اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

25102023

مُساهمة 

الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Empty الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني




الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

881 . قصة البغيتين والطفل وأن قضاء سليمان أفضل

يقول تعالى :فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً( الأنبياء 79 ) ، يعنى أن حكم سليمان كان يفضل حكم أبيه داود ، ومن ذلك حكمه في البغيتين وتنازعهما على الطفل ، فقد جاءتا سليمان ، ووقفتا بين يديه ، وقالت إحداهما : إلىّ يا سيدي ، إني وهذه المرأة مقيمتان في بيت واحد ، فولدت أنا في البيت ، وفي ثالث يوم من ولادتي ولدت هذه المرأة ، وكنا معا وليس معنا في البيت غيرنا ، فمات ابن هذه المرأة في الليل لأنها اضطجعت عليه ، فقامت عند منتصف الليل فأخذت ابني من جانبي ، وكنت نائمة ، وجعلت ابني في حضنها وابنها الميت جعلته في حضنى ، فلما قمت بالغداة لأرضع ابني إذا هو ميت ، فتفرّست فيه في الصباح فإذا هو ليس ابني الذي ولدته ، فقالت امرأة الأخرى : كلا بل الحىّ هو ابني ، والميت ابنك !
فقالت تلك : لا ، بل ابنك الميت وابني الحىّ .
وكانتا تتكلمان بين يدىّ الملك ، فقال : هذه تقول ابني الحىّ ، وابنك الميت ، وتلك تقول : لا ، بل ابنك الميت ، وابني الحىّ .
فقال الملك : علىّ بسيف .
فأتوا بسيف إلى أمام الملك . فقال الملك : اشطروا الصبى الحىّ شطرين ، وادفعوا شطرا إلى الواحدة ، وشطرا إلى الأخرى .
فكلمت الملك المرأة التي ابنها الحىّ ، لأن أحشاءها اضطرمت على ابنها، وقالت : إلىّ يا سيدي! أعطوها الصبى حيا ولا تقتلوه .
فقالت الأخرى : بل لا يكون لي ولا لك ! أشطروه ! فأجاب الملك وقال : ادفعوا الصبى الحىّ إلى هذه ولا تقتلوه لأنها أمه .

فسمع جميع إسرائيل بالقضاء الذي قضاه الملك ، فهابوا وجه الملك ، لأنهم رأوا حكمة اللّه فيه في إجراء الحكم ( ملوك أول 3 / 16 - 28 ) ،
فهل كان بوسع داود أن يقضى بمثل هذا القضاء ؟ فما كان لداود مثل هذا العلم ، وهذه الحكمة ، وصدق اللّه العظيم أنه تعالى قال :فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً( الأنبياء 79 )
فكان الفهم والعلم والحكمة لسليمان ، بينما كان العلم والحكمة فقط هما نصيب داود ، فذلك فضل سليمان على داود .

  * * *

882 . أمثلة من علم سليمان من أسفاره

يقول تعالى في داود وسليمان :وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً( الأنبياء 79 ) ، فكيف كان علم سليمان وحكمته مما جاء في أسفاره من أقوال ؟ وله ثلاثة أسفار : سفر الأمثال ، وسفر الجامعة ، وسفر نشيد الأناشيد ،
فمن أقواله فيها من سفر الأمثال : مخافة الربّ رأس العلم والحكمة والتأديب . الربّ يؤتى الحكمة فتوكّل على الربّ بكل قلبك ، ولا تعتمد على فطنتك .
وفي كل طرقك اعرفه فهو يقوّم سبلك ، ولا تكن حكيما في عينىّ نفسك ، واتّق الربّ ، وجانب الشرّ . لعنة الربّ في بيت المنافق ، أما منزل الصدّيقين فهو يباركه . لا تلتفت إلى إغواء المرأة .
اذهب إلى النملة أيها الكسلان وانظر طرقها وكن حكيما . أول الحكمة مخافة الربّ . المرأة الحكيمة تبنى بيتها ، والسفيهة تهدمه بيديها .

ومن سفر الجامعة : باطل الأباطيل كل شئ باطل . أىّ فائدة للبشر من جميع تعبهم الذي يعانونه تحت الشمس ؟ ! جيل يمضى وجيل يأتي والأرض قائمة مدى الدهر !
ولكل أمر أوان ، ولكل غرض تحت السماء وقت . فللولادة وقت ، وللموت وقت ، وللغرس وقت ، ولقلع المغروس وقت ، وللبكاء وقت ، وللضحك وقت ، وللصمت وقت ، وللنطق وقت ، وللحب وقت وللبغض وقت ، وللحرب وقت ، وللصلح وقت .

ومن سفر نشيد الأناشيد : في الليالي على مضجعى التمست من تحبّه نفسي ، التمسته فما وجدته . أنهض فأطوف في المدينة ، في الشوارع ، وفي الساحات ، التمس من تحبّه نفسي .
أنّى التمسته فما وجدته . صادفنى الحرّاس الطائفون في المدينة . أرأيتم من تحبه نفسي ؟
فلما تجاوزتهم قليلا وجدت من تحبه نفسي ، فأمسكته ولست أطلقه حتى أدخله بيت أمي وخدر من حبلت بي .
استحفلكن يا بنات أورشليم ، بظباء وأيائل الصحراء ، أن لا تنهضن ولا تنبهن الحبيبة حتى تشاء .

  * * *

883 . هيكل سليمان والمسجد الأقصى

يأتي اسم المسجد الأقصى في القرآن مرة واحدة في الآية :سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا( الإسراء 1 ) ، ويقابله المسجد الحرام ، وهو الكعبة في مكة .
والمسجد الأقصى هو هيكل سليمان في بيت المقدس التي هي أورشليم القدس ، وسمّى الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام ، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة يعظّم بالزيارة ، وبالطبع لم يكن اسمه مسجدا وإنما هو معبد أو هيكل .
وأسماء أورشليم الأخرى : يبوس ، وأريثيل ، ومدينة العدل ، والمدينة ، ومدينة القدس .
ومعنى « أورشليم » : بيت المقدس ، أو مدينة الإله شاليم أو ساليم . فلما ذا إذن كان الإسراء من المسجد الحرام إلى هيكل سليمان في أورشليم ؟ وهل لهذا الهيكل خصوصية تبرّر أن يكون الإسراء إليه ، والمعراج منه ؟
والمعروف أن الإسلام يحيى ملّة الآباء : إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط ، وموسى ، وعيسى ؛ والإسلام أساسه حنيفية إبراهيم ، ومن آمن به كان يسمى مسلما :هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ( الحج 78 ) ،
وفي ذلك يقول تعالى لأتباع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم :قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( 136 ) ( البقرة ) ،
فالإسلام يربط بين كل هذه الديانات أو الملل برباط متين ، وزيارة بيت المقدس والصلاة فيه ، مثله مثل رمى الجمرات ، فهو إحياء لسنّة إبراهيم والآباء ، ومثل السعي بين الصفا والمروة ، والفداء بالكبش السمين ، وما نزال نزجى السلام إلى إبراهيم وآله في التحيات في كل صلاة . ثم إن الهيكل أو المسجد كما يجيء في الآية مبارك حوله ، والبركة هنا رمزية ، وأورشليم أو القدس المعبّر عنها ب «حوله» ترمز إلى ملكوت اللّه ، ولذلك كانت رحلة المعراج لا بد فيها أولا من العودة إلى الأصول ، ثم منها تبدأ الرحلة.
وفي قوله تعالى :سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَىجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء .
وكانت بداية المعراج من قبّة الصخرة ، وتسمى لذلك قبّة المعراج . ولمّا وصل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى الهيكل أوقف دابته المسماة البراق ، لأنها قطعت الرحلة كالبرق الخاطف ، وربطها في حلقة في حائط هو الذي يسمونه حائط البراق ، واليهود يسمونه حائط المبكى، وهم على القول أن الحرم الشريف يقوم في مكان ساحة هيكل سليمان، وأن قبة الصخرة هي موضع مذبحة المحرقة.
وأنه في هذه البقعة أيضا والتي تسمى بجبل المريا شرع إبراهيم في ذبح ابنه المختلف بشأنه بين اليهود والمسلمين ، فاليهود يقولون هو إسحاق ، والمسلمون يقولون إنه إسماعيل .
وكما ترى فإن الخلاف لا يستحق ، ومن الممكن أن يعود الهيكل كما كان ويصلّى المسلمون فيه كما صلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فيه من قبل ، وهذا رأى المسلمين جميعا ، إلا أن اليهود يصرون أن لا تكون للمسلمين صلاة فيه ، وأن يمتنعوا عن دخوله بالمرة ، ويعتبرونهم نجس ، وهذا هو الافتئات والعسف والجور بعينه !

  * * *

884 . قصة نملة سليمان

نملة سليمان في الآيتين :حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 18 ) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ( 19 ) ( النمل ) ،
نملة حقيقية ، والقصة ربما من أدب الخيال العلمي كمثال تعليمي ، وربما هي من الواقع وليس فيها شئ من الخرافة ، ولا يعارضها العلم ، وينفرد بها القرآن وتعدّ من معجزاته العلمية ، ولا يوجد لها مثيل في الأدب الديني اليهودي .

ونملة سليمان كان لها جناحان تطير بهما ، ككثير من أنواع النمل ، فلذلك علم سليمان منطقها من طريقة طيرانها ، ومن رسالاتها بأجنحتها ، ولولا ذلك لما علم ما قالت .
والنمل الطيّار : نوع من النمل يوجد بأرض الشام ومنها فلسطين ، وهو من جنود النمل ، وعمله الحراسة والقتال ، وحجمه أكبر من الشغالة والذكور .
وذكور النمل لها أجنحة ، وكذلك الملكة ، والملكة والذكور يطيرون في موسم التزاوج ليكون أصلح الذكور هو الزوج الذي من نسله تخرج الأجيال . والنملة في القصة من نوع النمل المقاتل المسمىEciton، ويتواجد في الصحراء بخاصة ، وسليمان كان كثيرا ما يعبر الصحارى في رحلاته ، وتكثر بها وديان النمل . ونملة سليمان كانت وقت مرورة في دورة حراسة ، ومهمتها المراقبة والتحذير ، ومكانها يكون على أبراج من الطين يبنيها النمل وترتفع عن الأرض ، ربما لخمسة أمتار ، ليتسع مدى رؤيتها . « ومنطق النمل » : ليس لغة يلغو بها النمل ، ولكنه حركاته والمواد التي يفرزها ويعى النمل معناها .
وللنمل حياة اجتماعية معقدة ، وله دراية شديدة بفصول ومواعيد الأمطار ، واختلاف الحرارة والضغوط الجوية ، والرياح وكيف يتّقيها ومداها وقوتها ، وكيف يحذر أعداءه ، وطريقة شن الحروب ، وكسبها ، وأسر القوات ، واستغلال الأسرى ، ومن أكثر أنواع النمل دربة وحنكة ودراية النوع المشهور باسمTapinoma، وهو يستطيع أن يخطط للمعارك ، ويقدّر حجم الأعداء ، ويرسم بسرعة لشغالة النمل كيفية الابتعاد عن مكامن الخطر ، وأن يحافظ على نفسه وعلى أعشاشه ، ويوجد في الصحراء العربية . ولا نستبعد أن يعرف سليمان عن ذلك طالما يتقن المراقبة ويحذق الملاحظة ، وهما أساس كل دراية وعلم .
وسليمان بوسعه أن يستنبط ما قالته النملة مما يجرى من حركاتها حول الأعشاش ، وحذر النمل جعله يبتسم ، وحنكة هذه النملة أضحكته ، ولكنه لا ينسى أن يشكر اللّه على ما حباه من أدوات المعرفة ، ومن الذكاء ، وما متّعه من عقلية علمية تحليلية استنباطية . والعلم لا ينجّى صاحبه ، ولا يرفعه ، إلا إذا استخدمه في الخير ،
وهذا ما دعا به سليمان ربّه : أن يعمل صالحا يرضاه ، ومن ثم يدخله ضمن عباده الصالحين ، قال :رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ( 19 ) ( النمل ) .
ويذهب بعض الدارسين إلى أن للنمل صوتا ككل الكائنات ، وإنما يتدنّى صوت كل مخلوق سواء في البهائم أو الطيور أو الحشرات بتدنّى هيئته ، وفي الإنسان يقاس الصوت بقيمة عشر البل ، وفي النمل بقيمة متدنية للغاية مناسبة له ، وفي ذلك معنى التسبيح في قوله تعالى :وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ( الإسراء 44 ) ،
قيل لا تسمعون تسبيحهم ، وسليمان في القصة يتمتع بقوة سمع خارقة ، كقوة البصر الخارقة عند زرقاء اليمامة ، وقوة العقل الخارقة عند من يطلقون عليهم في الطب النفسي اسم العلماء الحمقىidiot - savants، وهؤلاء لديهم القدرة على أداء العمليات الحسابية والرياضية بسرعة تفوق سرعة الكمبيوتر ، ومن ثم فحالة سليمان ليست بمستبعدة علميا .

  * * *   

885 . قصة الهدهد وسليمان

الملك النبىّ سليمان آتاه اللّه من فضله ، فقال لبنى إسرائيل على جهة الشكر لنعم اللّه :يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ( النمل 16 ) ، ولم يقل « لغة الطير » ، لأن الطير لا لغة له ، وإنما له حركات وسكنات ، وأصوات وأوضاع ، تأوّل معان بحسب منطق كل طائر .
والمنطق هو ما ينطق عن حاله ، وفي قصة سليمان مع الهدهد - وهو طير معروف ، فإن هدهدته هي صوته ، وحركاته برقبته وجناحيه ، هي منطقه الخاص به ، واصطلح أهل العلم على أن دراسة هذه الأصوات والحركات من علوم الطيور ويسمون علمها « علم منطق الطيور » ، ورئيس هذه الدراسات هو النبىّ سليمان .
وقصة هدهد سليمان كما يطرحها القرآن من أجمل قصص الحيوان والطير . وكان العرب يعرفون التطيّر ، ومن ذلك أن العرب كانوا يتطيّرون ، وتطيّر فرعون وقومه من موسى فقيل عنهم :أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ( الأعراف 131 ) ،
والطّيرة وزجر الطير نوع من قراءة منطق الطير ، فكان المتطيّرون يفزّعون الطير من وكناتها حتى تطير إما يمنة أو يسرة ، فإن طارت يمنة استبشروا ، وسمّوها لذلك السانح ، يعنى أنها تطير إلى اليمين أو تأتى منه ، ونقيضه البارح وهو أن يفزع إلى اليسار أو يأتي من ناحية الشمال .
ومن الطيرة التطيّر بصوت الغراب ؛ والأصوات من نوع صوت الغراب ، أو هديل الحمام ، أو زقزقة العصافير ، من منطق الطير ، واختصّ به سليمان أولا .
وقصة الهدهد مع سليمان تأتى في سورة النمل ، وتستغرق تسع آيات ، وهي من الأدب الرمزى ، وقد يكون اللّه تعالى قد ضربها مثلا ، وقد تكون قصة حقيقية ، والصحيح أنها حقيقية ، لأن سليمان كانت له الشخصية التي تمتاز بالحدس القوى ، والملاحظة الشديدة ، والفهم الدقيق الواعي ، ومن ثم كان اهتمامه بدراسة هذا الباب من « علم الطيورOrnithology» . 

وتبدأ القصة لمّا تفقّد سليمان الطير ، يطلب ما غاب عنه منه
والطير اسم جامع ، والواحد طائر ، والمراد به جنس الطير وجماعته . ولكن لما ذا يتفقد الهدهد بالذات ؟ قيل إنه طائر يعتمد على منقاره الطويل ، ينقر به الأرض ، وسليمان في رحلاته ، قد تنقطع به السبل فيستعين بالطير أو الجن ، والهدهد كان دأبه أن يرشد إلى مكان الماء في باطن الأرض .
ولتفقّد سليمان للطير فقه من باب واجبات الحاكم أن عليه أن يتعرّف أحوال رعيته ، ومثّل المسلمون الحاكم العادل بعمر بن الخطاب ، فلو أن سخلة - يعنى عنزة صغيرة - على ساحل الفرات ، أخذها الذئب ، لسئل عنها عمر ! والهدهد مع صغر حجمه لم يخف حاله على سليمان ، ولمّا تفقده ولم يجده ، هدد بأن يعذّبه عذابا شديدا ، أو ليذبحنه ، أو ليأتينه بسلطان مبين يعنى سببا مقنعا لغيابه .
وأي عذاب يمكن أن يعذّبه ملك نبي لطائر مسكين كالهدهد ، وإنما هو العدل ، وهو أساس الملك ، والحدّ على قدر الذنب لا على قدر الجسد .
وجاء الهدهد بالعذر ولكنه مع ذلك مكث غير بعيد عن سليمان ، وقال له :أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ( 22 ) ( النمل ) ، وقوله ردّ على من يقول إن الأنبياء يعلمون الغيب ، ولا يعتدّ بأنه مقالة طير ، فمنطق الهدهد كان منطق الحال . ثم أفضى لسليمان بما أحاط به من أمر المرأة التي تملك شعبها، وقد أوتيت من كل شئ ، ولها عرش عظيم ، وأنها وشعبها يسجدون للشمس.
والقصة رمزية ، لأن الهدهد تعجّب من تعبّدهم لغير اللّه ، واستعظم أن يسجدوا لغيره ، وهو الذي يعلم غيب السماوات والأرض ، ويعلم ما يعلنون وما يخفون . ولم يسارع سليمان بتصديقه ولا تكذيبه وإنما قال :سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ( 27 ) ( النمل ) ، وهو دليل على أن الحاكم والقاضي لا يجب عليهما أن يقبلا عذر الناس ويدرءا العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم .

وكتب سليمان كتابا ، وأمره أن يحمله الهدهد إلى قوم هذه المرأة ، فيلقيه إليهم - وهم أهل هذا الدين الآبق الذين يعبدون الشمس ، وأبدى الغيرة على دينه ، وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع ، وهكذا حمل الهدهد الكتاب إلى أن ألقاه على الملكة ، وتناولته فراعها ، ونظرت من أحضره فرأت الهدهد ، فتولى عنها حين أبصرته كما أمره سليمان ، وظل مع ذلك قريبا ليرى مراجعتهم للكتاب .
ونفهم أن الداعية إلى اللّه له أن يستخدم كل الطرق لإبلاغ الدعوة ، وأن له أن يرسل الكتب إلى الأعداء ، كما أرسل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى كسرى وقيصر .
وقول الهدهد :إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ( 23 ) ( النمل ) عبارة موجزة جمعت كل أخبار يمكن أن يجمعها جاسوس عن بلد عدوه : أحواله في السياسة والحكم ، وفي المال والاقتصاد ، وفي الفنون والعلوم ، والآية تنبئ أن هذه المملكة راسخة الملك ، عظيمة الشأن ، وطيدة الأركان . وهنا ينتهى دور الهدهد ، ولا ينتهى دور المواعظ في هذه القصة الرائعة : قصة الهدهد وسليمان . ( انظر أيضا قصة ملكة سبأ مع سليمان ، وقصة النملة مع سليمان )

  * * *

886 . قصة هارون وماروت

كلام المستشرقين في هذه القصة كثير ، ويفترضون أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم قد اقتبسها من المدراش اليهودي ، وأنه كان يقرأ العبرية والسريانية ، وأنه في كتابىّ إينوخ وباروخ شئ من تلك القصة في سقوط الملائكة ، ولم أجد في أي من هذه الكتب شيئا من هذا الذي ادّعاه فينسنك .
واسم هاروت : قيل من هرت ، أي تكلم بالقبيح ولم يحفظ سرا وأكثر من الكلام ؛ وماروت : من مرت ، فهو المضطرب الأحوال ، المشتّت الذهن ، الممزّق النفس . وأن يأتي الاسمان على نسق واحد ، منه في القرآن : طالوت وجالوت ، ويأجوج ومأجوج .

وأصل هاروت وماروت أنهما ملكان ، قال اللّه تعالى فيهما :وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ( البقرة 102 ) ،
فلما مات سليمان اتبع اليهود ما يعرفون أن الشياطين كانت تتلوه في أيامه ، وما كان سليمان يمارس السحر ، ولا كان ساحرا ، ولم يكفر ويتعلمه ، ولكن الشياطين هم الذين علموا الناس السحر حتى فشا أمره بين الناس ، واتّبعوا كذلك ما كان يتنزّل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، ابتلاء وامتحانا للناس ، وما كان هاروت وماروت يعلّمان السحر إلا أن ينصحا أولا الراغب في التعلم بأن لا يفعل ، وأنه إن فعل كفر باللّه ، وأن معرفته بأسراره هي ابتلاء وامتحان له ، فلا يستعمل السحر للإضرار بأحد ، فمن تعلمه ليدفع به ضررا عن الناس فقد نجا ، ومن تعلّمه ليضرّ الناس ويؤذيهم فقد ضلّ وهلك ، ليس لأنه يضرّ الناس فعلا ولكن لأنه نوى الإضرار بهم وحاوله ،
ومن السحر الضار : العمل على التفريق بين الزوجين ، وبعد أن تكون المحبة والوداد بينهما يستحيل الأمر إلى شقاق وفراق ، ليس بالسحر ولكن بما يصاحبه من فتن ووقيعة بين الأزواج والأصهار .
والسحر المؤذى : في الحقيقة لا يضر بأحد إلا أن يكون هذا الضرر من عند اللّه ، وكان سيقع بصاحبه بدون هذا السحر .
وتعلّم هؤلاء للسحر بقصد الإضرار بالغير هو تعلّم لما يضر بأنفسهم هم شخصيا وليست فيه أية فائدة لهم :وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ( 102 ) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ( 103 ) ( البقرة ) ،
أي ولقد علم هؤلاء اليهود الذين نبذوا كتاب اللّه بمجرد موت سليمان ، واستبدلوا به السحر ، أنهم ليس لهم حظ من رحمة اللّه ولا من الجنة ، لأنهم آثروا السحر على الكتاب ، ولبئس ما باعوا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ويفهمون ويدركون ، ولو أن الذين يتعلمون السحر آمنوا باللّه لكانت مثوبته لهم خير من ألف سحر لو كانوا يعلمون .

وهناك تفاسير أخرى لقصة هاروت وماروت ، ومنها هذا التفسير لكعب الأحبار اليهودي ، قال : إن أولاد آدم لما أكثروا الفساد بعد سليمان ، تكلم الملائكة فيهم ، فقال لهم ربّهم : أما إنكم لو كنتم مكانهم وركّبت فيكم ما ركّب فيهم ، لعملتم أعمالهم ، فقالوا :
سبحانك ، ما ينبغي لنا ذلك ! قال : فاختاروا ملكين من خياركم .
فاختاروا هاروت وماروت ، فأنزلهما إلى الأرض ، وركّب فيهما الشهوة ، فما مرّ بهما شهر حتى فتنا بامرأة اسمها الزّهرة ، كانت قد جاءتهما تشكو إليهما أمرا من أمورها ، فراوداها عن نفسها فأبت إلا أن يدخلا في دينها ويشربا الخمر مثلها ويقتلا النفس التي حرّم اللّه ، فأجاباها ، وشربا الخمر ، وضاجعاها ، فرآهما رجل وذهب يشهد عليهما فقتلاه .
وسألتهما المرأة عن كلمة السرّ التي يصعدان بها إلى السماء فعلّماها ، فنادت بها فصعدت ، فمسخت كوكبا هو كوكب الزهرة .
فهكذا ارتكب الملكان كل الموبقات ولم يستكملا يومهما ، فخيّرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فهما يعذّبان ببابل في سرب من الأرض .

قيل بابل العراق ، وربما بابل نهاوند . فالمسلمون إذا رأوا كوكب الزّهرة أو سهيلا في السماء سبّوهما وشتموهما ، وسهيل في الأسطورة كان عشّارا في اليمن يظلم الناس ، والزّهرة كانت صاحبة هاروت وماروت . وكما ترى فإن هذا تهريف ، لأن الزّهرة وسهيلا خلقا كواكب قبل خلق آدم ،
وقال اللّه تعالى عن الملائكة :لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ( 6 ) ( التحريم ) ،
وقال :بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ( 26 ) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ( 27 ) ( الأنبياء ) ،
وقال :يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ( 20 ) ( الأنبياء ) .
ولا نستبعد أن يسقط الملائكة ، ولكن هذا لم يصح لا عقلا ولا سمعا .
وأمثال هذا التفسير هو ما يسمى بالإسرائيليات ، والصحيح كما قال علىّ بن أبي طالب : أن الملكين ببابل كانا يعلّمان الناس السحر تعليم إنذار لا تعليم دعاء إليه ، بمعنى أنهما كانا يعلّمان الناس على النهى عن السحر فيقولان لهم : لا تسحروا لتضرّوا ، ولا تحتالوا لتفرّقوا بين المرء وزوجته ، وما كانا يعلّمان أحدا إلا نبّهاه أنهما وما يعلّمانه فتنة حتى يحذرهما .
فذلك هاروت وماروت إذن وتلك قصتهما ، فيها النصيحة والتحذير من السحر حتى لو كان الذي يقوم به ملك ، وكان سقراط يعلّم الناس الأغاليط وهي الحجاج الفاسد ، لكي يأمنوا شرّه إذا مارسه أحدهم معهم ، لا لكي يمارسوه هم أنفسهم ويضروا به الناس .

  * * *

887 . قصة يأجوج ومأجوج في التوراة والقرآن

في التوراة أن ماجوج من بنى يافث بن نوح ( تكوين 10 / 2 ) ، أنجبه بعد الطوفان ، وصار اسم الشعب الذي انحدر من صلبه شعب ماجوج ، ورئيسهم جوج ( حزقيال 38 و 39 ) .
وقيل : إن ماجوج هي بلاد التتار ، وعرفت المنطقة بين بحر قزوين والبحر الأسود باسم ماجوج ، وقيل هم الترك .
وفي سفر الرؤيا من أسفار النصارى ( 20 / 7 ) أن جوج وماجوج أمّتان ، ويتفق حزقيال ويوحنا على أن جوج وماجوج هما رمز للشرّ وأنهما من الشعوب المغيرة المدمرة للحضارات .

وفي القرآن صحّف الاسم عربيا فصار يأجوج ومأجوج ، ويأتي مرتين ، في قوله تعالى :قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ( الكهف ) ،
وفي قوله : حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ( 96 ) ( الأنبياء ) ،
والكلام في الآيتين عن شعبين من المفسدين . وفي بعض القراءات للقرآن ينطق الاسمان يأجوج وماجوج بدون همز ، وقيل الاسمان أعجميان مثل طالوت وجالوت ، وغير مشتقّين ، وقيل الاسمان مشتقان ، فيأجوج على وزن يفعول ، مثل يربوع ، من أجّ ، تقول أججت النار أي أضرمتها ، وملح أجاج . 

وكذلك مأجوج ، على وزن مفعول ، وقيل مأجوج من مجّ ، وفي آية سورة الكهف أنهما شعبان مفسدان ، وإفسادهما على طريقة الشعوب القديمة ، أو حتى على الطريقة الجديدة في عصر العولمة ، بالإغارة ، والقتل ، والتدمير ، والاستيلاء على الثروات . وقيل إن يأجوج ومأجوج كثيرو النسل ويكونون بالملايين ، وهم اليوم أهل الصين والهند .
وفي الحديث : « يأجوج ومأجوج أمّتان ، كل أمة . . . لا يعلم عددها إلا اللّه ، لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح » ، قيل : يا رسول اللّه ، صفهم لنا ؟ قال : « هم ثلاثة أصناف - صنف منهم أمثال الأرز ( أي شجر الأرز أي طوال القامة ) ،
وصنف عرضه وطوله سواء . . ، وصنف لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ، ويأكلون من مات منهم ( يعنى بهم شراهة ) ، مقدمتهم بالشام ، وساقتهم ( يعنى آخر الجيش ) بخراسان ، يشربون أنهار الشرق ، وبحيرة طبرية ، فيمنعهم اللّه من مكة والمدينة وبيت المقدس » .

والحديث ذكره السيوطي ، رغم أنه عن الغيب والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم لا يعلم الغيب . والنبوءة في الحديث والأوصاف فيه تشبه إلى حد بعيد نبوءة حزقيال عند اليهود ، ويوحنا عند النصارى ، وكما قال حزقيال ويوحنا : يحمى اللّه القدس منهما ، فإن نبيّنا قال : يحمى اللّه مكة والمدينة والقدس ، وذلك دليل أن الحديث موضوع .
وفي قصة ذي القرنين في سورة الكهف ، فإن النجاة منهما يكون بسدّ ، أي بفرض العزلة عليهما ، والحذر من أية توسعات لهما.
وفي الحديث عن علىّ عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير ، وكذا مأجوج ، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده » ، يعنى أن زعماءهما كثيرون ، وهما شعبان محاربان ، وإعداد الشباب فيهما بغاية الغزو .
وفي الحديث : « إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذين عليهم : ارجعوا ، فسنحفرونه غدا .
فيعيده اللّه أشدّ ما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم ، وأراد اللّه تعالى أن يبعثهم على الناس ، حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء اللّه تعالى ، فاستثنوا ، فيعودون إليه وهو لهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون على الناس ، فينشفون الماء ( أي ينزحونه ) ، ويتحصّن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء ، فيرجع عليها الدم الذي أحفظ (أي المتجمّع)، فيقولون : قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء، فيبعث اللّه عليهم نغفا (مرض بيطرى) في أقفائهم فيقتلهم به»!
وكل هذه الأحاديث ، وغيرها كثير ، من الإسرائيليات ، وبعضها يتحدث عن البصرة ودجلة وأحداث مستقبلة ، وعن الترك كأعداء ، رجما بالغيب ، وإحياء للجاهلية ، وللتفريق بين شعوب الأمة الإسلامية ، وتعزيز الشعوبية ، ويكفى أن نقول أن كلّ شعب يظهر الفساد في الأرض ، وينشر الخراب ، ويقتل الحرث والنسل ، هو كيأجوج ومأجوج في الديانات الثلاث ، وما أصدق ذلك الآن على الأمريكان والبريطان وما يفعلانه في العراق وأفغانستان ، واليهود وما يفعلونه في فلسطين ! ،
فهؤلاء مثلهم مثل يأجوج ومأجوج .

  * * *
   أصحاب السبت

888 . السبت في التوراة والأناجيل

السبتSabbathهو يوم الراحة عند اليهود ، والسبت ليست كلمة عبرية ولكنها في كل اللغات السامية ، وتعنى الراحة ، والسبت في العربية بنفس المعنى ، ومنها السبات بمعنى النوم أو أوله ، وبمعنى الدهر ، وابنا سبات هما الليل والنهار ، والمسبت من لا يتحرك ولا يفتح عينيه ، وتقول سبت أي استراح ، ويوم السبت من أيام الأسبوع ، ويقع بين الجمعة والأحد .
وهناك نحو أربع وعشرين من المشتقات ، من كلمة السبت في العربية ، فالكلمة أصلية في هذه اللغة وليست منقولة عن العبرية كما ادّعى المستشرقون ، ويبدو أن هؤلاء المستشرقين من اليهود الذي يردّون السبت في العربية إلى العبرية مجانين مصابون بالهوس بالعبرانيات ، فكل شئ من العلم أو الحكمة أو المعرفة ينسبونه إلى اليهود .
وليس صحيحا أن أيام تسمية الأسبوع من إبداعهم ، فالأسماء كما نعرفها موجودة في كل اللغات السامية ، وبداية الأسبوع في هذه اللغات هو الأحد ، والسبت كيوم للراحة كان البابليون مثلا - وهم ساميون - يقدّسونه ، وكان يوم راحة وعبادة ، ولم يكن أحد يذبح فيه أو يطبخ ، أو يستحم ، أو يغيّر ثيابه ، أو يركب عربة ، أو يشعل موقدا ، أو يعالج فيه طبيب مريضا ، ويستمر ذلك طوال السبت حتى المغرب ؛ ونفس الشيء عند اليهود ، وقصة آدم وحواء ، والخلق ، والهبوط من السماء ، والجنة والنار ، كل ذلك ضمن الميراث الشعبي السامي ، ولا ميزة فيه لليهود ، سوى أنهم كتبوه وصحّفوا له الصحف ، وقيل إن اليهود ، والآراميين والأشوريين ، ينحدرون من سام بن نوح ، وشعوب الشرق الأوسط العربية - بحسب ذلك - ساميون ، واللغات السريانية والعربية والعبرية لغات سامية ، ومتشابهة في الجذور وإن اختلفت في المشتقات .
واليهود لم يقدّسوا السبت إلا أنه أصلا مقدّس عند الساميين ، وفي التوراة : أن اللّه قد فرغ من عمله الذي عمله لخلق السماوات والأرض وملحقاتهما في اليوم السابع ، واستراح هذا اليوم من جميع عمله ، وباركه وقدّسه ( تكوين 2 / 1 - 3 ) .
وفي الوصايا : اذكر يوم السبت لتقدّسه . في ستة أيام تعمل وتصنع جميع أعمالك ، واليوم السابع سبت للربّ إلهك لا تصنع فيه عملا » ( الخروج 20 / 8 - 12 ) .
فلما كسر أحد عامة اليهود السبت ، قتلوه بلا رحمة ( عدد 15 / 32 - 36 ) .
ولم يراع المسيح السبت مع أنه يهودي ، ورأى أن يلغى هذا التقليد ، وأن يحرر اليهود من العبودية للسبت ، فقال : إنما جعل السبت للإنسان ولم يجعل الإنسان للسبت ( مرقس 2 / 27 ) ، واختارت الكنيسة الأحد يوم عيد بدلا من السبت ، ليميزوا أنفسهم عن اليهود ، ولأن المسيح كان يجتمع بتلاميذه في هذا اليوم من كل أسبوع ، أي يوم الأحد ، وقالوا في تبريره أنه اليوم الأول الذي غيّر اللّه فيه الظلمة إلى نور ، والعدم إلى وجود ، وكانت فيه قيامة المسيح .
وإذا كان إعلانا لنهاية عملية الخلق ، فالأحد إعلان لبداية الخلق ، واتخاذ الأحد عيدا هو تدشين لعهد جديد ينهى العهد القديم الذي عيده كان السبت .

  * * *

889 . السبت في القرآن

والمسلمون على اعتبار السبت يوما من أيام اللّه ، وإذا كان اسمه عندهم السبت من السبوت ، يعنى الهجوع والراحة ، فإنهم لم يتخذوه يوما للراحة ، ولا جعلوه يوما لعبادة خاصة ، وإن استمر اسمه عندهم هو الاسم الشائع في كل اللغات السامية وهو « السبت » .
ولم يجادلوا اليهود فيه جدال المسيح معهم ، وحسم القرآن المسألة بالنسبة للمسلمين ، فقال :إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ( 124 ) ( النحل ) ،
وفي الآية إخبار بأن اليهود اختلفوا فيه ، ولم تقل الآية خالفوا فيه ، فمنهم من أقرّه وقال بأن السبت فرضه اللّه ، ومنهم من لم يقرّه ، وقال إنه اجتهاد وتقليد وليس فرضا ، والاجتهاد كان من الأحبار ، والتقليد لأنه قد جاء في سفر التكوين أن اللّه ارتاح يوم السبت بعد أن انتهى من كل شئ ، فذهبوا مذهب التوراة وقلّدوها ، وجعلوا السبت يوم راحة كيوم اللّه ، وكان الفريسيون من الذين قالوا إنه فرض من اللّه ، كما كان المسيح من الذين قالوا إنه كان باجتهاد الأحبار ، وعلى ذلك فإن بعض اليهود التزموه حرفيا ، وبعضهم أسقطه من حسابه تماما ، وبعضهم كالمسيح لم يلتزمه في مسائل الحياة ، ولكنه كان يؤدى فيه العبادات كغيره من الأيام ، وبعضهم كما في أسفار الملوك الثاني 4 / 23 ، وعاموس 8 / 5 ، وهوشع 2 / 11 ، وإشعيا 1 / 13 ، وحزقيال 46 / 3 ، طالبوا بأن تكون مراعاة السبت روحيا .
والقرآن على القول مع المتخفّفين :وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ( النساء 154 ) ،
يعنى لا تتزيّدوا . وهذا التزيّد والتغليظ لم يكن في شريعة إبراهيم ولا في ديانته ، والإسلام مع سماحة ديانة إبراهيم ، واليهود غلّظوا السبت بأن تركوا الأعمال فيه حتى لو كانت علاج مريض .
والإسلام مع القول بضرورة أن يكون لكل أهل ديانة عيد ، وعيد اليهود هو السبت ، وعيد النصارى - باجتهاد علمائهم - هو الأحد ، وعيد المسلمين تنزيلا من اللّه هو الجمعة .
وفي الحديث الصحيح : « نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة » ، يعنى آخر أمة في الدعوة وأول أمة في دخول الجنة : « لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فاختلفوا فيه ، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق » ، يعنى أنهم اختلفوا فيما جاء في التوراة ، وما جاء في الأناجيل ، وتعددت رواياتهم وحرّفوا ، واختلفوا في يوم عيدهم ، فكان يمكن أن يختاروا الجمعة أو السبت أو الأحد ، فاختار اليهود السبت ، والنصارى الأحد ، واختار اللّه للمسلمين الجمعة . وفي الحديث : « أضلّ اللّه عن الجمعة من كان قبلنا » أخرجه مسلم .

وفي قوله تعالى :وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِفي قراءة ورش :لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ، بفتح العين ، أي لا تعتدوا ، إشارة إلى قصة اقتناص اليهود للحيتان يوم السبت تحايلا على تحريم العمل به ، وبسبب هذا التحايل لعنوا ، قال تعالى :كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ( النساء 47 ) ، وأصحاب السبت : هم أصحاب قصة اقتناص الحيتان . فما هي هذه القصة ؟ .
  * * *

890 . قصة أصحاب السبت في التوراة وفي القرآن

قصة هؤلاء في القرآن بخلافها في التوراة على عكس ما قاله المستشرقون ، فقد ذكر هؤلاء أن محمدا اختلق قصة أصحاب السبت اختلاقا ، وأنه لا شئ منها في التوراة ، والمستشرقون أهل بهت ، ففي التوراة مثل قصة أصحاب الحيتان هذه : فإن اللّه أنزل على بني إسرائيل المنّ ، وأمرهم موسى أن يأخذ كل واحد منهم على قدر أكله وأهله ، ولا يبقون منه شيئا إلى الغد ، فلم يسمعوا لموسى ، وأبقى منهم أناس بعضا منه إلى الغداة على عكس ما أمرهم ، فدبّ فيه الدود وأنتن فأسخط عليهم موسى ، فلمّا كان اليوم السادس التقطوا منه مضاعفا قدر يومين : الجمعة والسبت ، لأن السبت مقدس وعطلة ، فنصحهم هذه المرة أن يختزنوا للسبت ، فلأن الأمر كان منه بالاختزان ليومين ، لم ينتن ، ولم يظهر فيه دود ، وظل محفوظا .
وقال لهم موسى ستجدون المنّ لمدة ستة أيام وتلتقطونه ، وفي يوم السبت وهو السابع لا تجدونه ، ولكن أناسا خرجوا يوم السبت يلتقطون فلم يجدوا شيئا ، فقال الربّ لموسى : إلى متى تأبون أن تحفظوا وصاياي وشرائعى ؟
انظروا ، إن اللّه وضع لكم السبت ، ولذلك هو يعطيكم في اليوم السادس طعام يومين » . وظل هذا حالهم مدة أربعين سنة إلى أن دخلوا فلسطين ( الخروج 16 / 11 - 33 ) .
والقصة مشابهة لقصة أصحاب السبت في القرآن ، مع فارق : أن الطعام في قصة التوراة كان المنّ ، وفي قصة القرآن هو السمك . قال تعالى :وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ( 163 ) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( 164 ) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ( 165 ) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ( 166 ) ( الأعراف ) ،
وفي الآيتين من المعلومات : أن مفاد قصة التوراة هو نفسه مفاد قصة القرآن ، غير أن قصة القرآن تتحدث عن قرية يهودية كانت بقرب البحر .
وقوله : 
« واسألهم عن القربة » يعنى اسأل أحبار اليهود ، لأن القصة تتداول بينهم شفاهة وليست مكتوبة ؛ وعدوانهم في السبت يعنى خروجهم على الناموس وأن يعملوا في السبت ، فقد كانت الأسماك يزخر بها البحر يوم السبت ، ويقل حتى يكاد ينعدم بقية أيام الأسبوع ، ابتلاء من اللّه ، واختبارا لعزائمهم وطاعتهم ، وتبيانا لإيمانهم : هل سيصيدون يوم السبت ويكسرون الناموس ، أم أنهم سيصبرون ؟ فكأنهم انقسموا فريقين إزاء ما ينبغي منهم يوم السبت ، وهذا من اختلافهم حول هذا اليوم :إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ( النحل 124 ) ،
ففريق التزموا بألا يصيدوا في هذا اليوم ؛ وفريق لم يروا بأسا ، فوعظهم أهل الفريق الأول ، فمنهم أناس لم تر وعظهم طالما أن اللّه مهلكهم ، ورأى الواعظون أن عليهم أن يعظوا حتى لو كانوا على يقين من عدم فائدة الوعظ مع الفاسقين عن أمر اللّه ،
وبذلك يكون المختلفون ثلاث فرق وليسوا فرقتين : فرقة عصت وصادت ، وفرقة نهت واعتزلت ، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص . فالذين عصوا ، والذين لم ينهوا ولم يعصوا ، هلكوا مع العاصين ، قال :فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ( 165 ) ( الأعراف ) ،
وهؤلاء هم الفرقتان اللتان ذكرناهما :فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ( 166 ) ( الأعراف ) ،
والعذاب البئيس هو الشديد ، بأن يصبحوا قردة خاسئين ، يعنى مطرودين ، مسخهم قرودا على الحقيقة فاندثروا لأن القردة المسخ لا يتناسلون ، أو صاروا قردة بالمعنى الذي نقصد إليه عندما نسبّ شخصا فنقول : يا حيوان ، يعنى أنهم صاروا لا يفكرون ولا
يحكّمون العقل ، ويتصرفون برعونة ويتابعون غيرهم عسى أن يكون لهم حضور ، ويصنعوا تاريخا لأنفسهم ، ولكن ذلك يرديهم موارد الهلكة أكثر ، فهذا قوله :وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ( 167 ) ( الأعراف ) .
وفي القصتين : قصة التوراة وقصة القرآن نعلم أن العصيان يكون سببا للنقمة ، غير أن قصة القرآن أغنى بالتفاصيل ، وأكثر تحليلا للفرقاء ، وشرحا لأسباب الغضب على أصحاب السبت ، وأكثر ما يميز القصتين هو الحكم الشرعي فيهما ، فقصة التوراة تحلل الاختزان للسبت ، وقصة القرآن لا تحلله ، واليهود من الفرقة الأولى المستحلة للتخزين بمنطوق الشرع في قصة التوراة لا تثريب عليهم ، وبمنطوق الشرع في قصة القرآن أنهم فاسقون ، فكأنما قصة القرآن حكم بالبطلان على الاستحلال في قصة التوراة ، وطبقا لمضمون التحريم في السبت لا يكون التحايل حلالا ، لأنه يلغى حكمة المنع يوم السبت .

واختتمت قصة القرآن بالآية :فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ( 66 ) ( البقرة ) ،
يعنى جعل القصة عظة وعبرة ، وجعل مسخ هذه الأمة اليهودية أصحاب السبت عقوبة لهم بين الأمم وعبر التاريخ ، فما من أمة دخلت مع أمة اليهود في تجربة إلا خرجوا من تجربتهم بانطباع وحيد : أن هؤلاء الناس لا عقول ولا قلوب لهم .

  * * *
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 12:17 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

891 . ذو الكفل في القرآن والتوراة

المستشرقون الذين كتبوا في ذي الكفلDhu'l Kiflكثيرون ، منهم : جايجر ، ونيبور ، ولا يارد ، وچول أوبرت ، وأنتساسى ، وجروته ، ونولدكه . . . إلخ ، وكلهم استقوا تقريبا من مصادر واحدة : الطبري ، والزمخشري ، وفخر الدين الرازي ، وابن إياس ، والثعلبي . . . إلخ ، وهؤلاء جميعا تفسيراتهم إسرائيليات خالصة .
ويأتي اسم ذي الكفل مرتين في القرآن في سورتي الأنبياء وص ؛ وتعرض سورة الأنبياء الوقائع تقدّم بها لحقيقة بعثة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فيقول اللّه تعالى :وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( 7 ) ،
وسورة الأنبياء جميعها تجىء ردا على المنكرين لنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وفيها يسلّى اللّه تعالى رسوله ويسرّى عنه أذى المشركين فيقول :وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ( 41 ) ،
ثم يبدأ يعدّد من سبقه من الرسل ، كموسى وهارون اللذين آتاهما الفرقان ؛ وإبراهيم ، ولوط ، وإسحاق ، ويعقوب ، الذين كانوا أئمة ؛ ومن قبل ذلك نوح ؛ ثم داود وسليمان ؛ ثم يأتي قوله تعالى :وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ( 85 ) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ( 86 ) ( الأنبياء ) ، فقرن ذو الكفل في الآية الأولى مع الرسل ، واعتبر في الآية الثانية من الصالحين .

وفي سورة ص يأتي :وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ( 1 ) ، أي الذي يذكر الرسل قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وفي ذكرهم عبرة لمن يعتبر ،
ومن هؤلاء : نوح ، ولوط ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ،
ثم يأتي :وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ ( 48 ) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ( 49 ).
وفي السورتين يظل أمر ذي الكفل مجهولا ، فلا نعرف عنه إلا أنه:
1 - كان من الصابرين .
2 - ودخل لذلك في رحمة اللّه .
3 - وكان من الصالحين .
4 - فاستحق لذلك أن يكون من الأخيار ، واستحق لتقواه أن يكون له المنقلب الحسن
. ثم لا شئ أكثر من ذلك .

غير أنه قد ورد في الحديث ما يلقى بعض الضوء على حياة ذي الكفل ، ويسهم في بيان معنى الاسم ، فعن ابن عمر ، عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي ، قال : « كان في بني إسرائيل رجل يقال له ذو الكفل ، لا يتورع من ذنب عمله ، فاتبع امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت :من هذا العمل ! واللّه ما عملته قط ! قال : أأكرهتك ؟ قالت : لا ، ولكن حملتني عليه الحاجة .
قال :
اذهبي فهو لك ! واللّه لا أعصى اللّه بعدها أبدا ! ثم مات من ليلته ، فوجدوا مكتوبا على باب داره :إن اللّه قد غفر لذي الكفل » .
وفي هذا الحديث لا ذكر البتة لسبب التسمية بذى الكفل .

فأمّا أن تكون كل فضيلته أن يستعصم عندما تذكّره المرأة بعفتها وحاجتها ، فيتوب ويموت ليومه ، فهذا ليس سببا أن يأتي اسمه فيتلى قرآنا ، فكم من الصادقين فعلوا مثله وأكثر منه ولم يأت اسمهم في القرآن !
وكم من الصوفية المسلمين بهذا المقياس السابق يتفوقون عليه فضلا وأدبا وتقوى ، فهل نوليهم ما نولى ذا الكفل من الاحترام والقدسية والتبجيل ؟ ثم إنه من السياق يبدو أنه كان فاسقا طوال حياته إلا هذا اليوم فقط الذي التقى فيه المرأة ، فهل يدرجه ذلك اليوم في القرآن حتى ليوصف بأنه من الأخيار والصابرين والصالحين المتقين ؟

وإنا لنستبعد لذلك أن يكون هذا الكلام غير الجامع حديثا ، ولم يعرف عن منهج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن منه تفسير القرآن بالقصص . والأقرب إلى العقل أن الحديث من الإسرائيليات التي راجت بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وسلم .
وفي رواية أخرى للحديث السابق يأتي أيضا فيما يقال أنه عن ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : « كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة أعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت ، فقال : ما يبكيك ؟ أأكرهتك ؟ قالت : لا ، ولكنه عمل ما عملته قط ، وما حملني عليه إلا الحاجة .
فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته ! اذهبي فهي لك ! وقال : واللّه لا أعصى اللّه بعدها أبدا ! فمات من ليلته ، فأصبح مكتوبا على بابه : إن اللّه قد غفر لذي الكفل » . وهذا الحديث لا يختلف عن السابق إلا بزيادة : « فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته ! » .
ويختلف أيضا في عبارة « فاتبع امرأة » في الحديث الأول ، فجعلها « فأتته امرأة » في الحديث الثاني ، فكانت الغواية من الرجل في الحديث الأول ، ومن المرأة في الحديث الثاني !

وكانت هناك محاولات لتفسير الاسم قام بها الكثير من المفسرين العرب ، فقيل : إن النبىّ اليسع لمّا كبر قال : لو استخلفت رجلا على الناس حتى أنظر كيف يعمل ، واشترط على من يخلفه أن يتكفّل له بثلاث : بصيام النهار ، وقيام الليل ، وألّا يغضب وهو يقضى ، فعرض عليه رجل تقىّ نفسه مرتين ، فعندئذ استخلفه ، فوفىّ الرجل ، فسمّى لهذا ذا الكفل ، لأنه تكفّل بما طلب منه نبىّ اللّه .
وفيما قالوا في الحديث عن أبي موسى الأشعري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : « إن ذا الكفل لم يكن نبيا ، ولكنه كان عبدا صالحا ، فتكفّل بعمل رجل صالح عند موته ، وكان يصلى للّه كل يوم مائة صلاة ، فأحسن اللّه الثناء عليه » . فهل صلاته المائة تجعله رسولا وتدرجه ضمن قائمة الرسل ؟
وأخيرا يأتي حديث كعب الأحبار ، وهو اليهودي العتيد صاحب الإسرائيليات في التفسير ، والغالب أن كل هذه الأحاديث السابقة كان هو مصدرها بالإضافة إلى هذا الحديث ، قال : كان في بني إسرائيل ملك كافر ، فمر ببلاده رجل صالح ، فقال : واللّه لا أخرج من هذه البلاد حتى أعرض على هذا الملك الإسلام . فعرض عليه فقال : ما جزائي ؟
قال : الجنة - ووصفها له . قال : من يتكفل لي بذلك ؟ قال : أنا . فأسلم الملك وتخلى عن المملكة ، وأقبل على طاعة ربّه حتى مات ، فدفن فأصبحوا فوجدوا يده خارجة من القبر وفيها رقعة خضراء مكتوب فيها بنور أبيض : إن اللّه قد غفر لي وأدخلني الجنة ووفى عن كفالة فلان .
فأسرع الناس إلى ذلك الرجل بأن يأخذ عليهم الإيمان ، ويتكفّل لهم بما تكفّل به للملك ، ففعل ذلك فآمنوا كلهم ، فسمّى ذا الكفل !
وكأن ذا الكفل بهذا التفسير من قساوسة العصور الوسطى الذين يمنحون صكوك الغفران ، ثم إنه لا جنة إلا بعد الحساب يوم القيامة ، فكيف يدخل الملك الجنة دون قيامة ؟ ثم أيدخل الناس الجنة بكفالة آخرين أم بأعمالهم ؟

ولنحاول بدورنا أن نفسر معنى ذي الكفل بتحصيل السياقين اللذين ورد فيهما الاسم ، ونلاحظ أنه أدرج في الآية الأولى في سورة الأنبياء مع إسماعيل وإدريس ، وفي الآية الثانية في سورة ص مع إسماعيل واليسع ، وفي الآية الأولى هم ثلاثة ، وفي الثانية هم ثلاثة ، بتغيير اسم إدريس إلى اليسع ، وذلك ما جعل بعض المفسرين يظنون أن إدريس هو اليسع !
ونلاحظ أنه في الآيتين فإن ذا الكفل كان من الأخيار ، المتقين ، الصالحين ، الصابرين ، الذين دخلوا في رحمة ربّهم . والكفل في اللغة لها معان كثيرة ولا يصلح منها لتفسير ذي الكفل إلا أن يكون الكفل بمعنى الكفالة ، فهو صاحب كفالة ، وصاحب الكفالة الوحيد في القرآن هو النبىّ زكريا ، فلما اقترعوا على مريم بأقلامهم ، قرعهم النبىّ زكريا ، فكفلها دونهم ، فقال لذلك بعض المفسرين إن ذا الكفل المقصود به زكريا .

وارتأى المستشرق جايجر في قصة النبىّ عوبدياObdiahفي التوراة شبها لما عدّده القرآن من صفات لذي الكفل وتنطبق على عوبديا دون غيره . وكان ذو الكفل إسرائيليا ، وعوبديا كان كذلك ،
ويأتي عنه في سفر الملوك الثالث : أنه كان قيّم البيت ، وكان شديد التقوى ، وأنه تكفّل بحماية أنبياء بني إسرائيل ، فأخذ مائة منهم وأخفاهم ، كل خمسين في مغارة ، وعالهم بالخبز والماء ، وصبر على ظلم الطاغية أخاب ، والتقى بالنبىّ إلياس الذي كلّفه أن يلاقيه بأخاب ، وخشي عوبديا أن يقتله أخاب إن عرف أنه يعرف إلياس والتقاه ، وخشي كذلك أن يظن به إلياس أنه يخشى أخاب أكثر من خشيته للّه ، فذكّره بأنه منذ صباه كان لا يعرف إلا تقوى اللّه ، فقال له إلياس إذن فاللّه معك . ولقد كان ، وأبلغ عوبديا الرسالة لأخاب .
وتكفل عوبديا بأمر الأنبياء المختفين من ظلم الملك ، وتكفّله بإبلاغ الملك رسالة إلياس ، هما سبب إطلاق اسم ذي الكفل عليه . على أن جايجر رأى سببا آخر في اللغة مردّها أسلوب العيش عند الإسرائيليين ، فالكفل الذي ينسب إليه ذو الكفل كان عندهم الرداء الذي يضعونه على الجسم كالعباءة ، ويتألف من رقيقتين من القماش السميك ، ومن ذلك ما يأتي في سفر الملوك عن رداء النبىّ إلياس الذي ضرب به نهر الأردن فانفلق ، فلما رفع إلياس إلى السماء أعطاه للنبىّ اليسع .

وعوبديا بهذا التفسير كان يتميز بكفله الذي لا يخلعه عن نفسه ، وربما لهذا كان اسمه ذا الكفل . وكان فعلا من الأخيار والصالحين ومن الرسل ، بدليل نبوّته التي تعدّ النبوّة الرابعة من نبوات الأنبياء الصغار ، وله صفحة واحدة من إحدى وثلاثين عبارة ، تؤلف سفرا يعتدّ به ضمن أسفار العهد القديم ، ويعتبر السفر الحادي والثلاثين ، ويتضمن بشارة ونذارة ، فأما البشارة فهي للمؤمنين باللّه بأن اللّه سينصرهم عمّا قريب ، وأما النذارة فهي أن الساعة قريبة وأن الجميع ملاقوا الموت ، وأنه أمر محتوم ، وعندئذ يلاقى المجرمون ما يستحقون ، ويكون الملك للربّ .
فذلك إذن ما كان من اجتهاد البعض فيما كان من حياة ذي الكفل ، ومن تقواه ، وما كان من تفسيرات تحدث بها البعض في حقيقة اسمه ، وقد يكون بعضها صحيحا وبعضها كاذبا ، فرجحنا ما يستحق الترجيح وأنكرنا ما يستأهل الإنكار عليه . واللّه المستعان .

  * * *

892 . يونس ، ذو النون ، صاحب الحوت : في التوراة وفي القرآن

يقول القرآن في يونسJonahضمن سلسلة الأنبياء :إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً( 163 ) ( النساء ) ،
وقوله :إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍمتصل بقوله تعالى :يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ( النساء 153 ) ، والخطاب للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم فأعلم أن أمره صلى اللّه عليه وسلم كأمر من تقدم من الرسل .
والآية - كما قال ابن عباس : نزلت في قوم من اليهود ، منهم سكين وعدىّ بن زيد ، قالوا للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : ما أوحى اللّه إلى أحد من بعد موسى ! فكذّبهم اللّه .
والوحي :
هو الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام يكون خفيا ويلقى إلى الغير ، وهو إعلام في خفاء ، يقال وحى وحيا ، وأوحى إيحاء ، وقدّم اللّه نوحا لأنه أول نبىّ شرعت على لسانه الشرائع ، وقيل كان أول نبي إدريس الذي هو أخنوخ في التوراة ؛ ثم كان نوح وسام ابنه ؛ ثم لوط وإبراهيم عمّه ؛ ثم أولاد إبراهيم : إسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب الذي هو إسرائيل ؛ ثم هود ؛ ثم صالح ؛ ثم موسى وهارون ، ثم أيوب ؛ ثم الخضر ؛ ثم داود ؛ ثم سليمان ثم يونس ؛ ثم إلياس ، ثم اليسع ، وذو الكفل الذي هو عوبديا .
وكل نبىّ ذكر في القرآن من ولد إبراهيم ، غير إدريس ، ونوح ، ولوط ، وهود ، وصالح .

وفي القرآن عن إبراهيم :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 84 ) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 85 ) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ( 86 ) ( الأنعام ) ،
فكل هؤلاء من ذرية إبراهيم إلا نوحا ولوطا ، فنوح قبله ، ولوط ابن أخيه ، وإن كان ابن الأخ يعتبر من الذرية ، وكذلك عيسى ، فرغم أن الولادة لم تلحقه من جهة الأب ، لأنه ابن بنت ، فإن شأنه كشأن أولاد فاطمة بنت الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فهم ذريته ، ولهذا يدخل أولاد البنت في اسم الولد ما تناسلوا . فكذلك يونس كان من ذرية إبراهيم ، ويقرأ بضم النون ، ويقرأه البعض بكسر النون مثل يوسف ، من آنس وآسف ، وجمعهما يآنس ويآسف ، أو بفتح النون مثل قولنا يوسف . وكان يونس من أنبياء بني إسرائيل ،
ولم يكن من العرب أنبياء إلا خمسة ، هم : هود ، وصالح ، وإسماعيل ، وشعيب ، ومحمد ، وإنما سمّوا عربا لأنه لم يتكلم العربية غيرهم ، وأما قريش أو مكة وما حولها ، فكان أول نبىّ إليها هو محمد صلى اللّه عليه وسلم .
واسم يونس تصحيف عربى للاسم السرياني « يونان » ، أو يوناثان ، وهو في العبرية يونه ، ومعناه « حمامة » ، وأبوه أمتاى أو متّى ، وكان من سبط زبولون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وكان يسكن جتّ حافر بالقرب من الناصرة ، وهو غالبا المذكور في سفر الملوك الرابع الذي ردّ تخوم إسرائيل من مدخل حماه إلى بحر الغور ( 14 / 25 ) .
وأنبياء إسرائيل ليسوا كما نعتقد نحن المسلمين في النبوّة ، وفي الغالب الأعم هم أبطال يشاد ببطولاتهم ، ووطنيون يقصرون دعوتهم على أبناء جنسهم ، ولم يكن يونس استثناء ، فكان خروجه ضد الآراميين الذين هم السوريون ، ونبوءته - كنبىّ إسرائيلي - كنبوءتي هوشع وعاموس ، وتسلك ضمن الوطنيات ، وأمثال هؤلاء الأنبياء كان ينسج الشعب حولهم القصص من النوع الشعبي الفولكلورى الذي يعجب العامة .
وسفر يونس أو يونان الذي يقص عن هذا النبىّ من هذا النوع ، واليهود أنفسهم لا يعتبرونه من التاريخ ، ويقرءونه للتسرية كقصص الهلالي وأدهم والشرقاوي عندنا .
وأهل البحث يقولون إن هذا السفر كتب في القرن الرابع أو الخامس قبل المسيح ، والبعض يعتبرونه من التاريخ ، وعدّه كذلك المسيح ، واقتبس منه وأحال إليه .
وما يجعل البعض يعدونه كالقصص والتمثيليات ما فيه عن الحوت وأخباره غير المعقولة مع يونس .

ومن الغريب أن مستشرقين من أمثال جايجر ، ونولدكه ، وهوروفتس ، وسباير ، ينسبون إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أنه في كتابته للقرآن استهواه في قصة يونس أخباره مع الحوت ، فالعقلية العربية بسيطة سواء في التأليف أو في التلقي ويستهويها مثل ذلك ، وينسب هؤلاء إلى هذا التفسير إعجاب قرّاء القرآن بالقصة ، وترديدهم لها كمعجزة فيها العظة والعبرة ، مع أن هذه القصة لو كانت مجرد قصة ، فمبدعها ، والذين حافظوا عليها من البلى والنسيان ، هم اليهود ، فكان الأولى أن تنسب السذاجة إليهم !
ويطلق على يونس اسم « ذو النون » ، والنون بالعبرية هو الحوت ؛ ويأتي عنه في القرآن قوله تعالى :وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( 87 ) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ( 88 ) ( الأنبياء ) .
ونولدكه يرى أن هذا الدعاء هو الذي أشهر قصة يونس بين المسلمين ، وهو دعاء غير موجود في القصة التوراتية وينفرد به القرآن ، والذي دفع إلى شهرة هذا الدعاء الحديث النبوي : « دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت - لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين !
فإنه لم يدع بها مسلم ربّه في شئ إلا استجاب له » ، والحديث الآخر : « من دعا بدعاء يونس استجيب له » ،
والحديث : « اسم اللّه الذي إذا دعى به أجاب ، وإذا سئل به أعطى :
دعوة يونس بن متى » .
وسألوه : هي الدعوة ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال : « هي ليونس بن متى خاصة ، ولجماعة المؤمنين عامة إذا دعوا بها .
ألم تسمع قوله عز وجل :فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( 87 ) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ( 88 ) ( الأنبياء ) ، فهو شرط من اللّه لمن دعاه به » أخرجه بن جرير ورواه ابن أبي حاتم .

والقصة التوراتية عن يونس فيها : أن اللّه أمره بالذهاب إلى نينوى عاصمة آشور ، لتثبيت قلوب اليهود المنفيين بها ، وليعلن لهم خراب نينوى ، فقيل إنه تملّص من هذا التكليف ، وبدلا من التوجه إلى نينوى شرقا توجه إلى ترشيش غربا ، وركب مركبا مشحونا ، أي مزدحما ، متوجها إلى هناك ، وفي البحر حدثت نوّة عظيمة ، واعتبر النوتية السبب فيها وجود عاص للّه بين الركاب ، ولم يكن ذلك الراكب إلا يونس ، رأوا أن يتخلصوا منه بإلقائه في البحر ، فابتلعه حوت كبير وقذفه من بعد ثلاثة أيام على شاطئ بالقرب من نينوى ، وخرج يونس لا يصدق فصلى كما في المزامير ، وأوى إلى ظل يقطينة تحفظه من حرارة الشمس وتغذيه أوراقها وثمارها ، ولكنها بعد لأي بدأت تذبل ،
فأصابه الحزن فاستدرك : أيمكن أن يحزن على يقطينة ولا يحزن أن يفارق من كان يدعوهم بدعوة اللّه وكانوا كثرا لا شك في ذلك ؟
ولاحظ الباحثون أن سفر يونس - على عكس كل أسفار التوراة ، فيه الكثير من عبارات المحبة للناس من غير اليهود ، وتحفل أسفار التوراة بالتطرف والعنف والعداء الشديد للشعوب ، وهذا المقت الذي تتميز به لم يظهر جليا في الكتابات اليهودية إلا بعد السبي .
وفي سفر يونس يسأل يونس للناس جميعا الرحمة والمغفرة لمّا تعلّم أن لا يسارع بإدانتهم واتهامهم بالكفر ، والروح المتبديّة في السفر لذلك تختلف عن الروح العامة في سائر أسفار التوراة ، الذي يثبت أن السفر كان كاتبه تحت وطأة تأثير أجنبي .
ومن السخف أن يقول نولدكه أن المسلمين قلدوا اليهود بقراءة قصة يونس من القرآن يوم عاشوراء - كقراءة اليهود للقصة من التوراة في يوم الكفّارة ، ويبدو أنه فهم ذلك من قول علىّ بن أبي طالب : إن اللّه تعالى قد غفر لأهل نينوى ما فعلوه يوم الكفارة الذي هو يوم عاشوراء ، فتصور أنه في يوم عاشوراء عند المسلمين يفعلون نفس الشيء ويقرءون سورة يونس .

ويزعم نولدكه أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم ألّف سورة يونس تقليدا لسفر يونس !
ولم يكن المسلمون سذّجا في حبهم لقصة يونس ، فالنصارى كذلك أعجبوا بها ، واعتبروا تضحية يونس إرهاصا بالفداء الذي سيعلنه المسيح من بعد ، وقالوا لو كان اليهود تنبهوا لما في القصة من العالمية بمناسبة الحب المتبدّى فيها لكل الأمم ، لبشّروا بدينهم العالم كله ، ولاعتنقه كل البشر ، وذلك ما لم يحدث طبعا ، وإنما الذي فعل ذلك المسلمون ،
فقد ورد في القرآن في القصة : أن اللّه ينجّى من العذاب كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم ، إذا كانوا من المؤمنين ، كقوله :وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ( 88 ) ( الأنبياء ) ،
ولم يكن هذا التوجه العالمي في الإسلام مقصورا على قصة يونس ، ولكنه توجه عام وشامل لكل ما يدعو إليه الإسلام ، والإسلام أصلا ديانة عالمية وليس كاليهودية ، وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مكلفا بأن يبلّغ الدعوة للناس كافة ، الأحمر منهم والأصفر والأسود والأبيض ، فلو آمنوا بصرف النظر عن أجناسهم لاستحقوا المغفرة حقا وارتفع عنهم العذاب .

ويذهب علماء الأديان المقارنة من أمثال هوروفتس إلى أن قصة يونس تشبهها قصة ميتافنداكا في الأدب الديني البوذي ، وكان ميتافنداكا هذا مسافرا ذات مرة في مركب ، فوقفت بركابها في اليوم السابع وسط البحر لا تتحرك ، فضرب البحارة القرعة ، فوقعت سبع مرات متوالية على ميتافنداكا ، فألقوا به في البحر ، وألقوا معه بعود من الخشب ليتعلق به أو يمتطيه طافيا إلى أي شاطئ ، وواضح أن الجزء الأول من القصة البوذية يشبه قصة يونس التوراتية ، ولكنه يخلو من أهم أجزائها وهو قصة يونس مع الحوت .
وبالمقارنة بين القصة البوذية والقصة التوراتية والقصة القرآنية يقر نولدكه بعظمة قصة القرآن رغم كل شئ ، فإن أردت أن تستمتع بالقصة كأدب فاقرأها في القرآن حيث الأسلوب البليغ والكلام الرائع .
وفي رأينا أن جمال قصة القرآن أنها مجملة في تفاصيلها ، والعناية فيها تتوجه إلى الموعظة والدرس المستفاد . وانظر إلى قوله تعالى :وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 139 ) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( 140 ) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ( 141 ) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ( 142 ) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ( 143 ) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 144 ) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ( 145 ) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ( 146 ) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ( 147 ) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ( 148 ) ( الصافات ) .
والقصة هنا فيها القرعة كالقصة البوذية وليس كقصة التوراة ؛ ثم إن التكليف في قصة التوراة لا نعرف مصدره ، وفي قصة القرآن مصدره اللّه ؛ وفي قصة التوراة نعرف أنه كان هناك خمسة أنبياء في إسرائيل بخلاف يونس ، وربما هذا ما جعل يونس يتساءل لما ذا اختير هو  لمهمة الإبلاغ لهؤلاء القوم دون غيرهم ، ولعله لهذا هرب ، وبالتعبير القرآني الجميل « ذهب مغاضبا » ، واستخدام صفة الغضب لوصف حالته تلقى الضوء على شخصية يونس ، ومن ملابسات القصة أنه كان ضيق الصدر ، فلما حمل أعباء النبوّة تفسّخ تحت حملها الثقيل ، فمضى على وجهه كالآبق . ومعنى أبق أي هرب .

فهل كان خروجه المغضب هذا قبل أن يبلّغ أهل نينوى رسالة ربّه ، أم كان بعد أن بلّغها لهم فوجد منهم الصدّ ، فوعدهم العذاب بعد أربعين يوما ثم رحل عنهم ؟ أم أنه انتظر فلما رأى العذاب قد رفع ولم يعلم أن اللّه قد تاب عليهم ، ذهب مغضبا فكان ما كان من أمر الحوت معه ؟ 
أم أن قصته مع الحوت كانت قبل الإبلاغ ، فلربما جاءه التكليف وكان عليه أن يرحل فورا دون أن يعدّ نفسه ، فكان ضيق الصدر ، فخرج مغاضبا من أجل ربّه ، ساخطا على أهل نينوى أنهم كانوا سبب كل هذه المشقة والكلفة ؟ وفي جميع الأحوال فليس خلق يونس من خلق الأنبياء ، ولذا قال اللّه تعالى لنبيّه محمد صلى اللّه عليه وسلم :وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ( 48 ) ( القلم )و « صاحب الحوت » اسم آخر ليونس يشتهر به.
« ومكظوم » يعنى مكروب أو مغموم ، ولذا قال « ونجيناه من الغمّ » .
والمقارنة بين النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ويونس في الآية السابقة هي التي جعلت الرسول صلى اللّه عليه وسلم يأمر أصحابه فيقول :
« لا ينبغي لأحد أن يقول أنا - يعنى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم - خير من يونس بن متى » أخرجه الشيخان .
والغم والكظم صارا من المصطلحات الوجودية وليس لهما ضريب في قصة التوراة ، الأمر الذي يجزم إمّا بسبق القرآن إلى أمثال هذه الحالات الوجودية ، وإما أن الفلاسفة الوجوديين وأخصهم كير كجارد وبسكال قد قرءا ترجمة القرآن ، وهما فعلا قرءاه ، وخاصة بسكال ، وتأثّرا بأمثال هذه المصطلحات في النسق القرآني الذي تضمّنها .
وقوله تعالى : « فساهم » يعنى قارع ، من السهام التي تجال ، وقد كان يونس « من المدحضين » أي المغلوبين ، فلما رموه التقمه الحوت ، ولا يلام الحوت ، لأن الملوم هو يونس الذي كان منه ما استحق به هذا الجزاء ، « فلولا أنه كان من المسبّحين » أي الذين يذكرون اللّه ، للبث في بطن الحوت إلى يوم البعث عقوبة له . والاختلاف بين المفسرين على المدة التي أقامها ، فمنهم من زاد على الرواية اليهودية وقال أربعين يوما ، لأن الرقم أربعين عرفناه من قبل مع موسى في الجبل ، ومنهم من قال سبعة أيام ، والعدد ثلاثة أيضا له أسراره ، ومنهم من ذكر أن ذلك تم سريعا تماما مثل حمل مريم ، فتلك أعمال ربّانية وليس للوقت فيها حساب .
وفي فقه إلقاء يونس في البحر لمّا عصى ، ينفرد الإسلام بأنه لا يجوز إلقاء العاصي بعصيانه في البحر ولا في النار كما في قصة إبراهيم ، ولا يجوز قتله ، وإنما تجرى عليه الحدود ويعزّر على مقدار جنايته .
وكذلك لا يجوز ضرب القرعة على من كان في سفينة في البحر بقصد تخفيف وزنها حتى لا تغرق ثقلا ، أو بقصد أي شرّ وتسبيح يونس دليل على أن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر ، والتسبيح باللسان لا بد فيه أن يوافق الجنان ،
وفي الحديث : « من استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل » ، والعمل الصالح المخفىّ هو ذخر ليوم الفاقة والفقر . والتسبيح أنجى يونس ، فنبذ بالعراء - أي الصحراء ، وهو سقيم ، أي كالمنفوس ، وفي الآية الأخرى :لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ( 49 ) ( القلم ) ،
يعنى أنه على الحقيقة لم يكن مذموما ، وكان مرضيا عنه رغم كل شئ ، ولذلك قيل :فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ( 50 ) ( القلم )
أي اختاره ، والاختيار لا يكون إلا للأصفياء ، ولذا أنبت اللّه تعالى اليقطين يظله بها ويطعمه بلحمها ، حتى تقوّى فأرسله إلى أهل نينوى وكانوا مائة ألف أو يزيدون ، والعدد هنا للتقدير وليس للحصر .
وفي العفو عنهم تأتى الحكمة البليغة في القرآن عنهم في قوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ( 96 ) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ( 97 ) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ( 98 ) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( 99 ) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ( 100 ) ( يونس )
وهي آيات من جوامع الكلم ، وفيها المواعظ والعبر والدروس المستفادة ، فما من قوم يغضب اللّه عليهم إلا بمعصيتهم ، وأمثالهم مهما سقت إليهم من الدلائل والبراهين لا جدوى معهم إلا أن يأخذهم اللّه بالشدّة ، إلا قوم يونس ومن على شاكلتهم ، فكاد اللّه يأخذهم بالعذاب ، لولا أن تابوا قبل أن يعاينوه ، فنجّاهم اللّه لمّا آمنوا ، وقبل أن ينزل بهم البلاء .
ونفيد من ذلك أن المعاينة التي لا تنفع معها التوبة هي التي يكون العذاب فيها متلبسا كما في قصة فرعون :حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 90 ) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( 91 ) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ( 92 ) ( يونس ) ،
وكانت لذلك قصة يونس تالية على قصة فرعون ، لأن فرعون « آمن حين رأى العذاب » فلم ينفعه إيمانه ، بينما قوم يونس « تابوا قبل أن ينزل بهم العذاب » ، ونزوله - أي العذاب - مرهون بغضب اللّه ، فكان ذلك دليلا على أن اللّه تعالى لم يكن قد غضب منهم بعد .
وتدحض هذه المواعظ في القصة القرآنية دعوى نولدكه أن القصة التوراتية لم تعجب محمدا إلا للحوت الذي بها والذي يصنع منها « قصة للأطفال »!
وإنما جاءت صياغة القصة القرآنية صياغة تستدعى التدبّر والتفكّر وتدفع إلى الاستنباط ، فكانت قصة عظيمة بكل المقاييس ، وهو ما تفتقده قصة التوراة.
ولعل أبرز ما في قصة القرآن قولها « بالتوبة في وقتها » ، وفي الحديث عن التوبة : « إن اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » ، والغرغرة هي الحشرجة ، وذلك هو حال التلبّس بالموت .
ولقد وصف اللّه تعالى العذاب الذي كشفه عن أهل نينوى بأنه عذاب الخزي ، لأنهم لم يعاينوه ، وإنما وعدهم به يونس . وفي ذلك قال علىّ بن أبي طالب : إن الحذر لا يردّ القدر ، وإن الدعاء ليردّ القدر ،
وذلك أن اللّه تعالى يقول :إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا( يونس 98 ) ،
وتخلص قصة القرآن إلى ما نخلص إليه منطقيا ، وربما غاب عن يونس عندما تسرّع ووعد أهل نينوى العذاب : أن اللّه لا يفرض الإيمان على الناس ، ولو شاء ذلك لآمنوا ، ويتساءل :أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ( 99 ) ( يونس )
والخطاب للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، والسؤال دليل على أن سبيل الإسلام ليس الإكراه على الإيمان ، والمرء في الإسلام حرّ أن يختار أن يؤمن أو يكفر ، وفي ذلك ردّ على دعاوى أن الإسلام قام على القهر ، وبعد الرسول صلى اللّه عليه وسلم يكون الخطاب للدعاة ، فالدعوة إلى الإسلام قوامها أن يختار المدعو في حرية ، مثلما فعل قوم يونس ، فلم يقسرهم اللّه على الإيمان بعذاب أنزله بهم ، وإذا كان يونس قد استنزل العذاب على قومه ، فإن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد عذر قومه ودعا لهم . والإيمان قضية عقل ،
ولذا يقول تعالى عقب هذه الآيات :قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ( الإسراء 101 ) ،
والنظر الذي يأمر به اللّه كسبيل إلى الإيمان من اختصاص العقل ، ولذا قال تعالى :وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ( 100 ) ( يونس ) ،
أي لا يعملون عقولهم وأفهامهم ، ولا يعتبرون ، والرجس هو العذاب .
وفضيلة قوم يونس أنهم اعتبروا بسرعة وفهموا في الوقت المناسب .

فتلك إذن فضائل قصة يونس كما أوردها القرآن ، لا تقارن بها قصة التوراة ، ولا بما استخلصه النصارى منها لإثبات الفداء ، ولهذا كان الإسلام دينا قيّما ، والقرآن كتابا مهيمنا .
  * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 13:25 عدل 5 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 12:26 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

893 . قصة لقمان الحكيم

كلام المستشرقين في لقمان كثير ، ولمّا لم يجدوا اسمه في التوراة - وكل شئ في القرآن يريدون أن ينسبوه إلى التوراة - قالوا تسخيفا لشأنه ، واستهزاء بأمره ، أنه شخصية أسطورية من عصور الجاهلية العربية ، يسمونها إمعانا في تحقيرها - ببربرية العرب ، أو همجيتهم ، أو وثنيتهمpaganism.
والذين تناولوا قصة لقمان اعتبروها من الفولكلور العربي ، وأنكروا أن يكون هناك شخص حقيقي باسم لقمان ، واعتبره المستشرق رينيه باسيه مستعربا من أصول حبشية أو سودانية ، وقال في وصفه عن المصادر العربية : أنه كان أسود ، مشقّق الرجلين ، ذا مشافر ، أي عظيم الشفتين ، ولذا سمّاه لقمان البربرىLoqman Le - Berbere، واعتبر توىToyقصته حكاية شعبية ، وأسطورة أو خرافةLegend، وذهب شوفينChouvinنفس المذهب .
وأما نولدكه ، وكونيبير ، وريندل ، وهاريس ، وأجنيث سميث لويس ، فهؤلاء عقدوا المشابهات بين حكم لقمان وبين الحكم المشهورة في الغرب باسم حكم إيزوب ، وجميع هؤلاء يقصدون إلى شئ واحد : أن محمدا أخذ هذه الحكم عن غيره ، وكأنه صلى اللّه عليه وسلم كان عارفا بكل لغات الدنيا !
فما كانت في زمنه ترجمات ، ولا بد لكي يقرأ في هذه الثقافات أن يقرأها بلغاتها ! وكأنه ملم بها بثقافات أصحابها ، وثقافات السابقين عليهم !
وما كان صلى اللّه عليه وسلم إلا عربيا يرعى الأغنام قال فيه ربّه :وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ( العنكبوت 48 ) ، فسبحان اللّه !
ولو سألت أغلب مثقفي أوكسفورد أو هارفارد : من هو إيزوب هذا وما هي حكمه ؟ لحاروا في الجواب ! وإيزوب الذي يشابه نولدكه قصة لقمان به ، كان إغريقيا من القرن السابع أو السادس قبل الميلاد ، فكيف عرف نبيّنا به ؟ !
ولو تناولت أيا من الموسوعات أو المعاجم الأوروبية أو الأمريكية فستجد ترديداً لهذه الفرية : أن لقمان هو النسخة العربية لإيزوب ، وأن الحكم العربية فيه لتشبه حكم إيزوب ، ولما كانت الروايات الغربية مجمعة على أن إيزوب شخصية متخيّلة ، وليس لها واقع حقيقي ، فإن المستشرقين الذين ابتلينا بهم ، يصرّون على أن لقمان هو الآخر شخصية خرافية ! !
ولا أبرّئ المفسّرين العرب من هذه التخرّصات التي يروّجها المستشرقون ، فأمثال الثعالبي والطبري يستحقون الضرب بالرصاص ، إلا أنهم مع ذلك كانوا مجنيا عليهم ، فمصادرهم إسرائيلية ، وما اشتهر عند علماء العرب باسم الإسرائيليات تحفل بها كتبهما ، ونشرها بين الناس ، فكان لزاما أن نحذر منها ، ومن ذلك ادّعاء وهب بن منبّه - وهو أستاذ في الترويج للإسرائيليات ، أنه قرأ من حكم لقمان أكثر من عشرة آلاف باب ، ولاحظ قوله « عشرة آلاف باب » ولم يقل حكمة ! والباب في العلوم هو مبدأ فصولها ، فلربما يندرج ضمن الباب الواحد المئات من الحكم في الموضوع الواحد ، ومعنى ذلك أن يكون لقمان أحكم من داود وسليمان والأسباط وعيسى مجتمعين !
وقالوا في لقمان أنه كان خيّاطا ، وقيل : بل كان نجّارا ، ومن ذلك قولهم : إن لقمان علّم داود ، وكان يعظه ؛ وقولهم : أنه كان من قضاة إسرائيل من نوع القضاة الولاة ضمن سفر القضاة ؛ وقولهم أن اسمه كان لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح ، أي كان من نسل آزر ، ومن أصول النبىّ إبراهيم ، وقيل : كان اسمه لقمان بن عنقاء بن سرون ، وكان نوبيا من أهل أيلة بفلسطين ؛
وقيل : كان ابن أخت أيوب ، أو ابن خالته ؛ وقيل : إنه عاش ألف سنة ، ولذلك لقّب بالمعمر ، وأدركه داود ، وكان عمله الإفتاء ، فلما بعث داود انقطع عن الإفتاء ، فقيل له ، فقال : ألا اكتفى إذا كفيت !
- يعنى بمجيء داود لم تعد هناك حاجة للناس فيه ، ولذلك قيل إنه النبي « صموئيل » ، وقيل هو النبىّ « جاد » الذي عاصر داود . وتروى عن لقمان في القرآن ثماني آيات ليس فيها ما يمكن أن نستدل به على أن لقمان كان نبيا ، ومع ذلك قال بعض المسلمين أنه أوتى النبوّة ، في قوله تعالى :وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ( لقمان 12 ) ،
فجعلوا الحكمة بمعنى النبوّة ، والصحيح أن النبوّة غير الحكمة ، وفي القرآن :وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ( البقرة 129 ) فهل النبوّة تعلّم ؟ وهل من مهام الأنبياء أن يعلّموا الناس النبوّة ؟ ؛
وفي القرآن :ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ( النحل 125 ) ،
فهل المعنى أن ندعو إليها بالنبوّة ؟ وإذن لا يكون ما آتاه اللّه لقمان إلا الحكمة بمفهوم الدراية بأمور الحياة ، والتعامل مع الناس والمواقف بموضوعية وعقلانية ، وبانفتاح على العالم والحياة ، وبمعرفة علمية وإحساس اجتماعي ونظرة فلسفية ، وكانت حكمة لقمان آراء سديدة تسلك بمن يستهديها المسلك الصائب .
واسم لقمان على وزن فعلان ، فهو عربى ، ولا يوجد الوزن فعلان في العبرية ، وواضح أنه من الحكماء الذين كانت تزخر بهم بلاد العرب ، مثل : هرم بن قطبة بن سنان ، والحارث بن كلدة الثقفي ، وأكثم بن صيفي بن رباح ، وعامر بن الظرب العدواني ، وعبد المطلب بن هاشم .
والحكمة عند العرب فرع المعرفة المقابل للفلسفة عند الإغريق . ومعنى الفلسفة هو حبّ الحكمة ، حيثPhiloتعنى الحب ، وsophosتعنى الحكمة . وكان فيثاغورس الإغريقى أول من سمّى نفسه فيلسوفا أو محبا للحكمة ، وكان الناس قبله يسمون حكماء ، ورفض فيثاغورس أن يسمّى حكيما ، فحسب قوله : أن هذا كثير عليه ، وأنه يفضّل أن يقال أنه « محب للحكمة » على أن يقال أنه « حكيم » .
وإذن فالحكمة كانت إغريقية كما هي عربية ، إلا أن العرب تمسّكوا باسم الحكمة ، بينما تنازل الإغريق عن الاسم ، وآثروا عليه اسم « حبّ الحكمة » أو الفلسفة . والردّ على من يقول إن الفلسفة لم يعرفها العرب قبل عصر الترجمة زمن المأمون ، هو أن فلسفة العرب كانت هي الحكمة - وإن تخلّوا الآن للأسف عن الاسم ، واستعملوا كعادة المحدثين - الاسم الأوروبى : الفلسفة .
وفي القرآن يأتي مصطلح الحكمة :
عشرين مرة ؛ ويأتي مصطلح الحكيم : إحدى وثمانين مرة .
والقرآن أكثر كتب الأديان دعوة إلى الحكمة ، وذلك دليل على أن الإسلام دين ثقافة ومدنية وعلم وحضارة وفكر ، وليس دين جامد ثبت على مقولات انتهت صلاحياتها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة !
وحكمة العرب نظرية وعملية ، لأن الحكمة ضربان : حكمة نظرية : كالتي تبحث في معنى
 الألوهية ، وأوصاف اللّه ، ومعنى النبوّة . . . إلخ ، وكل النظريات الحديثة من نوع الحكمة النظرية ؛ وحكمة عملية : تهتم بالسلوك .
والقرآن به الحكمتان ، والآيات من سورة لقمان التي تطرح فلسفة أو حكمة لقمان ، هي من نوع الحكمة العملية .
ولقمان فيما يعرض من هذه الحكمة لم يكن نبيا ولكنه عبد صالح يتولى تربية ابنه التربية الدينية الدنيوية ، وحكمته نتيجة تفكيره وثمرة خبرته في الحياة ، وحسن يقينه ، وقوة اعتقاده في اللّه ، يقول لابنه واعظا :أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ( 12 ) ( لقمان ) ،
والشكر في حقيقته هو الثناء على المحسن بما أولانا من المعروف ، وترك الشكر للناس هو كفران نعمة الناس ، وترك الشكر للّه هو كفران لنعمة اللّه . والشكر للّه يكون بطاعته على ما أمر ، وألّا يعصى بنعمه .
وحقيقة من يشكر للّه أنه يشكر لنفسه ، يعنى أنه عندما يشكر اللّه فإنه يثنى على نفسه ، ويستزيده تعالى من نعمه ، فإن لم يشكره فإنه لن ينقص اللّه شيئا ، ولكنه ينقص نفسه أشياء ، واللّه مستغن عن الشكر .
والشكر للّه هو باب الحكمة ، وتدخل ضمن هذا الباب المواعظ ، ومواعظ لقمان من أشهر المواعظ ، وبداية أية مواعظ هو الدعوة لتوحيده تعالى ، والنهى عن الشرك به ، وهذه الموعظة هي الملح الذي بدونه لا يحلو الطعام ولا الكلام .
والشرك ظلم ، وهو أكبر الظلم للّه بأن نجعل له ندا ، ولأنفسنا بأن نضلّلها ونفسد فطرتها ، ولمن حولنا ، لأن الشرك باللّه دعوة للآخرين أن يحذو حذونا وأن يقتدوا بنا فيضلوا بضلالنا .
وسبب هذه الآيات عن لقمان ، أن بداية سورة لقمان كانت عن طبقة من المؤمنين هم المحسنون الذين يعملون الصالحات ، كقوله :تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ( 2 ) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ( 3 ) ( لقمان ) .
مقارنة بالظالمين الذين ضلوا عن الإيمان ، مع أن الكون كله يحفل بالآيات الدالة على وجوده تعالى وواحديته . فلما ذكر هؤلاء تطرّق الحديث إلى لقمان الذي كانت هذه الدعوة هي دعوته ، وكان على رأس قائمة هؤلاء المؤمنين المحسنين .
والظالمون الذين عناهم اللّه تعالى بقوله تعالى :بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ( 11 ) ( لقمان ) هم المشركون به ، فكانت عبارة لقمان :إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( 13 ) ( لقمان ) استطرادا لمقولته تعالى عن الظالمين .
ولقمان مهمته الوعظ ، لأنه حكيم ، واختار لذلك أن تأتى عظاته كما لو كانت وصايا لابنه ، وهو نوعgenreمن الكتابات الأدبية ، أو أدب الحكمة ، يتخيل فيه الكاتب أنه يخاطب ابنه ، وينزل بذلك القارئ منه منزلة الابن من أبيه ، والابن الأقرب إلى أبيه ، والأكثر حاجة لمواعظه ووصاياه ونصائحه ، ويختصه الأب بأفضل ما يعرف ، والإيمان باللّه هو أفضل وأحكم المعارف ، ولقمان في هذه القطعة الأدبية اختار أن يوصى ابنه بربّه ، وأن يحذّره من الشرك ، ويعلّمه
 أن يشكر ربّه .
ونحن نشكر اللّه ، لأنه خلقنا ، ونشكر الوالدين لأنهما كانا سببا لخلقه لنا ، وكما أن شكره تعالى واجب ، فشكرهما كذلك واجب بطاعتهما كما نطيع اللّه ، وأن ندعوه لهما ، وهو الذي إليه المصير يوم الحساب ، يحاسبنا عمّا فرّطنا في حقّه وفي حق الوالدين .
والإشادة بالأم على وجه الخصوص ، وبدورها الكبير كأم ،
قال تعالى :وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ( 14 ) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(15) (لقمان)،
فخصّها بأربع درجات من هذه الوصية :
فخصّها أولا بذكر الحمل ،
ثم خصّها ثانيا بذكر الرضاع ،
وخصّها ثالثا بقوله :وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ،
وخصّها رابعا بقوله :أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ،
وأوصى بالأب مرتين في قوله : « والديه » ،
وفي قوله : و « والديك » ، وخصّ الأم مرتين صراحة ، ومرتين ضمنا ، وخصّ الأب مرتين ضمنا فقط.
وهذه الآية هي تفسير للحديث الذي فيه يسأل أحدهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم : من أبرّ ؟ قال : « أمّك ». قال : ثمّ من؟ 
قال : «أمّك».
قال : ثمّ من ؟ قال : « أمّك » . قال : ثمّ من ؟ قال : « أبوك » ( كأنه قال ثم أبوك فرفعها لهذا السبب ) ،
فجعل للأم ثلاثة أرباع المبرّة ، وللأب الربع منها فقط . وأكثر من ذلك ، أنه وصّف عمل الأم أعظم توصيف ، وفصّله تفصيلا ، لغرابته ومعجزته وكرامته ، ولسموق المعاني التي تهدى إليه ويعمل في إطارها : فقد حملته في بطنها ضعفا على ضعف ، ففضلا عن ضعف المرأة فالحمل يضعفها أيما ضعف ، ويثقل عليها طوال تسعة أشهر ، كما تثقل عليها الرضاعة طوال عامين أو نحوهما ، فالأم مسكينة ورعايتها لذلك أوجب وأهم .
ونحن نولد ونهوّد أو ننصّر بحسب أبوينا ، وطالما المرء لم يرشد فلا مسؤولية عليه ، وإنما المسؤولية ابتداء من البلوغ ، فحينئذ علينا أن نسأل أنفسنا عمّن خلقنا ؟ وما هي صفاته ؟
وما هو الدين الذي يذهب إلى نفس ما نستخلص من نتائج، ويتفق مع العقل، وله رسالة اجتماعية وإنسانية ، فضلا عن أن فيه النجاة لصاحبه في الآخرة؟
فإذا عرفنا ذلك فعلينا أن نلزم ما توصلت إليه عقولنا ، وأن نعبد اللّه ولو كانت عبادته فيها العصيان للوالدين ، فالدنيا هي حدود البنوّة للوالدين ، والآخرة بداية العبودية للّه ، وفي العبودية للّه إقرار بالوالدية ، ولكن الوالدية قد تكون مضلّلة للعبودية .
والصحبة في الدنيا للوالدين بالمعروف ، وأما للآخرة فالصحبة لمن يدعو إلى اللّه ، وإزاءه تعالى فلا طريق إلا أن نرجع إليه وننيب .
ويروى أن الآية :وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( لقمان 15 )
نزلت في سعد بن مالك بن أبي وقّاص أحد العشرة المبشّرين بالجنة ، فلما كان برّا بأمه ، وكانت أمه على
 الشرك ، وأسلم هو ، هددته إن لم يترك دينه فلن تأكل حتى تموت فيعيّره الناس بأنه قاتل أمه ، ومكثت لا تأكل يوما وليلة ، فأصبحت وقد أجهدت ، ثم مكثت يوما آخر وليلة لم تأكل ، فجهدت أكثر ، ثم أنها مكثت يوما وليلة لم تأكل حتى اشتد جهدها ، فقال لها : يا امّه !
تعلمين واللّه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت ديني هذا لشئ ! فإن شئت فكلى ؟ وإن شئت لا تأكلي - » ، فأكلت !
وفي الآيات السابقة أن الآخرة فيها الحساب على الكبيرة والصغيرة ، والصغيرة يعرفها اللّه مهما تناهت في الصغر وبدا أنها قد تخفى ، فاللّه لطيف لا تخفى عليه خافية ، وهو الخبير بدبيب النملة في الليل البهيم .
ثم أوصى لقمان ابنه : بالصلاة ، فلا شكر للّه بلا صلاة ، وإقامة الصلاة تكون بفروضها وحدودها وأوقاتها ؛ وأوصاه : أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في حدود طاقته وجهده ، وقد يناله من ذلك الضرر فعليه أن يصبر ، والصبر هو ما يمكن أن يواجه به المؤمن مصائب الدنيا ؛
وأوصاه بأن : لا يصعّر خدّه للناس ، أي لا يشيح بوجهه كبرا عليهم ، واحتقارا لهم ، ومثل ذلك الإعراض عن الناس ، وترك الكلام معهم ؛
أوصاه : أن لا يختال بنفسه ويمشى مشية المتكبّر المتفاخر ، والمتباهى المتعاظم والفرح بنفسه زهوا ؛
وأوصاه : أن يقصد في مشيه ، أي يتوسط فيه بين الإسراع والبطء ، وهكذا في كل شئ ، فالقصد هو التوسط ، وقيل الفضيلة وسط بين نقيضين ، فالكرم فضيلة ، وهو وسط بين الشّح وبين السفه والإسراف ، والتوسط مطلوب في الصوت ، ويوصى لقمان ابنه في ختام وصاياه بالغضّ من صوته ويضرب المثل بصوت الحمار الجهير ، فإنه أنكر الأصوات ، وهذه الآية أدب من اللّه بترك الصياح جملة حتى في الملاحاة ، والناس تجهر بالصياح لدافع نفسي وإحساس داخلي بالضعف ، ومدافعة للخصم ، على اعتبار أن صاحب الصوت الأشد هو الأعزّ ، وصاحب الصوت الخفيض هو الأذلّ .
وهذه المواعظ الثماني عشرة ، هي كل مواعظ لقمان في القرآن ، وهي نموذج من وصاياه من أفضلها وأحسنها ، وله مواعظ أخرى كثيرة أوردتها الكتب الإسلامية ، فلمّا كان يافعا ظهرت عليه مخايل الحكمة مبكرة ، وكان يعمل بالأجر عند أناس ، فأمره مولاه أن يذبح شاة فذبحها ، فأمره أن يخرج أطيب مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب ، ثم مكث مدة وأمره أن يذبح شاة أخرى ويحضر أخبث مضغتين فيها ، فأحضر اللسان والقلب ، فقال له مولاه : كيف ذلك : اللسان والقلب مرة هما أطيب مضغتين ، ومرة هما أخبث مضغتين ؟ !
فقال لقمان : « إنهما ليس أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا » !
ومن وصاياه الأخرى لابنه : يا بنى ، إنك منذ سقطت إلى الدنيا
 استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد.
يا بنى ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها تكون عيالا على الناس ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة .
يا بنى ، إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل زادك فيها تقوى اللّه ، فإن نجوت فبرحمة اللّه ، وإن هلكت فبذنوبك .
يا بنى ، إن تأدّبت صغيرا انتفعت كبيرا . يا بنى ، ماسح عدوّك ( أي صادقه ) ولا تزاوله بالمجانية فيه ، فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك .
يا بنى ، إني حملت الجندل والحديد ، وكل حمل ثقيل ، فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، وذقت المرارات كلها فلم أذق شيئا أمرّ من الفقر .
يا بنى ، اتخذ ألف صديق ، وألف قليل ، ولا تأخذ عدوا واحدا ، والواحد كثير .
يا بنى ، لا تتخذ الجاهل رسولا ، فإن لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك ، فكن أنت رسول نفسك .
يا بنى ، لأن يضرّ بك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل بدهن طيب . يا بنى ، لا تفشينّ سرّك إلى امرأتك .
يا بنى ، تعلمت سبعة آلاف حكمة فاحفظ منها أربعا ، وسر معي إلى الجنة : أحكم سفينتك فإنّ بحرك عميق ، وخفّف حملك فإن العقبة كئود ، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد ، واخلص العمل فإن الناقد بصير » .
ولمّا عابوا على لقمان قبح وجهه ، قال لهم : تعيبون على النقش أو على فاعل النقش ؟ !

  * * *

894 . لقمان : العبد الصالح

في الحديث : « ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح :إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( 13 ) ( لقمان ) » ؟ >
- فالذي قال ذلك لابنه هو لقمان ، وهو بذلك العبد الصالح الذي نوّه به الرسول صلى اللّه عليه وسلم .
والصالحون صنف من أصناف المؤمنين ، أعلاهم النبيون ، ثم الصدّيقون ، ثم الشهداء ، ثم الصالحون .
يقول تعالى :فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ( النساء 69 ) ، ومن الصالحين كان زكريا ويحيى وإلياس ( الأنعام 85 ) ، وإسحاق ويعقوب (الأنبياء 72) ، ونوح ولوط (التحريم 10) ، ويحيى (آل عمران 39) ، وعيسى (آل عمران 46).

  * * *
   قصة البقرة

895 . هل تتشابه القصة في القرآن وفي التوراة

يردد المستشرقون كثيرا حكاية أخذ القرآن من التوراة ، وأن قصص القرآن جميعها من التوراة ، وأنه لولا التوراة ما كان القرآن ، ومن مثل ذلك « قصة البقرة » . وترد في القرآن هكذا :وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ( 67 ) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ( 68 ) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ( 69 ) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ( 70 ) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ( 71 ) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( 72 ) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 73 ) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( 74 ) (البقرة).
وفي التوراة الأمر بخلاف ذلك تماما ، هكذا : « إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك لتملكها ، مطروحا في الصحراء ، لا يعرف من قتله ، فليخرج شيوخك وقضاتك ويمسحوا منه إلى المدن التي حول القتيل ، فأية مدينة كانت أقرب إليه يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها ولم تجرّ بالنير ، ويهبط بها شيوخ تلك المدينة واديا وعرا لم يفلح ولم يرع ، ويكسرون عنقها في الوادي ، ثم يتقدم الكهنة بنو لاوى ، لأن الربّ إلهك إياهم اختار ليخدموه ويباركوا باسم الربّ ، وبكلامهم تفصل كل خصومة وكل ضربة .

ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبة من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي ، ويجيبون قائلين : أيدينا لم تسفك هذا الدم وعيوننا لم تر . اللهم اغفر لشعبك إسرائيل الذي فديته يا ربّ ، ولا تجعل الدم البرىء فيما بين شعبك إسرائيل ، فيكفّر عنهم الدم ، فتزيل الدم البرىء من بينكم إذ صنعت القويم في عينىّ الربّ » ( تثنية الاشتراع 21 / 1 - 10 ) .
ففي التوراة لا توجد قصة وإنما تشريع ، والبقرة أو العجلة التي تذبح إنما هي كفّارة ، وعلى دمها يحلف القوم أنهم بريئون من دم القتيل .
وفي ذلك نفسه يأتي في سفر العدد : ذبح بقرة لها مواصفات معينة كذبيحة خطاء ، يقول : « وكلّم الربّ موسى وهارون قائلا : « هذا رسم الشريعة التي أمر الربّ بها قائلا : كلّم بني إسرائيل أن يأتوك ببقرة صهباء صحيحة لا عيب فيها ، ولم يرفع عليها نير ، فتدفعونها إلى العازار الكاهن فيخرجها إلى خارج المحلة وتذبح أمامه ، فيأخذ من دمها بإصبعه وينضح إلى قبل خباء المحضر من دمها سبع مرات ، وتحرق البقرة أمام عينيه ، جلدها مع لحمها ودمها وفرثها ، فيأخذ الكاهن عود أرز وزوفى وصبغ قرمز ، ويلقى ذلك في وسط حريق البقرة ، ثم يغسل الكاهن ثيابه ، ويرحض بدنه بالماء ، وبعد ذلك يدخل المحلة ويكون الكاهن نجسا إلى المغيب .
والذي يحرقها يغسل ثيابه بالماء ، ويرحض بدنه بالماء ، ويكون نجسا إلى المغيب .
ويجمع رجل طاهر رماد البقرة ، ويضعه خارج المحلة في موضع طاهر ، ويكون محفوظا لجماعة بني إسرائيل لأجل ماء النضح : إنها ذبيحة خطاء.
هذه هي الشريعة : أي إنسان مات في خيمة فكل من دخلها ، وكل ما فيها يكون نجسا سبعة أيام . وكل إناء مفتوح ليس عليه ضمام مشدود فهو نجس.
وكل من لمس على وجه الصحراء قتيل سيف ، أو ميتا ، أو عظم إنسان ، أو قبرا ، يكون نجسا سبعة أيام ، فيؤخذ للنجس من رماد حريق ذبيحة الخطاء في إناء ويصبّ عليه ماء معين ، ويأخذ رجل طاهر زوفى ويغمسها في الماء ، وينضح على الخيمة ، وعلى جميع الأمتعة والنفوس التي كانت فيها ، وعلى من لمس العظم ، أو القتيل ، أو الميت ، أو القبر .
ينضح الطاهر على النجس في اليوم الثالث والسابع ، ويطهّره في اليوم السابع فيغسل ثيابه ويرتحض بالماء فيطهر عند المغيب . وأي رجل تنجّس ولم يتطهر تقطع تلك النفس من بين الجماعة لأنه نجّس مقدس الربّ ولم يرشّ عليه ماء النضح فهو نجس » ( العدد 19 / 1 - 21 ) .
والنصّ - كما ترى - عام ، وهو تشريع للتطهّر من الموت سواء كان قتلا أو موتا عاديا ، فالميت ، وعظم الميت ، وقبره ، كل ذلك نجس ينبغي التطهّر منه . والبقرة التي تذبح شرطها أنها أولا : صهباء أي يميل لونها إلى الحمرة أو الشقرة ؛ وهي ثانيا : صحيحة لا عيب فيها ؛ وهي ثالثا : لم يرفع عليها نير أي لم يشدّ عليها خشب على رقبتها بين القرنين ليوصل به المحراث أو خلافه .
وفي قصة القرآن وصفها بأنها أولا : « لا فارض ولا بكر » ، أي لا كبيرة هرمه ، ولا صغيرة لم يلحقها الفحل ، وزاد في الوصف فقال « عوان بين ذلك » أي نصف بين الكبيرة والصغيرة ؛ وهي ثانيا : « فاقع لونها » ، أي شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض ؛ وهي ثالثا : « تسرّ الناظرين » أي تعجبهم ؛ ثم هي رابعا :بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ( 71 ) ( البقرة ) ،
أي ليست مذلّلة بالحراثة ، ولا معدّة للسقى ولم تربط إلى ساقية ؛ وهي خامسا : « مسلّمة لا شية فيها » ، أي صحيحة لا عيب فيها . فكما ترى ، فالأسلوب أشد ما يكون بلاغة في قصة القرآن ، والكلام يسرد في شكل حوار . 

وتبدأ القصة بالأمر بذبح البقرة في مناسبة وجود قتيل بين أظهرهم ، فأتوا موسى وسألوه البيان ، ولكن جوابه لهم لم يكن الجواب على سؤالهم ، ولذلك قالوا : « أتتخذنا هزوا ؟ » والهزو اللعب والسخرية ، فاستعاذ موسى من الهزو أو الهزء ، لأنه جهل ، وهو نقيض العلم الذي يتحلى به الأنبياء . وقولهم ذاك يتمشى مع وصف أنبيائهم لهم : يشوع بن سيراخ ، وأشعياء ، وإرميا ، وباروخ ، وحزقيال ، ودانيال ، وهوشع ، ويوئيل . . . إلخ ،
وظاهر قول موسى في الآية دليل فساد اعتقادهم ، ولقد ردّ عليهم بالاستعاذة من الجهل فقد جهّل قولهم له : « أتتخذنا هزوا » ، ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لوجب تكفيره ، وكان ذلك منهم على جهة غلظ الطبع ، والجفاء والمعصية ، على نحو ما قال القائل لنبيّنا صلى اللّه عليه وسلم في قسمة غنائم حنين : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه اللّه .
وكما قال له الآخر : اعدل يا محمد ! وفي الآية دليل على منع الاستهزاء بدين اللّه ، ومن يجب تعظيمه من المؤمنين أو الأنبياء . ولقد شدّدوا على أنفسهم وتعنّتوا فشدّد اللّه عليهم . 

والعبارات التي وردت في نصوص التوراة تدل على قمة التزمّت وهو نوع من الغباء العقلي والانغلاق الفكري ، فهم جعلوا الموت نجسا لكل ما يلامسه ومن يلامسه ، وحتى عظم الميت ، والقبر ، والنعش والسرير وملابسه ، وكل شئ جعلوه نجسا إذا لامسه ، ويظل ذلك أسبوعا ولا يبرأ منه إلا بطقوس خاصة ، وحرق بقرة ونضح الماء برمادها . . .
إلخ ، مما يجعل الحياة مستحيلة وشديدة التعقيد ، والإسلام رفع كل هذا الإصر . وفي هذه النصوص التوراتية وآيات القرآن التي مدارها البقرة والقتل ، يتبين بجلاء أن الإسلام دين لا يقارن يسره بأي ديانة أخرى ، فلا شئ من هذه الطقوس الغريبة فيه .
والقصة في القرآن موصولة بما سبقها حيث الآيات قبلها هي وصف لطبع اليهود ، وهو أول وصف فيما نسميه الآن « بعلم نفس الأجناس » ، أو « علم نفس الشعوب » : وهو الذي يصف طباع مختلف الأجناس والشعوب ويجعل لها ما يسميه « لا شعورا جميعا » ، يرثه الأبناء عن الآباء ، ويلازمهم كطبع فيهم ، فتتشابه سلوكياتهم وردود أفعالهم ، فمن بعد ما قال لهم اللّه تعالى من الآية 64 من البقرة « ثم توليتم من بعد ذلك » فإنه ظل يعدّد سوء أفعالهم من عدوانهم على السبت ( الآية 65 ) ، وتحولهم إلى قردة بالمعنى المعنوي ، أي أنهم صاروا أشباه بشر وخلوا من الإنسانية ، ولذلك اختلفوا في مسألة البقرة ، وهو قوله تعالى :فَادَّارَأْتُمْ فِيها( البقرة 72 ) ،
وكتمتم الحقيقة ، واللّه مخرج ما كتموه . ولم يكن الأمر يستلزم أن يفرض اللّه عليهم ذبح البقرة ، وأن يضربوا القتيل ببعضها ليحيا من جديد ويفضح من قتله ، فاللّه قادر على أن يردّه إلى الحياة لو أراد بدون البقرة ، إلا أنه تعالى جعله يحيا بضربه ببعضها ، ليبين أنه يستطيع ذلك بأقل شئ ، وأنه تعالى يقدر أن يميت البهيمة الحيّة ، وأن يحيى الإنسان المقتول ، فكان الأحرى بهم أن يتّعظوا ويتدبّروا ، إلا أنهم كما جاء في الآيات :ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( 74 ) ( البقرة ) ،
ولا أحسب أن هناك ما هو أعظم بلاغة من هذا الوصف لليهود عبر الأزمان ، ومن ثم يخلص القرآن إلى الدرس المستفاد من قصة البقرة في الآية التالية مباشرة مخاطبا المسلمين :أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( 75 ) ( البقرة )،
فليس أقسى من اليهود في العالم ، وفي الدنيا كلها ، وليس أشرّ منهم ، ومن المستحيل الوثوق بهم ، وكتابهم التوراة يكيل لهم الاتهامات ، ويصفهم بالجحود والنكران والكفر والعصيان ، حتى استلزم الأمر أن يرسل إليهم الرسل تباعا ، حتى بلغ عددهم ستة عشر نبيا هم أنبياء الأسفار ، وعشر نبيّات ، بخلاف 850 نبيا قيل هم أنبياء مزيفون ، فلما كثر العصيان ، وتعددت الأمراض ، كثر الأنبياء ، فلا توجد أمة لها مثل ذلك العدد من أطباء النفوس والأرواح إلا هذه الأمة التي استحال علاجها على الجميع ، فاستلزم ذلك أن يبعث محمد كنبىّ خاتم فليس بعده يرسل اللّه أنبياء .
ومن كل ما سبق يتبين أن قصة البقرة في القرآن قصة شاملة كاملة ، فيها البلاغة والبيان ، والجدل ، وتوصيف المرض والداء ، ووصف العلاج ، وتحليل أمة اليهود ، وبيان الشرع فيما عرض لهم ، والتنبيه على أنهم أمة عاصية ، ولا يوجد شئ من ذلك في نصوص قصة البقرة في التوراة ، فشتّان بين هذه وتلك ، وحسبنا اللّه .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 12:39 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

   النبىّ زكريا

896 . قصة النبىّ زكريا مع ربّه ومع مريم

تتناول قصة زكريا أربع سور هي بترتيب النزول : مريم ، والأنبياء ، والأنعام ، وآل عمران .
واسم زكريا عبرى ، ويساوى في معناه اسم « ذكرى » ، وقيل المعنى الحرفىّ « يذكره اللّه بالخير » ، وقيل : إن اسمه بالكامل زكريا بن برخيا بن عدّو ، ذكر ذلك في سفر عزرا من أسفار اليهود ( 5 / 1 و 6 / 14 ) ،
وزكريا هو الحادي عشر بين « الأنبياء الصغار » ، ولمّا مات أبوه وهو صغير صار ينادى باسم جدّه ، تماما مثلما ذكر القرآن عن مريم فقال : إنها « ابنة عمران » ، وأن أمها « امرأة عمران » ، نسبة إلى الجدّ الأكبر ، والجدّة الأكبر ، وإشارة إلى بيت عمران الذي تنتسب إليه ، وذلك لوفاة أبيها وهي صغيرة .
وقيل عن زكريا إنه كان من نسل لاوى ، يعنى أنه كان منذورا للكهانة والنبوة ، وأنه امتد به العمر ، ولمّا توفى دفن إلى جوار صاحبه حجى .
وله سفر باسمه ، « سفر زكريا » ، ويقال أيضا « نبوءة زكريا » والمرجّح أنه كتبه أثناء حكم داريوس الفارسي ، حوالي سنة 520 ق . م ، ويحفل بالرؤى والنبوءات ، ومنها نبوءته الغيبية عن مصر والمصريين ، يقول : « تنالها الضربة ( يقصد مصر ) التي يضرب بها الربّ الأمم .
هذا مصير خطيئة مصر » ، وكلام زكريا في السفر له خبيء وفيه الكثير من التورية ، وما أكثر ما يتمنى أنبياء إسرائيل الشرّ لمصر والمصريين !

وأما قصة زكريا في القرآن فموضوع آخر تماما ، وفي سورة الأنعام يأتي أن زكريا من الصالحين ( 85 ) ، وأن ربّه فضّله على العالمين ( 86 ) ، ويظهر تفضيله بأن تستهلّ به سورة مريم ، فيصفه اللّه تعالى بأنه عبده ، وأنه رحمة ، وينبّه إلى معنى اسمه في أول كلمة من السورة « ذكر » ، حيث الاسم كما سبق يعنى المذكور ، أو المذكور بالخير ، يقول تعالى :ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا( 2 ) ( مريم ) .
والقرآن لا يتابعه من مبتدأ حياته وإنما وهو في شيخوخته وقد أوغل في العمر ، وكانت امرأته عاقرا ، وهذا هو الذي جعله يكفل مريم ، والكفالة هنا معناها التبنّى ، فقد كانت مريم يتيمة ، ومات أبوها وأمها حامل فيها ، فلمّا رأى بركات اللّه على مريم ، وأن اللّه يرزقها بغير حساب ، تحركت فيه غريزة الأبوة ، وتمنى لو كان له ولد :قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ( 4 ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ( 5 ) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا( 6 ) ( مريم ) ،
وذكر العظم في دعائه أو شكايته ، لأن العظم عمود البدن وأصل بنائه ، وبه قوامه ، لأنه أشد ما فيه وأصلبه ، فإذا وهن كان ما وراء العظم أوهن منه ، وتداعت به سائر قوته وتساقطت ، وأهل الطب يسمون هذا الوهن :

هشاشة العظام ، ولا تتبين الهشاشة إلا في الشيخوخة المتأخرة ، وفيها يشتعل الرأس شيبا ، والاشتعال من شأن النار تنتشر بسرعة ، وكذلك كانت شيبة زكريا ، دبت في رأسه بسرعة ، وظهرت علاماتها لا تخطئها العين ، حتى أتت على الرأس كلها ، وطبعت أطراف الشعر ومنابته . وموقف زكريا كان الأولى فيه أن يذكر نعم اللّه عليه ، ولكنه وصّف حاله ، وأظهر ضعفه ، وأوضح أنه ما طلب من ربّه طلبا ولا دعا بشيء ، إلا استجاب له ، ومعنىوَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا( 4 ) ،
يقال « شقى بالشئ » إذا تعب فيه ولم يحصل عليه ، وزكريا كان يتحقق له ما يتمنى ، وخوفه من الموالى - أي الأقارب من عصبته التي ترثه ، كان يخاف أن يرثوه كلالة ، وأشفق أن لا يكون وريثه ولده من صلبه ، والوراثة في حالة زكريا وراثة مال وعلم ونبوة ، ولذا قال :يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ( مريم 6 ) ،
فالمال يرثه منه ، ومن آل يعقوب يرث الحكمة النبوة ، ويعقوب هو النبىّ ابن إسحاق وحفيد إبراهيم . والمشكلة في حالة زكريا أنه كان عقيما بحكم السن ، وكانت زوجته عاقرا بطبيعتها ، قيل : اسمها اليصابات ، وهو اسم يوناني ، وبالعبرية هي اليشبع ، ومعنى الاسم « قسمة » ، وربما كانت قريبة لحنة أم مريم ، وقد تكون أختها ، والحديث عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يحتج به ، يقول : « فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى » ، ويحيى ابن اليصابات ، بينما عيسى ابن مريم ، والمعنى أن اليصابات ومريم أختان ، والصحيح أنهما ليستا أختين ، والحديث كما نرى ، لا يجزم بأنهما 
ابنا خالة على الحقيقة ، فمن المحتمل أنه قال ذلك تجاوزا ، على طريقة الساميين في التعبير عن القرابة ، فإما ينسبون إلى العم ، أو الخال ، أو الجدّ الأكبر ، ونحن - المصريين - نفعل نفس الشيء ، وبحسب إنجيل لوقا ( 1 / 5 - 45 ) فإن أم يحيى ، وأم عيسى ، كانتا قريبتين وصديقتين.
وفي سورة الأنبياء قال زكريا :رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ( 89 ) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ( 90 ) ،
فكأن الاستجابة كانت لأنهما - زكريا وزوجته - كانا دائمي الدعاء رغبا ورهبا ، يعنى في حال الرخاء ، وحال الشدّة ، وفي الحالين كانا يظهران الخشية للّه ، وكانا تقيين ورعين ، وهذا ما جعل ، زكريا من الأنبياء ، وإن كان كما قيل من الأنبياء الصغار .
وقوله تعالى :وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُفيه أن العقر كان بالزوجة دون زكريا .
ويتصل بإنجاب زكريا قصته مع مريم أم عيسى ، ومن بركاتها أن وجودها في حياته شحنه نفسيا ، فطلب من ربّه أن يكون له الولد التقى مثل مريم .
وفي الطب النفسي قد يحدث الحمل في العاقر إذا دبّت فيها الغيرة بسبب من الأسباب ، والغيرة منها الإيجابى ومنها السلبي ، وغيرة زكريا وزوجته من مريم من النوع الإيجابى ، فلم تصدر عن حسد ، على عكس غيرة سارة زوجة إبراهيم من هاجر ، فلما ولدت هاجر إسماعيل ، حملت سارة غيرة من هاجر ، مع أنها كانت عاقرا .
وفي سورة آل عمران أن أقارب حنة أم مريم ، اجتمعوا لمّا ولدت ، وألقوا أقلامهم ، يعنى أنهم كانوا غالبا من الكتبة ، وإلقاء الأقلام كإلقاء القداح والسهام في الجاهلية ، وكانوا يقترعون بهذه الطريقة لمعرفة من يكفل مريم ، وكان إلقاؤهم للأقلام في الماء الجاري ، وهي من البوص فتطفو ، فيجريها الماء ، فإذا وقف القلم ، ولم يجر مع الماء فصاحبه الفائز ، وأهل مريم ألقوا أقلامهم وألقى زكريا معهم ، فجرت الأقلام إلا قلم زكريا ، فكانت آية له لأنه كان نبيا ، والأنبياء تجرى على أيديهم الآيات .
وقد أفاد المسلمون من هذه الواقعة في حياة زكريا ومريم ، أن أثبتوا بها القرعة ، فصارت من الشرع لمن أراد العدل في القسمة ، وهي من السنّة التي يحتجّ بها ، وتطمئن بها قلوب المقتسمين ، وترتفع بها المظنة عمن يتولى إجراء القسمة لهم .
وعمل بالقرعة ثلاثة أنبياء : يونس ، وزكريا ونبيّنا محمد عليهم السلام ، وهي كالإجماع فيما يقسم بين الشركاء ، ومثلهم مثل القوم في الحديث النبويّ الذين استهموا على سفينة ، وفي الخبر أن عثمان بن مظعون طار سهمه في السكنى حين اقترع الأنصار سكنى المهاجرين ، وحدّثت عائشة أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم كان يقرع 
بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها .
فذلك إذن زكريا ، وتلك بركاته ، وقد ورثها منه عن حقّ ابنه يحيى . ( انظر قصة يحيى بن زكريا ) .

  * * *

897 . هل قتل اليهود النبىّ زكريا ؟

في قصة زكريا في القرآن قال في دعائه :وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي( مريم 4 ) ، وقال :يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ( مريم 6 ) . والمفسرون من المسلمين ذهبوا إلى أن خوفه من أن يرثه أقاربه ، وأنه ورّث ابنه يحيى العلم ، أو أنه ورّثه النبوة ، إلا أن التفسير الأفضل هو ما جاء في التوراة ، ففي سفر أخبار الأيام الثاني أن والد زكريا كان يوياداع ، وكان كاهنا أيام الملك يوآش ، وكان يجمع الكثير من الفضة من اليهود رسما عليهم من أيام موسى ، وأنه عاش طويلا وشبع من الدنيا ومات عن ثروة آلت إلى ابنه زكريا الذي صار كاهنا مثل أبيه ، وكان مصلحا مثله ، فلما زاغ الشعب عن عبادة اللّه إلى عبادة الأصنام ، وقف زكريا ضد الناس ، فكرهوه وكرهه الملك ،
فهذا إذن هو تفسير قول زكريا :وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي، وقوله :يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ( مريم 6 ) ،
وتحالف الشعب على زكريا ورجموه بالحجارة بأمر الملك في بيت الربّ ، ولم يرحمه الملك ، ولم يذكر خدمات أبيه له ، بل قتل ابنه ، فقال زكريا وهو يموت : « ينظر الربّ ويطالب » ، وربما لقوله هذا صلة باسمه « زكريا » ويعنى « الربّ يذكر » .
وقوله : « ينظر الربّ ويطالب » يعنى أن اللّه يرى ظلمهم له وسيعلمون عاقبة الظلم ، وقد حدث ، فإنه لم تكد السنة تمر إلا وجيش أرام قد زحف على مملكة يهوذا وعلى أورشليم ، وأهلك جميع رؤساء الشعب ، وغنم كل شئ ، وانتقم اللّه من الملك فقتله عبيده من أجل دم زكريا ( 2 أخبار 24 / 21 - 25 ) .

ونبّه لوقا في إنجيله إلى مقتلة النبىّ زكريا ، فقال على لسان المسيح : « الويل لكم فإنكم تشيّدون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوهم ، فأنتم شهود بأنكم راضون بأعمال آبائكم ، لأنهم هم قتلوهم وأنتم تشيدون قبورهم .
ومن أجل ذلك قالت حكمة اللّه : أرسل إليهم أنبياء ورسلا ، فمنهم من يقتلون ومن يطردون ، لكي يطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء الذي سفك منذ إنشاء العالم ، من دم هابيل إلى دم زكريا الذي قتل بين المذبح والبيت ! » ( 11 / 47 - 51 ) ،
وفي كلام المسيح ما يسميه أهل الأدب السخرية الدراميةdramatic irony، لأنه تكلم عن الموت قتلا للأنبياء ، وكان لا يعلم أنه سيموت نفس الميتة ، فيا لسخرية الأقدار ! والجديد أيضا في مقالة المسيح السابقة أن هابيل كان نبيا !

  * * * 

898 . زكريا قتله اليهود بين الهيكل والمذبح

اليهود يفعلون أي شئ ، ويستحلون دماء الناس ولو كانت دماء الأنبياء ، ويسفكونها في أي مكان ولو كان على المذبح ، وشهد المسيح بذلك ، يقول : « الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون ، فإنكم تشبهون القبور المجصّصة التي ترى للناس من خارجها حسنة وهي من داخلها مملوءة عظام أموات وكل نجاسة . كذلك أنتم : يرى الناس ظاهركم مثل الصدّيقين وأنتم من داخل ممتلئون رئاء وإثما .
الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون فإنكم تشيّدون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصدّيقين ، وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما كنا شاركناهم في دم الأنبياء ، فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم بنو قتلة الأنبياء ، فجمّموا أنتم مكيال آبائكم .
أيها الحيّات أولاد الأفاعي ، كيف تهربون من دينونة جهنم ! من أجل ذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة ، فمنهم من تقتلون وتصلبون ، ومنهم من تجلدون في مجامعكم ، وتطردون من مدينة إلى مدينة ، لكي يأتي عليكم كل دم زكى سفك على الأرض من دم هابيل الصدّيق ، إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح . . يا أورشليم ، يا أورشليم ، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين » ( متّى 23 / 27 - 37 ) .
وفي هذا النصّ الرائع كل إدانة لليهود ، وفيه أن هابيل كان صدّيقا على عكس ما في إنجيل لوقا ، فإنه قال أنه كان نبيا . ويرد الصلب في كلام المسيح عن الأنبياء ، وهو نفسه المصلوب !
وفي القرآن عن هذا القتل للأنبياء الذي يقوم به اليهود :وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ( آل عمران 181 ) ، قيل بلغ من قتلوهم من الأنبياء على الصخرة في الهيكل سبعين نبيا منهم زكريا وابنه يحيى ! والأول قتلوه رجما ، والثاني قتلوه بالسيف !

  * * *

899 . زكريا بين القرآن والإنجيل

لمّا بشرّ زكريا بابنه يحيى ، أراد علامة من اللّه - أو آية كما يقول القرآن ، أجابه جبريل أن آيته أن يصمت فلا يستطيع أن يتكلم إلى يوم معلوم ، ولم يتكلم إلا في اليوم الثامن من ولادة يحيى .
وهذا الصمت الذي أصيب به كان عقابا له أنه لم يصدّق جبريل ( لوقا / 18 1 ) .
وفي القرآن لم يكن الصمت عقابا ، ولكنه إرادى وسيقوّيه اللّه ويقدره ويشدّ عزمه ، ولذلك كان صمته آية من اللّه قال :ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً( آل عمران 41 ) ، وفي إنجيل لوقا أنه كان يكلمهم بأن يكتب ما يريد في لوح ، ولمّا طلبوا منه اسما لابنه ، كتب في اللوح :  
يحيى .
  * * *   
النبىّ يحيى

900 . قصة النبىّ يحيى بين التوراة والقرآن

في الأبوكريفا ، أي كتب العلوم الباطنية اليهودية أن اسم يحيى ، هو يوحنا ، وكذلك في الأناجيل ، من يوحانان أو يوحنان أي حنان اللّه كما نقول « لطف اللّه » ، و « منّة اللّه » ، و « عطية اللّه » .
وفي القرآن هو يحيى ، لأنه رغم ما سيجرى له سيظل اسمه حيا في النفوس ويتذاكره الناس ؛ والاسم نبوءة بما ينتظره من القتل ، وكأن الاسم نقيض المآل ؛ وهو يحيى لأنه عاش بين أب شيخ وأم عجوز ، فهو الحىّ بين اثنين من الموتى ؛ وأخيرا هو يحيى ، لأنه كان معجزة حية ، فقد ولد لأب عجوز قد بلغ من الكبر عتيا ، وأم عاقر ظلت كذلك طوال حياتها مع زوجها زكريا .
واسم أمه اليصابات بالإغريقية ، واليشبع بالعبرية ، يعنى « قسمة » ، أو « قسمة اللّه » ، يعنى ما قضى اللّه سبحانه به عليها . وفي إنجيل لوقا هو يوحنا المعمدان ، لأنه كان على مذهب المعمودين ، وهم الذين كانوا يقبلون العماد بعد أن يعترفوا ويعلنوا التوبة ، فيعمّدهم يوحنا في نهر الأردن ، والعماد هو الاغتسال بقصد التطهّر ، والمعموديون كانوا متطهّرين ، ولم يخترع يحيى العماد ، فواضح أنه كان موجودا منذ إبراهيم ولوط ، وعاب قوم لوط عليه أنه ممن يتطهّرون ( الأعراف 82 والنمل 56 ) .
والعماد في النهر عند الهندوس ، وإسهام يوحنا فيه أنه عمّمه وأعطاه قداسة ، وعمّق معناه ، وجعله آية المؤمن ، فالعماد كالختان ، والأول دليل التوبة الأبدية ، والثاني دليل الطاعة والانقياد للّه ، ولمّا حملت مريم في المسيح ، كانت أم يحيى حاملا فيه في ستة شهور ، ويحيى على ذلك أكبر من المسيح بستة شهور ، وتركز الأناجيل على يحيى باعتباره داعية للمسيح ، لا باعتباره داعية للّه .
ونشأ يحيى زاهدا ، وسلك كالنّبي إلياس ( إيليا ) ، فكان يلبس الصوف ، ويشدّ على حقويه منطقة من الجلد ، ويطعم مما في الطبيعة من أوراق الشجر والثمار البرية ، والجراد ، والعسل البرى ، وهو مثل أعلى للصوفية ويقتدون به ، وكان عمله أن يصرخ في الناس محذّرا وداعيا إلى التوبة ،
ولذا اصطدم بعنف بالحاكم العبراني هيرودس وزوجته هيروديا ، وكانت من قبله زوجة لأخيه ، ولكنها عشقت هيرودس ، وخانت زوجها معه ، ثم تآمرت عليه مع عشيقها ، وأوعزت إليه أن يقتله وهو أخوه ، وأحنقها يوحنا أن يلغط في حقها ، ويؤلّب زوجها عليها ، فكادت له وسجنته ، وحرّضت ابنتها سالومى أن توسوس لهيرودس أن يقتل يوحنا ، وأن يحضر رأسه إليها على طبق ، وأسكرت سالومى هيرودس إلى أن طلب إليها أن ترقص له ، فامتنعت إلا أن يحضر لها رأس يوحنا !
وكان أن أحضره لها ،
وانتهت بذلك قصة يوحنا في كتب اليهود ، وكانت قصة عادية نشهد مثلها كثيرا ونسمع بما يشبهها عن دعاة للإصلاح والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وإنما أشهرها ما انتهت إليه حياة يوحنا على يد سالومى وأمها هيروديا ، وما قيل عن جمال سالومى ورقصها الشهوانى البارع وغوايتها الشيطانية ، فكثرت الكتب والمسرحيات والروايات عنها وعن يوحنا ، وأما قصة يوحنا أو يحيى في القرآن فلها شأن آخر ، وتتسامى عن هذا الهذر الذي خالطها بسبب علاقة يوحنا بسالومى وأمها .
وقصة القرآن تحفل بالبلاغة والبيان وفنون القصّ ، وفيها الموعظة والحكمة .
ويقول القرآن : إن زكريا لمّا كفل مريم وعاين كراماتها ، دعا ربّه أن يكون له ولد يرث عنه المال ، ويرث عن آل يعقوب الحكمة والنبوة ( مريم 7 ) ، ونفهم إذن أن يحيى من نسل يعقوب ، ودعا له زكريا فقال :وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا( 6 ) ( مريم ) ،
فنادته الملائكة في المحراب :يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ( 7 ) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ( 8 ) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ( 9 ) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ( 10 ) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا( 11 ) ( مريم ) ،
والرضىّ هو المرضىّ والراضي بقضاء اللّه فيه ، وتعنى البشارة بيحيى أن دعاء زكريا استجيب له ، وهذه كرامة لزكريا ، وأنه أعطى الولد ليكون له قوة كما تمنّى ، وأنه أفرد باسم يحيى أو يوحنا ، لم يتسمّ به أحد من قبله ، وفي ذلك دليل على أن الأسامى السّنع - أي الجميلة أو الفريدة - جديرة بالأثرة ، أي يستأثر بها الصفوة من النابهين من أهل اللّه .
ولمّا بشّر زكريا تعجّب أن يكون له الولد وهو قد تجاوز أن يولد له ، وظلت امرأته عاقرا طوال حياتها ، ولكنه كان مؤمنا ويعرف أن من خلقه ولم يكن شيئا قادر على أن يؤتيه سؤله ، وظل متشككا مع ذلك أن تكون البشارة مجرد رؤيا ، أو أن تكون تهيؤات وهلاوس يوحيها الشيطان ، فطلب آية ، فكانت آيته أن لا يكلم الناس :ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا( 10 ) ( مريم ) ،
وفي الرواية الثانية ألّا يكلم الناس :ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ( 41 ) ( آل عمران ) ،
بمعنى الصيام عن الكلام مع الناس إلا بالإشارة ، وكان هذا النوع من الصيام معروفا ، فإذا صاموا كانوا لا يتكلمون إلا رمزا . والآية لا تتعارض والحديث النبوي الذي يقول : « لا صمت يوما إلى الليل » ، يعنى لا صمت عن الذكر ، وفي آية زكريا أن يسبّح بكرة وعشيا ، والتسبيح والذكر يكون مع النّفس ، وأما الكلام فيوجّه إلى الغير ، فلما عمل زكريا بما أمره ربّه كانت مثوبته كما قال تعالى :فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا 
خاشِعِينَ( 90 ) ( الأنبياء ) ،
فكأن يحيى كان هبة اللّه لزكريا ، ومكافأته تعالى على تقواه ؛ وإصلاحه لزوجه بأن جعلها تتهيأ للحمل ، وتقوى عليه وعلى الولادة ثم الرضاعة ، وهي مدة ثلاثين شهرا ؛ وقوله يسارعون في الخيرات إشارة إلى زكريا وزوجته ومعهما يحيى ، فكانوا جميعا محبّين للخيرات ، وفاعلين لها ، ويتّقون ربّهم ويدعونه لا ينسونه أبدا ، لا في السرّاء ولا في الضرّاء ، فمرة يدعونه شكرا ومحبة ، ومرة دعاؤهم له خشوعا وخوفا .

واسم « يحيى » كان هبة من اللّه أوحى به إلى زكريا ، والاسم يلخص حياة صاحبه ، ويحيى كان بالنسبة للدعوة حياة ثانية تتدفق بالحيوية ، وتحقّق به دعاء أبيه لربّه :هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ( 38 ) ( آل عمران ) ،
أي نسلا صالحا ، والذرية تكون واحدة ، وتكون جمعا ، وتكون ذكرا وأنثى ، وما كان زكريا يعنى إلا ولدا واحدا ، يدل على ذلك قوله :فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا( 5 ) ( مريم )
ولم يقل أولياء ، ولم يكن تأنيثه ل « طيّبة » إلا لأن لفظة ذرية مؤنثة ، فلمّا دعا مخلصا استجيب له :فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ( 39 ) ( آل عمران ) ،
يعنى جاءته البشرى فور الدعاء في المحراب وهو يصلى ، أنه يولد له يحيى ، قيل سمّاه اللّه لأنه أراد له أن يحيا للإيمان والنبوة ، وأن يهب نفسه لهما ، ويكرّس حياته من أجلهما ؛ وقيل سمّاه اللّه تعالى يحيى من اسمه تعالى « حىّ » ، وتصديقه بكلمة من اللّه ،
قال النصارى : إنه تصديقه لعيسى ، لأن عيسى هو كلمة اللّه ؛ وقيل : هو تصديقه لكتب اللّه تجمع في كلمة ، تقول استمعنا إلى كلمة وتعنى إلى خطبة ، فاختصر الكثير في القليل ؛ وفي الأناجيل أن يوحنا كان أول من آمن بعيسى وصدّقه ، لأن عيسى كان الأعلى منزلة عند ربّه ، وكان أبلغ منه وأفصح ، وشخصيته أقوى ، والأنبياء يتفاوتون في الأفضلية ،
ومع ذلك فقد كان يحيى سيدا ، يعنى كان له حضوره ، ويذكر عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قال في الحسن : « إن ابني هذا سيد ، ولعل اللّه يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » ، ويحيى كان سيدا ولا أسود ممن سوّده اللّه تعالى ، وسيادته ليست سيادة دنيا أو جاه ، ولكنها سيادة عبادة وتقى وزهد ، ولذا كان حصورا ، أي يعاف النساء ولا يحتاجهن ، وآثر صحبة اللّه على صحبة النساء ،
ومن الصحابة زمن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من حاول أن يكون على طريقة يحيى ، كعثمان بن مظعون ، وشكت زوجته إلى عائشة أنه يتمنّى لو يكون حصورا ، وأن يفرغ خصيتيه ، والحصور هو من يحبس نفسه عن النساء مع أنه قادر عليهن ، وغايته أن يمتنع عن الشهوات .
والحصور بخلاف العنّين الذين يعجز عن إتيان النساء لعيب خلقي فيه ، والعنّة النفسية أن يكون عجزه لأسباب نفسية ، فأما الحصور فإنه الحابس نفسه عن معاصي 
اللّه طوعا بلا علّة ، نفسية أو عضوية ، لأنه كان نبيا من الصالحين ، يعنى من المخلصين الذين كرّسوا أنفسهم للعبادة وللخدمة ، وصلاحه أنه يؤدى للّه ما يقرّبه إليه ، ويؤدى للناس ما تقوم به حياتهم في الدنيا والآخرة .
  * * *

901 . اسمه يحيى

اسم « يحيى » من الحياة ، لأنه سيموت ويقتله أعداؤه ولكنه « يحيا » بعدهم ، ويظل اسمه تردده الألسنة بالذكر الحسن ، ومن ذلك أنه ما من نبىّ قال عنه ربّه مثلما قال عن يحيى ، قال :وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا( 15 ) ( مريم 15 ) .
وأوحش ما يكون ابن آدم في ثلاثة مواطن : يوم يولد فيخرج إلى دار الهمّ والغمّ ، ويوم يموت فيعانى السكرات ويدفن في التراب ويترك وحيدا إلا من جيران من عظام ورمم ، ويوم يبعث حيا فيشهد ما لم يشهده من قبل مما يشيب له الولدان ، فأما يحيى فله السلام في هذه المواضع الثلاثة ، فلم يبك لمّا ولد ، ولا اغتمّ يوم قتل ، ويوم يبعث ، فبعثه عند ربّه في جنات وعيون .
وهو في الثلاثة : الحىّ الذي لا تموت له ذكرى أبدا ، وقال فيه المسيح : « لم يقم بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان » ( متى 11 / 11 ) ، وكان يوحنا يعيش مثل إيليا النبىّ ، ويلبس مثله ، ولم يكن يظن أنه شئ ، وقال عن نفسه إنه : « صوت صارخ في البرية » ( يوحنا 1 / 13 ) ،
وسنظل نذكر اسم قلعة « مخيروس » المطلة على البحر الميت لأن يوحنا سجن بها إلى أن قتلوه وفصلوا رأسه ، ثم حملوا الجسد الطاهر إلى « سبسطيا » ودفنوه هناك بجانب قبر النبيين اليسع وعوبديا ، فالشبيه يسعى إلى شبيهه ، وأما تلاميذه فتبعوا المسيح كطلب معلمهم ( متى 14 / 3 - 12 ، ومرقس 6 / 26 - 29 ، ولوقا 3 / 19 - 20 ) ،
فإن كان يوحنا قد مات جسدا فما ماتت تعاليمه وظلت حيّة ، وظلت فرقته « المتطهرون » باقية أبدا .

  * * *

902 . زمن المسيح زمن استشهاد

كان زمن المسيح عجيبا بكل معاني الكلمة ، ففيه قتل النبىّ زكريا رجما ، قتله اليهود بموافقة مليكهم يوآش ؛ وقتل النبىّ يحيى بالسيف ، أهوى به الجلاد على عنق النبىّ في عهد هيرودس ، وكانوا قد سجنوه في قلعة مخيروس على البحر الميت ، مقيدا بالأغلال والأصفاد ، ولما قتلوه فصلوا الرأس عن الجسد ، وقدّموا الرأس على طبق إلى هيروديا الزانية امرأة هيرودس ، والذين اشتركوا في الجريمة جميعهم من اليهود ؛
وكما قيل - قتل 
المسيح صلبا بناء على حكم السنهدريم ، ( مجلس علماء اليهود ) ، في عهد هيرودس أيضا ، وأصر اليهود على الصلب فسلّمه بيلاطس لهم ، وغسل يديه وأعلن براءته من دمه ، وسمّاه صدّيقا ، ثم جلد المسيح وأسلم للصليب ،
وقال اليهود مقالتهم المشهورة : « دمه علينا وعلى أبنائنا » ( متّى 27 / 26 ) .
فأي ناس هؤلاء اليهود ؟ ! وأي زمن كان ذاك الزمن ؟ ! !

  * * *

903 . قصة امرأة عمران

امرأة عمران هي أم مريم ، أم المسيح عليه السلام ، قال تعالى :إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 35 ) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ( 36 ) ( آل عمران ) .
والقرآن الكريم لا يذكر اسمها ، ولم يرد ذلك في الأناجيل ، ولا أعمال الرسل من كتب النصارى ، ولم يرد فيها ولا في القرآن اسم والدها ، ولا اسم زوجها الذي منه ولدت مريم ، وإنجيل لوقا ( 1 / 27 )
هو الوحيد الذي يقول : إن يوسف النجار ، زوج مريم فيما بعد ، كان من سبط يهوذا من نسل داود ، ولذلك قال النصارى إن مريم كانت من سبط يهوذا كذلك ، وهذا رجم بالغيب ، فلا أحد يعرف حقيقة نسب مريم .
والقرآن هو الوحيد الذي ينسب مريم لآل عمران ، وليس القول في الآية « امرأة عمران » أن زوجها اسمه عمران ، وإنما المعنى أنه من آل عمران ، والعرب ينسبون إلى العشيرة ويقولون الهاشمي ، ويا هاشمي ، نسبة إلى آل هاشم ، وفي حالة امرأة عمران ينادونها « أم عمران » . والعمرانيون من عشائر اليهود ، ورئيس العمرانيين هو لاوى بن قهات ، أبو موسى ( خروج 6 / 20 ) ،
وينطقون الاسم عمرام ، وهم العمراميون . ومعنى عمران أو عمرام أنه كبير العائلة أو العشيرة أو هو الشيخ الكبير .
وتفسير « امرأة عمران » إذن هو أن أم مريم كان زوجها عمرانيا ، وسورة آل عمران تتناول بالذكر قصص الأنبياء والصالحين من هذه الدوحة المباركة : آل عمران .
وفي بعض كتب التفسير العربية المتأثرة بالإسرائيليات يأتي اسم امرأة عمران : حنّة ، وهي المقابل لحنان العربية .
واسمها غير مهم بحسب القصة ، ولو ذكر القرآن أنه حنّة لأصبح هذا الاسم ضمن الأسماء العربية ، ولزاحم اسم حنان العربي ، ولولا أن اسم مريم كان مهما لأنها أم المسيح ، لما أورد القرآن اسمها .
وحنّة على وزن جنّة ، ومن الأسماء القريبة منها اسم : حبّة ، وخنّة ، وكلاهما اسم عربى . ولا يوجد في أسفار اليهود والنصارى من اسم حنة إلا حنة زوجة القانة ، وكانت عاقرا مثل امرأة 
عمران ، ونذرت مثلها إن ولدت ولدا تخصصه لخدمة الربّ ، فولدت صموئيل الذي يقال إنه كان نبيا على طريقة بني إسرائيل ، وولدت حنة الأخرى - أي أم عمران - مريم وكانت أنثى ، ويبدو من تسميتها لمريم أن ولادتها كانت مستعصية ، لأن اسم مريم معناه العاصية - يعنى أنها لم تولد ولادة ميسّرة .
ولا بد أنها ولدتها وكانت كبيرة في السن أو أن تعسّرها في الولادة كان لأنها بكر لم يسبق لها الولادة من قبل ، ولمّا حملت فيها لم تصدق ، ولذا نذرت ما في بطنها للّه ، أي للعبادة وهو معنى « محرّرا » ، أي محرّرا من علائق الدنيا ، ومنذورا لشكره تعالى طوال عمره ، والعرب يقولون في الابن الموهوب للّه « المحرّر » أو « العتيق » وذلك جائز في عرفهم ، وكان عند العرب في الجاهلية ، كما أنه جائز في الشريعة اليهودية ، واعتراض حنّة على مريم بأنها أنثى ، أن الأنثى لا تصلح لخدمة الربّ كالذكر ، لأن الأنثى تحيض ولا تصلح لمخالطة الرجال .
والولد أحظى عند الأمهات من البنت ، وتتمنى الأمهات أن يكون مولودهن ولدا ، لأنه آنس لهن ويسكّن إليه .
والمحرّر مأخوذ من الحرية التي هي ضد العبودية - وأسوأها عبودية الدنيا . وامرأة عمران نادت ربّها ، وبيّنت الفرق بين الولد والبنت ، ولم يكن ذلك إعلاما منها للّه تعالى ولكنه تسليم وخضوع ، وتنزيه له أن يخفى عليه شئ ، تثبيتا منها لإيمانها بقضائه وحكمه ، واستعاذة به من الشيطان الرجيم .

  * * *
   قصة مريم

904 . معنى اسم مريم

في الأدب النصراني أن مريم اسم عبرى معناه « العاصية » ! . وفي الأدب اليهودي الديني أن اسم ميريامMiriamأو ماريامMariammeليس له أصل معروف ، وربما هو اسم مصرى تسمّت به مريم أخت موسى ، ومن ثم دخل في التراث العبري . وفي المصرية القديمة فإن ميرىMeriيعنى الحب ، ومنها الاسم ميريت ، ومريم على ذلك هي المحبوبة .
غير أن اسم ميرى في المصرية القديمة قد يعنى كذلك العبادة ، ويكون معنى مريم في المصرية القديمة هو العابدة ، أو التقيّة ، أو العفيفة ، وكانت حياة مريم أخت موسى كذلك .
وأم السيدة مريم كانت عمرانية ، أي تحمل التراث العبراني المصري ، فأسمت ابنتها مريم تيمّنا باسم مريم أخت موسى ، يعنى أنها العابدة . وفي القرآن ما يؤكد ذلك ، فقد ورد عنها أن الملائكة قالت لها :يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ 
( 42 ) ( آل عمران ) ، فلما ولدتها أنبتها ربّها نباتا حسنا ، وعلّمها أن تقنت وتسجد وتركع مع الراكعين :يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ( 43 ) ( آل عمران ) ،كَفَّلَها زَكَرِيَّا( آل عمران 37 ) ،
ولما حان الحين جاءها جبريل برسالة ربّها، وبشّرها بكلمة منه تعالىيا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ( آل عمران 45 )،
ودافع عنها اللّه تعالى ضد اليهود وبرّأها ، ووصف ما قالوه فيها بأنه بهتان عظيموَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً( 156 ) ( النساء ) ،
وضرب بها المثل وقال فيها أكرم وصف يمكن أن يقال عن امرأة :الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها *( التحريم 12 ) ،
ورفعها مكانا عليا ، فكلما ذكر ابنها قيل فيه إنه ابن مريم ، تأكيدا لبشريته ، وإعزازا بانتسابه إليها ، وذلك كله يثبت أن مريم كانت فعلا « العابدة » كما أشار إلى ذلك اسمها بالاعتبارات الإيتيمولوجية المصرية وليس بالاعتبارات اليهودية ولا النصرانية .
وبهذا الاسم « مريم »، تلخّصت حياتها وتأكد مستقبلها. ومريم إذن هي «خادمة الربّ»،كرّستها أمها لهذه الخدمة،فهي آناء الليل والنهار في المعبد للصلاة والذكر والصيام.
ونزّهها القرآن تماما على عكس ما فعل إنجيل لوقا ، فلم يزوّجها القرآن من أحد ، ولم يرد فيه أنها تزوجت إطلاقا ، وربما لم يكن لزواجها تأثير على أمومتها لعيسى فلم يذكر ذلك عنها ، وإنما الزواج يناقض أنها كانت منذورة للّه ولخدمته ، ويتناقض أيضا مع إنجابها لأربعة أولاد بخلاف المسيح ( متّى 13 / 55 ) !
وفي الأناجيل أن مريم تزوجت يوسف النجار وهي حامل في المسيح ، وولدته ونسبته إلى يوسف ؛ وقيل إنه لمّا علم بحملها وكانت آنذاك مخطوبة له ، فكّر في فسخ الخطوبة من غير ضجة ودون فضائح ، وبلا أي أذى يلحق مريم أو يشين اسمها ، وانتهى به الأمر إلى الزواج منها وهي حامل ، ولكنه لم يقربها كزوج ، فلما قاربت على الوضع أخذها من الناصرة إلى بيت لحم لتلد هناك فلا يعلم بولادتها أحد ، ويصونها من ألسنة الناس وثرثرة الجيران ( لوقا 2 / 1 - 5 ) ،
واضطر للهرب بها وبابنها إلى مصر ، وظل بها إلى وفاة هيرودس . وقيل إن أولاد مريم الأربعة بخلاف المسيح لم يكونوا أولادها على الحقيقة وإنما أولاد زوجها يوسف من زواج سابق ، وأما مريم فبحسب العقيدة ظلت عذراء برغم ولادتها للمسيح ! ( متّى 1 / 25 ) ،
ويقال عنها أحيانا مريم البتول أي تاركة الزواج . وهاتان الصفتان « العذراء » و « البتول » من الصفات المتصلة بالجنس والبكارة ، فكأن ما يهمّ النصارى هو التأكيد على أن مريم « عذراء » وأنها « بكر » وهي مما يهتم لهما المهمومون بالجنس ، فلما ذا إذن نقد المستشرقين لختان البنات عند المسلمين والقول بمحورية الجنس عندهم لاهتمامهم بالختان سواء عند الإناث أو الذكور ؟ ! فالحال من بعضه كما يقولون .
والخلاصة : أنه شتّان 
بين نظرة القرآن لمريم وأقواله فيها ، وبين نظرة الأناجيل لها وأقوالها فيها ، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض ! ( انظر أيضا سبب تسمية المسيح بعيسى ) .
  * * *

905 . هل أخطأ القرآن أن جعل مريم أختا لهارون ؟

ينتقد المستشرقون من اليهود والنصارى على السواء ، القرآن باعتباره كتابا تكثر به الأخطاء ، من ذلك أنه جعل مريم - أم المسيح - أختا لهارون شقيق موسى في الآية :يا أُخْتَ هارُونَ( مريم 28 ) ، مع أن ما بين مريم وبين أخت هارون أمد بعيد ! !
ولم يكن جديدا ما قاله المستشرقون ، فقد أثار آخرون مثله في حياة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، واعتبروا هذه الآية زلّة تاريخية من النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ولهذا شنّع بها من أقطاب الكنيسة أمثال يوحنا الدمشقي ، ونيقولا القوساوى ، ويوحنا أندرياس ، وآخرون ، وأرجعوا الخطأ إلى أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كان أميا ، وجهل لهذا السبب الفرق في الزمن بين موسى وعيسى ! !
ولم يأت في الأناجيل أن مريم أم المسيح كانت أختا لمن يدعى هارون ، أو أن لها أخا يدعى هارون .
وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون « يا أخت هارون » ، مع أن موسى كان قبل عيسى بكذا وكذا ! !
وقال : فلما قدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سألته عن ذلك فقال : « إنهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم » . وفي رواية أخرى أنهم قالوا للمغيرة : إن صاحبك يزعم أن مريم أخت هارون ، مع أن بينهما في المدة ستمائة سنة ؟ ! قال المغيرة : فلم أدر ما أقول !
- إلى أن جاء المغيرة إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وقال له وردّ عليه بالقول السابق - بما يعنى : أن مريم كانت من ولد هارون أخي موسى - أي من نسله ، فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ، كما يقال للتميمى : يا أخا تميم ، وللعربي : يا أخا العرب .
وفي القرآن يأتي :وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً( الأعراف 65 ) ، ولم يكن هود أخاهم فعلا ، ولكنها التقاليد تجعلهم ينادونه هكذا ، وكذلك :وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً( الأعراف 73 ) ، وكذلك :وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً( الأعراف 85 )
وفي الريف في بلادنا شئ من ذلك ، فينادون الناس احتراما : « يا خال » أو « يا عمّ فلان » ، أو « أبونا فلان » ، وهم ليسوا كذلك فعلا ولكنها التقاليد احتراما للناس .
بل إنه في إنجيل متى يأتي في الفصل الثاني والعشرين في العبارة 42 : ما ذا تظنون في المسيح ؟ ابن من هو ؟ قالوا له : ابن داود » .

والمسيح لم يكن ابنا لداود ! وبينه وبين داود أمد بعيد ! إلا أنها التقاليد ، ينسبون إلى الأصول ، وكذلك في آية مريم في القرآن ، قالوا :« يا أُخْتَ هارُونَ »يعنى : « يا من تنتمى إلى بيت هارون » ، ومع ملاحظة أن مريم كانت قد وهبت للخدمة ، أي أنها اعتبرت ضمن الكهنوت كالأحبار ، ورئيس الأحبار الأول أو الكاهن الأول هو هارون وسمى باللاوى ، وموسى هو الذي نصبه كذلك ، وجعل في أولاده خدمة الهيكل ، فيمكن لذلك أن تنادى مريم باسم من تنسب إليه وتتبعه على الطريقة والمذهب ،
وفي الإسرائيليات عن كعب الأحبار اليهودي المخضرم والدسيسة على الإسلام ، أنه كان يتكلم بحضرة عائشة فقال : إن مريم ليست بأخت هارون أخي موسى ! فقالت له عائشة : كذبت !
فقال لها : يا أم المؤمنين ، إن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاله فهو أصدق وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما من المدة ستمائة سنة ! ! قال : فسكتت ، بمعنى أنه أفحمها ، غير أن عائشة لم تكذب ، ولم يكذب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ولا القرآن ، لأن مريم فعلا أخت هارون ، أي من بيت هارون ، نسب دين أو نسب دنيا ، وإلا فما بين مريم أم المسيح وبين مريم أخت هارون وموسى ، زمان مديد ، وقيل : ستمائة سنة ، وقيل : ألف سنة أو أكثر ، فلا يتخيّل أن مريم أم عيسى كانت أخت موسى وهارون !
والذهاب إلى أنها أخت موسى وهارون هو الحمق بعينه ! وإنما التفسير السليم أنها كانت هارونية ، من طائفة هارون - الطائفة الكهنوتية ، أو كانت من نسل بيته ومن ذريته ، والثابت في الإنجيل : أن مريم من عائلة عمران أو عمرام والد موسى وهارون ، وأنها تنحدر من جهة أمها من عائلة هارون ، والثابت أنها قريبة لليصابات زوجة زكريا ، واليصابات من بيت هارون شقيق موسى ، ومن ثم كانت مريم من بيت هارون ( لوقا 15 ) ،
ولذلك لا يستغرب أن ينسبها القرآن إلى عائلة هارون ، كما ينسب الإنجيل المسيح إلى داود ويسميه أباه ، وقال : « وسيعطيه الربّ الإله عرش داود أبيه » ( لوقا 1 / 32 ) ،
فهل كان داود أبا للمسيح ؟ أم المقصود أنه ينحدر منه ؟ ثم إن قول بولس في رسالته إلى أهل رومية عن المسيح : « عن ابنه الذي صار من ذرية داود بحسب الجسد ، الذي حدّد أن يكون ابن اللّه بالقوة بحسب روح القداسة بالقيامة من بين الأموات وهو يسوع المسيح ربّنا » ( 1 / 2 - 4 ) ،
لا يعنى أن المسيح ابن اللّه على الحقيقة ، ولكن بالقوة ، بحسب روح القداسة ، يعنى أن النبوّة مسألة روحية ، لأنها تعنى التبعية الروحية ، فكذلك قول القرآن « أخت هارون » قد يعنى بمنطق بولس أن مريم ليست أخت هارون بحسب الجسد وإنما بالتبعية الروحية والصفة الكهنوتية ! فأف لهؤلاء المستشرقين ولما يعبدون من دون الحق ، أفلا يعقلون ؟

  * * *

906 . مريم التي أحصنت فرجها

ضرب اللّه مثلا في الإيمان والعفة عند الإناث من البشر بمريم ابنة عمران ، وقال فيها : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ( 12 ) ( التحريم ) ،
فلما حملت في المسيح وولدته اتهمها قومها من اليهود بالزنا ، وأن ولدها عيسى ابن زنا ، مع أنها كانت من المحصنات ، ولأنه تعالى قال أنه تعالى أرسل جبريل إليها فنفخ فيها من روحه ، فإنه تعالى أكد أن إحصانها كان أكثر ما يكون لفرجها ، فلم يأتها منه أحد ، وصانته عن مقارفة الفواحش ، فظلت عذراء لمّا حملت ، وينفرد القرآن بالقول أن الحمل كان بالنفخ في الفرج وليس بالمجامعة والإيلاج ، وتأكد أنه كان نفخا في الفرج ، لأن الفرج هو الطريق إلى الرحم الذي يكون فيه الحمل ، والنفخ هو مجرد أن يتنفس جبريل بكلمة « كن » ، فكان أن حملت .
والمحصنة هي العفيفة ، وأحصنت فرجها حمته وحرزته فكان منيعا ، أي حصينا ، وقيل : إن جبريل تنفّس في جيب قميصها فوصل ذلك إلى فرجها ، والجيب يسمى فرجا كما في قوله تعالى :وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ ( 6 )( ق ) ،والفرج هو الشق ، والجيب شق أو فرج في الثوب .
وما كان من الممكن أن ينفخ جبريل في جيبها أو فرجها لولا أنها صدّقت بكلمات ربّها لمّا قال لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ( مريم 5 ) ، وصدّقت بكتبه ، يعنى بالتوراة ، وكانت قانتة لم يعرف عنها إلا كل الطاعة ودماثة الخلق ، واشتهرت بذلك بين أترابها وأهلها .

  * * *

907 . المستشرقون وقوله تعالى عن مريم : وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ

في الآية :وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ( 12 ) ( التحريم )
قال المستشرقون : كان ينبغي أن يقول محمد : « وكانت من القانتات » ، والصحيح أنه تعالى لم يرد من القانتات ، لأنه أراد « وكانت من القوم القانتين » ، أو أن المقصود أنها كانت من القانتين من أهل بيتها وهم رجال ، ومنهم زكريا ، ومنهم الذين تقدّموا ليكفلوها وذكرهم القرآن :يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ( آل عمران 44 )
وهم أنفسهم رجال آل عمران ، فكانت مثلهم من « القانتين » ، وفي العادة أن القانتات قليلات ، ولمّا ولدت أم مريم وكانت قد نذرت ما تلد للّه ، وتبين لها أنها أنثى أصابتها الحيرة فقالت كلمتها المشهورةوَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى( آل عمران 36 ) ومع ذلك ضمّتها للمتعبدين وصارت منهم ومن « القانتين » حتى كانت لا تبارح المحراب .

  * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 13:09 عدل 2 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 12:48 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

908 . هل مريم نبيّة

يقول القرآن :إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 35 ) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ( 36 ) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ( 37 ) ( آل عمران )
ومعنى أنها نذرت ما في بطنها محرّرا ، أنها نذرته لخدمته تعالى ، أو بالأحرى للخدمة في الكنيس أو المعبد . وكانت كبيرة لا تلد ، وتنتسب لبيت عمران ، وهو بيت والد موسى وهارون ورأس العمرانيين ، والناس ينادون المرأة ( والرجل على السواء ) ، باسم عشيرتها إذا كان زوجها نكرة . ولأن الأم عمرانية ، وتخصيصا هارون أي من نسل هارون ، فإنها كانت تقية ومتعبدة ،
والهارونيون هم أحبار إسرائيل وكهنتها ، فإنها نذرت إن حملت أن تهب حملها للّه ، وتخصصه لخدمة المعبد وينحبس عليه ، ويتفرّغ للعبادة ، فلما وضعت مريم كانت تعرف أن الأنثى ليست كالذكر ، لأنها تحيض ولا تصلح لمخالطة الرجال .
والنساء يطلبن الولد للأنس والاستنصار ، وامرأة عمران طلبته نذرا للّه ، وقالت فيه : « محررا » ، فحرّرته من رقّ الدنيا وأشغالها .
فلما وضعتها أنثى سمّتها « مريم » أي « التقيّة » ، وقيل « المنذورة »
فلما حملت مريم في المسيح اختلف الناس بإزائها : هل كانت نبيّة ؟
والجواب طبعا للأعراف اليهودية عن النبيّات في بني إسرائيل ، ومثلها مثل مريم أخت موسى ، وديبورا ، وحنّة أم صموئيل ، وخلدة امرأة شالوم ، فهي نبيّة بمقتضى المقاييس اليهودية ، وكذلك بمقتضى المقاييس النصرانية ، مثلها مثل حنّة بنت فنوئيل ، وبنات فيلبس الأربع ، وهؤلاء جميعا كن زاهدات ، ولا يفارقن الهيكل ، ويتعبّدن بالصلاة والصيام والقيام في الليل ،
وكذلك كانت مريم ، إلا أن الأناجيل لم تجعلها نبيّة ، وزوّجتها من يوسف النجّار ، وحوّلت حياتها من حياة الزهد والتقوى إلى حياة الأسرة ، وجعلتها تلد أربعة إخوة للمسيح من زوجها النجّار ، وسمّتهم « إخوة الربّ » - والربّ هو المسيح ، وسمّت مريم « أم الربّ » وذكرت أنها مباركة في النساء ، وأنها منعم عليها بنعمة عظمى هي أمومتها للمسيح ، وجعلتها قدوة للنساء .
وأما القرآن فإنه وصفها الوصف الكامل فقال : إنها « صدّيقة » فما معنى صدّيقة التي انفرد بها القرآن ؟

  * * *

909 . مريم صدّيقة

القرآن انفرد بهذا التكريم لمريم ، قال :مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ( المائدة 75 ) ، ومريم إذن لم تكن نبيّة ، وليس معنى صدّيقة أنها أقل حظّا من النبيّات ، ولكن النبيّة تتنبأ مثلما كانت بنات فيلبس الأربع يفعلن ، ومريم لم تتنبأ ، وكانت أظهر صفاتها تصديقها لما يقال لها ، فلما جاءها الملك جبريل صدّقته فورا ، ولمّا قال لها ابنها ما قال عن نفسه ، صدّقته ، وكانت تسارع إلى تصديق آيات ربّها .
والصدّيقة إنسانة كغيرها من البشر ، ومريم كانت تأكل الطعام ، وكذلك ابنها ، ولم يكن المسيح إلها وإنما إنسان رسول ، وعبد من عباد اللّه ، والاثنان كانا مخلوقين محدثين ، ولم يحدث أن دفع أحدهما هذه الصفة عن نفسه ، وهل يصلح المربوب أن يكون ربّا ؟
غير أن النصارى قالوا : مريم بشر ، ولكن المسيح نصفه إله ونصفه بشر ، فإذا كان يأكل كالبشر ، ويفعل مثلهم ، فإنما كان أكله وشربه وتغوّطه بناسوته لا بلاهوته !
ونقول : فكيف فعل روح القدس - وهو اللّه - الحمل في مريم ؟ هل كان له ناسوت ليختلط بناسوتها ؟
ولا يتصور عاقل اختلاط إله بغير إله ، وانقسام شخص على نفسه إلى قسمين متنافرين ومتضاربين ، وإذا كانت مريم تأكل مما يأكله ابنها ، فإن عليهما أن يتغوّطا ويتبوّلا ، وهذا دليل على بشريتهما ، واستحالة اختلاط اللّه بهما .
وقوله تعالى : إن مريم صدّيقة ينفى عنها إذن نفيا تاما أنها كانت نبيّة .

  * * *

910 . كرامات مريم

كرامات الأولياء ثابتة على ما دلّت عليه الأخبار الثابتة والآيات المتواترة ، وفي حق مريم كانت الفواكه عندها لا تنقطع ، وقد تظهر لها الفواكه الشتوية في الصيف ، والصيفية في الشتاء ، فرزقها دائم ، والخير عندها عميم ،
كقوله تعالى :كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً( آل عمران 37 ) ، ولمّا جاءها المخاض أمرت النخلة فأثمرت لتوّها ،
قال تعالى :وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا( 25 ) ( مريم ) ،
ولم تكن مريم نبية ، والأنبياء لهم « المعجزات » بينما الأولياء والصدّيقون لهم « الكرامات » ، ومريم كانت صدّيقة بقوله تعالى :وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ( المائدة 75 ) ،
والفرق بين المعجزة والكرامة : أن الكرامة من شرطها الاستتار ، فكذلك كانت كرامات مريم ، والمعجزة من شرطها الإظهار ؛ والكرامة تظهر من غير دعوى ، وكذلك كانت كرامات مريم ، والمعجزة تظهر عند دعوى الأنبياء فيطالبون بالبرهان .

  * * *  

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 941 الى 947 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى