اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

17102023

مُساهمة 

الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Empty الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني




الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

661 . سورة النازعات

« النازعات » من السور المكّية التي تتناول مسائل العقيدة ، وتركّز على الردّ على المتشككين فيما ورد عن القرآن والرسول صلى اللّه عليه وسلم من القول بالبعث ، وأن هناك يوما موقوتا تكون فيه الساعة وتقوم القيامة .
وتخوّفهم مما حاق بفرعون موسى لمّا كذّب مثلهم ، فاستحق ما نال من نكال الدنيا والآخرة ، فما من متأمّل للكون يرى خلق اللّه للسماوات والأرض ، وكيف أرسى الأرض بالجبال ، ورفع السماء ، وأنزل منها الماء ، وفجّره عيونا في الأرض ، وأنبت به الزرع ، متاعا للناس ولأنعامهم ، إلا ويدرك أن من يقدر على خلق كل ذلك فهو أقدر على رجعه وبعثه بعد موته أو فنائه ، لأن الإعادة أسهل من الإنشاء ، فإن أنكر وأصرّ فليعلم أن مآله النار ، وإن آمن فالجنة مأواه ومستقره ، وأما المتشكك المرتاب فلن يسعه أمام الأدلة على إمكان البعث إلا أن يدع السؤال عن الساعة .
وتنفى السورة عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن يكون عالما بالساعة وموعدها ، وكان اليهود يلحّون عليه بالسؤال ، فلمّا سأل جبريل عنها أجابه : « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل » ،
يعنى : أنه مثله لا يعلم عنها ، فالساعة من الغيب ، واللّه وحده يستأثر بعلمه ، والنبىّ لم يكلّف إلا بتذكير الناس وتحذيرهم من هذا اليوم ، وفيه يموت الجميع إذا نفخ في الصور أول نفخة ، فإذا كانت النفخة الثانية قام الأموات يحتشدون زمرا إلى الحساب ، ولو سألتهم كم بقوا في الدنيا ، لقالوا ما كانت حياتهم فيها إلا سويعات من ليل ونهار .

وفي قصة موسى مع فرعون ، تربط السورة بين ما جرى لفرعون عندما أنكر موسى وما يمكن أن يجرى لقريش بإنكارهم للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم .
ويتهم المستشرقون النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بالنقل عن التوراة لمّا احتك باليهود في المدينة ، وأن ما تعلمه من اليهود أذاعه ضمن القرآن كوحى من اللّه .
غير أن سورة النازعات تثبت بطلان ما زعموا ، لأنها من السور المكّية ، ولم يكن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وقت نزولها قد عرف اليهود بعد! وما ورد في السورة عن موسى وفرعون لا يختلف في كثير أو قليل عمّا ورد عنهما في السور المدنية ، الأمر الذي يثبت أن كل ما ورد بالقرآن، على ظن أنه منقول من التوراة، ليس إلا وحيا ، وأنه جاء مصدقا بالتوراة إلا ما حرّف منها.
واسم النازعات - كعنوان للسورة - من قوله تعالى في بدايتها :وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً، يقسم بالنازعات ، وهم صنف من الملائكة من خمسة أصناف جرى القسم بهم في مقدمة السورة،
وهم أولا : النازعات الذين وصفهم بالغرقى ، لأنهم الملائكة المنوط بهم الإماتة للأحياء ، والإفناء للأشياء ، ولأن عملهم يستوجب العنف ، ويستغرقهم ، كإغراق النازع في القوس أن يبلغ به غاية المدّ ، وكل نزع يستلزم القوة ، فهم أقوياء ، وعلى الأرجح شداد غلاظ ، وقيل في ملك الموت أنه ينزع الأرواح كما ينزع اللحم عن السّفّود - وهي الحديدة التي يشوى عليها ، فيكون اللحم ملتصقا بها يتطلب نزعه جهدا . وكذلك الأشياء يتطلب إفناؤها نزعا يستغرق النازع .
وأما الصنف الثاني فهم : الناشطات نشطا من الملائكة، وهم العمّال والشغّيلة، كمثل شغّيلة النمل أو النحل ، يدأبون على العمل لا يملّون ولا يكلّون.

والصنف الثالث من الملائكة هم السابحات سبحا ، يسبحون ، أي يسيحون ويجولون في الكون ، فهم يستكشفون ويراقبون . والصنف الرابع هم : السابقات سبقا ، لأنهم يسبقون إلى الإبلاغ إلى ربّهم وعن ربّهم ، وينقلون عن الملائكة السابحات وإليهم . وأما الصنف الخامس فهم : المدبّرات أمرا ، وهم الملائكة ، يدبرون قضاء اللّه وأمور الناس والعالم ، وأحوال الأرض والطقس ونظام الكون ، وكان الناس في الديانات الوثنية ينسبون التدبير للنجوم ، وما يزال ذلك دأب المنجّمين.
وجواب القسم لما سبق : هو أن البعث حق ، ويوم القيامة صدق ، وأنه يوم يتزلزل فيه الكون ويرجف ، وتوجف القلوب . وقيل عن الراجفة في السورة : أنها الصيحة الأولى التي تكون بها الزلزلة وفناء كل شئ ، وأن الرادفة : هي الصيحة الثانية تردف الصيحة الأولى وتتلوها ، ويقوم بها الأحياء سعيا إلى اللّه ، وفي الحديث: « جاءت الراجفة تتبعها الرادفة : جاء الموت بما فيه » ، والنصف الأول من الحديث يفسّره النصف الثاني .
وتأتى سورة النازعات في ترتيب المصحف التاسعة والسبعين ، وفي التنزيل الواحدة والثمانين ، بعد سورة النبأ . والسؤال الذي تدور حوله هو : هل نردّ بعد الموت أحياء؟
وهل بعد أن نموت ونبلى ونكون عظاما نخرة ، نرجع أحياء وأسوياء ، نعى ونفهم ، وتكون لنا مسؤولية ونحاسب ؟
ومن الجديد من المصطلحات والكلام الجامع في السورة ، قول فرعون :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى( 24 ) ويضرب مثلا لتفكير الطغاة عندما لا يرون في الكون إلا أنفسهم، فهم كفرعون ، كل ما يقولونه ويفعلونه هو الصواب ، فلا رأى سوى رأيهم ، ولا فعل لأحد غيرهم.
وعلى العكس منه قول موسى - وهو النبىّ :هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى ( 18 ) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى( 19 ) وهو طلب في صيغة استفهام رفع إليه الأدب والتواضع ، ومن تأدّب مع الناس رفعوه ، ومن تواضع لهم أحبه اللّه وآثره . وكلام موسى من أدب المخاطبات ، وفيه عرض أريب .
والصور البلاغية في هذه السورة كثيرة ، ومنها أسلوب التشويق في قوله :هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى( 15 ) ، وهو استفهام يرغّب في معرفة هذا الحديث - أي القصة .
ومن وجوه البيان والبديع في السورة توافق الفواصل في الآيات ، في مثل قوله : 
« ضحاها ، ودحاها ، ومرعاها ، وأرساها » ، ويصطلح عليه في باب المحسنات باسم السجع ؛ والمقابلة بين قوله :السَّماءُ بَناها ( 27 ) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاهاوقوله :وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ( 30 ) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها( 31 ) ؛
والمقابلة بين قوله :فَأَمَّا مَنْ طَغى ( 37 ) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا( 38 ) وقوله :وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى( 40 ) ؛ والطباق في قوله : 
« الآخرة والأولى » ، وقوله : « عشية وضحاها » ، وقوله : « الجنة والجحيم » ، وقوله : « السماء والأرض » .
ومن المصطلحات التي تنفرد بها السورة تسمية يوم القيامة بالطامة في قوله :فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى( 34 ) وهي الداهية أو المصيبة تفوق ما سواها ، وتطم كل شئ أي تفنيه ، ووصفها بالكبرى لأنه ليس كمثلها شئ .
وأيضا فإن هذه السورة تشارك سورة طه في اسم الوادي المقدس طوى عند جبل حوريب الذي كلم اللّه عنده موسى ، والتوراة تخلو من اسم طوى ، وتكتفى بالقول « الموضع المقدس » ( الخروج 3 / 5 ) .
وقصة موسى برمتها في هذه السورة لم ترد كقصة ، مثلما جاءت في التوراة سردا ، ولكنها في القرآن عظة وعبرة ، ليعلم المنكرون أن مصيرهم كمصير فرعون ، وليتسلّى بها المسلمون عموما، أي يتقوون ، والنبىّ خصوصا ، إذ يعلمون أن اللّه ينال من الطاغين ، وأنه تعالى يدحر المكذّبين.

وكانت الآية :فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى( 20 ) مثار خلاف بين المفسّرين ، وأذكت الكثير من الجدل ، والإجماع على أن هذه « الآية الكبرى » هي تحوّل عصا موسى إلى حيّة تسعى ؛ ولا نرى إلا إنها مشاهدة موسى للجبل يندك دكا لمّا طلب إلى اللّه أن ينظر إليه :قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ( 143 ) ( الأعراف ) ،
يعنى بأول المؤمنين أنه آمن به ولم يره رأى العين ، وإنما رأى فعله ، فاكتفى به ، وتاب إليه أن يسأله الرؤية مرة أخرى ، فهذه هي المعجزة الكبرى ، رؤيته للجبل يتصدّع لما تجلّى له نور اللّه ، وبسبب ذلك صعق موسى صعقا .

ومن الإعجاز العلمي للقرآن في هذه السورة ردّه تعالى على من استكثر على اللّه أن يبعث الخلق قال :أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها ( 27 ) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ( 28 ) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ( 29 ) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ( 30 ) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ( 31 ) وَالْجِبالَ أَرْساها ( 32 ) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ( 33 )
فأضاف الليل إلى السماء ، لأن الأصل فيه هو الظلام ، ثم بعد ذلك خلق الضياء لمّا خلق الشمس ، فأظهر بضيائها الضّحى ؛ وقوله الأرض بعد ذلك دحاها ، لأنه علميا بترتيب الخلق - فإن السماء كانت أولا ثم كانت الأرض ، بعكس ما تقوله التوراة : أن الأرض كانت أولا ثم كانت السماء ( التكوين 1 / 1 - 10 ) .
والأرض في التوراة مستوية ولا ذكر فيها للجبال ووظيفتها ، بعكس القرآن الذي أرسى الأرض بالجبال ، وجعلها كالدحية أي البيضة ، منبعجة من ناحية ومسحوبة من ناحية أخرى ، يعنى أنها ليست كروية ولكنها كروانيةSpheroidأي شبيهة بالكرة ، وما دامت كذلك فهي دوّارة ، وفي دورانها تنبسط وتتطاولProlateمن ناحية وتنبعجoblateمن ناحية أخرى ، وانبساطها يعنى اتساعها ، والتوراة تنقل عن البابليين ، وكانوا يقولون الأرض مسطحة منبسطةFlat، وكان المصريون أول من فكر أنها كرويةSpherical، وأخذ فيثاغورس واليونان عنهم ذلك ، وأكده أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد ، وأقام عليه إراتوسنيس علم الجيوديسياGeodesy- علم دراسة شكل الأرض بقياس سطحها - ولم يقل أنها كالدحية إلا كوبرنيق المتوفى سنة 1543 م ، بينما توفى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم سنة 632 م ، يعنى التأثر يكون من كوبرنيق وليس من النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ! ! لأنه صلى اللّه عليه وسلم الأسبق !
وذهب إلى نفس الرأي نيوتن ، وكان أيضا بعد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ( توفى سنة 1727 ) ! ونظرية القرآن ليست لتقرير الحقيقة ، بقدر ما هي للوعظ والتدبّر ، وللردّ على المكذّبين ، وأما نظرية التوراة فهي للتقرير .
وفي التوراة يكون النهار قبل خلق الشمس ! ! وعكس ذلك في القرآن ، فذلك ما يثبت أن القرآن كتاب من عند اللّه ، وأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم نبىّ مرسل من عنده تعالى ، وليس معنى مصادقة العلم على القرآن ، أنه كتاب في العلم ، ولكنه كتاب لا يناقض العلم ولا يخالفه . 

والحمد للّه على نعمة الإسلام والقرآن .
  * * *   

662 . سورة عبس

السورة مكية ، وترتيبها في المصحف الثمانون ، وفي التنزيل الرابعة والعشرون ، وآياتها ثنتان وأربعون ، ومناسبة نزولها أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كان مجتمعا مع بعض الكبراء من قريش ، فجاءه ابن أم مكتوم « الأعمى » يقول : يا رسول اللّه أرشدنى ، فجعل رسول اللّه يعرض عنه ويقبل على من كانوا معه ، وابن ابن مكتوم يلاحقه ويلحّ عليه حتى رؤيت الكراهة في وجهه صلى اللّه عليه وسلم ، وحتى عبس وبسر . 
وكان من المجتمعين به : الوليد بن المغيرة ، أو أنه كان أمية بن خلف ، وربما كان المجتمعون به جماعة ، قيل هم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبىّ بن خلف .
وربما لم يكن معه إلا العباس بن عبد المطلب ، وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يحاول إقناعهم بالإسلام ويستميلهم إليه لعلهم يهتدون فيهتدى بهم آخرون ، وبدا كأن اعتراضهم كان منصبّا على نوعية المؤمنين به ، من أمثال ابن أم مكتوم الأعمى ، والعبيد كبلال ، والسفلة كعمّار ابن ياسر .

وآيات السورة تجىء موجزة ومحكمة ، وفيها من وجوه البيان والبلاغة الكثير ، فهناك الجناس : كما في قوله : « يذّكر ، والذكرى » ؛ والطباق : كما في قوله : « تصدّى وتلهّى » ، والكناية : كما في قوله : « ثم السبيل يسّره » . ومن وجوه الجمال في السورة أن تبدأ بقوله :عَبَسَ وَتَوَلَّى( 1 ) تخبر عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بالغائب ، تعظيما لقدره ، فلم تقل « عبست وتولّيت » ، ثم يواجهه اللّه تعالى بالخطاب فيها تأنيسا له فيقال :وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ( 3 ) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى( 4 ) فبيّن أن المؤمن مخلص لربّه رغم فقره ، وسعيه للّه على الحقيقة ، والكافر مستغن بماله وعياله لا أمل فيه ولا رجاء .
وما كان له وهو النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن يتعرّض للمستغنى ويلحف عليه ، ولا أن يتغافل عن المؤمن ويتلهّى عنه ، فترك الأولى ، ولم يجعل نذارته للجميع على السواء ، لا يختص بالهداية أحدهم دون الآخر . والسورة إعلان بالمساواة بين الناس ، بصرف النظر عن أن هذا شريف وذاك ضعيف ، أو أنه غنى والآخر فقير ، أو أنه من الكبراء والآخر من الصغراء ، فالإسلام دين المساواة ، وهو أول دين يحفل بالمعوقين ، ويوليهم كل العناية ، ويرفع عنهم الحرج ، يقول :لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ( النور 61 ) ، وأول دين يؤكد أن الناس عند اللّه بتقواهم وليسوا بأموالهم ولا أهاليهم . « وأمّا » في السورة للتفصيل ، فالناس إما مؤمنون مصدّقون ، وإما كفرة مكذّبون . وقوله تعالى :كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ( 11 )
فيه تشديد على النهى عن معاملة الناس على أساس التفرقة بينهم إلا بالحق ، وفيه الحثّ على المساواة بين الناس في إبلاغ العلم ، فلا تمييز في العلم بين شريف ووضيع ، أو بين معوّق وصحيح .
ومن جوامع الكلم في السورة قوله :قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ( 17 ) وهو أسلوب في قمة البلاغة للتعجب ، وقيل في عتبة بن أبي لهب ، وكان قد آمن فلما نزلت « النجم » ارتد ،
وقال : آمنت بالقرآن كله إلا النجم ! فقد ظن أن السورة بها أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم رأى ربّه ؛ فكان عتبة ممن ذكرتهم الآية : وأنزل فيه :قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُيعنى لعنه اللّه وطرده من رحمته ، ثم صارت هذه العبارة قولا عاما في الإنسان كجنس ، وحكمة يوعظ بها ، فما كان عتبة وحده الذي كفر بعد أن آمن ، وإنما الكفر ممتد بالإنسان ، وإلا فلينظر هذا الإنسان مما خلق ، والاستفهام في السورة :مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟
توليدي كما يقول المناطقة ، والجواب عليه لا يكون إلا تفصيلا ، فبعد الإيجاز والتعجّب في قوله :قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُيأتي البيان والتفصيل والإقناع في قوله :مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ( 19 ) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ( 20 ) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ( 21 ) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ( 22 )
فوافق بين رؤوس الآيات ، واستخدم السجع للفت الانتباه ، ولخّص حياة الإنسان كلها في هذه الآيات الأربع ، منذ أن كان جرثومة في منىّ الرجل لا شأن لها ولا اعتبار ، إلى أن تخلّق نطفة ، فعلقة ، فمضغة ، فتكسى لحما وتكتمل جنينا ، وتيسّرت ولادته طفلا ، ليكبر إلى أن يشيخ ويموت ، ثم يأتي البعث بأمر اللّه ، فكان المفروض إذا عرف ذلك عن نفسه أن يؤمن ، ولكنه ما فعل ، فلم يؤدّ حق اللّه عليه ، ولم يقم بما هو مفروض منه ،
وقوله :كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ( 23 ) فيه ردع وزجر ، فلما انتهى القول في الإنسان عن نفسه وذاته وتكوينه ، لفته إلى نعمه عليه ، وأولى هذه النعم طعامه ،
وفعل الأمر :فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ( 24 ) طلب فيه الحثّ على التفكير والمعرفة بأحوال الطبيعة سواء في الإنسان أو البيئة ، وأن ينبنى علم الإنسان بهما على المشاهدة والتجريب والتحليل والاستقراء والاستدلال والاستنباط ، وهي أدوات أهل العلم ، وكل ما في الكون يقضى بوجود اللّه تعالى ، وأنه لا بد أن يكون له خالق ، وأنه قادر ومريد وعالم ، وأنه واحد لا إله إلا هو ، إلا أن « المستغنى » كما في الاصطلاح القرآني ، جاحد ولا يعتبر .
والقرآن يلجأ إلى تفصيل الحجج وتبيين الدلالات ، ويتناول أسباب حياة الإنسان مهما كان ، ويتطرّق إلى طعامه الذي به قوام هذه الحياة ، فالماء أنزله اللّه من السماء ، وشقّ له في الأرض سبلا ، ويسّر على النبات أن يمهد لنفسه فيها طرقا ، فخرج منه الحبّ والعنب والعشب ، وأثمر الزيتون ، وأنضج النخل بلحا وبسرا ، ورطبا وتمرا ، وكانت البساتين يكثف فيها الشجر الكريم ، فمنه الفاكهة الزكية النكهة ، ومنه الأبّ تأكله الدواب وترعاه ، وفي كل ذلك متاع وأي متاع للإنسان وللحيوان ، فبأي آلائه تعالى يكفر هذا الإنسان ويجحد ؟ ! 

ألا إنه ما أكفره عن حق ، وملعون هو عن صدق ، وليس إلا يوم القيامة - يوم الصاخة كما تسميه السورة وتنفرد به دون سائر سور القرآن كلها ، وفيه تصخّ الأسماع ، أي يكون صوت الصور ، أي النفير ، من العلو بحيث يخرق حاجز الصوت ، فيحدث الموت دون تدمير ، لعدم قدرة الجهاز العصبى على الاحتمال ، وكما نقول ينفجر الجهاز العصبى مع زيادة أحمال الصوت عليه أكثر مما يمكن أن يستطيعه في أسوأ الحالات ، وهو إعجاز علمي لم يكشف عنه إلا مع اختراع الطائرات التي تسير بسرعة أكبر من سرعة الصوت وتخرق حاجزه ، فكانت نوافذ المنازل تتحطم ، ويتدمّر الزجاج .
ويأتي أروع بيان ليوم القيامة في قوله تعالى :يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ( 34 ) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ( 35 ) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ( 36 ) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ( 37 ) ، والصورة أبلغ من أي كلام ، والهول الذي ترسمه ألفاظا هول عظيم ، والخطب الذي تخطّه عبارات ، خطب جليل ، فكل إنسان يلقى من كان ألصق الناس به قرابة ، وأحبّهم إلى نفسه ، فلا يعرفه ، فلا قابيل يعرف هابيل ، ولا هارون يعرف موسى ، ولا آدم يعرف حواء ، ولا نوح يعرف ابنه ، ولا إبراهيم يعرف أباه ، ولا لوط يعرف امرأته ، وكل واحد منهم لا يقول إلّا : « نفسي ! نفسي ! » .
ولمّا قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم لعائشة إن الناس يوم القيامة يبعثون عراة ، استهولت ذلك وسألت : أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ ! قال : يا عائشة ! الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض ! : « لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه » ! - وفي هذا اليوم يأتي أن الناس صنفان ، فإما مسفر الوجه ضاحك مستبشر ، فذلك هو المؤمن ، وإمّا مغبّر الوجه أسوده يغطيه الكسوف ، فذلك هو الكافر الفاجر ، وكما قالت عائشة : وا سوأتاه من يوم القيامة ! وكما في الحديث الصحيح في أمر الشفاعة في هذا اليوم من شدّة الخطب على الناس أنه : حتى عيسى ابن مريم يقول : لا أسأل اللّه اليوم إلا نفسي ! لا أسأله مريم التي ولدتني !
- يعنى لا يسأل ربّه الشفاعة في أمه ! فأي يوم هذا على الكافرين عسير !
وهذه السورة إنما ليتعظ الكافرون ، ويعتبر المؤمنون ، فهل من مذكّر ؟
نسأل اللّه النجاة والعافية ، والحمد للّه ربّ العالمين على منّة الإسلام ونعمة القرآن المبين .

  * * *

663 . سورة التكوير

السورة مكية ، والسور المكية عموما تتناول من موضوعاتها العقيدة ، وتخصّ بالكثير من آياتها يوم القيامة ، وأكثر السور المكية احتفالا بهذا اليوم ثلاث سور : التكوير ، والانفطار ، والانشقاق . وكان نزول سورة التكوير بعد سورة « المسد » ، وآياتها تسع وعشرون آية ، وترتيبها في المصحف الواحدة والثمانون ، وفي التنزيل السابعة .
ويشتق اسمها من استهلال السورة بقوله تعالى :إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( 1 ) ، وتكويرها لا يكون إلا يوم القيامة ، فتتفجّر الشمس تفجيرات نووية ، تبلغ من شدّتها أن يتجوّف داخلها ، وتمور كالدوامة وتسوّد ، وتصبح كالكرة يتقاذفها الفضاء ، وذلك من علامات هذا اليوم الحافل بالأحداث والانقلابات الكونية : فالنجوم تنكدر وتنطفئ ، وتذهب عنها ماهيتها : فهي لم تسم نجوما إلا لأنها تنجم ، أي تظهر بضوئها ، فإذا انكدرت واظلمّت وتساقطت ، لم تعد نجوما ؛ والجبال تسيّر :وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً( الكهف 47 ) ، يعنى أن الأرض تسرع عن سرعتها العادية ، فتبدو الجبال عليها كما لو كانت تسير في الفضاء ، وتمخر السحاب ، أو أنها تصبح هباء منثورا ، وتكون سرابا ، أو مثل السراب الذي ليس بشيء ، أو أن الأرض تنسطح وتستحيل قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ؛
والعشار تعطّل : فكل ما كان من الممكن أن يلد ، فلا يلد ، وتتوقف الوظائف الحيوية لكل كائن ، فلا الناس أو الحيوانات تطلب الطعام ، ولا النبات ينشد الماء ، ولا النساء الحوامل يضعن ، فالطبيعة كلها معطلة ، وقوانينها وسننها لا يعمل بها ؛ والوحوش تحشر وتجمع ؛ والبحار تسجّر ، وتمتلئ بالماء وتفيض ، وتغرق اليابسة ، وتأتى على الأخضر واليابس ، ولا فرق بين بحر وبحر ، ولا بين بحر ونهر ، وما كان بينها من برازخ صارت لا تعمل ، فاختلطت المياه ، وبطلت خواصها ، فلم تعد تطفئ النيران ، وصارت كأنها تطفح بالمواد المشتعلة ؛
وتتأجج ، وذلك من عجائب هذا اليوم ، وأهل العلم يفسرون هذه الظاهرة بأن قيعان البحار ملتهبة ، فإذا كان يوم القيامة اندفعت الحمم من القاع فتشتعل سطوح الماء بها . فهذه ستة ظواهر للطبيعة من خارج الدنيا من علامات القيامة ، وهناك ستة أخرى تخصّ الآخرة .
 ، هي : أن تزوّج النفوس ، ويقرن كل إنسان مع الذين كانوا يعملون عمله في الدنيا ، فالفاجر مع الفاجر ، والبار مع البار ، وكل شكل بشكله من أهل الجنة أو أهل النار ، جعلوا أزواجا على أشباه أعمالهم ، وتقرن الأرواح بالأجساد وتردّ إليها ، وتقرن النفوس بأعمالها ؛ وأن تسأل الموءودة بأي ذنب قتلت ، والموءودة حقيقة : هي التي يقتلها أبوها عند مولدها خشية العار ، أو الإملاق ، أو السبي والاسترقاق . والموءودة مجازا : هي كل امرأة كانت لها مظلمة تسأل لما ذا ظلمت ؟
وقيل : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة وتمخّضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة وردّت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما احتفظت به . وقوله :وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ( 8 ) سؤال توبيخ لقاتلها ، مثل قوله تعالى لعيسى :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ( المائدة 116 )
على جهة التوبيخ والتبكيت لمن ألّهوه ، فكذلك سؤال الموءودة توبيخ لوائدها ؛ وأن تنشر صحف الأعمال ، ويعرف ما فيها من خير وشر ؛ وأن تكشط السماء كما يكشط الجلد ، وتنزع من مكانها وتطوى كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ( الأنبياء 104 ) ؛
وأن تسعّر الجحيم وتوقد ، وتضرم للكفرة الفجرة ، يسعّرها غضب اللّه وذنوب العباد وخطاياهم ؛ وأن تزلف الجنة ، ويقرّب منها المتّقون ؛ وأن تعلم كل نفس ما أحضرت من خير وشر . فتصبح مجموع علامات الساعة :

اثنتا عشرة علامة ، ستة في الدنيا - كما قلنا ، وستة في الآخرة . وقوله تعالى :عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ( 14 ) جوابإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( 1 ) وما بعدها من آيات ،
والمعنى :إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( 1 ) وكانت هذه المجريات ، علمت نفس ما أحضرت من عملها . وقيل :إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( 1 ) قسم وقع على قوله :عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ( 14 ) .

وتتكون سورة التكوير من ثلاثة أجزاء ، والقسم الأول وجوابه يشكّلان الجزء الأول ، ويبدأ من :إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( 1 ) حتى :وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ( 13 ) وجوابه :عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ( 14 ) ؛ ويبدأ الجزء الثاني بالقسم كذلك ، ويستهل بقوله تعالى :فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ( 15 ) الْجَوارِ الْكُنَّسِ ( 16 ) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ( 17 ) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ( 18 ) فهذه الظواهر الثلاث من الطبيعة أيضا ،
فالخنّس هي النجوم والكواكب التي تخنس بالنهار وتكنس ، أي تختفى وتستتر كما تكنس الظباء في المغار ، وتظهر بالليل ، وأكبرها : زحل ، والمشترى ، وعطارد ، والمرّيخ ، والزّهرة ، سميت خنّسا لتحيّرها بين الظهور والاختباء ، وسميت مخابئها كنس جمع كناس .
وعسعسة الليل : إقباله أو إدباره ، فهي من الأضداد ، والمعنى مرجعه واحد ، وهو ابتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره ، وبعد الليل يتنفس الصبح ، أي يقبل ويظهر بنوره وضيائه .
وقوله : « لا أقسم » من أساليب القرآن ، وتأتى فيه ثماني مرات ، مثل :فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ( 75 ) ( الواقعة ) ، وقوله :وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ( 2 ) ( القيامة ) ،
وقوله :فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ( المعارج 40 ) ، و « لا » لتأكيد القسم لا لنفيه ، وليست زائدة كما يقول البعض ، فلا شئ زائد في القرآن .

وجواب القسم قوله :إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( 19 ) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ( 20 ) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ( 21 ) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ( 22 ) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ( 23 ) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ( 24 ) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ( 25 ) ، والرسول المقصود هو جبريل وليس النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كما قال البعض ، وهو كريم على اللّه ؛ وذو قوة عند ذي العرش أي اللّه تعالى ، يعنى له منزلة ومكانة ؛ وهو مطاع ثم ، أي مطاع هناك ، يعنى في السماوات ، وأمين : مؤتمن على الوحي .
وقوله :وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ( 22 ) جواب القسم ، يعنى بصاحبكم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وصفه بأنه صاحبهم ، من الصحبة أي الرفقة والزملة ، والصاحب هو الملازم ، والملازمة قد تكون بالبدن وأكثرها الملازمة المعنوية ، فالصاحب صاحب ولو تناءت الديار والأجسام ، وبعدت المسافة بين الأصحاب .
وكانوا قد اتهموه صلى اللّه عليه وسلم بالجنون ، لأنه إذا أوحى إليه يعرق بشدة ويسكن جسده إلى أن يرتفع عنه الوحي ، وكان يقول إنه رأى جبريل في صورته كما هو عند ربّه ، فكان ذلك سببا آخر أن يوصف بالجنون ، والسورة تنفى عنه التهمة وتؤكد للمؤمنين صدقه فيما قال :وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ( 23 ) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ( 24 ) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ( 25 ) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ( 26 ) ، وقوله :رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ، فلأن جبريل كان ضخما يسدّ الأفق ، ووصف الأفق بالمبين أي الواضح ، بحيث أن رؤيته له كانت حقيقة وليست وهما .
وأما من قال إن « الهاء » في « رآه » تعنى اللّه سبحانه وتعالى ، فذلك أمر بعيد ، فاللّه تعالى :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ( الأنعام 103 ) ، وإنما كانت الرؤية لجبريل بصورته الملكية مرتين ، فمرة :بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ( 23 ) ( التكوير ) وبِالْأُفُقِ الْأَعْلى( 7 ) ( النجم ) ، ومرة :عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى( 14 ) ( النجم ) - ( انظر هل رأى محمد ربّه ؟ ضمن باب « النبوة والنبىّ » ) ،
وتصف الآية النبىّ بأبلغ بيان :وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ( 24 ) أي لا يضن عليهم بما يعلم ، تصديقا لقول عائشة فيه صلى اللّه عليه وسلم : أنه ما كتم شيئا من الدين . والغيب هو القرآن وخبر السماء .
ورؤيته لجبريل من الغيب . ولو نجحت خطة المنافقين وشككوا الناس في رؤيته لجبريل ، لكان معنى ذلك أنه متّهم كذلك بشأن القرآن ، ولذا يجيء في هذه السورة :وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ( 25 ) ،
وبه يبدأ الجزء الثالث من السورة ، و « هو » المقصود بها القرآن ، وكانوا يتقوّلون : أنّ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، يأتيه شيطان أبيض في صورة جبريل يريد أن يفتنه ، وأن القرآن من وحيه - أي وحى الشيطان .
وردّت الآية عليهم بسؤال إنكار وتوبيخ :فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ( 26 ) ، يعنى : ما هذا الهراء الذي تقولون ؟

وإلى أي درك من قلة العقل والحمق يأخذكم الكفر والعناد والجحود ؟ والجواب على السؤال :إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ( 27 ) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ( 28 ) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ( 29 ) ،
أي إن هذا القرآن موعظة وذكر لكل الناس ، فمن أراد منهم الهداية واتّباع الحق ، فلا هداية فيما سواه ، وأنهم ما يقدرون على شئ إلا بتوفيقه تعالى ولطفه ، فلنسأل اللّه التوفيق .
قيل :لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ( 28 ) قال أبو جهل : الأمر إلينا إذن - إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم . فأنزل اللّه :وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ( 29 ) ، فبيّنت الآية أنه لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق من اللّه ، ولا شرا إلا بخذلان من اللّه ، فاللّه أولا وأخيرا ، والحمد للّه ربّ العالمين ، نسأله التوفيق ، فمنه وبه التوفيق والعصمة ، وفي كتابه الفلاح والحكمة .

  * * *   
664 . سورة الانفطار
السورة مكية ، وآياتها تسع عشرة ، وكان نزولها بعد سورة « النازعات » ، وترتيبها في المصحف الثانية والثمانون ، وفي التنزيل الثانية والثمانون أيضا ، وتشبه سورة « الانشقاق » ، وتبدأ مثلها بذكر انفطار السماء ،
بقوله تعالى :إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ( 1 ) ، كقوله في سورة « الانشقاق » :إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ( 1 ) ، وانفطارها أو انشقاقها يعنى انصداعها ، ولا يكون ذلك إلا يوم القيامة ، فتمور السماء وتنفرج وتنكشط ، فهي كالمهل - أي كالرماد - وهي يومئذ واهية ، والحدث جليل ، ومن أشراط الساعة وعلاماتها . وفي ذلك اليوم تنتثر الكواكب فلا شئ منها في مكانه ، وتتفجّر البحار ، وتغرق اليابسة ، وتتبعثر القبور وتنشق عن الأموات يبعثون أحياء يسعون إلى ربّهم :ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ( 42 ) ( ق ) ،
مهطعين إلى الداعي ، وقد تيقّنوا أن ما كان قد دعاهم إليه الرسل حق ، ولكنهم لم يولوه اهتمامهم ، وانصرفوا عنه بأمور دنياهم ، وقدّموها على أمور الآخرة ، فلم كان ذلك ؟
ولما ذا هذه اللامبالاة من الإنسان ؟ وما الذي يجعله يكفر ويعصى ؟
يقول تعالى :يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ( 6 ) ، فوصف نفسه بالكرم لأنه يتجاوز ويعفو عن كثير ، وغرّ الإنسان كرمه تعالى به ، ولولا كرمه ما عصاه ولا أخطأ ؛ أو أن الإنسان كما قال عمر : غرّه شيطانه الخبيث ، أو شيطانه المسلّط عليه ، أو قال : غرّه حمقه وجهله .
ولما قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ( 6 ) قال : « غرّه الجهل » ، أو قال : « غرّه جهله » .

وقال عمر : كما قال اللّه تعالى :إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا( 72 ) ( الأحزاب ) .
وقيل : غرّه عفو اللّه ، لأنه لم يعاقبه في أول مرة .
وسئل الفضيل بن عياض : لو أقامك اللّه تعالى بين يديه يوم القيامة ، فقال لك :ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟ ما ذا كنت تقول ؟
قال : كنت أقول : غرّنى ستورك لي ، لأنك الكريم ، والكريم ستّار .
وقيل : إن المؤمن يثق بحسن إفضال اللّه ، ويغتر بطول إمهاله ، فيرتكب الزلّة ، لا يستحلها ، ولكنه طول حلم اللّه تعالى عنه يحمله على سوء خصاله ، ومع ذلك فلم تتوقف أفضاله ، فهو الذي خلقه في أحسن تقويم ، وسوّاه في بطن أمه ، وأنشأه معتدل القامة ، وركّب أعضاءه على الوجوه الحكيمة ، وفي أي صورة ما شاء ، لا يتشابه اثنان ولا يتماثلان في الخلقة ولا في الخلق ، وعلّمه ورزقه ، ومع ذلك يكذّب بالدين ، وينكر يوم القيامة ، ويجحد ربّه ، ويسفّه البعث والحساب !
وكل ذلك مرصود عنه ، يكتبه ملائكة رقباء لا يفارقونه ، كقوله تعالى :ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( 18 ) ( ق ) ،
فلا تخفى عليهم أعماله وأقواله ، كقوله :وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ( 10 ) كِراماً كاتِبِينَ ( 11 ) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ( 12 ) . ويوم القيامة ينفرق الناس فريقين ، كقوله تعالى :إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ( 13 ) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ( 14 ) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ( 15 ) ، والأبرار : هم المؤمنون وهم اليوم في نعمة العصمة ، وغدا هم في الكرامة والنعمة ؛ والفجّار : هم العصاة الكفرة ، وهم اليوم باستحقاق اللعنة والإصرار على الشرك الموجب للإدانة ، وغدا هم في النار على وجه التخليد والتأبيد . ونعيم الأبرار الحسّى : الجنة بما حوت من طعام وشراب ونساء ورفاهية ؛ ونعيمهم المعنوي : في روح الذكر ، وفي الأنس باللّه .
وجحيم الفجار الحسّى : النار والشّوى والحرق ؛ وجحيمهم المعنوي : ضيق القلوب ، والتّسخّط أنهم أساءوا التقدير والتدبير والاختيار .
ويوم الدين هو يوم الحساب ، كقوله :وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ( 17 ) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ( 18 ) ؟ يتكرر عنه السؤال ، تهويلا وتخويفا وإنذارا وتحذيرا ، وذلك من أساليب القرآن ، وفي التكرار تأكيد وتنبيه ، كقوله تعالى :كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ( 9 ) ، « وكلّا » للتأمين والتأكيد والتنبيه بمعنى حقا ، أي إنكم حقا لتكذّبون بالدين .
ومن مصطلحات السورة : يوم الدين : وهو يوم الحساب ، يصدّق به الأبرار ، ويكذّب به الفجّار ، يقولون :وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ( 46 ) ( المدثر ) وقوله :وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِلا يرد إلا في هذه السورة ، وكلما أريد التهويل والتضخيم كان استخدام « ما أدراك » ، يقول :وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ( 5 ) ( الهمزة ) ،وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ( 3 ) ( القارعة ) ،وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ( 2 ) ( القدر ) ؛
ويوم الدين : الأمر فيه للّه من قبل ومن بعد ، وفيه تنقطع الدعاوى . وفي قوله :فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ( 8 ) ، الصورة :

مصطلح من الفلسفة ،
ولكل إنسان صورتان :
الأولى هي : الصورة الجسمية : وهي ما يكون الشيء عليه بالفعل وهي صورة ناقصة ، وتسمى الصورة المخصوصة ؛
والثانية هي : الصورة الباطنة : وهي الشكل أو السمت الذي عليه جنس من الأجناس ، وصورته الباطنة بمعنى أن كل الناس مثلا وإن اختلفوا ظاهرا ، إلا أنهم باطنا بشر ، ولهم صورة واحدة كامنة كبشر ، ولأنها للجميع فهي كاملة وتامة ، وتسمى لذلك الصورة الكاملة .
وفي السورة فإن المعنى الذي تنصرف إليه الصورة في الآية : أنها الصورة الباطنة ، لأن الخطاب فيها للإنسان ، وصورة الإنسان هي أكمل صورة خلقية لأي من المخلوقات الدنيوية ، وفيها قال تعالى :فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ( 7 ) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ( 8 ) ، وعند الإغريق يعطون الصورة الكاملة المسوّاه المعدولة اسم الانتلخيا يعنى المنوال أو القالب .
وكان ابن العربى ( 1165 - 1240 م ) كفيلسوف إسلامي معنيّا بالتفسير القرآني الباطن ، ولمّا تناول صورة الإنسان لم يتحدث إلا عن الصورة الكاملة دون الصورة الجسمية فقال : ليس للّه تعالى خلق أحسن من الإنسان ، فإنه تعالى خلقه حيّا ، عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ، مدبّرا ، حكيما ، وهذه صفات الربّ سبحانه .
وفي الخبر : « إن اللّه خلق آدم على صورته » ، يعنى على صفاته هذه السابقة ، وقيل : خلقه على ما هو عليه ، أي على الصورة التي عليها آدم ، ولذا نقول عن الصورة الكاملة أنها أيضا الصورة الآدمية ، وهي مقصود الآية التي نحن بصددها ، وإلا فإن الصورة الجسمية أو الواقعية التي هي لكل إنسان على حدة ، قد تكون على القبح ، أو مشوهة ، أو بها عاهة ، وتتفارق الصور ، والناس على القبح والجمال ليسوا سواء ، والمصاب بالجذام ليس على أحسن صورة بالقطع ،
وإذن فالكلام في الآية عن هذه الصورة الكاملة ، وهي الصورة المسوّاة المعدولة ، والكلام فيها من باب الحكمة التي يعطونها عند الغربيين اسم الفلسفة ، واللّه تعالى هو الحكيم ومعلّم الحكمة ، والقرآن كما هو كتاب في التشريع ، وفي العلوم ، فهو أيضا كتاب في الحكمة أو في الفلسفة ،
وصدق اللّه تعالى وقد قال فيه :ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ( الأنعام 38 ) واللّه سبحانه وتعالى الموفق للصواب .

  * * *

665 . سورة المطففين

السورة مكية وكانت آخر سورة تنزل بمكة ؛ وقيل إنها مدنية لمّا قدم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم المدينة وكان أهلها أخبث الناس كيلا فأنزلها اللّه ، غير أن السورة لها نفس أهداف السور المكية ، وتعالج مثلها أمور العقيدة ، ولها أسلوب ومنهج السور المكية .
وقيل السورة نزلت في رجل يعرف بأبى جهينة ، واسمه عمرو ، وكان له مكيالان ، أحدهما ناقص والآخر زائد ، فإذا أخذ لنفسه أخذ بالمكيال الزائد ، وإذا أعطى الناس أعطاهم بالمكيال الناقص .
وفي القرآن أن اللّه تعالى أهلك قوم شعيب لبخسهم الميزان ، والميزان لا يكون فقط في الأشياء الحسية ولكنه أيضا في الأشياء المعنوية :فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ( الأعراف 85 ) ،
والأشياء قد تكون أعمالا تجارية أو صناعية أو فنية ، والتطفيف قد يكون في الوضوء والصلاة ، وفي الأحكام ، والرواية ، ولكل شئ وفاء وتطفيف .
والمطفّف مأخوذ من الطفيف وهو القليل ، وعلى ذلك فالمطفّف : هو المقلّ لحقّ من الحقوق مهما كان ، وقيل للفاعل مطفف لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف ، أخذ من الطّفّ للشيء أي من جانبه . وفي قوله تعالى :وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ( 1 ) توعّد لهم بالهلاك والعذاب ، وتهويل بما سيحدث لهم يوم الحساب . وفي السورة تعجّب وإنكار من حال هؤلاء المطففين :أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ( 4 ) ، والاستفهام الذي صيغ به الإنكار والتعجب يزيد الصورة قتامة ، لأنهم إن كانوا يعلمون أنهم سيبعثون ليوم الحساب فعلمهم مصيبة عليهم ، وإن كانوا لا يعلمون فمصيبتهم أدهى وأمرّ ؟ !
واليوم العظيم : تعريف بيوم القيامة :يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ( 6 ) : يقومون عقابا وعذابا ، فلأن ذنبهم عظيم فإن يوم حسابهم كان عظيما . ويبدأ الجزء الثاني من السورة بالردع والتنبيه ويحفل بالمتقابلات ، يقول :كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ( 7 ) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ( 8 ) كِتابٌ مَرْقُومٌ( 9 ) ، وتقابل :كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ( 18 ) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ ( 19 ) كِتابٌ مَرْقُومٌ( 20 ) ،
فكلّا في الآية الأولى كلمة ردع وزجر ، وكلا في الآية الثانية تعنى حقا ؛ والفجار تقابل الأبرار ، والفاجر هو الذي ما عاد يخشى أحدا ولا يهمه حساب ولا نار ولا قيامة ، وعكسه البار من البرّ الذي هو الخير .
والفجّار يناسبهم سجين ، وهو أحط درك من دركات جهنم ، وكأنه السجن الذي لا يوصف لفرط بشاعته ،
وقيل لذلك ربما هو ضرب مثل وإشارة إلى أن أعمالهم السيئة لا تصعد إلى اللّه ، وإنما حبيسة الدناءة والسفالة اللتين كانتا له ؛ وعكسه علّيون : أي الذرى حيث الجنة ، فإذا كان الفجار في أسفل سافلين ، فالأبرار في عليين .
وقوله : « وما أدراك ما سجين » ، « وما أدراك ما عليون » استفهام للتعظيم والتهويل ، يعنى : هل تعلم ما سجين ، وما عليون ؟
والكتاب المرقوم أي المرقّم ، فلم تسقط منه ورقة ، ولا ضاع منه شئ ، وإنما هو كتاب محفوظ . والمكذّبون في السورة الذين يتوعدهم ، كذّبوا بيوم القيامة وبالبعث والنشور ، وهم في التعريف معتدون آثمون ، كلما تلا عليهم القرآن ألغوا فيه وقالوا أساطير الأولين ، يعنى خرافات السابقين من الأمم ، ومن هؤلاء كان الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل ونظراؤهما ، كسبوا الكفر فران على قلوبهم ، والران هو أن تتراكم الذنوب على بعضها ،
فكلما أذنب ذنبا اسودّت نقطة في القلب وصار الذنب كالثقب ، حتى ليصبح القلب كالمنخل أو الغربال الصدئ ، ويوم القيامة يحجب عنهم ربّهم رحمته ، ويصلون الجحيم جزاء وفاقا .
وأما الأبرار : فكتابهم مفخرة لهم ، ومن فرط طهارته فإن الملائكة تقبل عليه وتنظر ما به من صالحات . والنعيم مقام الأبرار ؛ وللنعيم نضرة ، وسقياهم من رحيق مختوم بالمسك ، ومزاجه من تسنيم ، جاء في تعريفها أنها عين يشرب بها المقرّبون ، وكل ذلك من الغيب ونتصوره فنرضى به ونسعد وتشحذ هممنا إليه ، ويتنافس عليه المتنافسون .
وخلاصة هذا النعيم في الآية :فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ( السجدة 17 ) .
وعكس هؤلاء وفي مقابلهم المجرمون وكانوا يستهزءون بالمؤمنين ويتغامزون عليهم ويتفكهون بهم في رواياتهم ، ويصفونهم بالضلال ، مع أنهم لا شأن لهم بهم ، ولم يوكلوا عليهم ، وها هي الآية قد انقلبت فصار المؤمنون في النعيم يضحكون مما آل إليه أمر الكفار .
نسأله تعالى أن يرينا في المجرمين بعض الذي وعدهم ، وهو عليهم مقتدر ، وحسبنا اللّه .

  * * *   


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 18:34 عدل 5 مرات
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 18:36 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

666 . سورة الانشقاق

السورة مكية ، وآياتها خمس وعشرون ، وكان نزولها بعد « الانفطار » ، وترتيبها في المصحف الرابعة والثمانون ، وفي التنزيل الثالثة والثمانون ، وتتناول في جزئها الأول بعض مشاهد من يوم القيامة كالشأن مع السور المكية ، وتستهل بتصدير ما يحدث في الكون عند قيام الساعة ، فالسماء تنشق ، والسورة لهذا تسمى سورة الانشقاق ، وانشقاق السماء من أشراط وعلامات هذا اليوم - يوم القيامة ، والانشقاق هو الانصداع والانفطار ،
ومن أوصاف ذلك في سور أخرى ، قوله :وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ( الفرقان 25 ) يعنى تكشط ويملأ مكانها الغمام ، فيغم الكون وتغتم له القلوب ؛

وقوله :فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ( 37 ) ( الرحمن ) يعنى تنشق ويستحيل لونها إلى الاحمرار ، كأنها الوردة ألقى عيها دهن مذاب أحمر من شدة طبخه بالنار ، فاحمرّت لذلك ؛
وقوله :وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ( 16 ) ( الحاقة ) يعنى لم تعد متماسكة واسترخت من أطرافها . وهذا هو الانشقاق إذن كما في السورة ، واللّه غالب على أمره ، والسماء يحقّ لها أن تسمع وتطيع يوم القيامة ، وكذلك الأرض ، فتجرى عليها حوادث ذلك اليوم ، فتدكّ جبالها ، وتنبسط ، ويمدّ أديمها لتتسع لما يأتيها من بطنها من الأموات ، تلقى بهم وبما استودعت ، ومما استحفظت .
والسورة بدأت بإذا ، وجوابها :يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ( 6 ) ،
فليعش ما يشاء ، وليحبّ ما يشاء ، وليعمل ما يشاء ، فإنه ميّت ويفارق الكل ، ويلاقى في خاتمة المطاف ربّه يوم الحساب ، والآية على ذلك تضرب مثلا ، والإنسان مثلما في الدنيا أحد اثنين ، فإما هو كافر ، جاحد ، منكر ، ويعمل الشرّ ، وإما هو مؤمن ، مسلّم للّه ، شاكر له نعمه ، ويعمل الخير ، وكتابه يوم القيامة إما بيمينه ، وإما بشماله ،
كقوله :فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ( 7 ) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ( 8 ) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً( 9 ) وهذه صورة ، ويقابلها صورة أخرى هي النقيض :وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ( 10 ) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ( 11 ) وَيَصْلى سَعِيراً ( 12 ) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً ( 13 ) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ( 14 )، والثبور هو الهلاك ، والسعير هي النار ، ويحور يرجع حيا.
وفي الجزء الثاني من السورة يقسم اللّه تعالى بآيات كونية مما نعرفها في الدنيا ، وذلك عكس المقدمة التي أتى فيها بمشاهد أخروية ، يقول :فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ( 16 ) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ ( 17 ) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ( 18 ) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ( 19 ) ، والشفق حمرة المغرب ، ويقصد به النهار بطوله ، ويقابله الليل الذي فيه يجتمع الناس إلى بعضهم البعض ، والمخلوقات كلها تسكن ، وهو معنى « وما وسق » يعنى ما حوى ، وكأنه أقسم بالنهار والليل ، أو بالنهار مدبرا
وبالليل مقبلا ، أو بالنور والظلمة ، وفي الليل يظهر القمر ويتسق ، أي يستدير ويكتمل ، وكل ذلك آيات دالة على قدرته ، والذي صنع وأبدع وسوّى كل ذلك يقدر أن يبطله ويزيله ويمحوه يوم القيامة ، فالعالم ليس للأبد ، فلكل ما خلق عمر ينصرم وينقضى ، وفي النهاية تأتى الساعة وتكون القيامة .
وقوله :لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ( 19 ) جواب القسم ، والحياة أطباق ، يعنى أحوالا وأطوارا ، والناس فيها من طور إلى طور ، ومن حال إلى حال ، ومن ذلك طور الموت ، وطور البعث ، وطور الخلود في الجنة أو في النار .
وكل مخلوق من جماد ونبات وحيوان له أطوار ، ويركب طبقا بعد طبق ، وهذا إعجاز علمي في القرآن ،
ونظرية الأطوار في القرآن ليس فيها أن الإنسان كان قردا كما يقول دارون ، وإنما أنه مرّ بالحالة الحيوانية ، كما مر بالحالة النباتيةVEGETATIVE، وهذه الحالة الأخيرة تعنى أنه كان في مرحلة ينمو ولم تنضج عنده الغرائز بعد ، فإذا نضجت انتقل إلى المرحلة الحيوانية ، أو ركب الطبق الحيواني ،
وقبل المرحلة النباتية يمرّ بالمرحلة الجمادية ، فكان لا يعدو العناصر الستة عشر التي تتركب منها الكائنات ،
وبعد المرحلة الحيوانية تكون المرحلة الإنسانية الخاصة بالجنس البشرىHOMO SAPIENS، ويتميّز فيها الإنسان بالعقل والوعي ، ويتمثّل المستقبل ، ويكون له مشروع ، وهذه هي مرحلة الإنسان العامل ، ثم تأتى مرحلة الإنسان الحكيم أو العالم بعد الإنسان العامل ، ثم مرحلة الإنسان العابد - وهي أعلى مراحل الرقىّ .

فإذا انتهى العمر ركب طبقا آخر يحمله إلى غيب لا يعلمه إلا اللّه .
وكل ذلك أفكار تثيرها وتذكّرنا بها السورة ، وتدعونا إلى التفكّر والتدبّر ، فيأتي السؤال :فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( 20 ) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ( 21 ) ، وهو استفهام إنكاري ، ينكر على أهل الكفر كفرهم ، ويتعجب من موقفهم ، ويوبّخهم على ترك الإيمان بعد كل هذه الآيات .

وليس من سبب لموقفهم هذا إلا أن قلوبهم قد ران عليها ، وصارت غلفا ، وعميت أبصارهم حتى صاروا لا يعقلون ولا يفقهون ، واللّه أعلم بما يضمرون من التكذيب والكفر ، وما يكتمون من النوايا الخبيثة ، وما يفعلون من الأعمال السيئة وتختتم السورة بمقارنة حال هؤلاء بحال المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، كطريقة القرآن دائما إذا ذكر الكفر والكافرين والعذاب بجهنم ، قابل ذلك بذكر الإيمان والمؤمنين ، ووعد النعيم بالجنة ، فإن كان العاصون قد نالوا أجرهم في الدنيا ، فأجرهم ينقطع بالموت ، وأما أجر المؤمنين فموصول بعد الموت وباق أبد الآبدين .
ومن المصطلحات في هذه السورة : « الحساب اليسير » : قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « ذلك العرض » ويكون بعد الموت مباشرة ، ويقابله الحساب العسير يوم القيامة .
من الأمثلة في السورة قوله تعالى :يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ( 6 ) : والمعنى أنه مكتوب على الإنسان أن يعمل وينصب حتى يلقى ربّه بكتاب عمله ؛ أو أن المعنى أن الإنسان يكدح في الدنيا ويظن أنه لن يلق ربّا ، أو أن بوسعه أن يهرب من ربّه ، فأينما هرب ، فإن طريقه الذي يتخذه سينتهى به حتما إلى اللّه ، وإذن فليفعل الإنسان ما يشاء ، ويكفر كيفما أراد ، وليفسد في الأرض كما يحلو له ، فلا بد يوما أن يلقى اللّه ، وحينئذ يكون الحساب العسير والعقاب الخطير ،
وقانا اللّه شرّهما ، آمين .
  * * *

667 . سورة البروج

السورة مكية ، نزلت بعد سورة « الشمس » ، وآياتها ثنتان وعشرون ، وترتيبها في المصحف الخامسة والثمانون ، وفي التنزيل السابعة والعشرون وموضوعها الاستشهاد في سبيل اللّه ، وتحكى عن قصة أصحاب الأخدود ، وحديث الجنود الذين يجنّدون لحرب الرسل والأنبياء والمؤمنين .
وتحفل السورة بأسماء من أسمائه تعالى : فهو تعالى « الشاهد المشهود » : شهد بالبراهين ، وأثبت بدلائل اليقين ، وأوضح بالآيات البيّنات ، أنه لا إله إلا هو .
وشهد بجلال قدره وكمال عزّه . وهو تعالى المشهود : لأنه شهد لنفسه وشهد له الخلق والملائكة والكون بأسره .
ثم إنها لْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( 8 ) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ( 9 ) ، ولا يقال عزير إلا للقويّ الذي إذا شاء أوقع الانتقام وقدر عليه ، والجبّار أعلى من العزيز ، وهو الشديد البطش ، وفي السورة :إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ( 12 ) أي أخذه الجبابرة والطغاة والظلمة :إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ( 102 ) ( هود ) .
وهو « الحميد » : مستوجب للحمد ، وله المحمدة ، ومحامده هي صفاته الجلالية والجمالية والكمالية ؛ ومن محامده أن :لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ( 9 ) ، فهو المتصرّف والمدبّر والمالك ، وإنما عن علم وحكمة ، والعلم والحكمة من محامده ؛ ومنها أنه تعالى :يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ( 13 ) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ( 14 ) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ( 15 ) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ( 16 ) ؛ فهو المبدئ لأنه بدأ الخلق ؛ وهو المعيد : لأنه يعيده ،
كقوله :كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ( الأنبياء 104 ) ، وقوله :إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ( يونس 4 ) ؛ ثم إنه الغفور لأنه يغفر الذنوب ، والغفور أبلغ من الغافر .

ولأنه يغفر ويرحم فإن عباده يودّونه وهو لذلك الودود ، بمعنى المودود : وهو يودّهم في المقابل ، وودّه تعالى يعنى رحمته بهم ولطفه وإحسانه ، والود إرادة إنعام مخصوص ؛ وهو ذو العرش : لأن له الملك كله ، وله قوام الأمر ؛ والمجيد : من المجد ، وهو النهاية في العلو والعظمة والعزّ والرفعة ؛ ومن مجده أنه فعّال لما يريد ، لا يمنع عليه شئ يريده ، فلأنه مالك الملك فلا حجر عليه ولا حظر :يَفْعَلُ ما يُرِيدُ( 14 ) ( الحج ) ، ولا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ( 23 ) ( الأنبياء ) ،
وهومِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ( 20 ) : محيط بما استمكن منهم من البطر ، وما داخلهم من الرياء ، وبما بيّتوا ؛ ومحيط : يعلم ما بهم ولا تخفى عليه خافية :أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً( 12 ) ( الطلاق ) .
والسورة أربعة أجزاء ، يبدأ الأول منها بالقسم ، بقوله تعالى :وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ( 1 ) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ( 2 ) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ( 3 ) ، والمقسوم به السماء ، لجرمها العظيم ، وما تحويه من أفلاك عظيمة للّه تعالى ، والقسم بها لذلك عظيم ، ووصفها بأنها ذات بروج ، يشير إلى امتدادها حتى لتسع منازل كل النجوم والكواكب ، وسمّاها بروجا لظهورها ، ثم إن البروج هي القصور ، فشبّه هذه المنازل بها لعلوها وارتفاعها ؛ وقيل البروج اثنا عشر برجا ، هي : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسّنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدّلو ، والحوت ؛ ويسير القمر في كل برج يومين وثلث يوم ، فذلك ثمانية وعشرون يوما ، ثم يستسر ليلتين ؛ وتسير الشمس في كل برج منها شهرا .
فإذا كان القسم بالسماء قسما عظيما ، فالقسم باليوم الموعود أعظم ، وهو يوم القيامة ، وهو موعد اجتماع أهل الأرض وأهل السماء ، واليوم الذي وعد اللّه المؤمنين والكافرين ، وهو موعود لنهاية الدنيا وبداية الآخرة ، وموعود لبداية النعيم أو الجحيم . والقسم بالشاهد والمشهود أعظم من القسم بالسماء وباليوم الموعود ، لأنه تعالى كما ذكرنا من قبل ، الشاهد والمشهود والشهيد معا ، فكأنه أقسم بنفسه :قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ( الأنعام 19 ) ، وكما بيّنا من قبل فإنه الشاهد ، لأنه شهد خلقه وأفعالهم ، ويشهد عليهم ، وهو مشهود لأنهم يشهدان له بالتوحيد ، وهو شهيد لأنه مؤتمن آمين في شهادته .
وجواب القسم في السورة قوله تعالى :قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ( 4 ) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ ( 5 ) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ( 6 ) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ( 7 ) ،
والأخدود : مقبرة جماعية كالمقابر التي كان الصرب يحفرونها للمسلمين ؛ وفعل الروس مثلهم ، ثم الأمريكان واليهود ، وهذه المقبرة القديمة قدم التاريخ ، أو الأخدود كما يسميها القرآن ، حفرها يهود نجران لجماعة دينية في بلدهم كانوا يوحّدون اللّه ، وكانوا نيفا وثمانين رجلا وامرأة ، قبض عليهم يوسف بن ذو نواس بن تبّع الحميري ، ونصب لهم أخدودا وألقاهم فيه وأوقد عليهم النار.
وأصحاب الأخدود في السورة هم هؤلاء اليهود الذين عذّبوا الموحدين ، وكانوا يقعدون على الأخدود يرقبون تحريقهم ، ونقموا عليهم إيمانهم .
وقوله تعالى :قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ( 4 ) دعاء عليهم كقولنا : قاتلهم اللّه ! دعا اللّه بها على اليهود منذ فجر التاريخ ، وما يزال دعاؤه عليهم ساريا حتى اليوم ، قاتلهم اللّه ولعنهم . وقاتل كل من يؤذى المسلمين ولعنهم !
وفي الجزء الثاني من السورة يوجه اللّه تعالى إنذاره لأمثال هؤلاء اليهود :إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ( 10 ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ( 11 ) ، والعقاب - كما ترى - من جنس العذاب الذي أنزلوه بالمؤمنين ، فتحريق بتحريق ، والفرق أن الأول بالنار الصغرى وهي نار الدنيا ، والثاني بالنار الكبرى وهي نار جهنم .
وفي قوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ . . .( 10 ) ، وقوله :إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِمقابلة بين مصير المجرمين ومصير المؤمنين .
وفي الجزء الثالث من السورة خبر عن بعض هؤلاء المجرمين الذين فتنوا المؤمنين ، فكان مصيرهم كمصير أصحاب الأخدود ، قال :هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ( 17 ) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ( 18 ) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ( 19 ) ، والحديث هو الخبر ، والجنود هم جماعة الكافرين في كل عصر ، أمثال فرعون وجنوده ، من دعاة الاستعمار القديم والجديد ، وأصحاب الإمبرياليات القديمة والجديدة ، ومنهم حاليا زعماء العولمة من الاحتكاريين والرأسماليين ، والعملاء الوطنيين .
الذين تجنّدوا وتحزّبوا لحرب الإسلام باسم صراع الحضارات ، في العالم قاطبة .
وفي قوله : « هل أتاك » استفهام للتشويق ، يريد به أن يؤنس الرسول صلى اللّه عليه وسلم ويسليه ، ومن بعده المؤمنين إلى أن يرث اللّه الأرض وما عليها بحكايات الطغاة والجبارين والمستقويين ، وكان فرعون منهم فضرب اللّه به المثل لطغيان الأفراد ، وكانت ثمود أمة كفرت بأنعم اللّه ، فضرب بها المثل لانحرافات الأمم ، فأنزل اللّه بهم ما نعرف مما نزل بفرعون وجنوده ، ومما حاق بثمود ، فلمّا كانوا طغاة أهلكوا بالطاغية ، والمنكرون في كل مكان يقرءون عن هؤلاء وهؤلاء ، وما تزال النذر تأتيهم ، وما زالوا مستمرين على التكذيب ، فبعدا للظالمين ، وبعدا لقوم لا يؤمنون .
  * * *

668 . سورة الطارق

السورة مكية ، نزلت بعد سورة « البلد » ، وآياتها سبع عشرة آية ، وترتيبها في المصحف السادسة والثمانون ، وفي التنزيل السادسة والثلاثون ، وتبدأ كأغلب السور المكية بلفت انتباه السامع أو القارئ لآيات اللّه في الكون مما نراه يوميا ولا يستثير انتباهنا لكثرة ما اعتدناه ، والمعجز الذي يراد منا أن نتفكر فيه هو هذه النجوم التي تطرق السماء ليلا ثم تختفى ، فكم منا يعلم عنها كما يعلم علماء الفلك ؟ وهل نعرف أحجامها ، وحركتها ، ودورانها ؟
ومما تتكون ؟ وإلى أين تسير ؟ ولما ذا تسطع ؟ ولو قرأنا ما يقوله العلم عنها لهالنا أمرها وقدّرنا أنه لا بد للكون من خالق ، وأنه واحد لا يمكن أن يشاركه شريك . وتستهل السورة بقسمه تعالى بالطارق ، ويسميه الطارق الثاقب - أي النافذ . وقسمه به يجعل منه شيئا هائلا يستحق أن يقسم به ، وقوله :وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ( 2 ) تهويل من شأن هذا المقسم به .
وكل ما في القرآن :وَما أَدْراكَإنما ليلفت انتباهنا إليه ويعظّمه لنا ، وكل ما فيه :وَما يُدْرِيكَ( الأحزاب 63 ) إنما ليعلمنا بقلة درايتنا وقلة وعينا به .
والطارق هذا من هوله قد يجعلنا نخاف على أنفسنا ، فمن يحفظنا منه لو أصابنا منه أذى بما أنه ثاقب ، ولهذا قال تعالى :إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ( 4 ) ، كقوله :لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ( الرعد 11 ) ، وما من وسائط تحفظنا في الحقيقة لأن الحافظ هو اللّه .

ولا بد أن التفكير فيما يحفظنا سيجعلنا نفكر في حقيقتنا ونتساءل : ممّا خلقنا ؟ وقوله تعالى :فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ( 5 ) تنبيه للإنسان على ضعف أصله ، وأننا خلقنا من المنىّ المهين ، ومع ذلك صرنا إلى ما صرنا إليه من الضخامة والفخامة . أفمن فعل كل ذلك لا يقدر أن يبعثنا بعد الموت يوم القيامة ؟
وإن يوم القيامة ليوم موعود ، وفيه تبلى السرائر ، وتنكشف الضمائر ، ويظهر المستور من النفوس ، ولا حول ولا قوة للإنسان في ذلك اليوم ، فلا ناصر له ، ولا مغيث .
ثم يكون الجزء الثاني من السورة ، ويقسم فيه اللّه تعالى بالسماء التي ترجع بالمطر دوما ، والأرض التي تنشق عن النبات ، وهما آيتان من آياته تعالى ، كالطارق في بداية السورة ، وجواب القسم : أن هذا القرآن المنزّل على محمد ، قوله فصل ، أي يفصل بين الحق والباطل ، وما هو بالهزل ، والهزل ضد الجد ، وفي حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن القرآن قال : « هو الفصل ، ليس بالهزل » ، ومع ذلك فقد كذّبوا بالقرآن ، وصدّوا عن سبيل الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وكادوا له ، وكيد اللّه أكبر ، وكيده تعالى هو استدراجهم من حيث لا يعلمون ، ثم يقول لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم :فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً( 17 ) أي أنظرهم قليلا ولا تستعجل لهم .
والسورة تحفل بالأدلة القاطعة ، والبراهين الدامغة على قدرة اللّه وعظمته ، وعلى أن البعث حقّ وواقع ، وأن القرآن كتاب من لدن اللّه تعالى ، وأنه الكتاب الفارق الميسر للذكر ، فصّلت آياته ، وضرب فيه للناس من كل مثل .
وللّه الحمد والمنّة .

  * * *
669 . سورة الأعلى
السورة مكية ، نزلت بعد سورة التكوير ، وآياتها : تسع عشرة ، وترتيبها في المصحف : السابعة والثمانون ، وفي التنزيل : الثامنة ، والاستهلال في السورة بالأمر بالتسبيح للّه العلىّ الأعلى ، قال :سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( 1 ) يعنى نزّهه عن السوء وعما يقوله الملحدون فيه ، ولما سمعها الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال : « اجعلوها في سجودكم » .
فكانوا إذا قرءوا السورة في الصلاة ، فعند ذكر « فسبّح اسم ربّك الأعلى » ، يقطعون القراءة ويقولون : « سبحان ربّى الأعلى » ، ولم يكونوا يقولون : سبحان اسم ربّى الأعلى ، لأن الاسم هو المسمى ، وظن البعض أن قول : « سبحان ربّى الأعلى » تزيّد في السورة ، وقال آخرون تبريرا بل لقد أمرنا بشيء فقلناه ، فسبحان ربّنا الأعلى الذي خلق الخلق فسوّى خلقتهم ، وسوّى الأجنة في بطون أمهاتها ، وسوّى الأفهام ، وسوّى الإنسان وجعله قابلا للتكليف ، وقدّر كل شئ وهداه لقانونه ، ووفّقه لشكله وسمته ، وأرشده لما قضى به له من السعادة والشقاوة ، والهداية أو الضلال ، ولما قدّره من الأرزاق والمعايش له وللناس كافة وللحيوان والطير وكل المخلوقات ، وكما قال :أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى( 50 ) ( طه ) ،
يعنى قدّر في الأشياء منافعها ومضارها ، وقدّر ما يصلح كل إنسان وحيوان ، وأخرج المرعى ، وأنبت الزروع ، حتى استوت واخضرّت ونضجت على أعوادها ، فذلك قوله تعالى :الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ( 2 ) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ( 3 ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى ( 4 ) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى( 5 ) .

والجزء الثاني من السورة هو قوله تعالى :سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ( 6 ) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى( 7 ) وهو يخصّ طريقة قراءة القرآن ، وقراءته على أي حال واجبة على الناس :فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ( المزمل 20 ) ، وعلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم :اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ( 3 ) ( العلق ) ،
وما سمّى القرآن قرآنا إلا ليقرأ ، وللقراءة أركان : فقبل القراءة تكون الاستعاذة باللّه من الشيطان الرجيم ( النحل 98 ) ، وعند القراءة يكون الاستماع والإنصات ( الأعراف 204 ) ، وتكون القراءة للتدبّر ( محمد 24 ) ، وبالنسبة للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم فالقراءة إما تلاوة أو ترتيل ، وفي كل الأحوال هي قراءة لحفظ واستذكار ، وما جعلت قراءة القرآن أصلا لينسى ، وإنما ليحفظ ويذكر ، ولتكون آياته منهج حياة ، كقوله تعالى :وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ( القمر 17 ) ، وعلى ذلك فليس صحيحا أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أو كل جبريل أن يحفّظه القرآن ، بدعوى أنه كان أميا ، وكان لذلك ينسى ! ومن ثم نزلت - بزعمهم - الآية :سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى( 6 )
بمثابة الوعد من اللّه تعالى بأنه لن ينسى من بعد هذه الآية !
ولا دليل في الآية على أن حاله صلى اللّه عليه وسلم في حفظ القرآن هو حال الإنسان الأمى ، وإنما الآية تلحق بما يشبهها في هذا المعنى ، وبما يفسّرها أيضا ، كقوله تعالى :وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ( طه 114 ) ،
والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم لم يكن يعطى صحفا ليقرأ منها ، وإنما كان القرآن يتلى عليه ، ومنذ أول سورة نزلت عليه ، وهي سورة « اقرأ » ، كان يستظهر ما يقال له ، ويعيه سرّه ويذكره قلبه ، وتحفظه ذاكرته ، والمعنى إذن لقوله :سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ( 6 ) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ: أن قراءته للقرآن ، باعتباره نبيا ، كانت قراءة استظهارا بحيث لا ينسى ، والاستثناء في الآية إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، يعنى أن ما يقدّر أن ينساه هو ما يشاء اللّه له أن ينساه منه ، ولم يحدث أن شاء اللّه له أن ينسى منه شيئا ، كقوله تعالى :خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ( هود 108 ) ،
فلم يحدث أن شاء اللّه عكس ما قضى أولا . ونحن في الكلام العادي نقول : لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت ، أو إلا أن أشاء أن أمنعك » ، وتكون النية مع ذلك على ألا نمنعه شيئا ، يعنى أن الاستثناء - بنيّة الخالق - هو التمام ، واللّه تعالى قد وعده ألا ينسى مما يحفظ شيئا ، فلم يحدث أن نسي شيئا .
وأحسن ما قيل في ذلك : أن معنى سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، أن لا تنسى العمل بما تقرأ من القرآن ؛ أو أن المعنى تعليمه صلى اللّه عليه وسلم - وأمّته من بعده - أن لا يغفل عن قراءة القرآن وتكراره فينساه أو ينسونه . وفي الآية :إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً( 30 ) ( الفرقان )
شكوى من أنهم لم يكونوا يقرءونه . ومن دأب الذاكرة أن تنسى شيئا فشيئا ما سبق لها أن حفظته ، والقرآن ليس استثناء ، وإذا لم يقرأ مرارا ، فإن مشيئة اللّه أن ينسى الغافل أحكامه وحكمه ، فهذه سنّة اللّه في الذاكرة ، وهي من خلقه تعالى ، وقد فطرها على ذلك ، ومن ثم كان التعليم في الآية للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : أن يقرأ القرآن بنية أن لا ينسى استظهار ما قرأ ، ولا ينسى العمل بما قرأ ، والنيّة يعلمها اللّه :إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى( 7 )
كقوله :وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً( يونس 61 ) . والطريقة اليسرى في القراءة أن تكون قراءة استدبار ، يعنى أن يتفكر ويستدبر كلما قرأ ، ومع تكرار القراءة ، تتيسّر المعاني وتتضح ، كقوله تعالى :وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى( 8 ) يعنى نيسّرك لهذا النوع من القراءة .
ثم يكون الجزء الثالث من السورة ، من قوله تعالى :فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى( 9 ) ، حتى قوله :الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى( 17 ) ، فبعد هذا التعليم للقراءة الميسّرة ، يأتي دور التبليغ ، وأن يقرأ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم القرآن على الناس ، ولا ينسى ذلك ، ولا يغفل منه شيئا ، إلا ما شاء اللّه أن لا يكون متعلقا بما يشرح للناس من موضوعات ، فليس ما يذكره منه في حينه إلا ما يرتبط بما يتناوله مع الناس من مسائل الدين والدنيا .
والتذكير بالقرآن وآياته واجب ، بأن تستحضر ذاكرتنا من الآيات ما يناسب الموقف ، والذكرى أو التذكير قد ينفع مع البعض ولا ينفع مع البعض الآخر ، وتذكرة أو تذكير الخاشع أبلغ وأرجى ، ولن يتجنّب الوعظ ويأنف منه ولا يلتفت إليه إلا الشقي الذي . مآله النار الكبرى ، وهو اصطلاح القرآن لنار جهنم ، باعتبار أن نار الدنيا هي النار الصغرى .
والشقي كذلك من المصطلح القرآني ، والمقصود به في الآية أمثال الوليد ابن المغيرة ، وعتبة بن ربيعة . ونقيض الشقي من وصفه تعالى بالفلاح فقال :قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ( 14 ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى( 15 ) ، وقيل إن المقصود بالصلاة في الآيتين السابقتين : صلاة العيد ، وبالزكاة : زكاة الفطر ، ونسي من قالوا ذلك أن السورة مكية ، وفي مكة لم تكن صلاة عيد بعد ، ولا عيد ، وما كانت زكاة الفطر قد فرضت .
وفي تفسيره صلى اللّه عليه وسلم لقوله تعالى :قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى( 14 ) ، قال : « هو من شهد أن لا إله إلّا اللّه ، وخلع الأنداد ، وشهد أنى رسول اللّه » . وخلع الأنداد هو أن لا يجعل للّه تعالى مثيلا ولا شريكا .
وقيل : نزلت الآية في عثمان بن عفان ، وقيل : في أبى بكر الصدّيق .
وكلّ منهما قد أفلح ، أي قد فاز وظفر ، والفلاح صلاح الحال ، والفوز ، والنجاة ، وفي الأذان : 
حىّ على الفلاح ، أي هلمّوا إلى طريق الفوز والنجاة . وقوله :وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى( 15 ) ،
أي ذكره في قلبه تزكية ، فصلّى خشوعا وكبّر راجيا ، وذلك هو الفالح المزكّى ، على نقيض الشقىّ المؤثر للحياة الدنيا ، والآخذ بالعاجل على الآجل . وقوله تعالى :بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ( 16 ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى( 17 ) صار مثلا ، وهو من الحكم المأثورة التي تحفل بمثلها الصّحف الأولى :إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ( 18 ) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى( 19 )
يعنى الكتب المنزّلة السابقة ، مما نزل على إبراهيم وموسى ، وعن أبي ذرّ فيما أورده السيوطي : أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فيما كانت صحف إبراهيم ؟
قال : « كانت أمثالا كلها : - « أيها الملك المتسلّط المبتلى المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكن بعثتك لتردّ عنى دعوة المظلوم ، فإني لا أردّها ولو كانت من فم كافر » ،
وقال : « وكان فيها أمثال : 
- وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجى فيها ربّه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، ويفكر فيها في صنع اللّه ؛ وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب .
وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزوّد لمعاد ، ومرمة لمعاش ، ولذة في غير محرم . وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شانه ، حافظا للسانه .
ومن عدّ كلامه من عمله ، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه » . وقال أبو ذرّ : قلت : يا رسول اللّه ، فيما كانت صحف موسى ؟
قال : « كانت عبرا كلها : - عجبت لمن أيقن بالموت ، كيف يفرح ؟ ! وعجبت لمن أيقن بالقدر ، كيف ينصب ؟ !
وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها ، كيف يطمئن إليها ؟ ! وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ، ثم هو لا يعمل » .
وقال أبو ذرّ : قلت : يا رسول اللّه ، فهل في أيدينا شئ مما كان في يدىّ إبراهيم وموسى ، مما أنزل اللّه إليك ؟ قال : « نعم ، اقرأ أبا ذرّ :قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ( 14 ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ( 15 ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ( 16 ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ( 17 ) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ( 18 ) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى( 19 ) » .
وفي سورة النجم عن صحف إبراهيم وموسى ، قوله تعالى :أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى ( 36 ) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ( 37 ) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ( 38 ) وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ( 39 ) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ( 40 ) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى( 41 )الآيات إلى آخرهن ،
قيل : إن معنى :إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ( 18 ) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى( 19 ) أن مضمون سورة الأعلى جاء في صحف إبراهيم وموسى ، وهذا نفسه تفسير الآيات التي أكدت أن القرآن نزل مصدّقا لما كان قبله من الصحف والكتب ، كقوله تعالى :نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ( آل عمران 3 ) .
فالحمد للّه على نعمة القرآن ، وللّه المنّة ، وبه التوفيق والعصمة.

* * * 

670 . سورة الغاشية
السورة مكية ، وعنوانها « الغاشية » ، من اسم موضوع السؤال الاستهلالى في السورة وهو قوله تعالى :هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ( 1 ) والغاشية : هي ، القيامة سميت لذلك لأنها تغشى الخلق بأفزاعها وشدائدها ، من غشى أي غطّى وحلّ ، نقول غشى الليل يعنى أظلم ، وأغشى اللّه على بصره : غطّاه . والسورة في المصحف الثامنة والثمانون ، وفي التنزيل الثامنة والستون ، وكان نزولها بعد الذاريات ، وتتضمن ثلاثة مشاهد : الأول عبارة عن سؤال وجواب عن الغاشية ، ما هي ؟
والخطاب للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم خصوصا ، ولكل مسلم عموما ، والاستفهام للتشويق إلى استماع الجواب ، واستخدام الاستفهام من طرق القرآن للتنبيه إلى خطورة وعظم شأن موضوع السؤال ، ويتناول الجواب ، على طريقة الجدل القرآني ، أحوال الكافرين والمؤمنين يوم القيامة ، نعرفها مما يرتسم على وجوه هؤلاء وأولئك ، وتصنيف الوجوه من علم النفس القرآني ،
فالكافر : وجهه متعب ، خاشع ، ذليل ، يشقيه ما يحمل من أصفاد ، وما يثقل عليه من سلاسل وأغلال ، ويسقمه لهيب النار ، وشدّة حرارة جهنم ، فيتمنى لو يشرب ليطفئ ظمأه ، فلا يجد إلا ماء أشدّ حرا يحرق جوفه ، وإذا جاع فليس إلا الشوك يأكله ، لا يسمن ولا يشبع ، ويصرخ منه ويجأر ، وكل ذلك يبين على وجهه .

وأما المؤمن : فوجهه تظهر عليه النعمة ، وينعكس عليه رضا نفسه بالعيش في الجنة ، يصفها بأنها عالية ، أي صافية الجو عليلة الهواء ، يشملها الهدوء وتلفها السكينة ، فلا لغو ولا صخب ولا نصب ، إلّا من خرير ماء يتدفق من عين جارية ، يسرّ بها الناظرون، يشربون منها إذا رغبوا ، والأكواب متوافرة يعبون بها الماء ، فإذا أحبوا أن يناموا فالأسرّة جاهزة فخيمة ومريحة ، والوسائد كثيرة.
والمشهد الثاني من السورة : يتناول من دلائل وجود اللّه وقدرته تعالى ووحدانيته ، نماذج من المخلوقات والموجودات من الحياة ، يراها كل أحد ، ويقدّرها حق قدرها في كل زمان ومكان ؛ فهذه الإبل العجيبة وما تقوم به من وظائف فريدة ، حتى ليطلقوا عليها سفينة الصحراء ، دليل وأي دليل على وجوده تعالى وقدرته وعلمه .
وهذه السماء المرفوعة بغير عمد ، والممتدة إلى اللا نهاية ، والجبال الشامخة المنصوبة كالأعمدة المغروسة في الأرض تثبّتها ، والأرض الممهدة للزرع والانتقال عبرها في الأسفار ، كلها دلائل ، على عظم قدرته تعالى ، وأنه الصانع والخالق ، وليس من صانع وخالق مثله . والمشهد الثالث : هو النتيجة لما فات من المقدمة ، ويقرر المطلوب الذي نخلص إليه بعد هذا الطرح المنطقي السالف : أن عمل الرسول صلى اللّه عليه وسلم هو تذكير الناس ، وأن يدعوهم بالترغيب والترهيب إلى عبادة اللّه ، ولا يقسرهم ولا يجبرهم على الإيمان ، فلا إكراه في الدين ، ومن يتولى ويعرض بعد هذه النذارة أو البشارة ، فأمره إلى اللّه يعذّبه بنار جهنم ، وعذابها هو العذاب الأكبر .
نسأل اللّه العافية ، والحمد للّه تعالى على نعمة القرآن .

  * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 18:47 عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 18:39 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

671 . سورة الفجر

السورة مكية ، نزلت بعد سورة الليل ، وآياتها ثلاثون ، وترتيبها في المصحف الثامنة والتسعون ، وفي التنزيل العاشرة ، وتتكون من أربعة أقسام :
الأول : تنبيه إلى بعض قوى الطبيعية التي هي دلائل على قدرته تعالى ، وأنه واحد لا شريك له ؛
والثاني : تذكير بمن سبق من أمم لم تؤمن باللّه ، ولم تفهم دلائله ، وعتت عن أمر ريّها ورسله ، وطغت في الأرض وأفسدت فاستحقت العذاب ؛
والثالث : هو نتيجة تخلص إليها السورة ، وهي أن الإنسان جبّار كفور ، لا يحمد للّه لو أكرمه ، ويجحده إذا ما ابتلاه ، ولو تبيّن وتعقّل لأدرك أن الخير والشر ، والغنىّ والفقر ، قسمة في الحياة ، وأنهما من سنن الوجود ، ولكنه هكذا دائما ، يستميله الكفر على الإيمان ، والبخل على الإنفاق ، ويدأب على الخصال السيئة ، ويحب المال يجمعه جمعا ، فلا يحسن على يتيم ، ولا يطعم مسكينا ؛ وفي القسم الرابع : 
يأتي التحذير من يوم الحساب ، وفيه التذكير والتذكّر ، وأنّى له يوم الحساب أن يفلت من العقاب ، ولن يفيده التحسّر ، فالعذاب يومئذ رهيب ، ولن يستطيع حياله شيئا ، وأما المؤمن فهو الراضي المرضى ، المستحق أن يكون من عباد اللّه ، وأن تكون له الجنة .
ومن مصطلحات السورة : الاستفهام التقريرى في قوله تعالى :أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ( 6 ) ، وهو من أساليب القرآن ، ويتكرر فيه 31 مرة ، تبدأ فيها الآيات جميعا بصيغة السؤال :أَ لَمْ تَرَ؛ وكذلك قوله :كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ( 17 ) فهو من أساليب القرآن ، ويتكرر فيه خمس مرات ، للتنبيه والزيادة في التوبيخ والعتاب ، وتبدأ جميعها بصيغة :كَلَّا بَلْ . .؛
و « الفجر » المعنىّ في السورة : هو فجر أي يوم ، فهو آية من الآيات ، وفيه تنفجر الظلمة عن النهار ؛ وقيل الفجر : هو فجر اليوم الأول من محرّم ، ومنه تنفجر السنة ؛ وقيل : هو فجر يوم النحر ، فكل يوم له ليلة قبله وليلة بعده ، إلا يوم النحر فليست له ليلة قبله ولا ليلة بعده ، والحج إدراك الموقف إلى طلوع فجر يوم النحر ؛
وقيل : الفجر المقسوم به : هو فجر ذي الحجة ، لأنه تعالى قرن الأيام به فقال :وَلَيالٍ عَشْرٍأي الليالي العشر من ذي الحجة ؛ وقيل : هو فجر يوم الجمع آخر الأيام العشر إذا دفعت من جمع ؛وَلَيالٍ عَشْرٍ: هي العشر من ذي الحجة ، أو العشر في قصة موسى :وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ( الأعراف 142 ) ؛
وقيل : هي العشر الأواخر من رمضان ، أو العشر الأولى من المحرم التي عاشرها عاشوراء ؛ والصحيح أنها ربما كل ذلك ، وأن اللّه تعالى يقسم بها لهذا السبب ؛وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ( 3 ) : هما الصلاة ، بعضها شفع وبعضها وتر ؛ وقيل : الوتر : يوم عرفة لأنه تاسع الأيام العشر ؛ ويوم النحر هو الشفع : لأنه عاشرها ؛ وقيل : الوتر هو اللّه ، وهو اسم من أسمائه تعالى ، بينما الشفع خلقه ، كقوله :وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً( 8 ) ( النبأ ) ،وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ( الذاريات ) ، والحياة تقوم على المتقابلات ، ومنطقها جدلى ، فالكفر يقابله الإيمان ، والشقاوة تقابلها السعادة ، والليل يقابله النهار ، والموت تقابله الحياة ، والجنة تقابلها النار ، والهدى يقابله الضلال ، والنور تقابله الظلمة ، والحر يقابله البرد ، والشمس يقابلها القمر ، والصيف يقابله الشتاء ، والسماء تقابلها الأرض ، والملائكة يقابلها الشياطين ، والإنسان يقابله الحيوان ، والعزّ يقابله الذل ، والقدرة يقابلها العجز ، والقوة يقابلها الضعف ، والعلم يقابله الجهل ، والبصر يقابله العمى ، والسمع يقابله الصمم ، والكلام يقابله الخرس ،
ومنهج القرآن يقوم على هذه الجدلية التي تقوم عليها الحياة والوجود ، وهكذا الإنسان تجتمع فيه المتناقضات فهو شفع ، إلا اللّه فهو وتر ، لأنه تعالى عزّ بلا ذل ، وقدرة بلا عجز ، وعلم بلا جهل ، وقوة بلا ضعف ، ووحدة بلا كثرة ، وفي السورة القسم بالشفع والوتر ، أي به تعالى وبخلقه ، من باب القسم بأسمائه وصفاته ، أو بأسمائه وبأفعاله .
وقيل : الشفع : الجنة لأن درجاتها ثمان ، والنار : وتر لأن دركاتها سبع ؛ وقيل : الشفع : الصفا والمروة يقسم اللّه تعالى بهما ، والوتر : الكعبة ؛ وقيل : الشفع : الأيام والليالي ، والوتر : اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة ؛ وقيل : الشفع : الحيوان والنبات ، والوتر : الجماد ؛ وقيل : الشفع في الحج : هو التمتع بالعمرة إلى الحج وأن تقرن بينهما ، والوتر : هو الإفراد في الحج ؛ وقيل : أقسام الحساب شفع ووتر .

ومن المصطلحات قوله :لِذِي حِجْرٍ، والحجر هو العقل واللب ، ويقال لمن ملك نفسه ومنعها : إنه لذو حجر ؛ وبِعادٍ إِرَمَ: هي عاد الأولى من الأمم البائدة ؛ وثمود هم عاد الثانية ؛ وذاتِ الْعِمادِ: قيل إنهم كانوا طوال القامة ، ومبانيهم لذلك عالية ، وأما ثمود فكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ؛ وأما ذِي الْأَوْتادِ فهو فرعون ، صاحب الأهرامات التي تشبه الجبال ، واللّه جعل الجبال أوتادا ، والفراعنة بنوا الأهرامات كالجبال ؛ وقوله :وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ( 16 )
ذهب مثلا ، وصار حكمة مأثورة ؛ و « التراث » مصطلح جديد يعنى إرث اليتامى ، وأصله الوراث من ورث يرث ، فأبدلت الواو تاء ؛ وقوله :وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا ( 19 ) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا( 20 ) ذهب مثلا وحكمة مأثورة ؛ وقوله :وَجاءَ رَبُّكَليس كما يجيء الإنسان ، فاللّه ليس كمثله شئ ، ومجيؤه يعنى أن الخلق صارت لهم الحاسة بحضوره ، ومن ثم ظهرت آياته وقدراته تعالى وامتلأ الموقف ، فاستشعره الوقوف ، وكأنه جاء الآن فقط ، واللّه تعالى لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان ، وأنّى له التحوّل والانتقال ولامكان ولا أوان ، ولا يجرى عليه وقت ولا زمان ؛
والنفس المطمئنة من مصطلحات علم النفس الإسلامي ، وهي النفس المؤمنة الموقنة التي لا يخامرها شك ، ولا تعصف بها ريبة ، وهي النفس الراضية بقضاء اللّه ، قد اطمأنت بالإيمان . ومن العلاجات في الطب النفسي العلاج بالإيمان ، بإعادة تربية المريض فتصير له ثوابت اعتقادية تصادم دوافع الشك وتزيلها عنه ، فيزول عنه بالتبعية الشك والتردد .
وقيل : 
إن الآياتيا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ( 27 ) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ( 28 ) فَادْخُلِي فِي عِبادِي( 29 ) نزلت في حمزة بن عبد المطلب لما استشهد ، وقيل : نزلت في أبى بكر ، والصحيح أنها نزلت عامة في كل مؤمن يستشرف الموت ، ولذلك أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ندعو فنقول : « اللهم إني أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك ، وترضى بقضائك ، وتقنع بعطائك » .
والحمد للّه على نعمة الإسلام ، ونعمة القرآن ، وله المنّة ، وبه التوفيق والعصمة .
  * * *

   672 . سورة البلد

السورة مكية ، وكان نزولها بعد « سورة ق » ، وآياتها عشرون آية ، وترتيبها في المصحف التسعون ، وفي التنزيل الخامسة والثلاثون ، والغرض منها : بيان فساد موقف المنكرين ، وإقامة الدليل على خبث عقيدتهم ، والتنبيه إلى ما عليه الإنسان عموما من زيغ وضلال ، وكان الأحرى به أن يؤمن ، فقد أمدّه اللّه تعالى بكل النّعم ، وأسبغ عليه من كل الفضائل ، فما حمد ولا شكر ، ولا سلك مسلك أهل الإيمان لا انصرف عن عبادة الشيطان ، ولا تصدّق وأنفق في الخير ، ولو آمن وتعاهد على الصبر على مطلوبات الإيمان ، وعلى طاعة الرحمن ، لكان من« أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ »وهم أهل الجنة ، ولو ثبت على الكفر والعصيان لعدّ من« أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ »وهم أهل النار .
وقيل : السورة نزلت في أبى الأشد بن كلدة ، وكان جبّارا في الأرض عصيا ، ينفق المال بسخاء في محاربة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومناوأة الدعوة .

وتحفل السورة بالمصطلحات ، ومن ذلك قوله تعالى :لا أُقْسِمُ: لا يريد به نفى القسم ، ولكنه كقولنا : « لا واللّه لا فعلت كذا » ، و « لا واللّه ما كان كذا » ، و « لا واللّه لأفعلن كذا » ، وهو أسلوب متبع في القرآن ويتكرر ثماني مرات ، كقوله :لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ( 1 ) ( القيامة ) ،وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ( 2 ) ( القيامة ) ؛
والبلد : هي مكة ، وهي البلد الحرام ، أم القرى ، شرفت بالكعبة بيت اللّه ، فكانت مقصد الحجيج من الشرق والغرب ، وبها ولد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وبعث ، وفيها بزغت شمس الإسلام ، وعلى أرضها نزل القرآن ، فحقّ أن يقسم بها اللّه تشريفا وتعظيما لها على سائر البلاد ، كما حقّ أن يقسم بمن ولدوا فيها من الأطهار ، ومنهم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وكان للمؤمنين والدا ، وفي الحديث : « إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلّمكم » أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أبي هريرة ،
ومن ثم أقسم اللّه تعالى بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وبأمّته ، بعد أن أقسم ببلده ، مبالغة في تشريفه عليه السلام ؛ وقوله :لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ( 4 ) أي في شدّة وعناء ونصب ، فكابد الدنيا والشهوات والأهواء وتحصيل لقمة العيش ، نقول : تكبّد اللبن إذا غلظ وخثر واشتد ، ومنه الكبد لأنه دم متغلّظ ؛
والآية القرآنية ذهبت مثلا وصارت من مآثر الأقوال ، واللّه لم يخلق خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم ، فقد خصّه بالوعى ، وعلّمه التاريخ وأن يكون له مستقبل يكابد لتحقيقه ؛
وكذلك ذهب مثلا قوله تعالى :أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ( 5 ) يقال كلما زاد طغيان الطاغية ؛ والنجدان : هما طريق الخير والشر ، هدانا اللّه إليهما هداية دلالة ؛ وقوله :فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ( 1 ) :
يضرب به المثل لمن لا يصرف جهده إلى اقتحام الصعاب وطلب المعالي ؛ والاقتحام : هو رمى النفس بلا روية ، والعقبة : المرقى الصعب ، وإنه لمرقى صعب أن يؤمن من يؤمن ، وأن يفعل الخير ، ولذا قال تعالى :وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ( 12 ) ؟ تضخيما في صعوبتها . ومن العقبة : أن نفك حصر العاني ، وأن نساعد المحتاج - في زمن قلّ فيه العمل ، وزادت البطالة ، وندر المال حتى لكأن الناس في مجاعة
- وأن نعيل المساكين الذين لامكان لهم إلا الشوارع ، وبالاختصار فإن أعمال البرّ هي المرقى الصعب ، وهي العقبة الكئود ، لفطرة الإنسان على الشّح والبخل ، وأصحاب الميمنة :

هم الذين يؤتون كتبهم بيمينهم يوم الحساب ، وهم أصحاب الجنة ؛ وأصحاب المشأمة هم الذين لا يقدرون على حمل كتبهم إلا بشمائلهم ، وهم أصحاب النار المشائيم على أنفسهم . نسأل اللّه أن نكون من أصحاب الميمنة ولا نكون من أصحاب المشأمة ، والحمد للّه على نعمة الإسلام ونعمة القرآن .
  * * *   

673 . سورة الشمس

السورة مكية ، وكان نزولها بعد القدر ، وآياتها خمس عشرة ، وترتيبها في المصحف الواحدة والتسعون ، وفي التنزيل السادسة والعشرون ، واسمها « الشمس » من قوله تعالى استفتاحا للسورة :وَالشَّمْسِ وَضُحاها ( 1 ) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها ( 2 ) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ( 3 ) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ( 4 ) وَالسَّماءِ وَما بَناها ( 5 ) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها ( 6 ) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ( 7 ) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها( 8 ) ،
يقسم بها ، من باب تعديد آياته تعالى الكونية ، إثباتا لوجوده تعالى كخالق لهذا الكون المعجز ، وتأكيدا لوحدانيته ، فالذي قدر أن يخلق كل هذه الآيات العظيمة ، فهو أيضا يقدر أن يخلق هذه النفس الإنسانية العجيبة ، والإعجاز في خلقها كالإعجاز في خلق الشمس والقمر ، والضحى والنهار والليل ، والسماء والأرض ، ويخبر أن النفس بفطرتها سوية ، وأنه ألهمها الفجور والتقوى ، فلها أن تختار بينهما في حرية ، ولها إرادة الاختيار ، وقوة المفاضلة ،
فمن يزكّى نفسه ويطهرها بالتقوى والأخلاق والحق ، فقد فاز وأفلح ، ومن يدسّ نفسه ويحقّرها بالكفر والعصيان ، واتّباع الباطل ، والأخذ بالرذائل ، فقد خاب ونقص من عداد العقلاء الأذكياء ، وانضاف إلى الجهلة الأغبياء .
والسورة إذن تنقسم ثلاثة أقسام ،
فالقسم الأول : عن الآيات الكونية ، ومجاله علوم الفلك والفيزياء والجيولوجيا والفضاء الخارجي ، ويؤسّس لعلم إسلامي يشمل هذه البحوث من منطلق إيماني ، فمن العلماء من يتعلم للعلم ، ولكي يقال إنه عالم وأنه سبق غيره ، ولكن أهل الفلسفة دائما يتساءلون بعد أن يحوزوا العلم ، ويتبحروا فيه : فما ذا بعد ؟. So Whatفالعالم يبلغ بالعلم أرقى المدارج في سلّم الخلق - إلا سلّمة واحدة تتبقى له ، وهي أن يعرف ربّه بعد أن عرف أسبابه في الكون ، وإلا فعلمه عقيم .
ومدارج الرقى أعلاها مدرج الإنسان العارف باللّهHomo religiosus.
والسورة تنبّه أهل العلم ليقفزوا القفزة الأخيرة ، ويظفروا بأنفسهم إلى خاتمة كل معرفة : وهي المعرفة باللّه .
وعلوم الكون من فيزياء وفلك وچيولوچيا وفضاء . . . إلخ علوم مادية ( فيزيائية ) ، وأعلى العلوم هو العلم بالنفس ، ولذا يأتي في السورة كعلم متمم وخاتم ، والقرآن كما يؤسس لعلم الظاهر أو العلوم الفيزيائية ، من جهة نظر إيمانية ، فإنه يؤسس لعلم نفس إيماني وهذا هو موضوع القسم الثاني من السورة .
فأما القسم الثالث : فهو يضرب المثل بناقة صالح من قوم ثمود ، فكأن القسمين الأوّلين تذكير للخاصة من أهل العلم ، وكأن القسم الثالث لإفهام العامة بطريقة الأمثال .

وقصة الناقة بالنسية للعامة من القصص الرمزى ، وأما الخاصة - وهم أهل التقوى - فإنهم يؤوّلونها ، فالناقة هي النفس ، والتعليم الإلهى بإزائها أن لا يفسد الإنسان فطرتها ، وأن يكون عيشها في الحياة بحسب ما خلقها اللّه ، فالصانع أعرف بما صنع ، وبما يصلحه ؛ وعقر النفس : هو ذبحها بالعصيان والكفر ، واتباع الهوى ، والميل عن الحق ، والأخذ بالطغيان ، والإنسان « حرّ » إزاء الخير والشر ، والحق الباطل ، والإيمان والكفر ، وله أن « يختار » أيهما ، فحينئذ يكون قد « اختار في حرية » ، ويصير « مسؤولا عن اختياره » ، فإذا جوزي بالعقاب ، فهو عن جدارة ، وعقاب اللّه هو العقاب ، واللّه يسأل عباده ولا يسأل ، وينزل العقاب بالمسىء ولا ينزّل به عقاب سبحانه ، لأنه تعالى الحق : فلمّا كان اللّه كانت القيم .
وفائدة السورة : أن من يطهّر نفسه عن الذنوب والعيوب ، والأعواض والأغراض ، ويبعدها عن الاعتراض ، فإنه يتطهّر ويرقى ويفوز ، وهو « الإنسان » حقا وصدقا ؛ ومن يخون قانون صنعة نفسه ، ويدنّس طبيعتها ، ويهمل المعاني ويزدرى القيم ، وتستغرقه المظالم إلى حدّ أن يغرق سفينة نفسه في بحر الشقاء ، فهو الخائب .

ومن مصطلحات السورة :ثَمُودُ بِطَغْواها( 11 ) ذهبت مثلا ، كأن نقول : « أمريكا بطغواها » أو « إسرائيل بطغواها » ؛ وفي قوله :إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها( 12 ) وروى أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم سأل : « أتدرون من أشقى الأوّلين ؟ »
وأجاب « عاقر الناقة » . قيل : كان اسمه قدار بن سالف ، فصار مثلا عند أهل علم النفس الإسلامي ، لأنه عقر نفسه التي هي ناقة اللّه ، وقلّده قومه فعقروا نفوسهم مثله لمّا وافقوه على رأيه وفعله .
وفي الأدب السياسي الإسلامي يضرب بعاقر الناقة المثل للطاغية ، وقوله تعالى :فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها( 8 ) وإلهام النفس هو تعليمها التمييز بين الخير والشرّ ، وإرشادها . والآية جواب على الجبرية والقدرية الذين يقولون يأن الإنسان لا يفعل إلا ما قدّره اللّه له وقضى به ، وأنه مجبور عليه .
وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يرجع إلى هذه الآية والسورة كلها في دعائه : « اللهم آت نفسي تقواها ، وزكّها أنت خير من زكّاها ، أنت وليّها ومولاها » .
وفي الرواية عن عائشة أنها افتقدت النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من مضجعه فلمسته بيدها في الظلام ، فوقعت عليه وهو ساجد يدعو : « ربّ أعط نفسي تقواها ، وزكّها أنت خير من زكّاها ، أنت وليّها ومولاها » أخرجه أحمد .

وفي سورة « الشمس » تكثر المتقابلات ، ومنهج القرآن هو منهج يقوم على الجدل بالمتقابلات ، والسورة نموذج لهذا المنهج الجدلي ، أو منهج المتقابلات ، كقوله : الشمس كمقابل للقمر ، والفجور كمقابل للتقوى ، وقوله :وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها( 3 ) ، كمقابل لقوله :وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها( 4 ) وقوله :قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ( 9 ) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها( 10 ) ،
واللّه أعلم ، وله الحمد والمنّة .

  * * *   

674 . سورة الليل

السورة مكية ، ولذلك تعتنى بإثبات وجود اللّه ، وبيان صفاته ، كشأن السور المكية ؛ وآياتها إحدى وعشرون آية ، فتعدّ من قصار السور ، وترتيبها في المصحف الثانية والتسعون ، وفي التنزيل التاسعة ، وكان نزولها بعد سورة الأعلى ، وموضوعها : بيان حال الإنسان في الإيمان والكفر ، ومآله في الحالين .
ويبدأ الجزء الأول بالقسم ببعض الآيات الكونية ، بما يفيد قدرته تعالى ، والقدرة صفة فعلية من صفاته ، وتشير إلى ذاته ، وليس أوضح من آيتي الليل والنهار : كآيتين للزمان ، وآيتي الذكر والأنثى : كأصل لكل حياة ، ولتباين الأنواع والأجناس وليس ألزم للحياة من الليل والنهار ، فالليل لباس ، والنهار معاش ، وليس ألزم للحياة من أن تكون الكائنات والمخلوقات بها ذكورا وإناثا للتكاثر وصنع الأجيال ، ومع أنه لا يتشابه ليل مع نهار ولا نهار مع ليل ، ولا يتماثل ذكر مع أنثى ، ولا أنثى مع ذكر ، فقد جعل بين هذين التوالي ، وبين هذين الوفاق ، فليس عجيبا أن يكون القسم بهما قسما عظيما ،
وجواب القسم هو قوله تعالى :إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى( 4 ) ينبّه إلى حقيقة من حقائق الحياة .
وبهذا الجواب يبدأ الجزء الثاني من السورة ، ويؤكد أن المساعى في الحياة متباينة ، والأعمال شتى ، وكذلك اعتبارات كل إنسان تتباين وتتفارق عنها عند غيره من الناس ، وقد يكون أحد الناس مؤمنا بينما يكون الآخر كافرا ، وقد يكون عاصيا ، والآخر مطيعا ، وقد يكون هذا جزاؤه الجنة ، والآخر عقابه النار .
وفي هذا الجزء يتضح المنهج الجدلي في القرآن الذي قوامه المتقابلات ، فمن يعطى وينفق ويتقى ويصدّق بالحسنى تتيسر له اليسرى ، يقابله من يبخل ويستغنى ويكذّب بالحسنى فتتيسر له العسرى ، واللّه تعالى يهدى ويرشد ويخبر عن الطريقين : اليسرى والعسرى ، ويوضح الحالتين ، حتى إذا حاسب كان حسابه العسير ، ومن يتردّى في النار فما يغنيه عنه ماله الذي كان يبخل به ، وهو تعالى مالك الدنيا والآخرة ، وإن يشأ يعذّب من يستحق في الدنيا أو في الآخرة .
ثم يكون القسم الثالث من السورة : وفيه النذارة للأشقى : وهو الذي كذّب بالرسل وبالبعث والحساب ، وأعرض عن الإيمان ، فذلك له النار تلظّى ، وسيتجنّبها الأتقى : وهو الذي يؤتى ماله يتزكّى ، ليس لأن الغير لهم عنده أياد ، وإنما لوجه اللّه ، ولسوف يعطيه اللّه في الآخرة إلى أن يرضى ، ووعده كريم لأنه ربّ رحيم .
وفي الحديث : « لا يدخل النار إلا شقىّ » ، قيل : ومن الشقي ؟ فأجاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « الذي لا يعمل بطاعة ، ولا يترك للّه معصية » ، وقال : « كل أمّتى تدخل الجنّة يوم القيامة إلا من أبى » قالوا : ومن يأبى يا رسول اللّه ؟

قال : « من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى » . وقيل في السورة : إنها نزلت في أبى بكر حينما رأى بلالا يعذّب فاشتراه ليعتقه ، فقال المشركون : إنما اشتراه ليد كانت له عنده ، فذلك قوله تعالى :وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ( 19 ) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ( 20 ) وَلَسَوْفَ يَرْضى( 21 ) .
ومن المصطلحات في السورة : « الحسنى » في قوله تعالى :وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى( 6 ) ، وقوله :وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى( 9 ) وهي الخلف من اللّه على عطائه ؛ وقيل : هي قول « لا إله إلا اللّه » ؛ وقيل : هي الجنة ، ودليل ذلك قوله :لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ( يونس 26 ) ، والحسنى هي الجنّة ، و « اليسرى » ، كقوله :فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى( 7 ) قيل هي الجنة ، وقيل : هي أسباب الخير والصلاح . ولمّا سألوه صلى اللّه عليه وسلم : يا رسول اللّه ، أفلا نتّكل ، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؟
قال : « بل اعملوا ، فكل ميسّر ، أمّا من كان من أهل السعادة فإنه ييسّر لعمل السعادة ، وأمّا من كان من أهل الشقاء فإنه ييسّر لعمل الشقاء » ، ثم قرأ :فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ( 5 ) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ( 6 ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ( 7 ) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ( 8 ) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ( 9 ) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى( 10 ) ؛ « والعسرى » نقيض اليسرى ، فإذا كانت اليسرى هي الخير ، فإن العسرى هي الشّر ، وإن كانت اليسرى هي الجنة ، فالعسرى هي النار .
وسئل الرسول صلى اللّه عليه وسلم عن العمل الذي يتيسر ، هل هو العمل الذي جفّت به الأقلام وجرت به المقادير ؟ أم في شئ يستأنف ؟

فقال : « بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير » ، قيل : ففيم العمل إذن ؟
قال : « اعملوا فكل ميسّر للعمل الذي خلق له » ، قيل : فالآن نجدّ ونعمل . والسورة إذن تحضّ على العمل والعطاء : بأن يعمل الميسور ويعطى ويبذل للمعسر ، وأن يعمل الصادق ويعطى الصدق من قلبه ، وفي الحديث أن دعوة الملائكة : « اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا » .
وفي قوله :فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى( 10 ) قد يسأل السائل : هل في العسرى تيسير ؟
والجواب : أن ذلك كما في قوله :فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ( 21 ) ( آل عمران ) ،
فالأصل في التيسير وفي البشارة أنها للمفرح والسّار ، فإذا جاء التيسير في الكلام لحالين متقارنين أحدهما خير والآخر شر ، فمعنى ذلك أن التيسير لكليهما ، وكلاهما ميسّر لمن يطلبه ، ولكلّ أن يختار ما يشاء ، وهو مسؤول عن اختياره ، نسأل اللّه الهداية وحسن المآل ، والحمد للّه ربّ العالمين .

  * * *

675 . سورة الضحى

السورة مكية ، نزلت بعد سورة « الفجر » ، وآياتها إحدى عشرة آية ، وترتيبها في المصحف الثالثة والتسعون ، وفي التنزيل الحادية عشرة ، قيل : احتبس الوحي عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مدة طالت قليلا ، فقال المشركون : إن محمدا ودّعه ربّه وقلاه ! ولو كان أمره من اللّه لتابع عليه كما كان يفعل بمن كان قبله من الأنبياء ! فنزلت هذه السورة تقول :وَالضُّحى ( 1 ) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ( 2 ) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ( 3 ) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ( 4 ) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى( 5 ) وتتناول النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وشخصيته ، وما آثره اللّه به ، وما أنعم عليه من الفضل في الدنيا والآخرة . والسورة أجزاء تترى وتتكامل ،
ففي الجزء الأول : يقسم اللّه تعالى على جلال قدر نبيّه بالضحى ، وبالليل إذا سجى ، وكلاهما من الزمان ، وهما آيتان من آياته العجيبة والعظيمة ، فربما أن المعنى : أنه تعالى على مرّ الأيام وكرّ الليالي لن يودّع محمدا ، ولن يقليه أي يبغضه ، وربما المعنى : أنه مثلما الليل الساجي ، والضحى يكون أول النهار وفيه الهدأة والسكون ، فكذلك محبة اللّه لنبيّه هي المحبة المستقرة .
ويقال « سجا الليل » يسجو إذا سكن ودام ، وربما المعنى من قوله تعالى :أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ( 6 ) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ( 7 ) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى( 8 ) ، هو التنبيه إلى حال من يؤمن باللّه ، فإنه تعالى يضمه إليه ، ويهديه ، ويغنيه ، ويحوطه ، وينصره ، ويرفع من قدره ويوقّره ، ويكفّ عنه أذى الناس ، فهكذا فعل مع نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم مما نعلمه من تاريخه وسيرته ، فآواه أهله وانتصروا له ، ثم استقبله الأنصار مهاجرا فآووه ونصروه ، وكان حاله في الدين حال الضال الحائر فهداه وأنعم عليه بالإسلام ، وحاله في المال حال المعوز الفقير المحتاج ، فأغناه عمّن سواه ، وجمع له بين مقامي الفقير الصابر ، والغنى الشاكر . واليتيم الذي كأنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الوحيد المفرد بسبب يتمه ، والعرب يصفون كل شئ يعزّ النظير له بأنه يتيم ، كقولهم : درة يتيمة ، إذا لم يكن لها مثل ، ويكون مجاز الآية أنه تعالى وجده فريدا في الشرف والخلق ، لا نظير له ولا مثيل ، فآواه بأصحاب يحفظونه ويحوطونه . وأما قوله :وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى( 7 ) فهو أيضا من باب قوله :ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ . . .( 52 ) ( الشورى ) ،
فالضلال بالمعنى المعروف ما كان للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم في يوم من الأيام ، فما سجد لصنم ، ولا أشرك باللّه ، وكان على حنيفية إبراهيم ، وإنما الضلال أنه كان قبل البعثة يسأل متحيرا ، ويطلب المعرفة ، وأنه بالبعثة وبالقرآن عرف وتعلّم وصار يعلّم . وفي قوله :وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى( 8 ) ،
فبالمعنى الحسّى : ان خديجة أغنته ؛ وبالمعنى المعنوي : أنه تعالى وجده فقير النفس فأغنى قلبه ، وفقيرا من الحجج فأغناه بها ، ولم يكن عنده كتاب يرجع إليه ، فزوّده بكتاب ، وكذلك كان الجزء الثالث من السورة : وصية من ثلاثة بنود ، مقابل النّعم الثلاث التي أنعم بها عليه :فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ( 9 ) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ( 10 ) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ( 11 ) ،

فكانت بها خاتمة السورة ، وختامها مسك .
وفيها خصّ اليتيم بأول وصية ، لأنه إنسان لا ناصر له إلا اللّه ، فغلّظ في أمره بتغليظ العقوبة على ظالمه ، وليس في أي كتاب سماوي بخلاف القرآن مثل هذه الرعاية التي لليتيم ، ولا تكلم نبىّ سوى نبيّنا بمثل ما تكلّم به في اليتمى ، وانظر إلى النهى القرآني عن قهر اليتيم ، واختياره لكلمة « قهر » يعنى الشدّ عليه والتغليظ له وزجره ، فلا يجد من يشكو إليه ويحنو عليه ، فيغلب على أمره ، وينكسر قلبه ، وتعاف الحياة نفسه .
وفي الحديث يعالج الرسول صلى اللّه عليه وسلم قسوة القلب عند الناس فيقول ناصحا : 
« إن أردت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين » ، ولأنه كان يتيما قال : « أنا وكافل اليتيم ، كهاتين » وأشار بالسبابة والوسطى ، والكافل : هو القائم بالأمر من نفقة وكسوة وتربية وتأديب .
وكان صلى اللّه عليه وسلم أدرى الناس بحال اليتيم - ولا يحدّثك مثل خبير ، فقال : « إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن ، فيقول اللّه لملائكته : يا ملائكتي ، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيّبت أباه في التراب ؟ فتقول الملائكة : ربّنا أنت أعلم . فيقول اللّه تعالى لملائكته : يا ملائكتي ! اشهدوا أن من أسكته وأرضاه ، أن أرضيه يوم القيامة » .
وثانية الوصايا : 
النهى عن نهر السائل ، وفي الحديث : « لا يمنعن أحدكم السائل » ، والحديث : « ردّوا السائل ببذل يسير أو ردّ جميل » ، أو أن المراد بالسائل : الذي ينشد المعرفة والعلم ، والردّ عليه فرض على العالم ، كإعطاء سائل البرّ سواء .
وثالثة الوصايا : النشر عن أنعم اللّه ، والتحدّث بها بالشكر والثناء .
وفي الحديث : « من أعطى خيرا فلم ير عليه ، سمى بغيض اللّه ، معاديا لنعم اللّه » . وقال : « من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس ، لم يشكر اللّه ، والتحدّث بالنعم شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب » .
والخطاب في السورة حول الوصايا الثلاث للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ولكن الحكم عام له وللمسلمين .

وقد يقال في اهتمام الرسول صلى اللّه عليه وسلم باليتيم كما يقول التحليل الطبى النفسي : أن دافعه إليه كان يتمه هو نفسه ، فقد نشأ يتيما خالص اليتم ، سواء من الأب أو من الأم ، فالأب مات وهو بعد في بطن أمه ، والأم ماتت وهو في نحو السادسة ، وكفله جدّه ، وكان من الممكن أن يعوّضه عن أبويه ، فالجدود بهم حنان وعطف على أحفادهم خاصة ، ولكنه مات كذلك والرسول صلى اللّه عليه وسلم في الثامنة ، فصار إلى عمّه أبى طالب يكفله ، وكان بيته يعجّ بالنساء والأولاد ، والكل مشغول بنفسه ، والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم يعيش في وحدة ، ويفتقد أن يحادثه أحدهم ، أو يقول له كلمة حب ، أو يرعاه بكساء أو طعام ، حتى تعقّدت نفسه من اليتم ، وتحصّلت له منه « عقدة نفسية » ، دار حولها سلوكه ، وكان يتصرّف بدافعها . غير أن العقد النفسية تجعل من أصحابها شخصيات جامدة ، وتصنع منهم مرضى نفسانيين ، وما كانت أقواله صلى اللّه عليه وسلم ولا أفعاله تتسم بشيء من الشذوذ ، والعقد مجال بحث علم نفس الشواذ ، وفي حالة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فإن مجال البحث في شخصيته هو علم النفس التكاملى ، وهو فرع الطب النفسي المعنىّ بدراسة العظماء والأولياء والأنبياء ، وجميعهم من الشخصيات السوية ، بل إن استواءها ليزيد عن استواء الحدّ العادي ، حتى وصف بأنه استواء يتجاوز الطبيعيsuper normal، ونقيضه الشاذabnormal، أو شبه الشاذsubnormal. وهذه التفرقة هي التي لم يدركها المستشرقون ، وما علموا بها ، فاتسمت كتاباتهم في « العقدة النفسية » عند الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالسطحية ، والجهل الشديد ، والتعنّت والتحريف البغيض ، ولعل هذه السورة خير الردود عليهم ، وإني لأعتبرها مثلا حيّا في نوع الكتابة عن الشخصية المتكاملةintegrated personality.
وتكامل شخصية الرسول صلى اللّه عليه وسلم هو الذي جعله يتحدث عن نعم اللّه عليه ويشكرها ، وفي الحديث عنه صلى اللّه عليه وسلم قال : « واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك ، قابليها ، وأتمّها علينا » .
وما علمنا في تاريخ الطب النفسي عن إنسان معقّد شاذ يشكر على النعمة ويدعو للشكر عليها . ومن هذه السورة المباركة تعلّم المسلمون : أن من شكر النّعم أن يحدّثوا بها ؛ ولما نزلت سورة الضحى وفيها :وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ( 11 ) كبّر الرسول صلى اللّه عليه وسلم ربّه فرحا وسرورا ، ومن ثمّ يستحب عند قراءة السورة التكبير في آخرها ، والحمد للّه ربّ العالمين .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 19:13 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

676 . سورة الانشراح

السورة مكية ، نزلت بعد سورة « الضحى » ، وآياتها ثمان ، وترتيبها في المصحف الرابعة والتسعون ، وفي التنزيل الثانية عشرة ، وهي سورة « الانشراح » وسورة « الشّرح » أيضا ، من استهلالها بقوله تعالى :أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ( 1 ) ، وهو تقرير وإن كان في شكل استفهام .
و « لم » في الآية جحد ، وفي الاستفهام طرف من الجحد ، وإذا وقع الجحد ، رجع إلى التحقيق ، كقوله تعالى ألَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ( 8 ) ( التين ) ، يعنى أنه تعالى أحكم الحاكمين ،
وكذا قوله :أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ( 36 ) ( الزمر ) ، يعنى أنه تعالى يكفى عبده .

وتعدّد السورة نعمه تعالى على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وتذكر منها ثلاث نعم كبرى ، 
الأولى : أنه تعالى شرح صدره للإيمان ، أو للإسلام ، كقوله :أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ( 22 ) ( الزمر ) ، أو شرحه للعلم والحكمة والعرفان ؛
والثانية : أنه وضع عنه وزره الذي أنقض ظهره ، وحطّ عنه ذنوبه، ورفع عن كاهله عبء معاناتها، وأسقط عنه الخطأ والنسيان؛
والثالثة : أنه رفع له ذكره ، فلا يذكر اسمه تعالى إلا وذكر معه اسم الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، سواء في التشهّد ، أو الأذان ، أو الإقامة ، أو يوم الجمعة على المنابر ، أو أيام الفطر ، والأضحى ، والتشريق ، وعرفة ، وعند رمى الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وفي خطبة النكاح ، وعند النسيان ، وعند الغضب ، إلخ ،
كقوله الشاعر :
وضمّ الإله اسم النبىّ إلى اسمه * إذا قال في الخمس المؤذن أشهد 

وشقّ له من اسمه ليجلّه * فذو العرش محمود وهذا محمد 
وهذه النعم الثلاث قدّمت للسورة ، تسلية وتأنيسا للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، لتطيب بها نفسه ، ويقوى رجاؤه ، وليؤكد له أنه وقد أكرمه كل هذا الكرم ، لا يمكن أن يتخلّى عنه ، وسيظهره على أعدائه ، وسينصر دينه ، ويبدّل العسر الذي هو فيه ، بيسر قريب ، كقوله :فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ( 5 ) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( 6 ) ، 
وقيل : العسر الأول هو نفسه الثاني ، وأما اليسر فتعدّد ، والعسر الواحد لا يغلب يسرين ، وهذا المعنى مدخول ، لأنه يجيء على منوال ذلك إذا قال أحدهم : « الجندي معه سلاح ، الجندي معه سلاح » ، فقد يظن أن هناك جنديا واحدا وسلاحين ! وإنما معنى التكرار للآية ، 
أن العسر الأول : متعلقة بالدنيا ، وله يسره الذي يرفعه ، 
والعسر الثاني : عسر الآخرة ، وله أيضا يسره الذي يغلبه .
ويسر الدنيا قد يكون لغير المؤمن وقد يكون للمؤمن ، وأما يسر الآخرة فهو للمؤمن فقط ؛ ومع أن الخطاب في السورة للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم . إلا أن معناه يصبح قضية عامة تخصّ جميع المؤمنين في أي مكان وزمان . وصارت الآية القرآنية مما يضرب به المثل في الملمّات والشدائد انتظارا للفرج من اللّه . 
فاستحق أن يأتي ختام السورة بوصيّة أخرى للمؤمن أيضا ، كما هي للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، تقول :فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 ) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ( 8 ) ، يعنى أن نعطى الدنيا الاهتمام الواجب لها ، ولكننا إذا فرغنا منها ، فلنتفرغ لأعمال الآخرة من الصلاة والعبادة . . . إلخ ، وبعد أن يفرغ من أمور الخلق ، فلنتفرّغ لفروض الخالق . 
ورحم اللّه من قال :
صبرا جميلا ما أقرب الفرجا * من راقب اللّه في الأمور نجا
من صدّق اللّه لم ينله أذى * ومن رجاه يكون حيث رجا.
  * * *

677 . سورة التين

السورة مكية ، نزلت بعد سورة « البروج » ، وآياتها ثمان ، وترتيبها في المصحف الخامسة والتسعون ، وفي التنزيل الثامنة والعشرون ، وقوامها أربعة أقسام :
 والأول عبارة عن قسم ، يقول تعالى :وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( 1 ) وَطُورِ سِينِينَ ( 2 ) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ( 3 ) ، والتين والزيتون شجرتان مباركتان ، ففضلا عن أن التين فاكهة من فواكه الجنة ، فإن آدم وحواء خصفا عورتيهما بأوراقه ( الأعراف 22 ) ؛ وأما الزيتون فقد قال تعالى فيه :شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ( 35 ) ( النور ) ، وقال :وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ( 20 ) ( المؤمنون ) ، ودهن الزيتون زيته ، وهو من أحلى الزيوت وأنفعها ، ويصطبغ به الأكل ، وفي الحديث : « كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة » ، ومن دهنه علاج للأمراض ، كأوجاع الظهر ، والركبتين ، واليدين ، ووجع الرقبة والجروح والقروح ، والبرد في الصدر .

وخصّ طور سينين - أي سيناء - بالتين والزيتون لأنهما أول ما نبتا كانا في طور سيناء .
وقيل ربما الزيتون إشارة إلى مدينة بيت المقدس التي بعث اللّه تعالى فيها عيسى ، والتين إشارة إلى طور سيناء أو سينين ، وهو الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسى ، وأما و « البلد الأمين » فهو مكة ، ومن دخله كان آمنا ، وفي مكة أرسل صلى اللّه عليه وسلم وهبط عليه الوحي بالقرآن ، وفيها بنى إبراهيم وإسماعيل الكعبة ، فهذه ثلاثة أماكن مقدسة ، رتبت بحسب معانيها الرسالية ومكانة أنييائها الوجودية ، فأقسم بالأشرف ، ثم الأشرف منه ( وهو الزيتون أو بيت المقدس ) ، ثم بالأشرف منهما ( وهو مكة ) ، وفي ذلك المعنى من أقوال أسفار اليهود : جاء اللّه من طور سيناء ( حيث كلم موسى ) ، وأشرق من ساعير ( يعنى جبل بيت المقدس ) ، واستعلن من جبال فاران ( ويأولها المسلمون بأنها جبال مكة حيث أرسل محمد صلى اللّه عليه وسلم ) .
والقسم الثاني من السورة به جواب القسم ، يقول :لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( 4 ) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ( 5 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ( 6 ) ، يخبر بأن الإنسان أحسن خلق اللّه باطنا وظاهرا ، فهو الجميل الهيئة ، البديع التركيب ، ولا شئ من المخلوقات أجمل منه ولا أحسن ، واللّه خلقه عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ، مدبّرا ، حكيما ، وهذه من صفات الربّ سبحانه ،
وعنها جاء القول المشهور : « إن اللّه خلق آدم على صورته » ، يعنى على صفاته تعالى ، فإن قيل على هيئته وشكله وسمته ، فإنا نقول : ومن أين تكون للّه صورة متشخّصة ؟ فلا يتبق إلا أن تكون « على صورته » يعنى أنه على صفاته . ثم إن اللّه يردّ الإنسان إلى أرذل العمر ، أو أنه بحكم وجوده في الدنيا تثقله الخطايا ، ويتدنس ويتنجّس - وهو معنى « أسفل سافلين » ،
أو أن معناها أنه يردّ إلى الضلال كما في قوله :إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ( 2 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ( 3 ) ( العصر ) ، أي إلا هؤلاء فلا يردّون إلى أسفل سافلين .
وفي الجزء الثالث والأخير من السورة ، يتوجّه الخطاب إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، يتساءل : فمن بعد ذلك يمكن أن يكذّبك بالدين يا محمد ، أو يا أيها الإنسان ؟ يواسى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين عبر الأزمان ويسليهم ، يقول : استيقن مع ما جاءك من اللّه ، أنه تعالى أحكم الحاكمين ، قضاء بالحق ، وعدلا بين الخلق .
ومع أن « ليس » للنفي ، إلا أنها مع ألف الاستفهام : « أليس » ، يصبح المعنى بالإيجاب ، يعنى هو أحكم الحاكمين فعلا .

وقيل : إن « فما يكذّبك بعد بالدّين » مجرد نفى لأن يستطيع أحد تكذيبه في القول بالبعث والحساب ، وقيل : إن هذه الآية نسخت بآية السيف - هكذا أطلقوا عليها ، وهي التي تقول فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ( 5 ) ( التوبة ) ، غير أن آية التكذيب لها معناها ومجالها ، وآية القتال لها أيضا معناها ومجالها ، ولا تنسخ إحداهما الأخرى .
  * * *

678 . سورة العلق

وهي أيضا سورة « اقرأ » ، قيل آياتها الخمس الأولىاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( 1 ) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2 ) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ( 3 ) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ( 4 ) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ( 5 ) ، وهي أول ما نزل من القرآن في مكة على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وأول أمر إلهي يصدر للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، بأن يذكر التسمية في ابتداء كل سورة ؛
وأول علم لدنىّ يتعلّمه من السماء ؛ وأول إعلان عالمي يصدر إلى بنى البشر يأمر يمحو أمّيتهم ، ويأمر بأن يتعلموا المسلم القراءة والكتابة ؛ وأول بلاغ يدحض كذب المدّعين من اليهود والنصارى بأن الإنسان لا يعدو أن يكون حيوانا كقول أرسطو مثلا أو دارون .
ولقد رفض إبليس أن يطيع أمر اللّه بأن يسجد لآدم ، لبديع صنعه تعالى فيه ، بدعوى أن آدم من تراب ، والتراب أخسّ العناصر ، فيكون آدم وبنوه أخسّ المخلوقات ! والسورة تردّ على إبليس صاحب هذه الدعوى وعلى العلماء من حزبه ، وهي أول بلاغ علمي بأن الإنسان مخلوق من حيوان منوى ( علقة ) ، وما كان الناس أيام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( القرن السادس الميلادي ) يعرفون هذه الحقيقة ، وما كانوا يبصرونها أصلا ،
وما علموا بها إلا بعد اختراع الميكروسكوب في القرن التاسع عشر ، وهذا الإعلان الذي تضمنته السورة هو أول إعجاز علمي يطرحه القرآن ، وكأنه يعلن على البشرية أن الكتب السماوية قبله كانت أساطير بسبب تحريفها ، وأن هذا الكتاب ، أي القرآن ، ابتداء من هذه السورة ، سيكون كتابا للعلوم لسائر العصور ، ولكل الأزمان . وهذه الآيات الخمس الأولى تؤسّس لعلم الحضارة ، وتقيمه على القراءة والكتابة والعلوم ، وبهذه النعم الثلاث يكون اللّه تعالى بكرمه وإحسانه ، قد أكرم الإنسان كل الكرم ، وأخرجه من حالة الخسّة إل حالة الرفعة ، وهو ما حسده عليه إبليس ، وهذه الرفعة في الإنسان هي ما استوجب أن تسجد له الملائكة ، وما كانت تسجد لآدم كآدم ، فمن اسمه أنه من الأديم أي التراب ،
ولكنها سجدت للعلم ، كقوله تعالى :وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ( 31 ) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 32 ) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ( 33 ) ( البقرة ) ،
فكأن آدم تعلّم مباشرة عن اللّه ، وهو تعالى العليم الحكيم ، فصار هو أيضا عليما حكيما بالتبعية ، فذلك ما سجدت له الملائكة في آدم ، وهو أول درس يتعلمه محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكأنه آدم آخر ، وشتّان بينهما، فآدم الأول عهد اللّه إليه :فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً( 115 ) ( طه ) ،
وآدم الثاني - نبيّنا محمد صلى اللّه عليه وسلم - عهد إليه فأوفى ، وكان من أولى العزم ،
وأول الآيات التي تنزلت عليه كانت للعلم ، وكانت بمثابة المقدمة الضرورية ، وتلتها أربع عشرة آية ( السورة كلها 19 آية ) نزلت من بعد الخمس ، وتشكّل أول تعاليم الرسالة المحمدية ، فإن كان الرسول صلى اللّه عليه وسلم سيتعلم العلم عنه تعالى ، فإنما ليعلّمه بدوره وليس ليختزنه ، فالعلم المختزن هو العلم العقيم . ورسالة الإسلام :

إذن : هي التعليم ونشر العلم ، ومن يعلم العلم الحقّ يعبده تعالى ويوحّده عن حقّ . وأول سطر في الرسالة : أن الإنسان بعد أن خلقه اللّه وأضفى عليه من النّعم وكرّمه ، استكبر على ربّه وطغى ، فقد صار غنيا وذا مال ، فأشر وبطر ، ونموذجه في السيرة أبو جهل ، يقابله أبو بكر فقد تعلم ووعى الدرس فآمن وتواضع للّه وأنفق ماله في سبيل اللّه ، وشتّان بين النموذجين .
فلما أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالتبليغ قام خطيبا في عشيرته الأقربين ومنهم أبو جهل ، فسخر من النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وسخّفه ، ولما رآه يصلى نهاه ، والآية :أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ( 9 ) عَبْداً إِذا صَلَّى( 10 ) تعجب من حال أبى جهل ، ويصفه تعالى بالطغيان ، وكان يتباهى ويقول :
لئن رأيت محمدا يصلى لأطأنّ عنقه ! - وكان الأولى بهذا الدعىّ أن ينظر فيما أتى به النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وما ذا تعنى صلاته ؟ وما ذا يقول فيها ؟ وهل كان يحضّ على التقوى ؟
ولكنه أعرض عن أن يفكر ، وآثر إلا أن يكذب ، ورفض أن يسمع وتولّى ، وكل ذلك في أبى جهل ولكنه أيضا يسرى على كل من يؤذى المؤمنين ويعطل الدعوة ويقبّح الإسلام ، ويسجن الداعين ، ويحظر على المسلمين أن يأخذوا بالجانب الإيجابى من دينهم ، ويريدهم أن لا يروا في الإسلام إلا الجانب الطقوسى أو العبادي ، وأن يسقطوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والنصح بالتي هي أحسن ، والجهاد بالحوار والكلمة الطيبة ، إلا إذا أخرج المسلمون من ديارهم وأوذوا في دينهم فعندئذ فقط يتوجب عليهم أن يقاتلوا في سبيل اللّه .
واللّه ينذر الطاغية إن لم ينته سيأخذه أخذ عزيز مقتدر ، ومهما استنفر ناديه وعسكره وأنصاره فمآله الخسران . وتختم السورة بالأمر للنّبى صلى اللّه عليه وسلم خصوصا والمسلمين عموما ، في حالات الاضطهاد ، أن لا يطيعوا ما يدعوهم الطاغية إليه ، وأن يتوجهوا لربّهم دائما مصلّين ساجدين ، ويتقرّبوا إليه بالدعاء ، لعل اللّه يأتيهم بالفرج والخلاص .
والحمد للّه دائما وأبدا .

  * * *

679 . سورة القدر

السورة مكية ، وآياتها خمس ، وكان نزولها بعد سورة « عبس » ، وترتيبها في المصحف السابعة والتسعون ، وفي التنزيل الخامسة والعشرون ، وتتحدث عن نزول القرآن فيها ، وكأنما القرآن تنزّل سورة واحدة ، ويأتي في الآية :شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ( 185 ) ( البقرة ) ،
أنه تنزّل في رمضان ؛ وفي الآية :إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ( 3 ) ( الدخان ) : أنه تنزّل في ليلة واحدة وكانت لذلك ليلة مباركة ؛ وفي الآية :إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ( 1 ) ( القدر ) : أن هذه الليلة كانت ليلة القدر ، وقيل : كان نزول القرآن كالسورة الواحدة أو الجملة الواحدة ، من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، ثم كان جبريل ينزّله على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم نجوما نجوما ، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة .
وفي سورة القدر تتكرر « ليلة القدر » ثلاث مرات تشريفا وتعظيما لها ، وسمّيت « ليلة القدر » ، لأن اللّه تعالى يقدّر الأمور فيها إلى مثلها من السنة القابلة ؛ أو لأن الطاعات فيها لها قدر كبير وثواب جزيل ؛ أو لأن القرآن نزل فيها وهو الكتاب ذو القدر ، ونزل به ملك ذو قدر ، على رسول ذي قدر ، وأمّة ذات قدر ؛ أو لأن اللّه تعالى يقدّر فيها الرحمة على عباده .
وقوله فيها :وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ( 2 ) فكل وَما أَدْراكَ في القرآن يعنى « هو يدرى به » ، وهي استفهام بغرض التفخيم والتعظيم ؛ وفي أسباب نزولها ، قيل : إن رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح وجاهد في سبيل اللّه ألف شهر ، يعنى أكثر من ثلاث وثمانين سنة !
وهو قول يتّضح من أوله أنه من الإسرائيليات ، قيل : وعجب النبىّ والمسلمون من القصة ، وتمنّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأمته مثل ذلك العمر الطويل ، فقال : « يا ربّ ، جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا وأقلها أعمالا » ، وهذا قول آخر يثبت أن الحكاية ملفقة ومزوّرة على الإسلام ! قيل : فأعطاه اللّه ليلة القدر !
يسأل المسلمون اللّه فيها ما يشاءون ! يعنى يكون لهم ما يشاءون بالدعاء وليس بالكسب والتحصيل وصالح الأعمال ، وهو معنى ليس حسنا .
ومع كلّ فإن ليلة القدر على الصحيح من أكثر الليالي بركة لما اختصت به من الفضل من ثلاثة أوجه :
فهي أولا : خير من ألف شهر ، يعنى هي بكل أعمار الأمم الأخرى ، والعمل الصالح فيها بكل الأعمال الصالحة بها في ألف شهر ، يعنى أن يكون المسلم فيها فاعلا نشيطا إيجابيا ، وليس سلبيا يأخذ من غير استحقاق .
وقوله ألف شهر لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء ، كما في قوله تعالى :يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ( 96 ) ( البقرة ) ؛ وهي ثانيا : تتنزّل الملائكة والروح فيها بكل الأمور التي يقدرها اللّه ؛ وهي ثالثا : سلام على كل الناس من أول الليل حتى طلوع الفجر .
وفي موعدها قيل : هي الليلة السابعة والعشرون أو التاسعة والعشرون ، أو أنها في العشر الأواخر من رمضان ، وفي وتر ، ربما في الليلة الثالثة والعشرين ، أو الخامسة والعشرين ؛ وقيل هي تنتقل في العشر الأواخر ؛ وقيل :

لا تنتقل . وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ؛ وسألته عائشة : إن وافقت ليلة القدر ، فما أدعو ؟ قال : « قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى » أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة .
وليلة القدر من خصائص أمة الإسلام ، ولا وجود لمثلها في اليهودية ولا النصرانية ، وما ذكر شئ يقارنها في التوراة أو الأسفار أو الأناجيل ، ووجودها في رمضان لا غير وليس في كل السنة ، ورمضان هو الشهر الكريم ، وفي العشر الأواخر من أيام وداعه وليس في كل رمضان ، وفيها الاعتكاف ، وهو خصيصة أخرى من خصائص أمة الإسلام ، وما أكثر خصائص هذه الأمة وما أعظمها !
  * * *

680 . سورة البيّنة

السورة مدنية ، نزلت بعد سورة الطلاق ، وترتيبها في السور المدنية الرابعة عشرة ، وفي المصحف الثامنة والتسعون ، وفي التنزيل عموما المائة ، وآياتها ثمان ، وسميت « البيّنة » يعنى الدليل والبرهان ، من بان بيانا وتبيانا يعنى اتضح وظهر ، والبيان هو المنطق المعبّر ؛ وسمّيت السورة كذلك سورة « لم يكن » ، والتسميتان من قوله تعالى في بدايتها :لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ( 1 ) ،
والبيّنة التي اشترطوها ليؤمنوا ويتركوا الكفر هي القرآن ، بمعنى أن يكون للنّبى صلى اللّه عليه وسلم كتاب مثل كتابهم ، فهذا هو دليل نبوته ، ولقد جاءهم بالكتاب ، صحفه مطهّرة من الدنس ، لا ضلال فيها ، وكتبه أي السور التي اشتمل عليها ، والأحكام والمواعظ والقصص والعلوم والبراهين التي تضمّنها ، جميعها قيّمة ، فما آمنوا ، وعبر تاريخ أهل الكتاب فإنهم كانوا كلما بعث إليهم نبي كذّبوه واختلفوا فيه ، وكلما تنزّل عليهم كتاب افترقوا حوله ، فلما جاءهم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مصدّقا لما معهم أنكروه ، وما كان مطلوبه منهم إلا أن يعبدوا اللّه مخلصين له العبادة ، وأن ينصرفوا عن الزيغ والهوى ، ويتركوا المذاهب الباطلة ، والملل الضالة ، وأن يقيموا الصلاة وهي التي يصدق بها إيمانهم ، ويؤدّوا الزكاة التي تطهّرهم وأموالهم ، وتلك مقتضيات الديانة الحقّة . وتختم السورة بنذارة وبشارة ، فأما النذارة فللكافرين ، بأن مآلهم لجهنم ، لأنهم بكفرهم صاروا شرّ خلق اللّه ، وأما البشارة فللمؤمنين ، رضوا عن اللّه ورضى عنهم ، فمآلهم جنة الخلد ، وذلك جزاء كل من يخشى اللّه ويتّقيه حقّ تقاته .

ومن مصطلحات السورة : « أهل الكتاب » : وهم اليهود والنصارى ؛ و « المشركون » : قيل هم كفّار قريش بمكة ، والكفار عموما في المدينة ؛ وقيل المشركون وصف لأهل الكتاب ، لأنهم لم ينتفعوا بكتابهم وتركوا التوحيد ، فالنصارى مثلّثة ، وعامة اليهود مشبّهة ، والنصارى يعبدون على الحقيقة المسيح فسمّوا المسيحيين ، لأنهم المؤمنون به ، وسمّوا النصارى لأنهم أتباع عيسى الناصري ، أو لأنهم أنصاره ؛ واليهود ألّهوا شعبهم وأعظموا قدر أعراقهم ، وقالوا إنهم شعب اللّه المختار ، وحرّفوا التوراة ، ليمجّدوا فيها أنفسهم ، فهم عبدة أنفسهم ، وكل هؤلاء مشركون ؛
والحنيفية : هي ملّة إبراهيم ، الذي مال عن الضلال إلى التوحيد ، فأطلق عليه قومه اسم الحنيف ، أي الزائغ عن الحق ، كما أطلق كفّار مكة على النّبى صلى اللّه عليه وسلم اسم « الصابئ » ؛
ودين القيمة : اصطلاح أضاف الدين إلى القيمة من باب إضافة الشيء إلى نفسه ؛
وخير البرية وشرّ البرية : فيهما طباق وهو من وجوه البديع ، ومن ذلك المقابلة بين نعيم الأبرار وعذاب الفجّار .
جعلنا اللّه من خير البرية وأثابنا جنات الخلد ، اللهم آمين .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» الباب السادس موجز سور القرآن من 621 الى 640 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 681 الى 696 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 591 الى 600 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى