المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم :: القرآن الكريم و علومه :: موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحنفي
صفحة 1 من اصل 1
23102023
الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
موسوعة القرآن العظيم ج 1 د. عبد المنعم الحفني
831 . آيات موسى إلى فرعون : تسع
هي تسع آيات : 1 - العصا ، كقوله تعالى :فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ( 107 ) ( الأعراف ) ؛2 - واليد ، كقوله :وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ( النمل 12 ) ؛
3 - والطوفان ؛ 4 - والجراد ؛ 5 - والقمل ؛ 6 - والضفادع ؛
7 - والدم ، كقوله :فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ( 133 ) ( الأعراف ) ؛
8 - والسنون - أي الجدوب ، كقوله :وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ( 130 ) ( الأعراف ) ؛
9 - وانفلاق البحر ، كقوله :فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ( 63 ) ( الشعراء ) ، فهذه تسع آيات .
* * *
832 . زينة وأموال الفرعون ودعاء موسى
في الآية :قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ( 88 ) ( يونس ) ،وصف لأحوال الفرعون من ملوك الهكسوس في الفترة التي حكموا فيها بعضا من أقاليم مصر ، فكان له ولقومه من زخرف الدنيا ، ومتع الحياة ، ومن الأموال ، الكثير ، قيل كان النيل يغل بالخير ، وكانت الأرض تغل بمعادن الذهب والفضة ، وكانت جبال البحر الأحمر تغل بالأحجار الكريمة ، وما كان عطاء اللّه له ولقومه عن رضا بل ليضلوا ويبطروا ويتكبّروا ، ودعا موسى عليهم بأن يعاقبهم على كفرهم بالطمس على أموالهم ، أي بإهلاكها ،
وطمس الشيء : ذهابه عن صورته ، وطمس الأموال أن تضيع فيما لا فائدة منه ولا طائل ؛ والشّدّ على القلوب بتقسيتها والطبع عليها فلا تنشرح للإيمان .
* * *
833 . موسى أمر قومه أن يصلوا في البيوت
زاد فرعون من تعذيب بني إسرائيل لمّا أظهر موسى ، دعوته ، فعابوا عليه المشقة التي يعانونها بسببه وهو الذي جاء ليخلّصهم ، وكان فرعون وقومه يعرفون الإسرائيليين من سواهم بمعابدهم التي بنوها لصلواتهم ، وكانوا يهاجمون تلك المعابد ويقبضون على الأقوياء منهم للعمل عندهم ، وفي ذلك يقول اللّه تعالى :وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ( 87 ) ( يونس ) ،ومصر في هذه الآية هي أرض جاسان - أي محافظة الشرقية الآن ، باعتبار إطلاق الكل على الجزء ، وأمر موسى وهارون بني إسرائيل ، بناء على وحى من اللّه ، أن يتخذوا من بيوتهم مساجد ،
وأن يجعلوها إلى القبلة - أي في اتجاه الشرق ، فقد كان الساميون جميعا يتوجهون في الصلاة إلى المشرق أينما كانوا ، والمراد أن يصلوا في بيوتهم سرا ليأمنوا على أنفسهم ،
وفقه ذلك : أن الصلاة تكون في المساجد ، فإذا خاف الناس مظالم الطاغية وجبروت عسكره ، فلهم أن يصلّوا في البيوت . والمسلم له أن يصلى أينما كان ،
وفي الحديث : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » ، فخصّ بذلك المسلمون ، ربما لحالات كهذه ، ومن فقه هذه الآية : أن الخائف على نفسه يعذر بخوفه ، ويجوز له ترك الجماعة والجمعة ، وكثير من المسلمين يفعلون ذلك الآن في بلاد الإسلام وفي غير بلاد الإسلام ، فلقد صار الخوف من السلطان الجائر في بلاد الإسلام أكثر منه في غير بلاد الإسلام .
* * *
834 . الفرعون دائم الاستخفاف بقومه
الفرعون - كما عرفنا - هو الجبّار ، وهو لغة المستعمرين الهكسوس أطلقت خطأ على كل ملوك مصر ، والقرآن يقصد بالفرعون حكام أرض جاسان - أي محافظة الشرقية الآن من الملوك الرعاة .والمرادف للفرعون هو الطاغية ، من الطاغوت والطغيان ، ومن علامات الطغاة استخفافهم بأقوامهم ، يقول تعالى :فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ( 54 ) ( الزخرف ) ، يعنى استجهلهم ، فأطاعوه لجهلهم ، وقلة درايتهم .
يقال : استخفّه الفرح ، أي حمله على إثبات أفعال الجاهلين ، ولم يكن عبثا أن كتب توفيق الحكيم « عودة الوعي » ، يقصد أن الطاغية من شأن جهازه الدعائى أن يغيّب عقول الناس ويستسهل ذلك لأميّتهم وانحطاط ثقافاتهم وأحوالهم المعيشية ، فإن أردت يا أخي أو يا أختي ، أن تتعرّف إلى نوع نظام الحكم في بلدك ، فانظر كيف يتصرّف حاكمه في أهله ، وكيف يسلكون إزاء جبروته وصلفه واستبداده ، وما إذا كانوا يصدّقون دعاواه دائما ولا يعارضونها أبدا .
وقيل في تفسير « استخفّ قومه » أنه وجدهم خفاف العقول فاستعطبهم ، فدانوا له بالطاعة العمياء كالبهائم يسلس قيادها .
* * *
835 . لقاء التحدي بين موسى والفرعون : الزمان والمكان
هذا ما أوجزته الآيات :وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى ( 56 ) قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى ( 57 ) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً ( 58 ) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى( 59 ) ( طه ) ،وقدّمت له بأسبابه : أن موسى بذل كل ما في وسعه وقدّم له ما زوّده به ربّه من حجج تدل عليه تعالى ، أنه الواحد والقادر والناصر والقاهر ، وكذّب فرعون ما رأته عيناه ، وأبى أن يذعن لإملاء العقل ، وأنكر عنادا مع أنه رأى الآيات عيانا لا خبرا ، كقوله تعالى :وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا( النمل 14 ) ،
وسمّى ما رأى سحرا ، وحدّد ما فهمه من دوافع موسى ، بأنه ليوهم الناس أن آياته هي الأعلى ، وهي الأوجب للتّصديق ، فيؤمنون لذلك بإلهه ، فيغلب موسى الفرعون على أرضه ، ويحوزها منه ويمتلكها ويطرده منها ، وذلك دليل أكيد أن موسى كان يتعامل مع ملك أجنبي غير مصرى ، وعارضه الملك بسحر كالذي جاء به موسى ، ليبيّن للناس أن ما أتى به ليس من عند اللّه كما يدّعى ، ولكنه من ألاعيبه ، وطلب منه موعدا أو وعدا بلقاء آخر في موعد أقرب ومكان أوسع ، والموعد اسم لزمان ومكان الوعد ، كقوله تعالى :إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ( هود 81 ) ،
فلا يخلف أيهما اليوم المعلوم والمكان المعروف ، واقترح لهما - واقتراحه أمر - أن يكون المكان - سوى - أي سوى هذا المكان الذي هما فيه وهو بلاط الملك ، فيكون نصفا وعدلا بينهما ، بين أبهة هذا المكان وبين رحابته ، ليتسع لعدد أكبر من الناس . وفي اللغة « سواء الدار » وسطها ، ووسط كل شئ أعدله كقوله :وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً( البقرة 143 ) ،
أي وسطا بين الرأيين ؛ ويوم الزينة الذي حدده هو يوم عيد ، يتزيّنون فيه ويتهيئون له ، وأمثال هذه الأيام لم يعرفها المصريون ولكنها من عادات شعوب الشرق الأوسط الأخرى حول آلهتهم ، كآلهة الحصاد ، وآلهة الجمال ، وآلهة الشرب والصخب ، والمصريون ما كانت لديهم أعياد صخب واحتشاد إلا عيد وفاء النيل ، وقد جعل ذلك بعض المفسرين من العرب يقولون إن يوم لقاء موسى وهارون كان يوم وفاء النيل ! أي كان في الصيف .
ووفاء النيل لم يحتفل به المصريون إلا مؤخرا ، وكان عيد عبادة وشكر ، ولا تليق فيه أعمال السحر ولم يعرف عن المصريين أنهم يهوون السحر ، أو أن لهم علم به ، فالسحر علم كاذب ، وعلم المصريين هو العلم الصحيح ولذا تفوّقوا على الأمم ، وبذّت حضارتهم سائر الحضارات .
وأما السحر فكان اختصاص العبرانيين والأشوريين ، فهؤلاء برعوا فيه واشتهروا به ، ولكل ذلك كان يوم العيد حتما هو يوم النيروز ، وهو أول يوم من أيام السنة الشمسية ، ويحتفل به الأشوريون والفرس والسريان واليهود ، وهو يوم الفرح ، وجعله أقباط مصر من بعد ذلك أول السنة القبطية ، والناس فيه يزدحمون ويتزاحمون ، وأوفق الأزمنة للاجتماع فيه والزحام على أشده في الضحى الأعلى بعد طلوع الشمس ، لأن أول النهار هو الضحوة وليس الضحى ، واختيار النهار في أوله ليكون فيه متسع لو امتد الأمر بين الفريقين المتنازعين ، وحشر الناس فيه ليكون زهوق الباطل على رؤوس الأشهاد ، فتقوى رغبة من يرغب في الحق ، وتسقط دعوى المبطلين وأشياعهم ، ويكثر المحدّثون بالأمر في البدو والحضر ،
وتشيع القصة بين أهل الوبر والمدر - أي في كل مكان ، ووسط كل الطبقات والتجمعات والفئات .
* * *
836 . طريقة الفرعون هي المثلى
الفرعون لفظ أجنبي وليس مصريا ، وهو الملك الربّ ، والملوك في مصر لم يحدث أن نادوا بأنفسهم أربابا ، منذ عهد مينا حتى آخر ملك من ملوك الأسرات ، واسم رمسيس مثلا هو رع موزيس ، ورع هو اسم أحد أسماء اللّه عندهم ، وموزيس أو موسى هو عبد هذا الإله ، ومثله تحتمس وهو عبد الإله توت ، كقولنا الآن عبد اللّه ، أو عبد الحافظ ، أو عبد الصمد ، فالملك ليس إلا عبدا للّه . وأما عند ملوك آشور ، فالملك هو إله ، والتعبّد يكون للملك تجسيدا للإله الكوني ، فطريقة الأشوريين هي أنهم كانوا حسيّين وماديين ، والروحانية كانت منعدمة عندهم ، على عكس المصريين .وقولنا : إن ديانة موسى صورة من ديانة أخناتون المصري ، لأن سمة الديانتين التجريد ، والتجريد لم تعرفه آشور ، والملك الأشورى - أي الفرعون - يسخر لذلك من طريقه موسى ، ومن قبل موسى اختصم مع طريقة المصريين ، ولم يرض بعبادة أي من آلهتهم ، لأنها آلهة قائمة على أساس المفهوم والتصور التجريدى لقوى اللّه .
وقبل موسى كان يوسف ويعقوب ، والذين آمنوا بهما قليلون من أهالي جاسان وبلاط الفراعنة الهكسوس . ولم تعجب دعوة التوحيد هؤلاء ، لأنها تلغى الاستكبار الأشورى ، والاستعلاء الآسيوى ، وهما ما عرفت به طريقة الفراعنة من حكام آشور ، وهي في ظنهم « الطريقة المثلى » سواء في الحياة كأسلوب ، أو في الدين كعقيدة ، أو في الحكم كسياسة .
* * *
837 . لم يؤمن بموسى إلا القليل من ذرية بني إسرائيل
عندما دخل يعقوب أرض مصر كان كل من معه ، بما في ذلك أولاده ونساؤهم وأتباعه وذرياتهم نحو السبعين فردا ، ومنهم يوسف وولداه ( التكوين 46 / 28 ) ،وأقاموا بجاسان من محافظة الشرقية وتكاثروا جدا ، وظلوا فيها كما قيل أربعمائة سنة وثلاثين ، وقيل الصحيح حسابيا مائتي سنة وثلاثين ، وقيل إن من خرجوا مع موسى من ابن عشرين سنة فصاعدا ممن يمكن تجنيدهم للحرب كانوا ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين ، غير أن من أظهر الإيمان مخافة بطش فرعون أقل بكثير ،
كقوله تعالى :فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ( 83 ) ( يونس ) ،
فلما كان الخروج خرجوا جميعا ، ولو حسبنا النساء والأطفال والشيوخ المرافقين لهؤلاء الشباب الذين فاق عددهم الستمائة ألف ، فإن عدد الخارجين ليبلغ أكثر من المليون ! وهذا غير صحيح بالمرة .
* * *
838 . دعاء قوم موسى قبل الخروج
لمّا وصل الصدام بين الفرعون وموسى مداه ، قرّ قرار موسى على الخروج ببنى إسرائيل ، فأبلغ قومه :وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ( 84 ) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 85 ) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ( 86 ) ( يونس ) ،فأسلموا أمرهم إلى اللّه ، ورضوا بقضائه وقدره ، وانتهوا إلى أمره ، وسألوه أن لا يمتحنهم بالعذاب على أيدي أعدائهم ، وأن يخلّصهم من فرعون وقومه .
* * *
839 . توحيد الفرعون لمّا أدركه الغرق
في قوله تعالى :وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 90 ) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( 91 ) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ( 92 ) ( يونس )أن فرعون جمع جنوده من القرى والنجوع والمراكز والمدن ولحق موسى وأدركه مصبحا ، يريد أن يبغى ويعتدى عليه ، طلبا للاستعلاء بغير حق في القول ، وعدوا في الفعل ، حتى إذا ناله الغرق صدّق وآمن ونطق بالشهادة : « لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين » ، والإيمان لا ينفع حينئذ ، والتوبة لا تقبل إلا قبل رؤية البأس ، وأما بعدها فلا تقبل .
ونجّاه اللّه ببدنه لا بنفسه ، ليكون للناس عبرة ويتّعظون ، قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ( 92 ) ( يونس ) ،
فأماته وألقى بجسده على البرّ ، وقيل إن رمسيس هو هذا الفرعون لعثورهم على موميائه ، غير أن المومياء ليس بها ما ينبئ عن واقعة غرق ، ولا يوجد بين ملوك مصر من يصدق عليه أنه مات غرقا ، وهذا دليل آخر على أن « قصة موسى والفرعون » كانت بين أغراب على مشارف أرض مصر بإقليم جاسان ، وكان أمر هؤلاء الأغراب ، سواء كانوا آشوريين أم عبرانيين ، لا يعنى المصريين .
* * *
840 . موجز قصة موسى مع الفرعون
تعدّ الآيات الثلاث :وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ( 38 ) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( 39 ) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ( 40 ) ( الذاريات )أو في وأصغر إيجاز لقصة موسى مع الفرعون ، فبرغم طول القصة الشديدة إلا أن هذه الآيات لخّصتها فجاء ملخصها رائعا شاملا ، واعتبر من معجزات البيان القرآني ، تماما كمعجزاته تعالى في الكون . والآيات الثلاث تدعو للتأمل والتفكّر . وكانت حجة موسى البيّنة عصاه ذات السلطان ، وإنما من لم يكتب له الإيمان لم يؤمن ولو كانت الرسل إليه ملائكة ، وفرعون كان طاغية ، ومن الملعونين ، فلم يؤمن وأعرض مع كل معجزات موسى ، وانفرد بوزرائه ومستشاريه ، واجتمع بقواده ورؤساء عسكره ، واحتمى بمنعة آله ، وقال مقالته المشهورة التي يتّهم بها كل مفكر أو رسول أو مصلح عندما تكون الحكومة التي يعارضها استبدادية : ساحر أو مجنون ! !
- يعنى أن هذا المفكر ، أو الرسول ، أو المصلح إما أنه ساحر يلعب بالعقول ويدلّس على الناس ، ويزيّف الحقائق ، وإما أنه مجنون أن يجرؤ على نقد الحكم ، أو نقض المذهب ، أو تقويض الملّة . وفرعون أجرم وجنوده ، لأنهم كانوا على الباطل ، وموسى على الحق ، فجرّ على نفسه وعليهم الوبال ، وظلم نفسه وظلمهم ، فلمّا أخذ لم يؤخذ وحده ، وقضى فيه وفيهم بالحق ، وكان ملوما كما كانوا ملومين ، واستحق أن يموتوا معا ، وألقى بهم في اليم وكانوا من المغرقين ، وهذا ما أوجزته الآيات الثلاث خير إيجاز
* * *
841 . دار الفاسقين ليست مصر
تأتى الآية :سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ( 145 ) ( الأعراف ) وكأن اللّه تعالى يتحدث عن مصر ، وكأنه يخاطب بني إسرائيل ، وبعض المستشرقين لذلك فرحوا بها باعتبار أنها تطعن في مصر وتصفها بأنها دار الفاسقين .وكذلك ذهب بعض المفسرين هذا المذهب في التفسير ، إلا أن بني إسرائيل كانوا قد خرجوا من مصر ، ولم يعد في الإمكان أن يروها حتى يصفها لهم اللّه تعالى بأنها دار الفاسقين ، وأنه سيريها لهم ، والخطاب في الآية للعرب الذين دعاهم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى الإسلام ، فبعد أن قصّ عليهم قصة بني إسرائيل مع الفرعون ،
ذكّرهم بشيء مشابه : قصّتى عاد وثمود في أرض العرب ، وآثار هؤلاء ما تزال هناك في المسافة بين الحجاز والشام ، وهؤلاء هم المعنيون باسم الفاسقين ، ودارهم أو ديارهم - بمعنى بلادهم - وهي التي يرون آثارها كلما كانوا مسافرين إلى الشام .
* * *
842 . قصتا سامرىّ موسى وسامرىّ المسيح
قصة السامريthe samaritanفي القرآن ينفرد بها عن التوراة والأناجيل ، فلأول مرة يعترف اليهود بتفوّق القرآن عليهم ، وأنهم قد عرفوا عن طريقه لما ذا كان يهود السامرة منبوذين عندهم ؟ ولما ذا يعاملونهم كمنبوذين ؟ولم يكن اليهود يعلمون السبب ، ولم يتضمنه كتابهم ، فأخبرهم القرآن به ، وهم يقتنعون بهذا السبب ويرددونه ، ونبّه إلى ذلك جولدتسيهر ، وجايجر ، وشبيار . وتأتى القصة في القرآن في سورة طه ، في معرض فتنة قوم موسى وهارون ،
قال تعالى :فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ( 85 ) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ( 86 ) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ( 87 ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ( 88 ) أَ فَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً ( 89 ) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ( 90 ) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى ( 91 ) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ( 92 ) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي ( 93 ) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ( 94 ) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ( 95 ) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ( 96 ) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ( 97 ) إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً( 98 ) .
وللمفسرين المسلمين تفسيرات عجيبة في السامري وديانته وأصله ، وكان الأسهل عليهم لو أنهم رجعوا إلى التوراة ، إلا أن ذلك كان فيما يبدو صعبا فلم يكن هناك شئ متاح عن السامرة ، ونسخة التوراة السامرية مثلا ، وهي التي يتعبّد بها أهل السامرة من فلسطين ، لم تترجم إلى العربية إلا في القرن الحادي عشر الميلادي ، يعنى لم تكن في متناول هؤلاء المفسرين ، وجهلهم قد يعذر لذلك .
والسامرة اسم عبراني معناه مكان الحارس أو الديدبان ، وهي موطن السامريين ، وعاصمة عشرة من الأسباط بنوها أيام عمرى بن أخاب ملك إسرائيل بحسب التوراة اليهودية ، وعمرى - كما تقول التوراة - كان ملكا من سنة 876 إلى سنة 842 قبل الميلاد ، وكان صاحب الأرض التي بنى عليها مدينته يدعى شامر أي حارس ، ومحتمل أن الحراسة كانت عمله ، وسميت المدينة بهذا الاسم ، وأضيف أهلها إليها فهم لذلك السامريون . وتقع المدينة على تل اسمه عمرى شوميرون ، وكان لها برج عظيم ، وسمى الجبل الذي أقيمت عليه جبل السامرة .
وإقليم السامرة وسط فلسطين بين الجليل في الشمال واليهودية في الجنوب . ومنذ البداية كانت السامرة مدينة وثنية ، وبنى فيها آخاب هيكلا للبعل ، وظلت الوثنية سائدة حتى عهد يا هو ، ومارس السامريون عبادة الأصنام وخاصة العجل ، وادّعوا أن الهيكل في جزريم وليس في أورشليم ، واستحكم لذلك الخلاف بينهم وبين اليهود .
وتختلف التوراة السامرية عن النصّ العبري في نحو ستة آلاف موضع . فهذا هو الخلاف بين السامريين والعبرانيين ، لكن لما ذا هم منبوذون ؟
لا أحد منهم يدرى ، وإنما القرآن هو الذي قصّ القصة ، وبيّن أن النّبذ كان عقابا للسامريّ ، فإنه قد عاش في أرض ساجان من مصر ، وعاشر الهكسوس ، وكان من عبدة الأوثان ، فرأى بعد موسى أن يصنع اليهود صنما يتعبّدون له كما في مصر ، إيثارا منه للعيني عن المجرّد ، وللحاضر عن الغائب .
وكان جبريل قد أتى موسى ، فرأى السامري رؤية البصير أثره في التراب ، فقبض منه قبضة ، ولمّا رأى أنهم يريدون صنما عجلا يحتفلون حوله ، طلب إليهم أن يخففوا عن كاهلهم أحمال الذهب الذي سرقوه من أهالي جاسان من المصريين وغيرهم ، فصهره وسبكه عجلا له جسد العجل وليس له روح ، وله خوار أو صفير إذا حرّك أو دخله الهواء ،
وقال لهم : هذا إلهكم وإله آبائكم . فانظركم الفرق بين الرواية في التوراة والرواية في القرآن !
وكيف هي مسطّحة وجرداء قاحلة في التوراة ، بينما لها أبعادها وأعماقها وأهدافها الإيمانية في القرآن !
وكيف تجنّى جولدتسيهر على القرآن والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم عندما قال : إن محمدا مدين بالقصة لبقايا اليهود من السامريين في المدينة .
ثم الأعجب أن جولدتسيهر وقد فهم من القرآن عقاب موسى للسامري ، وهو العقاب الذي يؤرّخ لنبذ اليهود للسامريين ولم يعرف اليهود أسبابه ، لم تأته الشجاعة الأدبية ولا الأمانة العلمية أن يشيد بالقرآن من أجل إيراد هذا العقاب غير الموجود في أي كتاب من قبل القرآن ! قال موسى :فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ( طه 97 ) ،
يعنى أنه صار منبوذا يخشى الناس أن يمسّوه ، وإلّا انتقلت إليهم اللعنة ، فصار يهيم على وجهه ، وكلما اقترب منه أحد قال : « لا مساس » ، أي لا تمسّنى ولا تقترب منى .
وهذه الآية صارت مرجع قول الفقهاء بنفي صاحب البدعة . ومن نسل هذا السامري ومن أتباعه كان السامريون ، وكانت كراهيتهم لليهود وكراهية اليهود لهم .
والإنجيل على العكس يقول برواية أخرى عن سامرىّ آخر يناسب أن يجعل من المسيح أعظم الأطباء ، وفيها أن السامري كان منبوذا لأنه أبرص ! ( لوقا 17 / 11 - 19 ) ،
وبديهي أن قصة سامرى موسى بخلاف قصة سامرى المسيح على الأقل بفارق الزمن بين الاثنين .
وفي قصة الإنجيل أن المرضى بالبرص كانوا عشرة ، قصدوا المسيح ليبرئهم ، فمسّهم وبرءوا ، فانصرفوا ولم يشكروا ، إلا السامري - وكان منهم - فقد عاد إليه يمجّده بصوت عظيم ، وخرّ عند قدميه شاكرا ، وكان كثيرا على المسيح أن لا يمجّده إلا سامرى ، إلا أنه قبل منه الشكر كما فعل مع الكنعانية لمّا أظهرت إيمانها الشديد به كإيمان هذا السامري ،
فقال لها المسيح : إن إيمانك قد خلّصك ! فكذلك السامري ، إيمانه قد خلّصه .
فهذه قصة السامري مع المسيح ولا دخل لها البتة بالقصة قيد التوراة والقرآن .
* * *
843 . قصة موسى وعبدة العجل
المصريون يعرفون العجل أبيس إله القوة البدنية والجنسية ، والعجل عموما كان معبود الكثير من الشعوب ، ولا يوجد شعب من شعوب الشرق الأوسط إلا وكان من عبدة العجول في يوم من الأيام ، وفي الهند يعبدون البقرة رمز الخصب التناسلى ، والخصوبة التكاثرية ، والعطاء الأنثوى المتمثّل في اللبن الغذاء الحيوي ، كقولنا الغذاء الملكي عند النحل .والعبرانيون لمّا كانوا في أرض جاسان من مصر ، عبدوا العجل ، ليس نقلا عن المصريين وإنما عن الأشوريين الذين كانوا يحكمون جاسان وحكموا مصر كلها أو بعضها في يوم من الأيام ، والبعض ينسب عبادة العجل في مصر للآشوريين ، ويقصرها على إقليم جاسان ، والعبرانيون شعب أوثق صلة بالآشوريين منهم بالمصريين ، والطقوس العبادية التي أدخلها موسى الديانة الموسوية طقوس تنتمى للشام وليست لمصر ،
ولكي ننبه إلى أصالة عبادة العجل عند الأشوريين وليس عند المصريين ، علينا أن نعرف أن مدنا من مدنهم كانت تنسب لعبادة العجل ، مثل عجلون ( بالفتح ) ، والاسم يعنى بالعبرية « يلد العجل » ، وكانت عجلون قرب الساحل إلى الشمال الشرقي من غزة ، ومكانها الآن خربة عجلان ، شمال تل الحسى وقرب أربد .
وهناك أيضا عجلون ( بالكسر ) وتعنى « مثل العجل » ، وهو أحد ملوك موآب ، وله حكايات مع بني إسرائيل .
والأصول اللغوية لكلمة « عجل » عند العرب والعبرانيين والموآبيين والأشوريين واحدة ، واللفظة سامية ويهمنا في قصة العجل : أن المصريين نادرا ما يشيرون إلى العجل أبيس ، وإنما صورة العجل متغلغلة في الأدب الشعبي والرسمي العبراني خصوصا ، والسامي عموما ، والقرآن نبّه إلى ذلك ، وعبادة العجل من مكونات اللا شعور العبراني ، وهو رمز القوة الغاشمة والجنس والمال ، وعندما نقول إنهم عبدة العجل الذهبي ، نعنى أن معبودهم هو القوة أو بالأحرى المال وجمعه .
وفي التوراة أن هارون كان من عبدة العجل ! ! وصنع لبنى إسرائيل عجل الذهب وبنى له مذبحا ( خروج 32 / 1 - 5 ) ، في جاسان ( خروج 32 / 4 ) ،
وكذلك فعل يربعام بعد انقسام بني إسرائيل إلى مملكتين ، فبنى تمثالين للعجل ، واحدا في بيت إيل ، والآخر في دان ( ملوك 12 / 26 - 33 ) ،
وظل شعب اليهود يعبد العجل ، وأيّد هذه العبادة جميع الملوك الذين تعاقبوا على المملكة الشمالية ما عدا الملك هوشيا ، وتحفل أسفار العبرانيين والنصارى بأوصاف العجول ، كما في الأمثال ( 14 / 4 ) ، وعاموس ( 6 / 4 ) ، ولوقا ( 15 / 23 ) ، والعدد ( 19 / 1 - 22 ) ، والرسالة إلى العبرانيين ( 9 / 13 - 14 ) ، والتكوين ( 15 / 9 - 17 ) ؛ ولما أراد إرميا وصف مصر لم تسعفه مخيلته إلا بأن يشبّهها بالعجلة ، ووصف شعب مصر بالعجول الصغيرة ( 46 / 20 - 21 ) .
وعجل بني إسرائيل يأتي عنه في التوراة ( خروج 32 / 2 ) أن هارون أمر الإسرائيليين أن ينزع النساء والأطفال حلقات الذهب في آذانهم ، فأخذها وصهرها وصوّرها في قالب ، وصنعها عجلا مسبوكا ، وفرح الشعب بأنه أخيرا صار له إله ، لأنه كان يكره المجرّد ويطلب العيانى ، لمادية تفكيره وحبّه لكل ما هو من مادة ، وسرّ هارون سرور الشعب ، فبنى للعجل مذبحا ، وأعلن أن الغد عيد للربّ ،
وفي البكور أصعدوا المحرقات وقرّبوا الذبائح ، وجلسوا يأكلون ويشربون ، وقاموا يرقصون ، وكان موسى في الجبل يتلقى عن ربّه ، وكان من المفروض أن يغيب ثلاثين يوما ولكنه زادها عشرة أيام ، فأمره الربّ أن يعجّل بالهبوط إلى شعبه ، لأنهم قد انحرفوا وكفروا ، وصنعوا عجلا مسبوكا ، وسجدوا له وذبحوا ، وعبدوه إلها . وكان الربّ غاضبا ، وصار موسى يدافع عن الشعب ، ويذكّره بوعده لإبراهيم وإسحاق وإسرائيل لعله يرضى ، ونزل بسرعة ومعه لوحا الشهادة ، وعاد معه يشوع ، ولما دنا من المكان وشاهد العجل والرقص ، غضب ورمى باللوحين وكسرهما ، وأخذ العجل وحطّمه وأحرقه وذرّاه على الماء وسقى منه الشعب كعقاب ، واعتذر هارون بأنه ما كان له إلا أن يفعل ما فعل ، بالنظر إلى فساد هذا الشعب ،فلما طلبوا إلها صنع لهم هارون واحدا ابتهجوا به ، ورقصوا حوله عراة .
ولا تذكر لنا التوراة : لما ذا اختار هارون للإله أن يكون في شكل عجل ؟ ولما ذا من ذهب ؟ ولما ذا حالة العرى التي صاروا إليها حوله ؟
والدراسات النفسية والتحليل النفسي يثبتان بدائية هذا الشعب وحيوانيته ، وماديته وفساده ، حتى أن الربّ قال فيهم : « هم شعب قساة القلب » ، وقال فيهم هارون إنهم « شعب من الأشرار » ، ورغم أنهم أبدوا التوبة فإنهم عادوا إلى المعاصي ، وكأن موسى بعد أن أحرق العجل وذرّاه على الماء وسقى منه الشعب ، قد أشربهم العجل ، يعنى طبعهم على الجحود والظلم ، فصارا في دمائهم وتخللا الشخصية اليهودية .
وحكاية القرآن عن العجل مختلفة تماما ، وهارون مبرّأ منها ، والمتهم هو السامري ( انظر قصة السامري ) . يقول تعالى :إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ( 152 ) ( الأعراف 152 ) ،
والذلة : لأنهم ابتدعوا العجل رمز المذهب المادي ، وأشربهم موسى ماءه ليعرفوا به . وكانوا سرّاقا ، سطوا على زينة الأشوريين في أرض جاسان وسلبوها ( خروج 12 / 35 - 36 ) ،
وذلك دليل على أنهم كانوا منهم فجميعهم ساميون ، وقذفوا الزينة - يعنى الذهب - في النار ، وصاغ لهم السامري منه العجل ، وقيل : كان السامري قد أبصر جبريل وهو يعبر بهم البحر ، فقبض قبضة من التراب من أثره ، فألقاها في ذوب الذهب ، فصار كأنما العجل دبّت فيه الحياة ، إلا أنه مجرد معدن وإن كان له خوار إذا صوّتوا فيه . والخوار هو صوت العجول ،
وقيل : كانت الريح إذا اخترمت العجل تصوّت ، فكأنما العجل يخور . وقيل إن هارون مرّ به وهو يصنع العجل ، فدعا له ، وبدعوة هارون صار للعجل خوار ، قال :هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى( طه 88 ) ، فلو لا ميلهم إلى التشبيه ما صدّقوا ، ولكنهم كانوا أول مشبّهة في التاريخ ،
وقال السامري عن العجل :بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي( 96 ) ( طه ) ،
وقال موسى عنه للسامري :وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً( 97 ) ( طه ) ، وقيل لذلك : إن اليهود صارت لهم من يوم عبادة العجل مشكلة أو مسألة يقال لها المسألة اليهودية ، ولا حلّ لها إلا بإلغاء الملكية الفردية ، وأن تكون الملكية جماعية ، وأن يلغى رأس المال الخاص ويعمّم رأس المال العام ، فبذلك وحده تنتهى أسطورة عجل اليهود الذهبي ، أو عبادة اليهود للمال وجمعه ولو أدّى الأمر إلى سرقته وخراب الشعوب ودمار المجتمعات .
* * *
844 . قصة هامانتعرض قصة هامان في القرآن في ثلاث سور وست مواضع ، وتبرز القصة من خلال السرد القرآني ، يقول اللّه تعالى :وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ( 5 ) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ( 6 ) ( القصص ) .
واسم فرعون ليس من اللغة المصرية ، وكان اسما لملوك العماليق الذين حكموا مصر باسم الهكسوس .
ولما قدم بنو إسرائيل مصر التقوا بيوسف ، وكان وزيرا لأحد هؤلاء الفراعنة من الهكسوس الذين كانوا يحكمون إقليم جاسان أو محافظة الشرقية من محافظات مصر ، بعد أن استولوا عليها ، ولم يرد اسم فرعون موسى لمّا كان موسى طفلا ، ولا اسم الفرعون الذي طارد موسى إلى خارج مصر ، وفي الحالتين كان من الملوك أو الحكام أو الأمراء الهكسوس أو الملوك الرعاة .
وظل بنو إسرائيل في أرض جاسان التي هي محافظة الشرقية إلى أن خرجوا من مصر ، ويبدو أن خروجهم كان مع أفول حكم الهكسوس ، فلم يكن المصريون راضين عما يجرى في إقليم جاسان ، لأنه صار مرتعا للأجانب .
ولمّا غرق جند الهكسوس لم تذكرهم الآثار المصرية ، ولا ذكرت حكاية بني إسرائيل، لأن هؤلاء جميعا كانوا أغرابا، وكان المصريون يجاهدون لإجبارهم على الخروج.
وفي سفر الخروج ( الفصل الأول 11 / 15 ) ، أن بني إسرائيل استغلهم الملوك الهكسوس في السخرة للبناء بالطين واللبن ، وفي سائر أعمال الأرض ، وأنهم شاركوا كعمال سخرة في بناء قريتين من القرى المستخدمة كمخازن للغلال هما فتوم ورعمسيس.
ومخازن الغلال كما نعلم كانت اهتمام يوسف وكانت تبنى بالطين كطريقة العبرانيين في جاسان.
ونخلص من هذه المقدمة إلى أن أرض جاسان هذه وقد كانت مستعمرة أو مستوطنة أجنبية ، كانت مساكن للهكسوس العماليق ولبنى إسرائيل ، وكان بها آشوريون وبابليون وفرس وعبرانيون ، ولم يكن عبثا أن أبطال قصة موسى كانوا - من جهة - ثلاثة ، هم : فرعون ، وهامان ، وقارون ؛
فأما فرعون فهو من العماليق الهكسوس كما يوحى اسمه ،
وأما هامان فهو رجل حرب من الأشوريين ، وكانوا معروفين بأنهم محاربون وغزاة ،
وأما قارون فكان عبرانيا من الأثرياء ثراء خرافيا ،
ومن الجهة المقابلة - كان موسى وهارون ، وهما عبرانيان من بني إسرائيل ، فقصة فرعون موسى ، أو موسى مع الفرعون : قصة عن جماعات حطت أرض مصر واعتركت عليها ، ولم يشارك فيها المصريون ، وكانوا جميعا محتلين .
والأرض التي جرت عليها وقائع القصة هي أرض جاسان ، وهي محافظة الشرقية الآن من أقصى الشرق ، واليم في القصة ليس النيل ، ولكنه البحر حيث كانت أرض جاسان أقرب إلى بحر القلزم ، أي البحر الأحمر منها إلى النيل ، وكان للنيل مع ذلك ترع تصب هناك ، ولكنها لم تكن ما اصطلحنا عليه باسم النيل .
فأما هامان فيرد اسم كاسمه في سفر إستير من أسفار اليهود ، ويحكى عن وزير بهذا الاسم كان يكره اليهود في آشور وفارس ويكيد لهم.
وقول فرعون لهامان :يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ( 36 ) ( غافر )
هو خير وأقوى دليل على أن هذا الفرعون هو من الهكسوس أو الأشوريين مثله مثل هامان ، وذلك أن تفكير الأشوريين كان نمطه بناء الأبراج ، مثل برج بابل الشهير ، وأول ما تبادر إليه ذهن هذا الفرعون أو الحاكم هو أن يعلو في السماء بواسطة برج لينظر إله موسى ، كتفكير الناس في بلده آشور وفارس ، ثم إن فرعون تأكيدا لما سبق قال أيضا : فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ( 38 ) ( القصص ) ،
فلم يطلب من هامان صرحا أو برجا من الحجارة كطريقة المصريين ، ولكنه طلبه من الطين المحروق بالنار ، يعنى من الطوب اللبن ، يحرق حتى يحمر لونه كطريقة البابليين ، ولو كان مصريا لطلب من وزيره أن يعدّ له هرما ، أو مسلة من الحجارة ، ولكنه طلب صرحا أو برجا من الطين كعادة البابليين.
وفي الآية بعد الآية السابقة :وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ(القصص 39) ، فلو كان مصريا لاستكبر هو وكهنته ، لأن أكبر سلطة في مصر كانت للكهنة.
ولعل أكبر تحريف وتزوير في التاريخ المصري القديم أن المؤرخين من الإفرنج كانوا مدفوعين بحكم ثقافتهم التوراتية إلى الحديث عن مصر القديمة باسم « مصر الفرعونية » وطاوعناهم على ذلك ، ولم يضعوا في اعتبارهم أن اسم فرعون أجنبيّ وليس مصريا.
وكذلك لم يلحظ مفسرو القرآن أن الآية تقول « هو وجنوده » ولم تقل « هو وكهنته » ، ولو قالت : « هو وكهنته » لكان معنى ذلك أن الملك مصرى ، ولكن قولها « هو وجنوده » معناه أن هؤلاء كانوا مستعمرين ، وكانوا دائما كمستعمرين في حالة طوارئ ، وأن أرض جاسان كانت مستعمرة أو مستوطنة عسكرية من هؤلاء الأغراب.
وقوله تعالى بعد ذلك: فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ( القصص 40 ) دليل آخر على أن وقائع القصة لم تكن على أرض النيل فلم يحدث في التاريخ أن تسمى نيل مصر بأليم ، واليم كلمة كما قيل أجنبية وليست عربية ، وهي من لغة أهل بابل ، والمقصود بها الترعة.
وفي الآية : وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ( 10 ) ( الفجر ) دليل آخر على أن فرعون هذا لم يكن مصريا ، فمعنى « ذو أوتاد » ، أنه يسكن الخيام ، ولم يسكن المصريون الخيام إطلاقا ، وسكنى الخيام للبدو الرّحّل وليست للمزارعين ، فهذا دليل على أن فرعون وهامان لم يكونا مصريين ، مثلهما مثل قارون وموسى وهارون.
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق
الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
845 . قصة قارون مع موسى
يأتي عن قارون في القرآن أربع مرات في سورة العنكبوت وغافر ، والقصص ، وتقرن قصته مع موسى بقصتىّ فرعون وهامان ، يقول تعالى :وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ( العنكبوت 39 ) ، فقارون استكبر بالمال ، وفرعون استكبر بالسلطة ، وهامان استكبر بالقوة ، وكان قارون من أغنى الأغنياء وشحيحا مقترا إلا على نفسه ، وفرعون كان طاغية مستبدا وادّعى الألوهية ، وما كان لأحد أن يقضى في أمر إلا بما يقول ؛ وهامان كان وزير فرعون وقائد جنده ، وله الهيلمان ، ويحكم في الأرض بما يشاء .وبلغ من شدة كبر هؤلاء الثلاثة أن كذّبوا أنه يوجد من يعلو عليهم ، حتى وإن زعم موسى أن من يعلوهم جميعا هو اللّه ، وأنكروا البعث والحساب ، فقال موسى فيهم :إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ( 27 ) ( غافر ) ،
والمتكبّر هو المتعظّم عن الإيمان باللّه ، وصفه بأنه لا يؤمن بيوم الحساب ، واتهم الثلاثة موسى لما عجزوا عن معارضته بأنه « ساحر كذاب » ، وحملوا معجزاته على السحر ، وسخّفوا آياته ، وأنكروا حججه المرئية والمحسوسة وأبطلوها ، وأدانوا الذين آمنوا بموسى ، وقضوا فيهم بقتل أبنائهم ، واستحياء نسائهم .
فأما قارون وحده فتناولته سورة القصص في سبع آيات ، تقول :إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ( 76 ) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( 77 ) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ( 78 ) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ( 79 ) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ ( 80 ) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ ( 81 ) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ( 82 ) ، وقوله :« مِنْ قَوْمِ مُوسى »يعنى كان عبرانيا من بني إسرائيل ، والذين قالوا إنه كان ابن عم موسى لا دليل لهم عليه ، وقال آخرون كان ابن خالته ، والصحيح أن قرابته الوحيدة بموسى هي قرابة العرق العبراني ولا أكثر من ذلك.
وقارون على وزن فاعول ، عبراني ، مثل « هارون » ، و « شارون » ، وما راعى قارون قرابة العرق ، وبغى على قومه ، ولم يسلموا من جشعه وأذاه . ونمط قارون هو نمط الرأسمالى الدائب على جمع المال ، وفي سبيل المال استخفّ قومه ، وتكبّر عليهم ، وكان يعمل للفرعون محتسبا على بني إسرائيل ، وهؤلاء كانوا يسكنون أرض جاسان من مصر (محافظة الشرقية الآن).
أقطعهم إياها من قديم يوسف ، وغزاها الأشوريون وحكموها باسم الهكسوس كما أسماهم المؤرخ العبراني مانيتو ، والهكسوس كانوا ملوكا رعاة ومحاربين ، وأطلقوا على أنفسهم اسم عماليق أو الجبابرة ، وأذاع العبرانيون اسمهم الفراعنة ، ككسرى والكياسرة ، وقيصر والقياصرة ، ولم يكن اسم الفرعون مصريا ، وما لقّب أحد من ملوك مصر باسم الفرعون ، وإنما انتشر الاسم بتأثير التوراة التي ورد بها ، وبلغ من غزو التوراة للفكر العالمي أن العالم صار يسمى ملوك مصر باسم الفراعنة ، وفسّر مفسّرو القرآن ، وقد تأثروا بالإسرائيليات ، الفرعون بأنه ملك مصر ، رغم أن هناك أكثر من دليل في القرآن على أن قصة موسى والفرعون لم تجر في أرض مصر وإنما في جاسان .
وقارون كان من العبرانيين سكان جاسان . وقارون كان من العبرانيين سكان حاسان .
وقال تعالى في ثرائه :وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ( القصص 76 ) يعنى مفاتيح خزائن ماله من الكثرة حتى أن ثقلها لينوء بالعصبة أولى القوة ، فما بالك بالكنوز نفسها؟
والعصبة عشرة كما في سورة يوسف في قوله تعالى :وَنَحْنُ عُصْبَةٌ( يوسف 8 ) ، وهم إخوة يوسف العشرة بدونه .
وهذا المال الكثير كان يسعده كسعادة تشايلوك في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير ، وجمع المال عند الجامع له ، اضطراب نفسي أكيد وليس مجرد عادة راسخة أو شطارة ، فالمال يشعره بتفوّقه ويشبع عقدة النقص فيه ، ولذا يسلك جامع المال أول ما يسلك ببطر وعجرفة ، والمال وجمعه يعطيانه ثقة ، ويجعلانه يعلو على الناس ويتكبّر ويزدريهم ، فلما تأذّى به قومه نصحوه أن لا ينسى اللّه الذي خلقه ، ولا يهمل أداء حق الناس فيما رزقه ، وكأنهم قالوا له إن المال مال اللّه وليس ماله ، وإنما رزق به اعتباطا وليس لذكائه ودرايته .
وانبرى للدفاع عن نفسه ، ليثبت أنه جمع هذا المال بجهده وعرقه ، وبقدراته وفهمه لأصول التجارة ، وبطرق إدارة الأعمال والتعامل مع الناس ، ووقف قارون في جانب وسواد الناس في الجانب الآخر ، وقارون يصرّ على أن المال ماله ولا حقّ للّه وللناس في شئ منه ، وما كان يرى الإحسان ولا الزكاة ولا الصدقة ، ويعتبرها طرق احتيال يحتال بها أهل الدين ليعطوا الفقراء الخاملين مالا لم يجمعوه ، وما درى أن ما به هو غرور العظمة ، وأن التاريخ فيه من أمثاله كثيرون ، كانوا أشد منه ذكاء ، وأكثر جمعا ، ولو كان قارون حقا قد جمع هذا المال لخصائص فيه لاستطاع أن يحافظ عليه بمواهبه ، ولكن اللّه يوزّع الثروات في الكون كيف يشاء وله حكمته . وقد غضب اللّه على من سبقوا قارون ودمّرهم وما جمعوا ، وأماتهم فلم ينفعهم المال ، وكانوا في الآخرة في عذاب مقيم ، فما كسبوا الدنيا ولا الآخرة ، وما استعتبوا في الدنيا ، وما كانوا من المعتبين في الآخرة ، وأمثال قارون ومن نمط شخصيته لهم سمات المجرمين يعرفهم بها الناس في الدنيا ، وتميّزهم بها الملائكة في الآخرة ، كقوله :وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ( محمد 30 ) ، وقوله :يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ(الرحمن 41)،
لا يحسدهم في الدنيا عاقل ولا مؤمن ، وكان كلما خرج على قومه في زينته ، تمنّى الضعفاء والموتورون لو يكون لهم مثل حظه ، وقالوا فيه إنه ذو حظ عظيم ، وهال أهل العلم والدراية ما تردّى إليه الناس من أفكار في قارون فيها الكفر الصريح ، وحذروهم من فتنته ، فثواب اللّه خير لهم من كل المال لو آمنوا وعملوا صالحا ، والأولى بهم أن يصبروا على ما قسم لهم من معيشتهم ، ويثابروا على العمل الصالح ولهم الجنة،
واشتدت على الناس « فتنة قارون » ، فخسف اللّه به وبداره الأرض ، وما نفعه ماله ولا أتباعه ، وما نصروه من غضب اللّه ، وأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون :وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ( 82 ) (القصص)،
و « وى » تقال للتعجب والندم ، فما تمنّوه بالأمس كان خطئا بعد ما شاهدوا ما نزل بقارون من الخسف ، وندموا على ما صدر منهم من التمني ، فليس ما يستحق العجب ثراء قارون ، وإنما صنع اللّه في الكون والبشر، وكيف أنه تعالى يوسّع الرزق لمن يشاء بحسب مشيئته وحكمته، وليس لكرامة هذا أو ذاك، ويضيّق الرزق على من يشاء بحكمته وقضائه ، ابتلاء لا لهوانه عليه.
ولولا أن اللّه منّ على الناس الذين تمنّوا مثل حظ قارون ، لخسف بهم ، ولكان مصيرهم كمصير قارون ، والعجب في فعل اللّه أن الكافرين لا يفوزون في الدنيا ولا في الآخرة.
وهكذا تنتهى قصة قارون ، وهي قصة طغيان المال ، كما أن قصة فرعون هي قصة طغيان السلطة ، وقصة هامان هي قصة طغيان القوة وتختتم القصة بحاشية على أحداثها القصص الثلاث ، تقول :تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ( 83 ) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ( 84 ) (القصص)،
فالدار الآخرة التي يسمع بها الناس هي « تلك الدار » (والإشارة بتلك للتفخيم والتعظيم) التي قيل فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قد جعلها اللّه للذين لا يريدون علوا في الأرض كعلو وتكبّر هؤلاء الثلاثة مضرب الأمثال : قارون وفرعون وهامان ، وهي العاقبة ولا تكون إلا للمتقين الذين يخشون اللّه ، والحسنات عند اللّه مضاعفة ، بينما لا يجزى الذين يعملون السيئات إلا ما عملوا بلا زيادة ولا نقصان.
ويذكر من الأدب الشعبي في مصر أن البحيرة في الفيوم التي اسمها بحيرة قارون ، نسبة إلى قارون موسى ، ولم يحدث أن سكن قارون الفيوم ولا امتلك بحيرة فيها ، وإنما سميت كذلك بحسب القصة القرآنية ، فأرض الفيوم منطقة زلازل ، والأرض هبطت نتيجة لواحدة من هذه الزلازل ، وتكوّن تجويف البحيرة وامتلأ بالماء لانخفاضه عن سطح البحر ، ولتشابه الخسف الذي جرى لقارون بالخسف الذي جرى للأرض في الفيوم ، وتكوين البحيرة فيه من ثم ، سميت البحيرة باسم قارون ، والصحيح أن لا صلة لها بقارون العبراني هذا!
* * *
846 . قصة سورة غافر عن موسى ومؤمن آل فرعون
لم يذكر القرآن « لمؤمن آل فرعون » اسما غير هذا الاسم ، فكان مادة خصبة للإسرائيليات . ولمّا كان اسم فرعون من الأسماء الأشورية وليس اسما مصريا ، وكانت قصة موسى معه لتخليص بني إسرائيل ، وكان هؤلاء يسكنون أرض جاسان ، وهي الإقليم الشرقي من مصر ، وكان « مؤمن آل فرعون » هذا من أقارب فرعون ، فإنه لا يكون لذلك مصريا .وسمّاه المفسرون بهذا الاسم من الآية :وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ( غافر 28 ) .
والمشهد الذي تجرى عليه القصة هو أرض جاسان التي احتلها الهكسوس ، أو الملوك البدو أو الرعاة ، أو العماليق ؛ وطرفا القصة : موسى وهارون في طرف ، والاثنان عبريان ، وفرعون وهامان وقارون في الطرف المقابل ، والاثنان آشوريان ، والثالث عبراني متحالف معهما.
ولم يكن قوم موسى مصريين ، ولا كان الأشوريون المحتلون لجاسان من قومه ، وإنما قومه هم العبرانيون أو بنو إسرائيل ، جاء يخلصهم - ليس من المصريين ، وإنما من الأشوريين . وموسى نفسه كما في السورة تربّى في جاسان في كنف أحد الفراعنة من العماليق ، ولما ضرب واحدا من أعدائه انتصارا للعبرانى المستضعف لم يذكر القرآن أن الذي من عدوه كان مصريا ، وتقول الآية :وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ( القصص 15 ).
وإذن فنحن إزاء أحداث جميع شخوصها من الأجانب ، و « مؤمن آل فرعون » كان أجنبيا ، ولذلك كان عجيبا أن يقول المفسرون العرب أن اسمه كان حبيب النجار ، يعنى كان عربيا ! وقالوا اسمه شمعون ، أو سمعان ، أو حزقيل ، يعنى كان عبرانيا ! وكيف يكون عربيا أو عبرانيا وهو من آل فرعون ؟
والآل هم الأهل والأقارب والأتباع والأشياع .
وقالوا كان قبطيا - يعنى مصريا ، وليس القبطي هو المسيحي كما يزعم نصارى مصر الآن !
والصحيح أنه كان أجنبيا آشوريا من الهكسوس ، مثله مثل هامان وزير الفرعون .
ومصر منذ الأسرة الخامسة وهي تسمح بوجود الأجانب فيها حتى كانت لهم المستعمرات ، وجاسان كانت مستعمرة عسكرية ، وهذه المستعمرات كانت منتشرة في الدلتا ، ومن سكانها : اليونانيون ، والعبرانيون ، والأشوريون ، والليبيون !
والتوحيد الذي كان عليه « مؤمن آل فرعون » ، كان بتأثير العبرانيين من خلال يوسف أولا ، يقول « مؤمن آل فرعون » :وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا( غافر 34 ) ،
وكأنه في دفاعه عن موسى يقول : وها قد جاءكم الرسول وهو موسى ، ودفاعه عنه لأن دعوته كانت كدعوة يوسف ، ثم إن أولاد يعقوب المسمون الأسباط وأحفادهم ونسلهم جميعا كانوا في مصر ، وكلهم على التوحيد .
ولما بشّر يعقوب بشّر في مصر ، والأسباط بشروا من بعده ، وبشّر يوسف ، ثم جاء موسى وبشّر ، وبشارة هؤلاء جميعا كانت للملوك الفراعنة ، وهم الملوك العماليق من الأشوريين .
و « جاسان » كانت عاصمتها « تانيس » واسمها عندهم « أفاريس » ، وكل ما جرى زمن يوسف ثم زمن موسى كان مع هؤلاء الملوك العماليق .
وانظر إلى المشاهد وتتابعها : فأولا إيثار التجّار من الأشوريين أن يشتروا يوسف ، ثم بيعهم يوسف لعزيز مصر ، ثم معاملة حرّاس السجن الخاصة ليوسف ، وكل ذلك يجزم بأنهم كانوا من الأجانب ، بل إن يوسف في قصة التوراة ليوقع بالناس من أجل سيده الفرعون ، ويلجئهم إلى بيع أراضيهم والعمل عند الفرعون بالأجرة ، وهذا ما لم يحدث قطّ مثله في مصر القديمة ، ومن الظلم البيّن إذن أن ينسب الظلم إلى المصريين ، أو أن تحسب عليهم غفلتهم وسرقة بني إسرائيل لذهبهم وفضتهم وأمتعتهم! فالقصة برمتها عن أجانب مع بعضهم البعض .
ولمّا استشهد مؤمن آل فرعون بالأمم السابقة كبرهان على ما يقول ، ذكر أمما من ثقافته الآسيوية لا يعرف المصريون عنها شيئا ، وإنما يعرفها ملوك العماليق وحاشية الفرعون التي هو منها . قال :يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ( 30 ) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ( 31 ) ( غافر ) ،
فعاد وثمود كانوا عربا ، والأحزاب هم الذين تحزّبوا ضد أنبيائهم ، وكلهم من المنطقة نفسها ، ولا علم لأي مصرى بأمثال هذه الأسماء ، وثقافة مؤمن آل فرعون كما ترى ثقافة دينية من نوع خاص لم يعرف مثلها المصريون ولا العبرانيون الذي تربّوا في مصر ولهم فيها نحو الأربعمائة سنة كما قيل ، وحتى بعد أن كتبت التوراة بعد موسى بنحو ثلاثمائة وخمسين سنة لم يكن فيها شئ عن عاد ولا ثمود ولا الأحزاب ، وذلك يرجّح أن تكون ثقافة مؤمن آل فرعون ثقافة آشورية مغايرة لثقافة المصريين والعبرانيين . ولولا أنه آشورى لما طلبه الفرعون ليقتله ، ولما تجرّأ « مؤمن آل فرعون » على وعظه ، ولما استطاع الإفلات بنفسه منهم ، ولما تمكن من الهرب :فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ(46) (غافر).
وليس في القصة أنهم طلبوا موسى وهارون ليقتلوهما ، وإنما كان طلبهم للذي آمن لأنه منهم.
ولقد حاق بهم مكرهم . واصطلاح « العرض » الذي بالآية هو الذي نبّه إليه الرسول صلى اللّه عليه وسلم يشرح لعائشة الفرق بين حساب العرض وبين حساب يوم القيامة ، فحساب العرض إجمالى ، وحساب يوم القيامة تفصيلي ، وفي الحديث : « إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه إليه يوم القيامة » .
وآل فرعون الآن في « العرض » حتى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة قال اللّه تعالى :أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ( 46 ) ( غافر ) .
ودليلنا على أن فرعون وآله كانوا من البدو الرعاة الرّحّل .
أن الثالوث أو الثلاثة - أعداء موسى - كانوا : الفرعون ، وهامان ، وقارون ، وكلهم أغراب ، وأسماؤهم ليست مصرية ، كقوله تعالى :وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ ( 23 ) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ( 24 ) ( غافر ) ،
ففرعون لم يكن اسما مصريا ؛ وقارون على وزن هارون ، فهو عبراني قحّ ، كقوله تعالى :إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ( القصص 76 ) ، وهامان في التوراة اسم عيلامى ، من عيلام ، من الرعاة ، من سلالة عماليق ( إستير 3 / 1 ، و 9 / 24 ) ، وعماليق كانوا أعدى أعداء العبرانيين ، فكان هامان يبغضهم ، وأفصح عن كرههم في موسى ، وبيّن القرآن ذلك خير بيان ، وتحالف « فرعون - هامان - قارون » هو تحالف « السلطة والجبروت والمال » ، وتزعم بعض كتب التفسير العربية أن « مؤمن آل فرعون » هو « صاحب يس » ، وذلك خطأ ، لأن « قصة صاحب يس » ربما كانت مثلا كما في الآية :وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ( يس 13 ) ، ومن قال ذلك استدل بأن القرية قد أرسل إليها نبيان ، ولم يعرف عن إرسال نبيين إلا موسى وهارون ، غير أن ذلك مطعون فيه لأنهما لم يكن لهما ثالث كما في السورة :إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ( يس 14 ) .
وكذلك فإن « رجل يس الذي يسعى » ، أو كما يعرفه البعض باسم « صاحب يس » ، انتهى نهاية مأساوية وقتلوه ، وأما « مؤمن آل فرعون » فنجّاه اللّه كما سبق أن نوّهنا :فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا( غافر 45 ) .
وكان مؤمن آل فرعون مؤمنا عن حق ، لأنه فضلا عن إيمانه ، فقد أعلنه بعد كتمان ، ودعا إلى اللّه جهرة ونافح عن نفسه وعن موسى ؛ وحواره مع آل فرعون ، هو المنهج الأمثل لنشر الدعوة ، وكان « بالتي هي أحسن » ( العنكبوت 46 ، والإسراء 53 ) أي بالمنطق ، فذلك أحسن المناهج ، قال :أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ( 28 ) ( غافر ) ،
وقوله هو أحسن كلام ، واستحق به أن يدرج ضمن الصدّيقين ، وفي الحديث : « الصدّيقون مؤمن آل يس ، ومؤمن آل فرعون الذي قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربّى اللّه ، والثالث أبو بكر الصدّيق وهو أفضلهم » ، فمؤمن آل يس ومؤمن آل فرعون كلاهما دافع عن الدين فأجاد ، ودعا إلى التوحيد فأفصح وأبان ، ولكن أبا بكر « جاهد » في سبيل اللّه بنفسه وماله ، وهاجر من أجل الدعوة ، وأوذى أشد الأذى ، وما من وقعة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا وكان أبو بكر فيها ، وخلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الدعوة والمسلمين فحفظ العهد وأحسن السياسة ، فكان أفضل الثلاثة .
ويروى عنه أن عقبة بن أبي معيط أخذ بمنكب الرسول صلى اللّه عليه وسلم وهو في الكعبة يصلى ، ولوى ثوبه في عنقه يريد أن يخنقه ، فأقبل أبو بكر يهرول وأخذ بمنكبه ، ودفع عنه وقال مقالة الآية :أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ( غافر 28 ) ،
وقال علىّ بن أبي طالب يعلّق على الحادثة : واللّه ليوم أبى بكر خير من مؤمن آل فرعون . إن ذلك كتم إيمانه فأثنى اللّه عليه في كتابه ، وهذا أبو بكر أظهر إيمانه ، وبذل ماله ودمه للّه عزّ وجلّ !
ودفاع مؤمن آل فرعون من « المدافعات الدينية » التي اشتهرت من بعد ذلك في المسيحية واليهودية ، تقليدا ، وأعطوها اسمapologiesوعرف بها كثيرون ، والقرآن سابق في ذلك ، ويسترسل مؤمن آل فرعون في دفاعه ، يذكّر آل فرعون بأنهم إذا كانوا ووقتذاك من الكبار والأعاظم والسدنة للكفر ، ينصرهم سلطانهم وأموالهم ، فمن ينصرهم يوم الدين ؟
ويردّ فرعون في صلف وعتو بأكبر فرية وكذبة في التاريخ يلوكها الطغاة ، ويرددها المستبدون ، وتكثر على أفواه رؤساء الدول المستعبدين لشعوبهم :ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ( 29 ) ( غافر ) ،
فالرئيس وحده هو الذي أوتى الصواب ، وطريقه الذي اختاره ، وسياسته التي هداه إليها عقله ، هما وحدهما الطريق الذي يسلك ، والسياسة التي تتّبع ، فكل شئ في الدولة في يده وهو المتحكّم فيه ، يعيّن من يعيّن ، ويسجن من يسجن ، وكله بالقانون ، والقانون هو الذي يأمر به ، وترزية القانون هم الذين يسنّونه ، ويصادق عليه أتباعه والمنتفعون والمنافقون !
ويسترسل مؤمن آل فرعون ، يقول : إنه يخاف عليهم يوم التناد ، أي يوم القيامة ، سمّاه كذلك لأن الناس فيه يتصايحون ويتنادون ، والملائكة تنادى على أصحاب الجنة وأصحاب الجحيم .
ويقول : لقد وافق البعض يوسف على دعوته للتوحيد ، مجاملة ، فلما مات عادوا إلى كفرهم ، اعتقادا بأن النبوة حادثة لا تتكرر ، ولم يكن رفضهم لدعوة موسى إلا لأنهم ضلوا وأسرفوا في الضلال ، وارتابوا وأوغلوا في الارتياب ؛ وجادلوا في آيات اللّه ولا دليل عندهم على بطلانها ، وإنها لكبيرة أن يجادلوا في اللّه ، ولا يجادل في اللّه إلا من طبع على قلبه المتكبّر الجبّار .
وينتهى كلام مؤمن آل فرعون ، فيغضب فرعون ، ويستنفر عامله ووزيره هامان ، أن يبنى له صرحا يطاول السماء ، ليصعده باحثا عن اللّه الذي يدعو إليه موسى ويزعم أنه يسكن السماء ، ولعله إن وجده قتله وخلّص منه الناس ، وهو كلام غث زيّنه له شيطانه فحسّن له الشرك ، وصدّ عن السبيل القويم ، وليس في كلامه وما دبّره إلا الخسران والضلال .
واستأنف مؤمن فرعون دعوته للناس فقال :يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ( 38 ) ( غافر ) ،
وأركان دعوته : أولا أن السبل متعددة وأرشدها هو سبيله ، سبيل الرسل والإيمان ؛ ولكي يؤمنوا فعليهم ثانيا أن يعتقدوا أن الدنيا دار متاع ، والآخرة هي دار القرار ؛ وأن الحساب يوم القيامة بالجزاء على السيئات والحسنات ، فالمسيئون لهم النار ، والمحسنون لهم الجنة .
ويسألهم سؤال استنكار وتأنيب :ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ( 41 ) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( 42 ) ( غافر ) . وقال : ما تدعونني إليه من الكفر ليس له أصل في الدنيا ولا في الآخرة ، ومآل الجبّارين والمتكبرين والطغاة هو النار ، وهنا يختتم دفاعه بأجمل ختام فقال :فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ( غافر 44 ) .
وكانت الآيتان :فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ ( 45 ) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ( 46 ) ( غافر ) بمثابة الحاشية على القصة ، وفيها إعلام بمصيره كما أسلفنا ، ونجاته منهم ، وما حاق بآل فرعون من ذل العرض مرتين يوميا حتى يوم الساعة ، وعندها يكون العرض الأخير .
والدرس المستفاد من القصة يأتي بعد ذلك توجزه الآيتان :إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ( 51 ) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ( 52 ) ( غافر ) ، ونصرهم في الدنيا بإعلاء حججهم وإفلاحها ، كما حدث مع موسى ، ومؤمن آل فرعون ، حتى ليذكرهما القرآن ويرتله الناس باسميهما ؛ ونصرهم في الآخرة بشهادة الشهود لهم ، وبطلان معذرة الظالمين ، ولعنتهم ، وإفرادهم بالجحود . والحمد للّه ربّ العالمين .
* * *
848 . قصتان في القرآن عن موسى والذي جاء من أقصى المدينة يسعى
القصتان وردتا في القرآن في سورتي القصص ويس ، وسورة القصص أسبق من سورة يس ، والإخبار عن هذا « الذي جاء من أقصى المدينة يسعى » في سورة القصص في آية واحدة تقول :وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ( 20 ) ( القصص ) ،وفي سورة يس يستغرق الإخبار عنه سبع آيات ، من الآية 20 إلى الآية 27 ، ويأتي في بدايتها :وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ( يس ) ،
والاختلاف واضح بين البدايتين ، ففي « القصص » « وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى » ، وفي يس « وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى » فؤخّر « الرجل » في سورة يس ، وقدّم في سورة القصص ، فإذا وجدنا « الرجل » في مقدمة الآية علمنا أنها من سورة القصص ، وإذا وجدناه متأخرا فيها علمنا أن القصة الواردة هي من يس .
ورجل سورة القصص واش وجاسوس ، وإن كان قد خدم موسى بنصيحته بالهروب ، إلا أنه ليس من الدعاة ، ولم يفعل ما فعل حبا في الدين ، ولكن لأنه كان متعصبا لقومه ، ومن منطلق عنصرى ، فهو عبراني وموسى عبراني مثله ، وأعداؤهما آل فرعون من الأشوريين ؛ وليس كذلك « رجل » سورة يس ، فقد كان داعيا إلى اللّه ، وإلى اتّباع رسله ، وأعلن على رؤوس الأشهاد إيمانه ، ويبدو أنه استشهد وأدخل لذلك الجنة ، فتمنى لو علم قومه أن اللّه أكرمه وغفر له وأثابه خيرا بخير .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
849 . قصة سورة القصص عن موسى والرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى
« الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى » هو صاحب موسى ، ويرد عنه في سورة القصص أنه عبراني مثله ، يقول تعالى :وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( 20 ) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 21 ) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ( 22 ) ( القصص ) ، فلولا نصيحة هذا الرجل لأمسكوا بموسى جزاء قتله للذي هو عدوه .وكونه يأتي من أقصى المدينة يعنى أنه يسكن الأطراف ، حيث كان أهل البلد والأغنياء يسكنون قلب المدن والقرى ، والأغراب والفقراء والمضطهدون يسكنون الأطراف أو العشوائيات .
وفي الآية أن الملأ يأتمرون بموسى ، والملأ أي السلطة ، وائتمارهم بموسى يعنى أنهم قد خططوا للقبض عليه أو التخلص منه ، وسبب ذلك ظهوره بمظهر الجبّار - أي البلطجى ، وكان موسى من الزيلوطZealotأي المتعصبين اليهود المملوءين وطنية وحماسة لقومهم ، والرافضين لما يفرضه عليهم عدوهم .
ومشكلة موسى مع السلطة تحكيها الآيات :وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ( 15 ) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 16 ) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ( 17 ) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ( 18 ) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ( 19 ) ( القصص ) ،
فالجرم الذي أراد « الذي جاء من أقصى المدينة » أن يفلت به موسى ولا يعاقب بشأنه ، كان قتل نفس لسبب واه ، وإنما لأن المسألة أخذت بعدا عنصريا ، فإن موسى انتصر للعبرانى ضد خصمه ، ولا يرد في القصة أن الخصم مصرى ، ولكن القصة جرت في جاسان من إقليم مصر على الحدود الشرقية ، وكان يستعمره الأغراب ويحكمه جبابرة الأشوريين الذين سمّاهم مانيتون « الهكسوس أو الملوك الرعاة » ، وهم آشوريون محاربون وكانوا يلقبون بالفراعنة ، واحدته « فرعون » .
والمدينة : هي ثكنة عسكرية لجنود الأشوريين ، ولذلك انتهج العبرانيون تجاهها النهج العسكري ، واتخذوا العنف وسيلة لرفع الظلم عنهم . « والرجل الذي جاء من أقصى المدينة » ولو أنه يبدو فيما نقل إلى موسى - واشيا وجاسوسا ، إلا أنه فيما فعل كان مدفوعا بحماسه العنصري أو القومي كحماس موسى ، ورأى في الخروج من البلد إلى خارج حدودها خلاصا لموسى .
وموسى كان يرى أنه كان مظلوما ، وكذلك رأى « الرجل الذي جاء من أقصى المدينة » أن موسى قد ظلم ، وذلك فقط في النسخة العربية للقصة كما يوردها القرآن .
أما في النسخة العبرية التي يوردها التوراة ( الخروج 2 / 11 ) فموسى متعمد للقتل ، وبلغ به حبّ العنف أن قام بدفن الجثة بعد أن قتل صاحبها .
وفي نسخة التوراة يرد أنه مصرى على عكس رواية القرآن ، كما يرد أن السلطة مصرية وهو غير صحيح تاريخيا . وفي رواية القرآن كان الشجار الثاني بين نفس العبراني صاحب الشجار الأول وخصم آخر من عدوه ، ولقد عاب موسى على العبراني مواصلته للشجار ووصفه بأنه « غوىّ » ، يعنى أنه يهوى الشجار ، أو أنه غوى من الغواية ، يريد أن يغوى موسى ثانية ليتورط مثلما تورط في المشاجرة الأولى ، فلذلك عنف موسى معه ، فظنه يريد قتله كما قتل الآخر بالأمس ، فهدده أن يفشى سرّه ، فخاف موسى ، وفي
رواية التوراة : أن الشجار الثاني كان بين عبرانيين ، أحدهما صاحب الشجار الأول ، فلما نهاه موسى عن ضرب العبراني مثله ، رفض أن ينصاع لأمره ، وهدّده بالإبلاغ عن جريمته ، وخاف موسى أن يفتضح أمره ، فقرر الهرب فورا خارج الحدود .
فانظر كم تختلف الروايتان في كافة التفاصيل ، وأخيرا يأتي الاختلاف في الهدف ، وفي الدرس المستفاد ، ففي قصة التوراة لا يتصرف موسى كنبىّ ، أو أن معنى النبوة ليس كما هو في الإسلام ، والأنبياء في إسرائيل كثيرا ما يظلمون ويسلكون مسالك معيبة ، ومن ذلك تصرفات موسى كما تروى عنها التوراة ، وفي قصة القرآن ظل موسى يستغفر ربّه بشأن ما ارتكب حتى اطمأن قلبه أنه قد غفر له ، طالما أنه تاب عن مثلها وأناب ، وعرف أن ذلك شأن اجرامي لا يليق به ولا يحبه ربّه فيه ، ولذلك ساعده « الرجل الذي جاء من أقصى المدينة » ، وتكبّد مشقة الحضور إليه ، لأنه كان يحبه ، وكان موسى يثق به ويبادله الحب .
وليس في قصة التوراة استغفار ولا توبة ولا إنابة ، وشتّان بين القصتين ، ولا ذكر « للرجل الذي جاء من أقصى المدينة » في قصة التوراة ، وقصة القرآن بذلك أكمل ، وأعمق في تحصيلاتها ، وشخصياتها أكثر ، والحوار فيها متصل ، والعبارات موجزة ولكنها شديدة الإيحاء والتأثير .
* * *
850 . قصة سورة يس عن موسى والذي جاء من أقصى المدينة يسعى
كثيرا ما يوجزون اسمه فيقولون « رجل يسعى » ، ويشتهر بهذا الاسم في المراجع الصوفية ، ويأتي عنه في سورة يس ، وهي من السور الإيمانية شديدة الاحتفال بالمؤمنين الذين يدعون إلى اللّه ، ومن هؤلاء رسل القرية الثلاثة ، ( يس 12 / 19 ) ،وكذلك « الذي جاء من أقصى المدينة يسعى » ، وتحكى عنه السورة فتقول :وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ( 20 ) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ( 21 ) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 22 ) أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ ( 23 ) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 24 ) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ( 25 ) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ( 26 ) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ( 27 ) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ ( 28 ) إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ( 29 ) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ( 30 ) أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ( 31 ) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ( 32 ) ( يس ) .
ولقد جاء في السورة أن أصحاب القرية التي جاءها الرسل الثلاث هم مثل يضرب للناس كلما ضلوا وجحدوا وأصرّوا على الإنكار ، وكذلك « الذي جاء من أقصى المدينة يسعى » وقصته في الإيمان هي المقابل لقصة أصحاب القرية في الإنكار ،
وذهب المفسرون مذاهب شتى ، وكلّ ينسب « الذي يسعى » لقومه ، فالعرب قالوا اسمه حبيب بن مرّى النجار - أو الإسكاف ، أو القصّار ، نسبة إلى مهنته ، والقائل بهذا الاسم ومروّجه : وهب بن منبّه ، والاسم عربى ، لكن الحكاية كلها بمقالة وهب بن منبه من الإسرائيليات . وقيل : إن حبيبا كان من أهل أنطاكية ، واختيارها كموضع لقصة الرسل الثلاثة ،
و « للرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى » ، لأنها مدينة عالمية فيها من جميع الجنسيات ، وأهلها خليط من الرومان والسريان واليهود والإغريق والعرب ، وكانت ثالث مدن الإمبراطورية الرومانية بعد روما والإسكندرية وكتّاب السّير أعطوا « الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى » اسم صاحب يس .
والغريب في قصة وهب عن « الرجل الذي يسعى » ، أنه قال عنه إنه جاء من أقصى المدينة لأنه كان مريضا بالجذام ، ولهذا كان يسكن في الأطراف .
ومنطق « الذي يسعى » في إيمانه بالرسل ومتابعتهم على دعواتهم ، أنهم لا يسألون الناس أمرا لأنفسهم ، وكذلك المؤمن لا يطلب أجرا على إيمانه ، ومن فلسفته : أن الإيمان فطرى في الإنسان ، وأن العقل ليأبى أن نعبد من لا تغنى شفاعتهم شيئا ، ولا من لا يرفع ضرّا ، ولا يشفى مرضا ولا يفرّج كربة ، وإنه لضلال أي ضلال أن يلجأ الناس لغير اللّه .
ووجّه خطابه للمرسلين فأقرّ بربّهم الذي يدعون إليه ، ويبدو أن إقراره المفاجئ أذهل أهل القرية الكفرة ، ولا بد أنه أوقع بينهم الاضطراب ، وأن الأيدي امتدت واشتبك الناس ، ولا بد أنه قد أصيب وقضى نحبه ،
فلما مات قال له اللّه تعالى مؤبنا : ادخل الجنة مع الصدّيقين والأنبياء والأبرار ، فدخلها وعاش بها يرزق حيا كما وعد اللّه ، وقد ذهب عنه سقم الدنيا ونصبها ، وتركه يأسه من خسّة أهلها ، وزاد اللّه تعالى في إكرامه لإيمانه وصبره واستشهاده ، فتمنّى لو يعلم قومه بحاله وحسن مآله ، فكان فريدا في حياته وبعد مماته ، ونصح قومه لمّا كان بينهم ، وما يزال ينصحهم بعد أن غادرهم وتوفى عنهم كما جاء في القرآن ، فصار مضرب الأمثال ،
فقيل : اثنان في القرآن لم يكفرا باللّه طرفة عين : مؤمن آل فرعون في سورة غافر ، وصاحب يس في سورة يس ، وكلاهما كان صدّيقا .
* * *
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 851 الى 880 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 941 الى 947 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 851 الى 880 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 941 الى 947 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله