اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

18102023

مُساهمة 

الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Empty الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني




الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

فن القصة في القرآن

القصة من القصّ الذي هو تتبع الأثر . والقصة في القرآن عمل فريد ليس كالقصص في الآداب ، فهي ليست حكاية تراعى الحكى وما قد جرى ، وليست رواية تروى عن حدث وفيها التخييل ، ولكنها عمل أدبيّ راق ينهج نهجا واقعيا ، كقصّ الأثر ، يتتبعه ولا يتجاوزه ، وفي القرآن أنه تعالى يقصّ أحسن القصص ، يعنى يقصّها بأبدع أسلوب ، وأبلغ بيان ، عن أخبار الأمم السالفة من العصور الخالية . 
ولا يستخدم القرآن في القصّ لفظ الحكاية بدلا من القصة ، لأن الحكاية تقليد وليست واقعا ، وقصص القرآن واقع ، وتتناول أحداثا من التاريخ ، وأنباء ، وتصحّح قصصا أخرى مثلها من التوراة ، وتأتى بما لم تأت به التوراة ، وجميعها من الماضي ، ومنها قصص نزلت تثبيتا لفؤاد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، أو للعظة والعبرة ، أو شرحا لحكم شرعي ، أو حادث تاريخي ، أو لتبرئة متهم ، أو تجريم مجرم ، أو حلا لمشكلة ، كقوله تعالى :لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ( يوسف 111 ) ،
وقوله :كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ( طه 99 ) ،
وقوله :وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ( هود 120 ) ،
وقوله :نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ( الكهف 13 ) . 

وقيل : إن قصص القرآن تتجاوز حاجز الزمن ، وحاجز المكان ، والحاجز النفسي ، وتلتزم في السرد المنهج الواقعي ، ومنهج الصدق ، بأسلوب موجز ، وعرض مركّز .
والقصة في القرآن أنواع ، فهناك القصة المطولة : كقصة يوسف ؛ وهناك القصص القصيرة : كقصة ذي القرنين ؛ وهناك القصة تتنزّل بطلب من الناس : كقصة أصحاب الكهف ، والقصة تتنزّل بغير طلب : كقصص نوح وآدم وغيرهما . 
وبعض القصص تشتمل عليها السورة بأكملها ، وبعضها كقصة موسى عبارة عن مشاهد ولقطات تصوّر أوضاعا وأحوالا وأحداثا تتناسب معها ، ويأتي الكلام فيها ، فيه الإشارة والإيجاز والحذف ، يناسب بذلك سليقة العرب ، وعلى عكس ذلك تماما يكون الكلام كلما توجه الخطاب إلى بني إسرائيل ، وهم على ما في توراتهم يحبون التطويل . 
وبعض القصص فيها الحيوان أو الطائر شخصية رئيسية في الحدث الدرامي ، مثل هدهد سليمان ، وحوت يونس ؛ وبعضها فيها عن مخلوقات غيبية كعفريت سليمان ، والجن في قصة استماعهم للقرآن ؛ وبعضها فيها عن حيوان ليس له دور في العرض ؛ وأكثرها حوار كما في المسرح ، وأقلها سرد كما في الرواية ، والأحداث فيها تتنامى حتى القمة ، وأشخاص القصص من البشر من الصفوة ، وهم كبار القوم ، أو شخصياتهم النابهون أصحاب الفاعلية .
والمرأة ليست من سواد النساء ولكنها من مكتملات العقل والشخصية ، وكل نساء القصص القرآني لهن أدوارهن ، وحتى الأطفال ليسوا أطفالا عاديين إنما لهم منطقهم ، وأحاديثهم كأحاديث الكبار ، ولهم رؤاهم ، وحركة الناس في الأحداث تأتى دائما من اللاوعى إلى الوعي ، وتؤثر الحق على الباطل ، وتفضل الشهادة ، وأن نموت بكرامة على الحياة في ضلال وذلّ . 

والصراع في هذه القصص بين الخير والشر ، والصدق والكذب ، والمستكبرين والمستضعفين ، وبين قيم الماضي ، وقيم المستقبل ، وسواد الناس وأعيانهم ، والتعليم الجديد والتعليم القديم ، والإيمان والكفر .
وإذا كان القرآن يؤثر الحوار كحلّ للمشاكل فإن الناس تؤثر الصدام ، وكذلك يدعو القصص القرآني إلى الحوار بين الحضارات ، وأصحاب الحضارات يؤثرون الحرب ؛ وهناك الحبكة القصصية حيث قد تبدأ القصة بعبارات معينة وتنتهى بالعودة إلى هذه العبارات لبيان مصداقيتها . والمكان والزمان مطلقان بلا قيود . 

ومن فنّيات القصّ في القرآن استخدام المناجاة كلما ساد العماء في الموقف ، أو ساء الحال ، أو حارت الشخصية في شئ . 
وللقضاء والقدر مداخلات توجّه الأحداث ، وقد تنهيها معجزات وخوارق .
والإيجاز صفة عامة في القصص ، ويتمثّل أحيانا في حذف مشاهد يمكن فهمها ، ويسمون ذلك الإضمار القصصى .
ولا تخرج أي قصة عن إطار السورة بل تمتزج بها موضوعيا فلا تنفصل عنها ، وهي جزء من نسيجها وليست إضافة عليها ، وتتناسب مع غايات التنزيل .
وفي قصة موسى مثلا تتعدد المشاهد ، ومع تعدّدها تنتقى الأحداث لتتناسب مع الموضوع ، وينتفى التكرار باختلاف الألفاظ والأساليب والمعاني والسياق والمقام والغايات ، فمرة يكون بطريق السرد ، ومرة بطريق الحوار ، بحسب ما يقتضيه تحريك الأحداث وتصعيدها ، وأحيانا يقتضى ذلك بسط بعض القصص بسطا مطولا ، وأحيانا يقتضى اقتضابها أشد الاقتضاب ، أو بسطها ثم اقتضابها دواليك ، ويجيء الإجمال في السرد كأنه في مرحلة العرض والتعريف ، ثم يكون التفصيل من بعد . والإجمال والاقتضاب من باب الإضمار ، وتفرضه الحبكة . 
ومن أمثلة هذا الإيجاز أو الإضمار القفز بالحدث عبر الزمان والمكان؛ والوصف للتعريف واختصار الوقت والكلمات ؛ والتكثيف.
  * * * 

697 . الخلق وقصته في التوراة والقرآن

خصّص التوراة لقصة الخلق الفصل الأول والثاني من سفر التكوين فذكر : أن أول ما خلق اللّه السماوات والأرض ، وكانت الأرض خربة تغمرها المياه ، وكان الظلام ، فخلق اللّه النور وفصله عن الظلام ، وفرق النهار عن الليل ، وفصل اللّه ماء عن ماء الأرض ، وجعله كالجلد وأعطاه اسم السماء ، وانتهى من ذلك في مساء اليوم الأول .
وبدأ في صباح اليوم الثاني ، فجمع ماء الأرض في مكان واحد سمّاه البحار ، وأظهر اليابسة ، وأنبت الأرض نباتها وأشجارها بحسب أصنافها ، وانتهى من ذلك في مساء اليوم الثاني ؛
وفي صباح اليوم الثالث خلق النيّرات في السماء ، تفصل بين النهار والليل ، وتصنع أوقاتا وأياما وسنين ، وتضيء الأرض ، وخلق الشمس والقمر ، فالشمس للنهار ، والقمر لليل ، والاثنان يضيئان الأرض ، وانتهى من ذلك في مساء اليوم الثالث ؛
وفي صباح اليوم الرابع خلق من الماء الأسماك والحيتان والمائيات والطيور ، كلا بحسب أصنافه ، وباركها لتنمو وتكثر ، وانتهى من ذلك في مساء اليوم الرابع ؛
وفي صباح اليوم الخامس خلق البهائم والوحوش بحسب أصنافها ، وخلق الإنسان على صورته تعالى ذكرا وأنثى ، ليتسلّط على سمك البحر وطير السماء والبهائم ، وليخضع له كل ما يدبّ على الأرض ، وليتسيّد على جميع الأرض ، وبارك بنى البشر لينموا ويكثروا ، وليكون لهم العشب وبذره وبقوله ، والشجر وثمره ، مأكلا ومطعما ، وانتهى من ذلك في مساء اليوم السادس ؛
واستراح في اليوم السابع وقدّسه كيوم راحة » .
ونلاحظ أن كاتب سفر التكوين اليهودي قد قال : إن اللّه كان خلقه للسماوات والأرض وفق مبادئ وضعها وخلق الخلق وفقها . ولم يكن العشب والشجر ينبت قبل أن يمطر اللّه المطر على الأرض ، وهنا تناقض واضح ،
لأنه قال قبل ذلك : إن الأرض كان يغمرها الماء ، وقال في العبارة 6 من الفصل الثاني إن البخار كان يصعد من الأرض فيسقى جميع وجهها ، وإذن فالماء متوفر بها ولا تحتاج للمطر ، فلما ذا شرط الماء للنبات والشجر وكل ما عداه ، مع أنه كان متوفرا ؟ !

وتقول التوراة : إن اللّه لمّا خلق الإنسان على مثاله ، جبله من تراب الأرض ، ونفخ في أنفه فصار نفسا حية ، وأعدّ له جنة أرضية شرقية أسماها جنة عدن وهيّأها بالطيّب الحسن من الأشجار ، ومنها شجرتان جعلهما وسط الجنة ، هما شجرة الحياة ، وشجرة معرفة الخير والشر ، ومن هذه الجنة كان يخرج نهر يسقى شجرها ، ويتشعب بعد ذلك أربعة شعب هي أنهار الدنيا الأربعة الكبرى : فيشون الذي يروى الحويلة ، وجيحون الذي يجرى بالحبشة ، وحد أقل الذي يجرى في آشور ، ونهر الفرات ، وعلميّا ليست هذه أنهار الدنيا الكبرى !
وتقول التوراة : إن اللّه أسكن الإنسان الأول جنة عدن « ليفلحها ويحرسها » ( التكوين 2 / 15 ) ، وأمره أن يأكل من جميع الشجر إلا شجرة معرفة الخير والشر ، لأنه لو أكل منها مات .
وعرض اللّه على الإنسان المخلوقات جميعها ، من حيوانات البرية ، ووحوش الصحارى ، وطيور السماء ، ليرى ما ذا يسمّيها ، وأوجب لها الأسماء كما أطلقها عليها .

ولم يرد اسم الإنسان الأول في التوراة إلا بمناسبة أسماء المخلوقات ، في العبارة 19 من الفصل الثامن من سفر التكوين ، وجاء أنه آدم ، ويبدو أنه اشتكى من العمل الكثير ، وأبدى السأم من الوحدة ، فأوقع اللّه به النوم ، واستل أحد أضلاعه وسدّ مكانه باللحم ، ومن هذا الضلع استنسخ حواء وأتى بها آدم ، فلما عرف أنها من ضلعه سمّاها امرأة ، لأنها مأخوذة من امرئه ، ولزمها أنها من جسده ، ولهذا يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسدا واحدا .

فهذه قصة الخلق كما وردت بالتوراة ، وتلتها قصة الخروج من جنّة عدن ، ليشقى آدم وامرأته في الأرض . فما ذا يأتي من ذلك في الأناجيل ؟
لا شئ البتة ، فالأناجيل شغلها الشاغل أن تروى عن المسيح وأعماله ، وأن تمجّده وتغرس دعوته في النفوس وتشرب بها العقول .
ولم يكن إعطاؤها اسم المسيحية من فراغ ، لأنها الديانة التي مدارها المسيح ، فكل ما يتعلق بالمسيح ترويه الأناجيل ، والكلام فيها ليس عن اللّه وإنما عن المسيح ، والدعوة فيها ليست للّه وإنما الدعوة للمسيح ، ولتأليه المسيح ، وعبادة المسيح . والتوراة فيها من ذلك بطريقة أخرى ، فمدارها اليهود ، وتاريخهم ، وما جرى لهم ، وما جرى منهم ، وما قالوه وفعلوه ، واعتقاداتهم ، ومركز هذه الاعتقادات تأليه الشعب اليهودي ، واليهود جعلوه شعبا مختارا ، وقالوا : إنه شعب اللّه ، والنصارى قلبوا كل تعاليم اليهود ونقضوها ، ولم يؤلّهوا الشعب كاليهود ، ولكنهم ألهّوا واحدا منه أعطوه اسم المسيح أو يسوع ،
وبدلا من مقولة شعب اللّه قالوا : ابن اللّه ، واعتمدوا على رواية التوراة في قصة الخلق أو التكوين ، بدعوى أنهم يكملون اليهودية ، ويصلحون ما أفسده اليهود منها وما حرّفوه .

والإسلام أورد عن قصة الخلق ، واليهود يدّعون أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم لم يفعل إلا أن سرق روايتهم في الخلق وجعلها قرآنا ! وذلك كذب وبهتان ، لأن هذه القصة في التوراة لم تأت إلا كمقدمة لمجيء اليهود ، وهي في القرآن لإثبات وحدانية اللّه ، وأنه ينفرد بالخلق ، وأن الخلق من أفعاله ، فهو الخالق ، والمبدع ، ولو كان في الوجود إله غيره لعلا أحدهما على الآخر ، ولاختلفا ، وهذا غير وارد بالكلية في التوراة .
وظل القرآن يردد عن قصة الخلق في سورة بعد سورة ، وآيات بعد آيات ، ليثبت بالبرهان القاطع ، والحجّة الدامغة : أن اللّه واحد لا شريك له ، وأنه قد خلق الإنسان ليعبده ، وعبادته سبحانه بالعمل الصالح ، يقلّده فيه ، ويتواصل به معه ، ويذكره به ، ويتّقيه من خلاله .

ثم إن الخلق في التوراة لم يؤسس على مبادئ علمية كما يدّعى عزرا الكاتب مؤلّف التوراة في عبارته الرابعة من الفصل الثامن من سفر التكوين ، وكانت كتابته للتوراة بدءا من سنة 457 قبل الميلاد ،
أي بعد زمن موسى بنحو ألف سنة أو أقل ، ولم تكن عنده مصادر محررة وموثقة إلا ما يرويه الأحبار ويتناقلونه فيما بينهم بعد ما أضافوا وحرّفوا وزادوا من الأقوال لصالح اليهود حتى جعلوا من التوراة كتابا في الوطنية اليهودية ، وانتحلوا فيه لأنفسهم وعدا من اللّه بأرض ليست لهم ، وسيادة لم يميّزهم بها ، وروّجوا لأكاذيبهم وأضاليلهم بمختلف الطرق ، ومتباين الوسائل .

ويحفل القرآن بعبارات عن الخلق صيغت بأجمل بيان ، وقد حوت كل ما سبق وأشارت إليه التوراة وأكثر منه ، وصحّحت ما أخطأت فيه ، والخلق في القرآن استغرق ستة أيام ولكن اليوم السابع من الأسبوع لم يكن للراحة ، ولكنه كان عيدا يجتمع فيه الناس ويصلون جماعة شكرا للّه وحمدا ،
يقول :اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ ( 4 ) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ( 5 ) ( السجدة ) ، والجديد عمّا جاء في التوراة هو « تدبير الأمر وتنزّله في يوم مقداره ألف سنة من حسابنا الزمنى » .
ويقول :قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ ( 9 ) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ( 10 ) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ( 11 ) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ( 12 ) ( فصلت ) ،
والجديد في هذه الآيات قوله : إن الأرض خلقها في يومين ، وأنه جعل فيها رواسي وقدّر فيها أقواتها وذلك في أربعة أيام ، وأنه استوى إلى السماء ، وكانت السماء دخانا ، وأنه أمر الأرض والسماء فأطاعتا ، فقضى السماء سبع سماوات في يومين ، وجعل لكل سماء ما يخصها ، وأما السماء الدنيا فزيّنها بالنجوم والكواكب وجعل لها ما يحفظها ، وكل ذلك جديد في نظرية الخلق لم تأت به نظريته في التوراة اليهودية . ويقول عن السماء :وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ( 1 ) ( البروج ) ،
والبروج هي منازل الشمس والقمر ، وهي اثنا عشر برجا تسير الشمس في كل واحد منها شهرا ، ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا ، فذلك ثمانية وعشرون منزلا ويستسر ليلتين . ويقول :وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ( المنافقون 7 )
أي له خيراتها وكنوزها التي يعلمها وحده ، ويعلم مكانها ، وهو وحده المتصرّف فيها في أوانها . ويقول :وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً( 4 ) ( الفتح )
يعنى أن له تعالى وسائله التي تتحقق بها مشيئته في السماوات والأرض ، وهي الملائكة وغير ذلك .
ويقول :اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ( الرعد 2 ) ،
يعنى أنه من كمال قدرته وعظيم سلطانه قد رفع السماوات بغير عمد ، ولكن بإذنه وتسخيره ، وقد رفعها عن الأرض ، فالسماء الدنيا تحيط بكل الأرض والماء والهواء ، وترتفع عليها ، لا يدرك مداها أحد ، والسماء الثانية تحيط بالأولى ، بعدا عنها ، وهكذا إلى السماء السابعة .
والكون أكبر من ذلك ، وفي الحديث أنه صلى اللّه عليه وسلم قال : 
« ما السماوات السبع وما فيهن ، وما بينهن في الكرسي ، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، والكرسي في العرش المجيد كتلك الحلقة في تلك الصلاة » ، فانظر يا أخي كم هي علمية نظريات الإسلام في الكون ، فلقد تحدث إينشتاين وآخرون عن لا نهائية الكون ولا شئ من ذلك تقول به التوراة .
وفي الرواية : « العرش لا يقدر قدره إلا اللّه عزّ وجلّ » ، يعنى أن الإنسان العالم قد يقول باللانهائية ولا يقدرها مع ذلك قدرها ، إنما الذي يقدرها قدرها هو اللّه وحده .

واستواؤه تعالى على عرش الكون أي سيطرته عليه وتمكّنه منه ؛ وتسخيره للشمس والقمر أي أمره لهما أن يجريا بلا انقطاع ؛ وذكره تعالى للشمس والقمر لأنهما أظهر الكواكب السيارة التي هي أشرف وأعظم من الثوابت ، وإلا فالنجوم أيضا مسخرة بأمره ،
كقوله :وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ( 54 ) ( الأعراف ) ، وتسخيره للشمس والقمر والنجوم إنما ليضيء للإنسان :وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ( 33 ) ( إبراهيم ) ، ففي الأصل كان الكون عماء وظلاما ، فخلق الشمس فأوجد النهار ، وألحقه بالليل ، وجعل القمر لينير الليل ، كقوله :هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ( يونس 5 ) ،
والتسخير في الموجودات كالسجود في الصلاة عند الإنسان ، كقوله :أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ( الحج 18 ) .
ومن آياته أن الشمس لا تلحق بالقمر ، ولا القمر يلحق بالشمس ، وكذلك الليل والنهار ، وهذا معنى السجود للّه ، أي الطاعة ، فلا عصيان ولا تمرد ، وإنما خضوع كامل :لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ( 40 ) ( يس ) ، وهو تعالى الذي وقّت الأزمان بالقمر والشمس ، وبالليل والنهار ، وبالضحى ، والظهر ، والعصر ، والمغرب ( الشمس 1 ) ، وهو تعالى الذي يفلق الإصباح ( الأنعام 96 ) ، وجعل الليل سكنا ولباسا ، والنوم سباتا ، والنهار معاشا ( النبأ 10 ) ، وسخّر البحر والفلك والأنعام ( الزخرف 12 ) ، ويفلق الحبّ والنوى ( الأنعام 95 ) ، وينبت في الأرض من كل شئ ( الحجر 19 ) ، ومن كل زوج كريم ( الشعراء 7 ) ، وينبت فيها الحدائق ذات البهجة ( النمل 60 ) ، وينزّل من السماء الماء المبارك فينبت الجنات ( ق 9 ) ، ويشقّ الأرض ، وينبت الحبّ والعنب والقضب ( عبس 27 ) ،
وخلق الإنسان من تراب الأرض وأطعمه نباتها وحيوانها ( نوح 17 ) ، وقال بالأطوار وشرحها في خلق الإنسان فقال :وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ( 12 ) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ( 13 ) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ( 14 ) ( المؤمنون ) .
وبالاختصار : لا شأن لنظرية القرآن في الخلق بنظرية التوراة فيه .
ولو أفردنا للخلق في القرآن الصحائف لزاد ما نفرده منها عن أوراق التوراة جميعا والأناجيل معها ، ولا نسبة بين ما يحدّثنا اللّه به في القرآن عن الخلق ، وبين ما يحدثنا به عزرا مؤلف التوراة ، ولو قارنا ، بين كلام القرآن وكلام التوراة لتذكّرنا ملخصات الطلبة فيما يشرحه الأساتذة من الدروس ، فالتوراة ملخص بسيط فيه أخطاء وقصور وإيجاز مخل ، والسبب أنه كتاب لم يصنع للدعوة إلى اللّه وإنما لتمجيد شأن اليهود ،
وأما القرآن : فهو كتاب اللّه ، ويدعو إلى اللّه ، ويلفت إلى آياته ، وينبّه إلى عظمته وقدرته ، ويقول بألوهيته ، ويؤكد على وحدانيته .
فافهم يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة ، ولنحمد اللّه على الإسلام .

  * * *

698 . خلق آدم وحواء

لم يذكر التوراة عن خلق آدم من تراب ، ولم يجيء بها سوى أنه خلقه في اليوم الخامس ، وخلق منه حواء بعد اليوم السابع بزمن طويل ، وحواء هي زوج آدم ، وفي التوراة : أن الربّ أوقع السبات على آدمAdam، واستل إحدى أضلاعه وسدّ مكانها بلحم ، وبنى الضلع التي أخذها من آدم امرأة ، وعرف آدم أنها منه فقال هي امرأة ، لأنها خلقت من امرئى » ( التكوين 2 / 21 - 24 ) .
ولا شئ من ذلك في القرآن ، إلا الآية :يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً( النساء 1 ) ، والآية :هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ( الأعراف 189 ) ،
وإجماع المفسرين على أن النفس الواحدة هي آدم ، وأن حواء خلقت منه ، وأن سبب خلق اللّه تعالى لحواء : « ليسكن إليها » أي ليأنس بها ويطمئن، وأيضا ليكون لآدم منها الذرية ينتشرون في الأرض ويعمرونها ، كقوله :وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً( النساء 1 )،
وحصر ذريتهما في نوعين كنوعيهما ، فلما كان آدم ذكرا وحواء أنثى ، خلق منهما الذكر والأنثى ، واقتضى ذلك أن الخنثى وهو من تجتمع فيه الذكورة والأنوثة ، ليس بنوع ، وإنما هو مردود إلى هذين النوعين فيلحق بأحدهما بحسب غلبة أعضائه الذكرية أو الأنثوية عليه

ولم يتناول القرآن حكاية الخلقة من الضلع وتناولتها الأحاديث ، وفيها : « خلقت المرأة من ضلع عوجاء » ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « إن المرأة خلقت من ضلع » ، وفي رواية : « وإنّ أعوج شئ في الضلع أعلاه ، ولذلك لن تستقيم المرأة لك على طريقة واحدة ، فإن استمتعت بها ، استمتعت بها وبها عوّج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها » أخرجه مسلم .
وهذه الأحاديث هي قطعا من الإسرائيليات ، لأنه لا إشارة لحدث عظيم كهذا في القرآن ، فأن يخلق اللّه آدم من تراب آية ، وأن يخلق حواء من آدم آية أخرى ، إلا أن القرآن يقول إن خلق حواء من آدم كان من نفسه ، يعنى على منواله وفيها كل بشريته ، وخلقها صورة منه في جنس أنثى ، ولم يذكر حكاية الضلع هذه ، والخلق من النفس أعظم ، وفيه أن الذكر والأنثى شقائق ، بينما الخلق من الضلع فيه إعلاء لشأن الرجل من جهة قوته وسطوته ، وقيل إنه تعالى خلقها من ضلعه لتكون الأقرب إلى قلبه ، وليكون الأعطف عليها .
ولا أعرف في علم التشريح أن الذكر أو الأنثى يقل عدد أضلاع أحدهما عن عدد أضلاع الآخر !
ولا في أي حيوان من الثدييات ! فنظرية القرآن في خلق حواء هي النظرية الأصحّ والأكثر معقولية والأقرب إلى العلم من نظرية التوراة .

  * * *

699 . الخروج من الجنة وقصته في التوراة والقرآن

قصة خروج آدم وحواء من الجنة يشملها الفصل الثالث من سفر التكوين من أسفار التوراة الخمسة، ويتألف الفصل من 24 عبارة.
وليست جنة آدم هي الجنة التي يتحدث عنها القرآن ، ويأتي اسمها في التوراة جنة عدن ، وعدن اسم سريانى ومعناه البهجة ، والجنة بستان أو حديقة ، وجنة عدن إذن بستان ، كل ما فيها يبهج النفس .
وتقول التوراة : إن الحيّة وهي أمكر حيوانات البرية ، احتالت على حواء وشككتها في أمره تعالى أن لا تأكل هي وآدم من الشجرة التي في وسط الجنة وإلّا ماتا ، وأبلغتها أن اللّه يعلم أنهما سيأكلان منها ولن يموتا ، وإنما سيعرفان الخير والشرّ كالآلهة .
وداخل حواء السرور وهي تطالع الشجرة وكانت شجرة جميلة ، وراودتها نفسها أن تتذوق ثمرها ، وتناولت بعضه وأكلته ، وأعطت آدم منه فأكل ، فكأن حواء أغوتها الحية ، وأغوت حواء آدم ، وفي الحال انفتحت عيونهما ، وإذا بهما قد تعرّيا ، فأسرعا إلى ورق شجر التين ، وصنعا منه مآزر لهما . وكان اللّه يسير في الجنة يتنسّم هواءها ، فاختبأ آدم وحواء منه بين الأشجار كي لا ينظر عريهما ، وناداه الربّ فاعتذر بأنه عريان ، فسأله الربّ وكيف عرفت أنك عريان ؟
لا بد أنك أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها ! وتعلل آدم بأن حواء أغوته ، وتعللت حواء بالحيّة ، فلعن اللّه الحيّة من كل البهائم ، وعاقبها بأن جعلها تزحف على صدرها ، وبثّ العداوة بينها وبين حواء ، وبين نسلها ونسل حواء ؛ فهم يسحقون رأسها وهي تلدغ أعقابهم ، وعاقب المرأة بأن تحمل في مشقة ، وتلد في مشقة ، وأن تتحكم فيها أشواقها الجنسية ، وأن يتسيّد عليها رجلها .

ولعن اللّه الأرض بسبب آدم ، وعاقبه بأن لا يستخرج ما يأكله منها إلا بمشقة ، وأن لا يجنى أحيانا من نبات الأرض الشوك والحسك وعشب الصحراء ، وأن يكد ويكدح ليجد الخبز ، وأن يعمل في كبد طوال حياته إلى أن يوارى التراب الذي خلق منه وإليه يعود ، وصنع الرب لآدم وحواء أقمصة من جلد كساهما بها ودارى عورتيهما .
وأصبح آدم وقد طعم من شجرة « معرفة الخير والشر » كالآلهة ، وخشي الربّ أن يحاول آدم أيضا أن يطعم من « شجرة الحياة » فيعيش للأبد ، فأخرجه من جنة عدن ، فصار عليه أن يحرث الأرض التي خلق منها ليجد ما يطعم ، وفرض اللّه حراسة حول شجرة الحياة ليمنع آدم عنها .
ولم تقل التوراة أن الربّ طرد حواء أو عاقبها ، ولم تقل أنه طرد الحيّة ، وافترضت أنه بطرد آدم طردت حواء والحيّة ، ولما تعرّى آدم وحواء عرفا بعضهما البعض جنسيا فولدت له البنين والبنات ، وأطلق عليها من ذلك الحين اسم حواءEveلأنها قد صارت تلد أحياء .
وكانت هذه هي قصة الخروج من جنة عدن كما جاءت في التوراة ، وجنة عدن في التوراة أرضية وليست سماوية ، ومفسرو التوراة يقولون أنها كانت في أرمينيا ، لأن الفرات من أنهارها ، وهو من أرمينيا ، وبعضهم يقول إن عدن كانت بين دجلة والفرات جنوبي العراق ، لأن مواصفات التوراة لها أنها شرقي فلسطين ، وبقربها كوش وكانت تعرف قديما باسم كاشو ، وكان سهل بابل معروف في القديم باسم عدنو ، والحويلة المذكورة في التوراة هي الجزء الشمالي من جزيرة العرب المتاخم للعراق .
والجنة في القرآن على العكس سماوية ، وهي مكان أعدّه اللّه للمؤمنين ، وليست جنة واحدة وإنما جنّات تجرى من تحتها الأنهار ، والناس في إيمانهم لا يستوون ، وهم أصناف ، ولذلك لا يدخلون جميعا جنة واحدة ،
وفي الحديث عن أبي هريرة أن النّبى صلى اللّه عليه وسلم قال : « إن في الجنة مائة درجة أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم اللّه ، فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجّر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمن » أخرجه الشيخان .
وفي تفسير الفردوس يقول مجاهد : إنها البستان بالرومية ، وورد عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم برواية سمرة وإخراج ابن جرير قال : « الفردوس ربوة الجنة ، أوسطها وأحسنها » .
وترد جنة عدن في القرآن إحدى عشرة مرة ، وفي التوراة لا ترد إلا مرتين ، وكان الاسم - كما ذكرنا - عند البابليين عدنو .

وعن أنس أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال عن جنة عدن : « خلق اللّه جنّة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ، ولبنة من ياقوتة حمراء ، ولبنة من زبرجدة خضراء ، ملاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ ، وحشيشها الزعفران ، ثم قال لها : انطقى فقالت :قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، فقال اللّه : وعزّتى وجلالي لا يجاورني فيك بخيل » ، ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( الحشر 9 ) .
وهذه الصورة الحسيّة لجنة عدن إنما هي كناية لما لا سبيل إلى وصفه منها بلغة البشر ، وتصويرها بهذه الصورة المادية لتجسيم المعنى المعنوي وجعله أسهل للفهم وألصق بالذاكرة .
وفي التوراة لا يرد إطلاقا اسم الجنة في أي من الأسفار بخلاف هاتين المرتين التي ورد فيهما مضافا إلى عدن ، وثواب اليهود في الدنيا ، ينعّم فيها اللّه المؤمنين ، وعقاب العاصين في الدنيا أيضا .
وجهنم عندهم هي هنوم ، تنسب لواد على مشارف القدس كانت تحرق به الزبالة ، ثم أطلق على محرقة الأجساد رمزا للهلاك الأبدي .

وقصة الخروج من الجنة تختلف في كل تفاصيلها في القرآن عن التوراة ، ففي القرآن أن اللّه قضى بأن يخلفه آدم وبنوه على الأرض ، وأنه تعالى علّمه أسماء الموجودات ، وأنه التقى بالملائكة لينبئهم ، ولمّا لم يفهموا وأبدوا التخوّف طمأنهم أنه علّام الغيوب ، وعرض آدم عليهم فأنبأهم بالأسماء ، ودهشوا لعلمه ما لا يعلمون ، وسجدوا له بأمر اللّه إلا إبليس فقد أبى واستكبر .
وأسكن اللّه آدم وزوجته الجنة ونهاهما عن الاقتراب من الشجرة ، فأزلّهما الشيطان عنها ، فوجب خروجهما من الجنة ، وهبطوا إلى الأرض جميعا ، آدم وزوجته وإبليس ، بعضهم لبعض عدو ، وتاب آدم بما تلقى من اللّه من كلمات ، وعاش وزوجته على الأرض يتناسلان وبنوهما ، فمن يتّبع هدى اللّه لا يحزن ولا يخاف، ومن يكفر ويكذّب فأولئك أصحاب النار (البقرة 30 - 39)،
وهذه تفاصيل لا يوجد إطلاقا ما يشبهها في التوراة ؛ والقصة برمتها في القرآن في غاية السمو ، والحبكة فيها في غاية القوة .

وفي سورة أخرى يأتي الخلاف مع إبليس ، وعناده وإصراره على الاستكبار حسدا لآدم واستعلاء ، ويلعنه اللّه ، فيطلب أن ينظره إلى يوم البعث ، ويعده أن يغوى بنى البشر أجمعين ، وأن يقعد لهم كل مقعد ، وبدأ بآدم وحواء ، وأوقعهما في المكروه فذاقا الشجرة المحرّمة ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، واعتذرا للّه أنهما ظلما نفسيهما وطلبا المغفرة ، فأهبطهم جميعا إلى الأرض ، يستقرون فيها إلى حين ، متخاصمين ومتعادين إلى أن يموتوا فيها ثم يبعثوا منها يوم القيامة ( الأعراف 11 - 25 ). وفكرة الشيطان ، والصراع الأجناسى بين إبليس وآدم ، وتوعّده لبنى البشر ، وطلب آدم وحواء للمغفرة ، وحكم اللّه فيهما ، كل ذلك غير موجود في النصّ العبري .
وفي سورة أخرى يقص القرآن : أن اللّه قد عهد إلى آدم فنسى ولم يكن له عزم ، وسجد له الملائكة إلا إبليس ، فحذر اللّه آدم وزوجته منه ، لئلا يخرجهما من الجنة فيشقيا ويعرفا الجوع والعرى والظمأ وشدة الحرّ ، وعصى آدم ربّه فغوى ، وأكلا من الشجرة المحرّمة وبانت سوءاتهما ، واستغفر آدم وتاب ، واجتباه ربّه فتقبل منه وهداه ، وقضى اللّه تعالى أن يهبطوا جميعا أعداء لبعضهم البعض إلا من اهتدى ( طه 115 - 123 ) ،
وليس في النص القرآني أن حية غوت حواء ، أو أن حواء غوت آدم ، وإنما كانت الغواية من إبليس لآدم ، وتابعته امرأته على ما فعل ، وتاب آدم وأناب وهداه اللّه ، وكان عليهم أن يتركوا الجنة ويهبطوا للأرض ليشقوا ويتعادوا إلا من هدى اللّه ، وجميعها تفاصيل لا يشبهها شئ في التوراة !

وفي سورة أخرى يبلغ الحواريين اللّه تعالى وبين إبليس ذروة درامية رفيعة ، وتسبق ذلك وتمهد له عبارات آية في الجمال ، ويختلط السرد بالحوار ، ويأتي ردّ إبليس :أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ( الأعراف 12 ) ،
ويكون الحكم الإلهى :فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ( 77 ) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ( 88 ) ( ص ) ،
ويحاور إبليس ويداور ثم يقول قولا منكرا :فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( 82 ) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ( 83 ) ( ص ) ، وينهى اللّه تعالى الحوار نهاية يوجز بها قصة الخروج فيقول :فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ( 84 ) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ( 85 ) ( ص ) .

فالقرآن كما ترى أغنى في التفاصيل ، وما يرويه أكثر معقولية ، وروايته رواية شاهد يعرف ما يقول ، ويشهد بما يعرف ، وبما يعنيه ويتضمنه ويشتمل عليه من نتائج ودروس مستفادة ، وشتّان بين روايته والرواية الفجّة التي يسردها التوراة !
  * * *

700 . دخول آدم وحواء في الجنة للسكنى لا للإقامة

لمّا كفر إبليس أخرجه اللّه تعالى من الجنة وأبعده عنها ، وبعد إخراجه قال لآدم :اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ( البقرة 35 ) ، والسكنى تعنى الإقامة ، والإقامة لا تكون إلا لمدة ، ومن لحظة أن قال لهما« اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ »
كان ينبغي أن يفهما أن سكناهما الجنة هي سكنى مؤقتة ، وعليهما أن يرتقبا خروجهما ، وسكناهما إذن من نوع « السّكنى الرّقبى ، أي السكنى ومراقبة أن تكون لمدة ، بعكس السّكنى العمرى ، أي السكنى طوال العمر ، أو السكنى مع حق الإعمار في السكن ،
كما في قوله تعالى :هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها( هود 61 ) ،
أي أسكنكم فيها لأعماركم ، ولكي تعمروها ، وفرق بين أن يسكن آدم وحواء الجنة سكنا لمدة ، وبين أن يسكن الإنسان الأرض طوال حياته ولكي يعمّرها .
وفي الحديث : « العمرى جائزة لمن أعمرها ؛ والرّقبى جائزة لمن أرقبها » أخرجه ابن ماجة .

  * * *

701 . شجرة المحنة

الشجرة التي أكل منها آدم وحواء رغم نهى اللّه لهما عنها ، قيل : هي الكرم : ولذلك حرّمت علينا الخمر ؛ وقيل : هي الحنطة ، ولذلك جعلها غذاء آدم وبنيه من بعد ذلك لمّا تاب عليه ؛
وقيل هي التين : ولذلك تعبّر في الرؤيا بالندامة لآكلها من أجل ندم آدم وحواء على أكلها . وليس في شئ من هذا التعيين ما يعضده خبر ، والصواب أن نعتقد أن اللّه تعالى نهى آدم عن شجرة فقال :وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ( 35 ) ( البقرة ) ،
فخالف هو إليها وعصى بالأكل منها ، فكما عصى إبليس ربّه كان أيضا عصيان آدم ، ولكن عصيان إبليس لم يكن عن اختيار ، ولا هو محنة ، على عكس اختيار آدم فقد كان محنة وأي محنة !

  * * *

702 . آدم لم يكن له عزم

قيل الإنسان من النسيان ، واللّه تعالى عهد إلى الإنسان فنسى العهد ، كقوله :وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً( 115 ) ( طه ) ، فكأن العهد كان لآدم ولبنيه من بعده ، والنسيان كذلك كان صفة فيه وفي بنيه من بعده ، ولم يقل اللّه تعالى « عصى » وإنما قال « نسي » ، لأن عصيان آدم كان بتأويل ، وكان آدم يعتقد ألا يأكل من الشجرة ، فلما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده ، والشيء الذي عهد إلى آدم هو : ألا يأكل من الشجرة ، وأعلم لذلك أن إبليس عدو له .
والعزم هو الصبر - صبره عن أن يأكل من الشجرة ، وأن يواظب على التزام الأمر ، ومن ذلك قوله تعالى :فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ( الأحقاف 35 ) .
وقيل : إن اللّه تعالى نهاه عن شجرة بعينها ، وخدعه إبليس بأن النهى وقف عليها وليس على نوعها ، وترك آدم الاستدلال ، أو أنه لم يطبّقه ، وما تعرفه ولا تطبّقه فكأنك تجهله ، وكأن آدم لم يكن يعرف الاستدلال ، فترك الشجرة المنهى عنها وأكل من أختها التي من جنسها ، وكان أكله منها تأويلا وليس نسيانا ، فمن قال بالنسيان أخطأ .
وقيل : إن آدم لم يكن من أولى العزم من الرسل وقيل : إنه ما من نبىّ إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة ، فلو خرج آدم من جملة أولى العزم بسبب خطيئة ، لخرج جميع الأنبياء . وذلك غير صحيح ، فكل نبىّ حالة خاصة وله ظروفه ، وآدم فيما يبدو قد تعهّد وأصرّ على الوفاء ، وأخذ نفسه بالالتزام بالأمر بصرامة ، فهذا هو العزم ، ولكنه في الحقيقة تهاون واستخف ، وهذا هو معنى أنه لم يكن له عزم .
والحق يقال أنه كان واقعا تحت ضغوط نفسية من أشد ما عرفته البشرية من الضغوط النفسية : ضغط إبليس ثم ضغط حواء ، فلا عجب أن ضعف عزمه ، فعذره ربّه ، وغفر له .

  * * *

703 . ذنب آدم لا يزرى به

الزراية هي الاحتقار ، ويزرى به أي يعيبه ، ومنها الزرىّ وهو الذميم المحتقر ، والزراية لآدم ، لأنه كقوله تعالى :وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى( 121 ) ( طه ) ، فما فعله آدم هو عصيان وذنب لا شك فيه ، إلا أن ذنوب الأنبياء مغفورة لأنهم يستغفرون منها ويتوبون ، وذنوبهم بالنسبة لغيرهم حسنات مع ذلك ولكنها في حقّهم سيئات ، بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم ، والوزير قد يؤاخذ بما يثاب عليه ساعى مكتبه ، أو جندي الحرس عنده ،
وفي الخبر أن حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ، ومع أن الأنبياء تقع منهم الذنوب إلا أنها لا تخل بمكانتهم ، ولا تقدح في رتبتهم ، وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، قال :
« احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم ، أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة ؟
فقال آدم : يا موسى ، اصطفاك اللّه عزّ وجلّ بكلامه وخطّ لك بيده يا موسى !
أتلو منى على أمر قدّره اللّه علىّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة ! فحجّ آدم موسى ثلاثا » ، ومعنى حجّه أي غلبه بالحجة .
وصحّت حجة آدم لأن اللّه قد غفر له خطيئته وتاب عليه ، وما كان لموسى أن يعيّره بخطيئة قد غفرها اللّه له .

  * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 21:35 عدل 4 مرات
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 19:45 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

704 . آدم أول نبىّ

في الحديث الصحيح أن نوحا هو أول رسول ، يقول : « ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه اللّه إلى أهل الأرض » ، فهو الأول لأنه كان أول من جاء بشريعة ، إلا أن آدم أيضا باعتباره أول البشر كان له تعليمه من اللّه ، وكان يعلّم أبناءه أوامره ونواهيه ، وإذن كان آدم نبيا ، وكان أول نبىّ بغير إشكال ، ولم يكن معه إلا النبوة ، ولكن لم تفرض له الفرائض ، ولا شرّعت له المحارم ، وإنما كانت أقواله تنبيها على بعض الأمور ، واقتصارا على ضرورات المعاش ، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء . 
وفي الآية :إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ( 33 ) ( آل عمران ) 
ثبت أنه تعالى اختار لهؤلاء دينهم وهو الإسلام ، واختار لآدم النبوة ، ولإبراهيم النبوة ، ولنوح الرسالة ، ولآل إبراهيم وآل عمران أن يكون منهما الكثير من الأنبياء والرسل ، فمن آل إبراهيم كان : إسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط ، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم ؛ 
ومن آل عمران : موسى ، وعيسى . وقيل إن « آل إبراهيم » هو نفسه ، و « آل عمران » هو نفسه ، والصحيح أن اللّه تعالى خصّ هؤلاء بالذكر لأن الأنبياء والرسل من نسلهم .
  * * *

705 . كلمات آدم

قيل في الآية :فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( البقرة 37 ) ، أن كلماته تعالى التي تاب آدم بها هي :رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ( الأعراف 23 ) ،
أو قوله :رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي( القصص 16 ) ، أو قوله :لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ( 87 ) ( الأنبياء ) ،
أو أن هذه الكلمات التي نطق بها لسانه وعبّرت عن حاله هي : « لا إله إلا أنت ، سبحانك وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علىّ إنك أنت التواب الرحيم .
لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين » ، وفي كل ما سبق لم يتجاوز آدم الاستغفار المعهود عند ارتكاب الذنوب ، وكان يبكى ، ويدعو ، ويبدي الندم ، ويعتصره الحزن .

  * * *

706 . آدم خليفة اللّه في الأرض

في الآية :وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً( البقرة 30 ) ، قيل الخليفة هو آدم وذريته من بعده ، فهم يخلفونه تعالى في الأرض ، ويهتدون بهديه ، ويأخذون بأسبابه ، وأولهم آدم فهو الخليفة الأول ، ومؤسس الخلافة الآدمية ، وهو الذي كان عليه أن يعلّم أولاده ، وقيل كان رسولا إلى أولاده الذين تكاثروا من بعده
كما قال تعالى :خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً( النساء 1 ) .

وخلافة آدم هي الأصل في تنصيب الرئيس للدولة أو للحكومة ، لتجتمع به الكلمة ، وتنفذ به أحكام الدولة .
  * * *

707 . آدم أول العلماء من البشر

في الآية :وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها( البقرة 31 ) : أن « آدم أول من تعلم العلم » ، وأن تلقّى العلم كان أولى مهامه ، وكان عبادته للّه تعالى ، وأن أول دروس العلم هو معرفة أسماء الأشياء والأشخاص والموجودات ، وأن اللّه تعالى كان مدرس آدم ، يعنى أن العلم بالأشياء في الإنسان فطرة ، وأن الأمر في تعليم الصغار هو أن نحيى في فطرتهم ما علّمه اللّه لآدم وانتقل فيهم چينيا ،
وتعليمه تعالى - والتعليم عموما - هو التعريف بالأسماء ، واللّه تعالى عرّف آدم بها ، وكان تعليمه له إلهاما ، والأسماء مفردها « اسم » ، وهو اللفظ الموضوع على جوهر أو عرض لتعيينه ولتمييزه ، ويراد به الاسم والمسمى ، فالاسم كقولنا أسد ، من ثلاثة حروف ، والمسمى هو الحيوان الذي له صفات معينة ، وقوله : « كلها » للإحاطة والعموم ،
وفي الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفا ، واللّه تعالى علّم آدم أسماء ما خلق وأبدع مما لم تعلمه الملائكة ، ومعنى أنه سمّى له كل شئ باسمه ، أنه ذكر له منفعته ومضاره - فذلك سبب إعطائه الاسم ، وقيل : علّمه الأسماء في مختلف اللغات ، فلم يكن آدم يتكلم لغة واحدة ، واللغات كلها أسماء .
والآية في عمومها دليل على فضل العلم وأهله ، وباعتبارها فإن آدم هو « أول علماء بنى البشر » ، وهو « رأسهم » ، وفي الحديث أن اللّه يباهى الملائكة بأهل عرفات ، وهم العلماء ، وسجود الملائكة إنما لصفة العلمية عند آدم ، وسجودهم ليس تذللا وخضوعا ، ولا سجود عبادة ، وإنما سجود تكريم لما حباه اللّه من العلم ، وكان سجود الملائكة تعليما للبشر أن يسجدوا للعلم ، فالناس إما علماء وإما جهلاء ، والعلماء هم بنو آدم عن حقّ .

  * * *

708 . إبليس

« إبليس » اسم عين للشيطان ، وقيل اسم أعجمي أصلهdiabolosاليونانية ، وشتّان بين الاسمين ، فإبليس عربى من البلس وهو الشرّ ، ويطلق على ثمر كالتين ، وعلى العدس المأكول ؛ والبلسان شجر كشجر الحناء ينبت بعين شمس في مصر ، وأبلس يئس وتحيّر ، وبلبيس من مراكز مصر ، وبولس سجن بجهنم ، فكما ترى أن اسم إبليس عربىّ صميم .
وفي القرآن يتكرر إحدى عشرة مرة ، يقترن فيها جميعا بالعصيان والبهتان ، والكبر والحسد ، والمكيدة والحيلة ، والرفض والجحد والعناء ، وفي القرآن :وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ( 12 ) ( الروم ) ،
يعنى يسكتون وتنقطع حجتهم ، ومن هذا المعنى كان اشتقاق الاسم إبليس على وزن إفعيل ، لأنه انقطعت حجته .
ومن يقول أن الاسم أعجمي يتعلّل بأنه غير منصرف في القرآن ، ولو كان عربيا لانصرف .
والصحيح أنه لم ينصرف لأنه معرفة ولا نظير له في الأسماء ، فلم يعرف أحد باسم إبليس إلا هو ، فشبّه بالأسماء الأعجمية .
والمبلس هو اليائس ، كقوله :كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ( 49 ) ( الروم ) ، أي يئسوا وأصابهم من شدة يأسهم الاكتئاب ، وفي المقابل يقول تعالى :إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ( 48 ) ( الروم ) فجعل المبلسين نقيض المستبشرين .

وكما تنفرد العربية باسم إبليس فلا نعثر عليه في كتب اليهود ، فإنه في النصرانية غير موجود كذلك ، ويأتي في الترجمات العربية لبعض كتبهم كمرادف عربى لشيطان ، فالاسم إبليس عربى قحّ ، ومترجم إنجيل متّى بدلا من شيطانdevilاستخدم إبليس ( 4 / 1 ) ، وجعله يجرّب المسيح ؛ والمترجم العربي لرؤيا يوحنا استخدم إبليس كذلك ( 12 / 9 ) ،
ووصفه بأنه التنين العظيم ، أي الحية القديمة المسماةdiabolos، أوdiofol، أوtiufal، أوdjofull، وقصد إلى أن يستخدم الاسم الشائع في العربية للاسمينdevilوsatan، فترجم الأول إبليس ، والثاني الشيطان ، وإلا فلا وجود لاسم إبليس في أي من اللغات إلا العربية .
ثم إن هناك اختلاف بين قصة إبليس في القرآن وقصته في التوراة في سفر التكوين ، ثم في الإشارات عنه عند متى ( 4 / 1 - 11 ) ، وعند لوقا ( 8 / 12 ) ، وبطرس الأولى ( 5 / 8 ) ، وإفسس ( 6 / 11 ) ، وتيموثاوس الثانية ( 2 / 26 ) ، وكورنثوس الثانية ( 11 / 3 ) إلخ .

والقصة القرآنية شديدة الحبكة ، والحركة فيها سريعة ، والعبارات والكلمات تترى مناسبة للمواقف الخطيرة ، وشخوص القصة واضحة المعالم لها إرادتها وخياراتها ، وسقوطها من نفسها له دوى فظيع ونتائج ملحمية كبرى ، وليس كذلك القصة في التوراة ، فهي تروى عادية ، وتسرد وقائعها سردا في سطور قليلة ، وتؤدى الحيّة دور الشيطان ، والجنّة فيها جنة أرضية يرادف اسمها اسم البستان ، .
وليس بالقصة التوراتية المشاهد العظيمة الكبرى التي فيها الحوار بين اللّه تعالى وبين إبليس والتي تأتى في القرآن ، وإنها لمشاهد في قمة السمو الفكري ، والتعبير فيها آية في البلاغة ، والكلمات اصطلاحية وحافلة بالرمزية ، ولعمري لم لم يتناول المستشرقون هذه القصة وينبّهوا إليها ولو باعتبارها من عيون الأدب والفكر الفلسفي العالميين ، إلا أن يكون هو الحسد دفعهم إلى ذلك ليغمطوا القرآن حقّه ، وأنه الكتاب المنزّل من لدن اللّه ، وأن قصصه هو القصص الحق .

وإبليس في قوله تعالى :وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ( 34 ) ( البقرة )
لا يعنى أنه من الملائكة فالاستثناء منقطع ، واللّه تعالى وصف الملائكة بأنهم :لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ( 6 ) ( التحريم ) ،
وقال في إبليس :إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ( الكهف 48 ) ، والجنّ غير الملائكة ، والجنّ خلقوا من نار السموم ، وخلقت الملائكة من النور .
وقيل سمّى الجنّ جنّا من 
الجنّة ، لأنهم كانوا خزنتها ، وكانوا يأتون الأعمال الباهرة العجيبة ،
ومن ذلك قولنا : به جنّة ، أي يقول عجبا ! فلما فسق إبليس عن أمر ربّه تبعته الجنّ ،
فهؤلاء جنوده في الآية :وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ( 95 ) ( الشعراء ) ، وغضب اللّه على إبليس وجنوده فمسخهم شياطين ، من شطن أي بعد عن الخير ، وصار إبليس هو الشيطان ، لبعده عن الحق وتمرّده ، وصار كل عات متمرّد من الجن والإنس شيطانا أو يقال له شيطان .

  * * *

709 - قالت المعتزلة : إبليس ما دخل جنة الخلد

المعتزلة على القول بأن الجنّة في قوله تعالى لآدم :اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ( البقرة 35 ) ، المقصود بها البستان الذي بأرض عدن ، وأخذوا هذا القول عن اليهود : أن جنة عدن شرقا أعدّها اللّه في الأرض لسكنى آدم وزوجته وجعلها كالبستان ، وأنبت فيها الشجر المثمر والزهور الطيبة ، وأجرى فيها الماء ( التكوين 2 / 8 ) ،
غير أن قول اليهود كان نتيجة خلو اعتقادهم أصلا من الجنة والنار في الآخرة ، وعندهم الجنة والنار في الدنيا وعلى الأرض ، والمعتزلة اعتقدوا في الجنة والنار الأخرويين ، ولكنهم قالوا إن جنة آدم أرضية ومعناها البستان وليس المعنى المتعارف عليه . وحجة المعتزلة : أن جنة آدم لو كانت جنة الخلد لما وصل إليها إبليس أصلا ،
فإنه تعالى يقول :إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ( 45 ) ( الحجر ) ، وإبليس لم يتق اللّه ليستحق دخول الجنة .
ثم إن ما قاله لآدم وحواء غواية والغواية من اللغو والتأثيم وهو تعالى يقول :لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً( 35 ) ( النبأ ) ،
ويقول :لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً ( 25 ) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً( 26 ) ( الواقعة ) .
ولقد طرد إبليس من الجنة لما عصى ربّه ، فكيف دخل ثانية ليكيد لآدم وحواء ، إلا أن تكون الجنة المعنية هي جنة الأرض وليست جنة الخلد ؟
وجنة الخلد يدخلها الداخلون فلا يخرجون منها لقوله تعالى :وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ( 48 ) ( الحجر ) .
ولو كانت جنة آدم هي جنة الخلد ما استطاع إبليس أن يكيد لآدم وحواء ويخرجهما منها ، فالجنة موضع مقدس عن الخطايا والمعاصي ، ومطهّر عنها ، وإبليس قد لغا فيها وكذب أكبر وأفدح كذبة في الوجود ، والمعتزلة التي قالت بذلك أول فرقة انتصرت للعقل على النقل ، وأعملت العقل في كافة النصوص الدينية ، فاعتزلوا أهل الجماعة والسنّة ، فقيل فيهم إنهم المعتزلة لهذا السبب ، وكان ذلك في النصف الأول من القرن الثاني الهجري .
ويحبط أقوال المعتزلة أن اللّه تعالى عاقب آدم وحواء وإبليس وسائر المخلوقات بأن أمرهم بالهبوط ، وهو النزول من أعلى إلى أسفل ، يعنى من جنة السماء إلى الأرض ، فلا يصحّ أن يكون الهبوط من أرض إلى أرض !

  * * *   
710 . إبليس أول من عصى وكفر
إبليس فسق عن أمر ربّه كقوله تعالى :إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ( الكهف 50 ) ، أي تمرّد وعصى ؛ كقوله :إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ( البقرة 34 ) ،
فأول عصيان من مخلوق لخالقه هو عصيان إبليس رفض أن يمتثل لأمره تعالى بالسجود لآدم ، بدعوى أن آدم خلقه من تراب بينما إبليس خلقه من نار ، فبزعم شرف النار على التراب تعلّل بأن لا يسجد ،
فأول من كفر هو إبليس ، والسؤال هو : هل كان كفره عن عناد أم عن جهل ؟
والجواب : لم يكن إبليس يصدر عن جهل وقت أن عصى ، لأنه كان يعرف ويعلم ، إلا أنه كان من « الجاهلين » ، بالمعنى الذي جاء في قصة عمر لمّا دخل عليه الأعرابي يسبّه ويقول : واللّه ما تعطينا الجزل يا ابن الخطاب ، ولا تحكم بيننا بالعدل - والجزل هو الشيء الكثير . 

فغضب عمر ، فانبرى أحد الجالسين يقول : يا أمير المؤمنين . 
إن اللّه قال لنبيّه :خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ( 199 ) ( الأعراف ) ، وهذا من الجاهلين !
- وبعد هذه الآية مباشرة يأتي قوله تعالى :وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ( الأعراف 200 ) ، 

والتعوّذ باللّه مما تثيره في النفس جهالة أحدهم كهذا الذي سبّ عمر .
وكذلك كان إبليس من الجاهلين ، وكان عصيانه نزغا من طبيعته النارية العنيفة ، ونزغه كان هذا الحسد والكبر فيه ، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى اللّه . 
فإذا كانت خطيئة المرء في حسده وكبره فلا ترجه ، وإن كانت خطيئته في معصية كآدم ، فارجه . ولو قارنا خطيئة آدم بخطيئة إبليس ، لتبيّن أن خطيئة آدم كانت معصية ، بينما خطيئة إبليس كانت الحسد والكبر ؛ وهما بطر للحقّ وغمط للناس ، وبطر الحق : تسفيهه وإبطاله ؛ وغمط الناس : هو الاحتقار لهم ، والازدراء بهم ، قال إبليس :أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ( 12 ) ( الأعراف ) ، وقال :أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً( 61 ) ( الإسراء ) . 
وقال :لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ( 33 ) ( الحجر ) ! 
فأول معصية في الوجود كانت الحسد والكبر ، والاثنان وجهان لعملة واحدة ، وكلاهما يؤدى للآخر ، وإبليس حسد آدم على ما فضّله به ربّه ، وهذا هو المقصود في تعريف الكبر بغمط الناس ، فلما حسده تكبّر عليه ، وهذا هو بطر الحقّ ، أي تسفيهه وإبطاله ، فالمتكبّر بتصرف وكأنه أحسن ممن يتكبّر عليه ، فيزيده تصرّفه توهما بأنه الأحسن ، وطالما أنه كذلك حقّ له أن يتكبّر ، فكأنه وحده الموجود دون الآخر ، فسلوك الكبر يلغى الآخر . 
وهكذا يكون الحسد يتسرّب إلى النفس ويؤدى إلى ارتكاب الذنوب ، لأنه بداية المرض النفسي والإصابة بهذاءات العظمة ، والاحتقار للآخر وتضخّم ذات المتكبر وأن يعلى من قدر نفسه ، وتسلمه هذاءات العظمة إلى السلوك البارنى ( من بارالويا أي جنون توهّم العظمة ) ، فيكون ادعاء العظمة عن غير أساس وهو المسمى بالكبر ، وهي حالة باثولوجية مؤكدة ، وإبليس كان بكل المقاييس حالة مرضية تستحق الدراسة من حالات جنون توهّم العظمة ، والحسد والكبر هما أساس وخميرة وجود هذا الاضطراب النفسي - البارانويا - بين البشر ، بمعنى أن الحسد والكبر يولدان هذا الاضطراب .
  * * *
711 . هل لإبليس ذرية ؟
في الآية :إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا( 50 ) ( الكهف ) ، أن إبليس له ذرية ، فهل ذريته من صلبه ؟ وهل له زوجة ؟
والجواب : أن الغالب أن ذرية إبليس هم « أعوانه » من شياطين الإنس والجان ، يوسوسون إلى بني آدم .
وليس في القرآن أي شئ عن زوجة لإبليس ، أو أنه يولد له ، حتى تكون له ذرية من صلبه ، والذي ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند مسلم أن الشياطين تبيض وتفرخ .
وقيل : الشياطين هم ذرية إبليس ، وقيل : في أسمائهم ضمن الميثولوجيا الدينية الإسلامية : زكنبور : أي « الموقّعاتى » ، وهو شيطان التّجّار ؛ وثبر : أي « المصيبة » أو « صاحب المصائب » ؛ والأعور : صاحب الزواني ؛ ومسوط أي « المشنّعاتى » ، صاحب الإشاعات ؛ وداسم : أي « الخربى » ، يخرب كل بيت يدخله ، وكل قلب وضمير وعلاقة ؛ والأبيض : أي الكاشف الذي يكشف كل شئ ويجعله « على بياض » ، وهذا عمله مع المصلحين والدعاة والأنبياء ؛ وصخر : أي « القوى الصلب » الذي لا يلين ، وهو اللحوح الخنّاس ؛
 والولهان : أي « المتحيّر الحزنان » ، يشيع الحزن بين الناس ويبكى كل إنسان ؛ والأقيس : أي « الصيّاد » ، يصطاد في الماء العكر ، وأكثر عمله وقت الصلاة ليشغل المصلين عنها ؛ ومرّة : أي المرير الممرور ، وكنيته أبو مرّة ، لأنه يسقى الناس المرّ ويؤكلهم الحنظل ، بالغناء والإنشاد ، فيبكون ويدمعون ؛
والهفّاف : أي « المزوّقاتى » ، وكلامه نزق ونصيحته هواء ؛ ولقوس : أي « العيّاب » ، يعيب كل شئ ولا يعجبه شئ ؛ والمتقاضى : يتقاضى الناس ويخبرهم بما عملوه من شرور منذ زمن بعيد ليخزيهم ؛ والخنّاس : أي « المتخفّى » ؛ وقيل كذلك : خنزب : وهو اسم الشيطان الذي يحضر المؤمن في الصلاة ليصرفه عنها .
وربما كانت هذه الأسماء حالات للشيطان يتلبّسها بحسب المواقف ، وعند مسلم أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم سمّى جهاد المسلم مع الشيطان « معركة الشيطان » ، ومن المصطلحات الإسلامية التي يدخلها اسم الشيطان : « جنود الشيطان » ، و « سرايا الشيطان » ، و « حزب الشيطان » ، وهؤلاء هم في الغالب « ذرية الشيطان » ، أي أعوانه ومساعدوه .

  * * *   
712 . إبليس وقابيل أوّل من أضلونا
في قوله تعالى :رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ( 29 ) ( فصلت ) فإن الذي أضلنا من الجن : هو إبليس ، ومن الإنس : قابيل ، وذلك أن إبليس كان أول من سنّ الكفر ، وقابيل كان أول من سنّ القتل ، وأصل ذلك كله الحسد في الحالتين .
  * * *
713 . واحد من كل ألف لله والباقي للشيطان
في الآية عن إبليس :وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً( النساء 118 ) ، وفي الحديث صلى اللّه عليه وسلم عن « النصيب المفروض » : أنهم أتباع الشيطان : « من كل ألف ، واحد للّه ، والباقي للشيطان » ،
وفي رواية أخرى بنفس المعنى : « من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة » أخرجه مسلم ، وفي الحديث القدسي عن قوله تعالى لآدم :

« أبعث بعث النار ، فيقول : وما بعث النار ؟
فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون » أخرجه مسلم ، و « بعث النار » هو نصيب الشيطان من البشر ، أي أتباعه في الدنيا .

  * * *
714 . « الشيطان » في العربية والعبرية
المستشرقون وأخصهم جولدتسيهر ، ونولدكه وهوروفتس ، على القول بأن فكرة الشيطان منقولة عن كتب العهد القديم ، ولم نعثر على كلمة « شيطان » في هذه الكتب إلا ضمن نبوءة زكريا وفي سفر أيوب ؛ وفي النبوءة يقول زكريا : « وأراني يشوع الكاهن العظيم واقفا أمام ملاك الربّ ، والشيطان واقفا عن يمينه ليقاومه ، فقال الربّ للشيطان : لينتهرك الربّ يا شيطان » ( 3 / 1 - 2 ) ؛
وفي سفر أيوب يقول الذي يقصّ الحكاية : « واتفق يوما أن دخل بنو الربّ ليمثلوا أمام الربّ ، ودخل الشيطان بينهم » ( الفصل الأول 6 ) ،
ثم يكون الحوار بين الربّ والشيطان، ويراهن الربّ على أيوب.
وسفر أيوب هو وصف لمحنة أيوب الذي تسبب له فيها الشيطان .
وفي اليهودية والنصرانية : الشيطان منSatanالعبرية ومعناها « المعاند » ؛ وفي اليونانية الشيطانdiabolos، ومنهاdiable، وأماluciferفمعناها « الصفراوي » الذي يكبت التمرد والغضب والكراهية ، وأصل الكلمة يوناني أيضا ، وتختلف الأسماء باختلاف اللغات والأجناس ، وبحسب المفهوم عن الشيطان في كل ثقافة .
وفي النصرانية فإن الشيطان هو بعل زبول ( متّى 12 / 24 ) وبليعال ( 2 كولوسى 6 / 15 ) ،
ويوصف بأنه رئيس مملكة الهواء ، وقرين أبناء المعصية ، والتنين ، وكبير الأرواح الساقطة ، وينعت بالخبث ، والتمرد على اللّه ، والفساد في الأرض ، والمقدور عليه أن يظل مطرودا من رحمة اللّه ، وأن يعادى الإنسان ، وأن يجرّب الناس للخطيئة ، وأن يقاومه المؤمن ولا يخضع له ، وتعاونه عصبة من الأرواح العاصية ، وكلهم يعمل لصرف الإنسان عن الإيمان والخير ،
فمن سايره فهو من أبناء الشيطان ، ومنهم « يهوذا الاسخريوطى » وقد دعاه المسيح شيطانا ، وحاول الشيطان مع المسيح ، ومن دأبه أن يتلبّس الناس فيصيبهم منه العته والصرع والجنون ، والخرس ، والعمى ، ونهاية الشيطان أن يطرح في الآخرة في بحيرة النار والكبريت ( رؤيا يوحنا 20 / 1 - 2 / 10 ) .

وفكرة الشيطان في الزردشتية ، والمانوية ، والعرفانية ، ولم توجد ديانة ولا فلسفة فيها فكرة متكاملة عن الشيطان كالإسلام ، ويأتي ذكره في القرآن 88 مرة ، ويوصف بأنه كفور ، وعصىّ ، وعدو مبين للإنسان ، يزلّه ، ويوسوس ويسوّل له ، ويتنزّل عليه ويفتنه ، ويتخبّطه من المسّ ، ويستهويه ، ويغويه ، ويعده ، ويخذله ، وله رجز ورجس وهما الإثم والذنب ، وله نجوى ، ويأتي على خطوات ، ويمر كالطائف ، ومن يمسه يتخبّطه بالنصب والعذاب ، وكيده مع ذلك ضعيف ، ولا يعد إلا الغرور ، وأولياؤه هم أتباعه ، وإخوانه ، وحزبه ، وقرناؤه ، يوحى إليهم ، ويستحوذ عليهم ويتعبّدونه ، والشيطان رجيم أي مرجوم ، ومريد أي خبيث وشرير ، وما من نبىّ ولا رسول إلا تمنى وألقى الشيطان في أمنيته .
والتعوّذ من الشيطان يقى منه ، كقوله تعالى :وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ( الأعراف 200 ) ،
والاستعاذة منه أوجب عند قراءة القرآن :فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ( 98 ) ( النحل ) ،
يعنى أن يقال : « أعوذ ( أو نعوذ ) باللّه من الشيطان الرجيم » ، والعوذ والعياذ والتعويذ كلها بمعنى واحد ، والمعوذتان دعاء يتعوّذ بهما من الشيطان ، وقوله تعالى :مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ( 4 ) ( الناس )
يعنى الشيطان ، وهو خنّاس لأنه ينقبض ويتأخر عند ذكر اللّه تعالى ، وفي الصحيح أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « إن الشيطان يجرى من بني آدم مجرى الدم » أخرجه البخاري ، وفي قوله :مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ( 6 ) ( الناس )
أن الجنّة جنس الشياطين ، والمردة وصفهم في أحوال دون أحوال ، ورئيسهم جميعا إبليس ، وكان خلقهم من النار كما كان خلق الإنسان من الطين .
وقيل في الشيطان إنه شيطانان : فشيطان الجن يوسوس في الصدور خفية ، وشيطان الإنس يوسوس جهرة ، كقوله تعالى :وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ( الأنعام ) .
والشيطان مصطلح عربى أصيل ، ودليل أصالته في العربية كثرة استخدامه وتصريفه ، ويجمع على شياطين ، ويشتق من شطن يعنى بعد عن الخير ، وتقول شطنت داره إذا بعدت ، وبئر شطون أي بعيدة القعر ، والشّطن الحبل ، سمّى به لبعد طرفيه . وسمّى الشيطان شيطانا لبعده عن الحقّ وتمرّده ، ويقال لكل عات متمرد من الجن والإنس شيطان .
وقيل شيطان من شاط يشيط إذا هلك ، والنون زائدة ، وشاط إذا احترق ، وشيّطت اللحم إذا دخّنته ولم تنضجه ، واستشاط الرجل غضبا إذا اشتد غضبه . وقيل إن الغالب أنه من شيطن وليس من شاط ، ولذلك يقال تشيطن من شطن ، فإذا كان من شاط قيل تشيّط .
ومع الشياطين لا قواعد ولا أصول ، وهم يخوّفون الناس الفقر لئلا ينفقوا في وجوه الخير ، ويثبّطونهم عنه ، ويأمرونهم بالفحشاء - وهي المعاصي ، وفي الحديث : « إن للشيطان لمّة ( يعنى خطرة ) بابن آدم ، وللملك لمّة ، فأما لمّة الشيطان فإيعاز بالشرّ وتكذيب بالحق ، وأما لمّة الملك فإيعاز بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من اللّه ، ومن وجد الأخرى فليتعوّذ باللّه من الشيطان » ، ثم قرأ :الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ( البقرة 268 ) .

  * * *
715 . قصة ابني آدم : قابيل وهابيل
حكاية قابيل وهابيل من الأدب الشعبي « السامي » ، والاسمان هما الصيغة العربية من الاسمين الساميين ، وفي كل لغة « سامية » يختلف نطقهما بحسب الطبع اللغوي لأي من الأجناس السامية ، واليهود كعادتهم يجعلون الاسمين من الأسماء العبرانية ، وفي الموسوعات اليهودية لا تعثر على اسم قايينCainكما ينطقونه ، أو اسم هابيلAbel، لشخص من الأشخاص من القدماء أو المحدثين . وقيل إن قايين العبرية تعنى الحدّاد ، بينما هابيل العبرية تعنى النسمة ، وهذا دليل على سوء الفهم المبيّت للاسمين الساميين ، على أنهما اسمان عبرانيان - كادعاء اليهود - وليسا ساميين .
وأسأل : المفترض أن قابيل وهابيل ابنا آدم ، وكان قابيل أول من يولد في العالم ، بينما هابيل هو الابن الثاني لآدم ، والمولود الرابع له ، فهل كان في زمنهما أيضا عبرانيون ولغة عبرانية ليكون الاسمان عبرانيين ؟ !
هلا اتقى هؤلاء اليهود اللّه وكفّوا عن الكذب والانتحال وسرقة تراث الشعوب ؟ !

وأيا كان الأمر ، فقد نتساءل : فما ذا يعنى الاسمان إذن بصرف النظر عن التخرّصات العبرانية ، وأكاذيب المدراش والسنهدرين ، وادعاءات المستشرقين من أمثال جرينباوم ، وآيزنبرج ، وفايل ؟
والأسماء في نظرية القرآن ، في قصة تعليم آدم ، هي صفات ، فأسماء اللّه الحسنى صفات له ، وأسماء الأشياء التي تعلمها آدم وتلقّاها عن ربّه هي صفاتها البارزة ، و « قابيل » كان أول مولود « يقبل » على الدنيا من أولاد آدم ، فسمى « قابيل » ، ونحن نسمّ « القابلة » ، لأنها أول من « يستقبل » المولود ، وقابيل بشهادة اسمه أول مولود في الدنيا ، وأما « هابيل » فقتل شهيدا ، وعرفت أمه بموته معنى الثكل لأول مرة ، نقول « هبلته أمه » ، يعنى ثكلته ، وهي « هابل » ، أي « ثاكل » . وقابيل وهابيل على وزن واحد ، والاسمان في العربية من الأدب الشعبي الديني وليسا من أسماء القرآن ، ولا تورد القصة القرآنية الاسمين ، وتكتفى بأنهما ابنا آدم ، بينما في التوراة يأتي ذكرهما كتسجيل للأحداث الإنسانية فيما قبل التاريخ ؛ والقصة في القرآن لم ترد إلا مرتبطة بما قبلها ضمن السياق العام لسورة المائدة ، فلما ذكر تعالى تمرّد بني إسرائيل وعصيانهم لأمر اللّه في قتال الجبّارين ( الآيات من 21 إلى 26 ) ،
ذكر قصة بني آدم ، وعصيان قابيل لأمر اللّه ، وإقدامه على قتل النفس البريئة التي حرّمها اللّه ، فكان المعنى : أن اليهود كانوا مثل قابيل ، واقتفوا في العصيان أول عاص للّه في الأرض ، فطبيعة الشرّ فيهم مستقاة من ولد آدم الأول ، فاشتبهت القصتان من حيث التمرد والعصيان ( الآيات من 27 إلى 32 ) .

وفي قصة التوراة : أن قابيل كان عامل زراعة ، بينما هابيل كان راعى غنم ، تقول القصة : وكان بعد أيام أن قابيل قدّم من ثمر الأرض تقدمة « للربّ » ، وقدّم هابيل أيضا شيئا من أبكار غنمه ومن سمانها ، فنظر الربّ إلى هابيل وتقدمته ، وإلى قابيل وتقدمته لم ينظر .
فشقّ على قابيل جدا ، وسقط وجهه ، فقال الربّ له : لم شق عليك ؟ ولم سقط وجهك ؟
ألا إنك إن أحسنت تنال ، وإن لم تحسن فالخطيئة تنتظرك .
ثم قال قابيل لأخيه : لنخرج إلى الصحراء ( ليخلو به ) ، فلمّا كان في الصحراء وثب على هابيل أخيه فقتله ( التكوين 4 / 3 - 9 ) .
ولمّا سأل الربّ قابيل عن أخيه هابيل حاول الكذب ، وسدّ في وجهه باب النكران إذ قال له الربّ : إن صوت دم أخيك صارخ إلىّ من الأرض ! ولعنت الأرض قابيل ، وفتحت فاها مستقبلة دم أخيه ، وأقر بجريمته وببشاعتها ، وبثّ ربّه خوفه من أن ينتقم منه ، وفرّ لذلك إلى بلاد « نود » ، وفيها بنى قرية ، وولد له ولد دعاه أخنوخ أو حنوك ، والمعنى واحد ، أي المحنّك ، لأنه حنّك فمه قبل الرضاعة ، وفي العبرية الحنوك أو أخنوخ هو المكرّس ، والشيء العجيب أن قابيل لم يكن يعرف هذا المعنى بعد حتى يسمّى ابنه به ، وسمّى قابيل المكان الذي أقام فيه باسم ابنه ( التكوين 4 / 9 - 17 ) .
وتنتهى القصة في التوراة بلا ذكر للغراب ، ولا لسبب تقبّل اللّه قربان هابيل . وليس فيها أن اللّه عليم بما يجرى من حوادث وبما جرى لهابيل . ولم تطلعنا القصة إلا على جانب الحسد عند قابيل ، ودافع الشر عنده .
ولم تظهرنا على مواعظ ودروس القصة ، وكانت عباراتها جافة ، وتقصر ألفاظها عن التعبير عن المعاني .

وأما قصة القرآن فتقول :وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ( 27 ) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ( 28 ) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ ( 29 ) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ ( 30 ) فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ( 31 ) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ( 32 ) ( المائدة ) ،
وانظر إلى البداية الرائعة في قوله :وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّوتسميته للقصة بالنبإ ، ينأى بها أن تكون مجرد قصة ، فمن القصص ما هو خيال ، ولكن هذه القصة « نبأ » ، يعنى من الواقع ، لأن الناس لا « تنبئ » غيرهم إلا بما هو واقع ، وفي ذلك تبكيت لمن يتّبع توراة اليهود ويهجر القرآن ، وتسلية للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين ، لأن النصر في قصة القرآن للإيمان ، وقوله : « بالحق » أي أنها قصة حقّ ومتمشية مع الحقّ والصدق .
ومفسرو المسلمين الذين أخذوا بالإسرائيليات نقلوا عن اليهود أن الخلاف بين قابيل وهابيل كان حول « الجنس » ، وأن قابيل نقم على أخيه أن يتزوج من المرأة الجميلة ويترك له القبيحة .
ولا شئ من ذلك في القرآن ؛ وقوله :إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ بيان لسبب رفض قربان قابيل ، لأن إيمانه كان منتقصا .
واهتمت الآيات بالحوار بين القاتل والمقتول ، ويتبين حسد قابيل ، وقصور تفكيره ، ورعونته ، وكلها صفات تصنع الشرير فيه ، وتشير إلى انحطاط في قوى الإدراك عنده ، وهو شأن المجرمين والعصاة والأشرار دائما .

على عكس هابيل ، فمن كلامه أنه كان الأقوى ، إلا أنه آثر أن لا يكون جبّارا في الأرض ، ولا أن يبدأ أخاه بالعدوان . وكان يمكن أن يدفع عن نفسه ، والدفع عنها واجب ، لكنه رفض البتة أن يلجأ إلى العنف ولو كان لردّ العدوان . وكان حاد الذكاء ، وأدرك أنه إن كان مقتولا بقدر اللّه ، فليختر أن يكون مظلوما ، لأن اللّه ينتصر للمظلومين .
وفي الفتن ينبغي ترك القتال ، وكفّ اليد عن الشبهة ، ولقد ترك هابيل مدافعة أخيه تحرّجا ، كالشأن مع عثمان بن عفان الذي رضى أن يظلم ليجازى في الآخرة ، وفي الخبر : « إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم » ، وخيرهما هو هابيل داعية السلامpacifist، وكان الحشوية - وهم فرقة إسلامية - لا يجوّزون للمصول عليه الدفع .
وفي الحديث : أن القاتل والمقتول إذا التقيا بسيفيهما فهما في النار ، لحرص كل منهما أن يقتل صاحبه ، وهابيل لم يرد لنفسه ذلك ، فجعل إثمه لو كان قد دافع أخاه ، وإثم أخيه في قتله ، على أخيه .
ولأن قابيل كان أول قاتل في التاريخ ، وهابيل أول مقتول ، وأول ميت ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سنّ القتل » ، وشبيه به الحديث : « ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » .
وأمثال قابيل قدوة يقتدى بهم القتلة والسفّاحون والمجرمون ، وفي الاصطلاح أنهم أئمة وإنما في الإجرام ، وفي الحديث : « إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلّون » ، ويبدو قابيل ابن أبيه ، كما تقول الآية :ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ( آل عمران 34 ) ، والآية :إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ( يوسف 77 ) ،
وأبوه آدم كان أول من عصى اللّه من البشر ، وأول من خالف إلى ما نهى عنه ، إلا أنه تاب وعفا اللّه عنه ، فلم يصبح إماما في العصيان ، وقابيل أصبح من الخاسرين بقتل أخيه ، ولكنه أيضا أصبح من النادمين بعد أن تلقى الدرس من طائر بسيط هو الغراب ، تعلم منه أن يوارى أخاه التراب ، وكان ندمه أنه ترك جثة أخيه مدة ولم يعرف كيف يتصرّف بها ، ولو كان قد ندم وتاب لتقبّلت توبته ، ولكنه لم يتب كأبيه .
وصار إبليس بكفره رأس الكافرين من الجن ، وقابيل بجريمته رأس الخطّائين من الإنس . وهذا ما جعل علماء الطب النفسي يقولون بعقدة قابيلCain's complex: وهي « عقدة الحسد للأخ الأكبر » ، وتمنّى الخير الذي عنده ؛ ونقيضها عقدة هابيلAbel's complex، وهي استسلام الأخ الأكبر لنزوات الأصغر ، وانصياعه له ؛ ومثل ذلك عقدة إسماعيل بن إبراهيمIshmael's Complex: وهي انصياع الابن لأبيه حتى لو طلبه للموت ، ونقيضها عقدة ابن نوحNoah'son complex: وهي تجبّر الابن على أبيه ، ورفضه لسلطته ، وخروجه عليه ، حتى لو كان في ذلك هلاك الابن .
والجزء الخاص بالغراب في قصة القرآن قمة في الحكمة ، والمسلمون الذين يقرءون القرآن ، كلما صادفهم غرابا يذكرون قصة القرآن فيتأملونه بإكبار .

والغراب من أذكى الطيور ، وأروى عن غراب عثر على قطعة خبز جافة جدا ، فأخذها بمنقاره إلى ماء متجمّع في حديقة النادي ، ووضع القطعة في الماء يبللها ، ثم أخذها فكانت صالحة لأن يأكلها بعد أن زال جفافها !
وفعل غراب قابيل في أخيه الغراب ، في مواراة جثة الميت ، سنّة باقية في الخلق ، والفضل فيها لهذا الغراب ، وصار دفن الميت فرضا على جميع الناس على الكفاية .
والقبر الذي استنّه الغراب حفرة ، هو الشق ، ومع تقدم المدنية صارت الحفرة لحدا ، والرسول صلى اللّه عليه وسلم دفن في اللحد ، وهو أن يحفر في جانب القبر ويوضع الميت ثم يوضع عليه اللبن ثم يهال التراب .
وفي ختام هذه القصة يأتي الدرس المستفاد ، وهو قوله تعالى :مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً( المائدة 32 ) 

وذلك مبدأ فلسفي ، وأخلاقي ، وقانوني ، عام ، لكل الناس في كل زمان ومكان ، من جرّاء قصة ابني آدم ، وجريمة قابيل ، وخصّ بني إسرائيل بالذكر بسبب طغيانهم وسفكهم الدماء ، ومن لا يصدق فلينظر ما ذا يجرى في فلسطين من المذابح ، ومعنى هذا المبدأ : أن قتل النفس الواحدة يستوى وقتل الناس جميعا ، ومن ترك قتل نفس واحدة ، وصان حرمتها واستحياها خوفا من اللّه ، فهو كمن أحيا الناس جميعا ، والذي ينتهك نفسا واحدة يلحظ بعين منتهك الجميع ، ومن استحلّ واحدة فقد استحلّ الجميع ، لأنه أنكر الشرع ، وجحد العقل ، وقتل إنسانيته فيه ، والرحمة التي أودعها اللّه به ، فهو ليس بإنسان ، والتزام الشرع مقياس للتحضّر ، وبمقتضى ذلك فإن إسرائيل والروس وأمريكا وبريطانيا - حتى لو أفلحوا في بلوغ المريخ ، فهم بهذا المقياس غير متحضّرين ، وثقافاتهم ثقافات منحطة ، وذلك بعض ما توحيه قصة القرآن ، فشتّان بينها وبين قصة التوراة ، وإن شئت معيارا لقياس الحضارات فهو هذا المعيار : الكتاب الديني للأمم ، لأنه ضمير الأمة ، ومرجعها الأخلاقي ، وقصة القرآن فيها الحكمة ، والموعظة ، والعبرة ، والسموق الروحي ، والعلو الفكري ، والسمو النفسي ، وذلك بعض أوجه الروح العربية مقارنة بالروح اليهودية ، أو الروح الآرية ، والغريب أنهم يقولون عن المسلمين أنهم شعوب منحطة ؟ ! !
فحسبنا اللّه .

  * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 21:34 عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 21:23 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

716 . قصة نوح

نوحNoahأوحى إليه كما أوحى إلى الأنبياء ، كقوله تعالى :إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ( النساء 163 ) ، والوحي إعلام في خفاء ، وكان نوح من المصطفين ، كقوله :إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ( 33 ) ( آل عمران ) ، وسبب اصطفائه كما قال :إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً( 3 ) ( الإسراء ) ،
وأخذ منه الميثاق كما أخذ من النبيين ، كقوله :وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ . . .( الأحزاب 7 ) ،
والميثاق : هو الإقرار باللّه ، ولم يؤخذ الميثاق إلا من أولى العزم من الرسل وأئمة الأمم ويتصدّرهم هؤلاء الخمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وفي الحديث أن نبيّنا قال عن نفسه : « كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث » ، يعنى كان آخرهم بعثا ولكنه أولهم تفضيلا ، وفي الخبر أن نوحا أول رسول ، واختص بأهل الأرض كنبيّنا . وقوم نوح كانوا أول المكذّبين بالأنبياء ، كقوله :كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ( 105 ) ( الشعراء )
وتتابع من بعدهم أقوام آخرون كذّبوا مثلهم ، كقوله :وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ ( 42 ) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ( 43 ) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى ( الحج ) ، وسبقهم إلى التكذيب لأنهمكانُوا قَوْماً فاسِقِينَ( 46 ) ( الذاريات ) ، وكانواأَظْلَمَ وَأَطْغى( 52 ) ( النجم ) ،
أي كانوا أظلم وأطغى من كل أقوام قبلهم أو بعدهم ، وأكفر من مشركي قريش ، قال ذلك تسلية وتعزية للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وكأنه يقول له : فاصبر أنت أيضا فالعاقبة الحميدة لك ، وكأنه يقول ذلك للمسلمين من بعد في كل زمان ومكان . وقوم نوح قالوا في نوح :مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ( 9 ) ( القمر )
واتهموه بفقدان العقل لمّا تجرّأ أن يدعوهم إلى اللّه ، قال :يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ( 59 ) ( الأعراف ) ،
فزجروه عن دعوة النبوة بالسبّ والوعيد بالقتل والرجم ، قالوا :لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ( 116 ) ( الشعراء ) ، واشتهرت دعوة نوح لأن دعوته كانت أول دعوة إلى الناس كافة ، وبهذه الصفة كان أول نبىّ بعث ، وقيل كان مبعثه وهو ابن أربعين أو خمسين ،
وقيل : كان ابن ثلاثمائة وخمسين ؛ وبقي في قومه :« أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً( العنكبوت 14 ) ،
قال :يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ( 71 ) ( يونس ) ،
فكأنه استشعر طول مقامه بينهم ، ولبثه فيهم ، وتذكيره وتخويفه لهم بآيات اللّه ، حتى ملّوه وزهدوه ، وعزموا على طرده أو قتله ، فقال : فعلى اللّه توكلت - وهذا جواب الشرط ، وما كان إلا متوكلا على اللّه في كل حال ، ولكنه بيّن أنه متوكل في هذا على الخصوص ، ليعرف قومه أن اللّه يكفيه أمرهم ، فإن لم ينصروه فأمره وأمرهم إلى اللّه ، وليحرموا شركاءهم وليظهروا ما في نيّتهم ولا يخفوه ، وليمضوا إليه ولا يتأخرون ، وهو دليل على أنه لم يكن يخشاهم ، وكان واثقا بنصر اللّه ، ولم يخف كيدهم ، لأنه يعرف أنهم وآلهتهم لن ينفعوه ولن يضروه بشيء لم يرده له اللّه ، وهو موقف لنوح فيه تعزية للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وتقوية للمؤمنين ولأمة الإسلام ،
وقال :فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ( 72 ) ( يونس ) ،
فما كان ذلك إلا ليزيدهم فرارا منه وكان جوابهم عليه :يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 32 ) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ( 33 ) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( 34 ) ( هود ) ،
والإشارة إلى طول مدة دعوته وكانت نحو تسعمائة سنة ، وخلالها كثر الجدل بين نوح والمكذّبين ، والجدل : هو المبالغة في الخصومة ، مشتق من الجدل وهو شدة القتل .
والجدل في الدين محمود ، ولهذا جادل نوح والأنبياء أقوامهم ، وأما الجدال فهو لغير الحق ، ومقصوده إظهار الباطل في صورة الحق ، والجدال مذموم في الدين .
وسمّى نوح دعوته نصحا ، والنصح إخلاص العمل من الغش ، ومنه التوبة النصوح ، وفي الحديث : « الدين النصيحة » أخرجه مسلم ، وفي الدين يتوجه الناصح بنصيحته لسواد الناس وأئمتهم ، وقوم نوح عزفوا عن النصح وأرادوا الغواية .

وكان نوح يعدّ نفسه أخا لهم ،إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ( الشعراء 106 ) ، وأخوّته أخوة نسب ومجانسة لا أخوة دين ، ودعاهم فقال :يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ ( 23 ) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ ( 24 ) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ( 25 ) ( المؤمنون ) .
والجنّة التي اتهموه بها هي الجنون ، نسبوا إليه أنه لا يدرى ما يقول ، لأنه كان طاعنا في السن ، وعزّاهم أنه عما قريب يتوفى ويريحهم .
وقالوا تأكيدا وإصرارا :ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ( 27 ) ( هود ) ،
والملأ هم الرؤساء ، مليئون بالمال والولد ، وبما يقولون ويفعلون ؛ والأراذل جمع الأرذل ، والرّذل هو النّذل ، أرادوا اتّبعه أخساؤهم ، وسقطهم ، وسفلتهم ، وفقراؤهم ، وما كان عليه في ذلك عيب ، فالأنبياء والمصلحون والفلاسفة وأصحاب الثورات ليس عليهم أن يؤمن به هذا أو ذاك من الناس ، فما يهمهم هو تغيير المجتمع للأفضل ، وحجب الناس عن الباطل ، وأن يعتقدوا الحق ، ولذا كان عملهم البراهين والآيات ، وما من نبىّ أو مصلح إلا وهو يخاطب الناس كافة فقراءهم وأغنياءهم ، فإذا اتّبعه الدنىء لم يلحق النبىّ أو المصلح من ذلك نقصان .
والديانات ثورات كالثورات ، والإسلام ثورة ، وثورة الإسلام ثورة دائمة ، فإن بحثت عن مبدأ الثورة الدائمة الذي يطلبه أهل الفلسفة حثيثا ، فلن تجده إلا في الإسلام ، وليست الحرب التي يشنونها عليه الآن بعد ألف وخمسمائة سنة من دعوة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، إلا لأن الإسلام دائم الثورة ! ولو سأل سائل : أي الناس يتّبع الدين ؟ وأيهم يظاهر المصلح ؟
لكان الجواب : إن الضعفاء هم الذين يتبعون الرسل والمصلحين ، لأن الرئاسة أصلا معقودة في المجتمعات للأشراف ، وهؤلاء لا يرضيهم أبدا أن ينفكوا منها ، ولذا تكون إراقة الدماء في دعوات الأديان وفي الثورات عامة .
والسيد الغنى يأنف من الانقياد للغير ، وأما الفقير فهو خلىّ عن كل هذه الموانع ، وسريع الإجابة والانقياد ، وهذا غالب أحوال التاريخ وأهل الدنيا .
والأرذلون هم ضعفاء العمال ، سمّتهم الثورة البلشفية البروليتاريا ، وسمّاهم القرآن المستضعفين ، وفي التعريف هم سفلة المجتمعات الرأسمالية أو الغنية حيث الثروة هي معيار الناس ، ومن شيمة صغار العمال والموظفين أنهم إذا اجتمعوا غلبوا ، وإذا تفرّقوا لم يعرفوا .
وقوله :وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ( هود 27 ) ،
وبادي الرأي يعنى : فيما يبدو من الرأي ، أو في أول الرأي ، يعنى اتّبعوه إعجابا بظاهر ما قال أولا ، ولو أمعنوا النظر والفكر لم يتّبعوه .
وقال نوح :يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ( 28 ) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ( 29 ) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ( 30 ) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ( 31 ) ( هود ) ،
واستفهام نوح بمعنى الإنكار ، فلقد زعموا أنه على الباطل ، فسألهم : لو حدث وكان على الحق ، وكان على بيّنة من ربّه ؟
ولم يروا بيّنته ، ولم يفهموا براهينه ، وعموا عن رسالته ، فهل كان مع كل ذلك يلزمهم إيمان ، وأن يشهدوا أن لا إله إلا اللّه ؟

وهل كان يوجبها عليهم ؟
ومضمون كلامه أن يردّ عليهم : أنه لا يصحّ قبولهم لرسالته مع الكراهة عليها ، وهذا ردّ أيضا على مشركي العرب ، ومشركي هذه الأيام ، فلا إكراه في الدين ، وهذا مبدأ أصولي من مبادئ الإسلام .
والمستضعفون لم يكرههم أحد على الإيمان ، سواء في الدين أو في الثورات ، ولم يحدث أن طرد نبىّ ولا مصلح المستضعفين من جماعته لأنهم مستضعفون ، إلا أحزاب الأغنياء ، وديانات الأثرياء ، ومنها أحزاب الديموقراطيين ، وأحزاب الوطنيين ، وديانتا النصارى واليهود ، فأعضاؤهم وأتباعهم من أصحاب الثراء والجاه والسلطان ، ولهم الأشياع ، وأما الإسلام فكان - كما قال نوح - « ديانة المنبوذين والأراذل والفقراء والمستضعفين » ، ودعوة الأغنياء والأثرياء ورجال المال والأعمال بطرد العمال والفلاحين وإلغاء نسبة تمثيلهم في أية برلمانات هي دعوة من يجهلون ، والحال مع هؤلاء كحال نوح مع قومه لما نصحهم وظل يدعوهم وما من مجيب ، يقول تعالى :وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ ( 36 ) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ( 37 ) ( هود ) ،
ومعنى الآية استدامة كفرهم ، فدعا عليهم لمّا أخبر بهذا .قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً ( 21 ) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً( 22 ) ( نوح ) ، 

وكان يرجو أن يأتي من نسلهم من يؤمن ، فمع طوال عمره وقصر أعمارهم ، ظل يرجو في الأبناء بعد الآباء ، والناس غالبا - كما بيّنا - تتبع الأغنياء والكبراء والمترفين ، وهؤلاء هم أصل الشرّ في الدنيا ، ولهم مكر وأي مكر ، والقرآن يصفه بأنه المكر الكبّار ، بالتشديد للمبالغة ، ولقد حرّضوا سفلتهم على قتل نوح ، وعزّروا الناس بما أوتوا من الدنيا من « الولد والمال والسلطان » ، وهذه الثلاث هي مفاتن المستقويين ، فلو لم يكونوا على الحق ، فلما ذا أعطوا الدنيا عن سعة ؟ 
ولما ذا يرسل اللّه بشرا ليهديهم ولا يرسل ملائكة ، لو لم يكن نوح يطمع أن يسود ، وأن يكون متبوعا وهم له تبع ، وقالوا لم يأت فيما عرفوا من التواريخ مثل دعوته . ونوح حاسب نفسه ، فمع مرور نحو ستمائة سنة ، حقيقة أو مجازا - فالدعوات لا تحسب بالأيام والسنين ، وإنما بنتائجها وتحصيلها - ولم تكن لدعوته الثمرة المرجوة ، فلم يكن أمامه إلا أن يدعو على من عوّقوا الدعوة وأفسدوها ، 
فقال :رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ( 26 ) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً( 27 ) ( نوح ) ، ولم يدع عليهم إلا بعد أن جاءه من ربّه :لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ( هود ) ، 
فأجاب اللّه دعوته وأغرق أمّته ، وهذا هو الفرق بين نوح ونبيّنا صلى اللّه عليه وسلم ، فنوح دعا على الأمة بأسرها ، ونبيّنا خصّ بالدعاء أبا جهل وامرأته ، وعتبة وشيبة ، وأصحابهم . 
والديّار في دعاء نوح : هو كل من يسكن الديار من قومه ، أصله من الدار ، تقول : ما بالدار ديّار ، أي أحد ، والديّار هو الساكن أو صاحب الدار .
فلما دعا عليهم دعا بالنقيض لنفسه وللمؤمنين :رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً( 28 ) ( نوح ) ، 

وبيت نوح هو مسجده ومصلّاه ، والبيت بمعنى الدّين والدخول فيه ،وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ( 40 ) ( هود ) ، 
والتبار : هو الهلاك والخسران ، دعا بهما للكافرين ، كما دعا لنفسه وللمؤمنين بأحسن الدعاء ، قال :رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ ( 26 ) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ( 27 ) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 28 ) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ( 29 ) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ( 30 ) ( المؤمنون ) ،
« والمنزل المبارك » هو الهبوط والنزول والموضع يوصف بالبركة ؛ « وبأعيننا » يعنى بحفظنا إياك حفظ من يراك . وصدع نوح لأمر ربّه وخصومه يمرون عليه وهو يصنع الفلك فيستهزءون ، كقوله تعالى :وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ ( 38 ) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ( 39 ) ( هود ) ،
« وفوران التنور » تفجّر الأرض بالينابيع ، واجتماع ماء الينابيع وماء المطر ، كقوله تعالى :فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ( 11 ) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً( القمر ) ،
« والفوران » الغليان ، والتمثيل للعذاب بالتنّور - وهو فرن الخبز - كقول القائل : « حمى الوطيس » إذا اشتدت الحرب ، والوطيس هو نفسه التنور . وحمل نوح معه من كل زوجين اثنين ، « والزوجان » بمعى الصنف ، وأهله ولم تكن معه زوجته التي خانته وأفشت سرّه ، وابنه الذي عصاه ، 

ورافقه بنوه : سام ، وحام ، ويافث ، وأزواجهم ، فهؤلاء سبعة ، وقيل : كان معه من صدّقوه وشكّلوا معا ثمانين ، وسميت لذلك القرية التي مروا بها قرية الثمانين . 
وتوالت مشاهد القصة وأمرهم نوح :ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ( 41 ) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ( هود ) ،
وجاء أمر اللّه تعالى :وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( 44 ) ( هود ) ، ثم كانت المصيبة الكبرى :فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ( العنكبوت 14 ) ، 

« والطوفان » هو السيل المغرق ، ثم انتهى كل شئ وساد الهدوء ، كقوله تعالى :قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ( 48 ) ( هود ) . 
« وركوبهم السفينة » أنهم علوا ظهرها ؛ « وبسم اللّه مجراها ومرساها » على معنى إجراؤها وإرساؤها ، تقول مجريها بفتح الميم ، ومرساها بضم الميم ، أو بفتح الميم فيهما ، أو بضمها فيهما .
وفي الحديث : « أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في الفلك : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، بسم اللّه مجريها ومرساها إن ربى لغفور رحيم » .
وفي هذه الآية دليل على ذكر البسملة عند ابتداء كل فعل .

وجرت السفينة في موج جاوز كل شئ :إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ( 11 ) ( الحاقة ) ،
حتى إذا جاء الأمر توقف المطر ، وبلعت الأرض ماءها ، وأقلعت السماء .
وقيل هذه الآية :يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ما وجد في كلام العرب مثلها على حسن نظمها ، وبلاغة وصفها ، واشتمال المعاني فيها .
فلما استوت السفينة على الجودى - وهو اسم جبل - رست إليه ، قيل : ثلاثة جبال أكرمها اللّه بثلاثة نفر : الجودى بنوح ، وطور سيناء بموسى ، وحراء بمحمد صلى اللّه عليه وسلم .
وغرق قوم نوح جميعا ، ومن نجا مع نوح كانت من نسلهم أمم الحاضر ، وهبط نوح ومن معه بسلام ، وآتاهم اللّه بركاته ، وأكثرهم عددا ، فكان نوح هو آدم الأصغر ، لأنه من نسله خرجت كل الأمم اللاحقة ، ولم يكن معه في السفينة من الرجال والنساء إلا من كان من أهله :وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ( 77 ) ( الصافات ) ،وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً( الفرقان ) .
وكل الأنبياء كانوا إما من ذرية آدم أو ذرية من كانوا مع نوح :أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ( مريم 58 ) ، وقيل عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين ثم مات ، ومن ولده سام كما يقول سفر التكوين من أسفار اليهود ، ومن ولده الساميون ، ومنهم العرب واليهود ؛ ومن ولده حام كان الإفريقيون السود والزنوج ، وسمر البشرة من الهنود ، والأحباش ، والقبط أي المصريون ، والبربر ؛ ومن ولده يافث كان الصقالية والترك والخزر يعنى الأوروبيين .
ويقول اللّه تعالى :وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ( 78 ) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ( 79 ) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 80 ) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( 81 ) ( الصافات ) :
يعنى ترك الثناء الحسن عليه عند كل أمة ، حتى أن المجوس سمّوه أفريدون ، ويدعو له الجميع أن تسلم سيرته من كل سوء ، فكلما ذكر اسمه قيل : سلام على نوح في العالمين » ، وما كانت الملل من بعده إلا صورا لملّته كقوله تعالى :شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً( الشورى 13 ) ،
وقوله :وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ( 83 ) ( الصافات ) أي من أهل دينه .

  * * *

717 . موجز قصة نوح

نوح : هو أول المذكورين من الأنبياء ، وأول من حمل الدعوة إلى اللّه وجاهد في سبيلها ، وطال جهاده واستمر السنوات الطويلة ، وكان صاحب تجربة عظمى وحادثة كونية كبرى هي « الطوفان » الذي تسمّى باسمه ، وعرف في التاريخ باسم « طوفان نوح » ، وملخص القصة في بضع آيات تسرده سورة القمر في إيجاز شديد في قمة البلاغة ، وجرس الكلمات فيه يشد القارئ إلى القصة ووقائعها ، ووقعها ينبئ عن حدث ضخم ؛ وكان الطوفان يناسب الناس في بداية الخلق ، فكأنه يغسل الأرض من أدرانها ، ويطهّرها من ذنوب سكانها ، ويبعثهم من جديد .
تقول السورة في معرض مقارنة قوم نوح بقوم محمد صلى اللّه عليه وسلم :كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ( 9 ) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ( 10 ) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ( 11 ) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ( 12 ) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ( 13 ) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ( 14 ) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ( 15 ) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ( 16 ) ( القمر ) ،
فهذه سبع آيات تصور كيف كان عذابه تعالى لقوم نوح ، وتنذر قوم محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وتلفتهم إلى ما في القصة من عبر بعبارة صارت مثلا ، تقول : « فهل من مدّكر ؟ أي هل من متّعظ ومعتبر ؟
ولقد سجل اللّه تعالى القصة لتكون آية للناس ، وما زالت كذلك ، وما زال قوم نوح يضرب بتكذيبهم المثل ، ويروى عنهم وعمّا فعلوه بنبيّهم ، وجاءت روايتها في القرآن للتسرية عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم والذين معه ؛ وقوم نوح دمغوه بالجنون ، وعابوه ، وسبّوه ، وأمسكوا بخناقه ،

و حاولوا قتله ، وآذوه في نفسه وجسمه وعرضه وماله وأصحابه ، تماما كما فعل كفّار قريش بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، غير أن نوحا لمّا نفد صبره ولم يعد في قوسه منزع كما يقولون ، دعا ربّه عليهم ، ونبيّنا لم يدع على قومه ، وصبر وثابر لعله يخرج من أولادهم من يعبد اللّه .
وعبارة نوح التي دعا بها مشهورة يرددها كل مستضعف ، كلما أعياه أمر الظلمة ، ولم يعد يقوى على مغالبة المستقويين ، تقول : « ربّ ، إني مغلوب فانتصر » ، والدعاء كبير وخطير ، واستجابت له السماء فورا ، وفتحت له أبوابها ، وانهمر الماء منها يصبّ صبّا على الأرض ويغرقها ، وتفجّرت الأرض بالعيون ، والتقى ماء السماء وماء الأرض ليصنعا أكبر وأخطر وأعظم طوفان في التاريخ ، ولولا أن اللّه أوحى إلى نوح أن يصنع سفينته من ألواح شدّها إلى بعضها البعض بالحبال ، لما بقي في الدنيا من الأحياء أحد ، وجرت السفينة وسط عباب الماء ، واللّه يكلؤها بعنايته ورعايته، ونجا نوح ومن معه جزاء له ولهم على إيمانهم.
  * * *
718 . قصة امرأة نوح
لم يتزوج النبىّ نوح إلا امرأة واحدة ، وأنجب منها أربعة أبناء ، مات منهم الابن الكافر ، ويبدو أنه كان أكبرهم ، وعاش ثلاثة : سام ، وحام ويافث .
ولم تركب امرأة نوح معه السفينة وأغرقها الطوفان مع الغارقين ، وصنّفت مع امرأة لوط ، وقيل فيهما :ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ( 10 ) ( التحريم ) ،
وامرأة نوح إذن مثل للمرأة الكافرة ، وخيانتها لنوح أنها لم تؤمن به ، فكان بيتهما نصفه مؤمن ونصفه كافر ، وكانت تهزأ به وتسخر من دعوته ، وتصفه مع قومها بأنه مجنون ، وخيانتها له إذن كانت خيانة في الدين ، وما كانت بغيا ، وكانت تفشى أسرار بيتها ، وتنمّ على زوجها ، وكلما أوحى إليه بشيء أبلغت قومها به ، فكان حسابها عند اللّه عسيرا ، ومع كل ما لنوح عند اللّه من كرامة إلا أنه لم يدفع عنها عند ربّه ، ولقد دفع عن ابنه - وكان مثلها من الكافرين ، ولم يؤمن بنوح ، ولم يقبل اللّه فيه شفاعته . والدرس المستفاد من القصة : أن العذاب في الدنيا والآخرة يدفع بالطاعة وليس بالوسيلة . والقصة ضربت مثلا لكفار مكة ، ليعلموا أن لا أحد مهما علا ، بمنأى عن العذاب طالما هو كافر .

  * * *   
719 . قصة ابن نوح
كان نوح أول نبىّ يبعث ، وظل يدعو قومه نحو ستمائة سنة ، وعيل صبره فدعا على قومه ، وأمره اللّه أن يصنع سفينة ، وأن يحمل عليها من كل مخلوق من مخلوقاته تعالى زوجين ، وأن يصحبه أهله ومن آمن ، وما آمن معه إلا قليل ، فلما حان الحين أمطرت السماء بماء منهمر ، وفجّرت الأرض عيونا ، وغرقت الأرض وصار الموج كالجبال ، وجرت السفينة بسلام ، ولم تركب امرأة نوح مع زوجها فقد كانت مع قومها ، وكانت تسخر منه وهو يصنع السفينة ، فغرقت مع من غرق ، وكذلك ابنه الأكبر ، لم يكن من المؤمنين ، وكان اللّه قد وعده أن ينجيه - أي نوحا ، وأهله دون الظالمين ، قال :وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ( 27 ) ( المؤمنون ) ،
والذين ظلموا هم قوم نوح ، وعلى رأسهم امرأته وابنه ، ولم يشفع نوح لامرأته ولكنه شفع لابنه ، وكان قد اتخذ طريقه إلى الجبل لينجو من الماء ، كقوله تعالى :وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ ( 42 )
قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ( 43 ) ( هود ) ،
وقوله :وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ ( 45 ) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ( 46 ) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ( 47 ) ( هود ) ؛
ونداؤه ربّه هو دعاؤه أن ابنه من أهله كما وعده ، وتناسى نوح قوله تعالى له :إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ( المؤمنون 27 ) ،
ولم يكن ابنه من أهله باعتراف نوح ، قال :يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ( 42 ) ( هود ) ،
وكان من المحال أن يسأل نوح هلاك الكفار فلا يترك منهم على الأرض ديّارا ، ومع ذلك يستثنى ابنه ؟ !
وقوله تعالى :يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ مع قوله بخصوص امرأته وامرأة لوط :كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما( التحريم 10 )
قد يجعل البعض يظن أن ابن نوح هذا كان من زنى ، ونساء الأنبياء لا يزنين ، وخيانة امرأة نوح كانت في الدين لا في الفراش ، وإنما المعنى أنه ليس من أهل نوح الذين وعدوا بالنجاة ، وليس من أهل دينه ولا من المؤمنين به ، وقوله :إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ( 46 ) ( هود ) لأنه كفر باللّه وكذّب برسالته .
والدرس المستفاد من هذه القصة : أن الصالحين قد يكون من أولادهم فاسدون ، والقصة على ذلك تسلية للخلق عامة وللمؤمنين خاصة في فساد الأبناء مع صلاح الآباء .
وكان ابن الإمام مالك أحمق ، فقال الإمام وفي باله هذه القصة : إن الأدب أدب اللّه لا أدب الآباء والأمهات ، والخير خير اللّه لا خير الآباء والأمهات !

  * * *   
720 . الناجون مع نوح كانوا الخلائف
لمّا أرسل نوح استخفّه قومه ، كقوله تعالى :فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ( 73 ) ( يونس ) ،
« والخلائف » جمع خليفة ، ككرائم جمع كريمة ، وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة ، وجعلهم خلائف ، أي يخلفون بعضهم بعضا ، ويخلفون الأمم الماضية والقرون السالفة .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 851 الى 880 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى