اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

22102023

مُساهمة 

الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Empty الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني




الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

801 . قصة امرأة العزيز ويوسف

في هذه القصة الكثير من اللبس ، فينبغي التزام نصّ سورة يوسف ومراجعة القصة على سفر التكوين من التوراة ، الفصل التاسع والثلاثين . والقصة تبدأ في القرآن بانتشال يوسف من البئر الذي ألقاه به إخوته ، ولم يكن يوسف طفلا وقتها ، وإنما كان شابا في السابعة عشرة من عمره بحسب الرواية اليهودية ، وذلك سن معقول جدا ويناسب الأحداث ،
والذين انتشلوه كانوا إسماعيليين - أي من نسل إسماعيل - من أهل مدين ، وأسرّوه بضاعة ضمن ما لديهم من بضائع نزلوا بها مصر ، إلى أن باعوه لعزيز مصر .

وتخطئ كتب التفسير العربية بأن تجعل اسم العزيز - أي العزيز الجانب ، والقوى الذي لا يقهر ولا يغلب - هو الفرعون . فلم يحدث أن سمّى ملك مصر باسم العزيز - وإنما «العزيز» اسم منصب الوزير الأول في آشور ، ويضاهى الآن رئيس الوزراء.
وينبغي التنبيه إلى أن أحداث قصة يوسف وقعت - لا في مصر التي نعرفها بحجمها الكبير وناسها المصريين ، وإنما كان مكانها هو أرض جاسان ، وهي الإقليم الشمالي الشرقي من أرض مصر ، حيث محافظتا الشرقية والإسماعيلية الآن ، وكانتا مستعمرتين للآشوريين من أهل آشور وبابل ، جاءوا إلى هذه الأرض واقتطعوها وسكنوها باسم الهكسوس كما أشاع المؤرخ اليهودي مانيتو عنهم .
وجاسان كانت كبيرة المساحة ، ولمّا حضر يعقوب وأولاده أسكنهم يوسف أرض جاسان .
وإذن فالعزيز هذا كان أجنبيا ، من بلاد بابل التي اسمها آشور .
وامرأة العزيز هي التي قيل عنها أن اسمها زليخا ، ولا يرد عن اسمها في التوراة ، ولا في القرآن .
وقصة القرآن مختلفة تماما عن قصة التوراة ، وفيها الكثير من التفاصيل والحكم والعظات والعبر .
وقصة التوراة بسيطة ، ولا تعقيد فيها : فامرأة العزيز هذه - أو بالأحرى امرأة فوطيفار ، لمّا رأت يوسف وهو شاب في السابعة عشرة ، راودتها نفسها أن تضاجعه ، والغريب في قصة التوراة أنه يرد بها أن فوطيفار كان خصيا ! فلما ذا تزوّج إذن؟
وهل لهذا السبب كانت زليخا سيئة السمعة والسلوك؟
واسم زليخا ليس اسما مصريا ، ولا كان اسم فوطيفار مصريا ، بل كلهم آشوريون وساميون مع بعضهم البعض ، ومن الخطأ أن ينسب التوراة لهذه الشخصيات أنهم مصريون ، ولنلاحظ أن فرعون موسى أيضا لم يكن مصريا ، وكلمة فرعون ليست مصرية ، ولم يرد أبدا في التاريخ المصري أن أحدا من ملوك مصر اسمه فرعون !
والمهم أن يوسف تأبّى على المرأة ، وظلت تلح عليه يوما بعد يوم وهو يرفض ، إلى أن حاولت أن تقسره على الفحشاء ، وأمسكت بعباءته فتركها لها وفرّ ، وصرخت لتفضحه ، وجمعت الناس حولها إلى أن أتى زوجها واستمع إليها ، فاستشاط غضبا ، وقبض على يوسف وأودعه السجن .
وقصة التوراة على حالها هذا ، من قصص كيد النساء العادية مما تحفل به الصحف اليومية ، إلا أن قصة القرآن رواية حقيقية كالروايات ، ومن الغريب أنهم ينسبون اختراع فن الرواية للأوروبيين وهو قرآني قلبا وقالبا ، وليس أروع من الحوار في القرآن باعتبار معايير الأدب المسرحى .
وقصة امرأة العزيز مع يوسف كما جاءت في القرآن ، درّة الدّرر في الأدب الدرامي ، وتبدأ بشراء العزيز ليوسف بدراهم قليلة ، ثم توصيته لامرأته أن تكرم مثواه ، أي مقامه في بيتهما ، بطيب المطعم ، وحسن اللباس ، وبرر توصيته بأنه ربما ينفعهما ويكفيهما بعض المهمات والخدمة عليهما ، أو أن يتخذاه ولدا لهما ، لأنه كان حصورا لا يولد له ، ولا يأتي النساء كما ذكرنا ، وكان التبنّى في أمم الشرق الأوسط ، ولم يكن معروفا في أرض مصر ، وهذا سبب آخر يدل على أن هؤلاء الأشخاص أصحاب قصتي « يوسف وموسى » ، لم يكونوا من المصريين .

ومرّت فترة ويوسف في بيت فوطيفار أو العزيز ، إلى أن بلغ أشدّه ، وآتاه اللّه الحكم والعلم ، وقيل إن العرب يقولون لمن يبلغ سن الثلاثين أنه قد بلغ أشدّه ، وقيل بلوغ الأشدّ هو بلوغ سن الرشد ، وهو أن يتجاوز العشرين .
والحكم هو العقل والفهم ، والعلم هو علم تفسير أو تأويل الأحلام ، وهو علم يحتاج إلى أشخاص موسوعيين لديهم إحاطة بمختلف الثقافات والمعارف والعلوم .
فلما بلغ يوسف أشدّه فعلت زليخا فعلتها معه ، وادّعت عليه :وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 23 ) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ ( 24 ) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ( 25 ) ( يوسف ) .
والمراودة هي طلب المواقعة ، تكون بالمحايلة والتلطّف ؛ والتغليق للأبواب لأنها أكثر من باب ، تقول غلّق الأبواب وليس الباب ، وأما أغلق فتكون للكثير والقليل من الأبواب ، وتقول غالبا أغلق الباب وليس أغلق الأبواب ؛ وهيت لك أسلوب في الملاطفة والدعوة بمعنى هيا وأقبل وتعال، وقيل هيت كلمة سريانية، وهذا دليل آخر على أن القصة أبطالها من الأشوريين وليسوا مصريين!
وربّه هو سيده ؛ وأحسن مثواه أي استضافه فأحسن ضيافته ؛ ولمّا همّت به ، همّ بدفعها عنه وامتنع عليها ، فلمّا رأى برهان ربّه قاومها ، قيل : كأنه قد سمع صوت سيده قادما ، أو رأى من حجرة نومه شيئا من ملابسه أو غير ذلك مما يخصّه ، فخلّص نفسه منها صرفا لنفسه عن السوء والفحشاء ، وولّى ناحية الباب فسعت خلفه ، فجذبت قميصه من عند ظهره ، والغالب أن رؤيته لبرهان ربّه ، أنه تذكر اللّه فاستعصم .
والآية : « واستبقا الباب . . . » من اختصار القرآن المعجز ، وتجتمع فيها الكثير من المعاني والأفعال ، لأنه رأى هذا الشيء الذي ذكّره بسيده ، أو بربّه تعالى ، فانفلت منها فتعاديا ، هي لتردّه إلى نفسه ، وهو ليهرب منها ، فأدركته قبل أن يخرج ، وهنا يدخل زوجها « العزيز » ، ودخوله في هذا الوقت بالذات له وقع درامى شديد يسمونهdramatic ironyكما يقول أهل المسرح ، ولعمري من أين لمحمد صلى اللّه عليه وسلم أن يعرف هذه الأشياء وهو لم يتعلم في مدرسة ، ولا رأى مسرحا في حياته ، ولا عرف هذه المعاني ؟
ولا مراء أن القرآن هو كتاب اللّه سبحانه ، وهو تعالى العليم الحكيم . ولقد سارعت المرأة من غيظها وانفضاح حالها إلى تبرئة نفسها ، وأن تصحح بالكذب فهم زوجها للموقف ، واتهمت يوسف وقلبت الحقائق وافترضت صحة ادعاءاتها وتصديق زوجها لأكاذيبها ، فاقترحت العقاب ليوسف : 
السجن أو العذاب الأليم !
أرادت بهذا العقاب أن تدلل على أنها لا علاقة لها ، وإلا ما طلبت عقابه ، ولا شك أن طريقتها في الدفاع عن نفسها تدل على أن زوجها لم يكن له عليها سلطان ، وكان يقبل ما تقول ويرضخ له ، ونعرف السبب أنه كان خصيا .
وتستمر القصة ويبدأ يوسف بالردّ على ادعائها قال :هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ ( 26 ) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 27 ) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ( 28 ) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ( 29 ) (يوسف)،
ودفاعه بسيط وفي عبارة واحدة ، فلم تكن له خبرة بالنساء وخاصة هذا النوع منهن . ولولا الشاهد من أهلها واحتكامه إلى العقل لصدقها زوجها ، ولقد تبيّن له وللشاهد أن قميصه مشقوق من الخلف ، وأنها مذنبة ويوسف برئ ، وتدخل ليأمر يوسف أن يتكتم الأمر ، ويطلب منها أن تستغفر لذنبها .
وتخطئ كتب التفسير العربية عندما تجعل رئيس الشرطة مصريا ! وتنسب إليه كمصرى انعدام الغيرة ! ! ! بدعوى أن أغلب أهل مصر هكذا ! ! فلا سامحهم اللّه هؤلاء الجهلة !
فكما قلنا وننبه مرارا : أن فوطيفار لم يكن مصريا ، ولا زوجته ، ولا يوسف ، فجميع هؤلاء جاءوا إلى مصر أغرابا ، وغزاة ، ومحتلين ، ومستعمرين ، وأن هذه الأخلاق هي أخلاق أهل آشور والساميين من أهل بابل وغيرها ، والمنطقة حافلة بالجنسيات المختلفة والعادات المتباينة ، وليست الفاحشة من أخلاق المصريين أصحاب الحضارات والقيم الثابتة .

ولنقرأ ما يسمى باسم التوراة ، لنجد الكثير من قصص الخيانة والشذوذ والزنا والاغتصاب والقيادة عند العبرانيين والأشوريين وغيرهما ، ولم تذكر كتب التاريخ المصريين بسوء أخلاقي قطّ ، وكل ما بلغنا من الأدب المصري القديم مداره الأخلاق والدين ، والمثال على ذلك قصة إيزيس وأوزيريس ، وهي قمة في الأدب والأخلاق ، حتى قيل إنها ألهمت قصة المسيح !
وامرأة العزيز شهد ضدها النسوة في المدينة :امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا( يوسف 30 ) ،
واعتبرت قولهن فيها مكرا ، فمكرت مكرا مقابلا أعظم من مكرهن ، وأعدت لهن متكئا ، وآتت كل واحدة سكينا ، وأمرت يوسف أن يخرج عليهن ، فلما رأين حسنه انبهرن وأكبرنه ، وكن في ذهول ، حتى أنهن أعملن السكاكين خطأ في أيديهن ، واستعظمن أن يكون يوسف من البشر ، وأن يرتكب المعاصي كالبشر ، ونسبنه إلى الملائكة ، وبلغ الفجر بامرأة العزيز أن صرّحت علنا برغبتها فيه ، وأنها التي راودته عن نفسه ، وإن لم يفعل وينصاع لرغباتها فستعمل على سجنه !
والغريب أن النساء وافقنها على رغبتها وطلبن أن تكون له معهن مثلما له مع امرأة العزيز ، وآثر يوسف السجن على ما يدعونه إليه ، ودعا ربّه أن يصرف عنه كيدهن ، ونفّذت المرأة الفاجرة ما وعدت أن تنزله به إن لم يطاوعها ، وسجن يوسف ، وظل في السجن مدة ربما طالت ، إلى أن حلم الملك حلمه عن البقرات السمان والعجاف ، والسّنبلات الخضر والأخر العجاف ، ففسّره يوسف بطريقته ، وأرسل إليه الملك فرفض ، إلا أن تقول النسوة الحقيقة ، وهل هو فعلا راودهن ؟

فقلن :حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ( 51 ) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ ( 52 ) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ( 53 ) ( يوسف ) ،
والكلام موصول ، وقولها « حاش للّه » مرتبط بقولها « ليعلم أنى لم أخنه بالغيب » ، أي أنها لم تستمر في الكذب ولم تغتبه وتذكره بالسوء ، وسارعت إلى تبرئته ، وأكدت أنها على حبها لها ولم تخنه مع آخر ، واعترفت بأنها لم تكن بريئة مما اتهمته به ، وأن الحقيقة لا بد أن تنكشف ، والخائن لا يمكن إلا أن يفضحه اللّه بخيانته ، ونسبت اتهامها له في البداية بأنه من فعل النفس الأمّارة بالسوء ، ثم تولاها اللّه برحمته وهداها ونصرها على نفسها .

وتنتهى القصة وما انتهت دروسها وآدابها وما بها من عظات وعبرات . وما أعظم الفارق بينها وبين قصة التوراة ، فما بينهما كما بين الأرض والسماء ! والحمد للّه ربّ العالمين .
  * * *

802 . يعقوب أقام بأرض جاسان Goshen من مصر

في سفر التكوين أن يعقوب لما حضر إلى مصر أقطعه ابنه يوسف من أرض جاسان أو جاشان - الإقليم الشرقي من مصر - أرض رعمسيس ( التكوين 47 / 12 ) ،
فقد كان يوسف وزير الفرعون والمتصرّف من ثم في هذه الأرض ، وكان الفرعون يحكمها ، واسم الفرعون ليس مصريا ، « وأقام يعقوب في أرض مصر بجاسان فتملكوا فيها ونموا وكثروا جدا » ( 47 / 28 ) .
ولمّا مات يعقوب توجه يوسف والأسباط وكبراء بني إسرائيل لدفنه ، « وتركوا أطفالهم وغنمهم وبقرهم في أرض جاسان » ( 50 / 9 ) .
ولمّا ارتحل موسى ببنى إسرائيل من مصر خرج من رعمسيس جاسان ( 12 / 38 ) .
وكل قصة موسى مع الفرعون لم تتعد أرض جاسان ، وقوله تعالى في القرآن :تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً( يونس 87 ) ،
وقوله :وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ( الزخرف 51 ) هو من باب تعريف الجزء بالكل ،
ومنه قوله تعالى :اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ( البقرة 61 ) ،
وقوله :ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ( 99 ) ( يوسف ) ، فأي أرض بمصر هي مصر .

  * * *   
803 . قصة أيوب

لأيوب قصتان وشخصيتان في التوراة والقرآن ، والقصتان والشخصيتان مختلفتان بحسب تصور الكتابين لفكرة الشخصية أولا ، ثم لفلسفة الدين والتدين ثانيا .
وأيوب التوراة : إنسان متوازن فيما يخص سلوكه تجاه الدين أو الدنيا ، وهو يأخذ من الدنيا كل ما تتيحه له من المتع ، ومن ذلك يعطى اللّه كل مطلوباته الأخروية .
 وأيوب القرآن : صورة للمؤمن التقى الذي تنزل به النوازل فيشكر اللّه في السرّاء والضرّاء ، ويعيش للناس وينكر نفسه . وفي التوراة بحسب أيوب فإن الفرد يأتي أولا ، وفي القرآن فإن الأولوية عند أيوب للجماعة ، ومن ثم فإن أعمال أيوب في التوراة فردية ، وأعماله في القرآن جمعية .
واللّه بالنسبة له في التوراة هو ربّه هو ، وهو في القرآن هو ربّه وربّ الناس والعالمين .
والصورة التي يرسمها القرآن لأيوب هي صورة العبد الصابر الراضي بقضاء اللّه ، وهي صورة لا تتوافق مع المزاج اليهودي ، ولذا قال اليهود : إن قصة أيوب في التوراة ليس لها الطابع اليهودي ! !
والقصة كما هي في التوراة يتضمنها سفر خاص بها هو السفر الأول من أسفار الجزء الثاني من كتب العهد القديم الإسرائيلى ، وقالوا فيه إن من كتبوه كانوا أكثر من واحد ولم يكونوا عبرانيين ، إلا أنهم مع ذلك ضمّوا السفر لمجموعة الكتاب المقدّس كي يعدّ الكتاب أضخم وأكبر .
واسم أيوبJobيعنى بلغة العامة عندهم « الأونطجى » ، أو كثير الكلام ، أو بائع الكلام ، بالنظر إلى كثرة ما تكلم به عن السّقم رغم أنه من المفروض أن يكون سقيما ، والسقيم لا يستطيع الكلام إلا لماما ، وقدّموا لذلك فقالوا إن سقمه لم يصب لسانه ولا تفكيره .
و « دموع أيوب » و « صبر أيوب » ، ذهبا مثلا في العربية كما في اللغات الأوروبية وفي العبرانية .
وقيل : ربما كان أيوب عربيا ، يعنون أنه لا يمكن أن يتحمّل ما تحمّل إلا العربي ، وأما العبراني فإنه يتمرد في مثل حالة أيوب ، وقالوا : والذي يؤكد أنه لم يكن عبرانيا أن موطنه كان أقرب إلى شعوب المنطقة منه لشعب إسرائيل ، فمن المحتمل أن تأثّره بالثقافات من حوله كان أكبر ؛ إلا أن أيوب مع ذلك ، كان في صميمه عبرانيا وإن كان حديثه مع ربّه لا ينبئ أنه يتحدث إلى إله عبراني ، والعبرانيون يعتبرون قصة أيوب من الأدب الشعبي العبراني ، ولها مكانة خاصة في الهجادا العبرانية ، وتروى بروايات عدة في التلمود ؛ وأما سفر أيوب فقد كتبه من كتبه ، وهذّب كلامه ، وقسّمه فصولا ومشاهد ، ونقله - كما قيل - بلغته الشعرية العامية ، وأضاف إليه منثورات مكمّلة للقصة .
ولم يحفل القرآن أن يجعل من قصة أيوب شيئا يستأثر باهتمام الناس ويسرّون بسماعه ، وإنما نبّه إلى أن أيوب نبىّ يوحى إليه ، وأنه في مرتبة كمرتبة محمد صلى اللّه عليه وسلم وإبراهيم ، وإسماعيل ، ويعقوب ، والأسباط ، وعيسى ، ويونس ، وهارون ، وسليمان ، وداود ، كقوله تعالى :إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً( 163 ) ( النساء ) ،
وإن لم يكن نبيّا فكيف استطاع أن يتحمل ما تحمل ؟
وهؤلاء الأنبياء جميعا كان يوحى إليهم ، والوحي إعلام في خفاء ، والنبوة مثل وقدوة ، وقيل : كان أول الأنبياء في الأرض إدريس المسمى أخنوخ ، ثم نوح ، فإبراهيم ، ولوط ، فإسماعيل ، فإسحاق ، فيعقوب ، فيوسف ، ثم هود ، فصالح ، ثم موسى وهارون ، ثم أيوب ، ثم الخضر ، ثم داود ، وسليمان ، ثم يونس ، ثم إلياس ، ثم ذو الكفل أو عوبديا ، ثم عيسى ، ثم محمد . وأيوب إذن هو النبىّ الثالث عشر ، وفي القرآن هو من ولد إبراهيم كقوله تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ( 84 ) ( الأنعام ) ،
فكل الأنبياء من ولد إبراهيم غير إدريس ، ونوح ، ولوط ، وهود ، وصالح ، ولم يكن من العرب أنبياء إلا خمسة : هود ، وصالح ، وإسماعيل ، وشعيب ، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وسموا عربا لأنه لم يتكلم بالعربية غيرهم .

ويعتبر النصارى سفر أيوب أحد أسفار الحكمة القديمة ، ويرسم صورة حيّة قوية لآلام أيوب ، وينقل النقاشات التي دارت بينه وبين أصدقائه الثلاثة وزميلهم الرابع حول القضاء والقدر ، وهي مناقشات فيها عمق وحكمة .
ومسألة المسائل في هذه المناقشات أن يمتحن البار في إيمانه ، وإنها لمشكلة أن يتعرض البار بالذات لهذا الامتحان القاسى . وأيوب في القصة غنى جدا .
ويمتلك الضياع والثروة الحيوانية والخدم والحشم ، وله سبعة أبناء ذكور من الرجال ، وثلاث بنات متزوجات ، ويبدو مترفا شديد الترف ، ودفوعه الفلسفية في مسألة الابتلاء للبار تبدو من نوع جدال المترفين ، وليس فيها أية اهتمامات من قبله وأصحابه بشؤون الناس ، وبالشأن العام « جملة » ، واعتقاده : أن النازلة لا تحلّ إلا بالأشرار ، وأما الأخيار فلهم الحسنى في الدنيا ، اعتقاد ساذج . وثورة أيوب : لأنه لم ير أنه يستحق أن تنزل به النوازل ، ولذا أبدى شكّه إزاء العدل الإلهى ، وأصحابه ردّوا ما نزل به إلى خطايا لا بد أنه ارتكبها ولم يدر بها ، وأيوب ينفى ذلك بشكل قاطع ، إلا أنه لا يدّعى أنه برئ كل البراءة ، ومع ذلك فهو لا يذكر بالتأكيد أنه فعل شيئا يستحق عليه كل هذا العقاب .

والمراجع اليهودية على أن هذه القصة خيالية من نوع القصص التعليمي ، وفي بدايتها يأتي الحوار بين اللّه وإبليس ، أو بين مبدأ الخير ومبدأ الشر ، ويثنى اللّه على أيوب لتقواه ، ويسخر إبليس من تقوى أيوب المدّعاة ، لأن أي إنسان في مكانه لا بد أن يظهر الحمد ، فلم يوجد خير إلا وقد وفّره له اللّه ، فلو حرم بعض ذلك فلن يثبت له إيمان ، ويقبل اللّه أن يحرمه إبليس من ثروته وعياله ويبقى عليه هو نفسه ، وتذهب ثروته بددا ، فأراضيه وخيله وبقره وغنمه يستولى عليها الأعداء ، ويقتلون حشمه وخدمه ، وتطيح العاصفة بسقف بيته ، وتدمّر البيت على أولاده فيقتلون جميعا ، الذكور والبنات ، إلا امرأته . 
ولما أعلموا أيوب بالمصيبة الأولى شكر للّه الضرّاء كما كان يشكر له السرّاء .
وفي المرة الثانية لمّا عرف بفقد عياله صرخ وبكى وأهال التراب على رأسه ، ولكنه ندم واستغفر . 

وفي المرة الثالثة لما ظهر الطفح الجلدي بجسمه جميعا وبدأت آلام بطنه ، شككته امرأته في إقباله على اللّه رغم نوازله ، فعاتبها وقال لها : أنقبل الخير من اللّه ولا نقبل منه الشرّ .
واشتد به المرض العضال ثماني عشرة سنة ، عانى فيها أشد المعاناة ، وازداد به اليأس من حالته ولكنه كان يرى بقلبه أنه في يوم من الأيام سيأتي الفرج ويكون الخلاص ، وسيعود إليه رضا اللّه عنه ، وبقي أيوب ثابت الإيمان ، راسخ الاعتقاد في اللّه ، ودائم التوكّل عليه ، حتى أنه ليرى أنه إذا مات ولم يكن قد انصلح حاله فإنه حتما سيكرمه اللّه وسيجازيه على ما احتمل ،
ويقول أحد أصحابه عندئذ : ربما أن الألم الذي ينزل بالأبرار ليس غضبا من اللّه ، ولكنه تأديب منه تعالى كتأديب الأب الشفوق بولده .
وحينئذ ظهر لهم اللّه ينبّههم إلى ضالة ما يعرف الإنسان ، وأن عقله ومعرفته لا يؤهلانه لفهم أحكامه تعالى ، فيتواضع أيوب . ثم إنه يشفى ويعود لثرائه ، وتعود إليه أسرته .
والقصة تستغرق اثنين وأربعين فصلا ، وكان لذلك أثره على شرّاح القرآن فتعرّضوا لمسائل وتفاصيل في حياة أيوب لم ترد في القرآن ، وذلك هو الجانب الوحيد الذي اهتم به المستشرقون من أمثال آيزنبرج ، وجرينباوم ، وهوروفتس ، وسيليجزون ، ولم يهتموا بدراسة فروق بين القصتين في القرآن والتوراة ، ودلالات ذلك من جهة الروح العامة اليهودية والعربية ، وما استأثر بعناية كل من اليهود والعرب من القصة ، ومردود ذلك على تفسيراتهم لاسم أيوب في العربية والعبرية . ولقد شرحنا مضمون الاسم في العبرية ، وبقي مضمونة في العربية .
واسم أيوب من آب أوبا ، ومآبا ، أي رجع ، تقول : آب إلى اللّه ، يعنى تاب إليه ، والأوّاب هو التائب ، وكان أيوب من الأوّابين وقال فيه اللّه تعالى :إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( 44 ) ( ص ) ، فلأنه ابتلى وصبر ، وكان كثير الرجوع إلى اللّه بالاستغفار والتوبة والإنابة ، فإنه كان نعم العبد .

والصبر لا يقدر عليه إلا أولوا العزم ، وللصابرين عقبى الدار ، وفيهم قال تعالى :وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا( السجدة 24 ) ،
وأيوب صار بالصبر من الأئمة ، وكان صبره في القمة ، يقول تعالى :وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 83 ) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ( 84 ) ( الأنبياء ) ، ويقول :وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ( 41 ) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ( 42 ) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ( 43 ) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( 44 ) ( ص ) ،
وفي هذه الآيات أكرم اللّه أيوب فجعله عبدا من عباده ، ونسبه إلى نفسه ، والخطاب فيها للنبىّ محمد صلى اللّه عليه وسلم ولجماعة المؤمنين ، للاقتداء بأيوب في الصبر على المكاره .
والنصب : هو ما أصيب به في بدنه ؛ والعذاب : هو ما أصابه في ماله ، والإجماع بين المفسرين المسلمين على أن أيوب كان غنيا جدا .
وربما كانت قصة أيوب في القرآن هي المقابل لقصة قارون ، فكلاهما كان عبرانيا ، إلا أن قارون لم يكن مؤمنا ، وكان بخيلا بماله ، ويسعى وراء الكسب بكل ما أوتى من الحيل ، بينما كان أيوب مؤمنا وملتزما .

والمفسرون العرب على أن أيوب كان من البثنية من نواحي دمشق ؛ وفي سفر أيوب من التوراة أنه كان يسكن على تخوم الصحراء من جهة العراق في زمن الكلدانيين ، وكانوا يغيرون على الأهالي من العبرانيين من أهل غرب فلسطين . وفي التفسيرات العربية أن إبليس كان له موقف من السماء السابعة ، وسأله ربّه : أقدرت من عبدي أيوب على شئ ؟
فقال إبليس : يا ربّ ، وكيف أقدر منه على شئ وقد ابتليته بالمال والعافية ؟ !
فلو ابتليته بالبلاء والفقر ، ونزعت منه ما أعطيته ، لخرج عن طاعتك ! قال اللّه : قد سلّطتك على أهله وماله .
- فانحطّ عدو اللّه فجمع عفاريت الجن فأعلمهم ، فتحوّلوا إلى إعصار نار أهلك مال أيوب ، وجاءه قيّم ماله فأعلمه ، فقال أيوب : الحمد للّه ، هو أعطى وهو منع ! ثم جاء إبليس إلى بيته وولده ، فاحتمل البيت من نواحيه وألقاه على أهله وولده .
وأعلموه بما جرى ، فألقى أيوب بالتراب على رأسه ، ثم تاب وأناب ؛ ثم إن اللّه سلّطه على بدنه إلا على لسانه وقلبه وبصره ، فجاءه إبليس ونفخ في منخريه ، فانتشرت في جسمه الثآليل ، فحكّها بأظفاره حتى دميت ، وقال قولته : « مسّنى الضرّ » وفي الرواية الأخرى : « مسّني الشيطان » ، وأصابه المسّ بالنصب والعذاب .
ثم إن الشيطان جاء زوجته وعرض عليها أن تسجد له سجدة واحدة فيشفى لها أيوب ، فأخبرت زوجها ، فأقسم أن يضربها إن عافاه اللّه .

وقيل في أيوب : إن سبب بلائه : أن مظلوما استعان به فلم ينصره ؛ وقيل : منع يوما فقيرا أن يدخل عنده للغداء ؛ وقيل : داهن الملوك يوما حتى لا يغزو ، فابتلاه اللّه . وقالوا في زوجته : كانت زوجته بنت يعقوب ، وكان أيوب في زمن يعقوب ؛ وقيل : كانت زوجته بنت يوسف .
وكل ذلك سواء في أيوب أو في زوجته ، من الإسرائيليات ، ويصوّر مدى تمكّنها عند هؤلاء المفسرين من أمثال الطبري . وقوله : أنه كان لإبليس يوم في العام يصعد فيه إلى السماء السابعة ويلتقى اللّه ، قول باطل ، لأنه أهبط منها بلعنته تعالى وسخطه ، فكيف يرقى ثانية إلى محل الرضا ؟
وكيف يتسنّى له أن يجول في مقامات الأنبياء ، وأن يخترق السماوات العلى ويعلو إلى السماء السابعة؟ وآه ثم آه من الطبري هنا!
وادعاؤه قوله تعالى لإبليس : « هل قدرت على عبدي أيوب على شئ؟ » باطل أيضا ، لأن اللّه تعالى لا يكلم الكفّار ، فكيف يكلم أميرهم إبليس؟
وكيف يقول تعالى : قد سلّطتك على ماله وعياله وجسمه مع أنه لا سلطان لإبليس على عباد اللّه ؟ ! 

أضف إلى ذلك أن أيوب نبىّ كما جاء في القرآن ، والأنبياء قد عصمهم اللّه ؟ ! 
والقصة كلها إذن ، كما هي عند المفسرين المسلمين ، نقلا عن أمثال كعب الأحبار قطب الإسرائيليات ، ملفقة ولا يقبلها عقل ، وهل يمكن أن يتراهن اللّه مع إبليس ؟ ! 
وقصة الرهان هذه تأثر بها جوته ، فجعل انحراف فاوست باتفاق أيضا مع إبليس ! 
والشرّ المنسوب إلى اللّه عرفا في القصة ، وسمح به المفسرون المسلمون ، لا يفعله اللّه شرعا ، فصحيح أن الأعمال كلها خيرها وشرّها من اللّه ، يعنى أنه تعالى هيأ وخلق أسبابها ، إلا أنه لم يأمر بالشرّ ولا يرضى به! وجعل الاختيار بين الخير والشر مسؤولية الإنسان ، ومن ثم كان حسابه . 
والشر لا ينسب إلى اللّه ذكرا ، وإن كان موجودا منه خلقا ، وهو تعالى خلق المرض ، ولكنه أمر الإنسان أن يحذره ويتقيه ويتداوى منه ، وعلّمنا أن نسأله العافية ونحن نستعمل الدواء ، ولا نلامس المرضى ؟!
وفي دعاء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم عن الخير والشر وأنهما من اللّه ، قال : « والخير في يديك ، والشرّ ليس إليك » أخرجه مسلم ، وفي مثل ذلك قال النبىّ إبراهيم :وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ( 80 ) ( الشعراء ) .
وواضح في النص العبراني : أن القصة وضعت لإتاحة الفرصة للتفلسف ؛ وأما القصة في القرآن : فإن أيوب فيما ورد عنه من آيات ، يظل مؤمنا عارفا باللّه ، ولا يحفل القرآن بما أصاب أيوب تفصيلا ، والمهم في القصة : استبقاء أيوب لإيمانه .
ولم يصحّ عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن ذكر أيوب بحرف واحد فيما يخص هذه القصة برمتها ، ولم يتطرق القرآن إلى شئ مما ترويه التوراة ، وإذن فمن أين حصل أمثال الطبري على هذه التفاصيل عن حياة أيوب ؟ !
وما هي مراجعه فيها ؟ فلا شك أنها روايات اليهود له ، والإسرائيليات مرفوضة البتة عند المسلمين ، فيا أخي المسلم ، ويا أختي المسلمة ، أعرضا بصريكما عن هذه الاختلاقات بشأن أيوب ، وأصما أذانكما عن سماعها ، فإنها لا تعطى عنه فكرة إلا تخيّلا ! وقصة التوراة لا تزيد المفكر إلا خيالا ، وما قالته التوراة في خمس وأربعين صفحة ، وتسعمائة وتسعين كلمة !
قاله القرآن في ست آيات لا غير وسبع وستين كلمة . وفي الإسرائيليات قال ابن عباس : يا معشر المسلمين ما تسألون أهل الكتاب ، وكتابكم الذي أنزل على نبيّكم فيه أحدث الأخبار باللّه ، تقرءونها محضا لم تشب ، وقد حدّثكم القرآن أن أهل الكتاب قد بدّلوا من كتب اللّه ، وغيّروا ، وكتبوا بأيديهم الكتب ، فقالوا :هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا( البقرة 79 ) . 

ومع ذلك لم ينهكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم . فلا واللّه ، ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم ! ! !
وهذا حق فما يسألنا اليهود ، فلما ذا نسألهم نحن وقد علمنا أنهم حرّفوا كتبهم ؟ ! 

ولننظر مليا في جمال التعبير القرآني وإيجازه المعجز عندما يقول :ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ( 42 ) ( ص ) ،
والركض بالرّجل هو الدفع بها ، وهو أيضا تحريكها كما في العدو ، فلمّا ركض أيوب انصياعا لقوله تعالى ، نبعت عين ماء ، وتدفق منها الماء فاغتسل به : « هذا مغتسل بارد وشراب » ، فذهب الداء عنه من ظاهره ، ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه ؛ قيل : العين في الجابية بالشام ، وهي عينان ، اغتسل من واحدة وشرب من الأخرى . 

والأمر بالركض بالرّجل ليتناثر عن أيوب الداء منها ومن جسده كله ، وهذا هو ما نعرفه بالعلاج بالركض ، أو العدو ، وهو من فوائد هذه الآيات المباركة ، وقال به الطب العلاجى والنفسي حاليا ، ومنه العلاج بالمشي رهوا لا عدوا .
كما أن الشراب والاغتسال من العيون المعدنية علاج أكيد لكثير من الأمراض الجلدية ، وخاصة المياه الكبريتية ، ومنطقة شرق فلسطين مشهورة بوجود الكبريت في أرضها ومياهها ، والعيون من هذا النوع كثيرة ، والكبريت علاج ناجح ، والعلاج بالماءhydrotherapyمن العلاجات الطبية والنفسية كذلك مما ينصح به أطباء اليوم . 

ولم يكن قول أيوب « مسّني الضر » جزعا ، بل كان دعاء منه ، والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى اللّه ، والدعاء لا ينافي الرضا ، والدليل أنه دعاء أن اللّه تعالى قال : « فاستجبنا له » ، والإجابة تتعقب الدعاء لا الاشتكاء ، فلما استجاب له ، وهو أرحم الراحمين ، آتاه أهله ومثلهم معهم ، رحمة من عنده ، يعنى ولدت له امرأته البنين والبنات ، فعوّض عمّن مات ، وكان أولاده قد ماتوا ابتلاء قبل آجالهم . 
ومثلما أمره تعالى أن يركض برجله ، أمره أن يأخذ ضغثا ، أي حزمة من الحشيش المبلول ويضرب بها نفسه لا تأخذه بها رحمة ، وهو نوع آخر من العلاج قصد إليه بقوله تعالى : « لا تحنث » ، أي لا تقلل الضرب ولا تنقصه لكي يتم له الشفاء وتتنبّه حواسه جميعا ، ويندفع الدم إلى خلايا جسمه الذابلة ، وتزيد يقظته ووعيه . 
وقيل : كان أيوب قد أقسم إذا شفاه اللّه أن يضرب زوجته مائة جلدة لأنها سمحت أن يكلمها إبليس ويقنعها أن تسجد له ليشفى زوجها ؟ ! ولو لم تعتذر بضرورة أن تستأذن زوجها أولا لفعلت ؟ ! 
وقيل : إن أيوب ضربها ضربة واحدة بحزمة الحشيش المبلول ، وكان بها مائة عود ، فاعتبر أنه ضربها مائة جلدة . ولا نصدق أنه ضربها فعلا ، فقد ظلت زوجة له عندما انصرف الكل من حوله في مرضه ، واستقذروه حتى أبعدوه عن بلدتهم ، وكانت تعمل بيديها خادمة في البيوت لتستطيع أن تطعمه . 
وقيل : إنها في إحدى المرات لم تجد ما تطعمه به فباعت ذوائبها - أي جدائلها - نظير رغيفى خبز ، فهل مثل هذه المرأة يمكن أن يضربها زوجها عندما يشفى بعد ثماني عشرة سنة من المرض والمعاناة ؟ ! لا نعتقد ذلك ، وتأباه إنسانيتنا ، وتستنكره عقولنا ، وقد أخطأ المفسّرون العرب والمسلمون أيّما خطأ عندما شنّعوا بهذه التشنيعات ، فاحذر يا أخي المسلم كتب التفسير هذه . 
ولقد استشعر الوجدان الشعبي حبّ امرأة أيوب لزوجها فنسج الشعراء فيه القصائد ، وروى القصّاصون الحكايات ، وجاء أن اسمها ناعسة ، فصارت « حكاية أيوب وناعسة » من الأدب الشعبي المشهور والمحبوب .
والدليل أن أيوب استخدم الضّغث ليضرب نفسه لا زوجته ولم يحنث ، قوله تعالى :إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( 44 ) ( ص ) ، فكان مثلا في الاحتمال ، وصار كما يقول القرآن :وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ( 84 ) ( الأنبياء ) ، 
يعنى يذكرونه في زمنه وفي غير زمنه ، فإذا ذكروا بلاءه وصبره عليه وهو الذي كان أسعد وأحظى أهل زمانه ، تنبّهوا لمداومة عبادة اللّه واحتمال المضار مثله .
وقيل : إن أحدهم سئل عن عبدين ابتلى أحدهما فصبر ، وأنعم على الآخر فشكر ، فقال إنهما أيوب وسليمان ، وكلاهما سواء ، لأن اللّه تعالى أثنى عليهما معا : الصابر والشاكر ، فقال في أيوب :نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، وقال في سليمان :نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ! والحمد للّه ربّ العالمين .
  * * *
804 . مخاطبات أيوب لربّه من سفر أيوب
اسم « أيوب » اسم قديم لم يبتدعه مؤلفا « سفر أيوب » ، فقد ورد ضمن بعض وثائق في العمارنة ، وأسلوب أيوب فيه استلهم سفر إرميا ، وألهمت مخاطباته الكثير من الفلاسفة الحكماء العرب وغير العرب ، وموضوعه الخير والشر ، وفيه أن المصائب ليست سوى عقوبات ناتجة عن الآثام ، ونفس هذا الكلام ردّده الحواريون تلاميذ المسيح عند رؤيتهم للأعمى منذ ولادته ( يوحنا 9 / 1 ) .
وهذه بعض مخاطبات أيوب لربّه كمثال لأسلوبه ، تقول المخاطبات : بعد ذلك فتح أيوب فاه ولعن يومه وقال : لا كان نهار ولدت فيه ، ولا ليل قيل فيه قد حبل برجل . ليكن ذلك النهار ظلاما ، ولا رعاه اللّه من فوق ، ولا أشرق عليه نور .

لتستبد به الظلمات وظلال الموت ، وليقر عليه غمام ، ولتروّعه كواسف النهار .أقول للّه لا تؤثّمنى . 
أعلمني على أي شئ تحاكمنى ؟ على علمك بأنى لست بمنافق ، وأنه لا منقذ لي من يدك ؟
أذكر أنك صورتنى مثل الطين ، أفتعيدنى إلى التراب ؟ 
إنما الحكمة عند الأشيب ، والفطنة في طول الأيام . 
اللّه عنده الحكمة والجبروت ، وله المشورة والفطنة . ذلك كله رأته عيني وسمعته أذني وفطنت له . 
وما تعلمون فإني أنا أيضا أعلمه لا أقصر عنكم في شئ . لكنني إنما أخاطب القدر وأود أن أحاجّ اللّه . 
اسكتوا عنى فأتكلم مهما أصابني . أمرين يا ربّ لا تفعل بي .  أزل عنى يدك ولا تروعنى هيبتك .
الإنسان مولود المرأة ، قليل الأيام ، كثير الشقاء . فاصرف عنه طرفك ليستريح إلى أن يفي نهاره كالأجير .
أيامى قد انقضت وتقطّعت مآربي التي هي حظ قلبي . جعل ليلى نهارا ، ونوري يكاد يكون ظلاما . 
ما رجائي ؟ إنما الجحيم بيتي ، وفي الظلام مهدت مضجعى .
قلت للفساد أنت أبى ، وللديدان أنت أمي وأختي . إذن أين رجائي ؟ رجائي من يراه ؟
إنه يهبط إلى أبواب الجحيم . لا جرم إن في التراب لراحة .

  * * *

805 . نهاية أيوب من سفر أيوب

بعد أن يتفلسف أيوب - كما جاء بسفر أيوب - ويطرح أسئلة الشك عنده ، والتمرّد على وضعه ، يبدي الندم والاستغفار ويتوب إلى ربّه ، ويصلى من أجل أخلائه ، فيردّ الربّ عنه بلاءه ، ويرجع إليه ماله وعياله ، ويزيده ضعف ما كان له قبلا ، ويبارك آخرته أكثر من أولاه ، فيكون له من الغنم أربعة عشر ألفا ، ومن الإبل ستة آلاف ، ومن البقر ما يزحم ألف فدان ، وألف أتان .
وكان له سبعة بنين وثلاث بنات .
ولم توجد نساء في الحسن في الأرض كلها كبنات أيوب ، وأعطاهن أبوهن ميراثا بين إخوتهن ، وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة ، ورأى بنيه وبنى بنيه إلى أربعة أجيال ، ثم مات شيخا مؤمنا قد شبع من الأيام ، وهذا كله من بركة الإيمان ! ونظيره قوله تعالى :وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ( الأعراف ) .

  * * *
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 22 أكتوبر 2023 - 15:25 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

806 . قصة الألوف الذين خرجوا حذر الموت

هؤلاء من بني إسرائيل تذكرهم الآية :أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ( 243 ) ( البقرة ) ،
والخطاب فيها للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ثم لكل مؤمن باللّه ، يقول له : « ألم تر » ، والرؤية رؤية القلب ، بمعنى ألم تعلم ، أي تنبّه أو تنبّهوا إلى أمر هؤلاء ، وقصتهم أنهم وقع فيهم الوباء ، فخرجوا هاربين ، ونزلوا واديا ، فأماتهم اللّه .
وقيل كانوا أربعة آلاف فرّوا من الطاعون يطلبون أرضا ليس بها موت ، فأماتهم اللّه ، فمرّ بهم نبىّ فدعا اللّه فأحياهم .

وقيل ماتوا ثمانية أيام ، أو سبعة أو ثلاثة أو يوما واحدا ، عقوبة لهم ، ثم بعثهم اللّه إلى بقية آجالهم .
وقيل اسم النبىّ هذا هو شمعون - وليس في بني إسرائيل نبىّ اسمه شمعون .
وقيل إنهم فرّوا من الحمّى ، والمعقول أنهم فرّوا من الجهاد لمّا أمروا به وكتبه اللّه عليهم على لسان حزقيال - وحزقيال هذا من أعدى أعداء مصر ، وللأسف فإن الأقباط في مصر يقرءونه ويصلّون بترنيماته عن الابتلاءات والمصائب يدعو بها على مصر وشعبها ، فكيف يكون عندهم ولاء بعد ذلك لمصر ؟ يقول حزقيال : السيف يأتي مصر ( 30 / 4 ) ،
حين سقط القتلى في مصر ، ويسبى جمهورها ، وتهدم أسسها . . وتكون مصر سافلة بين الممالك ولا ترتفع من بعد على الأمم فإني أقلل أعدادهم لئلا يتسلطوا على الأمم » ( 29 / 14 - 15 ) ،
ولم أجد ضمن هذا السفر قصة كقصة هؤلاء الناس في الآية - « الألوف الذين خرجوا حذر الموت » .

وقيل إن هؤلاء الفارين لمّا خرجوا من ديارهم حذر الموت ، أماتهم اللّه ليعرّفهم أنه لا ينجيهم من الموت شئ ، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد .
وكل هذه الروايات من الإسرائيليات وليس لها إسناد ، وإنما اللازم من الآية أن نتنبّه إلى أمثال هؤلاء الفارين ، وأن نتوقف أمام مصائرهم ، ونفيد من قصتهم : أن الإماتة بيد اللّه لا بيد غيره ، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر .
وقوله تعالى : « وهم ألوف » جمع ألف ، وهو جمع كثرة ، ولا يقال ألوف في عشرة آلاف فما أقل ، وهم على ذلك أكثر من عشرة آلاف .
والموت الذي أماتهم هو موت عقوبة ولذلك أحياهم ، لأن ميتة العقوبة بعدها حياة ، وأما ميتة الأجل فلا حياة بعدها .
وقيل : الذي قال لهم موتوا فماتوا ليس اللّه ، وإنما أمر به ملك .
وفقه هذه القصة يشير به الحديث عن الطاعون : « رجز أو عذاب عذّب به بعض الأمم ، ثم بقي منه بقية ، فيذهب المرة ويأتي الأخرى ، فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه ، ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارا منه » ، وفي ذلك دلالة على توقّى المكاره قبل نزولها ، وتجنّب ما يخيف قبل قدومه ، والصبر وترك الجزع بعد نزوله ،
ومثل ذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم : « لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا اللّه العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا » .
ولما قال أبو عبيدة لعمر عندما سمع بالطاعون في بلدة فرجع : أفرارا من قدر اللّه ؟
قال عمر : نعم ، نفرّ من قدر اللّه إلى قدر اللّه !
- يعنى لا محيص للإنسان عمّا قدّره اللّه له وعليه ، ولكنه تعالى أمرنا بالتحرّز من المخاوف والمهلكات ، وباستفراغ الوسع في التوفّى من المكروهات ، وهذا هو الدرس المستفاد من قصة الألوف الذي خرجوا حذر الموت .

  * * *   
قصة النبىّ إلياس

807 . من كان إلياس ؟ وهل هو إيليا في التوراة ؟

يذكر القرآن النبىّ إلياسEliasمرتين ، يقول :وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ( 85 ) ( الأنعام ) ، ويقول :وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 123 ) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ ( 124 ) أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ ( 125 ) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ( 126 ) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( 127 ) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 128 ) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ( 129 ) سَلامٌ عَلى إِل‌ْياسِينَ ( 130 ) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 131 ) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( 132 ) ( الصافات ) ،
وقيل : 
اسم إلياس تصحيف عربى للاسم العبري إيلياElijah، ويعرف عند اليهود باسم إيليا التشبى لأنه ولد في تشبة على الأرجح وإن كان قد عاش في جلعاد ، في عهدي الملكين أخاب وأحازيا .
وقوله تعالى عن إلياس أنه « من الصالحين » لأنه كان زاهدا يدعو إلى الخير ، ويلبس الشّعر - أي الصوف - ويتمنطق بالجلد ، كالنّبي يحيى ، ويسكن البرية غالبا ، وحارب الفساد والكفر اللذين نشرتهما إيزابل بدعوتها لعبادة البعل عن عبادة اللّه . ومن المفسرين العرب من يقول إن إلياس أو إيليا هو نفسه النبىّ إدريس ،
وعن ابن مسعود قال : 
« إن إلياس هو إدريس » . وقال وهب بن منبه - وهو أصلا يهودي : إدريس هو إلياس بن نسّى بن فنحاص ، بعثه اللّه بعد حزقيال » . ولم نجد أن إلياس - الذي هو إيليا بالعبرية - ينتسب لنسّى ، ولا أن اسم أبيه نسّى !
وقال ابن منبّه نقلا عن التوراة : إلياس أرسل لقوم يعبدون الصنم بعل ، فدعاهم إلى اللّه ، ونهاهم عن عبادة ما سواه ، وكان قد آمن ملكهم باللّه ثم ارتدوا ، واستمروا على ضلالتهم ، ولم يؤمن به أحد منهم ، فدعا اللّه عليهم ،
فحبس عنهم القطر ( المطر ) ثلاث سنوات ، ثم سألوه أن يكشف ذلك عنهم ، ووعدوه بالإيمان به إن هم أصابهم المطر ، فدعا اللّه تعالى ، فجاءهم الغيث ، فاستمروا على أخبث ما كانوا عليه من الكفر ،
فسأل اللّه أن يقبضه إليه ، وكان قد نشأ على يديه أليشع بن أخطوب - ويقصد أليشع بن شافاط ! والصحيح أن القرآن قد ذكر إلياس كما في الآيتين السابقتين ، وذكر إدريس مستقلا عن إلياس، قال :وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا( 56 ) ( مريم )،

وقال :وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ( 85 ) ( الأنبياء ) وإذن فإلياس بخلاف إدريس . وقيل إنه أخنوخ في التوراة ، والصحيح أن قصة إدريس فيها من قصة إلياس ، ولكن إلياس في القرآن ليس إدريس بالتأكيد . وما ورد في القرآن في صفات إلياس لا ينطبق حتى على إيليا ، ولا نفيد شيئا من قصة إيليا في التوراة رغم طولها ، وعكس ذلك في القرآن ، فمن طريقته الإيجاز والإجمال في القصص ،
والمهمّ في القرآن هو :
الموعظة والمستفاد من القصة ، أو من إيراد اسم هذا النبىّ أو ذاك باعتبار ما دعا إليه وجاهد من أجله ، وأن ما نزل من القرآن على محمد يصدّق ما بين يديه ، يعنى ما جاء قبله . والبعل الذي ورد في قصة إيليا قال في معناه ابن عباس : إنه الربّ ، وقال غيره هو لغة أهل اليمن عما كانوا يعبدونه ، وقال آخرون إنهم كانوا يعبدون امرأة اسمها بعل ، وقيل هو اسم صنم كان يعبده أهل بعلبك ، وفي الآية :أَ تَدْعُونَ بَعْلًا( الصافات 125 ) أي أتعبدون صنما ؟
والصحيح أن البعل اسم سامى معناه ربّ أو سيد أو زوج ، والجمع في العبرية بعليم ، وفي الاصطلاح هو إله كنعانى ، وكان ابن الإله إيل ، وزوج الإلهة بعلة ، المسماة أحيانا عشيرة ، أو عنات ، أو عشتاروت ، ويعرفونها أحيانا باسم هدد ، وكان إله المزارع وربّ الخصب في الحقول وفي الحيوانات والمواشي .
وكانوا مولعين بعبادته ويضحّون بالذبائح البشرية له ( إرميا 19 / 5 ) ، ويبنون له المباني الضخمة ، ومن ذلك مدينة « بعلبك » في لبنان ، ومعنى الاسم « مدينة البعل » .
والإسرائيليون عبدوه وجعلوه من آلهتهم ( ملوك أول 18 / 17 - 40 ، ويشوع 22 / 17 ، وعدد 25 / 3 ، 5 ، 18 ، والمزامير 106 / 28 ، وتثنية 4 / 3 ) .
وكانت دعوة إيليا الذي يقال إنه إلياس - ضد البعل ، باعتبار اللّه تعالى أحسن الخالقين ، أي المستحق وحده للعبادة ، لأنه الخالق الأول الذي يردّ إليه كل الخلق ، وما خلقه هو الأحسن والأفضل ، وليس باستطاعة أحد مجاراته ، وكان إيليا أو إلياس ، ملحا في دعوته حتى أن الملك أخاب لما التقى به قال : أأنت إيليا مقلق إسرائيل ؟ فذهبت مثلا .
وكانت إيزابيل قد أكثرت من قتل الأنبياء ، فكان الأحرى بإيليا أن يخاف ، ولكنه طلب من الملك المباهلة : وهي أن يستحضر أنبياء البعل الأربعمائة والخمسين ، ويواجههم إيليا وحده ، لأنه لم يعد من أنبياء اللّه سواه ، ويؤتى بثورين يذبحان ويقطعان ولا يوقد تحت أي منهما بنار ، وإنما يدعو أنبياء البعل على إلههم ، أن يتقبل قربانهم ويشوى الثور ، وفعلوا ذلك ، ولم يحدث شئ ، وجاء دور إيليا ، فأعد محرقة كما ينبغي ، ووضع لها الحجارة والحطب والماء ، ونضد لحم الثور على الحطب ، ودعا ربّه فاستجاب له ، وهبطت نار الربّ وأكلت قربانه بحطبه ومائه وحجارته ،
فهتف الشعب : الربّ هو الإله ! وأمر إيليا بالقبض على أنبياء البعل ، وأنزلهم إلى نهر 
قيشون ، وذبحهم هناك !
وقيل : لما فعل ذلك نزل المطر ، فشرب الناس وسقوا بهائمهم والزروع وانتهت المجاعة .
وتوعدته إيزابيل ، وطاردته فلول أتباعها ، فهرب إلى بئر سبع ، والتمس من اللّه الموت يأسا وزهدا ، واضطجع ونام ، فجاءته الملائكة في الرؤيا ، واستيقظ ليأكل طعامهم ، فتقوّى ، وسار أربعين يوما بلا طعام ، اعتمادا على هذه الأكلة ،
يقصد إلى جبل حوريب ، وصعد الجبل يشكو إلى ربّه ظلم شعب إسرائيل ، ونكثهم للعهد ، وتقويضهم لمذابح الربّ ، وقتلهم أنبياءه بالسيف حتى لم يعد منهم أحد سواه ، وسعيهم خلفه يطلبون نفسه وقد بقي وحده ، وعندئذ كانت ريح عظيمة وزلزلة شديدة وكلّمه اللّه ، فارتحل تبعا لما أمره ، ليمسح حزائيل ملكا على أرام ، ويا هو ملكا على إسرائيل ،فيكون أن من يفلت من سيف حزائيل يلقى سيف يا هو ، والتقى بالنبىّ اليسع فتبعه .
وكان أن إيليا ضرب نهر الأردن بردائه فانفلق الماء وجاز النبيان ، ثم جاءت مركبة نارية ، وخيل نارية ، فصلت بينهما ، وصعد إيليا في العاصفة نحو السماء ، واليسع ينظر ويصرخ ، وحلّت به روح إيليا - وكانت لإيليا معجزات أكثر مما للمسيح ! والسؤال : فلما ذا لم يعبد اليهود إذن إيليا كما عبد النصارى المسيح ؟ 

وكلاهما : اليهود والنصارى يقولان بالرفع - بدعوى أن اللّه رفع إيليا المسمى إدريس في زعم البعض ، ورفع المسيح المسمى عيسى ، ويقول اليهود إن إيليا سيعود ، ويقول النصارى المسيح سيعود . 
وتلك إذن قصة إيليا في التوراة ، التي أوجزها القرآن في إعجاز ، وقيل : إن القرآن أطلق عليه الاسم العربي إلياس ، ثم سمّاه في فخار شأن العظماء من الأنبياء « إلياسين » ، قال :سَلامٌ عَلى إِل‌ْياسِينَ( 130 ) ( الصافات ) ،
ومن ذلك قراءة البعض لاسم إدريس النبىّ « بإدرسين ، وإدراسين » على أنها لغات في إلياس وإدريس . 

وقرئ الاسم « إل ياسين » : « آل ياسين » ، والآل هم الأهل ، وهم أهل دينه ومن كان معه على مذهبه . 
ومن قرأ سَلامٌ عَلى إِل ‌ْياسِينَ، جمع جمع التسليم على أنه وأهل بيته سلّم اللّه عليهم . 
وقيل إن إِل ‌ْياسِينَ جمع إلياس ، وسلامه على آل ياسين يعنى على كل رجل فيهم ، أو أنه جمع إلياسى نسبة إلى ياسين وحذفت ياء النسبة . 
وقرئ أيضا سلام على ياسين بإسقاط الألف واللام . وقيل إن قراءة إلياس الياسين مثل قوله تعالى في موضع « طور سيناء » ، وفي موضع آخر« طُورِ سِينِينَ ». 
وقيل آل ياسين هم آل محمد ، وياسين هو اسم لمحمد ، وهو قول غريب يخرج المعنى عن مضمون الآية ! 
ثم إن يس وحم وألم ونحو ذلك ، القول فيها واحد ، وهي أنها حروف مقطّعة مأخوذة من أسماء اللّه ، أو من صفات القرآن ، أو أن في كل كتاب سرّ ، وسرّه في القرآن فواتح السور . 
ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : لي خمسة أسماء ولم يذكر فيهايس، وجاءت التلاوة في ياسين بالسكون والوقف ، فلو كان اسما للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم لقال ياسين بالضم .
ومن الغريب أن ابن مسعود في إثبات قوله أن إلياس هو إدريس قرأ الآية : وإن إدريس ، وقال ذلك أبو حيان ، وآزره عكرمة فقال : هو في مصحف عبد اللّه بن مسعود :
وإن إدريس لمن المرسلين وانفرد بهذا القول . وعن ابن عباس أن إلياس عمّ اليسع ، وأنه كان القيّم على بني إسرائيل بعد يوشع وحزقيال ، فلما قبض حزقيال النبىّ عظمت الأحداث في بني إسرائيل ونسوا عهد اللّه وعبدوا الأوثان ، فبعث اللّه إليهم إلياس نبيا ، وتبعه اليسع وآمن به ، فلما عتا عليه بنو إسرائيل دعا ربّه أن يريحه منهم ، فقيل له : اخرج إلى موضع كذا وكذا فما استقبلك من شئ فاركبه ولا تهبه ، فخرج ومعه اليسع ، فقال :
يا إلياس ما تأمرني ؟ فقذف إليه بلسانه من الجو الأعلى ، فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل ، وكان ذلك آخر العهد به . وكان إلياس قد قطع اللّه عليه لذة المطعم والمشرب ، وكساه الريش ، وألبسه النور ، فطار مع الملائكة ، فكان إنسيا ملكيا سماويا أرضيا ! !
وفي تفسير ابن قتيبة : أن إلياس سأل ربّه أن يؤخر عنه مذاقة الموت ، فصار يطير مع الملائكة . وقيل : إلياس والخضر كلاهما في السماء يعبدان اللّه ، وإنهما ليقولان : « ما شاء اللّه ما شاء اللّه ، لا يصرف السوء إلا اللّه . ما شاء اللّه ما شاء اللّه ، ما يكون من نعمة فمن اللّه . ما شاء اللّه ، ما شاء اللّه ، توكلت على اللّه ، حسبنا اللّه ونعم الوكيل » ! !
وروى عن أنس من شطحاته أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم كان في غزوة ، فلما كان عند فج الناقة عند الحجر ، سمع صوتا ، وكان النبىّ إلياس يقرئ النبىّ محمدا السلام ، وأنهما تحدثا طويلا ، وطعما معا !
وفي القرآن قوله تعالى :إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ( 128 ) ( الصافات ) ، قيل : فعن ذلك في التوراة أنهم كانوا سبعة آلاف قد ورمت ركبهم من السجود ؛ وفي القرآن كذلك أن اليسع « من الأخيار » ، يعنى ممن اختير للنبوّة ، والأخيار جمع خيّر ، وهم المصطفون ، اصطفاهم من الأدناس واختارهم لرسالته ، ولذا قال :وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ( 129 ) ( الصافات ) ،
يعنى له الثناء الجميل والذكر الحسن كلما ذكر اسمه فيمن تلا ذلك من الأجيال ، وقال :إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 131 ) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( 132 ) ( الصافات ) ، 

قيل : فلأنه آمن باللّه وأبلى البلاء الحسن فكان جزاؤه الجزاء الحسن ، فجمع له حسن الأحدوثة ، والسلام عليه يقرن باسمه ، وكانت له درجة الإحسان ، لأنه كان من الذين أعطوا العبودية حقها وآمنوا باللّه حتى استحقوا الإضافة إليه تعالى . 
والخلاصة : أن الكلام عن إلياس في القرآن لا يحتمل كل هذه التخريجات والتهاويل ، والتأويلات ، ويكفى أن نعلم عن إلياس ما ذكره القرآن دون إضافات واجتهادات وتلفيقات . وهذا هو التفسير الأمثل الذي نعتقده وأدعو إليه . والحمد للّه ربّ العالمين .
  * * *
   قصة اليسع

808 . القرآن لم يصادر على شئ من قصة اليسع في التوراة

يأتي اسم اليسع في القرآن مرتين ، قال تعالى :وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ( 86 ) ( الأنعام ) ، وقال :وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ( 48 ) ( ص ) .
واليسع تصحيف عربى للاسم العبري أليشعElisha، قيل أصل الاسم العربي « يسع » والألف واللام زائدتان ؛
ومعنى الاسم العبري : اللّه هو الخلاص ، أو المخلّص هو اللّه ، وكان من أنبياء بني إسرائيل ، وتذكره أسفار الملوك ، الثاني والثالث والرابع ، ولا يذكره القرآن إلا اسما ، يقول إنه من المفضّلين على العالمين ، فحكم له بالفضل والسبق فيه ، وأدرجه ضمن أهله ومن لهم الفاضلة ، أي الدرجة الرفيعة ، ووصفه بأنه من الأخيار ، أي من خيرة الناس ، ومن أفضلهم من كل شئ .
وفي التوراة أنه اليسع بن شافاط ، من سبط يساكر ، وكانت إقامته في آبل محولة من وادى الأردن ، وينتسب إلى عائلة ثرية ، فقد كانت أملاك أبيه الزراعية شاسعة حتى ليحتاج لحرثها إلى اثنى عشر زوجا من الثيران ، ولما التقى بالنبىّ إلياس الذي هو إيليا بالعبرية - كقول البعض - تبعه وسار على نهجه ، وقيل لذلك إن اليسع أو أليشع هو الخضر ، وقيل بل العكس هو الصحيح ، فإلياس هو الخضر واليسع كان فتاه ورحل معه لا يفارقه ، كما كان يوشع فتى موسى ، وكان يخدمه ويصبّ على يديه الماء ، وحاول إنقاذه لمّا رآهم يأخذونه ، ورفع إلياس أمامه إلى السماء ، وحلّت روحه على اليسع ، فهذا هو « الحلول » في اليهودية ، ومع ذلك يدّعون أنه لا حلول في ديانتهم ؟ !
والحلول سيكون بدوره في النصرانية ، وقد سجد له المؤمنون به - فهذا هو السجود الذي رفضه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لمّا اقترحه بعض الصحابة لتحيته - ومع ذلك كان الصبيان يسخرون منه ، لأنه كان أجلح يعنى أصلع الرأس ، على خلاف معلمه وسيده إلياس ، وحتى في الملابس كان على خلافه ، فقد كان يرتدى الملابس العادية بينما إلياس كان يلبس الشّعر - يعنى صوف الغنم ، ويتمنطق بجلده على حقويه ، وكان يسير مستندا إلى عكاز ، فكان أشبه بالصوفية ، ولذلك اعتبروه قدوة لهم ، ولم يقتدوا بمعلمه . ثم إنه كان كثيرا ما يسكن الحواضر والمدن على عكس إلياس الذي كان يسكن البرية ، وكانت له عليّة صغيرة في السامرة عند الأسرة الشونمية ، وفيها سرير ومائدة وكرسي ومنارة ، وكان يأوى إليها كلما حضر إلى المدينة في رحلاته النبويّة . وكانت له كرامات أو معجزات بحسب اعتبارنا له ، فإن عددناه من الأولياء فهي كرامات ، وإن عددناه من الأنبياء فهي معجزات ، ومن ذلك أفعاله مع الأرملة التي ما كانت تجد ما بقيتها وابنيها بعد وفاة زوجها ، فبارك الزيت الذي تبيعه ، فكلما أشرفت أوعيته أن ينضب فيها الزيت ، عادت إلى الامتلاء ، فكانت تبيعه وتقضى دينها ، وتتعيش هي وابناها ؛ ولمّا شكت له الشونمية أنها لا تلد ، وزوجها شيخ ، باركها فولدت ابنا ؛ ومرض الابن يوما ومات ، فركبت الأم إلى جبل الكرمل حيث يقيم ، وحاول خادمه حيجزى أن يصرفها عنه ، ولكنها ارتمت على قدميه ، فقام إلى الصبى وارتمى عليه ، وجعل فاه على فيه ، وعينيه على عينيه ، وكفّيه على كفّيه ، وتمدد عليه حتى سخن جسد الصبى ، فعطس سبع مرات وفتح عينيه . وشكا له أهل أريحا أن ماء بلدهم رديء ، والأرض مجدبة بسبب ذلك ، فأضاف ملحا إلى منبع الماء ، فصفى الماء وعذب ( ملوك رابع 2 / 19 - 21 ) .
وتنبأ بنجاح الحملة على موآب ، وأمطر السماء ليشرب الجنود والناس والماشية والبهائم ( ملوك رابع 3 / 17 / 18 ) ؛
وأبطل السمّ في قدور الرجال ليأكلوا ( ملوك رابع / 40 4 ) ؛ وأطعم مائة رجل بعشرين رغيفا ( ملوك رابع 4 / 43 ) ؛ وشفى نعمان الآرامي من برصه ، بأن أمره أن يغتسل سبع مرات في الأردن ، ففعل وشفى ، فتهوّد هو ومن معه ( ملوك رابع 5 / 19 ) ، ولمّا أخذ خادمه حيجزى مكافأة على شفائه دون علمه ، عاقبه بأن أصابه بالبرص الذي كان بنعمان مدى حياته ( ملوك رابع 5 / 27 ) ؛ ولما سقط الحديد في الماء وكان عارية ، جعله يطفو إلى السطح على عكس قوانين الفيزياء ( ملوك رابع 6 / 5 ) ؛
وعرف غيبا بمكامن جيش الآراميين فحذّر الإسرائيليين ، وحدث ذلك عدة مرات ، حتى أن ملك أرام اتهم أحد أتباعه بأنه عميل الإسرائيليين بين جنوده ، وأنه يبلّغهم بتحركاتهم ( ملوك رابع 6 / 11 ) ؛
ودعا على غزاة أرام فضربوا بالعمى ، ثم دعا لهم فأبصرت عيونهم ، فصنع لهم مأدبة عظيمة فأكلوا وشربوا ، ثم أطلقهم فلم يعودوا يأتون إلى أرض بلاده ( ملوك رابع 6 / 23 ) ؛ وتنبأ في حصار السامرة أن المجاعة ستنتهى والحصار سيرفع ( ملوك رابع 7 / 4 ) ، وأرسل إلى يا هو بن يوشافاط من يمسحه بالدهن ويبشّره أنه سيكون ملكا على إسرائيل وقد كان ( ملوك رابع 9 / 1 ) . 

ومرض اليسع وزاره يوآش ملك إسرائيل ، فتنبأ له أنه سيضرب الآراميين ثلاث مرات ، وقد كان ؛ ومات اليسع فدفنوه ، وفي عدوان للأراميين كان جماعة يدفنون أحد الموتى ، فلما لمحوا الغزاة رموا الميت في قبر اليسع ، ومسّ الميت عظامه فعادت إليه الحياة وقام على قدميه . فإلى هذا الحد إذن كانت معجزات اليسع أكبر من معجزات المسيح ؟ !
وكانت لفائدة الناس أكثر مما كانت معجزات المسيح ، ومع ذلك عبد النصارى المسيح ولم يعبدوا اليسع ! لما ذا ؟ !

وبعد فهذه حكاية اليسع الذي ورد ذكره في القرآن ، فقد كان من الأخيار ، أي من المصطفين الذين اصطفوا للرسالة والنبوّة ، فهو يذكر في القرآن هذا الذكر الجميل في الدنيا ، والذكر شرف له طالما الدنيا قائمة ، ومن أجل ذلك كان تفضيله على العالمين ، والذّكر في الآخرة حسن مآب ، يعنى هو المرجع الحسن للحساب . والحمد للّه ربّ العالمين .
  * * *
   قصة موسى والفرعون

809 . فرعون موسى لم يكن مصريا

الغزو التوراتى للتاريخ المصري القديم ، وزخم الإسرائيليات لتفسير القرآن حول قصة فرعون موسى ، واضح وصريح فيما يتعلق بالأسماء ، وخاصة اسم فرعون ، ويرد في القرآن 74 مرة ، وقال مفسرو القرآن أنه اسم كل ملك كان يحكم مصر ، وهذا غير صحيح ، لأن لفظة فرعون كلمة آشورية ، وكانوا يطلقونها على الملوك العماليق ، فظن العرب أن عماليق تعنى جبابرة ، وعلى ذلك كان اسم فرعون يعنى الملك الطاغية ، وأن كل ملك حكم مصر حكما مستبدا فاسمه فرعون ، وأنه اسم كالنجاشي عند الأحباش ، وقيصر عند الروم ، وكسرى عند الفرس .
غير أن السّور التي استخدمت الاسم « فرعون » هي التي كان اهتمامها بسرد قصص الأنبياء الثلاثة : إبراهيم ، ويوسف ، وموسى ، وهؤلاء الثلاثة لم يدخلوا مصر بالمعنى الصحيح وإنما اكتفوا بمخالطة حكام إقليمها الشرقي الذي كان اسمه جاسان أو جاشان ، وكان الناس فيه أكثرهم من الأجانب ، وكان عرضة للغزو ، وكان ملوكه لذلك من الأجانب ، وأكثرهم آشوريون ، وعندهم أن الملك الأوحد ، أو الملك الكامل القوى هو الفرعون ،
والدليل أن الفرعون كان اسما أجنبيا أنه جاء في التوراة كلقب للملك شيشق بالعبرية ، الذي هو شيشنق بالمصرية ، وكان شيشنق ليبى الأصل ، والملك سوا - وكان معاصرا لهوشع من ملوك إسرائيل ( ملوك 2 / 17 / 4 )
والملوك ترهاقة أو تهرقا ، ونخو ، وحفرع الذي هو همبريع عند المصريين وإبريز عند هيرودوتس ، والذي أعطى هؤلاء اسم فرعون واختصّهم به هو عزرا أو عزير كاتب التوراة ، ونقله عن الثقافة السامية الأشورية الآرامية السريانية ، ثم نقله المؤرخون الغربيون عن التوراة ومن ثم انتشر الاسم ، وبعد ذلك تعرّب ، وصار منه تفرعن أي تكبّر ، ومنه آل فرعون وهم ملؤه ، والقرآن يذكرهم ثلاث عشرة مرة ، كطغمة فرعون وحاشيته ، وذلك دليل على أنهم كانوا من الأجانب .
وقول القرآن أن فرعون علا في الأرض واستكبر كان رصدا لما كان يفعله ملوك الهكسوس في أرض جاسان ( طه 24 ) ، والفرق بين هؤلاء وملوك مصر ، أن ملوك مصر كانوا متدينين ، بينما الفراعنة الأجانب كانوا من العتاة ، فضلّوا وأضلوا ( طه 79 ) ، وبلغ من خوف الناس منهم أن كانوا إذا أقسموا يحلفون فيقولون : « وعزة فرعون » ( الشعراء 44 ) ،
وصرّحوا بكفرهم ، واستقووا ، وساموا الناس صنوف العذاب والظلم ( البقرة 49 ) .
ولم يكونوا يخشون المصريين ، وإنما خوفهم من أغراب مثلهم وخاصة العبرانيين ، فقد زاد عددهم حتى صاروا أكبر جالية أجنبية في جاسان ، فاستغلوهم أبشع استغلال ، واستحيوا نساءهم ، وقتلوا أبناءهم ، وكان السواد من الناس مصريين ، وكانوا فلاحين ، بينما العبرانيون رعاة ، والهكسوس الأشوريون حكاما وصفوة ، ولما جاء موسى وهارون دبّروا لقتلهما .
وفرعون موسى لم يكن يعرف البتة معنى الإله ، وهذا لم يكن شأن ملوك مصر الحقيقيين ، فاتّهم موسى بالكذب ، وجمع السحرة ليغلبوه على سحره ، وهو دليل آخر على أن هؤلاء جميعا والسحرة لم يكونوا مصريين ، لأن السحر لم يكن معروفا في مصر ، والذي كان معروفا فيها هو العلم وليس السحر !
والسحر يسمونه العلم الكاذب ، وعلم المصريين كان العلم الحقيقي . ولم يحدث في تاريخ مصر أن نطق ملك من ملوكها بعبارة كهذه العبارة :ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ( 29 ) ( غافر ) ،
فهذه العبارة يعرفها ملوك « العماليق » ، أو « الجبابرة » ، أو « الفراعنة » من أهل بابل وآشور .
ودليل آخر على أن هذا الفرعون لم يكن مصريا هو سؤاله لموسى :وَما رَبُّ الْعالَمِينَ( 23 ) ( الشعراء ) ، 

فذلك مما يعلمه المصريون يقينا ، ولهم في ذلك مزامير شهد بريستيد أن الإسرائيليين كتبوا مزاميرهم على منوالها .
ومن شأن الأغراب حينما يحكمون بلدا أن يفرّقوا بين أهله ، وفي الأمثال : 
فرّق تسد ، وذلك ما بنى عليه الفراعنة الهكسوس - والأجانب عموما - حكمهم للأرض التي يستولون عليها من مصر ( القصص 4 ) .
وكان هامان كما يوحى اسمه الأشورى ، آشوريا خالصا ، وكان قائد جند فرعون ووزيره الأول ومعينه على الظلم . وقصة هذا الفرعون مع موسى لا تحكى عن ظلمه للمصريين ، فلو كان مصريا ويحكم مصر كلها لسام مصر والمصريين صنوف العذاب ، ولنوّه بذلك القرآن ، وإنما القرآن قال على لسان الفرعون :أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ( الزخرف 51 ) ،
والاسم « مصر » تطلق على الأرض كلها ، وعلى جزء منها .
وعن نوع حكمه قال القرآن على لسان جماعته :اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ( غافر 25 ) ،
وما هكذا كان يحكم ملوك مصر ، ولم تكن هذه سياستهم في مستعمراتهم ولا مع أسراهم . وهذه الأخلاق هي أخلاق الأشوريين ولهم في ذلك سوابق ، ولذلك كان مدار قصة الفرعون مع موسى خلاص شعب إسرائيل من قبضة « الملوك الرعاة » ، وهم هؤلاء الملوك الأشوريون الفراعنة . وممن أعان هذا الفرعون على ظلمه ، أجنبيّ آخر من العبرانيين أنفسهم ولكنه متعاون مع أعدائهم ، وكان شديد الثراء ، واسمه قارون ، ذهب مضرب المثل في الغنى الفاحش ، وتهمته أنه استكبر وعتى وكان من الظالمين . ولخص موسى حال فرعون هذا فقال له :وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً( 102 ) ( الإسراء ) ، أي هالكا . 

وانتهى هذا الفرعون نهايته التعسة وأغرق في البحر هو وجنوده ، وقيل : فتخلصت مصر من حكم الهكسوس من وقتها ، وهذا دليل آخر على أن قصة موسى لم تكن مع المصريين .
وضرب اللّه مثلا بامرأة فرعون ، وربما تكون امرأة هذا الفرعون نفسه ، وكانت مؤمنة ومن الأشوريين ، من الخلائف الباقية ممن آمنّ مع يوسف من النساء ، كما كان « المؤمن من آل فرعون » من خلائف بقايا المؤمنين من الرجال ، ودعت عليه أن يخلّصها ربّها ، فخلّصها منه كما أرادت ( التحريم 11 ) . وقوله تعالى :وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ( 10 ) ( الفجر ) 

فيه أن هذا الفرعون وكل الهكسوس كانوا بدوا يسكنون الخيام التي تسندها الأوتاد ، ولذلك سمّوهم « الملوك الرعاة » ، والأكثر صوابا أن يقال « الملوك البدو » ، أو « الملوك الرحّل » ، وذلك دليل على أن فرعون موسى ، والفراعنة من آله أو جماعته أو شيعته ، لم يكونوا مصريين ، فالمصريون لا يسكنون الخيام .
  * * *
810 . حقيقة اسم ( موسى ) عليه السلام
لم يكن اسم موسى عبرانيا كما يدّعى اليهود ، فموشيه وهو نطقه العبراني - لا يعنى لقيط الماء ، كما ادّعوا أن ابنة فرعون سمّته به لمّا عثرت عليه في السفط الطافي على الماء ، وما كان لابنة فرعون أن تعطيه اسما عبرانيا وهي لا تعرف العبرية ! ! 
إلا إذا كانت آشورية ، فالأشوريون كانوا يعرفون العبرية ، والعبرانيون كانوا يعرفون السّريانية والآرامية .
غير أن ابنة فرعون ما كان من الممكن أن تربّى موسى في قصرها كابن لها إذا كان اسمه عبرانيا ! ! 
وإنما الاسم كان بطريقة الناس في جاسان حيث كانت تسكن ، وجاسان هي المستعمرة العبرانية التي يسكنها العبرانيون منذ عهد يوسف ، والفرعون لم يكن مصريا بل آشوريا من الهكسوس الملوك الرعاة كما سمّاهم المؤرخ اليهودي مانيتو . 
ورغم أن كتاب مانيتو باليونانية ، واسم الهكسوس يوناني ، إلا أن مانيتو كان عبرانيا بدليل الطريقة التي صنّف بها كتابه كتصنيف أسفار اليهود ، وكان تقسيمه للأسر المصرية كتقسيم الأسباط .
والفرعون كان اسم الملوك الهكسوس ، وأذاعت التوراة الاسم ، وصار الجميع يقولون « فراعنة » مصر ، والتاريخ « الفرعونى » ، وهو خطأ شائع . وكذلك اسم موسى ، من الخطأ البيّن أن يقال أنه اسم عبراني ، ولكنه اسم تقليد للأسماء المصرية ، فموسى كان اسما ذائعا في مصر وفي أرض جاسان : بمعنى « عبد » ، ويضاف إليه اسم إله ، فيقال تحتمس ، أي توت موسى ، 
يعنى عبد الإله توت ، ورمسيس - أي رع موسى ، يعنى عبد الإله رع ، كما نقول الآن عبد الصمد ، وعبد اللّه ، ثم إن موسى لمّا دعا إلى نبذ الآلهة الوثنية ، كان عليه أن يحذف من اسمه ما يخص هذا الإله الوقتى ، فاكتفى بموسى ، أي عبد ، كما يكتفى في تسمية عبد اللّه باسم عبد كما في الشام ، أو اسم عبده - كما في مصر . 
وأما إدخال حرفSعلى نهاية الاسم الأفرنجي منMosheإلىMosesفذلك كان بسبب اللغة اليونانية ، فهكذا يكتب فيها .
  * * *

812 . قصة هارون

هارون شقيق موسى ، وأبوهما عمران ، ومنه انحدرت عشيرة العمرانيين ، وكان له ثلاثة من الأبناء هم على الترتيب : مريم الكبرى ، وهارون ، وموسى . وجدّه لاوى يعنى كان كاهنا ، وهارون أطلقوا عليه اسم اللاوى ، وظل هذا الاسم معه ومع أولاده من بعده ، وصار معنى اللاوى الحبر ، واللاويون كانوا سند الدعوة الموسوية ، وظلوا كذلك إلى عهد سقوط الهيكل وتدمير أورشليم سنة سبعين ميلادية .
وشارك هارون موسى في تبليغ الفرعون ، وارتحل معه إلى مصر ، وخاطب رؤساء عشائر بني إسرائيل في أرض جاسان من مصر ( محافظة الشرقية الآن ) ، وكل قصة موسى وهارون وقعت في أرض جاسان ومع الفرعون الأشورى ممن يقال لهم الهكسوس ، وساعد هارون موسى في عملية الخروج من مصر ( الخروج 4 / 27 - 31 ) ،
وكان يده اليمنى ، ويحمل له عصاه ، واشترك في الحرب مع العماليق ، وكان خلف موسى في رفيديم ( خروج 17 / 12 ) ، وأخذ مع ابنيه وسبعين من شيوخ بني إسرائيل العهد مع الربّ على جيل سيناء ، وقيل إنهم رأوا الربّ وأكلوا وشربوا ! ! ( خروج 24 / 1 - 10 ) .
ورغم كل ذلك فإن هارون أظهر ضعفا في مسائل كثيرة ، واسمه هارون من هرن السامية ، ومعناها ضعيف البنية والصوت ، وكان هارون من النوع الهزيل ، ولم يكن جهوري الصوت كأخيه ، وعوّض ضعف شخصيته بطلاقة لسانه وقوة بيانه ، فلما غاب موسى على الجبل وأراد الإسرائيليون أن يصنعوا عجلا من الذهب يتعبّدونه ، ويشربون ويمرحون من حوله ، لم يعارضهم هارون ، ومع ذلك غفر اللّه له ، وعفا عنه موسى ، وعيّنه كاهنا على بني إسرائيل ، فتأسست به الكهانة اللاوية ، وكان أول رئيس للكهنة ، ونصّب وأولاده الأربعة وألبسوا لباس الكهنة .
واستمرت خدمته للدين أربعين سنة . ولم يكن هارون يعجبه موسى ، كما أن موسى كان يعاني كثيرا من هارون . وهارون كان أقرب للشعب من موسى ، وانضم أهل موسى إلى هارون متمردين على موسى ، ولمّا تزوج موسى الكوشية ( الحبشية ) ،
تمرّد عليه هارون هو وأخته مريم ، وادّعيا أن اللّه يأتيهما كما يأتي موسى ، وأصيبت مريم بالبرص من أجل أنها كذبت ، فاسترحم هارون أخاه ليدعو ربّه أن يشفيها ، واعترف بخطئه .
ثم إن بنى قورح خرجوا على هارون ، وانقذه منهم أن انشقت الأرض وابتلعتهم . وكان آخر أخطائه أنه وموسى لم يقدّسا الربّ في أواخر عمرهما !
وصار هارون عبثا على موسى ، فأخذه ابنه إلى الجبل ، ورسّم الابن بدلا من أبيه ، ونزل موسى والابن بدون هارون ، وقالا إنه مات ! وفي التلمود أن موسى قتل هارون ، وشاركه في القتل ابن هارون !
وشكّ الشعب في موسى ، وأظهر الحزن على هارون ، ولمّا توجّهوا إلى فلسطين لم يصحبوا موسى إظهارا للغضب ، فلم يتهيأ لموسى أن يرى الأرض الجديدة .
والخلاف بين قصتي التوراة والقرآن كبير ، فهارون في القرآن كان يوحى إليه :إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً( 163 ) ( النساء ) ،
على عكس رواية التوراة . وفضله في صنع التابوت وتهيئته لا ينكر ، وله اليد الطولى في ذلك هو وأبناؤه وذريته :أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ( البقرة 248 ) ،
والتابوت هو تابوت العهد ، وهو صندوق كانت به عصا موسى وعصا هارون ، ولوحا العهد عليهما الوصايا العشر ، وكتب التوراة .
ويصف القرآن هارون بأن اللّه قد هداه ، وأنه من نسل إبراهيم ، وكان من المحسنين :وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ( 84 ) ( الأنعام ) .
ولم يفرّق سحرة الفرعون بين موسى وهارون فكلاهما واحد ، فلما آمنوا أعلنوا إيمانهم بربّ موسى وهارون ولم يقولوا بربّ موسى وربّ هارون :قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ( 121 ) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ( 122 ) ( الأعراف ) .
ويبدو أن موسى كان يعرف هنات أخيه هارون ، فلما قصد الجبل أوصاه :وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ( 142 ) ( الأعراف ) 

فهاتان وصيتان أوصى بهما موسى هارون : أن يصلح ، وأن لا يتّبع المفسدين . وفي الحديث أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال لعلىّ بن أبي طالب : « أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبىّ بعدى » أخرجه مسلم ، وهذه المنزلة هي منزلة الخلافة ، قال موسى لهارون : « أخلفني في قومي » ، وهذا الحديث لذلك تكأة الشيعة في استحقاق علىّ للخلافة بعد الرسول صلى اللّه عليه وسلم .
وقوله تعالى في مريم أم عيسى :يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا( 28 ) ( مريم ) المقصود أن مريم من نسل وسلالة هارون أو من بيت هارون ، فقد كانت هارونية ، أو لاوية ، يعنى من آل عمران أو بيت عمران .

والقرآن نبّه إلى ذلك في أصل مريم أم عيسى ولم تشر الأناجيل إلى أصلها . وكان هارون هبة من اللّه لأخيه موسى :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا( 53 ) ( مريم ) ، وذلك لمّا جعله وزيرا له بناء على طلبه :وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ( 29 ) هارُونَ أَخِي ( 30 ) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ( 31 ) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي( 32 ) ( طه ) ،
والسبب هو قوله تعالى على لسان موسى :هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ( 34 ) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ( 35 ) ( القصص ) .
وفي فتنة العجل بدأ هارون ضعيفا جدا حتى أن أخاه أخذ بلحيته وبرأسه ، وأبدى عدم مسؤولية حيال ما فعله السامري ، واكتفى بوعظهم وتذكيرهم باللّه ، كقوله تعالى :وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ( 90 ) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى ( 91 ) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ( 92 ) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي ( 93 ) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي( 94 ) ( طه ) .
ولم يميّز اللّه تعالى موسى عن هارون إلا في الترتيب ، فموسى يأتي دائما أولا ثم هارون قال :وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ( 48 ) ( الأنبياء )
والفرقان هو التوراة ، وفيه هدى ونور وذكر للمتّقين ، والتوراة هي كتاب موسى وهارون قبل ضياع نسخته بتأليف عزرا أو عزير له وتحريفه لمعانيه بما يخدم أغراض اليهود بعد السبي .
ومنن اللّه على موسى وهارون لا تعدّ ولا تحصى ،يقول تعالى :وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ ( 114 ) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( 115 ) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ ( 116 ) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ ( 117 ) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ( 118 ) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ ( 119 ) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ( 120 ) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 121 ) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( 122 ) ( الصافات ) ،
فذكر تعالى من مننه عليهما خمس منن ، هي : النجاة ، والنصر ، والتوراة ، والهدى ، والذكر الجميل عند قادم الأجيال ، ووصفهما فقال : إنهما من المحسنين ، ومن عباده تعالى المؤمنين ، وسلّم عليهما ووعدهما السلامة يوم الدين .

  * * *
812 . موسى الأكثر ذكرا في القرآن
القرآن جميعه فيه ذكر النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وإنما بحسب غيره من الأنبياء فإن موسى أكثرهم ذكرا بعده صلى اللّه عليه وسلم ، ويرد اسمه : مائة وستا وثلاثين مرة ، وإبراهيم : تسعا وستين مرة ،
ونوحا :
ثلاثا وأربعين مرة ، ويعقوب أو إسرائيل : ثماني عشرة مرة ، وإسماعيل : اثنتي عشرة مرة ، ويونس : أربع مرات ، واليسع : مرتين ، وعيسى والمسيح : ستا وثلاثين مرة ، ويوسف : سبعا وعشرين مرة ، ولوطا : سبعا وعشرين مرة ، وصالحا : ثماني مرات ، وشعيبا : إحدى عشرة مرة .
  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 22 أكتوبر 2023 - 15:47 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

813 . موسى اللقيط

قيل : إن لفظة « موشيه » العبرية تعنى لقيط الماء ، وموشيه هي موسى العبرية ، ولم تكن امرأة فرعون - بحسب القرآن ، وابنته - بحسب التوراة ، تعرف أىّ منهما العبرية ، أو أن هذا هو المفروض ، إلا إذا كانت أجنبية من بلاد لها صلة قوية بالعبرانية ، وكل ملابسات قصة موسى والفرعون تؤكد أن الفرعون ليس مصريا ،
وأن القصة جرت في أرض جاسان وهي الإقليم الشرقي من مصر ، من جوار أبى زعبل إلى البحر إلى وادى توميلات ، وعاصمته تانيس وكان اسمها عند الهكسوس أفاريسAvarisوتقع على بحيرة المنزلة ، والغالب أن امرأة فرعون أو ابنته كانت آشورية ، لأن الهكسوس الذين حكموا مصر كانوا آشوريين ، وباختلاطهم بالعبرانيين ، ولأنهم من نفس البلاد آشور - التي هي العراق ، كانت لغاتهم متشابهة كتشابه عامية أهل السويس وعامية أهل الإسكندرية مثلا ، فكلها لهجات من أصل واحد .
واسم موشيه أو « موسى اللقيط » يبدو أن القرآن يأخذ به ، يقول :فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ( القصص 8 ) ،
والالتقاط : هو وجود الشيء من غير طلب ولا إرادة ، والعثور عليه من غير قصد بلا تعب ، واللّقطة أو اللّقطة هو ما تجده ملقى فتلتقطه ، أو هو الشيء المتروك فلا يعرف له مالك ؛ واللقيط هو الملقوط ، وهو المولود الذي نبذه أهله فيلقط ، وفي القرآن عن يوسف وإخوته :وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ( يوسف 10 ) ،
فكان موسى على ذلك لقيطا ، وكذلك كان يوسف .

  * * *

814 . موسى حبيب اللّه صنعه على عينه

كان موسى جميل المحيا ، وكان قويا ، وجاء تمثاله الذي صنعه المثّال رودان آية في العظمة ، وما كان يراه أحد وهو طفل إلا ويحبه ، ولما كبر أحبه شعبه ، وبتفسير الطب النفسي كانت به كاريزماcharisma، أي أن شخصيته كانت قوية تشدّ إليه من يطالعه ، وفي ذلك قال اللّه تعالى :وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي( 39 ) ( طه ) ،
فلمّا اللّه وحفظه أن ألقته أمه في التابوت ، وألقت التابوت في البحر ، والتقطته جواري امرأة فرعون ، فما كادت تراه إلا وقد دخلت قلبها محبته حتى أنها صرخت :قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ( القصص 9 ) ،
أي تسعد به عيوننا كلما رأيناه ، لما فيه من جمال ، وقوله تعالى :وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي( 41 ) ( طه ) ،
يعنى اصطفيتك لوحيى ورسالتي ، وخلقتك وقوّيتك وعلّمتك . ومنن اللّه على موسى كثيرة لا نذكر أن نبيا كان له مثلها .
ومن سخرية الأقدار ، أو كما يقول أهل الأدب السخرية الدراميةdramatic ironyأن يربيه عدوه مستقبلا وعدو اللّه ، وينشأ في بيت من سيتسبب في موته من بعد ، وحادثته مع الذي قتله ، وهروبه إلى مدين ، رغم أنهما من المصائب والنكبات ، إلا أنهما كانا لخيره وصالحه ،
ففي مدين تعرّف إلى زوجته ، وصاهر أفضل رجالها ، وحظى فيها بالمكانة العالية وأنجب الأبناء ، وصار له المال ، وموسى بارتكابه للقتل يكون أول نبي يفعل ذلك ، فلأول مرة يكون فيها نبىّ متهما بجريمة قتل وقعت له عن حق ولم تلفّق له ، والحادثة إن دلّت على شئ فتدل على تعجّل موسى وميله إلى العنف أحيانا ، وكان من شدة أخلاقه أنه لمّا غضب على أخيه كسر الألواح التي نزل بها من الجبل والتي قيل إن اللّه خطّها بيده .
وسينهج على طريقة موسى كثير من أنبياء إسرائيل ، ويفعلون مثله ويتصرفون بعنف لدرجة القتل ، أو يأمرون به ، مثل يشوع ، وإيزايل ، وداود ، وسليمان ، وكان داود محبا لسفك الدماء كما تقول التوراة ، وكذلك سليمان ابنه وكثيرون غيرهم .

  * * *

815 . قصة قتل موسى للمصرى

هناك اختلاف في قصة موسى مع القبطي أو المصري بين رواية التوراة ورواية القرآن ، ففي التوراة يأتي أن : موسى لمّا كبر خرج إلى إخوته ، ونظر أثقالهم ، فإذا برجل مصرى يضرب رجلا عبرانيا من إخوته ( يعنى أنه عبراني مثل موسى ) فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا فقتل المصري وطمره في الرمل
ثم خرج في اليوم الثاني فإذا برجلين عبرانيين يتضاربان فقال للمعتدى : لما ذا تضرب قريبك ، فقال : من أقامك رئيسا وحاكما علينا أتريد أن تقتلني كما قتلت المصري ( التكوين 2 / 11 - 12 ) ؟
بينما في القرآن يأتي قوله تعالى :وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ( 15 ) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 16 ) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ( 17 ) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ(18) ( القصص )،
ويتبين من القصتين الآتي :

1 - في قصة التوراة أن موسى قتل عن عمد ، وطبقا للشريعة الموسوية فإن القاتل يقتل ، ولم يذكر أنه استغفر ، وكأن اللّه تعالى راض عما فعل ، وكأن النفس التي حرّم اللّه قتلها هي نفس العبراني أو اليهودي فقط ، وأما نفوس الأمم فمباح قتلها ! وفي قصة القرآن أن موسى قتل عن خطأ واستغفر ربّه ولا قصاص في القتل الخطأ .
2 - وفي قصة القرآن لم يذكر أن العبراني كان يتقاتل مع مصرى ، وأن موسى قتل مصريا ، وإنما كان المقتول من أعداء العبرانيين ، والمصريون ما كانوا أعداء للعبرانيين ، إلا ما ورد في الآثار المصرية من غزو المصريين لأرض إسرائيل وأسرهم للإسرائيليين ، وإنما أعداؤهم الأشوريون أو الهكسوس ، وهم الذين كانوا يحكمون أرض جاسان من مصر ، ويستعبدون العبرانيين ويستحلون نساءهم ، ورواية القرآن على ذلك أصدق من رواية التوراة ، وما كان المقتول مصريا كزعم كاتبها ، وأخطأ المفسرون العرب عندما قالوا في صفة عدو العبراني أنه قبطي أي مصرى ! فالقرآن صريح وقال : إنه من عدوه وكفى ، ولو كان مصريا لذكر ذلك ، ورواية القرآن إذن تصحّح رواية التوراة .
3 - وفي رواية التوراة أنه في اليوم التالي كانت المشاجرة بين اثنين من العبرانيين ، أحدهما الذي كان يتقاتل بالأمس مع الآخر ، وتدخل موسى كعادته بينهما ، فهدده الذي بسببه بالأمس قتل موسى من قتل ، والحكاية هكذا تكشف عن خسّة ودناءة العبرانيين عموما ، وميلهم الدائم للفتن واستحداثها ، بينما في رواية القرآن كانت المشاجرة الثانية بين عبراني وبين عدو للعبرانيين ، وأن الذي هدده بإخطار الشرطة هو عدوه ، والروايتان على ذلك مختلفتان تماما .
4 - وفي رواية التوراة لم يذكر لنا سبب لتدخل موسى ، بينما في رواية القرآن أن موسى كانت له دعوة صلاح ، وكان من المصلحين ، وعرف عنه ذلك ، فعيّره الذي من عدوه بأن تدخله لصالح العبراني ليس من الصلاح ، وأن استخدامه لقوته البدنية في غير الحق يجعله من الجبّارين في الأرض ، وعلى ذلك ، ولكل ما سبق فرواية القرآن هي الأفضل ، والأكثر تناسقا ، والأقرب إلى العقل والمنطق ، ولا يمكن إرجاع أصلها إلى رواية التوراة ، وتدل على أن القصص القرآني هو القصص الحق ، وأن القرآن بذلك منزّل من عند اللّه ، وأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم هو رسوله يقينا !
  * * *

816 . موسى ليس مجرما ولا يظاهر المجرمين

في قول موسى :رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ( 17 ) ( القصص ) إقرار بارتكابه ذنب القتل ، بمطاوعة من استغاثة من قومه ، كقوله تعالى :فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ( القصص 15 ) ،
فهذا الذي استغاثه من قومه مجرم بطبعه ، وله باع في الإجرام ، ووصفه موسى فقال :إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ( 18 ) ( القصص )،
 لأنه بسببه قتل بالأمس رجلا ، وفي اليوم التالي دعاه ليقتل آخر ، و « الغوىّ » من أغوى أي يضلّ ، فلما عاتبه موسى ظن أنه سيقتله ، وكان موسى يتهيأ ليبطش بعدوهما ، ولكن هذا الغوىّ قال له أمام عدوه وقد أفشى سرّه :أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ( القصص 19 ) ،
وهنا أقسم موسى أن لا يظاهر أمثاله من المجرمين ، أي لا يساندهم ويصاحبهم وينصرهم ، فالقاعدة الشرعية والأخلاقية أن لا نعين الظالمين ،
وفي الحديث : « ينادى مناد يوم القيامة : أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة ، حتى من لاق لهم دواة ، أو برى لهم قلّما ، فيجمعون في تابوت من حديد ، فيرمى بهم في جهنم » .
وعن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : « من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ثبّت اللّه قدميه على الصراط يوم القيامة ، يوم تزلّ فيه الأقدام ، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه ، أزلّ اللّه قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام »
وفي الحديث : « من مشى مع ظالم فقد أجرم » ، ولا يكون المشي مع الظالم جرما إلا إذا مشى بقصد أن يعينه على ظلمه ، وموسى لم ينتصر لمن هو من شيعته لأنه عنصرى متعصب ، ولكنه ظن لأول وهلة أنه مظلوم ، فلما تبيّن له أنه ظالم انصرف عنه كقوله تعالى :وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ( المائدة 2 ) ،
فاحذر يا أخي أن تظن بموسى السوء ، وتوصيف الحادثة هو : « ضرب أفضى إلى الموت » وليس قتلا عمدا .

  * * *

817 . موسى يشفق مما لا يشفق منه غيره

لم يكن موسى جبارا ، قيل لا يكون الإنسان جبّارا حتى يقتل نفسا بغير حق ، وموسى لم يقتل الآخر إلا خطأ فقد وكزه كقوله تعالى :فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ( القصص 15 ) ،
والوكز واللّكز واللّهز واللّهد بمعنى واحد ، واللكز يكون في الوجه ، والوكز يكون على القلب ، وقيل : اللكز الضرب بجمع اليد في الصدر مثل اللّكز ، وقيل : وكزه أي ضربه ودفعه لا يريد قتله فإن مات فليس من الوكزة نفسها ، وهو معنى فقضى عليه ، ولكنه لم يقتله عمدا مريدا للقتل ، وفي الحديث :

« وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال اللّه عز وجل :وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً( طه 40 ) ، وتجربة أن يكون قاتلا ، وتطارده السلطة ، ويخشى على نفسه ، ويستشعر أنه ظلم من قتل ، كل ذلك كان فتنة له واختبارا ، وهذا هو مقصود الآية : وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي( طه 39 ) ،
أي تصنعك التجارب برعايتى ، حيث جعله في التابوت ، وألقى التابوت في البحر ، والتقطته جواري امرأة فرعون ، وأنزل محبته في قلبها حتى قالتقُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ( القصص 9 ) ؛
وقول موسى بعد أن قتل :رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي( القصص 16 ) عبارة ندم تحمل على الاستغفار ، والأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم .

  * * *

818 . أربعينية موسى

الأربعينية من آثار موسى ، يقول تعالى :وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ( 51 ) ( البقرة ) ، وكان اللّه تعالى قد واعد موسى بعد أن جاوز وقومه البحر وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من اللّه ، فأخذ سبعين منهم وصعدوا الجبل وكان ميقات اللّه له أن يأتي إليه ويبقى مع اللّه ثلاثين ليلة ، فلما صعد من بعد بحسب الميقات عدّوا له ثلاثين ، ولكنه غاب عشرا أخرى ، فظنوه قد أخلف وعده وصنعوا العجل وعبدوه ، قال :وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً( الأعراف 142 ) .
وهذه الأربعون هي التي تحدّث فيها الصوفية وجعلوها رياضتهم ومعتزلهم من الناس ، وزهدهم في الطعام والمنام ، وإقبالهم على الذكر ،
وفي الحديث : 
« من أخلص للّه أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » ، والصوفية يختارون للأربعين ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة .
وإعذار موسى بالعشر بعد الثلاثين أصل لأعذار الحكام إلى المحكوم عليهم ، واللّه قد جعل سنن الأربعين إعذارا بالشيب ، قال :وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ( الأحقاف 15 ) ،
وغاية الأعذار ستين ، لأن الستين هو سن الإنابة والخشوع والاستسلام للّه ، وترقّب المنية ، ففيه أعذار بعد إعذار .

وأربعون الميت أعذار ، وكذلك أربعون النفساء ، وأصل كل ذلك أربعون موسى .
  * * *

819 . أوتى موسى وهارون الفرقان وضياء وذكر

قال تعالى :وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ( 48 ) ( الأنبياء ) ، والفرقان : هو التوراة ، لأنه يفرّق بين الحلال والحرام ، والحق والباطل ، وهو ضياء وذكر يعنى نورا وهدى يذكّر المتقين ويعظهم .
وبالطبع هذا الكلام هو عن التوراة قبل أن يعفى عليها الزمن وتضيع أصولها ، فينبرى عزرا يكتب ما يذكره وأعوانه منها ، ويشملها تحريفهم وتلفيقاتهم وتأليفاتهم لما لم يذكره ، ولما أرادوا إضافته .

  * * *   
820 . ألواح موسى
في التوراة أن الوصايا والشريعة اشتمل عليهما لوحان من الحجر كتبهما اللّه تعالى بإصبعه ، فلما نزل موسى وشاهد عبادة بني إسرائيل للعجل استشاط غضبا وألقى باللوحين فكسرا ( خروج 31 / 18 - 32 / 19 ) ، ثم إن الربّ عوّضه بلوحين آخرين بهما نفس كلام اللوحين السابقين ( خروج 34 / 1 ) ،
ومؤرخو اليهود ينتقدون أن تكون التوراة الحالية هي ما كان مكتوبا على لوحى الشهادة ، فاللوحان كان موسى يحملهما في يد واحدة ( خروج / 15 32 ) فكيف صار ذلك خمسة أسفار ؟ !

وفي القرآن غير ذلك ، يقول اللّه تعالى :وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ( الأعراف 145 ) ، فلم يجعلها لوحين ولكنه جعلها « ألواحا » ، وهو الأقرب إلى الواقع .
وقيل فيها كانت سبعين وقر بعير . والوقر هو الحمل ، وأضاف اللّه تعالى الكتابة إلى نفسه على جهة التشريف ، إذ هي مكتوبة بأمره ، قيل : كتبها جبريل ، وقيل : هي كتابة أظهرها اللّه وخلقها في الألواح . وأصل اللوح : ما تلوح فيه المعاني .

واشتملت الألواح على ما يحتاج إليه في الدين من الأحكام وتبيين الحلال والحرام ، واللفظ « كل شئ » للتفخيم ولا يراد به التعميم ، ولمّا تكسّرت الألواح حين ألقاها موسى ، ضاع منها الكلام إلا سدسه ، وقيل : إلّا سبعه ، وضاعت ستة أسباع ، فكان في الذي ضاع تفصيل كل شئ ، وفي الذي بقي الهدى والرحمة .
وقوله : « وتفصيلا لكل شئ » لأنهم لم يكن عندهم اجتهاد ، وإنما خصّت بالاجتهاد أمة الإسلام ، وأمره اللّه تعالى أن يأخذ الألواح بقوة ، أو يأخذ ما فيها من تعاليم ، أي يعمل بالأوامر ويترك النواهي ، ويتدبّر الأمثال والمواعظ ، ونظيره قوله تعالى :وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ( الزمر 55 ) ،
فالعفو مثلا أحسن من الاقتصاص ، والصبر أحسن من الانتصار ، وكذلك فإن الفرائض والنوافل أحسنها .
وما قاله القرآن لا تجده فعلا في التوراة إلا في سفر تثنية الاشتراع وفي بعض العبارات من سفر الخروج وسفر الأحبار .

  * * *

821 . ربّ موسى

سأل فرعون - موسى وهارون :فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى ( 49 ) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى( 50 ) ( طه ) ، فهذان أقصر سؤال وجواب عن اللّه سبحانه ، فهو يعرف بصفاته ولم يعطياه اسم علم ، بل قالا : إنه الخالق الذي خصّ كل شئ بصورته التي هو عليها ، وهيأته التي تطابق وظيفته في الوجود ، ووفّر له الإمكانات في شكله الخارجي ، والاستعدادات والقدرات من داخله ، ليقوم بأدائها على أتم وفاق ، وقدّر تقديرا كل ما له وما عليه : وله في كل شئ خلقة * وكذاك اللّه ما شاء فعل
 * * *

822 . عصا موسى المباركة

سأله تعالى :وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ( 17 ) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى( 18 ) ( طه ) ، ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى :هي عصاي ، ليثبت الحجة عليه بعد اعترافه ، وإلا فإنه تعالى يعلم ما هي .
ولم يكن غريبا أن ينسب موسى العصا إلى نفسه فيقول هي عصاي ، ليكون من بعد أنها تتحول إلى حية تسعى ، فيعلم أنه لا ملك له عليها ولا تنضاف إليه ، وإنما الملك كله للّه .
وفي الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل . والمآرب الأخرى في العصا عديدة ، فهي إذا قصر الرّشا عن ماء البئر وصل بالعصا ، وإذا اشتدت الشمس غرزها في الأرض ويلقى عليها بظلة ، وإذا استبان له بعض هوام الأرض قتله بها ، وإذا مشى ألقاها على عاتقه وعلّق عليها لوازمه ومخلاته ، وإذا هاجمته السباع قاتل بها .
وإمساك العصى سنّة للأنبياء ، وعلامة للمؤمنين ، وزينة للصالحين ، وسلاح على المعتدين ، وعون للمستضعفين ، وغمّ على المنافقين ، وزيادة في طاعة الطائعين .
وقيل لأعرابى : ما هذه في يدك ؟ - يقارنون بين ما يجيب وجواب موسى - قال الأعرابي : عصاي أركزها لصلاتى ، وأعدّها لعداتى ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، واعتمد بها في مشيتى لتتسع خطوتى ، وأثب بها النهر ، وتؤمننى من العثر ، وألقى عليها كسائى فيقينى الحرّ ، ويدفئني من القرّ ، وتدنى إلىّ ما بعد منى ، وهي محمل سفرتى ، وعلّاقة إداوتى ، أعصى بها عند الضّراب ، وأقرع بها الأبواب ، وأتّقى بها عقور الكلاب ، وتنوب عن الرمح في الطعان ، وعن السيف عند منازلة الأقران ، ورثتها عن أبي ، وأورّثها بعدى ابني ، وأهشّ بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى كثيرة لا تحصى .

وكانت للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم حربة توضع بين يديه فيصلى إليها صلاة العيد ، وكان له محجن ، وهو عصا معوجة الطرف ، يشير به إلى الحجر إذا لم يستطع أن يقبّله .
واستن عمر بن الخطاب القيام بإحدى عشرة ركعة فكان الناس يعتمدون على العصيّ من طول القيام . وكانت للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم مخصرة ، يعنى عصا قصيرة تصل إلى الخصر يتوكأ عليها إذا خطب .
فالعصا لها فوائد أصيلة ، ومنافع عديدة ، ومعدنها شريف ، ولا ينكرها إلا جاهل . وجمع اللّه لموسى في عصاه من البراهين العظام ، والآيات الجسام ، ما آمن به السحرة اللئام . 

واتخذها سليمان لخطبته وطول صلاته. وكان ابن مسعود صاحب عصا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وكان يخطب وعصاه في يده. 
فلما دخل الشعوبيون الإسلام أنكروا استعمال العصا ولم يحفلوا لمعانيها ، والشعوبية يبغضون العرب ، ويفضلون أن تتفكك دولة الإسلام ويكون لكل منهم دولته ويحكم شعبه ، وقيل لواحد من أهل اللّه : مالك تمشى على عصا ولست في حاجة إليها ؟ قال : أعلم ذلك ، ولكني أعرف لذلك أنى على سفر ، وأن الدنيا دار فوات ، وأن العصا من آلة السفر .
  * * *

823 . الوادي المقدّس طوى بين التوراة والقرآن

في التوراة أن موسى عندما ناداه الربّ أسفل جبل حوريب من أرض سيناء ، وناداه من وسط نار اندلعت فجأة ، قال له : « لا تدن إلى هاهنا .
اخلع نعليك من رجليك فإن الموضع الذي أنت قائم فيه أرض مقدسة » ( الخروج 3 / 5 ) ؛
وفي القرآن أن موسى لمّا رأى النار استأذن أهله ليلتمس منها قبسا أو لعله يجد عليها من يهديه الطريق ، قيل :فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى ( 11 ) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً( 12 ) ( طه ) .
والروايتان مختلفتان ، ويكذب جولدستيهر عندما يقول إن محمدا أخذ المشهد من التوراة ،
فأولا : ليس في التوراة أن موسى كان مع أهله ، وأنه ذهب يلتمس نارا :فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً( 10 ) ( طه ) ؛
وثانيا : لم تذكر التوراة أن المكان كان واديا واكتفت بأنه أرض ، وفي القرآن هو واد مقدس ، وأضاف إليه كلمة طوى . والوادي أكثر توصيفا من الأرض ، وشمل التوصيف النار وأسباب ذهابه إليها ، وما الذي كان يرجوه منها أو يرجو أن يجده عندها ، ثم عرّفه اللّه تعالى بنفسه ولم يترك موسى نهبا للدسائس كما في النصّ التوراتى ، وعلى عكسه كان النصّ القرآني حافلا بالتفاصيل ، وما قاله اللّه تعالى أوجز الرسالة كلها فيما تلا ذلك من آيات ، قال :وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى ( 13 ) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ( 14 ) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ( 15 ) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى( 16 ) ( طه ) .

والشبه بين نصّ التوراة ونصّ القرآن قوله : « اخلع نعليك » ، وفي نص التوراة يزيد « اخلع من رجليك » وهو قول عجيب لأن النعلين لا يكونان إلا في الرجلين ، فالبلاغة مفتقدة في نصّ التوراة . وفي الفقه الإسلامي اعتبر هذا الأمر بخلع النعلين ، أمرا بخلعهما في الصلاة . والخلع هو النزع ، وهدفه إظهار الخشوع والتواضع عند المثول في حضرة اللّه ، ولذلك خلع المؤمنون نعالهم في طوافهم بالبيت إعظاما للحرم ، وفي فلسفة ذلك عند المسلمين - ولا شئ من ذلك عند اليهود - أن اللّه تعالى بسط للمؤمنين بساط النور والهدى ، فلا ينبغي لهم أن يطئوا بساط الربّ بنعالهم .
وقال صوفية المسلمين - ولا شئ منه عند اليهود : إن خلع النعلين هو تفريغ للقلب من أمر الأهل والولد ، ونحن في الأحلام مثلا إذا حلمنا بنعلين فمعنى ذلك أن الحاكم يتزوج .
وقد أمر النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بخلع النعال عند زيارة القبور ، وصلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره ، وقال : « إذا صلى أحدكم فليخلع نعليه بين رجليه » يعنى لا يؤذى بهما من أمامه .
وقورن بين موسى ومحمد عليهما السلام ، فقيل إن أول تعليم لموسى أن يخلع نعليه ، بينما كان أول تعليم لمحمد صلى اللّه عليه وسلم :اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( 1 ) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2 ) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ( 3 ) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ( 4 ) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ( 5 ) ( العلق ) ، فذلك قمة التعليم وقمة الحضارة والرقىّ .
وكذلك جاء في وصف الوادي المقدس في القرآن « طوى » زيادة على نص التوراة ، وقال المفسرون إن طوى هو اسم الوادي ، وإنه لأمر عجيب فلا نعرف أن بسينا واديا اسمه طوى . وقالوا إن طوى يعنى المستدبر كالطّوى ، وواضح أن ذلك أمر بعيد فشتّان بين الكلمتين . وقالوا هو الطّوى بالكسر ، إلا أن هذا الأخير اسم موضع بالشام والقصة في سيناء وليست في الشام ، وقالوا إن « طوى » تعنى « مرتين » ، وهو إذن المقدس مرتين ، وهو قول بعيد .
ويتبقى هذا التفسير المعقول : أن طوى تعنى أنه واد يمكن اجتيازه والسير فيه آمن ، أو أن موسى طوى الوادي بالليل ، يعنى قطعه ، فيكون المعنى : إنّك في هذا الوادي الذي طويته في الليل بموضع مقدس ، وهو مقدس لأن اللّه تعالى يجعل لبعض الأماكن زيادة فضل على فضل ، وكذلك لبعض الشهور والأيام ، وللّه أن يفضّل ما يشاء .

  * * *

824 . شجرة موسى

في حديث الإسراء أن جبريل أمر البراق أن يتوقف عند شجرة موسى وصلى ركعتين ، وكذلك صلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم . وفي حديث موسى - أي قصته - أنه لمّا استوفى العقد مع حميه شعيب وأخذ أهله ، وصل بهم إلى الوادي المقدس طوى ، وهناك آنس نارا فذهب يأتيهم بقبس منها ، ولعله يجد عندها هدى ، فلما أتاها نودي من الشجرة :إِنِّي أَنَا رَبُّكَ( طه ) ،
وفي الرواية الأخرى :فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ( 30 ) ( القصص ) ،
قيل كانت النار مشتعلة في الشجرة رغم أنها خضراء ، فما كانت النار تحرقها ، وما كان لها دخان ، ولا كان لها دفء ، وقال الصوفية : كانت الشجرة محل عصيان آدم في الجنة ، وكانت في الدنيا محل إيمان موسى ، وشجرة الجنة لها طرح يؤكل وإن كان محرّما ، وشجرة موسى كانت عقيما ولكنها كانت هداية لموسى وعلامة على اللّه تعالى . 

والشجر كثير في القرآن ، ومنه الطيب ومنه الخبيث ، والكلمة كالشجرة ، ففي سورة إبراهيم : الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتى أكلها كل حين بإذن ربّها ، والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ( 25 / 26 ) ؛
وفي سورة الإسراء : يرد عن الشجرة الملعونة ( 60 ) ، وقيل هي شجرة الزقوم ( الصافات 62 ) ، تزقم آكلها من مرارتها ، وتخرج في أصل الجحيم ، وهي آية من الآيات ، لأنها شجرة وتحيا في الجحيم وسط النيران ، وقيل هي طعام الأثيم ؛ وكانت شجرة يونس هي شجرة اليقطين ( الصافات 146 ) ، ظللت عليه بورقها وحفظته من الآفات ؛ وفي سيناء تنبت شجرة الزيتون بالدهن وصبغ للآكلين ( المؤمنون 20 ) ؛
والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم بايعه المؤمنون تحت الشجرة ، قيل هي شجرة سدر أو سمر . ويقسم اللّه تعالى بالشجر ، وأنه يسجد للّه ، يعنى يطيعه ويسير بقوانينه في النمو والإثمار والظل ، ومن طاعته أن يشتعل بالنار رغم ما فيه من ماء .
وشجرة موسى فوق كل هذا الشجر جميعه ، لأنها شهدت هذا المشهد التاريخي العظيم : مشهد تلقى موسى للرسالة ، وصوته تعالى يسرى في الوجود ويدخل - ضمن ما يدخله من موجودات - في ثنايا خلايا الشجرة تتشربه وتحلّ بها البركة ، فتوصف عن حق بأنها الشجرة المباركة ، وكان ذهاب موسى إليها ليقبس قبسة من نار ، فقبس قبسة من هدى .

  * * *

825 . عيياء موسى

كانت بموسى رتّة ، أي لثغة ، أو عجمة ، وهي التردد في النطقstammering، والمصاب بها يقال له أرتّ أو ألثغ .
وقولنا عيياء موسى يعنى أنه كان حصرا في النطق ، تقول عيى عن النطق يعنى لم يبن ، وفي القصص الشعبي اليهودي أن هذه العجمة به كان سببها أن موسى وهو طفل كان في حجر فرعون ذات يوم ، فلطمه لطمة وأخذ بلحيته فنتفها ، فخاف منه فرعون وتشاءم ، وكاد يأمر بقتله ، لولا أن ذكروا له أنه لا يميز ، وأتوا بطستين في أحدهما جمر وفي الآخر تمر ، فوضع موسى يده على الجمر ورفع إحداهما إلى فمه فأضرّت لسانه ، فكانت تلك الرتة ، واحترقت يده وظلت بها علامة الاحتراق .

وفي القرآن لما أراد اللّه أن يبعثه إلى الفرعون ، سأل ربّه :قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ( 25 ) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ( 26 ) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي ( 27 ) يَفْقَهُوا قَوْلِي ( 28 ) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ( 29 ) هارُونَ أَخِي ( 30 ) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ( 31 ) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي( 32 ) ( طه ) ،
فلولا أنه تعالى يعينه فلن يستطيع تبليغ الرسالة ، وإنها لعمل شاق يحتاج إلى قوة معنوية هائلة ، وذلك معنى قوله :

اشرح لي صدري ، أي وسّعه ، وأن يؤتيه الاحتمال ، وييسر المهمة عليه ، ويحل هذه العجمة في لسانه .
وقال له ربّه :قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى( 36 ) ( طه ) ، يعنى أنه أزالها جميعا ، وقيل ليست جميعها وإلا ما قال فيه فرعون :وَلا يَكادُ يُبِينُ( 52 ) ( الزخرف ) ،
فلأنه لم يقل أحلل كل لساني ، فدلّ على أنه بقي في لسانه شئ من الاستمساك ، أو أن فرعون قد وصفه بما عرفه عنه من طفولته ، وبما اشتكى منه موسى نفسه لربّه عندما قال :يَفْقَهُوا قَوْلِي( 28 ) ( طه ) ، 

والفقه هو الفهم ، فلم يكن كلامه مفهوما ، وظل ذلك به وهو يخاطب الفرعون ، ولذلك عيّن له هارون وزيرا ، وفي حالتنا هذه فإن الوزير هو المترجم .
وفي التوراة قال موسى في شرح عييائه : إني لست أحسن الكلام . وشرح حالته فذكر أنها مستعصية ، فهي ليست من أمس أو قبل الأمس ، ولا بسبب خوفه منذ خاطبه ربّه وكلّفه ، ولكنه مفطور بها ، وقد خلقه ربّه بطيء النطق ، وثقيل اللسان .
وطمأنه ربّه أنه سيكون مع فيه ويعلّمه ما يتكلم به ، ويكون هارون معه - وهو الفصيح اللسان ، ويخاطب الشعب عنه ويكون له بمثابة الفم .

وفي الطب النفسي : فإن الرتّة ليست عيبا في النطق لاحتراق في اللسان كما في الأسطورة الشعبية عن موسى والجمرة والتمرة ، وإنما هي من عيوب النطق بسبب شحنات عدوانية عالية تزدحم على اللسان ، كالشحنات في اللوازم والتي تجعل المصابين بها يأتون حركاتهم اللاإرادية تنفيسا عن هذه الشحنات . والتردد أو التلعثم في النطق كما في اللوازم ، تزدحم فيه على اللسان الرغبات في التعبير ، فيحتبسها صاحبها ، ويتردد في الإفصاح عن أىّ منها ، فتخرج كلماته فيها هذا التردد والصراع الداخلي .
وموسى كان شديد العدوانية ، وبه قوة جثمانية مفرطة ، حتى أنه ارتكب جريمة قتل بمجرد أن لكز عدو قومه ، وكاد يرتكب جريمة أخرى مع العبراني سبب المشكلة . 

ولمّا هرب من أرض جاسان سار على قدميه إلى مدين عبر الصحراء ، يعنى حوالي خمسة آلاف كيلو ، وكان خروجه بشعبه من مصر على أقدامهم مسيرة كبرى كمسيرة ماوتسى تونج فوق الجبال ، من شرق الصين إلى غربها ، هربا من قوات صن يأت صن ، وكان ذلك تدريبا عسكريا عاليا لقواته ، كالتدريب الذي آل إلى الإسرائيليين بعبور الصحراء ، ثم السكنى في سيناء حتى موت موسى ولم يدخلوا فلسطين .
وهذا التدريب لا يصنعه ولا ينهض به إلا صاحب قوة وشكيمة ومراس ، وبهذه الطريقة وحدها يكون موسى قد تخلص من رتّته ، باستعادة ثقته في نفسه ، ونجاحه في مهمته ، وتمرسه على مخاطبة الشعب ومواجهة الصعاب . 

ومن تقواه وشكره لربّه تسبيحه الذي قال فيه :كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً( 33 ) ( طه ) .
وقال موسى مسبحا هذه التسبيحة لمّا شاهد عظمة اللّه ونجاته به ، وسبّح خلفه بنو إسرائيل . . .

  * * *

826 . تسبيحة موسى

قال موسى في تسبيحته ، وقال وراءه بنو إسرائيل : « أسبح الربّ فإنه قد تعظّم بالمجد . الفرس وراكبه طرحهما في البحر . الربّ عزّى وتسبيحى . لقد كان لي خلاصا .
هذا إلهي فإياه أمجّد . إله أبى فإياه أعظّم . الربّ صاحب الحروب ، الربّ اسمه . مراكب فرعون وجنوده طرحها في البحر ، ونخبة قواده غرقوا في بحر القلزم ، غطّتهم اللّجج فهبطوا في الأعماق كالحجارة . يمينك يا ربّ عزيزة القوة . بيمينك يا ربّ تحطّم العدو .
وبعظمة اقتدارك تهدم مقاوميك . تبعث سخطك فيأكلهم كالعصافة . وبريح غضبك تراكمت المياه وانتصبت كأطواد مائعة ، وجمدت اللّجج في قلب البحر . قال العدو أرهق ، أدرك ، أقسّم غنيمة ، تشتفى منهم نفسي ، اخترطهم بسيفي . تقرضهم يدي . بعثت ريحك فغشيهم اليم وغرقوا كالرصاص في غمر المياه . من مثلك في الآلهة يا ربّ ! من مثلك جليل القدس ، مهيب التسابيح ، صانع المعجزات - مددت يمينك فابتلعتهم الأرض .
هديت برحمتك الشعب الذين فديتهم ، أرشدتهم بعزّتك إلى مأوى قدسك . سمعت الأمم فارتعدت ، وأخذ الرعب قاطنى فلسطين . حينئذ دهش زعماء أدوم ، أقوياء موآب أخذتهم الرعدة ، وماج كل سكان كنعان . تقع عليهم الرعدة والهلع . بعظمة ذراعك يبكمون كالحجارة حتى يجوز شعبك . يا ربّ ، حتى يجوز الشعب الذي ملكته . تأتى بهم فتغرسهم في جبل ميراثك ، في الموضع الذي أقمته . يا ربّ ، لسكناك المقدس الذي هيأته يداك يا ربّ . الربّ يملك إلى الدهر والأبد . إذا دخلت خيل فرعون ومراكبه وفرسانه البحر ، ردّ الربّ عليهم مياه البحر . وأما بنو إسرائيل فساروا على اليبس في وسط البحر » ( الخروج / 1 15 - 19 ) .
وكما ترى فهذه ليست تسبيحة وإنما هي شكر للربّ وثناء عليه لنصرة بني إسرائيل ، واسمه تعالى « الربّ » اسم عادى لا جديد فيه ، ولا خصوصية ، ولا وحى .
وما تسمّيه التوراة تسبيحة من إنشاء موسى عبارة عن تمجيد للقوة ، ورفع لمعنويات شعب إسرائيل ، وبثّ للرعب في نفوس الأعداء ، وإضفاء الغيبية على الدنيوي ليتقدّس الدنيوي ، وتصبح الحرب مقدسة ، ونتائجها ربّانية ، وإظهار أن الشعب يقاتل معه الربّ فلا أقل من أن ينال النصر حتما . وواضح من النصّ أن موسى كشخصية دينية غير موهوب أدبيا وذهنيا وروحيا .

  * * *

827 . يشوع فتى موسى

يقول تعالى في بداية قصة موسى والخضر :وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ( الكهف 60 ) ، وفتاه هو يشوع بن نون ، واسم يشوع بالعبرية يعنى « المخلّص بإذن ربّه ، وهو اسم عسكرى ، وكأن الاسم وضع من بعد دخول يشوع فلسطين وخوضه للمعارك وهو يغزو ، وهذا صحيح ، لأن اسمه كان أولا « هوشع » ، يعنى المشرّع بإذن اللّه ،
وحتى هذا الاسم كان اسما حركيا مرهون بعمله الذي يقوم به في هذه المرحلة ، ففي المرحلة الأولى كان يشوع مشرّعا ، يستمع لموسى ويحفظ عنه ، ثم أصبح يوحى إليه ويشرّع مثله ، وله ضمن كتب اليهود سفر يشوع ، ويعتبر كمالة لأسفار موسى الخمسة ، فهو سادس هذه الأسفار ، وكانت له معجزات كموسى ، فقد اجتاز نهر الأردن على اليابسة ، كما اجتاز موسى بحز قلزم ، وهاجم أريحا وأسقطها ، وأخّر غروب الشمس حتى تنتهى المعركة . وكان يشوع لموسى بمثابة الحوارى ، ولذا خلفه على بني إسرائيل .
ولم يترك يشوع موسى إلى أن انتقل موسى إلى الرفيق الأعلى ، فلم يكن هناك من يتولى أمر بني إسرائيل بعد موسى سوى يشوع ، لأن هارون كان قد مات قبل موسى .
وقوله تعالى « لفتاه » أي لخادمه ، وكان موسى عازما على المشي إلى أن يصل إلى مجمع البحرين ، أي حيث يلتقى البحران ، ولو استلزم ذلك أن يسير دهرا ، فما أن وصلا حتى تبين لهما أنهما قد نسيا غداءهما ، وكان عبارة عن سمكة اصطاداها وادّخراها لطعامهما ، أو أنها كانت معهما مملوحة ، أو كانت حيّة وكانا يحملانها في مكتل ، وطفرت من المكتل إلى البحر ، واتخذت سبيلها فيه سربا ، فكان ذلك شيئا عجبا ، وارتدّا على آثارهما لعلهما يجدان السمكة ، وأويا إلى صخرة بعد أن لقيا في سفرهما النصب ، وآلمهما أن ينسيا الحوت ، واعتبر نسيانهما من الشيطان ، ثم أنهما عادا يقصّان آثار مشيهما إلى أن وجدا الخضر . وهنا تنقطع كل الأخبار عن يشوع فتى موسى فلا شئ عنه بعد ، وتتبقى كلمة عن سفر يشوع ، وهو كتاب في أحط أنواع الاستعمار باسم الدين ، والانطباع الذي نخرج به من قراءة سفر يشوع : أن الدين موظف لخدمة أغراض استعمارية ، وأن جميع الشرور جائزة ومشروعة طالما هي تحقق الحلم الاستعمارى الصهيونى ، ويشوع أكبر حالم استعمارى يهودي ، والربّ الذي يبشّر به ويعبده ، ويأمر الآخرين أن يعبدوه ، هو ربّ استعمارى يلهمهم فعل كل الموبقات وينزلها بعدوهم باسم الشرعية العسكرية ، ولذلك فقد قرّر سفر يشوع على طلبة الكليات العسكرية في إسرائيل ، كدراسة للمشروع الاستعمارى اليهودي ، وكتطبيق لمختلف التكتيكات الواجب اتباعها لتحقيق الحلم الصهيونى ، ومن المؤسف أن القيادات العسكرية في العالم العربي لم تتنبه لسفر يشوع ككتاب في العسكرية الإسرائيلية ، وفي التكتيك العسكري المطبّق عندهم حتى الآن ،
ويحتوى السفر على جزء أول : في الاستعداد للغزو ؛ ثم الجزء الثاني : عن الغزو أولا للجزء الأوسط لفصل الشمالي عن الجنوبي ، ثم غزو الجنوب وبعد ذلك الشمال ؛ وتأتى المرحلة التالية وهي مرحلة الاستيطان وتهويد الأرض ، بتقسيمها على المستعمرين الغزاة من بني إسرائيل بحسب الأسباط ليكون هناك وئام بين السكان من أصول واحدة .
وينتهى السفر مع نهاية حياة يشوع ، ويخطب في جموع المستوطنين أو المستعمرين الجدد أن الربّ قد أعطاهم أرضا لم يتعبوا فيها ، ومدنا لم يبنوها !

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 22 أكتوبر 2023 - 16:03 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

928 . الفرعون وملك مصر

إذا كانت قصة الفرعون وموسى قد وقعت بأرض جاسان دون مصر ، فلما ذا جاء في الآية :وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ( 51 ) ( الزخرف ) ؟
وملك مصر يعنى أن الملك هو ملك مصر ، وملوك الهكسوس الذين ملكوا أرض جاسان كانوا يعتبرون أنفسهم ملوكا لمصر ، وفي عهدهم انقسمت مصر أقاليم ، وكان كل إقليم يحكمه ملك ، وكان ملوك الهكسوس أقوى الجميع ، ولهم السيطرة على الجميع ،
ومن أجل ذلك قال الفرعون : « أليس لي ملك مصر » يعنى هذا هو « ملك مصر » لا ينازعني فيه منازع ، وقيل إنه ملك من مصر أربعين فرسخا في مثلها ، والفرسخ نحو ثمانية كيلومترات ، يعنى أنهم كانوا يحكمون 12800 كيلومتر من جملة 00 ، 994 كيلومتر هي كل الأرض المصرية بصحاريها ، وكانت عاصمة هذا الملك تنيس أو أفاريس ، ويجرى في أراضي هذا الملك خليجان من سبعة خلجان للنيل في مصر كلها ،
وهذان الخليجان أو النهران هما : نهر دمياط ، ونهر تنيس ولم ينسب القرآن الناس الذين سكنوا أرض جاسان إلى مصر ، ولا قال إنهم مصريون ، ووصفهم مرات بأنهم « آل فرعون » ، ومرات بأنهم « قومه » ، أي أمّته وأهله ، ومرات يخصّ منهم « الملأ » ، وهذا دليل على أنهم « غير مصريين » ، والملأ هم أعيان القوم الذين يملئون العيون أبهة والصدور هيبة ، وبرز منهم اثنان في قصة موسى والفرعون ، هما : قارون ، وهامان .
وملأ فرعون ضحكوا من سحر موسى :فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ( 47 ) ( الزخرف )
وكلما ضحكوا من آية أتى موسى بالتي هي أكبر منها ، حتى استنفد الآيات التسع ، وأخذهم اللّه بالعذاب ، وسخروا من موسى حتى نادوه :يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ( الزخرف 49 ) ، يدعون موسى أن يستنفد كل ما علّمه ربّه من الآيات . واستفهام فرعون في قوله :

« أليس لي ملك مصر » ؟ على سبيل الإثبات والتعظيم لشأنه وشأن ملكه ، وفي قوله : « أفلا تبصرون » ؟ على سبيل التنبيه والتبكيت . وثمة دليل آخر في سورة الزخرف على أن هؤلاء الناس الذين جاءهم موسى ليسوا مصريين ، هو الآية :فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ( الزخرف 53 )
قال ذلك لأنه كان من عادة الملأ من قوم فرعون أن يضعوا الأساور من ذهب في معاصمهم ، والأساور جمع أسورة ، وهي لغة في سوار .
وهذه العادة لم تكن عند الرجال في مصر القديمة ، وتخلو تماثيل ملوك مصر وكبار شخصياتها ، وكذلك صورهم على المعابد من أمثال هذه الأساور التي كانت وقفا على أهل بابل والعبرانيين .
وفي مصر كانت الأساور فقط للنساء . وفي وصف هؤلاء الذين كانوا يستعمرون أرض جاسان قال تعالى عن الفرعون :فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ( 54 ) ( الزخرف ) 

فلم يعرف عن ملوك مصر أنهم كانوا يستخفون أقوامهم ، أي يستهترون بهم ، ويستقلّون شأنهم ، ويجدونهم خفاف العقول ، وعلى عكس ذلك كانوا ينيطون بهم المهام الكبيرة ، ويوكلونهم أمر الملمات ، وجاء الاستخفاف من قبل الملوك الأجانب ، ومن طرف الغزاة المستعمرين ، مثلما كان يحدث من الفرنسيين والإنجليز في مصر زمن الاحتلال ، وكذلك استخفاف أمريكا وإسرائيل بالعرب عموما . والاستخفاف شأن غير المؤمنين :وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ( 60 ) ( الروم ) ، 
وصفهم بأنهم كانوا فاسقين ، أي لم تكن لهم ملة ولا دين ، وشعب مصر كانت له ديانة ، وأما الهكسوس فما كانت لهم ديانة ، وهؤلاء هم من الأشوريين . 
ولهذا جاء فيهم :فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ( 55 ) ( الزخرف ) ، أي لما أسخطوا اللّه وأغضبوا موسى :فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ( 56 ) ( الزخرف ) 
يعنى مثلا لمن يعمل عملهم ، وعظة لمن يأتي بعدهم ، وهذا ما انتهى إليه أمر الهكسوس في مصر ، ولذا لا يوجد أي ذكر عن واقعة الغرق في الآثار المصرية ، لأنه في هذه الآثار كان تسجيل « التاريخ المصري » ، وقصة فرعون موسى لم تكن من هذا التاريخ ، وجنود الفرعون لم يكونوا مصريين !
  * * *

829 . الدليل على أن الفرعون كان آشوريا وليس مصريا

كانت مقالة فرعون موسى :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى( 24 ) ( النازعات ) ، أي لا ربّ لكم فوقى ، وقال :ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي( القصص 38 ) ، ولقد قلنا إن فرعون مصر لم يكن مصريا ، ودليلنا ضمن أدلة أخرى أن مقولته هذه ليست من أركان النظام الديني المصري ، وإنما هي من أركان النظام الديني الأشورى ، والدولة المصرية لم تحكم قط حكما ثيوقراطيا - أي دينيا ،
أي لم تكن دولة قساوسة ، ولا فقهاء ، ولا ملالى ، ولكنها دولة قانون ، والمؤسسة الدينية فيها كالمؤسسة الحاكمة سواء بسواء ، ولم يحدث أن قال ملك من ملوك مصر أنه حورس ، أو ابن اوزيريس ،
وإذا مات الملك فإنه يموت كإنسان ويحلّ محله إنسان آخر ، ولذا كثر أن يشطب اسم الملك الميت من الآثار ويكتب الملك الجديد اسمه مكانه ، ولم يكن خوفو ، وخفرع ، ومنقرع ، ورمسيس آلهة ولكنهم ملوك فقط ، إلا أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مختارين من السماء ، وأنهم معصومون عصمة الأنبياء في عصرنا ، أو حتى عصمة ملوك فرنسا في القرن التاسع عشر ،
ولذلك فمقالة الفرعون :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى( النازعات 24 ) وما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي( القصص 38 ) لم يقلها ملك مصرى .
وقلنا إن لفظة « فرعون » بمعنى الجبار ليست مصرية ، ولا هي في اللغة المصرية القديمة ، وإنما اللفظة آشورية ، وآشور احتلت مصر ، وحكمتها لسنوات عديدة ممتدة ، واقتصرت غالبا على أرض جاسان ،
وهي منطقة شرق الدلتا وتعرف الآن باسم محافظة الشرقية ، وتمتد من جوار أبى زعبل إلى البحر ، وإلى وادى توميلات ، ومنذ يوسف سكنها العبرانيون وامتلكوا الأراضي فيها ( تكوين 46 / 34 ، و 47 / 6 ) ، وخروج 8 / 22 ) ،
وفيها وقعت قصة الفرعون وموسى ، وهذا هو سبب عدم وجود رسوم ونقوش تسجل هذه القصة وأحداثها على الآثار المصرية ، وأحيانا كان استيلاء آشور على مصر كلها ، العليا والسفلى على السواء ، كما في عهد آشور بانيبال .
والملك في آشور كان « الملك الإله » و « رئيس الكهنة » و « ممثل اللّه في الأرض » ، ولذا أطلق ملوك آشور على أنفسهم اسم « ملوك الأراضين » ، أو « ملوك العالم » ، و « الممثلين للّه في الأرض » ،
أي أن الملك الأشورى هو « الإله في الأرض » مثلما الآخر « الإله في السماء » ، ولذا كان المتوقع من الشعب أن يطيعهم طاعة عمياء ، واسم « حمورابي » هو اسم لا يصحّ إلّا لملك إله ، ومعناه هكذا : « الملك الربّ » .
وهذا هو الفرق بين الملك في مصر وبين الملك في آشور، وهذا الفرق هو الذي يحدد جنسية فرعون موسى الذي قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى(النازعات 24)،
فلا شك أنه كان ملكا آشوريا ولا يمت لملوك مصر بصلة .

ولأن أرض جاسان كانت أرض مراع ، وكان شعبها من الرعاة، أطلق مانيتون المؤرّخ اليهودي على ملوكها اسم «الملوك الرعاة» أو «الهكسوس».
ومصر كلها لم تعرف في تاريخها ملوكا رعاة أبدا .
 والخلاصة : أن قصة موسى لم تكن مع مصريين ، وورود اسم مصر أربع مرات في القرآن لا يعنى أن القصة كان مكانها منف عاصمة مصر ، وإذا كانت قد جرت في أرض جاسان فهي أرض مصرية رغم كل شئ ، وفي كل القصة وعلى اختلاف سور القرآن لم تحدث الإشارة إلى أن موسى كان يتعامل مع ملك مصر وإنما مع الفرعون،
وقوله :يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ( الزخرف 51 ) إشارة إلى ما آل إليه من أرض مصر وليس مصر كلها .

  * * *
    خريطة (إمبراطورية آشور وشمولها لأرض جاسان من مصر) في عهد آشور بانيبال [تصوير]

830 . قصة امرأة فرعون

امرأة فرعون في الأدب الديني الإسلامي هي آسية بنت مزاحم ، وليس من مرجع موثوق به للاسم ، وليس في التوراة عن ذلك شئ . وفي التوراة أن التي انتشلت موسى من الماء هي ابنة فرعون وليس امرأته ، وليس من شئ في التوراة عن أن ابنة فرعون كانت على دين بني إسرائيل ، ولما انتشلت موسى من الماء عهدت به إلى مرضعة عبرانية كانت أمه ، وأعطتها على ذلك أجرا . وأما في رواية القرآن فهناك دافع خلاف الشفقة هو الذي دفع امرأة فرعون إلى إنقاذ الطفل موسى .
وهذا الدافع هو آصرة الدين ، فلقد كانت تعبد اللّه على طريقة العبرانيين ، وعبادة اللّه كانت أثرا من آثار تعاليم يوسف ، وكان في بلاط الفرعون من المؤمنين من أتباع ملة يوسف - غير آسية - مؤمن آل فرعون .
وفرعون - كما قلنا - لم يكن مصريّا لا اسما ولا جنسا ، والناس في جاسان أغلبهم عبرانيون ، والحكام آشوريون ، وعندما أمرت آسية بسوق التابوت الذي به الطفل موسى إليها قبل أن يبعده البحر ، فتحته فرأت الطفل عبراني السمت ، فعلمت أنه عبراني مثلها ، وانفتح له قلبها ، ورحمته ، وأحبته ، وقالت لفرعون :قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً( القصص 9)،
تدعو اللّه أن تكون لها وله فيه بركة ، فقد كانا لا ينجبان ، ربما لعيب فيه غالبا ، فاستوهبته الطفل فوهبه لها .
وفي الآية :وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( 11 ) ( التحريم )
يتأكد إيمان آسية حتى ليضرب بها المثل كمؤمنة ، ويتأكد كذلك أنها عبرانية ، وليس ذلك بكثير أن يتزوج الفرعون الهكسوسى بالعبرانية ، فكلاهما من الأغيار وليسا مصريين ، ومن سكان جاسان ، وديانة الفرعون كانت وثنية ، وديانة آسية هي التوحيد على طريقة الآباء : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق والأسباط ، وكانت تصلى بطريقتها طريقة الآباء ، والفرعون لا يصلى ، ولأنهم وثنيون لم يترك الهكسوس في مصر آثارا تذكر في مجال الدين ،
على عكس العبرانيين فقد آمن بديانة يوسف كثيرون ، وكان الخلاف العقدي عند آسية والفرعون ، بالإضافة إلى عدم الإنجاب ، مثار جدل دائم بينهما ونزاعات مستمرة ، فكان الفرعون يكاد يبطش بها ويعذّبها ، فسألت ربّها حسن الأجر لصبرها ، ودعت أن يخلّصها منه ، وأن ينجّيها من عمله ، فقد كان يفعل الظلم هو وقومه ، ولم تعرف مصر أذى كالأذى الذي لحقها من الملوك الفراعنة من الهكسوس ، وكان اسمهم الفراعنة بمعنى الملوك الجبابرة .
وقصة امرأة فرعون مثل ضربه اللّه للمؤمنات من النساء، كما ضرب المثل للكافرات منهن بامرأة نوح وامرأة لوط (التحريم 10).
وفي قصة هذه المؤمنة الفراعنة بمعنى الملوك الجبابرة .
وفي قصة هذه المؤمنة آسية تعزية لنساء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم اللاتي كن يجدن مشقة في الحياة في بيت النبوّة بسبب قلة الزاد والمال ، وترغيبا لهن في الثبات على الدين ، وتزيينا للطاعة لأمر اللّه وما قسم لهن .

ثم إن في قصة آسية وأمثالها حثّا للمؤمنين خصوصا والمؤمنات ، على الصبر في الشدائد ، فلا يكونون أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى زوجها أعتى الجبابرة .
  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى