في هذه الأحاديث منذ البداية وسنرى أن الاتجاه الرمزى هو الاتجاه الغالب في هذه الأحاديث ، وأنه يصنع منها بابا من أبواب الأدب الإسلامي هو الأدب الديني الرمزى .
وفي رواية أخرى بخلاف السابقة أن النبىّ وهو بين النوم واليقظة ، وعيناه مغمضتان وقلبه يقظان ، رأى سقف بيته ينشق ويدخل منه جبريل ، ويشق صدره ، ويغسّله بماء كان معه من ماء زمزم .
ثم أخذه وأركبه دابة ، لونها أبيض ، ولها هيئة أكبر من الحمار ودون البغل ، وهذه الدابة هي البراق ، من البرق ، والبرق يكون خاطفا ، وهي البراق لأنها تسير كالبرق الخاطف ، فسرعتها أكبر من سرعة الصوت ومن سرعة الضوء .
وفي الطريق توقف لا ركب ، وهمز جبريل الأرض فتدفق منها الماء ، فتوضأ والنبىّ ينظر ويحفظ ويقلّده عليه ، فوضّأ جبريل وجهه وغسّل ذراعيه ، واستنشق وتمضمض ، ومسح رأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين ، ونضح فرجه ، ثم قام فصلى ركعتين وفعل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مثله .
واستأنفا الرحلة فسمع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم نداء عن يمينه : يا محمد ، على رسلك حتى أسألك ؟
فلم يتوقف جبريل ، فسمع الرسول صلى اللّه عليه وسلم النداء مرة ثانية عن يساره : يا محمد ، على رسلك !
ومع ذلك مضى الركب ، ثم إن امرأة عجوز استقبلتهما عليها من كل زينة الدنيا ، رافعة يديها ، تقول : على رسلك يا محمد حتى أسألك !
ومضى الركب ولم يعرّج ، وسارا ما شاء اللّه لهما أن يسيرا ، إلى أن لقيهما خلق من خلق اللّه ، فقالوا : السلام عليك يا أول ! السلام يا آخر ، السلام عليك يا حاشر ! فقال له جبريل : أردد السلام يا محمد ! فردّ السلام ،
وتكرر ذلك مرتين أخريين ، وكان البراق يهوى بهما ، وجبريل في المقدمة ، والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم خلفه ، وكان ركوب البراق قد استصعب على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فركب جبريل أولا وراز البراق بأذنه ليركب النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ثم حمله جبريل وأردفه خلفه ، ووصلا أرضا بها نخل ، فتوقف جبريل وأنزله ، وأمره أن يصلى ، ثم سأله : أتدري أي أرض هذه ؟
فقال :اللّه أعلم . قال : صليت بيثرب ، صليت بطيبة .
وانطلقا إلى أن وصلا أرضا أنزله فيها ، وأمره أن يصلى ، وقال له : صليت بمدين عند شجرة موسى .
وانطلقا إلى أن بلغا أرضا فيها البيوت والمنازل ، فأنزله يصلى ، وقال له : صلّيت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم .
وانطلقا إلى القدس ودخلاها من بابها اليماني ووصلا البيت فنزلا ، وربط جبريل البراق إلى حلقة في حائط - هو حائط البراق الذي يسميه اليهود الآن حائط المبكى ، ودخلا المسجد ، وأشار جبريل إلى القبلة ، فصلى إليها وصلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ،
والتقى بالأنبياء : إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وحيّوه وحيّاهم ، وصلّى بهم وكان لهم إماما ، وفي رواية أنه لم يتعرّف على هؤلاء الأنبياء وعلى غيرهم إلا في منازلهم من السماوات ، بحسب مراتبهم ، قيل : فلما فرغ من لقاء ربّه ورجع إلى بيت المقدس ، وصلى بالأنبياء ، ظهر شرفه وفضله بتقديمه عليهم في الإمامة ، وذلك عن إشارة من جبريل أن يصلى بهم ، وبعد ذلك خرج وركب البراق عائدا إلى مكة بغلس .
وفي الرواية أيضا أنه لمّا وصل بيت المقدس استشعر العطش ، فأتى له بماء ، ولبن ، وخمر ، وعسل ، يختار أيهم يشرب ، فاختار اللبن ،
فقال له جبريل : أصبت وأمّتك الفطرة .
ثم إن جبريل انطلق به فأتيا الوادي الذي فيه القدس - وهو وادى جهنم فكان الحمة السنخة ، إشارة إلى ما سيكون حول القدس من صراعات مستقبلة ، ثم انصرف به ، فمرّا بعير لقريش قد أضلوا بعيرا لهم قد جمعه أحدهم ،
فسلّم الرسول صلى اللّه عليه وسلم عليهم حتى قال بعضهم : هذا صوت محمد !
وإلى هنا ينتهى حديث الإسراء ، أو أن أحداثه تلك كانت مقدمة للارتفاع إلى السماء وهو المسمى بالمعراج ، وكلها أحداث معقولة وجائزة ، وليس فيها ما هو ضد العقل ، ونحن في عصر المركبات الفضائية التي تقطع الآماد كالخاطر يأتي الذهن ، فأن يسرى بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى بيت المقدس أمر عادى ، فقد جاءت الرؤيا رابعة العدوية فرأت الكعبة قد أتتها في محلها في بغداد ولم تنتقل إليها رابعة من مكانها ، وسليمان أتته بلقيس من اليمن بنفسها وحشمها وخدمها وبلاطها ، وانتقل قصرها إلى القدس ولا تثريب في ذلك ، وموسى كلّمه اللّه وكتبت له الألواح بخطه ، ولم نجادل فيه ، وعيسى أحيا الأموات ولا نزاع عليه ، وإبراهيم لم تحرقه النار ، فلما ذا جدال المستشرقين حول الإسراء ؟ ولما ذا الإسراء بالذات ولم يجادلوا هذا الجدال في المعراج في سورة النجم ؟
والجواب أنه بسبب أن الإسراء كان إلى بيت المقدس واليهود يعتبرونه بيتهم ، وجولدستيهر يتساءل : ولما ذا بيت المقدس ؟ لقد صار بيت المقدس مشكلة بين المسلمين واليهود من ذلك الوقت ، وتوقع جولدستيهر كل ما يحدث الآن على أرض فلسطين ، وأنه بسبب بيت المقدس سيظل الصراع للأبد بين هاتين الأمتين : أمة الإسلام وأمة اليهود .
وهذه نبوءة صادقة ، والمسلمون أعادوا بناء بيت المقدس وعمّروه ، وأحيوا فيه ذكر اللّه ، وحفظوه وراعوه ، ونبيّهم أسرى به وحج إليه ، فهل يتركونه يعبث فيه اليهود فسادا كما قال المسيح فيهم : مكتوب بيتي صلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص » ( متّى 21 / 13 ) ،
وقال فيه متى واضع الإنجيل : « وأخرج يسوع جميع الذين يبيعون ويشترون في الهيكل ، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام » ( متّى 21 / 12 ) ،
والمسيح « شهد شاهد من أهلها » ، وكذلك متّى كاتب الإنجيل « من أهلها » ، يعنى كلاهما أصوله يهودية وقد شهدا على قومهما ، فهل يؤول بيت المقدس لليهود مرة أخرى ليكون مزارا سياحيا لا دينيا ، وفرق بين أن يكون مزارا يتكسّبون منه من السياحة ، وأن يكون بيتا للّه يصلى فيه المصلون ، ويذكرون اللّه آناء الليل وأطراف النهار ،
وكان كارل ماركس يقول :« إن اليهودي لا يفكر في اللّه ، ولا تعنيه الجنة ولا النار ، ولا يشغل اليهودي إلا المال ، فألغوا الملكية والتجارة الرأسمالية تنتهى أسطورة اليهودي واليهودية .
إن إله اليهودي هو المال وليس يهوه أو الوهيم » ، ومرة أخرى يشهد شاهد من أهلها ، لأن ماركس كان أيضا يهوديا .
وفي تفسير رموز قصة الإسراء : أن العجوز التي رآها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم على جانب الطريق هي الدنيا ، وهي عجوز لأنه لم يبق منها إلا كما بقي من عمر تلك العجوز .
وأما الذي أراد أن يستوقفه وناداه مرة عن يمينه ومرة عن شماله ، فذاك إبليس ، أراد أن يميل إليه ، وأما الذين سلّموا عليه فإبراهيم وموسى وعيسى ، لأن الإسلام ينبنى على الأخذ بديانات هؤلاء الأنبياء .
وأما الصلاة بيثرب كأول محطة في الطريق ، لأن الإسلام ما كان له أن يظهر على الأديان إلا بعد الهجرة إلى يثرب التي هي طيبة ، والتي صار اسمها المدينة ، أي العاصمة : عاصمة الدنيا الجديدة ، دنيا فيها الإسلام للّه قد فشا وشاع ، وفيها أمة الإسلام هي خير الأمم طالما اتّقت وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر .
وأما مدين عند شجرة موسى فإنها تعنى تعاليم موسى في بدايتها ، في عهد مدين ، قبل أن يحرّفها اليهود ، وصلاته عندها يعنى أنه يقرّ بها ويصدر عنها .
وأما بيت لحم حيث ولد المسيح ، فلأنه يقرّ بنبوة عيسى ، وأنه ابن مريم ، وأنه بشر من بشر ، وكلمة اللّه إلى مريم ، وهي كن ، فمثله كمثل آدم ، وكلاهما كان بكلمة كن .
وأما أن الوضوء عن جبريل فيعنى أنه بوحي من السماء ، فليس كالعماد عند النصارى من اجتهادات قساوستهم .
وأما أنه حيّا الأنبياء وحيّوه ، فهذا هو ما تضمنته آيات القرآن ، وما حوته قصصه : الإيمان بما أوتى النبيون جميعا من ربّهم ، بلا تفرقة بين أحد منهم ؛ وأما أنه صلى اللّه عليه وسلم أمّهم جميعها ، فلأنه نبىّ الإسلام الذي أعطى اسم الإسلام دينا للّه ، وخصّه اللّه دون بقية الأديان باسم ولم يكن لها جميعا اسم ، ولأنه الذي خصّ دونهم جميعا بوضوء ، وصلاة ، وزكاة ، وحجّ ، ليس كما عندهم منه ، ولأنه صلى اللّه عليه وسلم أوتى القرآن وحفظه اللّه ، وكان اليهود قد أوتوا التوراة فلم يحفظوها ، والنصارى أوتوا الإنجيل فحرّفوه ، فتكفّل اللّه بالقرآن يحفظه دون بقية كتبه ، فالإسلام هو الديانة الأشمل والأكمل والأفضل ، وهو جماع كل الديانات وكل النبوّات ، وكل ما فيها من أخلاقيات وحكم وفلسفات وعلوم ومعارف .
وأما المعراج - وربما هو رؤيا سورة النجم كما قلنا وليس سورة الإسراء ، فإن كانت الرؤيا فيه منفصلة عن رؤيا الإسراء ، فإن الأحاديث فيه كما قلنا ، ينبغي فصلها عن أحاديث الإسراء .
والمعراج في بعض روايات الإسراء لا يذكر إلا أنه كان من مكة إلى السماء مباشرة ، فلا تحضير ولا تمهيد . والمعراج إن كان منفصلا وخصّت به سورة النجم ، فإن قصته أيضا كانت للتسرية عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، ولتسلية المسلمين ، وليخزى اللّه بقصته الكافرين ، فيزدادوا حقدا يأكل قلوبهم ويرديهم إلى حتوفهم .
وسواء كان المعراج ليلة الإسراء ، أو كان قبل ذلك كما في سورة النجم ، فإن قصته تبدأ بأن جبريل أخذ الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعرّج به إلى السماء الدنيا ، واستفتح لهما فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه .
ففتح لهما ، فإذا بآدم وهو قاعد وعلى يمينه أسودة ، وعلى شماله أسودة ، فإذا نظر إلى يمينه ضحك ، وإذا نظر إلى شماله بكى ، فسأل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم جبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم ، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار . وقال آدم يحييه : مرحبا بالنبىّ الصالح والابن الصالح .
ثم عرّج جبريل بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى السماء الثانية ، واستفتح كما فعل في السماء الدنيا ، وتكرر معه ما حدث من قبل ، فإذا بابنى الخالة يحيى وعيسى ، فرحّبا به ، وقالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبىّ الصالح .
وقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم عن المسيح : « كان مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس » .
ثم عرّجا على السماء الثالثة ، فإذا بيوسف آية في الحسن ، ورحّب به ، وقال ما قال من سبقه ؛
ثم في السماء الرابعة التقى إدريس ؛ وفي الخامسة هارون ، وفي السادسة موسى ، فسلّم عليه ودعا له موسى ، فلما تجاوزه الرسول صلى اللّه عليه وسلم بكى موسى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال :أبكى لأن غلاما بعث بعدى ، يدخل من أمته أكثر مما يدخل من أمتي !
وقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم عن موسى : كان رجلا طوالا ، جعدا ، كأنه من رجال شنوءة ( إحدى القبائل وتتميز بالطول ) .
وفي السماء السابعة التقى إبراهيم ، فإذا هو مستند إلى البيت المعمور ، ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك .
ثم ذهب إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وثمرها كالقلال ، وغشيها من أمر اللّه ما غشيها فتغيّرت ، فما من أحد يستطيع أن يصفها ، فأوحى اللّه إليه ما أوحى ، وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، وأدخل الجنة فإذا فيها حبائل اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك ، فنزل إلى حيث موسى ، وسأله موسى : ما ذا فرض عليه ربّه ؟ قال : خمسين صلاة في كل يوم وليلة .
فطلب إليه أن يرجع إلى ربّه فيسأله التخفيف لأمته فإنها لا تطيق ذلك ، وأنه قد جرّب ذلك مع بني إسرائيل ، فرجع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، أو أنه دعا ربّه في موقفه ، ففي رواية أنه حطّ عنه خمسة خمسة ، وفي رواية أنه حطّ عنه عشرة عشرة ، وفي رواية أنه وضع شطرها ، وظل موسى يطلب إليه أن يراجع ربّه ، والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم يسأله التخفيف إلى أن جعلت الصلاة خمسا ،
وقال تعالى : «إنه لا يبدّل القول لدىّ ، كما فرضت عليك في أم الكتاب ، فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك».
وقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لموسى : « قد واللّه استحييت من ربّى عزّ وجل مما اختلفت إليه » .
فقال ربّ العزّة : « فاهبط باسم اللّه » ، وقد استيقظ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وهو في المسجد الحرام .
وقد يتبادر السؤال : فلما ذا بكى موسى إن لم يكن غيرة وحسدا من النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ؟
ولما ذا ألح أن يخفّف عن أمته حتى في الصلوات الخمس ؟
والجواب : أن أمة محمد لا بد أن تكون الأمة الأفضل، لأنها بشّرت أنها ستكون أكثر في الجنة ، وكلفت من العبادات ما لا تستطيعه أمة موسى!...
وفي رواية أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : رأيت ليلة أسرى بي لمّا انتهيت إلى السماء السابعة ، فنظرت فوق ، فإذا رعد وبرق وصواعق ، وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت ، فيها الحيّات ترى من خارج بطونهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء آكلو الرّبا .
قال : فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل منى ، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟
قال : هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم ، لا يتفكرون في ملكوت السماوات والأرض ، ولولا ذلك لرأوا العجائب .
وقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « لما كان ليلة أسرى بي فأصبحت بمكة ، عرفت أن الناس مكذّبى » ، فجلس حزينا ، فجاء أبو جهل فسأله ، فقال له : إني أسرى بي الليلة » . وسأله : إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس » .
قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : « نعم » ، فرأى أن لا يكذّبه حتى لا يرجع في كلامه ، فقال له : أرأيت إن دعوت قومك ، أتحدثهم بما حدثتني ؟
قال :« نعم » ، فدعاهم بسرعة ، وسأله أن يحدّث قومه بما حدّثه ، فقال : « إني أسرى بي الليلة إلى بيت المقدس » ، قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم ، فكانوا بين مصفّق ، وبين واضع يده على رأسه متعجّبا للكذب !
قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ وفيهم من قد سافر إلى القدس ورأى المسجد ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « فما زلت أنعت حتى التبس علىّ بعض النعت » .
قال : « فجىء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل ، فنعتّه وأنا أنظر إليه » ، فقال القوم : أما النعت فو اللّه لقد أصاب فيه ! وأما أبو بكر فقد أتاه بعضهم وقال له : هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة ! فقال أبو بكر : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فأنا أشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق ! قالوا : فتصدّقه في أن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح ؟ ! قال : نعم ، أنا أصدّقه بأبعد من ذلك ! أصدّقه بخبر السماء ! فبها سمّى أبو بكر صدّيقا .
وأتاه أبو بكر فقال : يا رسول اللّه ، أين كنت الليلة ، فقد التمستك في منامك ؟
( لأنهما كان ينامان معا في الحرم تلك الليلة ، وثالث معهما ربما هو عمر ) . وقال أبو بكر :قد علمت أنك أتيت بيت المقدس الليلة ؟ وقال : يا رسول اللّه ، إنه مسيرة شهر ، فصفه لي ؟
فكأن النبىّ لمّا قال له ذلك ، قد فتح له صراط ، وكأنه ينظر إليه ، فلا يسأله عن شئ إلا أنبأه ، فقال أبو بكر : أشهد أنك لرسول اللّه ! وقال المشركون : انظروا إلى « ابن أبي كبشة » ! يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة !
وقولهم « ابن أبي كبشة » استهزاء بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فقد كان ابن أبي كبشة هذا أحد أجداده من جهة الأمهات ، وهو أول من أدخل بدعة تأليه كوكب الشعرى ، فاعتبروا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مثله، أدخل بدعة تأليه الواحد الأحد ، بمنطق :إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ(يوسف).
ثم إن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قصّ عليهم قصة عير قريش التي رآها في القدس ، وعلامة ذلك ضياع إحدى النوق ووجدها أحدهم ، وأن القافلة ستعود في وقت كذا ، وسيتقدمها جمل آدم ، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوتان .
ولما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حين كان قريبا من نصف النهار ، حتى أقبلت العير يتقدمهم ذلك الجمل كما قال .
ومع ذلك ظلت القصة محل تكذيب منهم ، واستقبلها كثير من المسلمين بالشك ، ثم انتهى بهم الأمر إلى اعتبارها رؤيا ، وأن رؤى الأنبياء صادقة ، واعتبروا انتقاله إلى بيت المقدس بالروح دون الجسد ، وفي النوم وليس في اليقظة .
فتلك إذن قصة الإسراء والمعراج ، وجاء المستشرقون ليزيدوا الطين بلة ، فقال جولدستيهر إن اجتماع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بالأنبياء ، خصوصا إبراهيم وعيسى وموسى ، يشبه اجتماع المسيح بالأنبياء على الجبل الذي جاء عنه في أناجيل متّى 17 / 1 ، ومرقس 9 / 1 ، ولوقا 9 / 28 ، وهو افتراء وكذب محض ، لأنه لا تشابه البتة بين مشهد اجتماع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بالأنبياء وصلاته إماما لهم ، وبين مشهد اجتماع المسيح مع بطرس ويعقوب ويوحنا ومع موسى وإيليا على الجبل ( لوقا 9 / 28 - 36 ) .
وكان واضحا أن اجتماعهم كان رؤيا ، فقد أخذ النوم الثقيل بطرس وزملاءه ، ولمّا أفاقوا لم يكن هناك إلا المسيح . وتلك كانت كل الرؤيا ، فأين هي من رؤيا الإسراء والمعراج في القرآن ؟ !
وأين هذا الكلام لمؤلّفه لوقا من كلام القرآن في سورتي الإسراء والنجم حيث كل كلمة لها معنى ودلالة من داخل السياق ؟ !
وأين الرمزية في كلام لوقا مثلما هي في أحاديث الإسراء والمعراج ؟
فكل حدث ، وكل شخصية ، وكل كلام يرمز لشئ ، والقصة هي فتح جديد لا شك فيه في الأدب القرآني الرمزى في الإسلام ، مثل مشاهد الجنة والنار ويوم القيامة والحساب ، والأعراف ، والجدل بين الأنفس والملائكة ، وحوار أهل الجنة وأهل النار ، وعذاب القبر ، وناكر ونكير ، فكل ذلك لا يوجد مثله شئ عند اليهود والنصارى .
وقصة الإسراء والمعراج من القصص الرمزى ، باعتبارها تحتاج إلى تأويل إن كان المتابع لها من أهل النظر والفكر ، فإن كان من البسطاء فالقصة كما هي تفعل فعلها التعليمي ، وفيها الوعظ الكثير والخبر الجميل .
وفي قصة الإسراء والمعراج كان وضوء جبريل وفعل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مثله ، وتقرير عدد الصلوات .
ونحن نعلم أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كان يصلى والمؤمنون - من قبل الإسراء والمعراج ، وأنه كان يقوم الليل ، وأنه صلى اللّه عليه وسلم صلى مع خديجة ، وجاء عن الصلاة في سورة مريم - وهي قبل الإسراء :وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ( 55 ) ،
وفي سورة طه :وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي( 14 ) ،وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها( 132 ) ،
وفي سورة النمل :الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ( 3 ) ، وفي سورة المزمل :وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ( 20 ) ،
وفي سورة الماعون :فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ( 4 ) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ( 5 )
وكل هذه السور كان نزولها قبل سورة الإسراء بمراحل ، فالصلاة إذن كانت موجودة ، وكانت خمس صلوات ، وكانت كل صلاة ركعتين إلا المغرب ، فلما كان في المدينة زيدت صلاة الظهر والعصر والعشاء .
والحديث في الإسراء كان عن عدد الصلوات وليس عن عدد الركعات ولا كيفية الصلاة . والوضوء رغم أنه صلى اللّه عليه وسلم تعلمه من جبريل في الإسراء كما تقول الرواية ، إلا أن الرسول والمؤمنين كانوا يتوضئون من قبل ذلك ويغتسلون ويتطهّرون ، ولم يتقرر الوضوء شرعا إلا في سورة المائدة في المدينة ، كقوله تعالى :إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ . . .( 6 )
ولم تزدهم الآية إلا أن الوضوء صار يتلى قرآنا ، وأعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم ، وكان قد تقرر قبل ذلك في سورة النساء ( 43 ) .
ورغم ذلك فإن قصة الإسراء والمعراج عمّقت الفكرة الإسلامية وجعلت لها أبعادا أكبر ، ولو قارنا بها أسفار الرؤى عند أنبياء مثل : أشعياء ، وإرميا ، وباروخ ، ودانيال ، ويوحنا ، وغيرهم ، نجد أن هذه الرؤى نبوءات وليست رؤى ، وإنما الرؤيا بحق هي رؤيا الإسراء والمعراج ، وهي نموذج للرؤى عند الأنبياء ، ويجدر التنبيه إلى أن تراث الإسراء حافل بالأحاديث والمحاورات بين النبىّ صلى اللّه عليه وسلم والأنبياء ، وبينه وبين جبريل ، وبينه وبين اللّه تعالى ، وإن كانت أحاديث مشكوكا فيها ومن وضع الوضّاع .
وبعد فهذا ما توفر لنا من هذه القصة واجتهدنا رأينا فيه ، واللّه الموفق ، والحمد للّه ربّ العالمين .
* * *
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 26 أكتوبر 2023 - 23:27 عدل 2 مرات
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
940 . الأحزاب وغزوة الخندق وبنو قريظة
يتناول القرآن غزوة الخندق وبني قريظة في الآيات من 9 إلى 27 من سورة الأحزاب ، من قوله تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً( 9 ) ، إلى قوله تعالى :وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً ( 25 ) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ( 26 ) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً( 27 )وتشرح هذه الآيات كيف حزّبت الأحزاب ضد المسلمين ، فكانت « وقعة الخندق » ، وهذه جرت في شوال من السنة الخامسة من الهجرة ، وكانت ووقعة بني قريظة في يوم واحد ، بينما كان بين وقعة بني قريظة ووقعة بنى النضير أربع سنوات .
والذين « جاءوا من فوقهم » في الآية ( 10 ) هم : بنو قريظة ؛ والذين « جاءوا من أسفلهم » .
قريش وغطفان ؛ والذين « حزّبوا الأحزاب » وألّبوا القبائل على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وعلى المسلمين هم : اليهود ، فهذا دأبهم مع المسلمين منذ البداية .
وفي عهد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم تزعم هذه العصبة اليهودية سنة ، كلهم يهود ، وهم : كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وسلام بن أبي الحقيق ، وسلام بن مشكم ، وحيىّ بن أخطب ، وهؤلاء كانوا نضريين ؛ وهوذة بن قيس ، وأبو عمّار ، وهذان كانا من بنى وائل ، وخرجوا في نفر من بنى النضير ومن بنى وائل ، فأتوا مكة ، فدعوا إلى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلما أجابهم أهل مكة ، خرجوا إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم ، فهؤلاء هم الأحزاب : قريش يقودهم أبو سفيان ؛ ثم غطفان ، ومنهم الفزارية يقودهم عيينة بن حصن الفزّارى ؛ وبنو مرّة يقودهم الحارث بن عوف ، وأشجع ، يقودهم مسعود بن رخلية .
فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتحالفهم وخروجهم إليه ، شاور أصحابه ، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق ، وقال : إنا كنا بفارس إذا حوصرنا تخندقنا » .
فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين ، ولم يعجب ذلك المنافقين فتسللوا لواذا ، فنزلت فيهم آيات القرآن تباعا .
وأقبلت قريش في نحو عشرة آلاف ومعهم حلفاؤهم من كنانة وتهامة ، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد ، ونزلوا إلى جانب أحد ، وأما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزل يظهر سلع ( جبل بالمدينة ) في ثلاثة آلاف ، وضربوا معسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين .
وكانت بين بني قريظة والرسول صلى اللّه عليه وسلم موادعة ، وقد عاقدوه وعاهدوه على أن لا يحاربوه ولا ينضموا إلى عدو له ، إلا أن كعب بن أسد القرظي صاحب عقدهم ورئيسهم مالأ حيّى بن أخطب .
وأوفد الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلى بني قريظة وفدا من سعد بن عبادة سيد الخزرج ، وسعد بن معاذ سيد الأوس ، ومعهما عبد اللّه بن رواحة ، وخوات بن جبير .
وأهان القرظيون الوفد ، وشتموا سعد بن عبادة ، ونالوا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقالوا : لا عهد عندنا ! وسرّها سعد بن عبادة في نفسه ، ورحلوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقولون : « عضل والقارة » ، يعرضون بغدر « عضل والقارة » بأصحاب الرجيع : خبيب وأصحابه ، ولم يستبشر المسلمون ، وعظم عليهم البلاء ، وتوجّسوا الشرّ ، واشتد الخوف ، وأقبل الأعداء من فوق المسلمين ، أي من فوق الوادي من قبل المشرق ، ومن أسفلهم ، أي من بطن الوادي من قبل المغرب ، حتى ظن المسلمون باللّه الظنونا ، وتغالى المنافقون يعتذرون بأوهى الأسباب ،
ويذكر التاريخ منهم : أوس بن قيظى - وهو الذي تعلّل بأن بيوتهم عورة ويخافون عليها ، وانصرفوا بهذه الدعوى ، ومعتب بن قشير - أحد بنى عمرو بن عوف ، وهو الذي نشر بين المنافقين قالة : أن محمدا وعدهم كنوز كسرى وقيصر في حين أن الواحد منهم لم يعد يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط !
وظل الحصار بضعا وعشرين ليلة أو نحو الشهر ، ولم تكن بينهم حرب أثناء ذلك إلا الرمي بالنبل والحصى .
واشتد البلاء على المسلمين ، فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عيينة بن حصن الفزّارى والحارث بن عوف المرّى قائدىّ غطفان ، يعدهما بثلث ثمار المدينة إن هما انصرفا بمن معهما من غطفان وخذلا قريشا ، ورجعا بقومهما عنهم .
وكان اقتراحه مراوضة ولم يكن عقدا ، ورفضه سعد بن عبادة وسعد بن معاذ ، فإن كان هذا الاقتراح أمرا من اللّه فعلوه ، وإن كان أمرا يحبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صنعوه له حبّا وكرامة ، إلا أنه قال لهم : « بل هو أمر أصنعه لكم ، وما أصنعه إلا لأنى قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة » ،
فقال له سعد بن معاذ : لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك باللّه وعبادة الأوثان ، لا نعبد اللّه ولا نعرفه ، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا شراء أو قرى ، فحين أكرمنا اللّه بالإسلام ، وهدانا وأعزّنا بك ، نعطيهم أموالنا ؟ !
واللّه لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم اللّه بيننا وبينهم !
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعيينة والحارث : « انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف » .
وأقام المشركون يحاصرون المسلمين ولا قتال معهم ، واستطلعت جماعة منهم الخندق ، وتبيّنوا فيه ثغرة يمكن لخيلهم أن تقتحمها ، وفعلوا ، وأوغلوا في الأرض حتى صاروا بين الخندق وبين سلع ، وهؤلاء كانوا من فوارس قريش ، منهم : عمرو بن عبد ود العامري من بنى عامر بن لؤي ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن خطّاب الفهري ، وخرج إليهم علىّ بن أبي طالب في نفر من المسلمين ، وتصدّى له فرسان الثغرة ، وانبرى عمرو بن عبد ود يتحدّى عليا ، وتبارزا حتى قتله علىّ ، فبادر رفاقه بالهرب منهزمين ، وألقى عكرمة رمحه منهزما ، ورمى سعد بن معاذ بسهم قطع منه الأكحل ( عرق اليد ) ،
وقيل رماه حبّان بن قيس بن العرقة أحد بنى عامر - والعرقة هي أمّه ، وكانت لها رائحة عرق شديدة ، وقيل بل رماه أبو أسامة الجشمي حليف بنى مخزوم .
واستخدم الرسول صلى اللّه عليه وسلم في هذه الوقعة لأول مرة طريقة المخادعة ، وقال قولته المشهورة : « الحرب خدعة » ، فلمّا جاءه مسعود بن عامر الأشجعي من معسكر المشركين يعلن إسلامه ويريد الانضمام إليه ، أرسله النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى معسكرهم يرى فيهم ويتنظّر ويكون للمسلمين عينا عليهم ، وكذلك أرسل نعيم بن مسعود إلى بني قريظة ، وإلى قريش وغطفان ، يزعم أنه ترك محمدا ، ويخوّف بني قريظة لو خدعتهم قريش وغطفان وتركوهما لمحمد ، ثم إنه خوّف قريشا من مكر اليهود ودهائهم ،
وادّعى أن بني قريظة ندموا على تنكرهم لمحمد ، وأنهم أرسلوا إليه يهادنونه ، وصدّق أبو سفيان ، وأرسل إلى اليهود يطلب إليهم مناجزة محمد في الغد ، واعتذر اليهود بالسبت ، وطلبوا رهنا من قريش حتى لا يكون الأمر خدعة ، ورفض أبو سفيان ، فإما أن يخرجوا معهم وإلا فلا عهد بينهم ، واستشعرت بنو قريظة صدق نعيم ، وانخذلوا عن قريش ، وتكالموا واختلفوا وتشاتموا ، وكان اليوم عاصفا ، والرياح هوجاء ، والليل قارص البرودة ، وانهدمت خيامهم ، وانطفأت قدورهم ، وهلك الكراع ( يعنى الخيل ) والخفّ ( يعنى الإبل ) ،
وانطفأت النيران ، وأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حذيفة بن اليمان متخفّيا يتسمّع عليهم ويتنظّر ، فلو لا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمره أن لا يحدث شيئا لقتل أبا سفيان وهو يحلّ عقال جواده مرتحلا ، وعاد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره ، فحمد اللّه ، فما أصبحوا إلا وقد ذهبت الأحزاب .
ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا السلاح ، ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نادى فيهم : « لا يصلّينّ العصر إلا في بني قريظة » .
ودعا سعد بن معاذ ربّه أن لا يتوفاه مما أصابه السهم إلا بعد أن يقرّ عينيه في بني قريظة ، لخيانتهم للعهد ، وتبجّحهم .
وأعطى الرسول صلى اللّه عليه وسلم الراية إلى علىّ بن أبي طالب ، وساروا إلى بني قريظة ونازلوهم ، وحاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضعا وعشرين ليلة ، فإما أن يسلّموا ويتّبعوا الإسلام ، فيسلموا وتسلم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم ، وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ويقاتلوا حتى يموتوا عن آخرهم .
ورفض اليهود الإسلام ، وأن يقتلوا أبناءهم ونساءهم بأيديهم ، واستنجدوا بالأوس حلفائهم ، وحذّرهم أبو لبابة فأفشى سرّ المسلمين ، وأشار بيده إلى حلقه وقال : إنه الذبح إن فعلتم ؛ يحذّرهم أن ينزلوا على حكم المسلمين ، ونزلت الآية في أبى لبابة :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ( 27 ) ( الأنفال ) ،
والآية :وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ( 102 ) ( التوبة ) ،
وحكّم الرسول صلى اللّه عليه وسلم فيهم سعد بن معاذ رئيس الأوس حلفائهم ، ويقول كتّاب المغازي : أن سعدا حكم بأن تقتل المقاتلة ، وتسبى الذرّية والنساء ، وتقسّم أموالهم ، وقالوا : فضربت أعناق نحو من ستمائة إلى السبعمائة من المقاتلة ، وقيل الثمانمائة ، منهم حيىّ بن أخطب ، وكعب بن أسد ، وكانا رأس القوم ، وقتل من نسائهم بنانة امرأة القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته .
قالوا : أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم ينبت ( يعنى من لم يبلغ الحلم ) . ووقع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن جنافة .
والقول بأن الرسول صلى اللّه عليه وسلم أمر بقتل كل هذا العدد ، حتى الأولاد الذين أنبتوا ، كذب ، ويتعارض مع الآية :وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً( 26 ) ( الأحزاب ) ،
فلما ذا يقول تأسرون فريقا إن لم يكن هناك أسرى ، ثم إن قتل هذا العدد من الأسرى وهم كل من يستطيع حمل السلاح حتى الصبية ، يجافى مبادئ الإسلام ، فاللّه تعالى ينهى عن الإسراف في القتل فيقول :فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ( 33 ) ( الإسراء ) ،
وقال : حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ( 4 ) ( محمد ) ،
وأثخنتموهم أي أهلكتموهم قتلا في الحرب ، وقوله : « شدّوا الوثاق » يعنى الذين تأسرونهم ، وهؤلاء اليهود أسرى في غير حرب ، والأولى أخذ الفداء منهم وقد صارت كل أملاكهم في أيدي المسلمين .
وفي الآية :فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها( 4 ) ( محمد ) ،
يعنى للمسلمين الخيار إذا وضعت الحرب أوزارها ، فإمّا المن على الأسير ، وإما الفداء ، وأما القتل فليس للأسرى وإنما في المعركة .
وفي الآية :ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ( 67 ) ( الأنفال )
يعنى أن يقاتل الأعداء أولا ، والقتال مأمور به إذا قوتل المسلمون ، يعنى أن حرب المسلمين دفاعية أو وقائية ، وحرب الخندق كانت دفاعية ، وحرب بني قريظة كانت وقائية ، وقوله تعالى :وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ( 193 ) ( البقرة )
أي حتى تضع الحرب أوزارها - أي أوزار المحاربين - يعنى حتى يضعوا سلاحهم . وبنو قريظة وضعوا سلاحهم ، والذي تأدّى بهم إلى هذا الحال كان حيىّ بن أخطب وكعب بن أسد ، وهذان حوكما لما تسببا فيه ، وحكم عليهما بما يستحقان ، وأما غيرهم فذلك ما يكذّبه واقع الحال ، فالقرظيون كانوا بالمدينة بعد هذه الوقعة ، وكانت صفية بنت حيى وريحانة بنت عمرو تصلان أرحامهما ، ولهما أولاد عمومة ورّثتاهم من بعد .
ولا نرى لذلك هذا الرأي الذي يقول إن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أمر بقتل سبعمائة يهودي ، وحتى الأولاد الذين أنبتوا - قتلهم ! !
فما كان محمد سفّاحا ولكنه رحمة للعالمين ، ولسنا في مجال أن نشفق على اليهود وإنما نحن ندفع عن نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم ، وعن أنفسنا ، تهمة ما كانت من خصاله صلى اللّه عليه وسلم ، وهو الذي أمر في الحرب أن لا يقتل الطفل ولا المرأة ، ولا تحرق شجرة ولا منزل ، وابن إسحاق وابن هشام اللذان رويا هذه الرواية إنما يرددان الإسرائيليات ، ومغازيهما حافلة بغرائب الروايات التي ردّدها عنهم المستشرقون ، واهتبلها دعاة التبشير والعلمانيون ، وروّجوا لها في مؤلفاتهم عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعن الإسلام .
وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة ، والذين استشهدوا يوم الخندق من المسلمين ستة نفر ، هم : سعد بن معاذ الذي تفجّر جرحه وانفتح عرقه فنزف حتى مات ، وأنس بن أوس بن عتيك ، وعبد اللّه بن سهل - والثلاثة من بنى عبد الأشهل ، والطفيل بن النعمان ، وثعلبة بن غنمة - وكلاهما من بنى سلمة ؛ وكعب بن زيد من بنى دينار بن النجار - أصابه سهم غرب ( أي طائش ) فقتله .
فهؤلاء الستة هم شهداء الخندق من المسلمين ، وأما الذين قتلوا من الكفار فثلاثة هم : منبّه ابن عثمان - أو أنه عثمان بن أمية بن منبّه ، ونوفل بن عبد اللّه بن المغيرة المخزومي ، وعمرو بن عبد ود .
وأما شهداء المسلمين يوم قريظة ، فكانوا اثنين : خلاد بن سويد - طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته ، وأبو سنان بن محصن الأسدي ، ولم يصب غير هذين .
وأما الريح التي هبّت عليهم فهدمت الخيام ، واقتلعت الأوتاد ، وأطفأت النيران إلخ فكانت الصبا ، وهي المذكورة في الآية :فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً( الأحزاب 9 ) . وأما قوله :وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها( الأحزاب 9 )
هذه هي قوى الطبيعة عاثت هدما وتخريبا في فساطيطهم ، وبثّت فيهم الرعب حتى جالت الخيل بعضها في بعض ، وفي الحديث عنه صلى اللّه عليه وسلم قال : « نصرت بالرعب » . وكان وصف المعركة من أبلغ ما يمكن أن تصوّره لغة ،
مثل قوله تعالى :وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا( 10 ) ( الأحزاب ) ،
وقوله :هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً( 11 ) ( الأحزاب ) ،
وقوله :وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً( 14 ) ( الأحزاب ) ،
وقوله :أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً( 19 ) ( الأحزاب ) ،
وهكذا في بقية الآيات حتى الآية 27 التي تقول :وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ( 26 ) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً( 27 ) ( الأحزاب ) ،
والصياصي هي الحصون ، والآيتان وعد من اللّه ، وسريان على كل أرض تفتح إلى يوم القيامة ، والفتح ليس فقط بالحرب وإنما بالإعمار والهجرة ، ووعد اللّه لا يردّ ، وهو على كل شئ قدير .
* * *
مواضيع مماثلة
» الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله