اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

11102023

مُساهمة 

الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Empty الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني




الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

الباب السادس موجز سور القرآن

582 . سورة الفاتحة

سمّيت الفاتحة لأنها يفتتح بها المصحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلوات ، وهي أول القرآن في الترتيب لا في النزول ، وكان نزولها بمكة ، ولا تجزئ الصلاة بدونها ، وهي أم القرآن وأساسه ، والسبع المثاني ، وعدد آياتها مع « بسم اللّه الرحمن الرحيم » سبع آيات ، وما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعرف فصل السور حتى نزلت عليه : « بسم اللّه الرحمن الرحيم » .
وأول سورة الفاتحة : « الحمد للّه » ، وفي الحديث : « إذا قال العبد الحمد للّه ، قال اللّه تعالى صدق عبدي الحمد لي » ، والحمد للّه من الباقيات الصالحات .
وفي التعريف به تعالى أنه « ربّ العالمين ، والربّ من أسمائه ، وهو المالك للعالمين ، جمع عالم ( بالفتح ) ، وهو كل موجود سوى اللّه ؛ وهو تعالى : « الرحمن الرحيم » ، فبعد أن يذكر أنه ربّ العالمين ترهيبا يأتي أنه الرحمن الرحيم ترغيبا ، والرحمن عام ، والرحيم يخصّ المؤمنين .
وهو « مالك يوم الدين » ، ومالك أقوى من ملك؛ لأنها بزيادة ألف ، وهو تعالى المالك على تأويل المستقبل ، أي يملك يوم الدين.

وخصص بيوم الدين ، لأنهم في الدنيا يتنازعون الملك ، وأما في يوم الدين فلا منازع للّه في ملكه ؛ وإن قلنا « ملك » كان ذلك من صفات ذاته ، وإن وصف بأنه مالك كان ذلك من صفات فعله .
وقوله :إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: رجع من الغيبة إلى الخطاب على التلوين ، ومن ينطق بها يقرّ بالربوبية ويحقق له تعالى العبادة ، ويبرأ من الجبر والقدر ، ولذلك يحقّ له أن يدعو : « اهدنا الصراط المستقيم » ، راغبا إليه كمربوب إلى ربّه ، وليس شئ أكرم على اللّه من الدعاء ؛ والصراط المستقيم هو طريق الإيمان الذين أنعم به على النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين .
وفي سؤاله تعالى الهداية ردّ على القدرية والمعتزلة والعلمانيين ، الذين قالوا إن الإنسان خالق لأفعاله وغير محتاج في صدورها عن ربّه ، فلو كان الأمر بيد الناس لما سألوه الهداية .
وقد سألوه أن يهديهم إلى صراط المسلمين لا إلى صراط المغضوب عليهم من المشركين ، ولا إلى صراط الضالين من المنافقين ، وربما المغضوب عليهم هم اليهود ، علموا الحق وعدلوا عنه ، وربما الضالون هم النصارى ، علموا العلم فلم يعوه ، وأما طريقة الذين أنعم عليهم - وهم أهل الإيمان - فإنهم يتحرّون العلم بالحق ويعملون به .
وكما ترى ، تنقسم الفاتحة بين العبد وربّه ، وتشتمل على حمد اللّه وتمجيده والثناء عليه ، والاعتقاد في المعاد ، وتوحيده تعالى وتنزيهه ، والدعاء بالعمل الصالح ، والتنبيه إلى ثلاثة أصناف من 
الناس :
المنعم عليهم ، والمغضوب عليهم ، والضالين ، فما أصدق أن قيل إن الفاتحة أساس القرآن كله .

  * * *

583 . سورة البقرة

سورة البقرة اسمها كذلك من حادثة البقرة التي ورد عنها مع موسى ، حينما قتل واحد من اليهود ، وجهلوا القاتل فأمروا أن يذبحوا بقرة ويضربوا الميت بعظمها ، فأحياه اللّه دليلا على قدرته تعالى .
والسورة جميعها مدنية إلا الآية :وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ( 281 ) فإنها نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى ، وكانت أول سورة تنزل بالمدينة ، وترتيبها في المصحف الثانية ، وترتيبها في النزول بالنسبة للقرآن كله السادسة والثمانون ، وآياتها مائتان وثمانون وسبع آيات ، فهي أطول سورة في القرآن، وكان نزولها في مدد شتى ، وعنايتها بالتشريع شأن كل السور المدنية،
وتشتمل على معظم الأحكام في :
العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والأخلاق ، والزواج والطلاق وما يترتب عليهما ، وتبيّن حقائق الإيمان والكفر والنفاق ، وصفات المؤمنين ، وبدء الخليقة ، وقصة آدم وحواء ، وما جرى من أهل الكتاب وخاصة اليهود ، لمجاورتهم للمسلمين ، ونبّهت إلى صفاتهم ومكرهم وافتراءاتهم ونقضهم للعهود . وكان المسلمون في المدينة في بداية تكوين الدولة الإسلامية ، فكان اهتمام سورة البقرة بما يرسّخ قيامها ، وشرحت منهج اللّه في ذلك ، وتناولت أحكام الجهاد ، وشؤون الأسرة ، والحلال والمحرم في النكاح ، وأحكام الرضاع ، ومعاملة النساء في المحيض ، وأحكام الصيام والحج والعمرة ، وتحويل القبلة ، وتطرّقت إلى الربا وحملت عليه ، وحذّرت من يوم القيامة ،
ومن آياتها في ذلك قوله :ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ( 281 ) وهي آخر ما نزل من القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتسع ليال قبل أن يتوفّاه اللّه ، ولم ينزل بعدها شئ ، وقيل سبع ليال ، أو بثلاث ليال ، أو بثلاث ساعات ، وأنه قال : « اجعلوها بين آية الربا وآية الدّين » ، أو قال : « جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية » ،
وبنزولها انقطع الوحي . والآية وعظ لجميع الناس ، وتلتها في الترتيب آيات الدّين والشهادة عليه في حال الحضر والسفر . وتختتم السورة ببيان طريق الإيمان ، وأن الحساب عن كل ما نبديه ونخفيه ، وأنه تعالى يغفر لمن يشاء ، وكما بدأت السورة بالخطاب إلى المؤمنين والتعريف بهم ، تختتم ببيان طريق الصلاح لهم ، وتعلّمهم أن يدعوا ربّهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة ، وأن لا يؤاخذهم بالنسيان أو الخطأ ، وأن لا يحمل عليهم إصر السابقين ، ولا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به ، وأن يعفو عنهم ، ويغفر 
لهم ويرحمهم ، وينصرهم على الكافرين .
والآيات في ذلك يقال لها خواتيم سورة البقرة ، وقيل فيها الكثير كما قيل في آية الكرسي ، وهي من آياتها ، وقيل في آية الكرسي أنها ربع أو ثلث القرآن ، وآيات الربا في نهايتها كانت من أواخر ما نزل من القرآن ، ولكل ذلك كانت لهذه السورة بركات وأفضال ،
حتى قيل فيها أنها فسطاط القرآن وسنامه ، ولبابه ، لما فيها من كثرة الأحكام والمواعظ ،
وعدّدها بعضهم : ألف أمر ، وألف نهى ، وألف حكم ، وألف خبر ، حتى أن عمر بن الخطاب - كما قيل - استنفد اثنتي عشرة سنة ليتعلم فقهها ، وابنه عبد اللّه ثماني سنين .

فهذه إذن سورة البقرة وعظمتها ، وفي هذا الموجز لهذه السورة نبّهنا إلى أهم ما بها ، وعلى اللّه قصد السبيل .
  * * *

584 . سورة آل عمران

السورة مدنية ، من السور الطويلة ، وآياتها مائتان ، وأطول سورة في القرآن هي البقرة ، وتليها آل عمران ، وترتيبها في المصحف الثالثة ، وفي التنزيل المدني هي الثالثة أيضا ، وفي التنزيل عموما هي التاسعة والثمانون ،
واسم السورة مأخوذ من الآية بها :إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ( 33 ) ،
وآل عمران هم بيت عمران والد النبىّ موسى ، وهو مؤسس هذا البيت ، وتنسب إليه مريم أم عيسى ، ولمّا كانت السورة تشتمل على ستين آية تتحدث عن النصرانية ، وعن مريم وابنها عيسى ، وهما من سلالة عمران ، سميت السورة باسم آل عمران . والاصطفاء من مقولات القرآن ، ومعناه اختيار الصفوة ، وآدم ، ونوح ، وآل إبراهيم ، وآل عمران كانوا من الصفوة ، ومن جاءوا من بعدهم ممن يدرج ضمن الصفوة ، كانوا من نسل هؤلاء ، كقوله تعالى : في سورة آل عمران :ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ( 34 ) ،
لانتقال صفات الصفوة بين الأجيال بالوراثة .

وتتضمن السورة اسم اللّه الأعظم ، وقيل إن الاسم ضمن آية سورة البقرة :وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ( 163 ) ثم آية سورة آل عمران ،اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ( 2 ) ، يعنى أنه في سورتي البقرة وآل عمران ، ولذا سميتا بالزهراوين ، والنيّرتين ، لهدايتهما القارئ لهما بما يزهر له من أنوارهما ، عندما يدرك معانيهما .
وتبدأ السورة بالحروف المقطّعة « ألم » ( ألف لام ميم ) ، مثلها مثل خمس سور أخرى ،
هي بترتيب النزول : العنكبوت ، ولقمان ، والسجدة ، والروم ، والبقرة ، وآل عمران ، وهي إشارة إلى أن آيات هذا القرآن مركّبة من الحروف الهجائية المعروفة للناس ، ولكنها آيات معجزات في معانيها وأحكامها وأمثالها وعباراتها .
والقرآن كتاب نزل على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بالحقّ ،
والخطاب في السورة إليه صلى اللّه عليه وسلم ، ونزوله كنزول التوراة والإنجيل الأصليين ، نزلا بحسب المناسبات ومطلوبات الديانة ، وكتب عزرا التوراة بعد وفاة موسى بنحو ثلاثمائة وخمسين عاما ، مما وعته ذاكرته عن الأحبار والروايات الشفهية ؛
والأناجيل كتبها : متى ، ولوقا ، ومرقس ، ويوحنا ، بعد المسيح بنحو ستين سنة أو أكثر من ذلك بكثير ، مما وعته ذاكرتهم من الروايات الشفهية ؛ وأما القرآن فكان نزوله على الرسول صلى اللّه عليه وسلم منجما على عشرين سنة ، وكان الصحابة يحفظونه ويكتبونه ، وجمعه أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، وأصدر عثمان المصحف المعروف باسمه ، واعتمد على حفظ صحابة الرسول صلى اللّه عليه وسلم الذين حضروا نزول القرآن أو تلاوة الرسول صلى اللّه عليه وسلم لسوره . وفي القرآن الكثير من الأوصاف الرائعة للتوراة والإنجيل الأصليين ، ولا ينبغي أن نظن أن هذه الأوصاف تصدق على كتب العهد القديم والجديد من كتب وأسفار اليهود والنصارى الحالية ، فهذه بوّبت ، وصنّفت ، وزيد عليها ، وأنقص منها ، وأوّلت معانيها ، وكتبت بحسب تأويلها وليس بحسب نزولها .

والتوراة تصحيف عربى للاسم العبري توراTora، وتعنى « ناموس » أو « شريعة » ، فهو « كتاب الشريعة » .
وكذلك الإنجيل تصحيف عربى للّفظ اليوناني أونجليون ، ومعناه « الخبر الطيب » أو بالأحرى « البشارة » فهو « كتاب البشارة » .
ويتميز القرآن عن كتب اليهود والنصارى أنه لا يناقض العلوم . في سورة آل عمران تأتى الآية :هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( 6 ) وتسمى آية التصوير ، أي تصويره تعالى للبشر في أرحام الأمهات ، وفيها الرّد على الطبائعيين الذين يجعلون الطبيعة هي الفاعلة وليس اللّه .
وفي سورة البقرة تأتى التفرقة بين آيات القرآن المحكمات وآياته المتشابهات ؛ والمحكمات : هي التي يعرف تأويلها ويفهم معناها وتفسيرها ، ولا التباس فيها ، ولا تحتمل إلا وجها واحدا ؛ والآيات المتشابهات : هي التي لا يعلم تأويلها إلا اللّه ، ويتشابه معناها ويلتبس ، ويحتمل وجوها كثيرة . وقيل القرآن كله محكم ، لقوله تعالى :كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ( 1 ) ( هود ) ،
والراسخون في العلم يقبلون النوعين من الآيات ، لأنهما من عند اللّه ، ورسوخهم في العلم هو ثبوتهم فيه ، وكل ثابت راسخ ، ولولا وجود أمثال هؤلاء لكان القرآن كله محكما ، وإنما كان المتشابه لحكمة أن يظهر الفضل في شرحه للعلماء .

وللراسخين في العلم دعاء جميل يقول :رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 8 ) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ( 9 ) ، وإزاغة القلب فساده وميله عن الدين .
وكان آل فرعون من الذين أزاغ اللّه قلوبهم ، ودأبوا على الكفر ، وأهل قريش فعلوا مع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مثلما فعل آل فرعون مع موسى ، 
واعتادوا الإلحاد والإعنات للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء .
وفعل اليهود أكثر مما فعله كفار قريش ، وفي أحد فرحوا بما أصاب المسلمين فنزلت الآية :قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ( 12 ) ، تحذّر اليهود أن يصيبهم ما أصاب أهل مكة في بدر ، وتعظ المسلمين أن لا يقبلوا على الدنيا ويخافوا الآخرة ، وأن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره والصبر عليها ، وأن النار لا ينجى منها إلا ترك الشهوات ، وعدّدتها الآية :النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ( 14 )
والخيل المسومة الآن هي السيارات الفارهة ، والأنعام والحرث : هي العقارات والعزب .
ومن دعاء المؤمنين المأثورة في ذلك :رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ( 16 ) ، وقد سأل حبران من أحبار أهل الشام الرسول صلى اللّه عليه وسلم : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب اللّه ؟
فأنزل اللّه تعالى على نبيّه صلى اللّه عليه وسلم :شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( 18 ) ،
والآية دليل على فضل العلم ، لأنه تعالى قرن العلماء باسمه تعالى واسم ملائكته . وفي سورة آل عمران ثلاث شهادات ، فالتوحيد شهادة أولى ، والإسلام شهادة ثانية ، شهدها اللّه تعالى في قوله :إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ( 19 ) والشهادة الثالثة : اختلاف أهل الكتاب في قوله تعالى :وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ( 19 ) ، والآية المراد بها وفد نصارى نجران ، وهي توبيخ لهم . وفي محاجاتهم نزلت :فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ( 20 ) ، والمحاجاة هي الجدال بالأقاويل المزورة والمغالطات ، والأميون هم من لا كتاب لهم . وعن اليهود والنصارى وتعنّتهم مع المسلمين نزلت الآية :إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ( 21 ) ،
وبنو إسرائيل كما يجيء في سفر الملوك الثالث من أسفارهم ، في الفصل الثامن عشر ، قتلوا أربعمائة وخمسين نبيا في يوم واحد بالسيف ، قتلهم إيليا ، ويروى أن الأنبياء كانوا كثرا عندهم بسبب عنادهم وجحودهم ، وكلما زاد عدد المرضى والأمراض احتاج الأمر إلى زيادة الأطباء . وأنبياء بني إسرائيل ، كانوا من نوع العرّافين ، وفي عهد الملك آحاب وحده كان هناك أربعمائة نبىّ ،
ومن القتلة المشهورين للأنبياء : إيزابيل ، وكانوا إن لم يقتلوهم يسجنونهم ، وقد سجن آحاب النبىّ ميخا .
ومن مزاعم أهل الكتاب أنهم « أبناء اللّه وأحباؤه » ، وأنهم لن يعاقبوا لذلك إلا أياما معدودات ، فنزلت :فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ( 25 ) ، والخطاب للنّبىّ صلى اللّه عليه وسلم وأمّته على جهة التوقيف والتعجّب .
وكان وفد 
نجران يستدل بإحياء عيسى للموتى بأنه اللّه ، فأنزل اللّه الخطاب على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يقول :قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( 26 ) ،
إخبارا له ولأمة الإسلام : بأنه تعالى المنفرد بالإحياء ، فلو كان عيسى إلها ، لكان له هذا مع نفسه على الأقل ، أو مع قريبه النبىّ يحيى ، فلا هو استطاع أن ينجّى نفسه ، ولا استطاع أن ينجّى يحيى . وفي السورة أنزل اللّه تعالى أمره أن لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ولا يتخذوا بطانة منهم ، وأوضح أن اتباع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم هم اتباع له تعالى ، فمن كان يحب اللّه فليحب نبيّه صلى اللّه عليه وسلم ، وليطعه .

وكان وفد نصارى نجران ستين راكبا ، فيهم أربعة عشر من أشرافهم ، ثلاثة منهم كانوا من أكابرهم ، قيل أن أسماءهم : « عبد المسيح » - وكان أميرهم وصاحب الرأي فيهم ، و « الأيهم » - وكان صاحب مجتمعهم ، « وأبو حارثة بن علقمة » أسقفهم وعالمهم ، وتكلم الثلاثة مع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم إثر صلاته العصر ، واستمروا معه يناظرونه أياما ، فمرة يقولون عيسى هو « اللّه » ، لأنه كان يحيى الموتى ، ومرة يقولون « ابن اللّه » لأنه لم يعرف أن له أبا من البشر ، ومرة يقولون هو « ثالث ثلاثة » حيث أن اللّه عندما يتكلم عن نفسه يقول : « فعلنا وقلنا » ،
ولو كان واحدا لقال : « فعلت وقلت » ، فقال لهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم : « ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه » ؟
قالوا : بلى . قال : « ألستم تعلمون أن ربّنا قائم على كل شئ يكلؤه ويحفظه ويرزقه ؟
فهل يملك عيسى شيئا من ذلك » ؟ قالوا : لا .
قال : « ألستم تعلمون أن اللّه لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء ، فهل يعلم عيسى شيئا من ذلك إلا ما علم » ؟

قالوا : لا .
قال : « ألستم تعلمون أن ربّنا لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب ، ولا يحدث الحدث ، وأن عيسى كان يطعم الطعام ، ويشرب الشراب ، ويحدث الحدث » ؟ قالوا : بلى .

فقال : « فكيف يكون كما زعمتم » ؟ فسكتوا ، وأبوا إلا الجحود ، فكان أن دعاهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلى المباهلة أو الملاعنة ، فيجتمعون ويقولون : لعنة اللّه على الظالم منا »، فأول حوار بين الأديان ، مما يقولونه الآن سبق إليه الإسلام والقرآن.
وقيل المباهلة من الابتهال إلى اللّه لإظهار الحق ، والدعاء أن يلعن الكاذب من الطرفين المتحاجّين المتباهلين ؛ وقيل إن المباهلة ، من البهل أي اللعن ، والآية :فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ( 61 ) من أعلام نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، لأنه دعاهم إلى المباهلة فأبوا منها ، بعد أن أعلمهم كبيرهم أنهم إن باهلوه كان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم هو الفائز ، فتركوا المباهلة ،
فدعاهم إلى « كلمة سواء بينهم » :أَلَّا 
نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ( 64 ) ،
والكلمة السواء
هي الكلمة العادلة المنصفة ؛ فرفضوا دعوته ، وتركوا المكان منصرفين إلى بلادهم ، يعبدون عيسى والقديسيين والرهبان ، على أن لا يقولوا لا إله إلا اللّه !
وتعرّضت سورة آل عمران لقصة مريم ، وكيف نذرتها أمها للّه ، وكفلها زكريا ، وتقبّلها ربّها بقبول حسن ، وكيف دعا زكريا ربّه أن يرزقه الولد ، وكانت ولادة يحيى معجزة كولادة عيسى ، فعيسى ولد من غير أب ، ويحيى ولد وأبوه كهل وأمه عاقر . ومريم وزكريا ويحيى من المصطفين ، أي المختارين ، واصطفيت مريم على نساء العالمين لولادة عيسى ، وطهّرها اللّه استقبالا لهذا الحدث الجليل ، وكانت من القانتات والمصلّيات ، وسرد القرآن لقصتها بما لم تقل به الأناجيل ، دليل على صدق نزول القرآن من عند اللّه ، فمن أين كان يعلم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بهذه التفاصيل إن لم يكن راويها هو اللّه تعالى ، العالم بكل شئ حتى خفايا الصدور ؟
وعيسى تكلّم في المهد إعجازا لقومه وإثباتا لنبوته ، ولما شبّ وكبر وتهيأ للرسالة دعا بني إسرائيل ليؤمنوا باللّه ، وكانت آياته لهم ست آيات : أن يخلق لهم من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه ؛ ويبرئ الأكمه - وهو الأعمى بالميلاد ؛ والأبرص ؛ ويحيى الموتى بإذن اللّه ؛ وينبؤهم بما يأكلون ؛ وبما يدّخرون في بيوتهم .
واختار عيسى لنفسه أنصارا سمّاهم الحواريين ، وكانوا اثنى عشر ؛ والحوارى : هو التلميذ الذي يتلقى العلم على معلّم يعلمه بطريقة السؤال والجواب ، وكانت هذه هي طريقة المسيح ومنهجه في الدعوة .
وقوله تعالى في عيسى :إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِاستحضار لما سيجرى لعيسى ، ووعد منه تعالى بنصرته ونصرة أتباعه - وهم النصارى - على اليهود ؛ ومعنى « متوفيك » مميتك ممات نوم ، كما في قوله تعالى :وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ( 60 ) ( الأنعام )
أي ينيمكم ، والنوم أخو الموت مع الفارق ، وعيسى توفّاه اللّه ، لأنه رفعه في منامه من غير موت . وكما سبق فإنّ مثل عيسى كمثل آدم ، وعيسى لم يكن شيئا ، وكان عدما ، فجرت المشيئة بخلقه ، فكان بكن ، وهي نفخة جبريل في فرج مريم ، أي بشقّ ثوبها ، وآدم كان ترابا فصنعه اللّه تعالى من الطين ، ونفخ فيه بكن ، وقصتا آدم والمسيح من القصص الدالة على طلاقة قدرته تعالى ، فآدم ليس من أب ولا أم ، وحواء من أب بلا أم ، والمسيح من أم بلا أب ، والإنسان عموما من أب وأم !

ومثل هذه المحاجاة مع نصارى نجران كانت محاجاته صلى اللّه عليه وسلم مع اليهود حول إبراهيم ، فإنه لمّا نزلت الآيات عن أن ملّة إبراهيم هي ملة المسلمين ، قال اليهود إنه انتحل إبراهيم  لنفسه ، وتحاجّوا معه في إبراهيم ، فنزلت :لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ( 65 ) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( 66 ) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 67 ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( 68 )
وفي هذه الآيات « دليل المنع من الجدل لمن لا علم له » ، والحظر على من لا تحقيق عنده ، وتنزيه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من دعاويهم الكاذبة ، وأنه على الحنيفية الإسلامية ، ولم يكن مشركا .
والحنيف : هو المائل عن الأديان الضالة إلى الحق ، وسمّى إبراهيم حنيفا ، لأنه حنف إلى دين اللّه وهو الإسلام .
والمسلم في اللغة : المتذلل لأمر اللّه تعالى ، المنطاع له وكيف يمكن أن ينتسب إبراهيم إلى اليهود ، أو أن ينتسبوا له ، وأخلاقهم في الدرك الأسفل ولا إيمان لهم ، فالأولى بإبراهيم هم المسلمون ، وفي اليهود طائفة تود لو تضل الناس ، وتلبس الحق بالباطل ، وتكتم الحق ، ولا يؤمنون على شئ ، ويحللون أن يسرقوا ويخدعوا ويحتالوا على من ليس من دينهم ، ويقولون على اللّه الكذب ، ويلوون ألسنتهم بالكتاب ليحسب السامع أنه من الكتاب ، ويحرّفون كلامه ، ويعدلون به عن قصده .
والنصارى مثل اليهود ، وما كان من المعقول أن يؤتى اللّه المسيح الحكم والنبوة ثم يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون اللّه ؟ !
واللّه قد أخذ الميثاق على النبيين ، وصادق الجميع على الإسلام دينا للّه ؛
والمسلمون شهادتهم : الإيمان باللّه ، وما أنزل على محمد ، وعلى إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط ، وما أوتى موسى وعيسى ، وما أوتى النبيون من ربّهم ، لا يفرّقون بين أحد منهم ، واللّه لا يقبل غير الإسلام ، ولا يهدى قوما كفروا بعد إيمانهم ، إلا من تاب بعد ذلك وأصلح ، ومحك الإيمان الحقيقي أن ينفق المؤمن في سبيل اللّه مما يحب من المال ولقد تأوّل اليهود وحرّفوا في التوراة ، منهم وحرّموا أطعمة محللة ، بدعوى أن يعقوب حرّمها ، ويعقوب كان قبل التوراة ؟ !
والمسلمون على اتباع ملّة إبراهيم ، وهي الحنيفية السمحة ، وليس ملة اليهود المتعنتة المضيّقة على الناس . وإبراهيم كان على الإسلام ، وهو الذي بنى الكعبة ، ومن الحرم مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا ، والحج منذ إبراهيم قد فرض على المستطيع ؛ والمسلمون مطالبون بالتقوى ، وأن يعتصموا بحبل اللّه ، وأن لا يتفرّقوا ، وأن يكون منهم نفر يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وأمة الإسلام لهذا كانت خير أمة أخرجت للناس ، ولن يضرهم أهل الكتاب .
واليهود ضربت عليهم الذلّة والمسكنة حيثما ذهبوا وحلّوا ، ويكنون البغض للإسلام والمسلمين ، ويفرحون كلما نزل بهم بلاء كما حدث في أحد ؛ والصبر 
أليق بالمسلمين ، وأن يتقوا اللّه من فورهم ، ومن تقوى اللّه أن يتركوا الربا فهو مرض اليهود ، وأن ينفقوا في السرّاء والضرّاء ، لأن اللّه يحب المحسنين .
وعلامة إيمان المؤمنين أن لا يفعلوا الفاحشة ، ويستغفروا لذنوبهم . وهذا القرآن الذي أنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم هو بيان للناس ، وهدى ، وموعظة للمتقين ، وما أصاب المسلمين في أحد لا ينبغي أن يفت في عضدهم ، والواجب عليهم أن يظلوا على قتال عدوهم ومجاهدتهم ، ولهم العاقبة بالنصر والظفر .
وما محمد الذي أشاعوا عنه في أحد أنه قتل إلا رسول كالرسل ، فهل إذا مات أو قتل ينقلب المسلمون على أعقابهم ؟ وما يموت أحد إلا بإذن اللّه ، وكل نفس لها أجلها ، والأنبياء يقاتل معهم الربّيون حتى الموت ، والربّى نسبة إلى الربّ ، وهو المتألّه العابد للّه ، ولو أطاع الذين آمنوا الكفّار لردّوهم على أعقابهم .
ولقد عفا اللّه عن المسلمين فيما جرى منهم في أحد ، حينما أصعدوا في الوادي فرارا ، والرسول صلى اللّه عليه وسلم دعاهم ليثبتوا ويقاتلوا ، ثم من بعد ذلك رفق بمن تولى منهم ، وعفا عنهم واستغفر لهم ، ولم يعنّفهم اللّه ، وأمره أن يشاورهم في الأمر .
وفي الشورى بركة ، وما ندم من استشار ؛ وليس للنّبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن يسمح بالغلول بين المؤمنين ،
وفي الحديث : « لا إغلال ولا إسلال » أي لا خيانة ولا سرقة ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لعفوه وسماحته ، منّة من اللّه للمسلمين ، فهو يتلو عليهم آيات للّه ، ويعلّمهم القرآن والحكمة ، ولم تكن المصائب التي نزلت بالمسلمين بسببه ، ولا من عند اللّه ، ولكنها من عند أنفسهم ، ولم تكن الحرب في أحد إلا بقضاء اللّه وقدره ، والذين قتلوا في سبيل اللّه ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربّهم يرزقون ، ومن أصيب من المؤمنين لم يهن مع ذلك ، وخرجوا بعد أحد في غزوة حمراء الأسد ، ولم يخشوا جموع الكفار بل زادتهم إيمانا ، والذين يسارعون في الكفر لن يضرّوا اللّه ، وهو يملى لهم ليزدادوا كفرا ، وما كان ليدع الناس يزعمون أنهم مؤمنون دون أن يمتحنوا ، ومن يبخل بماله عن الإنفاق في سبيل اللّه يطوّق به يوم القيامة .
ومن قال إن اللّه فقير كتب له ما قال ويحاسب عليه ، وهؤلاء هم اليهود قتلة الأنبياء ، ويوفّون أجورهم يوم القيامة .
وتذيّل السورة بخطاب إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وأمته ، بأنهم سيختبرون ويمتحنون في أموالهم بالمصائب والأرزاء ، وفي أنفسهم بالموت والقتل ، ويصاحب ذلك توبيخ لليهود أنهم أنكروا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وللمنافقين أنهم يفرحون بما عندهم ، ويحبون أن يحمدوا على ما لم يفعلوا ، للذين قالوا إن اللّه فقير وهم الأغنياء ، أنه تعالى الغنى الذي له ملك السماوات والأرض .
وتنتهى السورة بعشر آيات هي خواتيم آل عمران كخواتيم سورة البقرة ، وثبت أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم كان يقرأها إذا قام من الليل لتهجّده ، وفيها الدعاء :رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ 
أَنْصارٍ ( 192 ) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ( 193 ) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ( 194 ) ، ثم تختم السورة بوصية جامعة :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( 200 ) ،
فيها الظهور في الدنيا على الأعداء ، والفوز بنعيم الآخرة ، والحضّ على الصبر على الطاعات ، وعن الشهوات ، ومصابرة الأعداء ، والمرابطة ، وهي الجهاد وقت الحرب ووقت السلم ، فوقت الحرب بالقتال ، ووقت السلم بمداومة الطاعات ، وفي الوقتين معا بالملازمة في سبيل اللّه ، ولا جهاد ، ولا صبر ومصابرة ، من غير تقوى ، وبذلك وحده يتحقق للمسلم الرجاء والفلاح والبقاء . والحمد للّه ربّ العالمين .

  * * *
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 11 أكتوبر 2023 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

585 . سورة النساء ( 4 )

نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بسبعة أشهر ، وترتيبها في المصحف الرابعة ، وفي التنزيل المدني السادسة ، وفي التنزيل عموما الثانية والتسعون ، وآياتها مائة وست وسبعون آية ، وهي من السور الطوال ، وكان نزولها بالمدينة ، وقيل إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة حاجب البيت ، وهي قوله :اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها( 58 ) . 
وقيل إن سورة النساء نزلت عند هجرة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة .
وتبدأ السورة بقوله تعالى : « يا أيها الناس » ؛ وقيل إن قوله : « يا أيها الناس » إنما هو مكي ، بينما « يا أيها الذين آمنوا » مدنى ، وصدر السورة إذن يشبه أن يكون مكيا ، بينما ما نزل بعد الهجرة هو مدنى ، والصحيح أن السورة مكية جميعها ،
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضى اللّه عنها أنها قالت : ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم » تعنى أنه كان قد بنى بها ، ولا خلاف أنه بنى بها - أي تزوجها - بالمدينة .
ثم إن أحكام السورة جميعها مدنية لا شك فيها ولا خلاف .
وليس صحيحا أن كل « يا أيها الناس » مكي ، وكل « يا أيها الذين آمنوا » مدنى ، لأن بعض آيات القرآن وفيها « يا أيها الناس » مدنية ونزلت بعد الهجرة ، والآيات المكية التي بداياتها « يا أيها الناس » عددها عشر آيات ، بينما الآيات المدنية التي تبدأ هذه البداية عددها أربع عشرة آية ، فكأن « يا أيها الناس » مدنية أكثر منها مكية ، على عكس ما يقولون .

وسميت سورة النساء بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام المتعلقة بالنساء ، وهو ما لم يحدث في سورة أخرى إلا سورة الطلاق بدرجة أقل ، فسميت لذلك سورة النساء « بسورة النساء الكبرى » في مقابل « سورة النساء الصغرى » وهي سورة الطلاق ، ومن ذلك أنها أوصت بالبنات اليتيمات ، والمحافظة على ميراثهن ، وأن لا يتزوجهن من كن تحت وصايته طمعا في أموالهن ، وله أن يتزوج من غيرهن مثنى وثلاث ورباع ، والزواج عموما من امرأة واحدة أفضل ، فمن العسير أن يعدل بين نسائه المتزوج من أكثر من واحدة .
وللنساء نصيب في ميراث الوالدين ، وحظ الذكر من الميراث مثل حظ الأنثيين ، ونصيب النساء عموما بحسب موقفهن من المتوفى أو المتوفاة ؛ وإذا المرأة أتت الفاحشة مع المرأة يستشهد عليهما وتحبسان في البيوت إلى ما شاء اللّه ، إلا أن يأتي أي واحدة منهما من يقبل الزواج بها ؛ وإذا مات الرجل لا يحلّ أن تؤول امرأته بالإرث من واحد لآخر ،
وكانوا في الجاهلية إذا مات الرجل فأولياؤه أحقّ بامرأته ، إن شاءوا تزوجها أحدهم ، وإن شاءوا زوّجوها غيرهم ، وإن شاءوا منعوها الزواج ، ولا يحلّ منع الأرملة من الزواج ، أو التضييق عليها لتضييع حقّها في الصداق ، إلا في حال إتيانها الفاحشة ، ولا تكون معاشرة النساء إلا بالمعروف ، فإن كرهها زوجها فعسى أن يكره شيئا ويجعل اللّه له فيه الخير الكثير ، وفي الحديث « لا يفرك ( أي لا يبغض ) مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضى منها آخر » ، وأحرى بمن يريد الطلاق أن لا يطالب بإرجاع ما دفعه من مهر ولو كان قنطارا ، واستحلاله بهتان وإثم ، وكيف يستبيح مهرا إعطاء إياها وقد استمتع بها بالمعاشرة الزوجية ، وكان بينهما ميثاق الزوجية الغليظ ، أي عقد النكاح ؟
وفي الحديث : « اتقوا اللّه في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه ، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه » ؛ ويقبح من المسلم أن يتزوج مطلقة أبيه أو أرملته ، وهو فحش ممقوت وساء سبيلا ، ومثل ذلك أن يتزوج الابن من أمه ، أو جدّته ، أو ابنته ، أو ابنة ابنه ، أو أخته ، أو عمته ، أو أخت جدّه أو جدته ، أو بنت أخيه أو أخته ، فهؤلاء جميعا محرّمات بالنسب ، وهن : الأمهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمّات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت .
ويحرم الزواج من الأم ، أو الأخت من الرضاع ؛ في السنّة المحرّمات من الرضاع سبع كالمحرّمات من النسب ، وفي الحديث : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ؛ والمحرّمات بالمصاهرة هن : أم الزوجة سواء دخل بابنتها أو لم يدخل طالما أنه عقد عليها ؛ وبنت الزوجة التي يربيها في كنفه ، فإن لم يكن قد دخل بالأم فلا جناح عليه إذا تزوج ابنتها . وتحرم زوجة الابن من الصّلب ؛ ويحرم الجمع بين الأختين في النكاح ، وتحرم النساء المتزوجات ؛ كما تحرم النساء الكوافر ؛ والزواج لا يجوز إلا من الحرائر غير البغايا ؛ والصداق فريضة ، وللزوجة أن تهب بعضه لزوجها أو تسقطه عنه ؛ وربما الزوجة الفقيرة خير من الزوجة الغنية ، وربما الزوج الفقير خير من الزوج 
الغنى ، وقد فهم الشيعة من قوله تعالى :فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ( 24 ) أن نكاح المتعة جائز ، وهو ما لا تتضمنه الآية وتخالفه السنة .
وفي الرواية أن أم سلمة سألت النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قالت : يا رسول اللّه ، يغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ؟ فأنزل اللّهوَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ( 32 ) ، يعنى للنساء وسعهن وقدراتهن ، وللرجال وسعهم وقدراتهم ، وكلّ له جزاء على عمله ، ولكلّ نصيبه المقدور من الميراث ، بحسب التزاماته في الحياة وبالنسبة للأسرة ، فالرجال هم القائمون على النساء ، ويقومون بالإنفاق عليهن وعلى الأسرة كلها ، وينهضون برعايتهن ، بما فضل اللّه الرجال عموما على النساء ، من العزم والحزم والقوة العضوية والعقلية والبدنية ، وبما خصّهم اللّه من الكسب ، فكان عليهم لذلك الإنفاق ، وفي مقابل ذلك ينبغي على الزوجة أن يعرف عنها الصلاح ، والمرأة الصالحة هي الطيّعة التي لا تعصى ربّها ، وتتّقى اللّه في زوجها وأولادها ، وتصلّى فرضها ، وتحفظ غيبة زوجها ، وتصون أمواله عن التبذير ، ولا تفشى له سرا . والنقيض للصالحة هي المرأة الناشز ، وهي العاصية المتمردة ، والمتكبرة المتعالية على طاعة زوجها ، وعليه إزاءها أن يعظها ، ويهجرها في المضجع ، يعنى أن لا يأتيها ، فإن لم ترتدع فهذه امرأة من السفلة ، ولا يجدى معها أن يخاطب عقلها ، ولا أن يستنفر ذوقها وحسّها ، وقد لا يملك نفسه وينبو لفظه أو تمتد إليها يده بالضرب ، وقد تخاف من لا تستحى ، وقد تعود إلى الطاعة ، وعلى الزوج حينئذ أن يثوب إلى رشده ، ويعاملها بالحسنى أو حتى بالمعروف ، فالعقوبات تتراتب ، ويحذّر أن ينتشى الزوج وقد انتصر عليها فيزداد صلفا ، واللّه ولى المستضعف ، وينتقم للزوجة إذا حاقها الظلم ، فإذا ساءت الأمور أكثر فالأولى الاحتكام إلى اثنين من أهلها وأهله ، ممن يعرف عنهما العدل وعدم الانحياز ، فإن أراد الزوجان إصلاح ذات البين بينهما ، يوفق اللّه بينهما ، بأن ينزعا إلى المودة ، ويتراحما فيما بينهما . وذلك ما أوصى به اللّه بشأن النساء ، وكان المسلمون قد استفتوا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فيهن ، فنزلتقُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ( 127 ) ، يعنى أن أحكامه تعالى الخاصة بالنساء موجودة في القرآن يتلى عليكم .
وقوله :وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ( 127 ) هو الذي أعطى السورة اسمها « سورة النساء » ، والنشوز قد يكون في الرجال كما هو في النساء ، والرجل الناشز هو المترفّع على زوجته والمعرض عنها عن كره لها ، ربما لدمامتها ، أو لكبر سنها ، أو لفقرها ، فلا حرج أن يصلح الحكمان بينهما صلحا ، ويعقدا اتفاقا تستديم به المرأة مودة زوجها وصحبته . وروى أن عائشة قالت في الآية : هذا الرجل يكون له امرأتان ، إحداهما قد عجزت ، أو هي دميمة وهو 
لا يحبها ، فتقول : لا تطلقني ، وأنت في حلّ من شأني » ؛ والصلح خير من الفراق ، والنفوس مجبولة على الشّح .
وهو شدة البخل ، فالمرأة قد لا تفرط في حقّها من النفقة أو في الزوجية والبيتوتة ، والرجل قد لا يرضى أن يمسكها وهو غير راغب فيها ، أو أن يعطيها سؤلها من النفقة ، وأن يقسم لها ، واللّه لا يرضى الظلم من أيهما ، وحسن معاملة النساء من الإيمان ، ومن المستحيل أن يعدل الذي يتزوج بأكثر من واحدة ، ولا أن يسوى بينهن في المحبة والأنس ، رغم حرصه على العدل والمساواة ، لأن المحبة تتنزل من عند اللّه ، وليس بوسع أينا أن يدفعها عنه طالما استبدت بالنفس وملكت القلب ، والمطلوب في هذه الحالة أن لا يميل متعدّد الزوجات كل الميل ، وأن لا يذر إحدى نسائه كالمعلّقة ، لا هو يتقى اللّه فيها ، ولا هو يسرّحها ، وكأنها معلّقة بين السماء والأرض ، ومن كان هذا حاله فعليه أن يصلح ما أفسد ، وأن يستمسك بالعدل ، وإن أصر الزوج والزوجة على الفراق فإن اللّه يغنى كلا من سعته .
فهذا ما تعرّضت له السورة من حقوق النساء واليتيمات خاصة ، فصانت للنساء كرامتهن ، وحفظت لهن مكانتهن ، ودعت إلى إنصافهن .

والموضوع الثاني مما تعرضت له السورة هو أحكام المواريث ، فكما أنها تعرضت لأحكام الأسرة المسلمة الصالحة ، فإنها تعرّضت لأحكام المجتمع المسلم الصالح ، ولعل قضية الميراث هي الصخرة الكأداء أمام إقامة مجتمع إنساني مترابط ومتحاب ، ومن ذلك أن الوارث إن كان سفيها وجب أن لا يسلّم إليه ميراثه ، بل يرزق فيما يؤول إليه من أبويه أو من غيرهما ، وكذلك اليتامى حتى يبلغوا الرشد . وحالات الميراث كثيرة كأن يكون الورثة من الإناث فقط ، وللأبوين نصيب ، وللزوجة نصيب من مال زوجها ، وللزوج نصيب من مال زوجته ، وإذا كان لها أو له ولد اختلف هذا النصيب ، والرجل الكلالة يرثه أقاربه الأقربون ، لهم أنصبة معلومة .
وهذه الحدود بيّنها اللّه ليتحقق بها الإحسان والتكافل والتراحم بين الناس ، وليتناصحوا بها ويتسامحوا . ومن الوصايا في ذلك : لا يبدّلوا الخبيث بالطيب ؛ ولا يأكلوا أموال اليتامى إسرافا وبدارا - يعنى يبكّروا إلى إنفاقها من قبل أن يطالب الأوصياء بها ، وأن يرزقوا أولى القربى واليتامى والمساكين إذا حضروا القسمة في الميراث ، وأن تكون وصية الميت على رأس ما يستمع إليه ويؤخذ به عند تقسيم التركة ، والديون ضمن الوصية ؛ واللّه تعالى يقبل التوبة لمن يصنع السوء بجهالة ؛ ويحرّم أن تؤكل أموال الناس بالباطل ، وأن تؤتى الكبائر ، والكبائر كما قيل سبع ، وهي الذنوب المختومة بالنار أو اللعن أو الغضب ، وقيل هي سبعمائة أقرب منها إلى السبع ، ولا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار .
ومن عبادة اللّه : الإحسان إلى الوالدين ، وإلى ذي القربى 
واليتامى والمساكين ، وإلى الجار وابن السبيل .
والبخل من أرذل الرذائل ، وكذلك الإنفاق رياء الناس . وتبطل صلاة السكران والجنب إلا أن يكون عابر سبيل ، وإذا لم يوجد الماء يتبدّل الوضوء بالتيمم .
والحكم بين الناس لا يكون إلا بالعدل ، والحاكمية أبدا للّه ولرسوله - أي للكتاب والسنّة .
والولاية للمؤمنين وليست للمنافقين أو لأهل الكتاب ، ولا يستنصر هؤلاء ، ويقاتلون إذا قاتلوا المسلمين أو إذا لم يعتزلوهم ، فإذا سالموهم فليس عليهم قتالهم ، ولا يقتل المؤمن مؤمنا إلا خطأ ، وعليه الفدية لأهله أو صيام شهرين متتابعين توبة من اللّه .
ولا يتّهم المؤمنون بالكفر جزافا ، وليس القاعد بلا سبب قهري ، كالمجاهد ، ولا كالمهاجر في سبيل اللّه ؛ وفي السفر يجوز القصر في الصلاة ؛ وتصلّى صلاة الخوف جماعة بعد جماعة ، والذين يبيّتون للمسلمين ما لا يرضى اللّه أولئك هم الخائنون ، فلا يدافع عنهم ، ولو وجدوا من يجادل عنهم في الدنيا ، فمن يجادل عنهم في الآخرة ، ومثلهم الذين يفعلون الخطيئة ويرمون بها الأبرياء . ومع الرسول صلى اللّه عليه وسلم لا مشاقة ، ولا نجوى إلا إذا كانت لخير ، والذين يعبدون الأصنام ويدعونها بأسماء الإناث ، إنما يدعون إلى عبادة الشيطان ؛ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه للّه واتّبع ملّة إبراهيم حنيفا واتخذه خليلا ، ومن كان خليل إبراهيم فاللّه خليله ، لأنه تعالى خليل إبراهيم . والمؤمن ولى المؤمن ، ولا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن الأدب أن يردّ المسلم السلام بأحسن منه ، وأن يحيى الناس إذا حيوه ؛ والمنافق في الدرك الأسفل من النار ، واللّه لا يحب الجهر بالسوء في القول إلا من ظلم . فهذه جميعا القضايا التي تناولتها سورة النساء وبينتها أحسن البيان .
فلما انتهت مما يحقق الأمن الداخلي ، انتقلت إلى ما يحقق الأمن الخارجي ، فنبّهت إلى خطورة أهل الكتاب وما يدعون إليه ، وبخاصة اليهود ، وحذرت منهم ، وبيّنت ضلالات النصارى ، وغلوهم في المسيح ، واختراعهم للتثليث حتى أصبحوا كالمشركين .

واليهود حرّفوا كتابهم ، ولم يعملوا بما فيه ، وطعنوا في الدين ، وزكّوا أنفسهم فقالوا إنهم أبناء اللّه وأحباؤه ، وفعل النصارى مثلهم ، واليهود عبدوا الجبت والطاغوت - يعنى المال والهوى ، فإذا تحاكموا لا يتحاكمون إلى كتابهم وإنما للمال وللطواغيت منهم - أي أصحاب الأهواء من قومهم ، وقد سألوا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم آية ، وليس ذلك بمستغرب منهم وهم الذين سألوا موسى أن يروا اللّه جهرة فأخذتهم الصاعقة ، ولمّا امتنعوا عن قبول شريعة التوراة ، رفع فوقهم الطور ، وأمرهم أن يدخلوا بيت المقدس مطأطئين الرؤوس فخالفوا ، ودخلوا يزحفون على مقاعدهم ، وشدّد عليهم أن لا يعدوا في السبت ، وأخذ منهم الميثاق على ذلك ، فنقضوه وكفروا بآيات اللّه ، وقتلوا أنبياءهم بغير حق ، واعتذروا بأن قلوبهم غلف ، واتهموا مريم بهتانا ، وزعموا أنهم قتلوا المسيح ، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم ، ورفعه اللّه إليه ؛ وحرّموا الطيّبات ، وتعاملوا بالربا ، وأكلوا أموال الناس .
والحرب قد تفرض على المسلمين ، وبخاصة من اليهود والنصارى ، فإذا ابتلوا بها ، فليخرجوا جميعا إلى الجهاد سرية بعد سرية ، أو مجتمعين ، والمنافقون دائما يتخلفون ، ويحمدون حظّهم أن تخلّفوا إذا ظهر أن المسلمين مغلوبون ، فلو انتصروا ندموا أن لم يكونوا معهم . والبعض قد يتخلّف عن القتال خشية الناس ، والموت واحد ، وإذا حان الأجل لا فرار ولا منجاة ، والموت يلحق الناس ولو تحصّنوا منه في البروج ، وكل مسلم إذن عليه أن يقاتل ولو وحده ، وعليه أن يحرّض المؤمنين على القتال ، عسى أن يكفّ القتال بأس الذين كفروا .
وبعد ، فهذه خلاصة للسورة ، وما أشبه البارحة باليوم ، وما يزال اليهود والنصارى يكيدون للإسلام ، فعلى المسلمين أن يكونوا مستنفرين دوما ، « فالحرب الدائمة » تبدو من قضاء اللّه وقدره فيهم . والحمد للّه ربّ العالمين .
  * * *

586 . سورة المائدة

السورة مدنية بالإجماع ، ومن السور الطويلة ، وروى أنها نزلت منصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الحديبية ، ومنها ما نزل في حجة الوداع ، ومنها ما نزل عام الفتح ، وهو قوله تعالى :وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا( 2 ) ، وكان نزولها بعد سورة الفتح ، وآياتها مائة آية وعشرون ، وترتيبها في المصحف الخامسة ، وفي التنزيل المدني هي السادسة والعشرون ، وفي مجمل التنزيل هي الثانية عشر بعد المائة ، وسميت « سورة المائدة » لما تضمنته من قصة المائدة التي طلبها الحواريون من عيسى ، قالوا :يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ( 112 ) ، وقالوانُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ( 113 ) ، فدعا عيسى ربّه ، قال :اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ( 114 ) ، فلما كانت هذه القصة من أعجب ما ذكر في سورة المائدة ، سميت السورة بها ، وقال تعالى :مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ( 115 ) ، قيل : إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : اليهود بقوله تعالى :وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( 85 ) ( البقرة ) ، وآل فرعون بقوله تعالى :النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ( 46 ) ( غافر 46 ) ، والكفرة من أصحاب المائدة .
وقيل في سورة المائدة : أنها تتضمن تسع عشرة فريضة ليست في غيرها ،
فقد جاء 
فيها : تحريم المنخنقة : وهي البهيمة التي تموت خنقا ؛ والموقوذة : وهي البهيمة المقتولة من غير تذكية ؛ والمتردية : التي تسقط من العلو فتموت ؛ والنطيحة : وهي الشاة التي تنطحها شاة أخرى فتموت قبل أن تذكّى ؛
وما أكل السبع : بقايا ما افترسه ذو ناب وأظفار كالأسد والنمر والذئب إلخ ؛ وما ذبح على النّصب : أي ما ذبح على حجارة الكعبة ؛ وأن يستقسموا بالأزلام : والأزلام هي القداح تقسم لهم أرزاقهم ؛ وما علّموا من الجوارح مكلّبين :

وذلك ؛ في الصيد بالكلاب والصقور ؛ وطعام الذين أوتوا الكتاب ؛ والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ؛ والطهور عند القيام للصلاة ؛ وحرّمت السرقة سواء قام بها سارق أو سارقة ؛ وقتل الصيد في الإحرام ؛ والبحيرة : وهي البهيمة المقصورة على الطواغيت ؛ والسائبة : وهي الناقة تخلى لا قيد عليها ولا راعى لها ؛ والوصيلة من الغنم : وهي التي تلد سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا وصلوها به فلم تذبح لمكانها ؛ والحام من الإبل ، وهو الذي انقضى ضرابه ؛ والشهادة على وصية من تحضره الوفاة ؛ فهذه ثماني عشرة فريضة ، والتاسعة عشرة هي الأذان ، لأنه لا ذكر للأذان إلا في هذه السورة ، وأما ما ورد في سورة الجمعة فهو مخصوص بالجمعة .
وروى أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال : « يا أيها الناس - إن سورة المائدة من آخر ما نزل ، فأحلّوا حلالها ، وحرّموا حرامها » .

والآية الأولى من سورة المائدة من أعجب القرآن ، فقد تضمنت خمسة أحكام : فدعت إلى الإيمان ، وأمرت بالوفاء ؛ ونهت عن النكث ، وحللت تحليلا عاما ، واستثنت استثناء بعد استثناء ، وأخبرت عن الإحرام فقالت :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، ثم تطرّقت إلى قدرته تعالى في خمس كلمات قالت :إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ( 1 ) ( المائدة ) ، وكل ذلك من خلال أقل من سطرين اثنين ، وجاءا في شكل بيان للناس من اللّه ورسوله . والسورة عموما تناولت موضوعات شتى ، منها أحكام العقود والوفاء بها ؛ وأحكام الذبائح ، وتحليل الأنعام : وهي الإبل والبقر والغنم ؛ وتحليل الصيد في الإحلال دون الإحرام ، وما لم يكن صيدا فهو حلال في الحالين ؛
وأن لا يحلّوا شعائر اللّه ، والشعيرة هي البدنة التي تهدى ، وإشعارها أن يجز سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنها هدى ؛ ولا الهدى : ما يهدى إلى بيت اللّه من ناقة أو بقرة ، أو شاة ؛ ولا القلائد : وهي البهائم المعلّمة أنها للّه ؛ وتحريم ما لم يذكّى ، أي ما لم يسل منه الدم عند الذبح ؛ ويشمل التحريم : الميتة ولحم الخنزير والدم ، وما أهلّ لغير اللّه .

وفي السورة إعلام بالحلال من الطعام : وهو الطيّبات ، والصيد بعد ذكر اسم اللّه عليه ؛ وطعام الكتابين ، ونكاح الكتابيات . وفي السورة الإخبار بصحيح الوضوء والغسل والتيمم ؛ والتزام العدل بين الناس ، والاستمساك بميثاقه . وتحدثت السورة عن اليهود ، فذكرت فيهم نقضهم لميثاقهم مع ربّهم ، فاستحقوا اللعن ، وقست قلوبهم ، فحرّفوا التوراة وأوّلوها ، وصرفوها إلى غير معناها ، ونسوا ما ذكّروا به ، وأكلوا السّحت ، أي الحرام ، واتخذوا الخيانة دينهم ، واستمعوا للأكاذيب والتشنيعات وروّجوها ، وأوقعوا بين الناس ؛
وتحدثت السورة عن النصارى : فذكرت نسيانهم لميثاقهم مع ربّهم .
وانقسامهم فرقا وطوائف بينها العداوة والبغضاء . ولقد كفروا إذا قالوا إن اللّه هو المسيح ابن مريم ، ولو كان إلها لقدر أن يدفع عن نفسه ما نزل به ، وما كان المسيح إلا مخلوقا للّه محدودا ومحصورا ، ولو كان اليهود والنصارى أبناء اللّه وأحباؤه لما عذّبهم بذنوبهم ، ولكنه توعّدهم بالعذاب ، فثبت أنهم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء منهم ، ويعذّب من يشاء ، كشأنه دائما مع كل البشر.

وبيّنت السورة أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد أرسل إلى اليهود والنصارى كما أرسل إلى العرب ، وأن اللّه تعالى نزّل التوراة على اليهود ، كما نزّل الإنجيل على النصارى ، والقرآن على المسلمين ، وذلك ليستبق الجميع الخيرات ؛ وذكّرت بموسى وقصته مع بني إسرائيل ، وعصيانهم له ، ومجازاتهم بالتيه أربعين سنة ؛
وذكّرت با بنىّ آدم : قابيل وهابيل ، وما كان بينهما من صراع صار رمزا للصراع بين قوى الخير وقوى الشر ، وكانت جريمة قتل هابيل أول جريمة في الأرض يراق فيها دم ، وبسببها كان تجريم القتل وتشريع قصاص المثل ، وتجريم الحرابة أو المحاربة ، وهي قطع الطريق على الناس ومكابرتهم عن أنفسهم وأموالهم ، وتجريم السرقة وقطع يد السارق أو السارقة في القليل مثل الكثير ، تحذيرا بالقليل عن الكثير .
وحذّرت السورة من اتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين ، وأنذرت من يرتد عن دينه من المسلمين ، ومن يتخذ شعائر المسلمين هزوا ولعبا ، ونبّهت إلى مخاطر اليهود على الإسلام ، وأنهم من لعنهم اللّه وغضب عليهم ، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت .
واليهود هم الذين قالوا يد اللّه مغلولة ، وأنه فقير يحتاج إلى القروض ، ولو آمن أهل الكتاب وأقام اليهود التوراة ، والنصارى الإنجيل ، يعنى عملوا بهما ، لوسّع اللّه في أرزاقهم وبارك فيها .
ومن اليهود معتدلون ، وكثير منهم فاسقون ، ولذلك كثرت الرسل إليهم ، ففريقا كذّبوا ، وفريقا قتلوا .
ولما جاءهم المسيح كفروا به ، وآمن به النصارى ، ثم كفر النصارى باللّه من بعد إيمان ، وقالوا : اللّه ثالث ثلاثة : الأب ، والابن ، وروح القدس ، وما كان المسيح إلا رسولا قد خلت من قبله الرسل ، وكانت أمه صدّيقة ، صدّقت بكلمات ربّها ، وكانا بشرا يأكلان الطعام كالبشر .
وتنهى السورة النصارى عن أن يغلوا في دينهم ، ويتّبعوا أهواءهم . وتعلن للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم وأمة الإسلام : أن اليهود

أشد الناس عداوة لهم ، وأن النصارى أقربهم مودة ، لأن قساوستهم ورهبانهم يعلّمونهم المودة ، فكلما سمعوا القرآن لانت قلوبهم ، وتحازنوا ، وفاضت دموعهم .
وتناولت السورة اللغو في الإيمان والتكفير عنه ، والنهى عن الأنصاب والأزلام ، وعن الخمر والميسر - أي القمار ؛ والأنصاب جمع نصب يكون من الحجارة للآلهة ، والأزلام هي استخدام القدح للاستقسام .
وأحلت السورة صيد البحر وحرّمت صيد البر أثناء الإحرام ، لتثبّت الإحرام في قلوب المحرمين ، تعظيما للكعبة ، وقياما لها ، فلا يقع فيها أذى ، ولقد أصلحها اللّه معاشا للناس في أمور الدنيا والآخرة ، يلوذ بها الخائف ، ويأمن الضعيف ، ويربح التاجر ، ويتوجه إليها الحجيج ، وقد يحدث أن يمرض في الحج من يخشى موته ، فعليه أن يوصى ويشهد اثنين ذوى عدل من رفاقه أو من غيرهم . والوصية والموت يذكّران بيوم القيامة عندما يجمع الناس للحساب ، وسيحاسب النصارى عمّا قالوه عن عيسى . وتعرض السورة لقصة المائدة التي أيده اللّه بها ، ودفاع عيسى عن نفسه أنه تعالى أعلم بما قاله لقومه ، فلقد اتخذوه وأمه إلهين - ، فإذا كانت مريم أنجبت إلها ، وكانت علاقتها باللّه ، فإنها تصبح إلاهة ، ولو لم يصرّح النصارى بذلك ، وعيسى وأمه بريئان مما زعمه هؤلاء عنهما ، ويوم القيامة هو يوم الصدق ، وسيظهر يومها أيهما الصادق ، عيس وأمه أو هؤلاء الحواريون الذين أضلوا الناس بعد عيسى .
والحمد للّه ربّ العالمين .

  * * *

587 . سورة الأنعام

السورة مكية ، قيل إلا آيتين نزلتا بالمدينة ، الأولى قوله :وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ( 91 ) ، نزلت في مالك بن الصيف ، وكعب بن الأشرف ، اليهوديين ، والأخرى قوله :وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( 141 ) ، نزلت في ثابت بن قيس شماس الأنصاري ، وقيل نزلت في معاذ بن جبل .
والصحيح أن السورة أصل في محاجة المشركين والمبتدعين ، والمكذّبين بالبعث والنشور ، وهذا نقيض إنزالها جملة واحدة ، لأنها في معنى واحد من الحجّة وإن صرف ذلك بوجوه كثيرة . وفي السورة آيات تردّ على أصحاب الفرق الإسلامية ولو أن هذه الفرق ما كانت قد تكوّنت بعد ، إلا أن احتمالات ما تثيره من شكوك ردّت عليه السورة مقدّما ، وعلى ذلك فهذه السورة من السور التي يعتز بها طلاب الحكمة والفلسفة الإسلامية ،
وقال فيها عمر بن الخطاب : الأنعام من نجائب القرآن - أي من نفائسه ، فهي لم تتناول كالسور المدنية 
الأحكام التنظيمية لجماعة المسلمين ، كالصوم والحج ، وأحكام الأسرة ، والاجتماع الإنسانى ، وأسس التشريع ، ولم تذكر شيئا من طرق الحرب ومناهج القتال ، وشؤون السلم والصلح ، ولم تتحدث عن اليهود والنصارى ، ولم تذكر المنافقين ، وإنما تناولت قضايا العقيدة ، ومبادئ الإيمان ، وأصل التوحيد ، ومسائل الوحي ، وشؤون الرسالة ، ومشكلة البعث والحساب والجزاء .
وآيات سورة الأنعام مائة وخمس وستون آية ، وهي كما ترى من السور الطويلة ، وكان نزولها بعد سورة الحجر ، وجاء ترتيبها في المصحف السادسة ، وفي التنزيل الخامسة والخمسين ،
وسميت سورة الأنعام بسبب الآيات فيها التي تصف فعل العرب في الجاهلية مع أنعامهم يهدونها إلى اللّه ، وهذه التقاليد توجز أحوالهم الاعتقادية ، والأنعام هي الإبل والبقر والغنم ، سميت أنعاما للين مشيها ووداعتها ، فجعلوا من ثم اسم السورة من اسم الأنعام ، من قوله تعالى :وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً( 136 ) . 

ومحور السورة مداره هذا الشرك المتمثل في قسمة الأنعام . ثم إن الأنعام لها دور آخر مع اليهود كذلك ، فقد حرّموا على أنفسهم كلّ ذي ظفر ، ومن البقر والغنم شحومها ، فجازاهم اللّه بسبب هذا التحريم ، ومن أجل ذلك كان للأنعام مغزاها في السورة ، فاستحقت أن تسمى السورة باسمها .
والسورة تقوم على الحوار ، وتقرير الثوابت ، والتعليم من خلال السؤال والجواب .
وفي البداية يكون الكلام للّه تعالى معرّفا بنفسه ، حامدا لذاته : أن خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ويتساءل : فهل بعد ذلك يعدلون به شركاء ويجعلون له أندادا ؟
ويخاطب الناس فيقول لهم : خلقتم من طين وإلى أجل مسمى ، وكذلك خلقت الحياة إلى موعد الساعة ، ثم أنتم تتشككون ؟
وهو الذي يعلم سرّهم وجهرهم وما يكسبون . ثم يخاطب النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فيخبره أنه ما تأتيهم من آية إلا أعرضوا عنها ، وكذّبوا بها ، ويسأله مستنكرا : ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم ؟
ويؤكد عنادهم ، فلو نزّل عليهم كتابا من عنده ولمسوه بأيديهم كما طلبوا لأنكروه واعتبروه سحرا ، ولطلبوا طلبا آخر ، كأن يكون الرسول ملكا ، فكيف يكون ملكا وهم بشر ؟

والطبيعي والمعقول أن يكون بشرا مثلهم ، وهذا أنت بشر ولكنهم لا يصدقوك ؟ !
ويأمر نبيّه أن يطلب إليهم أن يسيروا في الأرض وينظروا إلى آثار من سبقهم ، وكيف كان عاقبة تكذيبهم .
ويملى عليه أن يقول لهم : أغير اللّه يتخذون وليا ، وهو فاطر السماوات والأرض ؟
ويعلّمه أنه لو مسّه الضّر فلن يكشفه عنه إلا اللّه ، وأنه القاهر فوق عباده ، لا إله إلا هو .
ويخاطبه فيقول له : أنظر كيف كذبوا على أنفسهم ؟
ويقول : لو ترى إذ وقفوا على النار ، ولو ترى إذا وقفوا على ربّهم ؟
ويقول : قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون ، 
وأنهم يطلبون أن تتنزل عليك آية كالتي كانت تتنزل على موسى وعيسى ، وهذا القرآن هو آيتك ومعجزتك ، وما فرط اللّه فيه من شئ ، واللّه يستدرجهم ثم يأتيهم العذاب بغتة وهم مبلسون .
ويعلّمه أن يقول لهم : ما عندي خزائن اللّه ، ولا أعلم الغيب ، ولا أنا ملك ، وما أتّبع إلا ما يوحى إلىّ ، ويأمره أن ينذر الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع ، وأن لا يطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشى ، ويبشّرهم أن من عمل منهم سوءا بجهالة ثم تاب من بعد ذلك وأصلح فإنه غفور رحيم .
واللّه عنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ويعظه أن يعرض عن الذين يخوضون في آياته حتى يخوضوا في حديث غيره . ويضرب المثل بقصة إبراهيم ، وإنكاره للقمر ثم الشمس ، وتوجّهه إلى اللّه فاطر السماوات والأرض ، حنيفا غير مشرك ، ولمّا حاجّه قومه لم يخف وهو الأحق أن يخاف ، لأنه لم يلبس إيمانه بظلم ، ووهب اللّه له إسحاق ، ووهب إسحاق يعقوب ، وكلا هدى ، وهدى نوحا من قبل ، ومن ذريته : إبراهيم ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط ، وكلا جعله اللّه من الصالحين وفضّله على العالمين ، ولو أشركوا لحبط عملهم ، وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة ، فبهداهم اهتدوا أيها الناس ، وهذا كتاب موسى تظهرون منه أيها اليهود ما تحبون ، وتخفون منه ما تخفون ، وما تفعلون إلا أنكم في خوضكم تلعبون .
ويخاطب النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : إن هذا القرآن مبارك ومصدّق لما سبقه ، ولتنذر به مكة وما حولها ، واللّه هو فالق الحبّ والنوى ، يخرج الحيى من الميت ، ويخرج الميت من الحيى ، فأنّى تصرفون ؟
وجعلوا له شركاء الجن ، وهو بديع السماوات والأرض ، فكيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ، وخلق كل شئ ، لا إله إلا هو ، فاعبدوه ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
ولو أنه أنزل إليهم ملائكة ، ودفع الموتى لتكلّمهم ، وحشر عليهم كل شئ ، فلن يؤمنوا لأنهم قوم يجهلون ، واللّه لا مبدّل لكلماته ، وكلماته تمّت صدقا وعدلا .
ويعلّم اللّه نبيّه أن لا يأكل إلّا مما ذكر اسمه تعالى عليه ، وأن يذر ظاهر الإثم وباطنه ، ويدع مجادلة المجرمين وهم في كل قرية يمكرون فيها ، وما يمكرون إلا بأنفسهم ، ومن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعّد في السماء ، وما كان اللّه مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ، ولكنه يرسل إليهم الرسل يقصّون عليهم آيات اللّه وينذرونهم ، وهو الغنى ذو الرحمة إن يشأ يذهب الكافرين ويستخلف من بعدهم من يشاء ، ويكفى من جهلهم أن يقتلوا أولادهم سفها بغير علم ، وحرّموا على أنفسهم نعم اللّه بدعوى قسمتها مع أصنامهم ، 
وحرّموا على أنفسهم وحللوا من الأطعمة ، وما حرّم اللّه سوى الشّرك ، وقتل الأولاد خشية إملاق ، والفواحش ، وقتل النفس التي حرّم اللّه إلا بالحق ، ومال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ، وخسران الميزان والكيل ، وأن تكلّف النفس أكثر من وسعها ، والظلم ، وأوصى بالوالدين إحسانا ، والوفاء بعهده تعالى ، واتّباع صراطه المستقيم .
وكما أنزل اللّه الكتاب على موسى تماما على الذي أحسن وتفضيلا لكل شئ ، وهدى ورحمة ، فكذلك القرآن أنزله مباركا .
ويأمر اللّه نبيّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقول إن دينه هو ملة إبراهيم حنيفا ، وأن صلاته ونسكه ومحياه للّه ربّ العالمين ؛ وأنه أول المسلمين ، لا يبغى غير اللّه ربّا ؛ وأن كل نفس مسؤولة عما كسبت ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ؛ وإليه يرجع كل الخلق فينبؤهم بما كانوا فيه يختلفون ؛ وهو الذي جعلهم خلائف تخلف كل أمة التي سبقتها ، ورفع درجات بعضهم ليبلوهم فيما آتاهم ؛ وهو سريع العقاب وغفور رحيم .
وهكذا تختم السورة خير ختام ، وللّه تعالى الحمد والمنّة وهو حسبنا .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 12 أكتوبر 2023 - 0:39 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

588 . سورة الأعراف

السورة مكية ، وهي أطول السور المكية ، وقيل إن الآيات مدنية من قوله تعالى :وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ( 163 ) إلى آخر الآية :وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ( 170 ) ،
والصحيح أن السورة كلها مكية ، ونسقها واحد ؛ ويأتي ترتيبها في المصحف السابعة ، وفي التنزيل التاسعة والثلاثون . وسميت بسورة الأعراف لاشتمالها على معلومة جديدة لم تتضمنها أية سورة أخرى من سور القرآن ، حيث يأتي الناس يوم القيامة إما أنهم أصحاب الجنة ، وإما أنهم أصحاب النار ، غير أن هناك مجموعة أخرى لا ينتمون إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وهم أصحاب الأعراف ، والأعراف جمع عرف ، تقول عرف الديك ، وعرف الفرس ،
والأعراف : 
سور على الصراط له عرف ؛ وفي اللغة الأعراف هي المكان المشرف ، فهي شرف الصراط ؛ وأصحاب الأعراف هم : الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم ،
وفي الحديث : « توضع الموازين يوم القيامة ، فتوزن الحسنات والسيئات ، فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار » .
وأصحاب الأعراف على السور بين الجنة والنار ، يقول تعالى :وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ( 46 ) ،
أي أصحاب الجنة 
وأصحاب النار ، ولكل سماته ، فهؤلاء مبتهجون فرحون ، وهؤلاء مكتئبون مغمومون ، فإذا وقعت أعينهم على أهل الجنة حيّوهم يرجون أن يكونوا مثلهم ، وإذا صادفت أعينهم أهل النار تعوّذوا أن يكونوا مثلهم ، وعابوا عليهم أنهم كانوا يستكبرون في الدنيا ، ويسخرون من المستضعفين ، فها هم المستضعفون صاروا إلى الجنة ،
وعندئذ يؤذّن أصحاب الأعراف : 
لعنة اللّه على الظالمين .
ومشهد أصحاب الأعراف من مشاهد يوم القيامة ، والحوار الذي يدور بينهم وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار يبيّن ما يكون فيه أهل الحق - أي أصحاب الجنة ، من الشماتة بالمبطلين أصحاب النار .
وسورة الأعراف من السور التي تهتم بالصراع بين قوى الخير والنور ، وبين قوى الشر والظلام ، وفيها قصة آدم مع إبليس ، وخروجه من الجنة ، وهبوطه إلى الأرض كنموذج لهذا الصراع ، واللّه تعالى ينتصر لقوى الخير في الوجود ، وقد انتصر لآدم وذريته ، وهو قد خلق آدم من طين ، وصوّره ، ونفخ فيه من روحه ، وعلّمه ، وأمر الملائكة أن تسجد له ، فانصاعوا إلا إبليس ، أبى واستكبر ، فكان أول من استكبر في الوجود ، وعصى اللّه فكان أول من عصاه ، وحاجّه فكان أول من حاجّه ، وحسد آدم وغار منه ، فكان أول من حسد وأول من غار ، فكل الصفات السلبية كانت فيه ، وادّعى أنه فعل ما فعل لأنه من نار وآدم من طين :قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ( 12 ) ،
فكان أول من قاس في الوجود ، وأول من أخطأ في القياس ، فالنار ليست الأشرف لأنها جوهر مضىء ، ولأنها مخزن الطاقة ، ولأنها الأخف وزنا ، والأكثر ارتفاعا وعلوا والأحدّ طبعا ، ولأنها مصدر خوف ووسيلة عذاب ، ومنافعها لا تنتهى ، بينما الطين محل قذارة وعطالة ، ومصدر أوبئة ، كما ادّعى إبليس ، ومن أجل ذلك رأى أن أصله أفضل من أصل آدم !
والحق أن الطين أفضل ، لأنه سهل التشكيل ، ومطواع ، وأداة في الفنون ، ولا زراعة ولا قوت إلا به ، ولا حيوانات بدون زراعة نباتات .
والطين من التراب والماء ، والتراب طهور ومسجد ، وفي التراب مثوى الإنسان ، والماء لازم للحياة لزوم الهواء . وفي الطين سكون وهدوء ووقار وسكينة ، ومن التراب كانت أرض الجنة ، وترابها من الطيب والمسك الأذفر - أي الأطيب رائحة .
ولذا كان خلق آدم من الطين خير وبركة . ومعنى أنه من الطين أنه ينتسب إلى الأرض ، فالأرض مأواه ومأوى ذريته ، بينما خلق إبليس من النار ، والنار مأواه . والإنسان ليس كله من طين ، وإنما جزء منه من نار هي الطاقة التي يتحرك بها وينفعل ويعمل ويشتهى ، وهي أصل الشهوات في الإنسان .
وإنها لنعمة كبرى أن يرجع أصل الإنسان إلى أب واحد هو 
آدم ، وأن تكون قصة الخلق مدارها آدم ، ولم يكن عجيبا أن يطلب لذلك من الملائكة أن تسجد له . وفي السورة أربعة نداءات متتالية لبنى آدم ، بيّن اللّه لنا فيها نتائج غواية الشيطان لآدم وزوجته ، فبعد أن طعما من الشجرة المحرّمة ، بانت عورتاهما ، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، ثم منّ اللّه على ذريتهما بلباس خير من ورق الشجر ، من الريش والشعر ، ثم هداهم إلى لباس التقوى ،
ثم إنه تعالى حذّر بني آدم : لا يفتنهم الشيطان كما أخرج أبويهم من الجنة ، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما ، وإن الشيطان ليرى بني آدم هو وقبيله ، وهم عراة من حيث لا يرونهم ، ويدعونهم لذلك إلى الفحشاء .
ثم إن اللّه هدى بني آدم إلى الإيمان ، فصاروا يعبدونه في المساجد ، فأمرهم أن يزيّنوا كلما قصدوا المساجد ، تأكيدا لبهجة الإيمان عندهم ، وانتصارا لعنصر الخير فيهم على وسوسة الشيطان ، والتزيين أفضل للمساجد من التزيّن للفحشاء .
ومثلما أردى الطعام وشهوة طلبه أبويهم ، فإنه تعالى أمر بني آدم أن يأكلوا ويشربوا ولا يسرفوا ، ونبّه عليهم أنه تعالى سيرسل إليهم الرسل من بينهم ، ليبيّنوا لهم الأحكام والشرائع ، فمن اتّقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا يحزنون .
فهذه هي النداءات الأربعة التي خوطب فيها بني آدم باعتبارهم ورثة أبيهم آدم ، وهي نداءات خاصة بسورة الأعراف لم تتكرر في سورة أخرى .

وسورة الأعراف تتوافق مع السور المكية ، وتبدأ البداية المعهودة ، فتذكّر بالقرآن ، وبأنه معجزة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، أنزل عليه من اللّه تعالى ، وتفتتح السورة لذلك بالحروف المقطّعة المص( 1 ) ( الأعراف ) ( ألف لام ميم صاد ) .
وهي حروف من الأبجدية تأتى في افتتاحيات بعض السور ، تذكيرا بأن القرآن العظيم هو من هذه الحروف البسيطة التي يعرفها الجميع ، ورغم ذلك لم يستطع أىّ من الذين أنكروا القرآن أن يأتوا بمثله ، ولقد ضاق الرسول صلى اللّه عليه وسلم بإصرارهم على الإنكار ، وفي سورة الأعراف يرفع اللّه تعالى الحرج عن نبيّه صلى اللّه عليه وسلم ، فليس عليه أن يؤمن المنذرون أو لا يأمنوا ، وكل ما عليه هو البلاغ ، ويوم القيامة يكون الحساب .
وما كان تكذيب المكذّبين إلا لأن من طبع أغلب الناس أن لا يشكروا للّه نعمه ، والكثير من اللوم يقع على الشيطان الذي أقسم أن يقعد لبنى آدم صراط اللّه المستقيم ، ويأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، يوسوس لهم بالشرّ والمنكر ، فكان عن حقّ الوسواس الخنّاس ، وكان عدو الإنسان وحزنه ، واللّه قد حرّم ما يوسوس به من الفواحش ، ما ظهر منا وما بطن ، ومن الإثم والبغى بغير الحق ، وأن يشرك به ، وأن يقال عنه ما لم يعلم عنه ، وما أظلم أن يفترى على اللّه الكذب ، أو يكذّب بقرآنه ، وهو الكتاب المفصّل على علم ، هدى ورحمة للمؤمنين .

وفي سورة الأعراف عن قصة الخلق للسماوات والأرض في ستة أيام .
وتناولت السورة قصص الكثير من الأنبياء بإسهاب ، منهم نوح : الذي أنجاه اللّه ومن معه في الفلك وأغرق المكذّبين ؛
وهود : الذي أرسل لقوم عاد فجادلوه في آلهتهم ، فأنزل اللّه غضبه عليهم ، وقطع دابرهم ، وأنجاه والذين معه برحمة منه ؛ وصالح : الذي أرسل إلى قوم ثمود ، فعقروا الناقة ، وعتوا عن أمر ربهم ، فأخذتهم الرجفة ، فأصبحوا في ديارهم جاثمين ؛ ولوط : الذي أنكر على قومه أن يأتوا الذكران ، وما سبقهم بها من أحد ، فهددوه وأهله بالإخراج ، لأنهم يتطهّرون ، فأنجاه اللّه إلا امرأته ، وأمطرهم حجارة دمرتهم تدميرا ؛
وشعيب : الذي دعا قومه إلى اللّه ، وأن يوفّوا الكيل والميزان ، ولا يبخسوا الناس أشياءهم ، ولا يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، فلما يئس منهم دعا عليهم :رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ( 89 ) ، فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين .
فلو أن أهل كل هذه القرى آمنوا واتقوا ، لفتح اللّه عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكن كذّبوا ، فأخذهم بما كانوا يكسبون .
وبعث اللّه موسى إلى فرعون وملائه ، فظلموا بها ، فأخذهم بالسنين ، وهو الجدوب ، وأرسل عليهم الطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدّم ، آيات مفصّلات ، فكانوا قوما مجرمين ، فانتقم اللّه منهم وأغرقهم في اليم بأنهم كذّبوا بآيات اللّه وكانوا عنها غافلين .

وتحكى السورة عن قوم مرّ بهم بنو إسرائيل ، وكانوا يعكفون على أصنام لهم ، فأراد بنو إسرائيل أن يكون لهم مثلها ، وما دروا أن هؤلاء متبّر وهالك وباطل ما هم فيه ، وغاب عنهم موسى أربعين ليلة ، وعاد ليجدهم قد صنعوا عجلا من ذهب عبدوه ، ثم عفا عنهم ، ونسخ ألواح التوراة ، وفيها من كل شئ موعظة ، وتفصيل لكل شئ ، هدى ورحمة للذين هم لربّهم يرهبون ، ولكنهم طلبوا أن يروا اللّه جهرة ، فأخذتهم الصاعقة ، ودعا موسى ربّه أن يغفر لهم ويرحمهم فقد هادوا إليه ، فما كان جوابه تعالى إلا قوله :قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ( 156 ) ، قيل سيكتبها ، أي مستقبلا ، ويخصّ بها الأمة التي من أوصافها :الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ( 157 ) ،
فخلص هذا الوعد لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، رسول اللّه الأمى إلى الناس كافة ، من لدن ربّ العالمين ، لا إله إلا هو ، وتقطّع بنو إسرائيل اثنى عشر سبطا ، وآتاهم من فضله ، ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون ، ومنهم قرية أصحاب السبت ، تحايلوا على شرع اللّه ، ونسوا ما ذكّروا به ، فأخذهم بعذاب بئيس ، وصاروا قردة خاسئين ، وقطعهم في الأرض أمما ، فخلفوا خلفا يأخذون عرض الأدنى ، ويقولون إن اللّه واثقهم أن يغفر لهم مهما كان ما فعلوه !

وفي السورة قصة بلعام بن باعوراء ، وكان مثلا مخزيا لعلماء السوء ، فصوّرته السورة بأشنع وأقبح ما يتخيّل لعالم يبيع دينه لقاء أن يرضى الحاكم ، ويوظّف علمه لتبرير ظلمه ، ولو شاء اللّه لأماته قبل أن يضل ، ولكنه أخلد إلى الأرض بضلاله ، وسكن إلى ملذات الدنيا ، وهوى المضلين والكافرين ، فكان مثله كمثيل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ، فهو يلهث على كل حال ، فكذلك الذي يترك الهدى ويفتى للحكام الظلمة ، فإن وعظته ضلّ ، وإن تركته ذلّ ، والناس في حال الكلال تلهث ، وفي حال الراحة لا تلهث ، إلا الكلب فإنه يلهث في كل حال ، في الكلال والراحة ، وكذلك هذا العالم الذي لم يفد من علمه إلا غضب اللّه ، فلا هو ترك نفسه للجهل ، ولا هو هدى لما تعلّم ، فكان في الحالين سواء ، وهذه أبشع صورة لمن يرزقه اللّه العلم النافع ، فيستغله خزيا ووبالا عليه ، ويتّبع الشيطان فيكون من الغاوين .
وتختم السورة بإثبات أن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، هي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ، وما كان محمد مجنونا كما ادّعى اليهود ، قالوا :يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ( 6 ) ( الحجر ) ،
فنفته الآيةأَ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ( 184 ) ،
وكان أبلغ الردّ عليهم قوله تعالى للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم :خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ( 199 ) ،
وفي هذه الكلمات السبع قواعد الشريعة كلها في المأمورات والمنهيات ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية . ويظاهرها في الحديث : « بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق » أخرجه الحاكم . ولما نزلتخُذِ الْعَفْوَقال صلى اللّه عليه وسلم : كيف يا ربّ - والغضب ؟ » فنزلت :وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( 200 ) ،
وتتابعت الآيات كلها تحضّ على الإيمان والخير والصلاح قال :وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( 204 )،
ردا على قولهم :وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ( 26 ) ( فصلت ) ،
وخاطب اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه وسلم - والمقصود أمته كلها ، قال :وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ( 205 ) ،
وأخبره تعالى عن أهل السماء :إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ( 206 ) . والسجود في هذه الآية خاتمة الأعراف ، وهو أول سجود في القرآن ، وكان آخر سجود في خاتمة العلق .
واللّه الموفق والمستعان ، وله الحمد والمنّة .

  * * *

589 . سورة الأنفال

السورة مدنية إلا من الآية الثلاثين التي تقول :وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْيَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ( 30 ) ، إلى غاية الآية السادسة والثلاثين التي تقول :إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ( 36 ) فإنها مكية ،
وترتيب السورة في المصحف الثامنة ، وفي التنزيل المدني التاسعة والثلاثون ، وفي التنزيل بعامة الرابعة والتسعون ، وطابعها عسكرى ، وينبغي إقرارها ضمن مناهج الكليات العسكرية الإسلامية ، أسوة بإقرار سفر يشوع على الكليات العسكرية الإسرائيلية ، والسورة تعنى بالحرفيات العسكرية ، وحرفياتها من الثوابت العسكرية لا المتغيرات ، ومدارها غزوة بدر التي كانت فاتحة الغزوات في تاريخ الإسلام ، وفيها كانت ممارسة القتال لأول مرة من قبل المؤمنين ، وتناولت السورة تفاصيل هذه الغزوة بإسهاب ، وفيها تقرر أن يكون عذاب اللّه للمكذّبين بطريق القتال ، بعد أن كان في الأمم السابقة بطريق النوازل والنكبات والزلازل والفيضانات ، فقوم نوح أهلكهم بالطوفان ، وعاد الأولى أهلكهم بالدبور .
وثمود بالصيحة ، وقوم لوط أهلكهم بالخسف وبمطر الحجارة ، وقوم شعيب بيوم الظلّة ، ولم يشرّع القتال إلا لموسى ، ثم لمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، ولأمة الإسلام .
وسورة الأنفال هي : بلاغ للمؤمنين ، وبيان بما يجب عليهم فعله مع أعداء اللّه إذا نشبت الحرب معهم ، وسلوكهم فيها ، وما ذا يقبلون منهم وما ذا يرفضون . ولأن سورة الأنفال هي رصد لكل ما جرى ببدر أطلق عليها البعض سورة بدر ، واستنّت بدر حقائق عسكرية ثبتتها في أذهان المسلمين ، فالفئة القليلة قد تهزم الفئة الكثيرة ، مثلما هزم المسلمون في بدر - وكان عددهم ثلاثمائة وبضعة عشر ، صناديد قريش - وكان عددهم ألفا وزيادة ، والكم العديد لا يهم مقارنة بالكيف النفسي ، والإعداد المعنوي للجيش من أهم أركان التعبئة ، وأن تكون للجيش قضية أفضل من أن لا تكون له قضية ، وقضية الحق أولى بالنصرة من قضية الباطل . وفي الحرب إذا لقى المسلمون أعداءهم زحفا فلا ينبغي أن يولّوهم الأدبار ، إلا إن كان ذلك فرارا خداعيا ، أو أن يفاجئوا العدو ويأتوهم من خلفهم على غرّة ، أو لينضمّوا إلى فئة أو سرية من المسلمين تحتاج المعاونة .
والإسلام فيه من يجتهد ويخطئ في الحرب ، ولا يسمى فرّارا من يرى أنه أخطأ بتركه للمعركة ، وسمّاه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم « العكّار » ، أي العرّاف الذي يعمل عقله ويتصرف من نفسه .
وفي الحديث : أن التولّى يوم الزحف من الموبقات السبع ، ومن يولّى الدّبر يبوء بغضب من اللّه ، والجهاد فرض عين على المسلمين إذا تهددت الدور وأخذت الأرض والأموال ، وهتكت الأعراض ، فهذه هي الحرب الإسلامية المشروعة . ومن دروس بدر أن الأسرى الأمر معهم على خيار ، فإما فداء ، وإما قتل ، وإما مبادلة بأسرى من المسلمين ، وقتل الصناديد من 
العدو أفضل ، لأنه يفت في عضد إخوانهم ، ويحبط جبهتهم الداخلية ، ويهزمهم نفسيا ، ويشفى صدور المؤمنين .
وقائد المسلمين من شروطه أن يبث الطمأنينة بين قواته ، وفي بدر أنزل اللّه النعاس قبل المعركة على المسلمين أمنة من عنده . ومن خير حرفيات القتال الضرب فوق الأعناق ، وضرب كل بنان أي الأطراف ،
وفي الحديث : « إني لم أبعث لأعذّب بعذاب اللّه ، إنما بعثت لضرب الرقاب وشدّ الوثاق » .
والسورة تخاطب المجاهدين يوم بدر بقوله تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواست مرات ، تقوية لنفوسهم ، وإعلاء لكلمتهم ، ورفعا من شأنهم ، والإيمان الذي وصفوا به هو الذي يميّزهم عن عدوهم ، ويجعلهم الغالبين ، ويحفزهم أن يكونوا أكثر صبرا وثباتا ؛
وفي قوله تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواأنه تعالى يكلّفهم بأشياء ، وما يكلّفهم به في بدر جميعه لصالح المعركة ،
فعليهم أولا : أن لا يولوا الأدبار إلا لو كان ذلك لما يسمونه الخداع الاستراتيجى ، وليأتوا العدو من مكان آخر على غرّة ، أو لينضموا إلى مجاهدين من دينهم معاونة لهم ؛
وعليهم ثانيا : أن يطيعوا اللّه ورسوله ولا يتولوا عنه أو يكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ،
وعليهم ثالثا : أن يستجيبوا للّه وللرسول لما يحييهم ويصلحهم ، وفي الإسلام إحياؤهم ، وأخصّ الإسلام الجهاد في سبيل اللّه ؛ وعليهم رابعا : أن يتركوا الخيانة ، والآية :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 27 ) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ( 28 ) ،
قيل نزلت في أبى لبابة بن عبد المنذر ، أو في حاطب بن أبي بلتعة ، والأحرى أنها عامة فيمن يخون المسلمين ممالأة لعدوّهم لمكاسب مادية ، أو تأمينا للأهل والولد ؛ والأمانات هي ما يكلّف به زمن الحرب من أعمال عسكرية ، وكان بعض المسلمين يسمعون الحديث من النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فيفشونه حتى يبلغ أعداءهم ، فنهوا أن يخونوا اللّه ورسوله كما كان المنافقون يصنعون ،
وفي الحديث : « ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان اللّه ورسوله أحبّ إليه مما سواهما ، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا للّه ، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه اللّه منه » ، وحب اللّه ورسوله عند المؤمن مقدّم على الأولاد والأموال والنفوس ؛
وعليهم خامسا : أن يتّقوا اللّه فيجعل لهم فرقانا ويكفّر عنهم سيئاتهم ويغفر لهم .
والفرقان هو الفاصل بين الحق والباطل ، ومن اتقى اللّه بفعل أوامره وترك زواجره ، وفّق لمعرفة الحق من الباطل ؛
وعليهم سادسا : أن يثبتوا إذا واجهوا العدو ، وفي الحديث : « يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللّه العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف » .
وفي بدر قام النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وقال : « اللهم منزّل الكتاب ، ومجرى السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم » ، 
وقال : « إن اللّه يحب الصمت عند ثلاث . . » وذكر منها الزحف ، إلا أن يذكر المجاهد ربّه كثيرا ، فيدعوه ويستعينه ، وليس أقرب من اللّه للمؤمن عند القتال ، وليس أذكر للّه من المؤمن إذا احتدمت المعركة ، ولولا ذلك ما أمر اللّه بالصلاة أثناء القتال ، وما أمر بالثبات والصبر ، فلا يفروا ، ولا ينكلوا ، ولا يجبنوا ، وأن يذكروا اللّه ولا ينسوه ، ويتوكلوا عليه ، ولا يتنازعوا فيما بينهم فيختلفوا ، فيكون الخذلان والفشل ، وتذهب ريحهم وقوتهم ووحدتهم ، وبمثل ذلك فتح المسلمون الأمصار شرقا وغربا في المدة اليسيرة ، مع قلة عددهم ، وامتدت بلاد الإسلام في المشارق والمغارب في أقل من ثلاثين سنة ، عندما كان القرآن هو دستورهم ، وسورة كالأنفال هي كتاب الحرب عندهم ، يرجعون إليها ويستشهدون بآياتها ، ويطبقون حرفياتها .
والأنفال التي أطلق على السورة اسمها ، هي ما زاد على المغانم ، تستخلصها من أموال أهل الحرب جماعات من الجيش أو أفراد ، ما كان من الممكن تحصيلها لولا همّتهم فيها .
وفي بدر حدث الخلاف حول الأنفال لا حول الغنائم ، لأنه منذ البداية كان معروفا أن الغنائم توزع بالتساوي بين أفراد المتحاربين ، فأما الأنفال فإن كل من حاز شيئا منها اعتقد أنها ملكه ، فأنكرت ذلك جماعة بدعوى أنهم شغلوا بحرب العدو لا بجمع الأنفال ، وكان في استطاعتهم أن يفعلوا ذلك لولا خوفهم أن يكرّ العدو على المسلمين ، ولذلك وجب أن يساوى بين الجميع فيها ،
وقالت جماعة : لقد اضطررنا أن نبقى حول الرسول لئلا تغتاله يد آثمة ، والحال معهم جميعا ينبغي أن يكون على التساوي ، فنزلت سورة الأنفال ، وجاء اسمها في أولى آياتها في شكل سؤال موجه منهم للنّبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، والجواب من اللّه تعالى للتعليم والتوجيه ، ولقد جعلها اللّه تعالى للنّبىّ صلى اللّه عليه وسلم يتصرف فيها وفق صالح المسلمين ، فجعلها الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالتساوي بين الجميع ،
وقال تعالى :يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(1).
فهذه الآية خاصة بأن جعلت أمر الحكم في الأنفال للرسول صلى اللّه عليه وسلم ، ونزلت آية الخمس بعد هذه الآية ، لا لتنسخها وإنما لتبيّن أكثر ، طريقة توزيع الغنائم والأنفال ، قالت :وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ( 41 ) ،فجعل سهم اللّه وسهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم واحدا .
وفي الحديث : « للّه خمسها ، وأربعة أخماسها للجيش » يعنى المجاهدين ، وقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « نصيبي معكم الخمس ، والخمس مردود عليكم » ، يعنى ينفقه في مصالح المسلمين .
ومنهم أقاربه ليغنيهم عن الصدقة - وصفها بغسالة الأيدي ، واليتامى الفقراء ، والمساكين المحاويج ، وابن السبيل المسافر وليس 
معه ما ينفقه .
وفي سورة الأنفال يأتي تسمية يوم بدر :يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، سمى كذلك لأنه اليوم الذي يفرق بين الحق والباطل ، والذي جرت فيه لأول مرة مصارع الطغاة ومهاوى الجبابرة ؛ وفي بدر كان اشتراك النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لأول مرة في القتال ، ولأول مرة قاد جماعته وتجلّى حبّه للشورى ، وللقيادة الجماعية ، وللرجوع للجماعة والأخذ برأيهم ، فلما سار إلى بدر نزل على أدنى ماء هناك ، أي أول ماء وجده ، فتقدم إليه الحبّاب بن المنذر فقال : يا رسول اللّه ، هذا المنزل الذي نزلته ، منزل أنزلك اللّه إياه فليس لنا أن نجاوزه ، أو منزل نزلته للحرب والمكيدة ؟
فقال : « بل منزل نزلته للحرب والمكيدة » ، فقال : يا رسول اللّه ، إن هذا ليس بمنزل ، ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب ، ونستقى الحياض ، فيكون لنا ماء وليس لهم ماء ، فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ففعل ذلك .
وأنزل اللّه المطر عليهم فأطفأ به الغبار ، وبه تلبدت الأرض ، وطابت نفوسهم وثبتت أقدامهم . وليس في السورة أن الملائكة اشتركت في القتال في بدر ولكن ذكرها كان ملهبا لحماس المسلمين ، ومثبّتا للذين آمنوا ، وربط على قلوبهم . وكان انتشار الإشاعة أن الملائكة تحارب مع المسلمين ، مما بعث الخوف في قلوب الكافرين .
وأرعبهم أكثر أن يقبض الرسول صلى اللّه عليه وسلم من التراب ويحصب به وجوه الكافرين ، فولّوا مدبرين ، وكانوا كلما اقتربوا منه يقبض من التراب قبضة ويرمى به في وجوههم وهو يقول « شاهت الوجوه » ، وفي مثل ذلك نزلت الآيات :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( 17 ) ،
وفي الآية الكثير من الحكمة ويستشهد بها فلاسفة المسلمين الذين تكلموا في القدر والكسب ، وهي تبين أنه تعالى خالق أفعال العباد ، والمحمود على جميع ما يصدر منهم من خير يوفقهم إليه ، ويعينهم عليه ، يقول :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم ، بل هو الذي أظفركم عليهم ، كما قال :وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( 123 ) ( آل عمران ) ، فالنصر غير مرهون بكثرة العدد والعدد ،
وإنما النصر من عنده تعالى كما قال :كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ( 249 ) ( البقرة ) .
ولقد كان هواهم يوم بدر أن يتركوا الأسرى لقاء الفدية ، وأنكر عمر عليهم ذلك ، واختار عمر النفير على العير ، واختار النبىّ صلى اللّه عليه وسلم الفداء لأنه كسب بلا قتال ، كقوله :وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ( 7 ) ،
وغير ذات الشوكة هي البعير ، وأما ذات الشوكة فهم الأسرى من الصناديد ، ونزلت الآيات :ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ  
عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 67 ) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ( 68 ) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 69 ) ، فأحلّ اللّه لهم الغنائم لأول مرة ، وأن يتخذوا من إجراءات الحرب ما يبعث الرعب في قلوب الأعداء ولا يطمئنهم إلى مصائرهم . والفدية تطمئنهم ، ولكن أن يعرفوا أنهم مقتولون ، ثم يسمع قومهم بقتلهم ، فهذا معناه كسب المعركة المعنوية قبل المعركة بالسلاح والعتاد ،
وفي الحديث عنه صلى اللّه عليه وسلم يشرح ذلك أكثر فيقول : « أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ؛ وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ؛ وأحلت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي ؛ وأعطيت الفاتحة ؛ وكان النبىّ يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة » .
وفي السورة تذكير بما كان مع النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يوم أن تآمروا عليه في مكة ليقتلوه :وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ( 30 ) .
وكان عمّ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أبو طالب قد أرسل إليه يحذّره ، قال : هل تدرى ما ائتمروا بك ؟ قال :

« يريدون أن يسجنونى ، أو يقتلوني ، أو يخرجونى » ، وكانوا قد أعدّوا لذلك غلاما من كل قبيلة وسيطا يعطى سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد فيتفرّق دمه في القبائل كلها ، فلم يبت ليلتها في بيته ، وحلّ مكانه علىّ ، وأذن له في الخروج من مكة ، وأنزل اللّه الأنفال في المدينة بعد بدر ، في رمضان من السنة الثانية للهجرة .
وفي سورة الأنفال تأتى الآية العظيمة :وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ( 60 ) ،
وفي شرح الآية قال صلى اللّه عليه وسلم : « ألا إن القوة الرمي » ، والرمي الحديث هو الرمي بالمدفعية والصواريخ ، برا وبحرا وجوا ، فالقوة الرئيسية في الحروب منذ خلقها اللّه وحتى الآن هي : « الرمي » .

وتختتم السورة بالحضّ على أن يوالى المؤمنون بعضهم البعض ، وتوالى كل الفئات والطوائف بعضهم البعض ، والأمة الإسلامية بأسرها ، وعليهم أن ينتصروا معا لمن يستنصرهم من إخوانهم بأي أرض أو بقعة من الأرض ، مثلما أن الكفار بعضهم أولياء بعض ، وإن لم يفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير . والحمد للّه رب العالمين .
  * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الخميس 12 أكتوبر 2023 - 0:50 عدل 2 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 12 أكتوبر 2023 - 0:40 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

590 . سورة التوبة
سورة مدنية ، وقيل إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان ، وآياتها تسع وعشرون ومائة ، نزلت بعد سورة المائدة ، وترتيبها في المصحف التاسعة ، وفي التنزيل المدني السابعة والعشرون ، وفي التنزيل عموما الثالثة عشرة بعد المائة ، وكانت من أواخر ما نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقيل : آخر سورة نزلت من القرآن : سورة براءة ، أي « التوبة » ؛ 
وقيل : إن أول هذه السورة نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند مرجعه من غزوة تبوك ، وفي تلك السنة بعث أبا بكر الصدّيق أميرا على الحج ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلّم المشركين أن لا يحجّوا بعد عامهم هذا ، وينادى في الناس :بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ( 1 ) ، 
فلما فعل اتبعه بعلىّ بن أبي طالب ليبلّغ ما في السورة من الأحكام . وكان نزول سورة براءة في السنة التاسعة من الهجرة ، وهي السنة التي خرج فيها الرسول صلى اللّه عليه وسلم ليغزو الروم ، ورفض الرسول صلى اللّه عليه وسلم أن يحج في تلك السنة وأوكل أمر الحج إلى أبى بكر ، 
لأنه كما قال : « إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة ، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك » ، يعنى إلى أن يبطل حجّ المشركين وطوافهم عراة . وسورة براءة حرّمت ذلك بعد تلك السنة .
وتتناول السورة أربعة أصناف من الناس ، هم : المشركون ، وأهل الكتاب ، والمؤمنون ، والمنافقون ، وهؤلاء الأربعة هم الذين تحدثت السورة بشأنهم ، وكانت أغلب الآيات عن المنافقين ، ثم المشركين ، ثم المؤمنين ، ثم أهل الكتاب . 
وسميت السورة « براءة » : باعتبار استفتاحها بقوله تعالى :بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( 1 ) ، 
وهذا هو أهم ما تنزّلت به ، ومن أجله أرسل أبو بكر إلى مكة في موسم الحج حيث الوفود من كل مكان ، ليعلمهم أن الحج بعد هذا العام للمسلمين وحدهم ؛ 
وسمّيت « التوبة » : بسبب قوله تعالى :لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ( 117 ) ، 
وقوله :وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( 118 ) ، 
وقوله :أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( 104 ) ؛ 
وسميت « الفاضحة » لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم . 
ولمّا سئل ابن عباس عن سورة براءة قال : « تلك الفاضحة » ! .
وقال حذيفة بن اليمان : إنكم تسمونها سورة التوبة ، وإنما هي سورة العذاب !
واللّه ما تركت أحدا من المنافقين إلا نالت منه !

وسورة براءة أو التوبة هي الوحيدة في القرآن التي سقطت فيها البسملة في مصحف عثمان ، وقيل إن سبب ذلك أن العرب كانوا إذا نقضوا عهدا يكتبون لمن نقضوا عهدهم به ،
ولا يضمّنوا أول السورة « بسم اللّه الرحمن الرحيم » ، فلما نزلت السورة بنقض العهد مع المشركين ، وأرسل علىّ ليقرأها عليهم ، لم يبسمل على ما جرت العادة به ، وإذن فعلى هو الذي استنّ ذلك .
وقيل : إن عثمان قرن بين سورتي الأنفال وبراءة ، مع أن الأنفال من السور المثاني ، وبراءة من السور المئين ، ولم يكتب « بسم اللّه الرحمن الرحيم » بين السورتين ، ووضعهما كسورة واحدة ضمن السور الطوال ، وتعلل بأن الأنفال كانت من أوائل ما أنزل في المدينة ، بينما براءة من أواخر ما أنزل ، ومع ذلك فإن قصتيهما كانتا متشابهتين ، وقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يبيّن أنها منها أو أنها غيرها ، فظن عثمان أنها منها ، ومن ثم قرن بينهما ولم يكتب بينهما « بسم اللّه الرحمن الرحيم » ؟ ! ! وإذن يكون عثمان هو السبب .

ولكن الأغرب من ذلك أن يقول صحابي مثل سعيد بن جبير - إن كان قد قال ذلك ولم ينتحل عليه : إن سورة براءة كانت في طول سورة البقرة ؟ ! ! فأين ذهب الباقي إذن ؟ ! 
وقيل : إن كتبة القرآن انقسموا فريقين ، ففريق اعتبر السورتين سورة واحدة ، وفريق اعتبرهما سورتين ، فاتفقوا أن يدرجوهما ضمن المصحف مع تثبيت الرأيين ، فجعلوهما سورتين ولم يفصلوا بينهما ببسم اللّه الرحمن الرحيم . 
وقيل : إن عليا قال إن بسم اللّه الرحمن الرحيم أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان ! 
وقيل : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، رحمة ، وبراءة نزلت سخطة . 
وقيل : إن السبب إن جبريل لم يتلها على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ببسم اللّه الرحمن الرحيم ! 
وكما ترى فإنها جميعا أسباب واهية ، فما ضرر بسم اللّه الرحمن الرحيم لتحذف منها إن كانت السورة سخطة أو نقمة ؟ 
وما معنى أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم توفى ولم يأمر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في بدايتها ؟ أليست العادة أن كل سورة تبدأ ببسم اللّه الرحمن الرحيم دون أن يذكر أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم خصّها بذلك أو لم يخصها ؟ 
وكيف تكون قصة الأنفال شبيهة بقصة براءة ، مع أن كل قصة وكل سورة لها مقاصدها وغاياتها وتوجهاتها ، وكانت الأنفال لعموم المسلمين بشأن الحرب والمغانم ، بينما براءة لإلغاء العهد مع المشركين ، وإدانة أهل الكتاب وفضح المنافقين ؟ ! 
ومن الواجب إذن تصحيح هذا الوضع ، فبسم اللّه الرحمن الرحيم تشرف بها سور القرآن ، وهي جزء من كل سورة ، وموجز لكل سورة مهما كانت موضوعات السورة ، وتلخص دعوة الإسلام في التوحيد ، وتعرّف باسم اللّه ، وبأشرف أسمائه تعالى .
فما ذا عليها أو على السورة لتحرم من هذا الشرف الكبير ؟ ! 

وربما يكون الإصرار على حذفها تذكيرا بتاريخ هذا الخلاف ، فإن أدرجت ضمنها « بسم اللّه الرحمن الرحيم » ينسى هذا التاريخ ويسقط من ذاكرة المسلمين .
وسورة براءة بلاغ للمشركين والكفار من أهل الكتاب والمنافقين ، وتنبيه لهم ، وإعلان للحرب على الشرك والكفر والنفاق ، ولولا نزول سورة براءة لما استشعر المشرك أنه مشرك ، ولا الكافر من أهل الكتاب أنه كافر ، ولا المنافق أنه مفسد في الأرض ، ولاستمر كلّ في حياته العادية ، وكأنما كان نزول الإسلام حركة انقلاب تحولت بها زعامة العرب من فئة الكافرين إلى فئة المؤمنين ولا أكثر من ذلك . 
ولكن سورة براءة وضعت حدا للمشركين والكفار والمنافقين ، ونحّتهم عن الحياة العامة ، ومنعت أن يكون لهم الغلبة على التكوين العام للعقلية العربية ، وطبعت المجتمع بالطابع الإسلامي الصرف ، وميّزت المسلمين عن غيرهم ، وأوضحت بشكل لا لبس فيه أهداف الإسلام نحو إنشاء الدولة الإسلامية ، والتأسيس لنوعية التربية والتعليم الإسلاميين . 
وفضحت السورة المعارضين ، وأوجزت في عبارات بليغة نقدها لفلسفاتهم ، ودللت على تفاهة معتقداتهم وتهافت مذاهبهم التي يصدرون عنها ، وأعلت من شأن الإسلام وكلمة الحق والدين ، وجعلت السورة مهلة أربعة شهور لمن كانت بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهود ، ومن كان عهده أكثر من أربعة أشهر يتم له عهده ، 
كقوله تعالى :إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ( 4 ) ، 
ولم يبدأ الرسول صلى اللّه عليه وسلم بقطع العهد ولكن الذي قطعه كان أهل مكة ، وذلك أنه كان قد تصالح وقريشا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب ، فعدت بنو بكر على خزاعة ونقضوا العهد ، وأعانت قريش بنى بكر بالسلاح والرجال ، فانهزمت خزاعة ، فكان ذلك نقضا لصلح الحديبية ، وذهب الخزاعيون إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم مستغيثين به ، 
فقال : « لا نصرت إن لم أنصر بنى كعب » - يعنى خزاعة ، وتجهّز الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة ففتحها سنة ثمان هجرية ، واتجه إلى هوازن وكانت وقعة هوازن يوم حنين في أول شوال سنة ثمان ، وحاصر الطائف ، ثم انصرف إلى الجعرانة ، وفي رجب من سنة تسع اتجه إلى غزوة الروم التي هي غزوة تبوك ، ونزلت براءة قبل الغزوة وأثناءها وبعدها . 
والسورة فيها جواز نقض العهد ، وقيل إن العهد قد نسخ ولم يكن ذلك نسخا وإنما نقض له أسبابه ، وأعلن النقض يوم الحج الأكبر - وهو مصطلح إسلامي ، قيل هو يوم عرفة ، وقيل هو يوم النحر ، والصحيح أنه يوم النحر ، وسمى يوم الحج الأكبر بقول النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فيه : « هذا يوم الحج الأكبر » ، كمقابل لقول الناس الحج الأصغر ، وبناء على إعلان براءة اللّه ورسوله من المشركين ، لم يحج مشرك عام حجة الوداع الذي حجّ فيه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم . 
ويوم الحج الأكبر : يهراق فيه الدم ، ويوضع فيه الشّعا ، ويلقى فيه التفث ( الوسخ ) ، وتحل فيه الحرم ، وهو يوم الحج كله .
وفي السورة أن الشهور الأربعة هي الشهور الحرم ، أو شهور العهد ، وإذا انسلخت ، يباح قتل كل مشرك باستثناء المرأة والراهب والصبى والزمن ، وتمنع المثلة ؛ وقيل إن الآية :فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 5 ) ، 
هي آية السيف ، وأنها تنسخ كل آية في القرآن في ذكر الإعراض عن المشركين ، والصبر على أذى الأعداء .
والصحيح أنها لم تنسخ أيا من هذه الآيات ولم تنسخها بدورها الآية :فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً( 4 ) ( محمد ) ، 

يعنى لا يقتل أسير صبرا ، فإما أن يمن عليه وإما أن يفادى .
وقيل : إن هذه الآية الأخيرة من سورة محمد تنسخها آية السيف ، فإنه لا يجوز مع الأسارى من المشركين إلا القتل .
والصحيح أن الآيات كلها محكمة ، لأن الإعراض ، والصبر على الأذى ، والمن ، والقتل ، والفداء في الأسرى ، كل ذلك لم يزل من حكم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من أول حرب حارب فيها المشركين ، وهي يوم بدر ، 

بدليل قوله تعالى :فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 5 ) ، 
وهي حالات ليس فيها القتل المباشر ، وفيها التخيير ، والقتل فيها معلّق على الشرك ، ومتوقف عليه ، فإذا زال الشرك زال القتل بزواله . 
وكيف يكون القتل مباشرة وهو تعالى يقول :وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ( 6 ) ، 
يعنى أنه لا يقتل ، وأن الحربي إذا وجد في طريق بلاد المسلمين وطلب الأمان ، فلا يؤذى ، ويردّ إلى مأمنه ، وكذلك التاجر لا يتعرض له حتى يبيع ، ولا تجعل الآية :ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ( 17 ) 
للمشركين تولّى أحكام المساجد ودخولها . ويثبت الإيمان لمن يعمر المساجد بالصلاة فيها ويصلحها وينظّفها .
وفي السورة عن يوم حنين أن المسلمين أعجبتهم كثرتهم فلم تغن عنهم شيئا ، وانهزموا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وولّوا مدبرين ، وأنزل اللّه سكينته على رسوله والمؤمنين ، وأنزل ربّ الجنود جنوده وعذّب بهم الذين كفروا ، قيل كان النبىّ يحصبهم بالحصيات ، ويقول : « انهزموا وربّ محمد » ، فانقلبت المعركة ضد الهوازيين ، وفي هذه الغزوة أباح الرسول صلى اللّه عليه وسلم سلب القتلى ، ولهذا صارت لغزوة حنين أحكام ضمن الأحكام . وحنين واد بين مكة والطائف .
وفي سورة براءة : أن المشركين نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ، وذلك عام في سائر المساجد ، وكان ذلك التحريم سنة تسع هجرية . 
وآية القتال في السورة لأهل الكتاب هي الآية :قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ( 29 ) . 
والجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب خاصة . 
وهم أهل الذمة ، وأقلها دينار عن الفرد البالغ الغنى والفقير الحرّ ، ويخفف عن الضعيف .
وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه ، ومن يسلم تسقط عنه الجزية ، ومن يدفع الجزية يدفعها عن يد ، يعنى بنفسه غير مستنيب فيها . 
وأهل الكتاب هم النصارى واليهود ، وهؤلاء هم الكفار ، لأنهم قالوا مثلما قال الذين كفروا ، فاليهود ألّهوا عزير ، واعتقدوا ما كتبه من الأسفار هو توراة موسى وألواحه ، وأنه موحى إليه ولا ينطق عن الهوى ، وما كان من الممكن أن يكتب الأسفار دون أن يكون بمثابة الابن للّه وقد آثره اللّه بعلمه ؛ والنصارى قالوا المسيح ابن اللّه ، أرادوا بذلك عكس ما أراد اليهود ، فاليهود أرادوا ببنوة عزير للّه أنها بنوة رحمة ، وأما النصارى فأرادوا ببنوة عيسى للّه بنوة نسل ، واتخذ اليهود أحبارهم أربابا ، واتخذ النصارى رهبانهم أربابا ، وما أمرت الطائفتان إلا ليعبدوا اللّه الواحد لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون ، وكثير من هؤلاء وهؤلاء ليأكلون السّحت ، ويشهدون بالباطل ، وينكرون الحق . 
وقد أمر المسلمون أن يقاتلوا المشركين كافة لمّا ثبت أن المشركين يقاتلونهم كافة ، إلا في الشهور الحرم ، ولا يحاولون أن يؤخّروا شهرا منها أو يقدّموه ، كما كان المشركون يفعلون . 
وتأخير الشهور أو تقديمها كان يسمونه النسيء . 
وتحضّ السورة المسلمين على القتال ، وتستنفرهم ، وتعيب عليهم أن يثّاقلوا إلى الأرض . وتروى كيف نصر اللّه تعالى نبيّه إذ أخرجه المشركون ثاني اثنين ، والأول هو أبو بكر ، سمّته « صاحبه » ، 
كقوله تعالى :إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا( 40 ) ، وذلك من فضائل أبى بكر ، ودليل على أنه الخليفة بعد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم . وتعيب السورة على المسلمين قعودهم عن الانتصار للنّبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، واستصعابهم للسفر معه إلى تبوك ، ولو كانت المسافة أقرب لاتّبعوه . 
وتأخذ على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن وافق على استئذانهم ولم يتبين صدقهم فيه ، وما كان استئذانهم في الحقيقة إلا لأنهم ما كانوا مؤمنين ، وارتابت قلوبهم ، ولو خرجوا مع المسلمين لأسرعوا فيما بينهم بالإفساد والإيضاع . 
ومن علامات هؤلاء المنافقين أنهم لا يأتون الصلاة إلا كسالى ، ولا ينفقون إلا وهم كارهون ، ويحلفون أنهم من المسلمين ، وما هم منهم ، ويلمزون النبىّ صلى اللّه عليه وسلم في الصدقات ، أي يطعنون عليه ، فإن أعطاهم منها رضوا ، وإن لم يعطهم سخطوا ، مع أن الصدقات لا يستحقونها ولها منصرفاتها ؛ وبيّنت السورة سبع منصرفات للصدقات ، والمقصود بها صدقات الفرض ؛ وأولى هذه المتصرفات الفقراء ، ثم المساكين : والفقير أحسن حالا من المسكين ، وله بعض ما يكفيه ويقيمه ، والمسكين لا شئ له ، وأشد حاجة من الفقير ، ويستوى في الصدقات أن يكون مستحقا مسلما أو ذميا ، فكلاهما تجوز عليه الصدقة . 
ومن المستحقين : 
العاملون عليها : وهم جباة الصدقات ، وكانوا يتقاضون على ذلك ثمنا لتعطيلهم أنفسهم لمصلحة الفقراء ؛ 
والمؤلفة قلوبهم : وذلك مصطلح لم يرد في القرآن لغير قسم الصدقات ، وكانوا في صدر الإسلام يتألّفون بعض الناس ، بدفع سهم من الصدقة إليهم ، لضعف يقينهم ، وكان هؤلاء لا يسلمون بالإقناع ولا حتى بالقهر والسيف ، إلا بالمال . 
وقيل المشركون ثلاثة : صنف يرجع بإقامة البرهان ، وصنف بالقهر ، وصنف بالإحسان . 
ومن هؤلاء الأخيرين : المؤلفة قلوبهم ، وكان منهم عيينة بن حصن ، وكان مغموزا عليه ؛ ومنهم متفاضلون كالحارث ابن هشام ، وحكيم بن حزام وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، ومنهم دون ذلك . 
وعدّ من المؤلف قلوبهم أبو سفيان بن حرب . ومن الصدقات يجوز أن تشترى الرقاب فتعتق ، أو تفك ، أو يعان في ثمنها . والغارمون ممن يستحقون أن تشملهم الصدقات ، هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم ؛ 
وفي سبيل اللّه : هم الغزاة وموضع الرباط ، يعطون ما ينفقون في غزوهم ، سواء كانوا أغنياء أو فقراء ؛ 
وابن السبيل : والسبيل هو الطريق ، وابن السبيل هو المسافر الذي تنقطع به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره وماله .
وتعظ السورة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين أن يجاهدوا الكفار من أهل الكتاب والمنافقين ، وأن يغلظوا عليهم ، فبعضهم من بعض ، يأمرون بالمنكر ، وينهون عن المعروف ، ويقبضون أيديهم ، وبعضهم قال كلمة الكفر بعد إسلامه ، أي سبّ النبىّ والإسلام ، وبعضهم يلمز المطّوعين من المؤمنين فيما يقدمونه من الصدقات ، وبعضهم قعد عن القتال بدعوى شدّة الحر ، وهؤلاء هم الخوالف ، فلم يستعن بهم بعد تبوك ، وأمر المسلمون أن لا يصلّوا على الخوالف إذا ماتوا ، مثل عبد اللّه بن أبىّ بن أبي سلول ، وتطلق السورة على المعتذرين بغير عذر من الخوالف اسم المعذّرون ، وأما الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون فهؤلاء لهم أعذارهم حقا ولا تثريب عليهم . 
والأعراب أشد كفرا ونفاقا من المنافقين ، وهؤلاء هم أهل البوادي من حول المدينة ومن أهلها ، ومنهم من يؤمن باللّه وينفق بإخلاص قربات إلى اللّه . 
ومن المنافقين أصحاب المسجد الضرار ، اتخذوه ليكون مركزا لهم لنشر إشاعاتهم والتفريق بين المسلمين ، فأحرقه المسلمون وهدموه ، وأمروا أن لا يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى ، ومثلهم كمثل إبراهيم ، فقد وعد أباه أن يستغفر له ، فلما تبيّن له أنه عدو اللّه تبرّأ منه . 
ولقد تاب اللّه على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم والمهاجرين والأنصار الذين اتّبعوه في ساعة العسرة ، من بعد ما كاد يزيغ قلوب بعضهم ؛ وساعة العسرة هي التي اشتد فيها القتال وبلغ الجوع والعطش بالمسلمين مداهما . 
وكذلك تاب على الثلاثة المخلّفين ، وهم : كعب بن مالك ، ومرارة بن ربيعة العامري ، وهلال بن أمية الواقفي . 
وما كان على المسلمين أن ينفروا كافة ، فالجهاد ليس على الأعيان ، والرسول صلى اللّه عليه وسلم يعزّ عليه معاناتهم ، ويحرص عليهم ويرأف بهم ، فإن تولوا بعد كل ذلك - والخطاب للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ولأمة الإسلام من بعده ، فحسبه اللّه لا إله إلا هو ، وهو ربّ العرش العظيم .

والحمد للّه ربّ العالمين .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» الباب السادس موجز سور القرآن من 591 الى 600 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 601 الى 610 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 611 الى 620 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 621 الى 640 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى