اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

16102023

مُساهمة 

الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Empty الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني




الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

641 . سورة الحشر

السورة مدنية ، نزلت بعد سورة البيّنة ، وآياتها أربع وعشرون آية ، وترتيبها في المصحف التاسعة والخمسون ، وفي التنزيل المدني الخامسة عشرة ، وفي التنزيل بعامة الواحدة بعد المائة ، وهي من السور الحربية ، وموضوعها غزوة بنى النضير ، ولذا سمّاها البعض سورة بنى النضير ، وتشتق اسمها « الحشر » من استهلالها بقوله تعالى :هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ( 2 )
والسورة تبرز مشاهد جلاء بنى النضير عن ديارهم :وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ . . .( 3 ) ،
وكأنهم في يوم الحشر وهم خارجون منها وقد حملوا متاعهم على الجمال ، ومنها الأبواب والأسقف وكل شئ ، وساروا على أقدامهم تتبعهم نساؤهم وأطفالهم .
والسورة من الإعجاز القرآني لأن « لأول الحشر » قد تعنى أن جلاءهم من تلك الأرض كان جلاء أبديا ، وأنهم لن يعودوا إليها حتى يوم الحشر الذي هو يوم القيامة ، وفي التوراة أن اليهود خرجوا من مصر وساروا مثل هذه المسيرة وكأنهم في يوم الحشر ، وسمى ذلك بالخروج ، وأطلقوا على السفر الثاني من أسفارهم اسم « سفر الخروج » ، وشاع عنهم مصطلح « الخروجExodus» ،
غير أنهم في سفر الحشر لم يكن خروجهم مجرد « خروج » ولكنه « إخراج » ، وفي المصطلح القرآني هو « جلاء » ، والجلاء : هو مفارقة الأوطان ، يقال جلا بنفسه جلاء ، وأجلاه غيره إجلاء . والفرق بين الجلاء والإخراج وإن كان معناهما في الإبعاد واحدا ، من وجهين : أحدهما أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد ، والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد . والوجه الثاني : أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة ، والإخراج يكون لواحد ولجماعة .
وتذكر السورة سبب هذا الجلاء :ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ( 4 ) ،
أي عادوه وخالفوا أمره ، وكانوا قد عاهدوا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم في أول الأمر ألا يكونوا عليه ولا له ،
أي على الحياد ، فلما ظهر يوم بدر قالوا عنه : هو النبىّ الذي نعت في التوراة فلا ترد له راية . فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا ، فخرج كبيرهم كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا قريشا على المسلمين ، وتعاهدوا عند الكعبة ، فقتل المسلمون كعبا ، قتله محمد بن سلمة الأنصاري ، وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش - وكان أخا لكعب ابن الأشرف من الرضاعة - وعبّاد بن بشر بن وقش - والحارث بن أوس بن معاذ ، وأبو عبس بن جبر ،
ثم صبّحهم المسلمون فأمروهم بالخروج من المدينة ، فقد كان بنو النضير من سكان ضواحيها ، وما كان من الممكن أن يستمروا في مجاورة المسلمين وقد بدروا بالعداوة ، ورفضوا النزوح وتنادوا بالحرب ، وتناوشوا مع المسلمين ولكنهم لم يقاتلوهم ، واستمهلهم الرسول عشرة أيام ليتجهّزوا للخروج ،
فدسّ إليهم المنافقون من اليهود من بني قريظة أن لا يخرجوا وسيكونون معهم ، يقاتلون لو قوتلوا ، وسيخرجون معهم لو أخرجوا ، وتدرب المسلمون أثناء ذلك على ما نسميه الآن بحرب المدن ، وفي أيام الرسول صلى اللّه عليه وسلم كان الأجدر أن تسمى حرب الأزقة ، واستمر تدريبهم إحدى وعشرين ليلة ، وكانوا ينقبون حصونهم من خارج ، واليهود يرممونها من داخل ، ويسدون الأزقة بالمتاريس ،
وكانت لهم أربعة حصون :
الوطيح ، والنّطاة ، والسّلالم ، والكتيبة ،
وكان اليهود في ذاك الزمان مثلهم اليوم أهل حلقة ،
وهذا مصطلح إسلامي ، ومعناه أهل سلاح ، وحصونهم منيعة ، وكانوا أهل حضارة فعلا ، ولمّا لجأ المسلمون إلى عقر نخلهم اعتبروا ذلك تخلّفا من المسلمين ،
وقال شاعرهم سماك اليهودي :
ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم * على عهد موسى ولم نصدف
وأنتم رعاء لشاء عجاف * بسهل تهامة والأخيف
ترون الرعاية مجدا لكم * لدى كل دهر لكم مجحف
فيا أيها الشاهدون انتهوا * عن الظلم والمنطق المؤنف
لعل الليالي وصرف الدهور * يدلن من العادل المنصف
بقتل النضير وإجلائها * وعقر النخيل ولم تقطف
وكان خروج النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إليهم في ربيع الأول ، أول السنة الرابعة من الهجرة . ومن الإسرائيليات أن النبىّ أمر بقطع نخيلهم وإحراقها وهذا كذب ، لأن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم نهى عن مثل ذلك ، وهناك أدبيات للحرب عند المسلمين استنّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، منها أن لا تقتل امرأة ولا طفل ،
ونفت الآية :ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ( 5 ) ( الحشر ) ،
فكما ترى كان هناك فريقان من المسلمين ، فريق تحمّس أكثر من اللازم وسارع بقطع النخيل ، وقالوا في تبرير ذلك ليغيظوهم ، وفريق لم ير ذلك ، لأن هذا النخل نفسه سيكون من نصيب المسلمين ، فليس معقولا أن يدمروه وكأنهم يعاقبون أنفسهم ، ونزلت الآية تحلّ من الإثم من قطع النخل ، وتصدق من نهى عن القطع ، وتقضى في الخلاف بين الفريقين بأن من نهى إنما نهى بإذن اللّه ، ومن قطع فإنما قطع بإذن اللّه ، يعنى أن كلا منهما كان يصدر فيما ذهب إليه بدافع المصلحة وغيرة على الإسلام .
وأما بنو النضير فقد توجهوا بعد الخروج وجهتين ، فجماعة ذهبوا إلى فلسطين ، وجماعة رحلوا إلى خيبر وانضموا إلى اليهود فيها ، ومن أكابر هؤلاء كان حيى بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق ، وكنانة بن الربيع ، فأما حيى فكان والد صفية بنت حيى التي سباها المسلمون وبنى بها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وقيل إنه تزوجها .

وسورة الحشر من السور التي اهتمت بتحليل الشخصية اليهودية وتضرب بسهم كبير في إنشاء علم نفسي جمعى مداره اليهود . وكانت بداية السورة بتمجيد اللّه وتنزيهه وإبراز عزته وحكمته كقوله تعالى :سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( 1 ) ،
والآية عبارة عن مقدمة للموضوع ، وكلماتها تنبئ عن ذلك الموضوع ،فاللّه له العزة وله الحكمة ، وقد أخرج اليهود إخراجا أبديا لن يعودوا بعده إلى تلك الديار حتى يوم الحشر ، ذلك لأن إيمانهم بأنفسهم وليس باللّه ، وقد ظنوا قديما أن حصونهم مانعتهم من قدر اللّه ، مثلما ظنوا اليوم أن خط بارليف يمنعهم من قدره ، فهذه أول صفة فيهم ،
فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا ، والذي لم يحتسبوه هو ذكاء الآخرين ، لأنهم يظنون أنهم الشعب المختار ، والصفوة ، وغيرهم أغيار أميّون ، وتمثّل هذا الذكاء في ضرب قياداتهم في مقتل ، فلمّا قتل كعب بن الأشرف صاروا جسدا بلا رأس .
والصفة الثانية : أن اليهود بهم جبن غريزي ، والجبن لا يكتسب ولكنه طبعى ، والمسلمون عرفوا فيهم الجبن فحاربوهم بالرعب ، وفي الحديث عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « نصرت بالرعب بين يدىّ مسيرة شهر » ، يعنى أنه بالرعب خلال شهر واحد هزمهم نفسيا .
وثالث هذه الصفات : أن مقولة شمشون : « علىّ وعلى أعدائي » تصدق عليهم دائما ، كالفأر إذا احتبس عن طريق ذيله ، فإنه يقضمه ، وكذلك الأبرص والسحلية ، وهو فعل اليهود دائما ، كقوله تعالى :يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ( 2 ) ،
ففي التاريخ اليهودي يزعمون أن أول انتحار جماعي لهم كان بعد عبادتهم للعجل ، فأمروا أن يقتلوا أنفسهم وأصحابهم وأقاربهم ، وقام بنو لاوى بتلك المهمة ، فسقط من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف ( الخروج 32 / 27 - 28 ) ،
وجاء عن ذلك أو نحوه في القرآن :فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ( البقرة 54 ) .
وقيل إنه في قلعة الماسادا آثر 960 من الرجال والنساء اليهود أن ينتحروا انتحارا جماعيا ولا يقعون في الأسر مخافة التعذيب .
والذين نافقوا كقوله تعالى :أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ( 11 ) هم إخوان اليهود وليسوا منافقى المدينة كعبد اللّه بن أبىّ بن سلول كما تقول كتب التفسير ، فابن سلول ليس أخا لهم ، وإنما « إخوانهم » يهود بني قريظة ، ولأنهم منافقون فإن المسلمين هزموهم بالقتل ، بينما هزموا يهود بنى النضير بأن أجلوهم عن ديارهم على أن يصحبوا معهم ما تستطيع الإبل أن تحمله ، والقرآن يشهد بنفاقهم ، وأنهم يعدون ويخلفون ، ويخذلون من يعاهدون ،
ومن دأبهم الفرار في الحرب ، لأن الحياة عندهم أكبر من أي شئ ، وفي سفر المقابيين من أسفارهم ، وسفر يشوع ، حشدوا أنواع من بسالاتهم وشجاعتهم وهم كاذبون ، والسورة حسمت الأمر فيهم وقررت أنهم يرهبون المسلمين أشد من رهبتهم من اللّه ، وأنهم لا يفقهون ، وقتالهم في قرى محصنة أو من وراء جدر ، وبأسهم بينهم شديد ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ، وهم لا يعقلون ، ومثلهم مثل من قبلهم أي بنى قينقاع ، وهم يهود أيضا ، أمكن اللّه المسلمين منهم قبل بنى النضير ، وهؤلاء أمكن اللّه منهم قبل بني قريظة -، وكان بين هزيمة هؤلاء وهزيمة هؤلاء سنتان ،
وكانت وقعة بدر قبل غزوة بنى النضير بستة شهور ، وشبّهت السورة حال اليهود من بني قريظة بحال الشيطان ، أرادوا غواية بنى النضير ليستمروا يقاتلون ، فكان عاقبتهما شرّ الهزائم ، كالشيطان ومن يغويه ، مصيرهما إلى النار ،
وفي الآية :نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ( 19 ) أن اليهود وقد نسوا حقّ اللّه أنساهم حقّ أنفسهم ، ونسوه في الرخاء ، فنساهم في الشدائد .

وفي السورة بيان عن وجوب السنّة في قوله تعالى :وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( 7 ) ، فكل ما أمر به النبىّ فيما ورد عنه من الأحاديث الصحيحة فهو أمر من اللّه تعالى ، وقد حكم الرسول في هذه السورة أن يقسم الفيء إلى خمسة مصارف خصّ بها المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر محتاجين ، منهم : أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصّمة .
وهؤلاء جميعا كانوا فقراء ووزعت عليهم أموال بنى النضير إلا اثنين ، هما : سفيان بن عمير ، وسعد بن وهب لم يكونا قد أسلما .
وجاء في تخصيص الفيء للفقراء من المهاجرين :كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ( 7 ) ، أي حتى لا يتداول المال ويحصر بين الأغنياء ويحرم منه الفقراء ، فيزداد الأغنياء غنى ، ويزداد الفقراء فقرا ، وتتسع الهوة بين الطبقات ، وهذه هي اشتراكية الإسلام ، وقوامها التقريب بين الدخول . وخصّ المهاجرون لأنهم أخرجوا بسبب الإسلام من أموالهم وديارهم ، وتلك أكبر علامة على صدق إيمانهم . ولم يكن الأنصار أقل إيمانا ، فقد كان منهم جماعة أسلموا قبل هجرة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وهؤلاء لا يحسدون المهاجرين على ما أخلصهم اللّه ، ويؤثرون على أنفسهم مع شدّة حاجتهم .
و « الإيثار » في السورة من مصطلحات علم النفس الإسلامي ، وهو تقديم الغير على النفس رغبة في الحظوظ الدينية عن الحظوظ الدنيوية ، وتدفع إليه شدة اليقين .
و « الإيثار بالنفس » فوق « الإيثار بالمال » ، ومن الأمثال السائرة : « والجود بالنفس أقصر غاية الجود » . ومن أمثال السورة قوله تعالى :وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( 9 ) ، والشّح أشد من البخل ، والشّح بخل مع حرص ، والشح في الآية أن تؤثر نفسك على أخيك ، والشح من مصطلحات الطب النفسي ، والشحيح نمط من أنماط الشخصية ، والشح إطلاقا هو الظلم واتباع الهوى ، والميل عن الإيمان ، وترك الفرائض ، و « من يوقى شح نفسه » هو الذي لا يفعل ما حرّم اللّه ونهى عنه . ويتجاوز الثناء في السورة إلى التابعين ، وهم الفرقة الثالثة من فرق مجتمع المدينة بعد المهاجرين والأنصار ،
كقوله تعالى :وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا( 10 ) ، وهذا الدعاء دليل على وجوب محبة الصحابة ومحبة من يحبهم .
وتختتم السورة ببيان عظمة هذا القرآن الذي لم يفرّط في شئ ، وأنه لو خوطبت به الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه ، وخشعت لوعده ، وتصدّعت لوعيده ، بينما الإنسان لم تظهر له خشية ، ولا تبدو عليه رهبة .
والخطاب في الآية :لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ( 21 ) هو خطاب لكل الناس وللإنسان عموما .
والقرآن هو كتاب اللّه ، ومن يتّعظ بالقرآن فلا بد أن يؤمن باللّه ، وقد يسأل السائل : وما اللّه ؟ والجواب تورده الآيات :هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ( 22 ) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 23 ) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( 24 ) ، والغيب والشهادة : هما الآخرة والدنيا ؛ والرحمن : الذي وسعت رحمته كل الناس ؛ والرحيم : يؤتى رحمته المؤمنين أكثر من غيرهم ؛ والقدّوس : المنزّه عن كل نقص ، والطاهر عن كل عيب ؛ والسلام : الذي يسلم من كل نقص ؛ وسلم العباد من ظلمه ، ويسلّم على عباده في الجنة ، كما في قوله :سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ( 58 ) ( يس ) ؛ والمؤمن : هو الذي يصدق ما وعد ، ويؤمن عذابه وظلمه ، والذي وحّد نفسه وشهد على نفسه أنه واحد ؛ والمهيمن : الذي له الهيمنة والسلطة والنفوذ ؛ والعزيز : الذي يعزّ على الكافرين أن ينالوه بشيء ، ويغلب لا يغلب ؛ والجبّار : الذي له السطوة ، والذي يجبر الكسير ويغنى الفقير ؛ والمتكبّر : الذي يتكبّر بربوبيته فلا شئ مثله ، والكبر في صفات اللّه مدح ، وفي صفات المخلوقين ذمّ ؛
والقادر :
أي المقدّر ؛ والبارئ : المنشئ ؛ والمصوّر : المبدع ، يقال : اللّه مصوّر آخرا ، وقدير أولا ، وبارئ بينهما ؛ والأسماء الحسنى : هي الدالة على محاسن المعاني . وهذه الأسماء هي التي جعلت لخواتيم سورة الحشر هذه البركة المشهورة بها .
ومن مصطلحات السورة : اللّينة : وهي النخلة عندما لا يكون تمرها لم ينضج بعد ؛ والتبوّؤ : التمكين ، والمدينة مثلا تبوأت بالإيمان والهجرة ، وغيرها من القرى افتتحت بالسيف ؛ وأهل القرى : القرى هي : النضير ، وقريظة - وهما بالمدينة ؛ وفدك وهي بين المدينة وخيبر ؛ وقرى عرينة وينبع ؛ وهذه جعلت خمسة أسهم ، للّه وللرسول صلى اللّه عليه وسلم منها الخمس ، والخمس مردود فيهم ، وما خلفه من المال لا يورث .
وكان ينفق من الخمس على عياله ولا يتأثل ، يعنى لا يجمع مالا ، وإنما يأخذ بقدر حاجة عياله ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين واللّه أعلم .

  * * *   

642 . سورة الممتحنة

هي الممتحنة ( بكسر الحاء ) ، لأنها تمتحن إيمان الناس فإما أن يبرّءوا ، وإما أن يفضحوا ، : ولذلك سميت : سورة براءة ، والسورة الفاضح ؛ وهي أيضا الممتحنة ( بفتح الحاء ) : لأن موضوعها المرأة التي تهرب من بلاد الحرب إلى بلاد الإسلام ، مهاجرة من أجل دينها . والسورة مدنية ، لبيان أحكام موالاة الأعداء حتى لو كانوا من الأهل والأقارب ، وأحكام من لم يعادوا المسلمين ، وأحكام مهاجرة النساء ووجوب امتحانهن عند الهجرة للتأكد من حقيقة إيمانهن ، وصيغة مبايعة النساء .
وترتيب السورة في المصحف هو الستون ، وفي التنزيل المدني هي الخامسة ، وفي التنزيل عامة هي الواحدة والتسعون ، وكان نزولها بعد سورة الأحزاب ، وفي أسباب نزولها : أن حاطب بن بلتعة - وكان رجلا من أهل اليمن ، وله حلف بمكة في بنى أسد بن عبد العزيز ، كتب كتابا إلى قريش بمكة يحذّرهم فيه مما أعدّ لهم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لفتح بلدهم ، وسلّم الكتاب لامرأة من مكة كانت مولاة لعمرو بن صيفي بن هشام ، وطلب إليها أن تسلّمه إلى مولاها ، ومنحها أجرا لذلك عشرة دنانير وبردا وكانت المرأة قد التقت بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم وسألها عن سبب حضورها ، وعرف أنها لم تأت مهاجرة ولا مسلمة وإنما لترتزق ، وكانت مغنية ، ولمّا رحلت فجأة شكّ فيها ، فأرسل وراءها عليا وآخرين ، وأحضروا الكتاب الذي كان معها ، فعرف نفاق بلتعة ، وذاعت خيانته ، ودافع عن نفسه أنه أراد تملّق كفّار مكة ليحموا قرابته فيها ، وأنه لم يفعل ما فعل كفرا ولا ارتدادا عن الإسلام . ونزلت السورة تنهى عن مودة أعداء اللّه والرسول صلى اللّه عليه وسلم ،
وأعداء الإسلام ، وتعلن أن هناك آخرين بين صفوف المسلمين من أمثال بلتعة يعلمهم اللّه ، وتحذّر السورة من الطابور الخامس ، ومن عملاء الداخل ، وتخاطب المؤمنين بعامة ، لعلهم يعوا النصيحة وينصاعوا للأمر ، سواء في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو بعد ذلك ، تقول :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ( 10 ) ولقد عفا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم عن بلتعة ، ففهم المسلمون من ذلك أن هناك فرقا بين الجاسوس الحربي - وهذا جزاؤه القتل ، والجاسوس المسلم أو الذمىّ ، وهذان يعاقبان .
ولقد حدث أن جاسوسا للمشركين - وكان مسلما - ضبط في المدينة ، اسمه فرات بن حيّان ، فكان أول جاسوس مسلم في التاريخ ، فحكم عليه بالقتل ، فلمّا همّوا بقتله صرخ : أأقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه ؟ ! فأمر به النبىّ فعوقب بغير القتل ، وخلّى سبيله .
وآية :لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِأصل في النهى عن موالاة الأعداء حتى لو كانت موالاة في الظاهر ، وحذّرت الآية منه فقالت :وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ( 1 ) وبيّنت أسباب هذا النهى في قوله :إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ( 2 )
يعنى إن تمكنوا منكم ، فظفروا بكم ، وواتتهم الفرصة عليكم ، فلن يفرّطوا فيها وسيسفرون عن عدائهم لكم ، ويمتد إليكم عدوانهم ، وستطولكم ألسنتهم وإذاعاتهم وصحفهم ، يودون لو تتخلوا عن مبادئكم وعقيدتكم ، فلا تناصحوهم فإنهم لا يناصحونكم . وبيّنت السورة بقوله تعالى :لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ( 3 )
أن القرابة والنسب والصحبة والمودة في هذه الحياة لن تنفع الناس يوم القيامة ، فلا توالوا أعداء الحق باسم هذه العلائق ، وضربت المثل بإبراهيم عليه السلام والذين معه ، فقد تبرءوا من قومهم ومما يعبدون لما ظهر أنهم كافرون ، كقوله :قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ( 4 )
حتى أن إبراهيم تبرّأ من أبيه ، وكان قد وعده أن يستغفر له ربّه ، فكان وعده له استثناء منقطعا ، فلما تبيّن له إصراره استغنى باللّه عنه وعن قومه جميعهم ، ودعا ربّه فقال :رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ( 4 ) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( 5 ) وتحضّ الآية على اتخاذ إبراهيم أسوة حسنة ، يقتدون به ويتأسّون .
وفي السورة قوله تعالى :لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ( 8 ) ( الممتحنة ) استثناء مما سلف ، ونهىّ عن معاداة غير الأعداء ، بل والبرّ بهم وصلتهم ، كقوله تعالى :عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً( 7 ) .
وهذه السياسة التي ينصح القرآن بها المسلمين في الحرب والسلم ، هي التي دعت الكثيرين إلى اعتناق الإسلام بعد فتح مكة ، بل إن الرسول ليهادن أعداء الإسلام تزوّج من أم حبيبة بنت عدو الإسلام أبي سفيان ليتألّفه ، وتزوج صفية بنت حيىّ بن أخطب رأس اليهود ليتألّف اليهود ، وتزوّج جويرية بنت الحارث ابنة رئيس بنى الحارث ليدخل أهلها الإسلام ، وبالإضافة إلى ذلك أن زواجه منهن كان مساعدة لهن ، وحماية لهن في غربتهن ، وبذلك ثبت أن الإسلام لا يعادى إلا من يسفرون عن عدائهم للمسلمين ، ويوالى من يوالونهم ، كقوله :إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ( 9 ) ، فحددت الآية في ثلاثة أمور من تجب عدم موالاتهم من غير المسلمين ،
وهم أولا : الذين يجاهدون المسلمين على دينهم ؛
وثانيا : الذين يستولون على بلادهم ويطردونهم من بيوتهم ، ويتلفون أراضيهم ؛
وثالثا : الذين يعاونون على كل ذلك سواء بالمشاركة فيه أو بالموافقة عليه .

ثم تنتقل السورة إلى مناقشة أمر آخر يتعلق بأمور الموالاة ، وهو هجرة نساء العدو إلى بلاد الإسلام ، طلبا للإسلام ، وكان منهن زمن الرسول صلى اللّه عليه وسلم : سعيدة بنت الحارث الأسلمية - زوجة صيفي بن الراهب ، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط - زوجة عمرو بن العاص وكان وقتها من حزب الكفار ، وأميمة بنت بشر - زوجة ثابت بن الشمراخ ، فنزلت آية امتحان النساء ، تقول :إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ( 10 ) ،
فأوجبت امتحانهن ، عسى أن يكن يردن الإضرار بأزواجهن والفرار منهن ، بترك البلاد إلى المدينة ، فأمر المسلمون أن تستحلف المهاجرة باللّه بأنها ما خرجت من بغض زوجها ، ولا رغبة من أرض إلى أرض ، ولا التماسا للدنيا ، ولا عشقا لرجل من المسلمين ، بل حبا للّه ولرسوله ، فإذا حلفت ردّ الرسول صلى اللّه عليه وسلم مهرها لزوجها الكافر . وما أنفق عليها ، ولم يردّها ، وكذلك يطلّق المسلم المرأة الكافرة ، ويحصل على ما أنفق عليها ، فذلك قوله تعالى :فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا( 10 ) .
ولمّا فتحت مكة قدم النساء ، يبايعن الرسول صلى اللّه عليه وسلم على الإسلام ، فنزلت آية مبايعة النساء تقول :إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ( 12 ) ،
فهذه الأركان الستة هي أركان النهى بالنسبة للنساء ، وعلى أساسها تتم البيعة . و « قتل الأولاد » : هو ما يعرف بالوأد ؛ و « افتراء البهتان بين اليدين والرجلين » : هو الحمل من غير الزوج وأن تنسبه إليه .
وهذه الأركان الستة بخلاف أركان الإسلام الستة، وهي : الشهادة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحجّ ، والوضوء والاغتسال.
ومناهى النساء أكدت عليها الآية لأن الكثير من النساء كن يرتكبنها ، فخصّتها الآية بالذكر.
وختمت السورة بمثل ما بدأت به من التحذير من موالاة أعداء اللّه ، فتناسق الكلام في البدء والختام ، فكان نعم البدء ونعم الختام . واللّه سبحانه وتعالى الموفّق للصواب .
  * * *

643 . سورة الصف

السورة مدنية ، نزلت بعد التغابن ، وآياتها أربع عشرة ، وترتيبها في المصحف الواحدة والستون ، وفي التنزيل المدني الثالثة والعشرون ، وفي التنزيل عامة هي التاسعة بعد المائة ، وكان نزولها في وقت كان المسلمون فيه قد فرض عليهم القتال دفاعا عن دينهم ، وعن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وبيوتهم وبلادهم ، ولذلك كان مدارها القتال ،
وجاء تعليم اللّه تعالى للمسلمين أن يكونوا في مواجهة أعدائهم صفا واحدا كالبنيان :إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ( 4 )
يستحيل عليه اختراق تماسك جماعتهم ، والترويج لإشاعة الفرقة بينهم ، وضرب جبهتهم الداخلية ، ولا يمكن أن تخرج أهداف أي جيش عن طلب النصر والفتح ، فهذان ما يحب أن يحققه كل جندي ، وينشده أي قائد ، ومنهج القرآن لبلوغ هذه الغاية : هو تربية الجماعة على أن تقول ما تفعل ، وأن لا تعد إلا بما في استطاعتها أن تفعله ، ولا تأخذ على عاتقها أن تقوم بأي عمل إلا ما كانت تقدر عليه .
ومنهج الإسلام في التربية : أساسه الإيمان باللّه ، والثقة فيه ، والتوكل عليه ، والاعتقاد بأنه الهادي ، وأنه لا يمكن أن يتخلّى عن المؤمنين ، وتصديق النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، والطاعة له كرسول وقائد ومعلم ؛ ومحصلة ذلك : أن يجاهد المؤمنون كما طلب منهم ، طالما كان الجهاد بأمر النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وطاعة للّه تعالى ؛
والجهاد نوعان : بالنفس وبالمال ، ومن يأخذ بهذا المنهج فهو الرابح في تجارته ، فقد اشترى آخرته بدنياه ، وضمن الدنيا والآخرة ، وتحقق له الفوز ، ولنا في نبيّين مثل نبيّنا أسوة ، فبنوا إسرائيل آذوا موسى أشد الأذى ، مع أنهم علموا أنه رسول اللّه إليهم ، وضلّوا عن السبيل فأضلهم اللّه ، ثم أرسل إليهم عيسى ، مصدّقا للتوراة ، ومبشرا بنبىّ بعده اسمه أحمد ، فجحدوه وافتروا على اللّه الكذب ، والنبيّان كانا من أولى العزم ، وقوبلا بما قوبلا به ، يريد اللّه بقصتيهما أن يسرّى عن نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم ويسلّيه ، ويرفع معنويات المسلمين ، واللّه لا يمكن أن يحقق للكافرين النصر ، وإنما النصر والفتح للمؤمنين ، ولا يمكن أن تتاح للكافرين فرصة أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ، يعنى يفشّلوا دعوته إلى الحق بما يذيعون من افتراءات وأكاذيب وتخرّصات وإشاعات ، ودين اللّه هو الظاهر حتما ولو كره الكافرون .
والسورة تحفل بالمصطلحات والصور البلاغية والأمثلة والحكم ، ومن ذلك اسم أحمد ، وهو اسم نبيّنا ، بشّر به عيسى ، وكانت لنبيّنا أسماء عدة ، وفي الصحيح عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « لي خمسة أسماء » ، ذكر منها محمد ، وأحمد ، ولم يذكره عيسى باسم محمد ، لأن حمده لربّه كان قبل حمد الناس له ، فهو أحمد أولا لأنه دائم الحمد للّه ، ثم هو محمد لأن الناس صارت تحمد خصاله وخلقه .

وفي الحديث أيضا : « اسمى في الإنجيل أحمد ، واسمى في القرآن محمد » ، وهما اسمان منقولان من صفة ، وكل الأنبياء حامدون للّه ، ومحمودون من الناس ، إلا أن أحمد صيغة أفعل التفضيل ، فنبيّنا أحمد الحامدين ، أي أكثرهم حمدا ، وهم محمودون ولكنه محمد ، كالفرق بين الممدوح والممدّح ، ونبيّنا قبل البعث كان أحمد ، وصار بعد البعث محمدا ؛ وأما مصطلح « التجارة » في قوله :هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ( 10 ) فقد شبّه به الإيمان ، فجعل المعنى المجرد محسوسا ، وجاء التشبيه بالتجارة مما كان يمتهنه أهل مكة والمدينة ، كقوله :إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ( التوبة 111 ) ، وقوله :الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ( البقرة 16 ) ،
وقوله :وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا( النحل 95 ) ؛ ومصطلح آخر معناه من الإنجيل ولكن مبناه قرآني بحت ، وهو « أنصار اللّه » و « الحواريون » والاثنان في الإنجيل بلفظ « تلاميذ المسيح » ، والتلميذ يقصر عمله على التعلّم ، ولكن النصير هو الذي ينصر ، والحوارى هو الذي يحاور ويسأل ليصل إلى الحقيقة ، فهذا هو عمله ، فمثل ما هو يتعلم فإنه يعلّم ، فالمصطلح العربي أوسع وأفضل ، وهكذا كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فهؤلاء ناصروه بالنفس والمال والأهل والولد ، وهاجروا معه ، ثم هم تلقوا عنه وكانوا مبلّغين ومعلمين وفقهاء وعلماء .
ومن المصطلحات كذلك في السورة « عيسى بن مريم » ، أكد على بنوّه لمريم ، إنكارا لقول النصارى أنه ابن اللّه ، أو كما يدعونه الربّ ؛ وافتتاح السورة بقوله تعالى :سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تمجيد للّه وتنزيه له ، قيل هو تسبيح مقال وليس تسبيح دلالة ، أي بظهور آثار الصنعة على المخلوقات ، فلو كان تسبيح دلالة لما قال اللّه تعالى :وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ( الإسراء 44 ) ، وإذن فهو تسبيح مقال أو كلام ؛
وقوله تعالى :لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ( 2 ) سؤال توبيخ : فليس أمقت عند اللّه من أن نقول ما لا نفعل ، وأن نعد بما لا ننجز ، ومن يلتزم بشيء يلزمه شرعا ، والسؤال حجّة في ذمّ المنافقين ، وهم هذا النمط من الناس الذين يشكون اضطرابا في الشخصية ويقولون ما لا يفعلون ، والوفاء بالعهد أو بالوعد أو بالنذر من الإيمان ، وهو آية المؤمن ؛ ومثله سؤال موسى لقومه :لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ؛
والسؤال - كما ترى - سؤال تعجّب ؛ يتعجب أنهم يؤذونه رغم علمهم أنه رسول اللّه كقوله تعالى :وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ( 7 ) ،
وهو سؤال بمعنى النفي ؛ وكذلك السؤال :هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ( 10 ) ، وهو استفهام للتشويق . وفي السورة أسباب كثيرة للتنزيل ضمّناه « باب أسباب النزول » ، فنرجو الرجوع إليه ، كما أن فيها عبارات كثيرة تصلح أمثالا وحكما ، ضمّناها أيضا « باب أمثال القرآن » ، وللّه الحمد والمنّة ، وبه التوفيق والعصمة .

  * * *

644 . سورة الجمعة

السورة مدنية ، وآياتها إحدى عشرة آية ، منها تسع آيات كمقدمة لموضوع السورة ، وثلاث آيات عن يوم الجمعة والصلاة فيه . وترتيب السورة في المصحف الثانية والستون ، وفي التنزيل المدني الرابعة والعشرون ، وفي التنزيل عموما السادسة والثمانون ، وكان نزولها بعد سورة الحج ، ويأتي اسمها من قوله تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ( 9 )
فدلّ ذلك على أن الخطاب في السورة للمكلّفين ، ما عدا المرضى والزمنى ، وأصحاب العاهات ، ومن هم على سفر ؛ ونداء الصلاة يوم الجمعة ، هو اختصاص بوجوب صلاة الجمعة على أهل المصر ، وأنها لا تجب إلا بالنداء أي بالأذان ، ولا يكون النداء إلا بدخول الوقت . وصلاة الجمعة فرض عين على كل مسلم ؛ والسعي لها واجب مطلقا من غير شرط ؛ والغسل لها أفضل من الوضوء ،
والذكر في الآية : هو الخطبة والمواعظ والصلاة ، وجميعها واجبة فيها ، كقوله :فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً( 10 ) ،
وفضله تعالى : هو طلب الرزق ، أو طلب العلم ، أو زيارة الأهل والمرضى ، وصلة الأرحام ، وحضور الجنائز . . . إلخ ؛ و « ذكر اللّه » : بالطاعة واللسان ، وبالشكر .
وفي مناسبة الآية :وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً( 11 ) : أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كان يخطب ، وإذا بالطبل يدق معلنا قدوم تجارة من الشام لدحية الكلبي ؛ فيها ما يحتاجه الناس من برّ ودقيق وغيره ، فخرجوا يشترون ، فلهتهم عن الصلاة ، ولم يبق منهم في المسجد إلا ثمانية ، أو أحد عشر ، وقيل ربما كانوا أربعين ؛ وثبت أن من بين الذين لم يخرجوا كان : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلىّ ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن زيد ، وبلال ، وعبد اللّه بن مسعود ، وجابر ، فهؤلاء أربعة عشر .
وقيل إنه صلى اللّه عليه وسلم كان يصلى الجمعة أولا ثم يخطب ، فكان خروجهم بعد الصلاة وليس قبلها . وقيل إنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات ، فكانوا في كل مرة يتسللون ، فنزلت الآية :قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً( النور 63 ) ، وكان السبب في كل مرة هو قدوم عير من الشام موافقة ليوم الجمعة .

والجمعة يمكن أن تنعقد باثنين ، وبثلاثة ، وباثني عشر ، ولا اعتبار للعدد في القرى ، حتى لو كان فيها ثلاثة .
والخطيب في الجمعة يخطب واقفا ، لقوله تعالى :وَتَرَكُوكَ قائِماً، ويروى أن أول من خطب قاعدا كان معاوية لكبر سنّه ، وخطب عثمان قائما حتى رقّ فخطب قاعدا ، وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يخطب قائما ، ثم يقعد ، ثم يقوم ، وإذا قعد لا يتكلم .

وتبدأ سورة الجمعة بالشكر للّه والحمد له وتوحيده ، وتذكّر المسلمين أنهم كانوا أمة أميّة ، فأرسل إليهم رسولا منهم يعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم ، وذلك من فضله تعالى عليهم وعلى غيرهم ممن سيأتون من بعدهم من أمة الإسلام في قابل الأيام ، فلا ينبغي لهم أن ينسوا كما نسي اليهود ، فلمّا حمّلوا التوراة لم يعملوا بها لأنهم لم يفقهوها ، وكانوا كالحمار يحمل كتبا على ظهره ولا يعرف ما فيها ولا يفهمها ، وتعلّل اليهود بأنهم أبناء اللّه وأولياؤه ، وأنهم الصفوة التي اختارها لعبادته فاختصّوه بالتوحيد ، واختصهم بالعبودية ، فلو كانوا أحباب اللّه لتمنّوا الموت لتكون لهم الجنة وهي خير من الأرض ، ولكنهم لا يتمنونها أبدا لأنهم يعرفون أنهم ظالمون ، ولقد ظنوا أن ربّهم يرضى عنهم لو جعلوا السبت عيدا لهم ، يستريحون فيه ويتبطّلون عن كل عمل ، لأنه - بدعواهم - هو يوم اللّه ، فلقد عمل ستة أيام خلق فيها العالم ، فلما انتهى منه استراح في السابع وهو يوم السبت ، وقدّسوا السبت لذلك ، وجعلوه عيدهم الديني والقومي .
وقلّدهم النصارى وخالفوهم ، فجعلوا الأحد عيدهم ، ولكنهم لم يجعلوه يوم راحة بل يوم خدمة وتعبّد ، وضلّ هؤلاء وهؤلاء عن يوم الجمعة .
والمسلمون وإن كانوا آخر أمّة في التنزيل إلا أنها الأولى في العبادة ، وهداهم اللّه ليوم الجمعة عيدا دينيا وقوميا لهم ، وبه تكون لهم هوية ، وبدونه تنتقص هويتهم .
وتنطق الجمعة بتسكين الميم ، أو بضمها فيقال الجمعة ، تثقيلا وتفخيما ، وجمعهما جمع وجمعات ، ومعنى أنه يوم جمعة أنه يوم اجتماع ، وفي الأدب الشعبي أنه الجمعة لأن اللّه جمع فيه خلق آدم وخلق كل شئ ، فاجتمعت فيه المخلوقات ، أو أنه الجمعة لتجتمع فيه الجماعات ، أو لاجتماع الناس فيه للصلاة .
وأصحاب الفضل الأول في اتخاذ يوم الجمعة عيدا ، وتسميته بيوم الجمعة هم : الأنصار ، فقد حاوروا اليهود في المدينة ، وكان اليهود يعتبرونهم أغيارا ، يعنى من الأمم أو الجويم بالعبرية ، بينما اليهود هم الصفوة والمختارون ، وهم شعب اللّه ، وهذا الإحساس القومي اليهودي أزكى الإحساس القومي العربي عند الأنصار ، وهو ما دفعهم أيضا إلى اعتناق الإسلام لأنه دين عربى خالص ، وكانوا اثنى عشر رجلا ، ولكنهم أرادوا أن يكون لهم يوم يجتمعون فيه ويصلّون ، ويشكرون للّه ، فاتخذوا اليوم القومي للعرب - وهو يوم العروبة - عيدا لهم ، ثم اشتهر عندهم بيوم الجمعة ، فأطلقوا عليه هذا الاسم ، وكان ذلك قبل أن يهاجر الرسول صلى اللّه عليه وسلم .
وكان كعب بن لؤي أول من سمّاه يوم الجمعة ، وأول من جمع المسلمين فيه ، وعاونه أسعد بن زرارة ، وصلّيا بالناس ركعتين وارتجل كعب كلمة ذكر فيها اللّه وحمده وكبّره ، واحتفل سعد بهم وأو لم لهم .
وكان مجىء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من مكة يوم الاثنين ، الثاني عشر من ربيع الأول ، حين اشتد الضحى ، ومن تلك السنة بدأ التاريخ الإسلامي الهجري ، وأقام النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بقباء وبدأ يبنى المسجد ، وخرج يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بنى سالم بن عوف في بطن واد لهم اتخذوا فيه مسجدا ، فجمع بالناس وخطب ، فكانت أول جمعة للرسول صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة ، اليوم السادس عشر من ربيع الأول ، وأول خطبة له في المدينة ، وكانت ثاني جمعة له في قرية قرب المدينة يقال لها جواثى .
ونزلت سورة الجمعة تخاطب المؤمنين ، وتخصّهم بيوم الجمعة عيدا لهم ، وفي الحديث : « فاليوم لنا ، وغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى » ، وفيه أيضا : 
« نحن الآخرون الأولون » يعنى إن كنا آخر أمة ، إلا أننا أعطينا أول يوم وهو الجمعة ، وظلت أسماء أيام الأسبوع الأخرى كما هي ، وإن كان فيها أن الأحد هو أول يوم من أيام الأسبوع .
ومن مصطلحات السورة : « الأميون » وواحدته « الأمّى » ، ويوازى في العبريةnokhriأوgoi، والأميون هم الأغيار أو غير اليهود ، وفي القرآن الأميون هم العرب ، من كان منهم يكتب ومن لم يكن يكتب ، وهم أميون لأنهم ليسوا أهل كتاب ، في حين أن الأمية في العبرية تفيد أنهم ليسوا يهودا ، ومن ثم فليسوا من الصفوة ولا من شعب اللّه المختار ، فالمصطلح العربي مصطلح حضارى ثقافى ، والمصطلح العبري أجناسى عرقى !
وفي قوله تعالى :وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ( 7 ) إعجاز لأنهم فعلا لم يتمنّوه ، ولو كانوا صادقين لتمنّوا الموت وكذّبوا القرآن . ولمّا لم يتمنّوه أبطلوا دعواهم من الولاية ، وأنهم شعب اللّه المختار وأحباء اللّه .
ومن الحكم المأثورة في السورة قوله تعالى :إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ( 8 ) ،
ومن شعر زهير في ذلك :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه * ولو رام أسباب السماء يسلّم
من شعر طرفة :
كل شئ سوف يلقى حتفه * في مقام أو على ظهر سفر
والمنايا حوله ترصده ليس * ينجيه من الموت الحذر
ومن أجمل الأمثلة في السورة قوله تعالى :مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً، فشبّههم بالحمار لا يدرى أكتاب على ظهره أم زمبيل ! وفي ذلك تنبيه من اللّه لمن يحمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلّم ما فيه ، لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء .

وللّه الحمد والمنّة ، وبه التوفيق والعصمة .
  * * *   
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الإثنين 16 أكتوبر 2023 - 12:55 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

645 . سورة المنافقون

السورة مدنية ، ولأن النفاق ظهر في المدينة فإن اهتمام السورة كان بالمنافقين ، وكانوا ظاهرة جديدة في المجتمع الإسلامي ، فقبل المدينة كانت مشكلة الإسلام مع الكفر ، فلما ظهر الإسلام وصارت له شوكة في المدينة ، دخلته جماعات من أهلها نفاقا ، وعانى الإسلام منهم كثيرا ، والسورة يبلغ عدد آياتها إحدى عشرة آية ، منها عن النفاق والمنافقين ثماني آيات ، وتليها ثلاث آيات عن مواعظ تحذر من النفاق وتهدى إلى نبذه واجتنابه .
والسورة نزلت بعد الحج ، وترتيبها في المصحف الثالثة والستون ، وفي التنزيل المدني الثامنة عشرة ، وفي التنزيل عموما الواحدة والثمانون . وفي السورة تحليل للنفاق ، ووصف للمنافقين ، وأمثال مما جرى معهم ، حتى صار اسم السورة عن حق هو « المنافقون » ، وتذكرهم في أول آية منها مرتين ، تقول :إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ( 1 )
وهذه الآية موجز للسورة ، وإشارة إلى أسباب نزولها ، فلقد كان المسلمون في غزوة بنى المصطلق ، فاستمع نفر منهم إلى عبد اللّه بن أبىّ رأس النفاق ، يحرّض الأعراب أن يكفّوا عن إطعام أصحاب النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وأن ينفضّوا من حوله ، وبتعبير السورة :هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا( 7 ) ،
وقال لهم متوعدا المسلمين : لئن رجعتم إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ - يحث أصحابه على الغدر بالمسلمين .
فهؤلاء كانوا المنافقين في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهم اليوم شرّ منهم ، فالسابقون كانوا يكتمون نفاقهم ، والحاضرون يظهرونه جهرا عيانا نهارا .
وفي الحديث في آيات النفاق : آية المنافق ثلاث : « إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان » ، وفي الحديث الآخر تزيد هذه الآيات واحدة ، يقول : « أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر » ، فجاء العهد في مكان الوعد وهما سواء ، وكانت الخصلة الجديدة هي الفجور في الخصام ، وخلاصة ذلك كله أن المنافق لا أمان له ، ونقيضه المؤمن ، وفي الحديث : « المؤمن إذا حدّث صدق ، وإذا وعد أنجز ، وإذا ائتمن وفى » .
وفي السورة أن منافقى المدينة كانوا كل ذلك ، وكانوا كاذبون ، يشهدون للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ظاهرا ، وينكرونه باطنا ، ويتعايشون مع المسلمين والحقد والضغينة قد طبعا قلوبهم ، حتى ران عليها الكفر فما عادوا يفقهون شيئا ، ولا يستمعون لحق ، تنظر إليهم فتعجبك أجسامهم ، وإذا تحدّثوا تحب أن تستمع إليهم ، وفي الحقيقة هم أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام ، يستبد بهم قلق دفين ، وخوف مريب ، ويظنون الناس إذا تناجوا فإنما يلغطون فيهم ، وإذا تنادوا يحسبون أنهم ينادون عليهم ،وأنهم عمّا قريب سيكشف أمرهم ، وتنفضح نواياهم ، وتبين حقيقتهم ، كقوله تعالى :يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ( 4 ) ،
وهي أبلغ عبارة يمكن أن تقال في النفاق والمنافقين ، وقوله :هُمُ الْعَدُوُّ غاية وقمة في لفت الانتباه إلى خطورة تواجد المنافقين كعملاء وجواسيس وطابور خاس ضمن المواطنين ، فشغلهم الشاغل أن يذيعوا الإشاعات ويثبّطوا الهمم ، ومنهم بخلاف عبد اللّه بن أبي : جدّ بن قيس ، ومعتّب بن قشير .
وقوله :قاتَلَهُمُ اللَّهُجملة دعائية ، وأَنَّى يُؤْفَكُونَ استفهام إنكاري ، يعنى أخزاهم اللّه ، فكيف لم يروا الهدى وعموا عنه إلى الضلال ، رغم كل هذه الدلائل والبراهين والتحذيرات ؟
وفي السورة أن المنافقين يتسمون باللامبالاة ، وملكة التصوّر عندهم تكاد تكون معطلة كما عطّلت ملكة التمييز ، وأعراض مرض النفاق تظهر عليهم جلية كلوازم تصيب أعناقهم فيلوونها ، أو يهزّونها ، والاستكبار يشعّ من وجوههم ونظراتهم ، ويبين في مشيتهم وأقوالهم ، يترفعون عن الناس رغم وضاعتهم ، وينسبون إليهم الحمق وهو بهم مرض يلازمهم .
وتختتم السورة بالتحذير مما يمكن أن يدفع الناس إلى امتهان النفاق ، فالحرص على الدنيا ، واكتناز المال ، والانشغال بمستقبل الأولاد ، قد يجعل الناس يلجئون إلى النفاق كوسيلة تقرّب إلى السلاطين ، واستغفال الآخرين ، والنجاة من ذلك بالحرص على التقوى وذكر اللّه ، وليس هناك أدلّ من الإنفاق على أن صاحبه ليس من المنافقين ، فما عهدنا في أصحاب النفاق أن ينفقوا في سبيل اللّه ، والسورة تحضّ على الإنفاق من قبل أن يحضرنا الموت فعندئذ قد نطلب تأجيل الموت ، ولكن هيهات ، فاللّه لا يؤخر نفسا جاء أجلها .
ولولا الحرص على الدنيا والكفر باللّه ما كان عبد اللّه بن أبىّ ينهى الناس عن أن يطعموا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، مع أن المال هو مال اللّه ، وله تعالى خزائن السماوات والأرض سبحانه .

وفي السورة الكثير من التعابير البليغة والمصطلحات الغنية بالمعاني ، كقوله تعالى :اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً يعنى توسلوا بالحلف إلى إخفاء حقيقة نواياهم ؛ وقوله :وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، وهو مثل ، شبّههم بالخشب التي تآكلت فهي مسندة بغيرها ، وخشب جمع خشبة ؛
وقوله :يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِم ْيظنون أن كل نداء هم المقصودون به ، لأنهم يتوقعون الشرّ لما يكتنفهم من الرعب والاستكبار ، كأنما ليس أحد غيرهم يمكن أن ينادى عليه ؛ وقوله :وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وهو حكم ومبدأ من مبادئ الحياة والعيش ، لئلا ينسى الإنسان أنه  مائت ، وأن الموت سيخترمه في يوم من الأيام حينما يجيء أجله ، فلا يستأخره ولا يستقدمه . وبعد - فالحمد للّه أن كان القرآن هو كتابنا ، وسلام على المرسلين ، والصلاة والسلام على نبيّنا الكريم .

  * * *

646 . سورة التغابن

السورة مدنية ، وآياتها ثماني عشرة ، وترتيبها في المصحف الرابعة والستون ، وفي التنزيل المدني الثانية والعشرون ، وفي التنزيل عموما السادسة والثمانون ، وسميت بسورة التغابن لقوله تعالى فيها :ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ( 9 ) ،
وهو يوم القيامة ، من الغبن وهو النقص ، يقال : غبنه غبنا إذا أخذ الشيء منه بدون قيمته ، وسمّى يوم القيامة يوم التغابن ، لأن أهل الجنة يغبنون فيه أهل النار ، فيأخذ أهل الجنة الجنة كلها لأنفسهم ، على طريق المبادلة ، فيقع الغبن على أهل النار ، لأنهم بادلوا الخير بالشر ، والجيد بالرديء ، والنعيم بالعذاب ، ويتمثل الغبن في الشراء والبيع كما قال تعالى :أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى( البقرة 16 )
فما يربح هؤلاء في تجارتهم ويغبنون ، وأهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا فغبنوا الكفّار الجنّة ، فكأنه وقع التبادل فحصل التغابن .
وكما ترى - فالجو العام لسورة التغابن هو جو السّور المكية التي مدارها الكفر والإيمان ، وأصول العقيدة ، والتخويف من الآخرة ، والتبشير لأهل الجنة ، ولذلك قال البعض : إن السورة مكية ، ومن هؤلاء ابن عباس ، قال : إن سورة التغابن نزلت بمكة إلا آيات من آخرها ، فأنزل اللّه عزّ وجل :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 14 ) ،
أنزلها في عوف بن مالك الأشجعي لمّا شكا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جفاء أهله وولده .

وفي البداية تستهل السورة بالحديث عن جلال اللّه وعظمته ، وأن له الملك ، وهو على كل شئ قدير ، وتصنّف الناس إلى كافر ومؤمن ، وكلّ بعمله ، والكافر كفره فعل له وكسب ، والمؤمن إيمانه فعل له وكسب ، والكافر اختار الكفر بإرادته ، والمؤمن اختار الإيمان بإرادته ، وكلّ علمه اللّه فيه قدرا عليه ، ووجود خلاف المقدور عجز ، وخلاف المعلوم جهل ، وفي ذلك سلامة من الجبر والقدر ، وكلاهما لا يليق باللّه الذي خلق بالحق ، وصوّر فأحسن الصّور ، ويعلم الغيب والشهادة ،
والأولى بنا لذلك أن نؤمن ولا نفعل كالأمم السابقة ، الذين كفروا فذاقوا وبال أمرهم ، وكانت تأتيهم رسلهم بالبينات فتولوا عنهم بدعوى أنهم بشر مثلهم ، فاستغنى اللّه ، وهو الغنى الحميد .
وتدعو السورة الناس إلى الإيمان باللّه ورسوله ، وبما مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم من النور وهو القرآن ، وتحذّر من يوم الجمع ، أي يوم القيامة ، يوم يجمع الذين كفروا والذين آمنوا للحساب ، وتبشّر من يطيع اللّه ورسوله ، وتحدد مهمة الرسول : أنها البلاغ المبين ، أي الدعوة إلى اللّه الواحد الذي لا إله إلا هو ، العليم القدير ، ما نصاب من مصيبة إلا بإذنه ، والأحرى بنا إذن أن نتوكل عليه ، فذلك هو الإيمان الحق .
وتلفت السورة انتباهنا إلى أن بعض أهلينا وأولادنا قد يخوّفانا أن نجاهد في سبيل اللّه ، وقد نحذر الإنفاق في سبيله مخافة عليهم من الفقر ، وتحذرنا أن الأموال والأولاد فتنة ، والأحرى بنا أن نتقى اللّه ما استطعنا ، وأن نطيع ، وأن ننفق خيرا لأنفسنا ، وتسمّى السورة الإنفاق في سبيل اللّه « قرضا حسنا » ، نقرضه اللّه خيرا لأنفسنا ، فالشحّ مهلكة ، وما نفعله من خير أو سوء يشهده اللّه ، عالم الغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، ولا في أنفسنا .
والخطاب في الآية :زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ( 7 ) للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وهذه الآية تلخص السورة جميعها ، وتشرح الهدف منها ، وهي ردّ على مزاعم الزاعمين المنكرين للبعث ، يعلّمه اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وسلم ولأمّة الإسلام من بعده ، ومن ثم كان اسم السورة « التغابن » لأنها بكاملها شرح لحجته تعالى ، بأن البعث حقّ .
و « الزعم » هو القول بالظن ، ولكل شئ كنية ، وكنية الكذب « زعموا » ، قيل : نزلت في العاص بن وائل السهمي مع خبّاب ، فكان لخبّاب دين على العاص فأراد أن يتقاضاه ، فسخر منه العاص أن سيعطيه إياه في الآخرة ، وقول العاص كقول الكفار ، والسورة ردّ عليهم تلخصه هذه الآية :زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا.

وتتضمن السورة آيات من البيان والبلاغة ، كما في السؤال التقريرى :أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ( 5 ) ،
وكما في الاستخدام الجميل لكلمة ذلِكَفي قوله :ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ( 6 ) ؛ الكثير من الحكم والأقوال المأثورة ،
كما في قوله :ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ( 11 ) ،
وقوله :اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ( 13 ) ؛
وقوله :إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ( 14 ) ؛
وقوله :إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ( 15 ) ؛
وقوله :إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ( 17 ) .

ومن مصطلحات السورة : « النور » وهو القرآن ؛ و « يوم الجمع » يعنى يوم القيامة ؛وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا أي : اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه ، وهذه الآية محل خلاف وجدل ، فقد استخدمها طواغيت المسلمين للتمويه على الناس باسم الدين ، وتضليلهم عن حقوقهم ، وتبرير مظالمهم ، كما فعل الحجّاج بن يوسف الثقفي يبرر بها مظالم عبد الملك بن مروان ، فقال تطبيقا للآية : « لو أمرت رجلا أن يخرج من باب المسجد فخرج من غيره لحلّ لي دمه » ! ! !
مع أن الآية نزلت في النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وفي وجوب الطاعة له ، ثم من بعده لأصوات الحق من أهل العلم والصلاح والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
والسماع والطاعة في الإسلام سورهما « الشورى ، والعدل ، وسواء السبيل » ، والحمد للّه ربّ العالمين .

  * * *

647 . سورة الطلاق

السورة مدنية ، وآياتها اثنتا عشرة آية ، وكان نزولها بعد سورة « الإنسان » ، وترتيبها في المصحف الخامسة والستون ، وفي التنزيل المدني الثالثة عشرة ، وفي التنزيل عموما التاسعة والتسعون ، واسمها « الطلاق » من استفتاحها بقوله تعالى :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، ومن عنايتها بموضوع الطلاق في الإسلام ، وأحكامه وما يترتب عليه من عدة ، ونفقة ، وسكنى ، وما تتكلفه تربية الصغير من عناية بغذائه ورعايته وكسوته ، وأجور يقتضيها كل ذلك .
وتسمى السورة لذلك سورة النساء القصريّة - أي المقصورة على بعض شؤون النساء ، تمييزا لها عن سورة النساء العميّة التي موضوعها مسائل النساء عموما .

وفي مناسبة نزولها ، قيل : إنها نزلت لمّا طلّق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حفصة ، فأتت أهلها ، فأنزل اللّه تعالى عليه :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ( 1 ) ،
وذلك لمّا أسرّ إليها حديثا فأظهرته لعائشة فطلقها تطليقة ، وهذا غير صحيح ، وفي حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب : أنه في قصة التحريم ذهب يتحرّى الأمر من ابنته فلم يكن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم طلقها ،
وقال لها عمر : « ولولا أنا لطلّقك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم » . ولمّا دخل على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال له : « فإن كنت قد طلقتهن فاللّه معك » .
ولم يكن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد طلق أيّا من زوجاته ، ولم يطلق حفصة . ولمّا دخل أبو بكر على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وجده جالسا وحوله زوجاته ، وقال له النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « هن حولى كما ترى يسألننى النفقة » ، وواضح أن طلاقه لحفصة فرية مما كان يروّجه المنافقون واليهود والكفار ، عليه وعلى بيت النبوة .
والصحيح أن هذه الآيات في الطلاق نزلت في عبد اللّه بن عمر حين طلّق امرأته وهي حائض ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيه : « ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ، فتلك العدّة التي أمر بها اللّه تعالى » .
وفي رواية : « فتلك العدّة التي أمر اللّه أن يطلّق لها النساء » . والخطاب في السورة للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ والحكم عام لأمّته :إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ يلفظ الجماعة . وصيغة الخطاب :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لم يخاطب بها نبىّ آخر في القرآن ، واختص بها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ثلاث عشرة مرة ، وكان خطابه تعالى لكل نبىّ باسمه مجردا ، كقوله : « يا إبراهيم » ، و « يا نوح » ، و « يا عيسى بن مريم » ، و « يا موسى » .
وفي صيغة :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المراد بها المؤمنون ، يخاطبهم اللّه تعالى من خلال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أو بواسطته ، فإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعا ، أي الرسول نفسه دون المؤمنين ، فإنه تعالى يقول :يا أَيُّهَا الرَّسُولُ، ويأتي ذلك في القرآن مرتين ( المائدة 41 و 67 ) .
وإحصاء العدّة في الآية هو تحديد ابتدائها وانتهائها ، لئلا تطول مدتها على المرأة فتمنع من الزواج بعد طلاقها ، أو لئلا تقصر عن مدتها فلا يتبين أن المرأة حامل وتتزوج وهي حامل ، فتختلط الأنساب .
والعدّة لصالح الزوجين معا كما يقول تعالى :لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً( 1 ) ، وكانت « أول امرأة يصير لها عدّة في الإسلام » : أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ، ولم يكن قبلها للمطلّقة عدّة .
وليس لغير المدخول بها عدّة . ومن طلق في طهر لم يجامع فيه نفذ طلاقه وأصاب السنّة ، وإن طلّقها حائضا أو جامعها في طهر قبل طلاقها ، نفذ طلاقه وأخطأ السنّة .
وطلاق السنّة : أن يطلقها في كل طهر طلقة ، ومن يطلق ثلاثا في كلمة واحدة فطلاقه باطل ، لأنه صلى اللّه عليه وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته حين طلقها في حيض فقال : « مره فليراجعها » ، وهذا يدفع الثلاث .
وقوله تعالى :لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً( 1 ) هي الرجعة ، لعل الزوج يندم على طلاقها ويجد في قلبه رجعتها ، وإذن يبطل دخول الطلقات الثلاث تحت الآية : ومعنى لعدتهن » لقبل عدتهن ، و « قبل العدّة » هو آخر الطّهر ، لأن الطلاق في الحيض ممنوع ، وفي الطّهر مأذون ، وإحصاء العدة : موكول بالزوجة والزوج معا ، ويهم القاضي الذي قد يحكم بالطلاق .
والمرأة في عدّتها لا تخرج من بيتها ، ولا إذا تمّ طلاقها ولها أطفال لصريح الآية :لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ( 1 ) ،
لم تقل الآية أنها لا تخرج في العدّة ، بل وزادت فأضافت البيوت إليهن فقالت : « بيوتهن » ، وكان من المستحيل أن تستمر المرأة في بيت أهل الزوج بعد طلاقها ، ولذلك فسّر الأوائل الآية بأنها خلال العدّة ، وقالوا إن الإضافة إضافة إسكان وليست إضافة تمليك .
وفسّروا النهى عن الخروج تفسيرا آخر خلاف ما في الآية ، وأفتوا بأنها تحبس في البيت ، مع أن المعنى ينصرف إلى أن تقرّ في البيت هي

وأولادها طالما أنها تحترم مسكنها وجيرانها وعقد الإيجار بين مطلقها وصاحب البيت ، فإن ارتكبت فاحشة مبيّنة ، كأن تعرف بسوء الخلق لكثرة خروجها ، أو لتردد الرجال عليها ، أو تضبط في قضية آداب ، فليس لها السكن ، وينزع منها أولادها الذين هم في حضانتها .

وفي قوله :فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ( 2 ) ، والإمساك بالمعروف هو المراجعة ، والمعروف هو نية عدم المضارة في الرجعة ، فلا يراجعها ثم يطلقها وهكذا ، تطويلا للعدة .
وقوله :وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ( 2 ) لوجوب شهادة اثنين إذا راجعها وإذا طلقها ، ويقتضى ذلك الإثبات والتوثيق ، ويستوجب أن يكون أمر الطلاق والرجعة بيد القاضي ، فلا يكون هناك مجال للتجاحد بينهما .
وإذا وجب الإشهاد في الرجعة ، فإن القول بأن الرجعة لا بد فيها أن تقبل المرأة بها ، لأنه إذا كان يشترط القبول في الزواج ، فالرجعة لا بد أن يشترط فيها كذلك القبول ، لأنها أولى بهذا الشرط من الزواج ، لأنها بعد نزاع ، ويسقط بذلك أن يراجع الرجل امرأته بدون علمها .
ويشترط في الشاهدين أن يكونا من ذوى العدل ، يعنى من مستوى الرجل والمرأة الاجتماعي ، فلا يصح أن يشهد على زواج أو طلاق من لهما مكانة اجتماعية شاهدان من سفلة القوم ، أو شاهدان مخموران ، أو لا وعى ولا دراية لهما بما يشهدا عليه ، ومن ثم قال :وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ( 2 ) ،
أي تقرّبا إلى اللّه ، فالشاهدان لا بد أن يكونا من الأتقياء الصالحين . وتستطرد السورة إلى النساء الآيسات اللاتي لم يعد لهن حيض ، والصغيرات في السن اللاتي لم يحضن ، فتجعل عدّتهن ثلاثة أشهر ، وأما أولات الحمل فعدّتهن أن يضعن حملهن . وفي العدة تسكن المرأة في بيت الزوجية ، ولا يصح أن يساكنها مطلّقها ،
ولو كان يصحّ ذلك ما قالت الآية :أَسْكِنُوهُنَّ. وإذا كان لها أولاد تظل في بيتها وينفق عليها كما ينفق على المعتدة ، وللمرأة نفقة إعالة وإعاشة كاملة ، وتقدير النفقة أولى بالتشاور وبالمعروف ، ومن يتعاسر من الزوجين يحتمله الآخر .
وفي قوله تعالى :مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ( 6 ) يعنى من سعتكم ، كقوله :لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً( 7 ) ،
والآية مبدأ من مبادئ العدل في الأحوال الشخصية ، وفي الحديث لهند قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » ، فأحالها على الكفاية حين علم السعة .
والآية أصل في وجوب النفقة للولد على الوالد دون الأم ، والأصحّ من ذلك أن تكون النفقة على الأبوين على قدر الميراث .
وختمت السورة بموعظة عامة ، أن لا نتعدى الحدود كالأمم السابقة التي عتت عن أمر ربّها فحاسبها حسابا شديدا ، وأشارت السورة إلى قدرته تعالى في خلق السماوات والأرض ، فمن قدر على هذا الملك العظيم ، فهو على ما بينهما من خلقه أقدر ، ومن العفو والانتقام أمكن ، وهو المحيط بكل شئ علما ، فسبحانه الذي شرّع الزواج والطلاق ، وجعل لهما قداسة ، وحذّر وأنذر من اللهو بهما والاستخفاف بأمرهما .

وفي السورة الكثير من الحكم والأقوال التي يمكن التمثّل بها ، كقوله تعالى :فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ؛ وقوله :وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ؛
وقوله :وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ( 2 ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ؛ وقوله :وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ؛ وقوله :إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ؛
وقوله :قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً؛
وقوله :وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً؛ وقوله :وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً؛
وقوله :وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ؛
وقوله :وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ؛ وقوله :لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ؛
وقوله :وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ؛
وقوله :لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً. والحمد للّه ربّ العالمين على نعمة القرآن ، وباللّه وبكتابه التوفيق والعصمة .

  * * *

648 . سورة التحريم

السورة مدنية ، وموضوعها لذلك من نوع موضوعات السور المدنية ، وتتناول مسائل من أحكام الشريعة المتصلة بالحياة العملية ، وفي هذه السورة يتصل التشريع بحياة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وببيت النبوة وأمهات المؤمنين ، كنموذج للبيت المسلم وما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة .
والسورة آياتها اثنتا عشرة آية ، وكان نزولها بعد سورة الحجرات ، وترتيبها في المصحف السادسة والستون ، وفي التنزيل المدني الواحدة والعشرون ، وفي التنزيل عموما السابعة بعد المائة .
وتستهل بعتاب اللّه تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم ، ولكنه ليس أي عتاب ، وبقدر منزلته صلى اللّه عليه وسلم عند ربّه ، بقدر التلطّف في صيغة هذا العتاب .
تقول السورة :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 1 ) ؟ ،
وصيغة السؤال من صيغ التلطف في العتاب ، وكذلك قوله تعالى :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، فلم يحدث أن خاطبه تعالى كغيره من الأنبياء ، كأن يقول : « يا محمد » ، وإنما يخاطبه إما بقوله يَسْئَلُونَكَكما في الآية 189 من سورة البقرة ،
ويتكرر ذلك خمس عشرة مرة ، ويجيب فيقول : « قل » كما في نفس الآية السابقة ، وهي صيغة السؤال والجواب من صيغ التعليم القرآني ، وإما يخاطبه بقوله :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، بينما كان خطابه لآدم :يا آدَمُ( البقرة 33 ) ،
ولإبراهيم :يا إِبْراهِيمُ( هود 76 ) ، ولنوح :يا نُوحُ( يونس 46 ) ، ولموسى :يا مُوسى( الأعراف)

144 ) ، ولعيسىيا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ( المائدة 110 ) ،
فبقدر عزم الأنبياء بقدر تفضيله تعالى لهم ، بقوله تعالى :تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ( البقرة 253 ) ، وقوله :وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ( الإسراء 55 ) .
وفي القرآن تأتىيا أَيُّهَا النَّبِيُّثلاث عشرة مرة ، ويا أَيُّهَا الرَّسُولُمرتين كما في الآية 41 من سورة المائدة ، وفي كل مرة كان يعلنه تعالى بأمر من أمور الدعوة ، أو يسرّ له بمسألة تخصّ البيت النبوي .
ولمّا كانت السورة تتناول التحريم الذي فرضه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم على نفسه ، إرضاء لأزواجه ، دون أن يأتيه ذلك عن ربّه ، سأله :لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَوفي الإسلام ليس من سلطة أحد تحريم ما أحلّ اللّه ، ولا تحليل ما أحلّه ، إلا أن يأتي الأمر بذلك منه تعالى .
ولهذا التحريم قصة لم توردها السورة ولكنها أشارت إلى مجملها دون الدخول في تفاصيلها ، لأن الناس ليس لهم من تفاصيل حياة الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلا مجملها وما له صلة بدينهم ، وللقصة مغزى ومعنى ومفاد ، وهذه هي مطلوباتها كقصة من الأدب الديني ، وفيها الوعظ والإرشاد والتأسّى بالرسول صلى اللّه عليه وسلم في حياته الخاصة فيما يجب وما لا يجب . وقد ذهب المفسّرون مذاهب شتى في التكهّن بالتفاصيل وتخمين أسماء شخوص القصة من نساء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ومدار الخلاف الذي جرى ، فذكروا أن حفصة شاهدت النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مع أم ولده إبراهيم في حجرتها وعلى سريرها ! وكانت حفصة قد توجهت لزيارة أبيها ، ولمّا عاتبته طلب إليها أن تكتم ذلك وأقسم أن لن تكون له بأم إبراهيم علاقة من بعد ! فكأنه حرّمها عليه مع أنها محللة !
وقالوا إنها لمّا رأته ساومها على أن لا تذيع ذلك على زوجاته ، وفي مقابله يخصّها بخبر يفرحها ، وسألته عن الخبر ، فقال لها : إن أباها عمر بن الخطاب وكذلك أبا بكر الصديق سيخلفانه من بعده ، أبو بكر أولا ثم عمر !
ولقد أفشت حفصة السرّ ، وأطلعت عليه عائشة فانتشر منها إلى كل زوجاته وعلمن به ، فنبّأه ربّه بما جرى !
وكذلك تعلقت المسألة بناحية أخرى من الأدب الزوجى هو إفشاء الزوجة لأسرار زوجها ، الأمر الذي استوجب غضب الرسول حتى كاد أن يطلق زوجاته لمّا تظاهرن ضده وطلبن زيادة الإنفاق عليهن !
وقيل عن ذلك أن الأمر تعلّق بالمرأة التي وهبت نفسها للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم وهي أم شريك ! وقد أغضب ذلك زوجاته فتظاهرن ضده !
وكل ذلك القيل والقال من نوع الرجم بالغيب ، ويتنافى مع العقل ، ويتطلب أن يكون أصحاب القصة بلا خلاق ولا مبادئ !
وكانت الشائعة مادة خصبة للإسرائيليات ، وكثير مما قيل حولها يقوم على الجهل ، ويدفع إليه التصور المغرض ، وهو من نوع التشنيع على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وعلى زوجاته - وأخصّهن عائشة وحفصة ، لأنهما كانتا بنتيّ خليفتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأكثر فيهما الشيعة والرافضة واليهود ، وهؤلاء الثلاثة ألد أعداء الإسلام السّنّى . ( انظر مناسبة الآية ضمن باب أسباب النزول ) .
ومما قاله الزمخشري مثلا - وهو صاحب باع طويل في الإسرائيليات وترويج الإشاعات - أن التحريم من النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كان زلة ! ولم يراع الزمخشري مقام النبوة ، ولم يلاحظ أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لم يحلل لنفسه حراما ، ولكنه حرّم على نفسه وضيّق عليها ما وسّعه اللّه !
والقرآن أرادنا أن ننتبه إلى ذلك : أن لا نحرم ولا نحلل إلا ما حرّم اللّه وما حلّله .

وعتابه تعالى لنبيّه كان كرامة له ، وتنزّل القصة قرآنا فيه رحمة للمسلمين ، ومثل ذلك قوله تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ( المائدة 87 ) .
وفرض الكفارة تحلة للإيمان من أنواع الرحمة للمسلمين ، فمن قال لزوجته : أنت علىّ حرام ولم ينو طلاقا ولا ظهارا ، استوجب على نفسه كفارة اليمين ، ولو خاطب كل زوجاته بهذا اللفظ فعليه كفارة واحدة ، وكذلك لو حرّم على نفسه أي شئ من طعام أو غيره تجب به الكفارة ، وما لم يحرمه اللّه فليس لأحد أن يحرمه .
ولمّا أتى ابن عباس رجل يقول له : إني جعلت امرأتي علىّ حراما ، قال له ابن عباس : كذبت ! ليست عليك بحرام ، وتلا عليه الآية وفرض عليه كفّارة .

وأما مسألة إفشاء السرّ بين الأزواج ، فقد تناولته الآية :وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ( 3 ) .
والآية كما ترى تفسّر السبب الذي من أجله كان التحريم وكان مدار القصة، وهو سرّ بين أصحاب القصة ليس لنا أن نتكهن به.
وقد خاطبهما اللّه تعالى - أي عائشة وصفية احتمالا - فقال :إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ( 4 ) ،
وقيل : الآية من بركات عمر بن الخطاب ، فلما دخل عليه بعد أن سمع خبر إيذائهن للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال له : يا رسول اللّه ، ما يشق عليك من شأن النساء ، فإن كنت طلقتهن فإن اللّه معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك » .
قال عمر : وقلّما تكلمت بكلام - أحمد اللّه - إلا رجوت أن يكون اللّه عزّ وجلّ يصدّق قولي الذي أقول ، ونزلت هذه الآية - آية التخيير :عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ( 5 ) ، 

والآية :وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ( 4 ) .
والتظاهر هو ما كانت تفعله زوجتاه صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك ما أغضبه منهما علاوة على إفشاء السرّ ، وهو ما استوجب كذلك أن يخوّفهما اللّه فيقول :عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ( 5 )
ثم وصف هؤلاء الأزواج بأحسن الصفات المعنوية كما ينبغي أن تكون عليه الزوجة ، فقال :مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً( 5 ) .
و « عسى » في الآية تأتى بمعنى الوجوب ، وقيل كل « عسى » في القرآن فهي وعد من اللّه ، وقوله :عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّيعنى يعده اللّه بذلك .
ويأتي أيضا في الآية :تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ( 8 )
يعنى يعدهن إن تبن بصدق أن يغفر لهن سيئاتهن ، ولذلك كانت النصيحة :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً( 6 ) والمؤمن إذا وقى أهله من النار يقى نفسه كذلك ، وأهل الرجل هم نساؤه في المقام الأول ، واستدعت قصة التحريم - هذه النصيحة لتعلقها بالأهل أي بنساء الرجل ، وسورة التحريم كما رأينا مدارها أهل بيت النبوة ، والتوصية بالأهل من نوع رعاية الراعي لأهل بيته ، ومسئوليته عنهم ، كما في الحديث : « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . . . » ، وسورة التحريم كلها تعليم للنساء وللمؤمنين جميعا :تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً( 8 ) ، وكانت مثار أمر آخر بخلاف التربية المعنوية لهؤلاء ، فقال تعالى للنّبىّ صلى اللّه عليه وسلم :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ( 9 ) ،
وقوله :يا أَيُّهَا النَّبِيُّكقوله :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، فبعد وفاة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يؤول الجهاد إلى أئمة المسلمين ، وجهاد الكفار إذا اعتدوا واجب ، قتالا بقتال ، وقتال المنافقين باللسان ، وكان الكفار والمنافقين قد أكثروا الذمّ للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم وزوجاته ، وللقرآن والإسلام ، كما يحدث الآن ، وروّجوا الشائعات .
ثم أوردت السورة نموذجين تربويّين لنساء المسلمين وأزواجهن ، تخييرا لهن في أي نموذج شئن ، في قوله تعالى :ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ( 10 ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 11 ) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ( 12 ) .
وخيانة امرأتي نوح ولوط ليست الفحشاء ولكنها عصيانهما والانضمام إلى حزب الكفّار ، وذلك نقض أصيل لعقد الزوجية يرقى إلى مرتبة الخيانة ، لأنهما كانتا تفشيان سرّهما وتبلغان رهطهما بما يدبّران .
وامرأة فرعون كانت مؤمنة صابرة ، ودعت ربّها حسن الثواب ، وأن ينجّيها من فرعون وكفره وظلمه ، ومن قومه الظالمين .
ومريم أحصنت نفسها وآمنت بوعد اللّه لها ، وبما أنزل من كتب ، والتزمت فروضها ، وكانت كثيرة الذكر لربّها . فهذان هما النموذجان اللذان للنساء وللرجال أن يفاضلوا بينهما ويختاروا بملء حريتهم أيهما يناسبهم .
والسورة تؤكد حرية إرادة النساء والرجال ، وحرية اختيارهم رجالا ونساء بين الإيمان والكفر ، وتثبت أن للنساء استقلالية كاستقلالية الرجال ، وربما كانت تظاهرة نساء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أول تظاهرة نسائية في التاريخ ، ولقد نسبوها لعائشة وحفصة ، وعائشة التي تظاهرت كما روت السورة - تطالب بالنفقة للنساء ، وإلا فكان الأحرى أن لا يتزوجهن ، هي نفسها التي تظاهرت تطالب بدم عثمان وتوجهت إلى البصرة تظاهر الحق .

والسورة حافلة بصور شتّى تطالعنا بجوانب من الجهاد ، وفيها من المصطلحات الكثير ، كمصطلح « تحلة الإيمان » : يعنى تحليل اليمين ، أي كفّارته ؛ ومصطلح « السائحات » : يعنى الصائمات ، يسمّى الصائم سائحا لأن السائح « قديما » كان يمشى لا زاد معه ويأكل حيثما يجد من يطعمه ؛ و « الثيب » : سميت ثيّبا لأنها تثوب إلى بيت أبويها بعد أن يتركها زوجها ؛ و « البكر » : هي العذراء ، لأنها على أول حالتها التي خلقت بها ؛ و « الملائكة الغلاظ » : هم الملائكة الزبانية الشداد ؛ و « التوبة النصوح » : الصادقة .
( انظر أيضا قصص امرأة نوح ، وامرأة لوط ، وامرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ضمن باب قصص القرآن ) .
ومن الدعاء الجميل المحيط في السورة ، قوله تعالى :رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( 8 ) .

نسأل اللّه العافية ، وأن يحيينا ويميتنا على كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى اللّه عليه وسلم ، ويلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدّلين . آمين .
  * * *

649 . سورة الملك

السورة مكّية ، وتسمّى « تبارك » ، كما تسمى « الملك » ، لاستهلالها بقوله تعالى :تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، وكان نزولها بعد سورة الطور ، وترتيبها في المصحف السابعة والستون ، وفي التنزيل السابعة والسبعون ، وآياتها ثلاثون ، وتوصف بأنها الواقية ، والمنجية ، والمانعة ، قيل : تقى وتنجى وتمنع من عذاب القبر وتشفع لقارئها من النار ، وعذاب القبر لم ينصّ عليه في القرآن ، ولا شفيع للناس إلا أعمالهم .
وكشأن السور المكية ، فإن سورة الملك تتناول موضوعات العقيدة ، وتبيّن قدرة اللّه ، وتثبت له الوحدانية ، وتبرهن على وجوده ، فهو الذي يميت ويحيى ، وينشئ ويفنى ، ويرزق ، ويغنى ، وهو الذي رفع السماء طباقا ، وزيّنها بالكواكب ، وبسط الأرض وإن شاء خسف بها ، أو يرسل ريحا حاصبا تحصد المكذّبين .
ومحور السورة هو : التكذيب ليوم القيامة ، فهل يكثر على اللّه الذي خلق الطير لا يمسكها شئ في السماء إلا رحمته ، والذي لا مهرب من عقابه وعذابه ، أن ينشئ الخلق من جديد ويبعثهم ليوم الدين ؟
وأن يسعّر نارا تحرق من يمارى في وجوده تعالى وفي قدرته أو رحمته ؟
وتضرب السورة المثل للمؤمن والكافر بمن يمشى سويا يأمن العثار ، ومن يمشى مكبّا يعتسف ولا يهتدى ، فالأحرى أن يؤمن الناس ، وما يمارون فيه - وهو البعث - حقّ لا ريب فيه ، وعلم الساعة عنده تعالى لا يعلمها إلا هو ، فلا يصح أن يسأل فيها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، لأنه ليس سوى نذير مبين ، وقد فعل وأنذر وأبان .

والسورة فيها الكثير من وجوه البيان والبديع ، كالمطابقة بين الموت والحياة ، والاستعارة في قوله :تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ، والتمثيل في قوله :أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا، والسجع في قوله :كَيْفَ نَذِيرِ، وكانَ نَكِيرِ، وفي قوله :غُرُورٍووَنُفُورٍ،
والكناية في قوله :بِيَدِهِ الْمُلْكُ. . . إلخ ، وللّه الحمد والمنّة ، وبه التوفيق والعصمة .

  * * *

650 . سورة القلم

سميت السورة باسم ما جاء في ابتدائهاالْقَلَمِ، الذي أقسم اللّه تعالى به لما فيه من البيان ، وبدأها بحرف الهجاء « نون » كما في سائر مفاتيح السور ، وقيل اسم السورةنوأماالْقَلَمِفهو المقسم به ، قيل : هو أول ما خلق ، والنون كانت الدواة .
ومن خرافات التفسير أن يقال : النون هو الحوت الذي يحمل الأرض !
وقيل : القلم لمّا خلق كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة !
وقيل : نون افتتاح أسمائه تعالى نصير ، ونور ، وناصر ، وآخر حرف من الرحمن !
والصحيح أن القلم نعمة من اللّه ، وكذلك حروف الهجاء من أمثال نون ، لأن منها بناء الكلمات التي بها تتألف العبارات ، وبها يتعلم الناس ويعلّمون ويحفظون التراث .
والسورة مكية ، وكشأن المكيات فإنها تتناول أمور العقيدة ، وتردّ على الشّبه التي أثاروها وما يزالون على الدعوة ، وعلى قيام النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بها ، واستحقاقه كنبىّ ورسول ، وفيها الكثير مما يمكن أن يضرب للوعظ والإرشاد كقصة أصحاب الجنة ، وكانوا ظالمين طاغين ، فلم تنفعهم أموالهم ، ولا أنجتهم سعة عيشهم لمّا حاق بهم غضبه تعالى .

والسورة تروى عن أحوال المكذّبين ، وبدأت بالقلم ، لأن ما قالوه وفعلوه بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد أحصى عليهم وكتب وسجّل ، وما كان بالمجنون كما ادّعوا ، وما تحمّله منهم لا بد أن يؤجر عليه من ربّه ، لا منّا ولا تفضّلا وإنما عن استحقاق ، فهو صاحب الخلق العظيم ، ولسوف يبصرون يوم القيامة هل كان هو المجنون أم كان المكذّبون هم المجانين الذين فتنتهم شياطينهم ؟
وما كانوا سوى منافقين لا يمشون إلا بالنميمة ، وإذا حلفوا أكثروا الحلف المهين ، واستقووا بأموالهم وأولادهم ، وقالوا عن القرآن إنه ترهات وخرافات السابقين ، وما دروا ما أعدّ اللّه لهم من عذاب ، وما ادّخره للمتقين من ثواب ، وليس المسلمون كالمجرمين ، يوم يكشف عن ساق ، ويدعون إلى السجود ، أي الإقرار بالحق ، ويبدو لهم وقتها العذاب الصراح .
وتنتهى السورة بدعوة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إلى الصبر ، وتنهاه عن أن يكون كصاحب الحوت يونس عندما ضجر وعجل ، وليترك أمر المكذّبين ، يستدرجون ويملى لهم من حيث لا يعلمون .

والسورة حافلة بالصور البليغة الرائعة ، ومن ذلك صيغ المبالغة في كلمات مثل حلّاف ، وهمّاز ، ومشّاء ، ومنّاع ؛ والجناس : في مثل مجنون ، وممنون ؛ والكناية : في مثل :يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ، كقول القائل عن الحرب : شمّرت عن ساقها ؛ والطباق : في مثل : المسلمين ، والمجرمين ؛ والتوبيخ الفائق ، في مثل :ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟ والسجع المحبوك : في مثل :ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ.
والحمد للّه ربّ العالمين على نعمة القرآن ، واللّه سبحانه وتعالى الموفّق للصواب .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 0:21 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

651 . سورة الحاقة

الحاقة من السور المكية التي مدارها العقيدة ، وترتيبها في المصحف التاسعة والستون ، وكان نزولها بعد الملك ، وترتيبها في التنزيل الثامنة والسبعون ، وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية ، وقيل فيها إنها تجير من الفتنة ، وهي نور لقارئها يوم القيامة . ومعنى الحاقة : يوم القيامة ، وهو يوم الحقّ ، لأن الأمور تحقّ فيه من غير شك ، فلأقوام تكون الجنة ، ولأقوام تكون النار ، ويصير كل إنسان حقيقيا بجزاء عمله ، من حاققته فحققنه أحقّه ، أي غالبته فغلبته ،
فالقيامة حاقة لأنها تحقّ كلّ محاقّ في الدين بالباطل ، أي كل مخاصم ، ويقال لها الحاقة ، والحقّة ، والحقّ . والسورة كل مدارها لذلك يوم القيامة أو البعث ، وصورها البلاغية عن هذا اليوم ، وفيها الوصف التفصيلي لمآل المنكرين له ، وقد أنكرته ثمود ، وعاد ، وفرعون ، وقوم نوح ، والمؤتفكات - أي قوم لوط ، فأخذهم اللّه أخذة رابية - أي شديدة .
فإذا كان هذا اليوم ونفخ في الصور ، فإن الواقعة تقع ، فتدكّ الجبال ، وتنشق السماء ، ويبعث الناس يعرضون على الحاسبين ، فلا تخفى منهم خافية ، فمن يؤتى كتابه بيمينه فهو في عيشة راضية ، في الجنة العالية ، ومن يؤتى كتابه بشماله فهو في الجحيم يصلى نارا حامية ، استحقاقا بإنكاره للّه ، وعزوفه عن الصلاح .
وتثنى السورة على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وتؤكد أن ما يبلّغه من القرآن هو قول رسول كريم ، وتنفى عنه أنه شاعر أو كاهن ، أو أنه يتقوّل على اللّه ، وإذن لأخذ منه باليمين وقطع منه الوتين ، وقوله هو حق اليقين ، يعنى به القرآن ، لا مرية فيه ولا شك ولا ريب ، فسبحان اللّه العظيم الذي أنزله !

والسورة بها الكثير من وجوه البيان ، من مثل الإطناب تهويلا في قوله :الْحَاقَّةُ ( 1 ) مَا الْحَاقَّةُ؛ ولجوئه للتفصيل بعد الإجمال في قوله :فَأَمَّا ثَمُودُوَأَمَّا عادٌ؛ واستخدامه التشبيه المجمل في قوله :كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ؛ والاستعارة في قوله :لَمَّا طَغَى الْماءُ؛ والجناس في قوله :وَقَعَتِ الْواقِعَةُ؛ والمقابلة في قوله :بِيَمِينِهِ( الحاقة 19 ) وبِشِمالِهِ( الحاقة 25 ) وطباق السلب في قوله :تُبْصِرُونَ * وَما لا تُبْصِرُونَ؛ والسجع المرصّع يفصل به بين الآيات ،
في قوله : « رّاضية » ، « عالية » ، « دانية » ، فغلّوه » ، « وصلّوه » ، « فاسلكوه » .

ومن المصطلحات الإسلامية الخالصة في هذه السورة : « الأذن الواعية » ، تسمع وتفهم ، وتعى وتحفظ ؛ و « النفخة الواحدة في الصور » ، قيل هي ثلاث نفخات :
الأولى « نفخة الفزع » ،
ثم يعقبها « نفخة الصعق » ، تصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء اللّه ،
ثم « نفخة البعث » ، فيبعث الناس ويعرضون فلا تخفى منهم على اللّه خافية ، فهو العرض الكاشف الفاضح ،
ومنه ثلاث عرضات : اثنتان منها جدال ومعاذير ،
والثالثة هي : « العرض الأكبر » ، وفيه تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله .
وفي السورة نعرف أن عرشه تعالى يحمله ثمانية ، قيل هم ملائكة يكونون « ثمانية » صفوف ، وهذا العدد من المتشابه ، وفيه أقوال كثيرة ، وأكثرها خرافات ورجم بالغيب .
وفي قوله تعالى:وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍوَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ، يعنى أن كلام القرآن يباين صنوف الشعر، ولم يرد بسبّ ولا قذف ولا شتم.
ويروى عن عمر بن الخطاب ، أنه قبل أن يسلم خرج يتعرّض للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فوجده قد سبقه إلى المسجد ، فقام خلفه ، فاستفتح النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بسورة الحاقة ، يقول عمر : فجعلت أعجب من تأليف القرآن !
وقال : هذا واللّه شاعر كما قالت قريش ! فقرأ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم :وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ( 41 ) ،
فقال عمر : هذا قول كاهن ، فقرأ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم :وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ( 42 ) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ( 43 ) ! قال عمر : فوقع الإسلام في قلبي كل موقع ، فهذا من جملة أسباب إسلام عمر .

والسورة فيها الاعتبار بمن سبقوا من المكذّبين ، والتحرر عمّا فعلوا ، وألّا يصيبنا ما أصابهم .
والدرس المستفاد : أن أمة الإسلام غير الأمم الأخرى ، فأولئك عجّلت لهم العقوبة ، وأمة الإسلام أجّلت وأخّرت إلى يوم القيامة .
وأما خاصة أمة الإسلام . . وهم أتقياؤها - فلو أضاعوا الأدب يعاقبهم برياح الحجبة ، تطيح بالاحتشام من قلوبهم ، وتعصف بأحوالهم فيمتحنوا ، ويصيروا على خطر أن يدركهم سخط الحقّ .
وأما منّته على أوليائه فإنه يسلمهم في عافية ، فلا يتنازعون ، ولا يتحاسبون ، ويسلمون من الناس ، ويسلم منهم الناس .

وبعد : فهذه هي سورة الحاقة : من أروع سور القرآن العظيم ، وللّه الحمد والمنّة ، وبه التوفيق والعصمة .
  * * *   

652 . سورة المعارج

من السور المكية ، وموضوعها لذلك : العقيدة الإسلامية ؛ ومدارها : حول القيامة وأهوالها ، وأحوال المؤمنين والمجرمين فيها ، ومن قبل ذلك في الدنيا ، والإنسان عموما إذا مسّه الخير أو الشر ، وأوصاف الناجين في الآخرة ، والكفّار في مكة خصوصا ونفورهم من دعوة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وأمره له بالصبر عليهم، وترك أمرهم للّه حتى يلاقوا يوم البعث الذي يوعدون.
والسورة نزلت بعد الحاقة ، وهي السبعون في ترتيب المصحف ، والتاسعة والسبعون في النزول ، وآياتها أربعة وأربعون ، واسمها المعارج مما جاء بها من وصفه تعالى بأنه ذو المعارج ، أي ذو العلوّ والدرجات الفواضل والنّعم ، وذو العظمة والعلاء . والمعارج : هي مراتب إنعامه على الخلق ، وهي المعروفة بمعارج السماء ، أو معارج الملائكة والروح ، تعرج إلى السماء ما بين أسفل الأرض إلى عرشه تعالى مسيرة خمسين ألف سنة ، والعدد للتمثيل لا للحصر ، بدليل أنه في آية أخرى يقول :يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ( 5 ) ( السجدة ) ،
ومع ذلك فالأقوال في هذا العدد رجم بالغيب ، فالخمسون ألف سنة يمكن أن تكون المدة التي يستغرقها نزول الملائكة والروح - أي جبريل - من السماء الدنيا إلى الأرض ، أو هي مدة رحلة الملائكة والروح من يوم خلق اللّه الأرض إلى يوم القيامة حين اللقاء به تعالى ، أو هي عمر يوم الحساب يستنفده الملائكة والروح محسوبا بسنين الدنيا ، وكلها اجتهادات في التفسير عن ظن وليس عن علم ، وفي الحديث :

« يحاسبكم اللّه تعالى بمقدار ما بين الصلاتين ، ولذلك سمّى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين » ، وكما يرزق اللّه الناس في ساعة ، فكذلك يحاسبهم في لحظة ، وإنما على قدر الفهوم تكون الظنون ، وهو تعالى القائل :ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ( لقمان 28 ) .
وأجمل ما يقال من التفسير في التناقض بين أن يكون هذا اليوم ، مرة خمسين ألف سنة ، ومرة ألف سنة ، أن هذين اليومين هما من أيام اللّه ، يقدرهما بتقديره ، وهو أعلم بما يكونان ، ولا يحسن أن يقال فيهما بما لا نعلم ، والغالب الذي نرجّحه : أن العدد في الآيتين لتصوير طولهما ، تصويرا نفسيا يكاد يكون كالواقع ، ويوصف بما يوصف به الواقع ، تهويلا وتقريبا للأفهام ، والعرب يصفون ما لا يقدرون على عدّه ، أو ما لا يحتملون مشقته وشدّته - بالطول ، كما يصفون ما يحبون أن يستمر معهم من الأوقات المرغوبة بالقصر .

وتبدأ السورة بقوله تعالى :سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ( 1 ) ، لأن نزولها كان لدعوة الكافرين بالعذاب يقع عليهم كبرهان على صدق النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بما يخبرهم به عن البعث وعذاب يوم القيامة ، قيل إن السائل : هو النضر بن الحارث ، قال :اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ( 32 ) ( الأنفال 32 )
فنزل ما سأل ، وقتل وعقبة بن معيط يوم بدر صبرا ، ولم يقتل صبرا غيرهما .
وقيل : إن السائل هو الحارث بن النعمان الفهري ، فما أن قال سؤاله حتى جاءه حجر في دماغه فقتله .
وقيل : 
السائل هو أبو جهل ؛ وقيل السائل - من سياق السورة - هو الرسول صلى اللّه عليه وسلم نفسه ، ولذلك قال له ربّه :فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا( 5 ) ، أي لا تستعجله لهم فإنه واقع بهم لا محالة .
وفي السورة الكثير من وجوه البلاغة ، كالطباق في قوله : بعيدا وقريبا ، واليمين والشّمال ، والمشارق والمغارب ؛ والجناس في قوله :سَأَلَ سائِلٌ ،وتعرج المعارج ؛ والتشبيه ، في قوله :يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ( 8 ) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ( 9 ) ،
كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ؛ والكناية ، كقوله :إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ( 39 ) كناية عن المنىّ ؛
والسجع المرصّع في قوله :إِنَّها لَظى ( 15 ) نَزَّاعَةً لِلشَّوى ( 16 ) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى( 17 ) ؛ وذكر الخاص بعد العام لفضله وشرفه ، في قوله :تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ؛
والعام بعد الخاص في قوله :لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ( 14 ) ؛
والمقابلة كما في قوله :إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ( 20 ) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً( 21 ) ؛
والاستفهام الإنكارى تقريعا وتوبيخا في قوله :أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ( 38 ) .

ومن جوامع الكلم في هذه السورة قوله :إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ( 19 ) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ( 20 ) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً( 21 ) ، وهي حكمة بالغة عن طبائع البشر .
وقوله :فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا( 5 ) هو الصبر باللّه ولحكمه ، ويجزى به العبد مرتين ، ومن مصاحباته وطقوسه التسبيح بحمد اللّه . والصبر والمصابرة من عزم الأمور .
ومن أروع المشاهد في هذه السورة : صور العذاب في يوم القيامة :يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ( 8 ) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ( 9 ) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ( 10 ) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ( 14 ) كَلَّا إِنَّها لَظى ( 15 ) نَزَّاعَةً لِلشَّوى ( 16 ) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ( 17 ) وَجَمَعَ فَأَوْعى( 18 ) .

ومن المصطلحات المأثورة في السورة : « الجامع الموعى » في الآية السابقة ، وهو الذي يجمع المال ويوعيه أو يوكيه ويغلق عليه .
وفي تفسير :وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاًالحديث : 
« شرّ ما في الرجل شحّ هالع وجبن خالع » ، وكلاهما « الشّح الهالع والجبن الخالع » مصطلحان من تصنيفات الشحّ والجبن .
ومن المصطلحات : جنة النعيم ، ويوم الدين ، واليوم الذي يوعدون .
وقوله :بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ لأن الكون ملىء بالكواكب ، ولكل منها مشرقها ومغربها ، واللّه تعالى ربّها جميعا .
وقوله :إِنَّا لَقادِرُونَ ( 40 ) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ كقوله :وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ( 38 ) ( محمد ) فيهما وألفاظها إلى مختلف العلوم والفنون .
وللّه الحمد والمنّة ، نحمده تعالى أن جعل القرآن كتابنا ، وجعل محمّدا صلى اللّه عليه وسلم رسولنا ، وجعل الإسلام ديننا وملّتنا ومذهبنا في الحياة وبعد الممات .

  * * *

653 . سورة نوح

السورة مكية ، يعنى تتعلق بالعقيدة ، ويأتي ترتيبها في المصحف وفي التنزيل الواحدة والسبعون ، وآياتها ثمان وعشرون آية ، وكان نزولها بعد النحل ، وسميت بسورة نوح لأن مدارها النبىّ نوح ، وما كان من أمره مع قومه المكذّبين له ، وقصته من بداية الدعوة إلى أن أخذهم اللّه بالطوفان فأغرقهم بخطاياهم ، وعذّبهم في النار بكفرهم .
وفي السورة : أن نوحا من المرسلين والمنذرين ، قيل هو أول رسول منذر ، وأحد أولى العزم الخمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد .
وعاش في قومه عمرا مديدا ، ويطلق عليه لذلك شيخ الأنبياء ؛ ومدار رسالته : الإيمان باللّه وتقواه ، وأن يقرّوا به نبيا مرسلا ، ويطيعوه فيما يأمرهم به أو ينهاهم عنه عن ربّه ، وأن يصدّقوه فيما يعدهم به لو عبدوا اللّه حقّ عبادته ، فسيغفر لهم ربّهم ويمنع عنهم العذاب ، ويكلؤهم بعنايته ، ويبارك لهم في أعمارهم ويؤخّر آجالهم .
ويفسر البعض قوله :وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى( 4 ) أي لا يعجّل عذابهم ، غير أن المعنى المستفاد من طول حياة نوح وبنيه ، أن تأخيره تعالى لآجالهم هو أن يطيل أعمارهم إذا اتّقوا اللّه ، فالتقوى والصالحات تطيل العمر ، والدعاء بطول العمر إذن جائز ، وقد طال عمر نوح وبنيه فعلا ، فعاش نوح 950 سنة ، و « سام » ابنه قيل : عاش 602 سنة ، وكذلك بقية أبنائه ونسائهم وأحفاده جميعا ، فلما آمنوا وأطاعوا نسئ في أعمارهم .

وفي قوله :إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ أضاف الأجل إليه سبحانه ، فهو الذي يثبت ويمحو ، ويطيل العمر ويقصّره .
وفي السورة أن الأنبياء يستنفدون كل طرق الإقناع في الدعوة إلى اللّه ، ولقد دعاهم نوح ليلا ونهارا ، وكلما دعاهم أصرّوا واستكبروا ، ودعاهم جهارا وأظهر دعوته لهم وأعلنها ، وأسرّها ، أي أتاهم في منازلهم يحادثهم سرّا ، متلطفا ومبالغا في الإصرار على دعوتهم .
ولمّا كانوا قد عانوا الجفاف ، وماتت زروعهم فقلّت أموالهم ونفقت حيواناتهم ، وتهددت المجاعة أولادهم ، وعدهم نوح لو آمنوا أن يرسل ربّه عليهم المطر ، لتنمو الزروع ويأكل الحيوان ، ويكثر المال ، فيكون بوسعهم أن يتزوجوا وينسلوا ، وتكون لهم الجنات والبساتين والأنهار ، ومن فقه ذلك : أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار .

ويلجأ نوح في منهج الدعوة إلى المنطق والحوار ، ويستخدم الحجة والبرهان ، ويسوق الأدلة على وجود اللّه ، ووحدانيته وقدرته ، ومن ذلك خلقه للناس أطوارا ، يعنى نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، إلى تمام الخلق ؛ وخلقه كل شئ أطوارا : فالحضارات والمدنيات دول وأدوار ، وحتى التعلم والفهم والوعي على مراحل ، والأطوار قانون الوجود كله ، وهي فطرة اللّه في خلقه وسنّته التي لا مبدّل لها . وحتى السماوات والأرض كانت أطوارا طباقا .
وذلك من دلائل قدرته ووحدانيته . ومن ذلك خلقه للشمس والقمر .
وقوله :وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ، قال المستشرقون : إن القرآن أخطأ حيث جعل الشمس والقمر لكل السماوات والأرض ، وهما للسماء الدنيا وحدها ، ولأماكن من الأرض دون أماكن ؟ !
والخطأ هو خطأ المستشرقين ، أو أنه بالأحرى مغالطة منهم وفساد في الاستنتاج ، لأنه في اللغة العربية قد يقال : إن القمر جعله تعالى في السماوات نورا ، والمقصود في إحدى السماوات وليس كل السماوات ، كقول القائل : أعطني الثياب وهو يقصد الجلباب فقط دون كل الثياب .
وفي السورة من دلائل قدرته تعالى : إنباته للناس من الأرض ثم يعيدهم فيها ، ومعنى إنباتهم أنه ينمّيهم فيكبرون بعد الصغر ، ويطولون بعد القصر ، ومن كان يستطيع ذلك فبوسعه أن يميتهم ثم يعيدهم بعد موتهم ، أي يبعثهم .
ولم يقتنع قوم نوح وعصوه ، واستمعوا للأغنياء منهم ، أصحاب المال والبنين ، وعبدوا آلهتهم : ودّ ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا ، ووضعوا لها التماثيل والصور ، ومكروا المكر الكبّار ، أي الشديد ، و « المكر الكبّار » من المصطلحات القرآنية ، وكانت هذه الأسماء للآلهة من قبل نوح ، لأناس من واقع الحياة اشتهروا بالأذى بما جعل الناس تخشاهم ، صلى اللّه عليه وسلم لأن الأغنياء كان من صالحهم أن يستذلوا الناس بهم ، ويستنزفوا دخولهم لصالحهم ، وقد نبّههم نوح إلى هذا ، وتوجه إلى الفقراء يحذرهم وينذرهم ، والفقراء تابعون دائما ، وما لم يتقدمهم الأغنياء ينكصون أن يخاطروا بالتسليم لنوح ،
فدعا عليهم جميعا :رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ( 26 ) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً( 27 ) ، وينبّه إلى الوراثة الروحية ، فالكافر يلد الكفّار مثله ، وهو الفاجر الفاسق .
وكان لا بد أن يستغفر لنفسه بعد أن دعا على قومه ، فقال دعاءه الخالد :رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً( 28 ) ،
والبيت هو المسجد الذي ابتناه لعبادة اللّه ، وقوله :لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِيعم الأحياء منهم والأموات ، فاستحب هذا الدعاء اقتداء بنوح ، وختمه بالدعاء الذي يردده كل المظلومين :وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراًوالتبار هو الهلاك والخسار في الدنيا والآخرة . 

ومن صور البيان في هذه السورة العظيمة : الطباق كما في قوله : « أعلنت لهم وأسررت » ، و « جهارا وإسرارا » ، و « ليلا ونهارا » ، و « يعيدكم ويخرجكم » ؛ والمجاز في مثل قوله :جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ؛
والاستعارة في مثل قوله :أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً؛
وذكر المصدر للتأكيد :وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاًوأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً، وهو إطناب أيضا ،
ومن باب الإطناب : ذكر الخاص بعد العام ، كما في قوله :لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً،
وعكسه ذكر العام بعد الخاص ، كما في قوله :رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ. ومن صور البيان أيضا السجع المرصّع لرءوس الآيات كما في قوله :« مِدْراراً، وأَنْهاراً، ووَقاراً، وأَطْواراً ».

وقيل : إن الآية :مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراًفيها الدليل على عذاب القبر ، فبرغم أنه لم يرد به نصّ صريح في القرآن ، إلا أنه مصرح به في هذه الآية في قوله :فَأُدْخِلُوا ناراً، فلمّا كانت القيامة لم تقم ، وعذاب الآخرة لم يحن ، فإن إدخالهم النار لا يعنى إلا عذاب القبر ، وينفى هذا الرأي أن عذاب القبر وقتي ، وإدخالهم النار أبدى ، ولا يكون إلا في الآخرة ، وقيل : قد يجوز الإدخال إلى النار في الدنيا كما في الآية عن قوم فرعون :النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا( غافر 46 ) ،
غير أن هذا العذاب لقوم فرعون ليس عذاب قبر ، وإنما هو عذاب أكبر وأشمل وأطول ، ولذا فهو عذاب آخرة .

ومع ذلك فتفسير الآية بخلاف كل ذلك ، ولا يعنى إلا أن قوم نوح عذّبوا بالنار مع الغرق ، فالمطر الشديد الذي أغرقهم كان معه برق ورعد تندلع بهما الحرائق ، ويشتعل الماء ، كما في قوله تعالى :وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ( 6 ) ( الطور ) ،
أي الذي يوقد ماؤه وذلك يكون يوم القيامة ، كقوله تعالى :وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ( 6 ) ( التكوير ) أي أضرمت فتصير نارا تتأجج وتحيط بأهل الموقف ، فبمثل ذلك كان عذاب قوم نوح بالنقيضين : الماء والنار ، واللّه أعلم ،
وهو على كل شئ قدير وهو سبحانه الموفّق للصواب .

  * * *   

654 . سورة الجن

السورة مكّية ، وترتيبها في المصحف الثانية والسبعون ، وبحسب النزول هي الأربعون بعد الأعراف ، وككل السور المكية فإن سورة الجن تتناول مسائل من العقيدة ، وتروى حكاية عن الجن استمعوا للقرآن يتلوه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فعجبوا له ، وما فيه من حكمة ، وما اتّسم به من نظم وحبكة .
وكان سبب إنصاتهم للقرآن أنهم قبل ذلك كانوا يتنصّتون على السماء ، يخطفون ما يصادف سمعهم من أنبائها فيزيدون عليه ، ويروونه للناس كحقائق من الغيب ، والناس تطاوعهم فيما يروون ، وتصدّقهم ، لعل حياتهم تتيسّر بما نبّئوا به ، فلا ينالهم منه إلا الرّهق .
وحارت الجن فيما صارت إليه السماء من الحرس الشديد والشّهب ، فانتشروا يتلمسون السبب ، ووجدوه في ظهور هذا النبىّ الجديد الذي يبشّر بالحقّ من ربّه ، فعرفوا أن عملهم إلى تبار ، ونفوذهم على الناس إلى الزوال ، وكان محمد صلى اللّه عليه وسلم الذي يستمعون إليه يتلو القرآن العجب ويصلّى بالمسلمين ، والأرض لهم مسجد ، وما كان يدعو إلا اللّه ، وله وحده يسجد المسلمون ، والمساجد بيوت اللّه ، ولا ذكر فيها لغيره تعالى .
وقوله :وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً( 19 )
الإشارة إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وهو عبد للّه كما أن كل الرسل عباد له تعالى ، وكل المؤمنين من عباده ، وقيل إن « عبد اللّه » من أسماء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وفي الآية فإن عبد اللّه داعية للّه ، والشأن مع الدعاة أن يجتمع الناس عليهم ، ويزدحموا يحرصون على الاستماع لهم ، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم ، والمسلمون من بعده ، دعاة إلى اللّه ، ودعوتهم ليست إلا له تعالى ، وهو الواحد الأحد ، لا يشركون به ، وما كان محمد في اعتقاده واعتقاد المؤمنين باللّه ، إلا بشرا رسولا ، لا يملك للناس ضرّا ولا رشدا ، ولمّا قيل له : اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك ، قال :إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً( 22 )
أي ملتجأ ألجأ إليه ، ونصيرا ووليا ، وحرزا ، ومذهبا ، ومسلكا ، وما كان له أن يتقوّل على اللّه من نفسه ، فما أمر إلا أن يبلّغ ما يوحى إليه ، ولو عصى اللّه لكانت النار مأواه ، وكيف يعصاه والملائكة من بين يديه ومن خلفه ترصد ما يقول وتسجله عليه ؟
واللّه يحيط بما لديه ولديهم ، ويحصيه عددا ، إن قولا أو فعلا ؟
ولو تقوّل عليه بعض الأقاويل لأخذ منه بالوتين ! وما كان محمد صلى اللّه عليه وسلم يعلم عن الساعة ما يلحّون أن يعرفوه عن ميقاتها ، فاللّه وحده هو عالم الغيب ، ولا يدرى أقريب موعدها أم بعيد ، لأنها غيب ، وهو تعالى لا يطلع رسله على الغيب إلا بما يخدم رسالاتهم ويثبت لهم الدعوة ، ويظهر لهم المعجزات يصدّقهم بها الناس ، ومن ذلك قول عيسى لقومه :وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ( آل عمران 49 ) ،
وقول يوسف :لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي( يوسف 37 ) ، قيل ذلك هو العلم اللّدنّى ، أي من لدن اللّه .
وربما كان المراد بقوله تعالى :لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ( 28 ) أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد تحصّل له العلم بأن الرسل قبله قد أبلغت عن اللّه ، أو ليعلم أهل الشرك أن الأنبياء قد أبلغوا رسالات ربّهم ، أو ليعلم اللّه تعالى أن الرسل قد أبلغوها ، كقوله في آيات أخرى :وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ( 11 ) ( العنكبوت ) ،
وهذا التفسير الأخير ، بجعله الضمير يعود إلى اللّه تعالى ، فإن اللّه يجعل علمه تعالى بهم علم ظهور ، أو علم مشاهدة ، لا علم بداء ، ولكنه تعالى يعلم بما كان وبما سيكون ، ولا يخفى عليه شئ من أمور الكون :وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ( 59 ) ( الأنعام ) ، ولذلك كان هذا التفسير قاصرا ولا يصح .

والجن في هذه السورة جنس كالبشر ، من جنّ أي خفى واستتر ، فهم المستترون أو المختفون ، استتروا على الإنسان وخفوا عنه . وسفيههم الذي يحكون عنه في السورة هو إبليس ، وقوله في اللّه هو الشطط .
والجن لمّا سمعت القرآن آمنوا ، وإيمانهم تقريع للعرب أنهم لم يؤمنوا بعد ، وذلك في زمن الرسول صلى اللّه عليه وسلم وبعد زمن الرسول صلى اللّه عليه وسلم فإن الآية تقريع للناس جميعا أنهم لا يؤمنون وعندهم كتاب اللّه حجّة عليهم .
وعند الجن فإن أكبر فرية افتراها الإنسان في حق اللّه أن جعل له تعالى صاحبة وولدا ، يعرّضون بديانة النصارى الذين عبدوا المسيح ونسبوا إليه أنه ابن اللّه من مريم . ونعلم عن الجن أنهم مثلنا ، منهم المسلمون ، ومنهم القاسطون ، والمسلمون لمّا سمعوا الهدى آمنوا به وأسلموا ، فهؤلاء هم الصالحون ، لا يخافون بخسا ولا رهقا ، وأما القاسطون ، أي الظالمون لأنفسهم ، فهؤلاء دون الصالحين ، وهم فرق وطرق ومذاهب ، ظنوا أنهم يعجزون اللّه في الأرض ، ولو قد أسلموا ونهجوا الطريقة المثلى ، أي الإيمان ، لسقاهم ربّهم ماء غدقا ، يعنى لوسّع في رزقهم ، وهذا هو الغدق المادي ، ولرضى عنهم وأرضاهم وأنزل سكينة وطمأنينة الإيمان على قلوبهم ، وهذا هو الغدق الروحي أو النفسي ؛ والماء الغدق هو نعمة الأخذ بالقيم ، كقوله تعالى في آيات أخرى :وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ( الأعراف 96 ) ،
وقوله لأهل الكتاب :وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ( المائدة 66 ) ، والبركات جمع بركة وهي الزيادة ، يبارك اللّه لهم في أرزاقهم ، ويزيدهم من أفضاله ونعمه ، ويوسّع عليهم ، وهذا هو الغدق المادي والروحي معا ، لا يتحصّلونه إلا بالإيمان .
وفي قوله تعالى :قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ( 1 ) رواية عنهم فيها الدليل على أنه صلى اللّه عليه وسلم بشر من بشر ، ولم يرسل إلا للبشر ، وأنه ما رأى الجن ولا خاطبهم ، وما كان يمكن أن يعلم بقصتهم لولا أن أوحى إليه بها .
والإسلام كما هو واضح في السورة ضد اللجوء للجن وما شابه الذي يروّج له البعض ويأخذون به .
وتحفل السورة بوجوه البلاغة ، كما في الوصف بالمصدر في قوله :قُرْآناً عَجَباً، وفيها من بدائع البيان الطباق والجناس والاستعارة والسجع ،
والأول كما في قوله :فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ، والْإِنْسِ والْجِنِّ، وضَرًّاورَشَداً، والْمُسْلِمُونَ والْقاسِطُونَ؛
وأما الجناس فكما في قوله :نَقْعُدُ مَقاعِدَ؛
وأما الاستعارة فكما في قوله :كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً؛
وأما السجع فكما في قوله : « أحدا ، وولدا ، ورصدا ، ورشدا ، وصعدا ، وعددا » ويسمونه السجع المرصّع ، لأنه يرصّع رؤوس الآيات ،
ومن أجمل التعابير قوله :يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً يعنى يكلّف المكذّب أن يرتقى الصّعود ، وهو الجبل الأشم على قمته صخرة ملساء ، فإذا بلغها بعد جهد انزلق فينحدر من حالق إلى أسفل ، فيضرب ليصعد من جديد ، لينزلق مرة أخرى وثالثة ورابعة . . . إلخ ، وذلك هو العذاب الذي ما بعده عذاب ، وعلى منواله في الأدب العالمي ، أسطورة سيزيف اليونانية ، فإنه بلعنة من الآلهة صار على سيزيف أن يصعد الجبل بالحجر ، حتى إذا شارف القمة تدحرج بالحجر من عل إلى أسفل لينهض ويحاول من جديد بلا نهاية ،وهذه الصورة للعذاب مما يضرب به المثل ، وتتكرر في القرآن مرة أخرى في سورة المدّثر في الآية :سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً( 17 ).
فهذا بعض ما في هذه السورة المباركة من الكمال والجمال والحق والخير ، والحمد للّه على نعمة القرآن والإسلام .

  * * *   

655 . سورة المزمل

رقمها الثالثة والسبعون في المصحف ، وترتيبها في التنزيل الثالثة ، وتأتى بعد القلم ، وآياتها عشرون آية ، وهي من السور المكية ، إلا الآيات 10 و 11 و 20 فمدنية ،
وتتناول جانبا من حياة الرسول صلى اللّه عليه وسلم في تبتّله وقيامه الليل ، وفي تلاوته للقرآن ، وصبره على المكذّبين ، ومن ثم كان اسم السورة « المزمّل » ؛ والمزمل أصلها المتزمّل ، قيل زمّل الرسالة ، أو النبوة ، أو القرآن ، أي حمّلها ولكنه فتر عنها ، أو أن المعنى أنه المزمل زمّل نفسه بالثياب ، فكان - كما تقول عائشة - يتزمّل بمرط ، لا هو خزّ ، ولا قزّ ، ولا شعر ماعز ، ولا إبريسم ( أي حرير ) ، ولا صوف : سداه الشّعر ، ولحمته الوبر » ،
ومن قول عائشة هذا اعتبروا السورة مدنية ، لأن عائشة لم تكن معه إلا في المدينة ، غير أن كلام عائشة رواية لما سمعته ولكنها لم تشاهده ، والجمهور على أن السورة مكية إلا من بعض آياتها ،
وقيل : إنه حتى في المدينة كان صلى اللّه عليه وسلم يبلغه سوء قول المشركين فيه ، فيشتد عليه ، فيتزمّل في ثيابه ويتدثّر ، ولذا كانت السورة التي تليها في النزول تخاطبه بنفس الطريقة :يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، والصحيح أن السورتين نزلتا في ابتداء ما أوحى إليه ، فلما جاء الملك ، واستمع إليه ، ارتعد وارتجف ،
وأتى أهله فقال الكلمة المشهورة : زمّلونى ودثّرونى ، وذلك هو التفسير المادي ، وإنما هناك التفسير الرسالي ، وهو أبعد من أن يتصل بالأغطية والدثر ، أو بما طرأ عليه من عوارض نفسية كالخوف وغيره ،
فإنه لمّا نزلت هاتان السورتان : المزمل والمدثر ، كان قد تزمّل أو تدثّر عن تبليغ الرسالة ، يعنى كان قد فتر عن التبليغ ، ولم تكن المزمل أو المدّثر من أسمائه صلى اللّه عليه وسلم كما قال البعض ، ولا يصحّان اسمين له ، وإنما هما اسمان مشتقان من حالته التي كان عليها حين الخطاب .
ومن دأب العرب أن تسمى الناس عند مخاطباتهم - إذا أرادوا ملاطفتهم - بأسماء مشتقة من أحوالهم ، والاسمان المزمل والمدثر هما للتأنيس والملاطفة ، والرسول صلى اللّه عليه وسلم فعل ذلك مع علىّ ، فناداه : « يا أبا تراب » ، ونادى حذيفة : « يا نومان » فأشعرهما أنه غير معاتب لهما .
على أن السورتين كسورتين من السور أو الآيات التي تخاطب الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، يقصد بهما كل مسلم ، وخاصة بعد وفاته صلى اللّه عليه وسلم ، فأمّة الإسلام أمة شاهدة ومكلّفة بالتبليغ ، وهي أمة بلاغ ، والمسلم إنسان رسالى ، أي صاحب رسالة هي الإسلام ، وكل مسلم بما أنه كذلك فهو مكلّف بما كلّف به النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وإن ذكرت له صلى اللّه عليه وسلم صفة ، أو وصفت له طريقة ، فإنّ المعنىّ بها الآن - بعد وفاة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم هو المسلم أو المسلمة ، والمزمل والمدثر مخاطب بها كل مسلم ، وتأمرانه بأن لا يفتر عن التبليغ فكل مسلم ( وكل مسلمة ) هو خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو المؤتمن على رسالته .

والسورة على ذلك تعهد إلى المسلمين أن يبلّغوا القرآن للناس ، وقبل ذلك أن يستعدوا بدنيا وروحيا ، ومن ذلك إحياء الليل في العبادة ، كما في قيام شهر رمضان ، نصفه - أي نصف الليل ، أو أقل من النصف ، أو زيادة عليه ، ومن فقه ذلك أن صلاة الليل أو آخر الليل مستحبة على أوله .
وقوله :إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًاأي ساعاته وأوقاته ، وكل ساعة منه ناشئة ، وأشد وطأة ، وأقوم قيلا ، يعنى أجمع للخاطر من قيام النهار ، لأن النهار وقت السبح الطويل ، أي السعي طلبا للقمة العيش وسدّ الحوائج .
وقالوا إنّ حكم الآية :قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًانسخه حكم الآية :فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ، وكانوا في أول عهدهم بالإسلام يقومون الليل لا أقل من ثلثه ، ولا أكثر من ثلثيه ، حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ، فنسخ القيام الطويل هذا بقوله :فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُمثل قوله :وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ( الإسراء 79 ) ،
وبذلك تكون آخر السورة قد نسخت أولها ، ولا نرى أن في ذلك نسخا ، لأن آيةقُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًاخاصة بصلاة الليل ، وأما آيةفَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُفخاصة بقراءة القرآن وحده دون أن يكون ضمن صلاة .
وفي السورة :إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ( 20 )
أي أن هذه الصلاة ، كان يقوم بها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وطائفة من المؤمنين ، يعنى أنها من النوافل يأتيها البعض دون الآخرين ، وهو المعنى في الآية :وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً( الإسراء 79 )
يعنى زيادة على الصلوات المعتادة ، ومع ذلك فإن قيام الليل إطلاقا من الفروض ، وإنما فرضه كان فرض كفاية لا فرض عين ، وأراد به اللّه تعالى أن يمارس المسلمون مشقة القيام ، فتكون لهم التربية البدنية والروحية التي تؤهلهم لما سيناط بهم من بعد من مهمة التبليغ إلى الأمم ، وما سيواجهونه من مشاق في ذلك ، وقد يجبرون على القتال ، وقد يعانون الحصار والجوع وتنالهم الهزائم ، فلا محيد لهم عن أن يصبروا ، ومن أين يأتي الصبر إن كانت أبدانهم لم تعتد الشدائد ، وكانت نفوسهم لما تعان الضغوط والضوائق ، فكان فرض قيام الليل ليخلق أجيالا من المسلمين الأشداء ، وكان الصيام ليتمرّسوا بكل ما يمكن أن يجرّه عليهم الإسلام من العناء ، وليس أشد عناء من الجوع ، ولا أشد ابتلاء من أن يقاتل المسلم ، ويخرج من داره ، ويطرد من بلاده ، ويمنع من التعبّد للّه .
وليس صحيحا إذن أن قوله :ما تَيَسَّرَ مِنْهُمرتبط بقيام الليل أي بالصلاة ، وإنما هي خاصة بقراءة القرآن في غير الصلاة ، وأمّا قيام الليل فهو فرض وإنما على القادر عليه ، ولذلك قيل في مدة القيام ربما نصف الليل ، أو أقل أو أكثر ، وربما الثلثان أو الثلث ، فعلى الموسع قدره ، ولا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها ، وقد يصلى ثلاث ركعات ، أو أربعا ، أو خمسا ، أو ستا ، أو سبعا ، أو ثمان ، أو تسعا ، وقد صلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم كل ذلك حتى إحدى عشرة ركعة ، وثلاث عشرة . . . إلخ .
ويروى عن عائشة قولها : كنت أجعل للنّبىّ صلى اللّه عليه وسلم حصيرا يصلى عليه من الليل ، فتسامع الناس به ، فلمّا رأى جماعتهم كره ذلك ، وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ، قال : « أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن اللّه لا يملّ من الثواب حتى تملوا من العمل ، وإن خير العمل أدومه وإن قلّ » ، يعنى فمن كان يستطيع أن يقوم الليل فليفعل ذلك بأي عدد يقدر عليه ، فالمهم أن يأخذ نفسه بما تستطيعه ، وأن يداوم عليه ، واللّه تعالى يثيب كلا على قدر تعبّده .

وأما قراءة القرآن فنفهم أنها فرض كذلك ، ولكل أن يقرأ على قدره ، والمهم أن يقرأوَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، ومطلق الأمر في السورة على وجوب القراءة ، ووجوب القراءة ، يعنى وجوب حفظ ما يتيسر منه ، وبذلك يعى المسلم لما ذا القرآن معجز ، وأنه كتاب محيط ، ويلمّ بدلائل وجود اللّه ، ودلائل قدرته ومنصرفات هذه القدرة ،
ومعنى أسمائه ، ويعرف عن رسالات الرسل ، وأقل ما يجب على المسلم أن يحفظه ثلاث آيات ، وهو مقدار أقصر سورة منه ، ليمكنه أن يقيم بها صلاته ، والوجوب إطلاقا أن يكون بوسعه أن يقرأ القرآن كله وأن يعاود القراءة بانتظام ، لأن اللّه قد يسّره على العباد ، أو أن يتمرّس بقراءة ثلثه ، أو أكثر من ذلك أو أقل .
ومن فقه ذلك أن الأمىّ الذي لا يقرأ ولا يكتب ، إيمانه ناقص ، لأنه لن يستطيع أن يقرأ القرآن أو بعض آياته ، ولن يكون بوسعه أن يرتله ترتيلا كما جاء في السورة .
وربما يفهم أن التلاوة تكون في الصلاة ، والقراءة تكون في غير الصلاة ؛ والتلاوة والقراءة كلاهما له أصوله ، والتلاوة تكون عن تمهل وفهم وتدبّر ، وربما كان المقصود بالقراءة ، المصاحبة للصلاة ، وكانت عائشة تقول : كان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يقرأ السورة فيرتلها ، حتى تكون أطول من أطول منها .
وعن أنس عن قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : كانت مدا ، ثم قرأ « بسم اللّه الرحمن الرحيم » يمدّ بسم اللّه ، ويمدّ الرحمن ، ويمدّ الرحيم . وعن أم سلمة عن قراءته صلى اللّه عليه وسلم ، قالت : كان يقطّع قراءته آية آية ، يقول مثلا :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ( 1 ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ( 2 ) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ( 3 ) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ( 4 ) .
وفي الحديث عن تحسين الصوت بالقراءة : « زيّنوا القرآن بأصواتكم » ، و « ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن » .
وعن ابن مسعود قال : « لا تنثروه نثر الرمل ، ولا تهذوه هذّ الشعر . قفوا عند عجائبه ، وحرّكوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة » .
وفي قوله :إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا( 5 ) هو العمل به ، أو أن القرآن له عظمة تثقل به وقت نزوله ، وعن زيد بن ثابت قال : أنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفخذه على فخذي ، فكادت ترضّ فخذي .

وفي قوله :وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا( 10 ) ، « ما يقولونه » هو السبّ والاستهزاء فلا يجزع من قولهم ، ولا يمتنع من دعائهم ، ولا يتعرض لهم ، ولا يشتغل بالتفكير في محاربتهم .
و « الهجر الجميل » هو الذي لا عقاب معه . وقوله :وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ( 11 ) فيه أن المكذبين هم الأغنياء ، وفي القرآن يأتي التكذيب للّه تعالى مترافقا مع « الترف » ثماني مرات ، ويأتي التحذير من الغنى الذي يحرّض على الإنكار والمكابرة ست مرات .

وتحفل سورة المزمل بالمواعظ والدروس والعبر ، وتثير الكثير من الأسئلة ، ومن ذلك الآية :إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا( 19 ) ، فليست سورة المزمل وحدها التذكرة وإنما القرآن كله تذكرة ، والقرآن كله كالسورة الواحدة ؛ و « السبيل » : هي طريقة الإسلام التي بها ينال رضا اللّه ورحمته ؛ وقيل إن هذه الآية ، وكذلك قوله :فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ( المدثر 55 ، وعبس 12 ) ، نسختها « آية السيف » التي تقول :فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ( التوبة 5 ) ،
والصحيح أنه لا نسخ هناك ، لأن آية المزمل خاصة بالإيمان ، وتخيّر الناس بين التصديق أو الإنكار ، بعد أن أظهر اللّه لهم الحجج والدلائل ، وأما « آية السيف » التي أطلقوا عليها ذلك الاسم بهتانا ، فتحضّ على قتال المشركين بعد الأشهر الحرم ، بعد أن ثبت أنه لا عهد لهم ولا أمان معهم .
وفي سبب تسمية « آية السيف » بذلك الاسم ، أن ابن عباس قال فيها : أمر اللّه نبيّه صلى اللّه عليه وسلم أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم  يدخلوا في الإسلام » . فبسبب التعبير « يضع السيف » سميت بآية السيف .
ودليل بطلان القول بأن قتلهم كان على إطلاقه ، ولم يكن له أسبابه من نقضهم العهود ، أن الآية :فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها( محمد 4 ) جاءت بعدها وتحضّ على قتال الكفار ، ولكنها تقرّ بأن يكون هناك أسرى ، وللمسلمين بعد الحرب ، إن شاءوا منّوا عليهم وأطلقوا أسرهم مجانا ، وإن شاءوا فادوهم بالمال ، وإن شاءوا قتلوهم ، وهذا الحكم مشرّع لحالة الحرب وحدها إلى أن تضع الحرب أوزارها .
وعلى ذلك فإن آية سورة المزمل التي تقول :إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا( 19 ) لم تنسخها آية أخرى كما يدّعى البعض ،
يعنى أن سورة المزمل تؤكد حرية الناس أن يؤمنوا أو يكفروا ، فلا إكراه في الدين . وكغيرها من سور القرآن لها جمالياتها ، ففيها من السجع المرصّع ، أمثال : « قليلا ، وترتيلا ، وثقيلا ، وقيلا ، وطويلا ، وتبتيلا . . . » إلخ ؛
ومن الطباق ، أمثال : « المشرق ، والمغرب ، واللّيل والنّهار » ؛ ومن الجناس ، أمثال : أرسلنا الرسولا ؛ ومن التأكيد للتبيين والإيضاح ، أمثال : 
« رتّل ترتيلا ، وتبتّل تبتيلا » ؛
ومن الاستعارة أمثال :وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناًوللّه الحمد والمنّة ، وهو الموفّق للصواب .

  * * *   

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 0:50 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

656 . سورة المدّثر

السورة مكية ، نزلت بعد المزمل ، وترتيبها في المصحف الرابعة والسبعون ، وفي التنزيل الرابعة ، وعدد آياتها ست وخمسون ، وتتحدث عن بعض أمور الرسالة في ابتدائها ، واعتراضات المعترضين عليه صلى اللّه عليه وسلم ، وما ينتظرهم من العقاب والعذاب ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، ولا تنفع شفاعة الشافعين .
وفي مناسبة تسمية السورة أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، بعد تكليفه في حراء ( بكسر الحاء ) ، فتر عنه الوحي لمدة ورآه بعدها عندما كان يهبط يوما إلى بطن الوادي ، فتملكه الخوف لدى رؤيته ، وذهب إلى زوجته خديجة يقول لها :

« دثّرونى وصبّوا علىّ ماء باردا » . فنزلت :يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ( 1 ) قُمْ فَأَنْذِرْ ( 2 ) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ( 3 ) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ( 4 ) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ( 5 ) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ( 6 ) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ( 7 ) .
وفي رواية أخرى أن الوليد بن المغيرة ، أحد زعماء قريش وزنادقتها ، وكان يعادى الإسلام ويبغض الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، جمع قريشا على طعام وقال لهم : إن الناس يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد ، فتختلف أقوالكم فيه ، فيقول هذا : كاهن . ويقول هذا : شاعر . ويقول هذا :
مجنون .
وليس محمد يشبه واحدا مما يقولون ، ولكن أصلح ما يقال فيه : « ساحر » ، لأنه يفرّق بين المرء وأخيه ، والزوج وزوجته ! - وفي رواية أخرى أن قريشا لمّا سألها المغيرة عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، قال بعضهم هو « ساحر » ، ونفى بعضهم أن يكون ساحرا . وقال بعضهم هو « كاهن » ، ونفى بعضهم أنه كاهن .
وقال بعضهم : هو « شاعر » . ونفى بعضهم أنه شاعر ، وقال بعضهم : هو « مجنون » . ونفى بعضهم أنه مجنون . واجتمعوا آخر الأمر على أنه ساحر يؤثر ، وحضّهم المغيرة أن لا يقولوا إلا ذلك . وسمع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بما دبّروا وأجمعوا ، فحزن ، وقنّع رأسه ، وتدثّر ، فأنزل اللّه :يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ( 1 ) قُمْ فَأَنْذِرْ ( 2 ) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ( 3 ) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ( 4 ) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ( 5 ) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ( 6 ) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ( 7 ) . 
ومعنى قُمْ فَأَنْذِرْ: لا تفكر في قولهم وبلّغهم الرسالة .
وكان رفضهم لكل الصفات إلا صفة السحر ، لأنهم علموا أن كل هذه الصفات لا يمكن أن تجتمع لشخص واحد ، فسمّوا الرسول صلى اللّه عليه وسلم باسم واحد يجتمعون عليه وتأخذه العرب عنهم .
وقيل : إن الذي جمع العرب هو عتبة بن ربيعة ، وهو الذي أذاع عنه أنه ساحر . وقيل : إن المجتمعين كانوا : أبا لهب ، وأبا سفيان ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، ومطعم بن عدىّ .
وكان اعتراض الوليد أن كلام محمد لا يشبه كلام أحد من الشعراء ، ولا يشبه كلام الكهنة ، وقال : لأن الكاهن يصدق ويكذب وما عرفنا أن محمدا قد كذب من قبل ، ولا يشبه كلام المجانين ، لأن المجنون يخنق الناس ، وما خنق محمد أحدا قط .

والمدّثّر من دثره بالثوب ، وتدثّر وادّثر ، يعنى اشتمل به وتلفف ، فهو متدثّر ومدّثّر ، والدثار هو الثوب الذي يستدفأ به ويتغطّى به النائم .
والمدثر في الآية تعنى : أنه تدثّر بالنبوة وركن إلى تكليفه بها دون أن يبذل جهدا في إبلاغ الناس بمضمونها ، فما كان قد نهض بعد بالرسالة ، وكان في بداية عهده بها ، ولم يتمكن من فهم أبعادها ولا مراميها ، فكان يحتاج إلى مثل هذه السورة يتفهم عنها ما سيبلّغه . والمقصود بالخطاب هو النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وليس المدثر اسما من أسمائه صلى اللّه عليه وسلم ينادى به ، ولكنه وصف لحاله ، ونودي به على سبيل الملاطفة والمؤانسة ، كندائه في سورة المزمّل في الآية :يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ( 1 ) ،
وكما في نداء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لعلىّ بن أبي طالب : « يا أبا تراب » ، وكان قد غضب من زوجته فاطمة فنهض مسرعا يريد الخروج ، فانسدلت عباءته من فوق كتفيه على الأرض وأصابها التراب ، فناداه الرسول صلى اللّه عليه وسلم هذا النداء ليستشعر اللين .
ومثله نداؤه صلى اللّه عليه وسلم على حذيفة : « يا نومان » لمّا استغرقه النوم ولم يدر بنفسه ، فأيقظه بهذا النداء إشعارا لترك العتب والتأنيب .
وقوله تعالى :وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ( 3 ) أي عظّم ، وقد صار هذا اللفظ بعرف الشرع في تكبير العبادات بقوله : « اللّه أكبر » ، وقام الرسول صلى اللّه عليه وسلم لمّا نزلت :وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ( 3 ) وقال : « اللّه أكبر » ، فكبّرت خديجة .
وقوله :وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ( 4 ) المراد بالثياب على الظاهر : 
الملابس ، وعلى المجاز العمل ، أو القلب ، أو النفس ، أو الجسم ، أو الأهل ، أو الخلق ، أو الدين ، أو ذلك كله . وقوله :وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ( 6 )
يعنى لا تمتن على ربّك أو على الناس ، تستكثر من الخير ، أو الأجر ، أو الثواب ، أو تستكثر بعملك . وقوله :ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً( 11 )
من أكمل العبارات في الوعيد والتهديد ، ومعنى « وحيد » أنه لم يكن شيئا حين خلقه ، ولم يكن له مال ولا ولد ، ثم أعطاه كل ذلك فما شكر ولا حمد .
والآيات من 11 حتى 29 كلها عن الوليد بن المغيرة ، وماله الوفير ، وأولاده الكثر وكانوا ثلاثة عشر ، ومنهم خالد بن الوليد ، وأطماعه في الزيادة ، وعناده ، وكفره ، وما ينتظره من العذاب ، وكان وصفه تعالى في الآيات من 18 حتى 25 من أروع ما قيل في التفكير والتبييت ،
قال :إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ( 18 ) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ( 19 ) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ( 20 ) ثُمَّ نَظَرَ ( 21 ) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ( 22 ) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ( 23 ) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ( 24 ) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ( 25 ) ،
فالوليد فكّر في شأن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وهيّأ في نفسه ما يقول عنه ، ولقد قدّر ما قدّر ، قاتله اللّه ولعنه ، وتدبّر ما يردّ به الحق ويدفعه ، وقطّب بين عينيه في وجوه الناس ، وكلح وجهه ، ووقف لا يتقدم ولا يتأخر ، ثم ولّى وأعرض ، وتعظّم أن يؤمن ، واستكبر على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وقال : إن هذا الدين ليس إلا سحرا يؤثر » ، و « السحر » إظهار الباطل في صورة الحق ، و « يؤثر » يعنى يرويه الناس عن بعضهم البعض ، و « ما هو إلا كلام بشر » ، يقصد بذلك أنه من وحى من يدعى سيارا ، كان عبدا لبنى الحضرمي ، وكان يجالس النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فنسبوا إليه أن سيارا كان يعلّمه ، وقيل كان الكاهن عدىّ الحضرمي هو الذي يلقنه .

وفي السورة تأتى أوصاف « سقر » الموعود بها الوليد وأصحابه ، وفتنة العدد تسعة عشر ، وهو عدد خزنة جهنم ، وقال أبو جهل لقريش استهزاء : « أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم !
وقال أبو الأسود بن كلدة الجمحي : لا يهولنكم التسعة عشر! أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة، وبمنكبي الأيسر التسعة ، ثم تمرون إلى الجنة.
وقال الحارث بن كلدة : أنا أكفيكم سبعة عشر واكفونى أنتم اثنين !
- والحق أن هذا العدد قيل اختبارا لتصديق المؤمنين ليستوثقوا من كتابهم القرآن ، وليتأكد أهل الكتاب أن القرآن من لدن اللّه ، وما كان هذا العدد تسعة عشر إلا مثلا ، والأمثال يجد فيها الكافرون فرصتهم في التقوّل ، ويطمئن بها المؤمنون ، والقول في عدد خزنة جهنم من الغيب ، وجنود اللّه لا يعرف عددهم إلا هو ، وما جعل اللّه هذا العدد تسعة عشر إلا فتنة للذين ضلّوا ليزدادوا ضلالا ، والفتنة ذكرى للناس وعظة لهم وتذكرة ، وهؤلاء الضالون أعرضوا عنها كالحمر النافرة ، يريد كل منهم أن يؤتى بكتاب وحده ليقتنع ،
وفي الرواية أن أبا جهل قال للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : 
يا محمد ! ايتنا بكتب من ربّ العالمين مكتوب فيها : إني قد أرسلت لكم محمدا ! !
وقال ابن عباس : كان أهل قريش يطلبون من النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إن كان صادقا أن يأتي كل رجل منهم صحيفة فيها براءته وأمنه من النار ! فلم يكونوا يقدرون على الاتّعاظ والتذكّر ، ولو فعلوهما لوجدوه تعالى أهلا للتقوى والمغفرة ، وفي الحديث عند الترمذي : « قال اللّه تبارك وتعالى ، أنا أهل أن أتّقى ، فمن اتّقانى فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له » .

وفي السورة الكثير من وجوه البيان والبديع ، ومن ذلك الاستفهام للتهويل كقوله تعالى :وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ؛ والسجع المرصّع في مثل قوله تعالى :وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ( 33 ) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ، ووَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ( 45 ) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ( 46 ) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ؛ وقوله :إِذْ أَدْبَرَيرجّح كثيرون أنهإِذْ أَدْبَرَلأنه أكثر موافقة للحروف التي تليه :إِذا أَسْفَرَ، فكيف يكون أحدهما إِذْوالآخرإِذا؟ وليس في القرآن قسم تعقبهإِ ذْوإنما يتعقبه إِذا.
ومن وجوه البيان بخلاف ما سبق : الطباق كما في :
« عسير ويسير » ، و « تقدّم وتأخّر » ؛
والمقابلة كما في :وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ( 33 ) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ؛ والتقريع الجميل ،
كما في الآية :فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؛ والتشبيه كما في قوله :مُسْتَنْفِرَةٌ ( 50 ) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ؛
والجناس كما فينُقِرَ فِي النَّاقُورِإلى آخر ذلك من وجوه جمال الأسلوب القرآني ؛ وأسلوب التأكيد في قوله :كَلَّا وَالْقَمَرِ، وجاءت الصورة في القسم بالقمر في ساعات الليل الأخيرة ، والصّبح يقارب الإسفار ، غاية في الجمال ، ولها التأثير الوجداني المطلوب للإحساس بهول النار بعد ذلك مباشرة ووصف القرآن لها بأنها إحدى الكبر ، أي العظائم .
وأصحاب اليمين مصطلح قرآني ، وهم أصحاب الحقّ وأهل الإيمان ، وغيرهم « المرتهنون » ، وهو مصطلح آخر ، يعنى بهم الذين يدخلون في « الرهن » ، كقول تعالى :كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ( 38 )
أي « مرتهنة » بكسبها ومأخوذة بعملها ، فإما يخلّصها عملها وإما يوبقها ، باستثناء أصحاب اليمين ، فهؤلاء لا يرتهنون بذنوبهم ، وفي قوله :فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ( 48 ) يقصد بهم المرتهنون ، وقيل إن هذه الآية دليل على صحة الشفاعة للمذنبين من أهل التوحيد ، ولا شفيع يشفع للمكذّبين .
فذلك وأمثاله كثير ، هو بعض ما في هذه السورة العظيمة من معان كبيرة ، ووجوه للجمال رائعة .

  * * *

657 . سورة القيامة

السورة مكّية ، وآياتها أربعون ، وترتيبها في المصحف الخامسة والسبعون وفي التنزيل الواحدة والثلاثون ، وكان نزولها بعد القارعة ، ومثلها مثل الكثير من السور المكّية تتناول وصف يوم القيامة ، ولذا كانت تسميتها سورة القيامة ، وهو يوم من أيام اللّه الكبرى ، بل هو قمة هذه الأيام ، ولذا أقسم به مع أنه غيب ، وقرن الغيب بالحاضر ، وأقسم بالنفس اللوامة وهي أخصّ خصائص الإنسان ، ورمز للأخلاق ، وهي حاضر الإنسان ، وفي الطبوغرافية النفسية هي الضمير أو الأنا الأعلى ، فإن قلنا إنها الضمير فإنها من ضمر أي ستر ، لأن النفس مستورة تدرك عقلا ولا ترى بصرا ، وإن قلنا إنها الأنا الأعلى ، فلأن الجهاز النفسي أقسام ، أدناه الهوIdالمنوط به الغرائز ، وأوسطه الأناEgoالمنوط به الحاضر ، وأعلاه الأنا الأعلىSuperego، وهو هذه النفس اللوامةThe upbraiding self، تلوم صاحبها على الخير لم لم يستكثر منه ، وعلى الشر لم فعله ؟ وقيل اللوامة بمعنى اللائمة وهي صفة مدح ؛ أو بمعنى الملومة ، أي المذمومة ، وهي صفة ذمّ ، وهذا المعنى الأخير هو الذي أخذ به المستشرقون من أمثال : مكدونالد ، وفريد لاندر ، ولا نداور ، وقد أخطئوا وترجموهاthe commanding - to - evil - self، يعنى النفس الأمّارة بالسوء ، وهي بخلاف النفس اللوّامة !
والأولى : شرّيرة ؛ والثانية : مؤمنة ، وتوّابة ، ومنيبة ، وشتّان ما بين الاثنتين ! ولكنه جهل المستشرقين فما ذا نقول فيه ؟ ! والسورة من أكثر السور احتفالا بالتحليل النفسي ، وبها الكثير من وجوه جمال الأسلوب وبديع البيان ، ومن ذلك الاستفهام الإنكارى كقوله تعالى :أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ( 3 ) ، يقصّد به التوبيخ والتقريع ، وهو جواب القسم بيوم القيامة وبالنفس اللّوامة ، يقول سنجمع عظامه للبعث .

والآية نزلت في عدىّ بن ربيعة ، قال للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : حدّثنى عن يوم القيامة متى يكون ؟
وكيف أمر القيامة وحالها ؟ وقال : لو عاينت ذلك اليوم يا محمد لم أصدقك ، ولم أو من به ! وقال : أو يجمع اللّه العظام ؟ ! ولهذا كان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يدعو : « اللهم اكفنى جارىّ السوء - عدىّ بن ربيعة ، والأخنس بن شريق » . وقيل : بل نزلت في أبى جهل حين أنكر البعث بعد الموت .
وكانت الآية :بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ( 4 ) هي الردّ على سؤال عدىّ ؛ وقوله « بلى » من جماليات السورة ، وهي وقف حسن بمعنى نحن قادرون ؛ وتسوية البنان حجة على قدرة اللّه ، ونبّه بالبنان على بقية الأعضاء ، والبنان أصغر عظام الإنسان ، يقول : بلى قادرين على أن نعيد السلاميات على صغرها ونؤلف بينها حتى تستوى ، ومن يقدر على هذا فهو على جمع العظام الأكبر منها أقدر .
وفي العلم الحديث : كشف أن البنان به تجاويف وخطوط على شكل أقواس أو عراو أو دوامات ، وبهذه التجاويف لا يشبه إنسان إنسانا آخر ، وهو ما يسمى عند علماء الهوية علم بصمة الإبهام . وفي السورة تتكرر لفظة « الإنسان » خمس مرات ، وهو اسم جنس بمعنى ابن آدم ، كما نقول في الإنجليزيةManأو في الفرنسيةL'Homme، والتكرير للّفظة من الجماليات في السورة ، مثل تكرير « كلا » ، و « لا أقسم » ، و « بلى » ، وقوله :بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ( 5 ) تأكيد أن من دأب الإنسان أن لا يفكر في البعث والحساب لأنهما من الغيب ، ولذلك يسألأَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ( 6 ) ؟ أي متى يكون ؟
يقول ذلك إنكارا للموت ، فقلما يذكره ، ومن ثم لا يتوب ، ويزيد به الأمل في الدنيا حتى ليكذّب أن يأتيه الموت ، وذلك هو قمة الفجور والجحود ، فإذا قامت القيامة فعلا كانت المفاجأة والدهش ، وحينئذ يرى ذلك في عينيه ،
يقول تعالى :فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ( 7 ) ، وبرق البصر لمعانه من شدة الشخوص والتحيّر ، وهو من أعراض الموت ، والعينان عند الموت لا تطرفان ، ومثل ذلك يوم القيامة ، وفيه لا يقتصر على ما يلم بالناس وإنما الكون كله يتغير ، فيخسّف بالقمر والشمس ، ويقرنان كثورين عقيرين :يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ( 10 ) ، وأين المفر ؟
سؤال يطرحه في فزع ، والجواب عليه بالنفي : « كلا » ، أي لا مفر !
وفسّره فقال : « لا وزر » ، أي لا مهرب ، ولا ملجأ ولا محيص :إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ( 12 ) ، كما في قوله :وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى( 42 ) ( النجم ) ، أي مصيرنا جميعا إلى اللّه .
و « بل » في قوله :بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ( 14 ) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ( 15 ) من الألفاظ المتكررة للتصحيح والتوضيح ، واستخدامها فيه بيان وبلاغة ، وتأتى « بل » في السورة مرتين ، ومن شأنها سلب الحكم عمّا قبلها فتجعله لما بعدها ،
فيصير المعنى : إن الإنسان على نفسه بصيرة ، أي شاهد ، وشهوده على نفسه بأن تشهد عليه جوارحه ، والهاء في بصيرة للمبالغة ، ومعاذيره هي الأعذار يعتذر بها من الذنوب . وفي الآيتين دليل على قبول إقرار المرء على نفسه بشهادته ، أو باعترافه عليها .
وبعد هذه المقدمة في الموت ويوم القيامة تتطرق السورة إلى التعليم للرسول صلى اللّه عليه وسلم في كيفية تلقّيه الوحي من الملك ، والاستماع له ، والانتباه إلى بيانه ، وما ينبغي حفظه .

وترصد السورة طريقته صلى اللّه عليه وسلم في ذلك ، فكان إذا نزل عليه الوحي عرف في تحريكه شفتيه ، يحركهما بالقرآن خشية أن ينسى ، ولا يفتر منه ، فأنزل اللّه :لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ( 16 ) فكان بعد هذه الآية إذا أتاه جبريل أطرق ، فإذا ذهب عنه قرأه كما أقرأه له .
والقرآن إذن كما في هذه السورة ، هو الذي ينبه إلى البعث والآخرة ، ويحيل إليهما ، ويذكّر بهما بقوله :كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ ( 20 ) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ( 21 ) ، يعنى أن شغلهم بالدنيا هو الذي يصرفهم عن التفكير في الآخرة ، وفي الآخرة يعرف المجرمون بوجوههم الكالحة العابسة الكاسفة ، لأنهم قد صاروا إلى يقين مما ينتظرهم من البلاء ؛ وأما المؤمنون فوجوههم ناضرة ومشرقة ، وإلى ربّها ناظرة ، والنظر إليه تعالى لا يكون بالبصر ،
فهو تعالى :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ( الأنعام 103 ) ، وإنما النظر هو الانتظار ، تقول : نظرته ، أي انتظرته ؛ فإذا أردت به التفكير والتدبّر تقول : نظرت فيه ، وقد غلط من فسّر النظر بأنه الإبصار في الحديث : « إنكم سترون ربّكم عيانا كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته » ، وقال صلى اللّه عليه وسلم : « أليس كلكم يرى القمر » ؟
وأجاب : « فاللّه أعظم ، فإنما هو خلق من خلق اللّه - يعنى القمر - فاللّه أجلّ وأعظم » أخرجه أبو داود .
وعند النسائي قال : 
« فيكشف الحجاب فينظرون إليه » ، وعن جابر قال : « يتجلّى ربّنا عز وجلّ حتى ينظروا إلى وجهه » ، وفي هذه الأحاديث جميعا فإن النظر في نطاق :لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، بمعنى ينظرون إليه لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، ونظره تعالى يحيط بهم وذلك شئ من الغيب يتجاوز خبراتنا ومداركنا .
ونعود إلى مشاهد يومىّ الموت والقيامة ، يمزج بينهما ، لأن من يريد أن يعرف إمكان البعث فإن عليه أن يتدبّر الموت ، فمثل ما كنا عدما فأحيانا ثم أماتنا ، فهو تعالى قادر على أن يبعثنا .
ومن مشاهد الموت أن النفس تبلغ فيها التراقى :كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ ( 26 ) وَقِيلَ مَنْ راقٍ ( 27 ) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ( 28 ) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ( 29 ) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ( 30 ) ، كقوله :إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ( 83 ) ،
والتراقى أعلى الصدر ومقدم الحلق وموضع الحشرجة ، وقوله : « كلا » أسلوب قرآني فيه التنبيه ، وتفصل « كلا » بين المشاهد ، والمشهد كله معجز ، وتجرى العبارات تصويرا لحوار متخيّل بين الحاضرين للموت ، فيتساءلون : هل من طبيب يراه ويرقيه لعله يشفى ؟
فلما استيأسوا منه وأصابه اليأس من حالته ، عندئذ يعلم أنه الموت ، فإذا عاينه التفت الساق بالساق ، أي تخاذلت أعضاؤه على بعضها ، أو أنها التفت قيل ذلك وفيه بعض الرمق ، وقد أخذت الرهبة منه كل مأخذ ؛ أو أن الساق هي الشدّة ،
كقول القائل : « قامت الدنيا أو الحرب على ساق » ؛ وفي الموت تجتمع على الإنسان شدّة كرب الموت ، مع شدّة هول المطلع ، وتتابع عليه الشدائد ، فأهله يجهّزون جسده ، والملائكة يجهّزون روحه ، فذلك هو التفاف الساق بالساق ، أو أن الساق الأولى ، أي الكرب الأول ، هي حشرجة الموت ، والساق الثانية هي الكروب عند البعث وشدائده ، وفي كل الأحوال فرجوعه إلى اللّه يساق إليه سوقا .
قيل : 
وهذا كله هو في أحوال أبى جهل :فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ( 31 ) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى( 32 ) ، فهو لم يصدق الرسالة ، ولم يصلّ ، وكذّب بالقرآن ، وتولّى عن الإيمان .
واستخدام « لا » في قوله :فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّىبمعنى « لم » يصدق ولم يصلّ . وأعطت « لا » للعبارات نكهة خاصة من البيان ، والعطف في :وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أكد المعنى .
ثم انظر إلى بقية السورة في قوله :ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى( 33 ) أي فلمّا كابر انصرف متباهيا يتبختر افتخارا ، فكان أسلوب التهديد له من بعد ذلك :أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ( 34 ) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى( 35 ) بمعنى الويل لك ، فهذه أربعة تهديدات تناسب خصال أبى جهل الأربع :فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ( 31 ) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى( 32 )
فترك التصديق خصلة ، والتكذيب خصلة ، وترك الصلاة خصلة ، والتولّى عن اللّه خصلة ، فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربع ، وفي ذلك روعة هندسية معمارية في بناء السورة ؛ ثم يجيء الاستفهام الإنكارى بغرض التوبيخ :أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً( 36 ) ،
وهو الثاني بهذه الطريقة البلاغية ، وفيه الردّ على الوجوديين والعبثيين والعدميين والفوضويين ، فهل يخلى الإنسان بلا مسؤوليات ولا واجبات ولا فروض ؟ وهل يكون وجوده للاشيء ؟
وهل هو غير مسؤول فلا ينهى عن رذيلة ، ولا يؤثّم إذا أتى بذنب ، بدعوى أنه حرّ يضع لنفسه ما يشاء من القيم ؟
كقول القائل في إبله :
إنها سدى ، أي مسيّبة ترعى بلا راع ؛ فهل الإنسان بلا راع ، وهل هو مخلوق بلا خالق ؟
وهل إذا مات ترك في قبره لا يبعث ؟ أو لن يحاسب عمّا اقترف ؟
وتذكّره الآيات بأطواره ، فلقد كان لا شئ يذكر ، وكان مجرد نقطة منى ، فصار نطفة ، ثم علقة ، وتمّت خلقته ، واعتدل وتميّز ذكرا أو أنثى ، فمن كان وراء كل ذلك ؟ 

ومن خلق القوانين التي دفعت إلى ذلك ؟أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى( 40 ) ،
يعنى يحييها بعد البلى ، ولمّا سمع الرسول صلى اللّه عليه وسلم هذا الاستفهام الإنكارى قال : « سبحانك اللّهم ، وبلى » ، فكل من يقرأ سورة القيامة إلى آخرها صار يقول : « سبحانك اللّهم ، بلى » .
فالحمد للّه ربّ العالمين على منّة الإسلام والقرآن .

  * * *

658 . سورة الإنسان

آيات هذه السورة إحدى وثلاثون ، وترتيبها في المصحف السادسة والسبعون ، وفي التنزيل الثانية عشرة ، وكان نزولها بعد الرحمن ، والجمهور على أن مقدمة السورة مدنية ، ومن قوله تعالى :إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا( 23 ) حتى الآية الواحدة والثلاثين وهي نهاية السورة ، فمكية ، فالتنزيل لم يبدأ إلا في مكة ، إلا أن الآيات من أمثال :وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ( 8 ) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ( 9 ) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ( 10 ) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً( 11 ) فمدنية ،
لأنها تتحدث عن الأسر ، وهناك أسر في مكة ، فالأسر كان فقط في المدينة ؛ وقيل : هذه الآيات نزلت فيمن بأسرى بدر ، وهم سبعة من المهاجرين : أبو بكر ، وعمر ، وعلىّ ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد ، وأبو عبيدة ، وقيل نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري ، واسمه مطعم على مسمّى ، فقد أطعم في يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا ، فقد جاء النبىّ صلى اللّه عليه وسلم رجل يسأله الطعام ويقول إنه مجهد ،
فقال له النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، ما عندي ما أطعمك » ، فأخذه مطعم الأنصاري إلى بيته ، وأطعمته امرأته وسقته ؛ ثم جاء النبىّ يتيم ، فقال نفس مقالة الرجل السابق ، وأجابه النبىّ بمثل ما أجابه ، وأخذه مطعم إلى بيته ، فأطعمته امرأته وسقته ، ثم جاء النبىّ ثالث ، أسير ، فجرى معه مثل ما جرى على السابقين ،
فنزلت :وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً( 8 ) .
وقيل : نزلت هذه الآيات في علىّ وفاطمة وجارية لهما اسمها فضة ، وكان الحسن والحسين قد مرضا ، فعادهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعادهما عامة العرب ، فقال أبو بكر : يا أبا الحسن ، لو نذرت عن ولديك شيئا ؟
وكل نذر ليس له وفاء فليس بشيء . فقال علىّ : إن برأ ولدي صمت للّه أيام شكرا . وقالت فاطمة مثل ذلك . 

وقالت جاريتهم فضة مثله ، وقال الحسن والحسين مثلهم .
فألبس الغلامان العافية ، وصاموا ثلاثة أيام وفاء بالنذر ، فلما انتهى اليوم الأول قامت الجارية وجهّزت خبزا من شعير ، وقدّمته لآل علىّ مع الملح الجريش فطرا لصيامهم ، فجاء مسكين ووقف بالباب يستجدى ، فأطعموه طعامهم ، وباتوا لم يذوقوا الطعام ، ثم إن اليوم الثاني من الصيام انتهى ، فصنعت الجارية لهم مثلما صنعت أول يوم لإفطارهم ، فجاء يتيم بالباب يستجدى ، فأعطوه طعامهم ، ومكثوا ليلتهم لم يذوقوا إلا الماء القراح ، فلما كان اليوم الثالث من الصيام فعلت الجارية مثلما فعلت في اليومين السابقين ، ووضعت لهم المائدة ، فجاء أسير ينشد الطعام ، فأعطوه ما عندهم ، وهكذا مكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح .
ثم إن عليا ذهب بولديه وفاطمة في اليوم الرابع إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وقد بدا الإعياء عليهم جميعا يرتعشون من شدّة الجوع ، فنزلت الآيات :هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً( 1 ) إلى الآية :وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ( 8 ) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً( 9 ) ! والحديث كلّه ملفق ومنمّق ومزوّق ، ولا يعقله عاقل ! وواضح أن واضعيه هم الشيعة ، وعلىّ كان معروفا بالسمنة وليس بالهزال ، والمسلم غير مأمور أن ينفق إلا ما يزيد عن حاجته :وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ( البقرة 219 ) ،
يعنى الفضل الذي يفضل عن حاجة المتصدّق وحاجة عياله ، وفي الحديث : « خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى » ، والحديث : « وابدأ بنفسك ثم بمن تعول » ،
والحديث : « كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت » . وقيل إن الأسير لما طاف على بيت علىّ وفاطمة قال لهما : تأسروننا ولا تطعموننا ، فنزلت :إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً( 9 ) .
ومثل هذه الحكايات من الإسرائيليات ، وقد جعلوا عليا لذلك يستدين من يهودي ليطعم من أطعمهم في القصة ، ولما ذا يستدين علىّ من اليهودي ؟ ولما ذا كلما كانت هناك استدانة تكون من يهودي ؟

واليهود يتعاملون بالربا ، والقرآن نهى عن التعامل بالربا .
وفي الرواية كذلك كان النبي صلى اللّه عليه وسلم استدان أيضا من يهودي ؟ ! وتوفى مدينا له !
وكلها قصص ملفقة ، ولا تروج أمثال هذا القصص إلا على الحمقى والجهّال ، وهب أن عليا آثر على نفسه هذا السائل ، فهل كان يجوز له أن يحمل زوجته على ذلك ؟
وهل يجوز له أن يجبر جاريته عليه ؟
ثم هل يجوز له أن يحمل أطفاله على أن يجوعوا ثلاثة أيام بلياليهم ؟ 

ومن أجل ذلك ذهب بعض المفسرين إلى أن وضّاع هذه الحكايات كانوا من أهل السجون وقد طال بهم الحبس فيؤلفون مثل هذه الأحاديث المفتعلة ، ويضعون لها شعرا ركيكا يصاحبها ، يلهوهم في السمر وأشباهه ، وما من شئ إلا وله آفة ومكيدة ، وآفة الدّين ومكيدته أكثر من آفة ومكيدة أي شئ آخر .
والصحيح في هذه الآيات أنها نزلت عامة في جميع الأبرار ، ومن أجل ذلك كان الخطاب في السورة كلها إلى الإنسان ، وهو اسم جنس ، فهو خطاب عام ، وسميت السورة باسم « سورة الإنسان » لهذا السبب ، وقيل أيضا هي سورة الدهر لأنها بدأت
بقوله تعالى :هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ.
ومن المفسرين من الشيعة من يزعم أن السورة برمتها نزلت في علىّ أبي بن طالب ؛ ومن الصوفية من لفق لها مناسبة تتصل بمذهبهم ، فقالوا : إن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم نزلت عليه هذه السورة وعنده رجل يتلقى عليه ، فقرأها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم حتى بلغ صفة الجنة في الآيات من 12 إلى 22 ، فزفر الرجل زفرة فخرجت نفسه ،
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أخرج نفس صاحبكم - أو أخيكم - الشوق إلى الجنة » ذكره السيوطي من رواية بن وهب ، والشوق إلى الجنة إلى حدّ الموت من أحوال الصوفية ولم يعرف في زمن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، ولا زمن الخلفاء ، ولم يسمع به إلا في القرن الثاني الهجري مع ازدهار التصوف ، والحديث لذلك موضوع مائة في المائة .

ومن روائع سورة الإنسان أن تبدأ بالسؤال :هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً( 1 ) ،
و « هل » تكون جحدا أو تكون خبرا ، أو تكون استفهاما ، وجميعها تقريرية جوابا عن السؤال الذي تفتتح به السورة ، والمعنى قد جاء على الإنسان وقت لم يكن على شئ من القدر والأهمية ، ثم صار له هذا القدر وتلك الأهمية ، وبعد أن كان حيوانا كالحيوانات صارت له رتبة الإنسانية ، وبعد أن كان على هيئة بربرية وحال همجية وله طباع وحشية ، صار إلى حضارة ومدنية وعلم ورقىّ ؛ وبعد أن كان عدما صار خلقا ، فلقد خلقه تعالى على أطوار ، فكان في بدايته منيّا يمنى ، فصار نطفة أمشاج يختلط فيها ماء الرجل بماء المرأة ، وصار علقة ، ثم مضغة ، وأتمّ خلقه المادي ، وجعل له مشيئة الخير والشر ، ليبتليه ، وجعل له السمع والبصر ، أو صنعه عاقلا مميزا ، وهداه النجدين ،إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً( 3 ) ،
فدلّت الآية على أن الإنسان له إرادة واختيار ، فلو شاء آمن ولو شاء كفر ، ولا إكراه في الدين ولا إجبار . وهذه الآية على ذلك من جملة الآيات التي تؤكد أن الإسلام يقوم على التخيير وليس على الإجبار ، وأن الإيمان من عدمه هو مسألة إرادة واختيار ، وعلى هذا كانت المسؤولية والحساب ، فإما العقاب وإما الثواب .
وتحفل السورة بمشاهد وصور من الجنة والنار ، وبأوصاف للأبرار والمقرّبين . وفي الرواية عن ابن عمر أن حبشيا لمّا سمع هذه الآيات قال للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : فضّلتم علينا بالصور والألوان والنبوة !
أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت بما عملت ، أكائن أنا معك في الجنة ؟ فقال له الرسول صلى اللّه عليه وسلم : « نعم والذي نفسي بيده » ، ثم قال : « من قال لا إله إلا اللّه كان له بها عند اللّه عهد .
ومن قال سبحان اللّه والحمد للّه كان له بها عند اللّه مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة » ، فقال الرجل : فكيف نهلك بعدها يا رسول اللّه ؟ فنزلت :هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً( 1 ) إلى قوله :وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً( 20 ) ، فسأل الحبشي : يا رسول اللّه ! وإن عينىّ لترى ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال له النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « نعم » ، فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه ، فلما دلّوه في الحفرة سمع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يقول :إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً( 22 ) .
وروى أن أبا جهل قال : 
إذا رأيت محمدا يصلى لأطأنّ على عنقه ! فأنزل اللّه :إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ( 23 ) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً( 24 ) ، و « أو » في الآية من جمالياتها ، وأوكد مما لو استخدم الواو ، لأن « الواو » لو استخدمها فأطاع أحدهما لم يأثم ، وأما « أو » فدلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى .
وقيل : « أو » بمعنى لا ، والآثم المنافق ، والكفور الكافر الذي يظهر الكفر ، والمعنى : لا تطع منهما آثما ولا كفورا .
وروى أن الآية نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة ، وكانا قد أتيا الرسول صلى اللّه عليه وسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج ، على أن يترك ذكر النبوة .
والذي عرض التزويج عتبة ، قال : إن بناتي من أجمل نساء قريش ، فأنا أزوّجك ابنتىّ من غير مهر ، وارجع عن هذا الأمر .
وقال الوليد : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال ، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى ، وارجع عن هذا الأمر - وبسبب هذا العناد من أهل مكة من أمثال أبى جهل ، وعتبة ، والوليد ، تنزلت الآيات تسلّى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وتخفّف عنه في قوله :وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ( 25 ) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا( 26 ) ،
ثم ذكّره تعالى بأنهم ما عاندوا ولا كابروا ولا كفروا إلا لأنهم يحرصون على الدنيا ، ويتناسون أن هناك يوما للقيامة والحساب ، ولقد خلقهم اللّه وأحكم خلقهم فما شكروا ولا ارعووا ، ولو شاء لبدّلهم ، ولم تكن هذه السورة - سورة الإنسان - ولا القرآن برمته - إلا تذكرة وموعظة لمن يريد أن يتذكر ويتّعظ وينزجر ، وتكون له طريقة إلى ربّه ، واللّه تعالى يهدى من يشاء ، وهو العليم الحكيم ، يعلم من يستحق الهداية ويطلبها واختارها لنفسه فيدخله في رحمته ، وييسّر له أسبابها ، وأما من يكفر فله العذاب الأليم .

والسورة تحفل بالجماليات من اللغة والمصطلحات ، من أمثال : « نطفة أمشاج » ، و « مزاج الكافور » ، و « عين السلسبيل » ، و « السندس الأخضر » ، و « الإستبرق » ، و « اليوم القمطرير » . ومن التشبيه :حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراًوليس - ولا يكون - في التشبيه أحسن من ذلك ، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن . وفي السورة الكثير من وجوه البيان والبديع ، كالطباق في : « شاكرا وكفورا » ، و « بكرة وأصيلا » ، و « شمسا وزمهريرا » ، و « يحبون ويذرون » ؛ والمجاز في : « يوما عبوسا » ، و « فوقاهم ولقاهم » ، و « يطعمون الطعام » ؛ والسجع المرصّع في « منثورا ، وطهورا ، ومشكورا ، وكفورا » .
نسأل اللّه الهداية ، وأن يكون فهم القرآن غاية علمنا ومنتهى أملنا ، وللّه الحمد والمنّة .

  * * *
659 . سورة المرسلات
السورة مكية نزلت بعد الهمزة ، وترتيبها في المصحف السابعة والسبعون ، وفي التنزيل الثالثة والثلاثون ، واسمها « المرسلات » من قوله تعالى :وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً( 1 ) يقصد بالمرسلات الرياح تتتابع ويقفو بعضها إثر بعض ، فوصفها بأنها « عرف » تمسك بأعراف بعضها البعض، والبعض قالوا : المرسلات هي الملائكة، بل إن الآيات الخمس الأولى كلها محمولة على الملائكة .
والبعض قال : بعضها على الملائكة والبعض على الرياح ، والأظهر أن المرسلات هي الرياح ، ولذلك عطف عليها بالعاصفات وهي الرياح أيضا ، وأما الناشرات : فالأظهر أنها الملائكة ، ولذا عطف عليها بالفارقات فرقا والملقيات ذكرا ، فجعل عطف المتجانسين بالفاء ، فقال : « المرسلات فالعاصفات » ، وعطف المتخالفين في الجنس بالواو ، فقال « والناشرات » .
وأقسم بالملائكة وبالرياح جميعا ، والملائكة غيب ، فقرّب الغيب بالواقع الحي وهي الرياح ، ووصف كلا بوظيفة متشابهة ، فالرياح قد تكون رخاء وقد تكون عاصفة ، وكذلك الملائكة هي عذر أو نذر .
وهذه المقابلات تحفل بأمثالها السورة ، وتكثر بها الصور والمشاهد الجمالية ، والعبارات البلاغية ، وكلها بهدف التدليل على قدرته تعالى ، ومن ثم وحدانيته ، وتخيير الناس بين التصديق والإنكار ، والإيمان والكفر .
وفي قوله : « عرفا ، وعصفا ، ونشرا ، وفرقا » محسنات لفظية تزيد الأسلوب جمالا . وكان قسمه تعالى بخمسة أشياء : بالمرسلات ، والعاصفات - وكلتاهما رياح ، والناشرات ، والفارقات ، والملقيات ذكرا وهي الملائكة .
وجواب القسم :إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ( 7 ) ، ووقوعه يوم القيامة ، ويصفه أروع وصف وأبلغه ، ففيه تنطمس النجوم ، وتشق السماء ، وتنسف الجبال .
وهو يوم الفصل الذي كان مؤجلا ووقّت للرسل ليشهدوا أمام الديّان على أممهم ، وأتى بالاستفهامين :لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ( 12 ) ، ووَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ( 13 ) لتعظيم هذا اليوم والتهويل ؛ وجواب الاستفهام :وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ( 15 ) ، يكرر هذا الوعيد خلال السورة عشر مرات ، يريد به في كل مرة غير الذي أراد بالأخرى ، وفي كل مرة يطرح قضية ويعقّب عليها بويل يومئذ للمكذّبين ، يكذّبون ما قال ، وهكذا في كل مرة من المرات العشر ،
ففي الأولى : كان المطروح يوم القيامة ؛
وفي الثانية : ما ينزل بالمجرمين في ذلك اليوم ؛
وفي الثالثة : أنه الخالق للإنسان من الماء ؛
وفي الرابعة : أنه خلق الأرض ورواسيها وأنزل الماء ؛
وفي الخامسة : مآل المجرمين في الآخرة وما يلقونه من نكال ؛
وفي السادسة :
أحوال المجرمين في هذا اليوم ؛
وفي السابعة : تحدّاهم أن يكيدوا لو استطاعوا ؛
وفي الثامنة :
ما أعدّ للمتقين من أنواع الإفضال والإكرام ؛
وفي التاسعة : هزأ من المجرمين ومصيرهم مقارنة بمصير المتّقين ؛
وفي العاشرة : بيّن لما ذا كان المجرمون على ما هم عليه .
وفي كل مرة يكون فيه الوعيد للمكذّبين ، تكون القضية المطروحة مثار جدل ، وتقارع الحجة بالحجة ، وتفنّد الدفوع بالبراهين ، ويكشف عن المغالطات .
ومن المنطق حسن العبارات وانتظامها ، ومنه أن تحفل السورة بأمثال هذا الطباق : « الأولين ، والآخرين ، والمجرمين ، والمكذّبين » ، وأحياء وأمواتا » .
ومنه أيضا التكرار الجميل لأسلوب الاستفهام ، مثل قوله :أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ( 16 ) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ( 17 ) ، وقوله :أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ( 20 ) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ ( 21 ) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ( 22 ) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ( 23 ) ، والآيات دليل على القدرة والتوحيد ، وتثبت صحة القول أن خلق الجنين إنما هو من ماء الرجل وماء المرأة ، وفي « قدرنا » في قوله :فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ( 23 ) إما أنها مشدّدة من التقدير ، وإما مخففة من القدرة ، والأولى قدّرنا وقت الولادة ، أشقيا أم سعيدا ، وطويلا أم قصيرا ؛ والثانية قدرنا بالفتحة ومن ثم كان قوله :فَنِعْمَ الْقادِرُونَ( 23 ) .
ومن الاستفهام أيضا :أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ( 25 ) أَحْياءً وَأَمْواتاً ( 26 ) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً( 27 ) ، والكفات أي اجتماع الأحياء على ظهرها ، والأموات تجمعهم في بطنها ، فالمقابر كفات الموتى ، والبيوت كفات الأحياء ، وكان يسمون أرض البقيع « كفتة » أي مقبرة .
أو أن الأرض تنقسم إلى حىّ ينبت ويتوالد ، وميّت لا ينبت ولا يتوالد ، وفيها ذلك جميعا ، وهي كفات له . والجبال رواسي للأرض ، وهذه النظرية يطرحها القرآن وتخلو منها التوراة والأناجيل ، فلما جعل الجبال أنزل عليها المطر يسيل إلى الأودية ، وجعل الجبال مخازن الخيرات للأرض ، وهي أمور أعجب من البعث ، فكيف يكذّبونه ؟
والويل لهم في الآخرة وهم يشاهدون النار عيانا يرتفع منها الدخان كأنه الظل ، فيخيل إليهم أن بوسعهم الاحتماء به ، وظل النار ذو ثلاث شعب ، وهي حقيقة من العلم المشاهد ، يطلق القرآن على كل شعبة منها اسما : فشعبة هي : الضريع ( كالثدى للمرأة ، ) وشعبة هي الزقوم ( كالطعام المسموم ) ، وشعبة هي غسلين ( وهو ما يسيل من نتن من جلود أهل النار ) ؛ أو أن الشعب الثلاث هي : اللهب ، ثم الشرر ، ثم الدخان ، فهي ثلاثة أحوال في وصف النار إذا اضطرمت واشتدت . ووصفه الظل بأنه لا ظليل ولا يغنى من اللهب ، مثل قوله :وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ( 43 ) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ( 44 ) ( الواقعة ) ،
يعنى : لا يظلهم من حرّ النار ، ولا يكنّهم من لهبها ، وليس إلا دخان يرتفع منه ويتفرّق شعبا ثلاثا ، وسمّى العذاب « ظلا » تهكما واستهزاء بالمشركين ، وبالمقارنة :

فالمؤمنون في ظلال وعيون ، بينما المجرمون في سموم وحميم ، وظل من يحموم ( الدخان الأسود القاتم ) ، شبّهه بالشرر كالقصر ، فكل شرارة كشوامخ القصور ، وكأنها في تطايرها الجمالات الصفر ، أي الإبل فاقعة اللون المعروفة بسرعتها وقوتها ، فجاءت التشبيهات قمة في البلاغة ، وقيل : هي قلوس السفن ، أي حبالها ، شبّه بها الشرر المتطاير ؛ وقيل هي جمالات بالضم ، وهي الضخام من الأشياء أو الإبل .
فكان من هول هذا اليوم أن أخرس المكذّبون ، لا يؤذّن لهم فيعتذرون ، ولا يقبل لهم عذر ولا حجة ، ولا تنفع الظالمين معذرتهم . ومن هذه الآيات نعرف أن ليوم القيامة مواطن ومواقيت ، والأحوال في هذا اليوم من المتشابهات ، فمرة يقول لا يتكلمون فيه ، وفي آية أخرى قال :فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً( 108 ) ( طه ) ، وفي آية أخرى قال :وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ( 27 ) ( الصافات ) ، وقال أيضا :اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ( 108 ) ( المؤمنون ) ،
يعنى كلما همّوا بالكلام أسكتهم وألجمهم . فأي هؤلاء الصحيح ؟ وفي آية سورة المرسلات الكلام عن المكذّبين ، ولا يمكن أن يكونوا كذلك ويسمع لهم يوم القيامة ، يقول :هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ( 35 ) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ( 36 ) ، وأما الآيات الأخرى فلها ملابساتها المختلفة وقوله بعد ذلك :هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ( 38 ) زيادة في التعريف بهذا اليوم ، فكل من كذّبوا منذ بدء الخليقة جمعهم ، فيقول :فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ( 39 ) يعنى يقاوون اللّه لو استطاعوا !
ومن أساليب القرآن في المقابلة - وهي من الجدل من أبواب المنطق - أنه بعد أن يسرد أحوال المكذّبين وعذاباتهم ينوّه بأحوال المتّقين بالمقارنة ،
فتكتمل الصورة الجمالية بزيادة ما فيها من تفاصيل متضاربة ومتخالفة : فالظل يقابله النور ، والفواتح تقابلها القواتم ، وها هم المجرمون يقابلهم المتّقون ، ويحتمى المجرمون بظل ذي ثلاث شعب ، وأما المتقون فهم في النعيم وتحت الظلال ، يتمتعون هم وأزواجهم ، ما بين سمر ، وذكر ، وطعام مما يشتهون ، يقال لهم :كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ( 43 ) ، مقابل ما يقال للمجرمين :فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ. وفي قوله : « ويشتهون ، وتعملون ، والمحسنين والمكذبين » جناس غير تام ، وسجع مرصّع تتوافق به الفواصل .
وقوله : « كلوا وتمتعوا قليلا » تقابل « كلوا واشربوا هنيئا » ، والأولى تقال على سبيل التوبيخ والتقريع ، فاستحقوا أن يقال لهم « مجرمون » ، والثانية على سبيل التكريم والأنس .
والسؤال : فما كان دليل جرم الأولين ؟ والجواب : لم يكونوا يركعون ، وهو مجاز مرسل أراد بالركوع الصلاة ، فأطلق البعض على الكل . قيل نزلت هذه الآية في ثقيف لمّا امتنعوا عن الصلاة وقالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : حطّ عنا الصلاة فإنّا لا ننحنى ! إنها مسبّة علينا ! فأبى ، وقال : « لا خير في دين لا صلاة فيه » .
وهذا هو الكلام الذي ليس بعده كلام ، تنزّل به القرآن ، فإن كذّبوا به مع كل ما اتصف من بيان ووضوح ، وحجج بالغة ، وبراهين دامغة :فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ( 50 ) ! !
فالحمد للّه الذي رزقنا القرآن وهدانا إلى الإسلام ، له كل الحمد والمنة !

  * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 1:26 عدل 2 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 1:09 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

660 . سورة النبأ
هذه السورة يبدأ بها الجزء الثلاثون من المصحف ، وهو المعروف بجزء عمّ ، وتسمى سورة عمّ حيث تبدأ بلفظ الاستفهام « عمّ » ، واسمها كذلك سورة النبأ ، لأن مدارها « النبأ العظيم » الذي هو يوم القيامة والبعث والنشور ، وصفه اللّه تعالى بالعظمة لأنه نبأ خطير ، اختلف أهل مكة من المشركين لما جاءهم ، فكانوا بين مصدّق ومكذّب ، وجاء وصفه بالعظمة لأنه يوم الفصل ، ويوم الميقات المقدور ليحشر الخلق فيه إلى ربّهم ، فيفصل بينهم ، ويقضى بين الحق والباطل .
والسورة مكية ، وتتناول لذلك مسائل العقيدة ، إلا أن محوّرها هو هذا النبأ المشكل والمحيّر لهم ، أي البعث . وتحفل آيات السورة الأربعون بمشاهد من الآخرة ، ودلائل على البعث ، وبيان عمّا ينتظر المكذّبين والمتقين من عذاب أو نعيم .

وترتيب السورة في المصحف الثامنة والسبعون ، وفي النزول الثمانون ، وتأتى بعد سورة المعارج . وعمّ - التي تبدأ بها - لفظ استفهام ، ولذلك سقط منها ألف « ما » ، ليتميز الخبر عن الاستفهام ، وأصلها « عن ما » فأدغمت الميم في النون لمشاركتها في الغنّة ، وكل ذلك لتفخيم الاستفهام ، فهو ليس استفهاما عاديا ، لكنه استفهام عن شئ كبير وحدث ضخم ، وهو البعث كما سبق . والجواب على الاستفهام بعبارة :كَلَّا سَيَعْلَمُونَ( 4 ) ،
وفيه ردع وزجر ، ويكرر هذا الردع تأكيدا للوعيد وتكريرا للتهويل ، ثم يبدأ في سرد الأدلة على « قدرة اللّه تعالى » التي لا يمكن أن يمارى فيها إلا مكابر ، وتستحضر السورة أحد عشر دليلا على هذه القدرة ، فالأرض التي نسكنها لم يمهدها ويبسطها للسكنى إلا اللّه ، وهو الذي أرساها بالجبال لتتوازن فلا تضطرب ، وخلق كل شئ أزواجا ، حتى الصفات زاوج بينها ، والكلام والمنطق جعله جدلا فيه الفرض والنقيض ، وخلق الإنسان والحيوان والنبات ، فيه القصير والطويل ، والقبيح والحسن . . . إلخ ، لتختلف الأحوال فيكون الاعتبار ، ويشكر الفاضل ويبصر المفضول .
ومن أدلته « النوم » جعله راحة للأبدان ، وجعل الليل سكنا ، والنهار معاشا ، وبنى السماء سبعا طباقا ، وجعل فيها الشمس سراجا ، وأنزل الماء سيّالا من السحاب ، فأخرج به الحبّ كالحنطة وغيرها ، وأنبت به الأعشاب للحيوان ، وسقى الزروع والجنّات حتى تكاثف شجرها والتف ، أفبعد ذلك يشك في قدرته تعالى على البعث يوم النشور ؟
وتأتى الآيات في ذلك بديعة في تركيبها اللغوي ، فيها التشبيه كقوله :الْأَرْضَ مِهاداً ( 6 ) وَالْجِبالَ أَوْتاداً ( 7 ) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً( 8 ) ، وفيها المقابلة كما في :وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ( 9 ) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ( 10 ) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً.
فإذا نفخ في الصور جمع الأولون والآخرون واحتشدوا في موضع العرض ، يأتون زمرا ، ويحشرون أشتاتا ، وتنشق السماء ، وتكشط الجبال ، وتسيّر من مكانها وتقلع ، وتعود كالسراب يظنه الرائي ماء وليس بماء ، أو تستحيل كالهباء المنثور ، وتترصّد جهنم للطاغين المجرمين ، وتترقّبهم يئوبون إليها ، فيمكثون بها الأحقاب بعد الأحقاب ، لا برد فيها يخفّف حرّها ، ولا شراب إلا من ماء يغلى ويشوى ، وصديد يكوى ، فكان جزاؤهم هو الجزاء الوفاق ، فما كانوا يرجون بعثا ولا حسابا ، وكذّبوا فما أنصفوا ، وكل ما فعلوه مكتوب ومرصود :فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً( 30 ) ،
قيل : ليس في القرآن عن أهل النار آية هي أشد من هذه الآية ، كلما استغاثوا بنوع من العذاب أغيثوا بأشد منه . وفي مقابل هذه المشاهد المفزعة ، هناك المشاهد الأخرى المفرحة لما يوعد به المتّقون ، فلقد وعدوا النجاة وذلك هو الفوز العظيم ، ولهم الجنة حدائق وأعنابا ، وكواعب أترابا ، والكاعب هي الناهد ، والأتراب هن العذارى في السن المتقاربة ، ولهم فيها الخمر :لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ( 47 ) ( الصافات ) ،
وفي الجنة لا يسمعون لغوا أي باطلا ، ولا كذّابا ، أي كذبا ، جزاء من ربّك حسابا ، أي يعطيهم حتى يقولوا حسبنا .
وهو القادر على ذلك ، لأنه ربّ السماوات والأرض وما بينهما ، شملت رحمته كل شئ مع أنه سبحانه يرهبه كل من يحضره ، ويصطف الملائكة وجبريل على رأسهم خاشعين أمامه ، لا يتكلمون بالشفاعة إلا من يأذن له وينطق الصواب ، فإذا كان هذا هو منتهى حال الملائكة في حضرته سبحانه ، فكيف بالبشر الخطاة ؟
ولسوف يمثلون أمامه ، فهذا حق ، ويوم الفصل حق ، والبعث حق ، والسورة تذكّر من لم يعد يذّكر ، لعله يتخذ لنفسه سبيلا إلى ربّه ، ويحسب حساب هذا اليوم الذي يرى فيه كلّ ما قدّم من خير أو شرّ ، وكل ما فعله سيجده محضرا ، وعندئذ سيقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا ، ولم أخلق إنسانا ، ولم أخرج إلى الوجود . وقيل إن الكافر المقصود هو أبو جهل ، إلا أن السورة عامة في كل الناس .
وقيل إن قوله تعالى :ما قَدَّمَتْ يَداهُ( 40 ) تنزّل في أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وقوله :يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً( 40 ) تنزّل في أخيه الأسود بن عبد الأسد .
وهو شبيه بقوله تعالى :يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ( 25 ) ( الحاقة ) .
وفسّر البعض الكافر بأنه إبليس ، لأنه عاب آدم أن اللّه خلقه من تراب ، وافتخر أنه خلقه من نار ، فإنه يرى آدم يدخل الجنة يتمنّى لو كان من تراب مثله .
يقول : يا ليتني خلقت من التراب ولم أقل أنا خير من آدم !

وبعد . . ، فهذه هي سورة النبأ ، فيها الكثير من الغيب ، وتتميز عباراتها بالحركة والديناميكية ، وتأتى غاية في الحبكة ، وآية في الوصف ، وفيها الكثير من التفاصيل الدقيقة ، والمعاني اللطيفة . والحمد للّه على أن أعطانا القرآن وهدانا إلى الإسلام .
  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» الباب السادس موجز سور القرآن من 621 الى 640 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 681 الى 696 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 591 الى 600 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى