المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 321 الى 340 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم :: القرآن الكريم و علومه :: موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحنفي
صفحة 1 من اصل 1
26092023

الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 321 الى 340 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 321 الى 340 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
موسوعة القرآن العظيم ج 1 د. عبد المنعم الحفني
321 . إيمان المفلحين
يقرن اللّه تعالى الإيمان بالركوع والسجود ، قال :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( 77 ) ( الحج ) ،فجعل للإيمان أربعة أوجه ربط بينها ، فالركوع والسجود المراد بهما الصلاة المفروضة ، وخصّ « الركوع والسجود » تشريفا للصلاة ؛ وأما « عبادة اللّه » فهي توحيده وتعظيمه وامتثال أوامره ونواهيه ؛ و « فعل الخير » هو العمل الصالح شرط الإيمان الصحيح ؛ « وتفلحون » تفوزون ، والمفلحون هم الفائزون الناجون ، وإيمان المفلحين هو الإيمان المنجّى ، يدركون به ما طلبوا ، وينجون من ما منه هربوا .
* * *
322 . المؤمنون إذا أصابتهم مصيبة
من دلائل الإيمان الصبر عند المصائب ، يقول تعالى :الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ( 156 ) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ( 157 ) ( البقرة ) ،والمصيبة : هي كل ما يؤذى ، وروى أن مصباح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انطفأ ذات ليلة فقال : « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون » فقيل له : أمصيبة هي يا رسول اللّه ؟ قال : « نعم ، كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة » أخرجه مسلم .
وقال : « ما يصيب المؤمن من وصب ، ولا نصب ، ولا سقم ، ولا حزن ، حتى الهمّ يهمّه ، إلا كفّر به من سيئاته » أخرجه مسلم . ومن أعظم المصائب المصيبة في الدين - كالذي يحدث في فلسطين الآن .
وفي الحديث : « من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث استرجاعا » ( أي قال إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ) « وإن تقادم عهدها ، كتب اللّه له من الأجر مثله يوم أصيب » أخرجه ابن ماجة .
وفي كلمات الاسترجاع ملجا لذوي المصائب ، وعصمة للممتحنين ، « فإنّا للّه » توحيد وإقرار بالعبودية ، « وإنا إليه راجعون » : إقرار بالهلاك على أنفسنا ، والبعث من قبورنا ، واليقين أن رجوع الأمر كله إليه .
وقيل : إن « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون » لم تعط نبيا قبل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ولو عرفها يعقوب لما قال : « يا أسفى على يوسف » ! ( يوسف 84 ) !
و « إنا للّه وإنا إليه راجعون » تنبيه على قوله تعالى :وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ( 155 ) ( البقرة ) إما بالخلف تعويضا لهم ، وإما بالثواب الجزيل ، ومنه صلواته عليهم ورحمته بهم ، وهي نعم من اللّه على الصابرين المسترجعين .
وصلاته عليهم أن يعفو عنهم ، ويبارك لهم ، ويثنى عليهم .
والصلاة على الميت من ذلك لأنها ثناء عليه ودعاء له .
والرحمة هي كشف الكربة وقضاء الحاجة .
وفي ذلك قال عمر : نعم العدلان ونعم العلاوة » ، أراد بالعدلين : الصلاة والرحمة ، وبالعلاوة الاهتداء إلى استحقاق الثواب ، وإجزال الأجر ، وتسهيل المصائب ، وتخفيف الحزن .
* * *
323 . من صفات المؤمن المرور الكريم باللغو
يقول تعالى :وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً( 72 ) ( الفرقان ) ؛ واللغو مصدر لغا يلغو ويلغى ، ولغى يلغى لغيا ، إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام ، أو بما لا خير فيه ، واليمين التي هي لغو هي قول الرجل في كلامه : لا واللّه ، وبلى واللّه ، وفي ذلك يقول تعالى :لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ( 225 ) ( البقرة ) ،والأيمان جمع يمين وهي الحلف ؛ والكرام الذين لا يلغون لا يدخلون في الباطل ، ولا يرضونه ، ولا يمالئون عليه ، وينكرونه ، ولا يجالسون أهله ، فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن عبد اللّه بن مسعود يفعل ذلك ، قال : لقد صار ابن أم عبد كريما » يعنى لا يتوقف عند لغو ولا يرضاه .
وفي القرآن فإن المؤمنين المفلحين :عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ( 3 ) ( المؤمنون ) ، أي ينأون بأنفسهم عنه ولا يقربونه .
* * *
324 . الاستقامة على الدين
لمّا سئل النّبى صلى اللّه عليه وسلم قولا في الإسلام لا يسأل عنه أحد بعده ، قال : « قل آمنت باللّه ثم استقم » . وفي التنزيل :فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ( 112 ) ( هود ) ،وعن ابن عباس قال : عليك بتقوى اللّه والاستقامة . اتّبع ولا تبتدع . وقال : ما نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آية أشد ولا أشق من هذه الآية عليه -فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ( 112 ) ( هود ) .
* * *
325 . دين القيّمة
هو الدين المستقيم ، أو دين الملّة المستقيمة ، أو دين الأمة القيمة بالحق ، أي القائمة بالحق .والقيّمة جمع القيّم ، والقيم والقائم واحد ، وإضافة الدين إلى القيمة بنعت الدين من باب إضافة الشيء إلى نفسه .
* * *
326 . الاتباع والتقليد غاية الفساد في الالتزام
غاية الفساد في الالتزام أن يقول الناس نتّبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون ، كقوله تعالى :وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ( 170 ) ( البقرة ) .وقوة ألفاظ الآية تبطل الاتّباع والتقليد ، ونظيرها :وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا( 104 ) ( المائدة ) ،
وتعلّق الناس بالآيتين في ذمّ التقليد ، لذمّ اللّه تعالى الناس باتباعهم لآياتهم في الباطل ، واقتدائهم في المعاصي . وأما التقليد في الحق فهو أصل من أصول الدين ، وعصمة من عصم المسلمين ، وهو ملجأ المقصّر عن درك النظر والجاهل بأمور الدين .
والتقليد حقيقته قبول القول بلا حجة ، وعلى هذا فمن قبل تعاليم وشروح النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من غير نظر في معجزته يكون مقلدا ، وأما من نظر فيها فلا يكون مقلدا .
والتقليد مأخوذ من قلادة البعير ، فإن العرب تقول : قلّدت البعير إذا جعلت في عنقه حبلا يقاد به ، فكأن المقلّد يجعل أمره كله لمن يقوده حيث شاء .
والتقليد ليس طريقا للعلم ، ولا يوصّل إليه ، لا في الأصول ولا في الفروع .
والمفروض في العامة من الناس الذين لا يشتغلون باستنباط الأحكام من أصولها ، أن يقصدوا من يعلمون فيسألونهم ، كقوله تعالى :فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( 43 ) ( النحل ) ،
والمسلمون على الإجماع بإبطال التقليد في العقائد ، ولا تقليد في التوحيد ، فكل مكلّف مفروض عليه أن يتعلم التوحيد والقطع به .
وقيل : إن المتمسّكين بالكتاب والسنّة مقلّدون ، وهذا خطأ ، لأنه فرق بين من يقلّد من كان على الحق وبين من يقلّد من كان على الباطل ، وقد أثنى اللّه على يوسف لمّا قال :إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ( 37 ) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ( 38 ) ( يوسف )
فهو مقلّد ولكنه في الحق ، والحق أبلج ، والمخاصمة والجدال بالدليل والبرهان من طرق القرآن .
* * *
327 . الإرادة غير الرضا
لا يرضى ربّنا لعبادة المؤمنين الكفر ، قال :إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ( 7 ) ( الزمر ) ، يخبر عن نفسه أنه الغنىّ عمّا سواه من المخلوقات ،كقوله تعالى في الحديث : « يا عبادي ، لو أن أوّلكم وآخركم ، وإنسكم وجنّكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا » أخرجه مسلم ،
فهو لا يريد الكفر أصلا من أي إنسان ، ولا يرضاه له ، فإن كفر فهو بإرادة هذا الإنسان ، واللّه يريد أن يكون كفر هذا الإنسان بإرادة هذا الإنسان وإن كان لا يرضى له بالكفر ، فهو يريد ما لا يرضاه ، وقد أراد اللّه تعالى خلق إبليس وهو تعالى لا يرضاه ، فالإرادة غير الرضا ، وهذا مذهب أهل السنّة .
وهو تعالى يرضى الشكر من الناس ، ورضاه يعنى أنه يثيب عليه ، والرضا : إما أنه ثوابه تعالى ، فيكون صفة فعل ، كقوله :لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ( 7 ) ( إبراهيم ) ، وإما أنه ثناؤه تعالى على نفسه ، فهو صفة ذات .
* * *
328 . النفس والروح
الروح من أمر اللّه ، يقول تعالى :وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا( 85 ) ( الإسراء ) ، والإجابة كما ترى مبهمة ، لأن الروح شئ عظيم من شؤونه تعالى ، ومن الغيب ،فكانت الإجابة مبهمة ليعرف الإنسان عجزه عن القطع عن علم حقيقة نفسه ، وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة المخلوق الأقرب إليه وهو الروح ، دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز .
والمراد بقوله تعالى :وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًاهو العلم بالروح وما شابه ، سواء من الغيب أو عالم الشهادة .
وقال بعضهم الروح هي السّر الإلهى ، يقول تعالى :ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ( 9 ) ( السجدة ) ،
فنسب الروح له ، وجعلها سرّه يودعه في مخلوقاته فتكون لها به الحياة والفردية . وإذا قلنا إن الروح هي النفس يكون معنى الآية أنه بالنفخ تصبح لكل مخلوق ذاتية ،
- وهي نفسه التي يحسّ بها ويستشعر ، ويتوهم ، ويتخيّل ، ويتصوّر . ويصبح الجسم وأعضاؤه وسائل للنفس ، وكذلك العقل ، فعند الوفاة يلحق الموت بالنفس ، لأن متعلق النفس بالجسد ، فإذا مات الجسد انتهى منه الإحساس ، وانتفى التعقل ، وكل نفس مقدّر عليها الموت ، كقوله :كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ( 185 ) ( آل عمران ) .
والنفس - كما نعرف - يجرى عليها القتل ، كقوله تعالى :مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ( 32 ) ( المائدة ) ،
والنفوس تتوالد ، كقوله :وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ( 98 ) ( الأنعام ) ،
وتعمل وتكسب وتوفّى ما عملت ، وتجزى بما كسبت ، وتجادل عن نفسها ، ولها وسعها . وبعض النفوس مطمئنة ( الفجر 27 ) ، وبعضها لوّامة ( القيامة 2 ) .
وفي الفرق بين الموت والنوم يقول تعالى في النفس :اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( 42 ) ( الزمر ) ،
ويتوفاها أي يقبضها عند فناء آجالها ، فتخرج الروح من الجسد وتموت النفس ، وأما في النوم فإن الروح ما زالت في الجسد ، فالجسد حىّ ، ولكن النفس مقبوضة عن العقل ، وفي الحالتين فإن اللّه هو الذي يقبض الأرواح حين الموت ، ويقبض النفوس حين النوم ، ويطلقها عند اليقظة . وفي النوم دليل على أن البعث حقيقة ، لأنه مثلما يبعث النائم ، فكذلك يبعث الميت ، وفي الحديث : « كما تنامون فكذلك تموتون ، وكما توقظون فكذلك تبعثون » ، غير أن : ما يجرى للنفس لا يجرى للروح ، لأن النفس مائتة ، والروح لا تموت ولا تفنى .
* * *
329 . اللّه ودلائل وبراهين وحجج وجوده
لا شأن لأسفار التوراة الخمسة وهي : التكوين ، والخروج ، والأحبار ، والعدد ، وتثنية الاشتراع ، بأية أدلة أو براهين على وجود اللّه ، وموضوع هذه الكتب تاريخ بني إسرائيل ، وتمجيد هذا الشعب ، والتأكيد على أنه شعب اللّه المختار ، وتحفل التوراة لذلك بالحروب شنّها ملوك وقضاة إسرائيل على شعوب الجوار ،والفلسفة التي تصدر عنها : أن شعب إسرائيل لا يمكن أن يكون له ولغيره العلو والتمكين في الأرض ، فإما أن تكون السيادة للأمم ، وإما أن تكون لشعب إسرائيل ، وهم الصفوة ، ومن ثم هم الأولى بالحكم ، وأن تنعقد لهم السيادة على العالم .
وهذه العنصرية هي نفسها التي بشّر بها المسيح ، فعنده أن الإسرائيليين أبناء اللّه ، وغيرهم من الأجناس خنازير ؛ وعند بولس فإن المسيحية حررت أبناء الأمة ، أي الأمم ، ومن لم يؤمن بأن المسيح ابن اللّه فهو لا يزال ابن الأمة ولم يصبح بعد كأبناء الحرّة ، والأمة المقصودة هي هاجر ، والحرّة هي سارة ، ولا تحفل الأناجيل الأربعة ، ولا رسائل الرسل ، بإثبات وجود اللّه ، ولم يوجد كتاب ، سواء في اليهودية أو في النصرانية ، كان شغله الشاغل ، وهمّه المقيم إثبات وجود اللّه ، والبرهنة على وحدانيته ، إلا القرآن ، ويحفل لذلك بالأدلة والحجج على أنه تعالى الواحد الأحد الذي لا شريك له ، وكان شعار القرآن : « لا إله إلا اللّه » ، خلاصة لما دعا إليه ، وناقشته آياته ، وطرحته قضاياه .
ويجمع هذه الأدلة والحجج ما يسمى « براهين وجود اللّه » ، ومنها : « برهان الخلق والإبداع » ، و « برهان القصد والنظام » ، « وبرهان الكمال أو الاستعلاء ، أو برهان المثل الأعلى ، وكلها براهين قرآنية محضة ؛ تسوقها آيات القرآن كي لا يكون للناس على اللّه حجة من بعد ، وكي لا يحاجّوا في اللّه حججهم الداحضة .
فأما الآيات التي يقوم بها « دليل الخلق وبرهان الإبداع » ، فمنها ، كمثال ، قوله تعالى :وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ( 22 ) ( الروم ) ، وقوله :أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ( 6 ) وَالْجِبالَ أَوْتاداً ( 7 ) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً ( 8 ) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ( 9 ) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ( 10 ) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ( 11 ) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً ( 12 ) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً ( 13 ) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً ( 14 ) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً ( 15 ) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً( 16 ) ( النبأ ) ، وقوله :وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( 21 ) ( الروم ) ، وعشرات الآيات غيرها ، وكلها براهين وأدلة وحجج على وجود اللّه ، وتزيد على المائتى آية ، وبعضها أدلة فيها التحدّى والسخرية من المكذّبين ، كقوله :أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ ( 58 ) أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ( 59 ) ( الواقعة ) ، وقوله :أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ( 125 ) ( الصافات ) ،
وقوله :أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ( 16 ) ( الرعد ) ، وقوله :أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ( 17 ) ( النحل ) ، وقوله :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ( 61 ) ( العنكبوت ) .
ونخلص من القرآن إلى أن اللّه تعالى قد أبدع الإنسان والكون ، وكل مخترع ( بفتح الراء ) لا بد له من مخترع ( بكسر الراء ) من قبل غيره بالضرورة ، وكل مخترع له نظامه ونسقه وطريقة عمله وتشغيله ، والإنسان والكون كالمخترعات ، غير أن الحياة تدبّ فيهما ،
وهي لذلك موجودات وليست مخترعات ، وكل موجود لا بد له من موجد ( بكسر الجيم ) ، كما أن كل محدث لا بد له من محدث ، وذلك هو دليل الاختراع أو الإيجاد ، واللّه تعالى لم يخلق ما خلق وتركه دون سند ،
وإنما أضفى عليه من عنايته ، وتعهده ورعايته ، وذلك هو « دليل العناية » .
وتأتى آيات القرآن على ثلاثة أنواع ، فإما أنها « أدلة اختراع » ، وإما أنها « أدلة عناية » وإما أنها تجمع الأمرين معا ،
فمن النوع الأول : قوله تعالى :فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ( 5 ) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ( 6 ) ( الطارق ) ، وقوله :أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ( 17 ) ( الغاشية ) ؛
ومن النوع الثاني : قوله :أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً( 6 ) ( النبأ ) ، وقوله :تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً( 61 ) ( الفرقان ) ؛
ومن النوع الثالث قوله :وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً( 32 ) ( الأنبياء ) .
ونطلق على دليل القرآن من مثل قوله تعالى :يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ( 19 ) ( الروم )
وقوله :وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( 78 ) ( النحل ) : « برهان ظهور الحياة في المادة » ، وهو برهان يبطل قول القائلين بقيام الكون على المادة العمياء دون غيرها ، ونختصره باسم « برهان الحياة » .
ونطلق على الدليل من مثل قوله تعالى :جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً( 11 ) ( الشورى ) ،
وقوله :وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ( 7 ) ( ق ) : « برهان التناسل بين الأحياء لدوام البقاء » ، ونختصره باسم « برهان النسل » .
وينبّه القرآن إلى صورة الإنسان نفسه ، وهي أكبر حجة للّه على خلقه ، وأقرب وأوضح وأصحّ الأدلة . والقرآن على القول بأن طريق معرفة وجود اللّه عند الإنسان هو السمع والعقل معا ، فالإيمان يكفى فيه أن يتلقى الناس بالسمع عن صاحب الشرع ، وأن يؤمنوا به ، وأما من يشاقق في الشرع فله طريق العقل ، وبالعقل عرف العرب قبل الإسلام أن اللّه موجود ، يقول تعالى :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ( 25 ) ( لقمان ) ،
وقولهم هذا نسميه « الدليل البديهي » ، فاللّه تعالى لا يحتاج إلى البرهنة على وجوده ، والإيمان به فطرة ، والعلم بوجوده علم بديهي ، والإنسان على العهد بأنه كلما أصابته مصيبة أظهرت عجزه ، فإنه ينطق تلقائيا بالدعوة إلى اللّه يتضرع إليه . والمؤمنون لا يعتمدون على العقل ولا النقل ليؤمنوا باللّه ، فالإيمان بوجوده تعالى يلقى في القلب ، ويعيه العقل عندما يتجرّد الإنسان من عوارض الشهوة ، وفي القرآن أمثلة على ذلك كثيرة ،
كقوله :إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً( 29 ) ( الأنفال ) والمركوز في الإنسان أنه لكي يصحّ اجتماعه فلا بد من الأخذ بالجزاء والعقاب ، والاعتقاد بالآخرة والبعث والحساب ، وذلك وازع لنفسه يكبحها عن الشر والفساد ، ويوجهها للصلاح ، ويحول بينها وبين العدوان ، وما لم يعتقد الإنسان بوجود اللّه فلن يكون اجتماع ولا حضارة ، ولن تكون مدنية ، ولن تستقيم المعاملات ، ولا تخلص النوايا بين الناس والشعوب ، ونسمى ذلك « البرهان الاجتماعي على وجود اللّه ، » ومنه في القرآن قوله :وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا( 13 ) ( الحجرات ) ،
وقوله :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ( 178 ) ( البقرة ) ،
وقوله :وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ( 179 ) ( البقرة ) ، وقوله :هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ( 60 ) ( الرحمن ) .
والإنسان بحكم تجاربه وخبراته بوجوده تعالى كموجود أعظم يقوم عليه وجود الكون ، قد نبّه إلى برهان آخر هو « برهان الوعي » ، قوامه هذا الوعي اليقيني بحقيقة اللّه الذاتية وبالحقيقة الكونية ، والوعي لا يتناقض مع العقل ، وهو أعمّ من العقل في إدراكه ، لأنه مستمد من كيان الإنسان كله ، ومن ظاهره وباطنه ، وبتعبير القرآن :وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ( 12 ) ( الحاقة ) ،
والأذن الواعية هي الذاكرة ، والذاكرة أداتها العقل ، وهي أكبر من العقل ، والذاكرة الجماعية للإنسان - لنفسه ولغيره - إجمالية ، ويبقى التفصيل للعقل . والإنسان الواعي هو « الحرّ » ( البقرة 178 ) ،
والحرية انفكاك من قيود العبودية ، ومن العوارض والشهوات والعلائق ، والإنسان الذي يصير إلى ذلك هو « المحرّر » بتعبير القرآن ( آل عمران 35 )
أي الخالص للّه ، و « برهان الحرية » على وجود اللّه يقوم على القول : بأن الإنسان إذا تحرر واستشعر أنه حرّ ، وأن له أن يعتقد أو لا يعتقد ، كقوله تعالى :فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ( 29 ) ( الكهف ) ،
يأتيه اليقين بوجود اللّه ، فالحرية والاعتقاد باللّه لا ينفصلان ، ولا اعتقاد باللّه بلا حرية ، وكل حرية حقيقية فمآل صاحبها إلى الاعتقاد ، ويقين الحر أنه من حيث كونه حرا ، لا يوجد بواسطة ذاته ، ولكنه معطى لذاته ، وحريته من غيره ، من موجود أكبر وأعظم - حريته من ذاته . والإنسان لا يستخلص الحرية لنفسه بالقوة ، وإنما تتأتى الحرية له بالعلوّ ، وترتبط بالتحرر من العلائق الدنيوية والحاجات اليومية ، ومن يحقق لنفسه ذلك العلو يخلص بحريته لذاته ، فإذا استشعر أنه حر ، فعندئذ يعى أنه مخلوق لموجود هو الذي منحه الذات ، كقوله :فَخَلَقَ فَسَوَّى( 38 ) ( القيامة ) ،
وقوله :ثُمَّ سَوَّاكَ( 37 ) ( الكهف ) ،
وقوله :ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ( 9 ) ( السجدة ) أي أعطاه الذات ، فالمعطى هو الذات ، وهو معنى فسوّى ، والذي له ذات هو الكامل ، ولا يكون الإنسان كاملا إلا باكتماله بالذات ، والذات هي تمام كماله .
وعندما يكون الإنسان حرا لا توجهه الأهواء ولا الأضاليل ، يعى أنه مخلوق لموجود هو الذي منحه هذه الذات ، وهيأ له العلو ، وأوجد له المثال أن يصوغ نفسه على المنوال ، والمثال - كما يذكره القرآن - هو النبىّ صلى اللّه عليه وسلم الذي خلقه القرآن ، فالإنسان الكامل محكوم عليه منذ البداية أن يكون ربّانيا ، وحريته تعنى أن اللّه موجود .
وليس أدل على وجود اللّه من الوازع الخلقي في الإنسان ، وهو النفس اللّوامة ، وهو الضمير ، والشعور بالواجب وبالمسئولية ، وبأن للإنسان دون سائر المخلوقات مشيئة وإرادة ، وأنه حرّ أن يختار ، فمن أين عرف الإنسان الحق والعدل إن لم يكن في الوجود قسطاس ومعيار لهذا الحق وذاك العدل ، يغرس في نفسه معنى الحرية ، ويمنحه الوعي بالواجب والمسؤولية ، وينمّى لديه الضمير يزعه خلقيا ؟ ومن أين قرّ في طبع الإنسان ، أن الواجب الكريه لديه ، أولى به من إطاعة الهوى المحبب إليه ؟ وآيات القرآن كثيرة في النهى عن الهوى ، كقوله :فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا( 135 ) ( النساء ) ، وقوله :وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا( 77 ) ( المائدة ) .
والوازع الخلقي أو النفس اللّوامة ، أو الضمير ، هو المقصود بالآية :وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ( 4 ) ( القلم ) ، والخلق هو الضمير ، أو علامة الواجب في الإنسان ، والبرهان الخلقي في القرآن يجزم بأن للخلق في الإنسان حاسة تضاف إلى بقية حواسه ، وفقدان هذه الحاسة جنون خلقي ، فمثل ما المجنون عقلا هو من لا تمييز له ، فكذلك المجنون خلقا لا يصدر عن حق ( المؤمنون 70 ) ،
واسمه في علوم النفس والطب النفسي « السيكوباتى » ، وكان أبو جهل من المجانين خلقيا ، وسيكوباتيا من الطراز الأول ، فكان يلبس الحق بالباطل ، ويكتم الحق ، واليهود يعانون هذا الجنون الخلقي ، فقتلوا النبيين بغير حق ، وقتلوا الذين أمروا بالقسط من الناس ، وما يزال ذلك دأبهم ، وبوش الابن مثله مثل شارون وهتلر ، لا خلق له ولا ضمير ، ومثل ذلك الطغاة في العالم قاطبة :
شارون ، وبوش ، وبلير ، وبوتين . والخلق ، أو الضمير ، أو الوازع الخلقي ، أو النفس اللّوامة ، قبس من اللّه في الإنسان ، ودليل على أن الإنسان أرقى الكائنات ، وما كان رقيّه إلا بالضمير الممثّل للّه في كل إنسان ، وفي ذلك قوله تعالى :وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ( 21 ) ( الذاريات ) .
والمسلم ذو خلق عال ، وترتيبه في مدرج الرقى الحضارى في الذرى ، وأقواله وأفعاله هي الحسنى ( البقرة ) .
وشبيه بالبرهان الخلقي : « برهان الحق والجمال والخير » ، فالإنسان والطبيعة حافلان بمحاسن الجمال وأوجه الخير والحق ، وما أكثر الآيات عن ذلك في القرآن ، والإنسان نفسه آية من آيات هذا الجمال والخير والحق ، وصدق اللّه العظيم حين قال :لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ( 4 ) ( التين ) ، وحين قال :صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ( 64 ) ( غافر ) ، وحين قال :وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ( 114 ) ( آل عمران ) ،
وحين قال :وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ( 2 ) ( العصر ) .
وفي القرآن أن الإنسان يفاضل بين الخيرات ووجوه الجمال فيما يقول ويفعل ، وما كانت المفاضلة تتسنّى له لو لم يكن لديه قسطاس شامل يقيس إليه ما يعنّ له من المفاضلات بين أوجه الحق والخير والجمال ، وهي تتراتب صعودا إلى مصدرها الأصلي وهو اللّه ، وليس شرطا أن يكون كل شئ في الكون خيّرا وجميلا لنبحث فيه عن ذلك القسطاس ، ويكفى أن يكون في العالم أقل الحق والخير والجمال ، لنتحرى ونفتش ونبحث في أذهاننا عن ذلك القسطاس ، الذي هو المرجع الأعلى لنا في الحكم على الأشياء بالحقّية ، أو الخيريّة ، أو بالجمال ،
والثلاثة وجوه لموجود واحد هو اللّه ، ولو لم يكن حبّ ذلك في الإنسان مركوزا لما درى ما الحق ، وما الخير ، وما الجمال ، ولما عرف أن يقيس ، ولا أن يحكم ، ولا أن يفاضل ، وفي القرآن ثبت ذلك كله وأكثر منه . وقول الملحدين ، أو المنكرين ، أو اليهود ، أو الشيوعيين ، أو العلمانيين ، والتنويريين ، أو الليبراليين إلخ ، بأن الحق والباطل والخير ، والشر ، والجمال ، والقبح ، مسائل نستمدها من طبيعة الأشياء ،
وأنه من طبيعة الأفعال أن الفعل السيئ يعود على صاحبه بالعقاب ، والفعل الخيّر يعود عليه بالخير ، وأنه لا شأن لوجود اللّه أو عدم وجوده بذلك ، هو ضحالة في التفكير المادي المسرف ، وعجز عن القدرة على التجريد ، وقصور في الوصول بالقضايا إلى أصولها ، فالطبيعة من حولنا ، وفي الأشياء ، لا تجازى من نفسها على الخير ، ولا تعاقب على الشر ، ولا تستحسن الجمال ، ولا تستهجن القبح ، ولا تبطل الباطل ، ولا تحقّ الحق ،
ويكون من الضروري إذن القول بأن فوق الطبيعة أو وراء الطبيعة ، لا بد من موجود عادل يجازى على الخير ، ويعاقب على الشر ، وينصر الحق ، ويصنع الجمال صنعا ، وأنه الذي يخلق فيبدع ، ويمايز بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والجمال والقبح ، وأن الشر ، والظلم والقبح جميعها عن نقص في الأشياء وفي الأفهام ، ولولا أن القبح والشر والباطل أشياء موجودة ، لما عرفنا وقدّرنا ، وطلبنا الخير والجمال والحق ، ولولا ذلك لما علمنا عن العدل في بحثنا عنه وسعينا إليه وطلبنا له ، وهذه القيم هي الميزان للوجود بأسره ،
كقوله تعالى :اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ( 17 ) ( الشورى ) ، وقوله :وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ( 25 ) ( الحديد ) ،
وقوله :وَوَضَعَ الْمِيزانَ ( 7 ) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ( 8 ) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ( 9 ) ( الرحمن ).
وإذن - وطبقا للقرآن ، فلكى تكون هناك سعادة لا بد من وجود خير ، وفضيلة ، وحق ، وجمال ، وعدالة ، وإجمالا لا بد من القيم ، وجميعها تترابط ويستلزم بعضها البعض ، وتواجدها مترابطة ليس استنباطا تحليليا ، ولكنه تركيب متعال ، يقتضى وجود علّة عليا تتجاوز الماديات بالذهن والإرادة ، وتتطابق مع النية الأخلاقية ، ويكون لها العلم كله ، والقدرة كلها ، أي يقتضى وجود اللّه ، ولم توجد القيم إلا لأنها تستمد من قيمة عليا مطلقة ، والقيمة التي بالمعنى الأتمّ هي اللّه ، وليس المطلق في القرآن إلا القيمة المطلقة ،
ومن أجل ذلك كان اللّه واحدا لا شريك له ، فالقيمة المطلقة يجب أن تكون لها شخصية إلى أسمى درجة ، وطالما أننا نعدّ الشخصية هي القيمة العليا ، وهي بمثابة روح الروح أو الذات ، فإن المطلق ليس سوى الإله المتشخص ، والذي نعرفه باسم اللّه ، وهو ذات محض .
وليس معنى المطلق أنه المستبدّ بلا معقولية ولا خيرية ، فالمطلق الذي هو اللّه ليس ضد الحرية ، ولا تعارض بين سلطته وبين الحرية ، وسلطته تعالى هي ما نسميه بالشريعة الإسلامية ،
وهي شريعة لأن اللّه تعالى بخيريته شرعها واستنّها لتعزيز الحرية وخدمتها وضمانها . والحرية في جوهرها أخلاقية ، وهي أن نفعل أو لا نفعل ، وكل فعل في حدود الشريعة - يتوخاه الإنسان الحر ، صاحب الضمير الحرّ ، والمقدّر للمسئولية ، والذي لا يصدر عن هوى ، والذي يستلهم القيم ، ويعايش كل آية في القرآن ؛
وهو الربّانى الذي اختار الطريق إلى اللّه ، ويتمثّله تعالى فيما أمر ونهى ، واللّه أو المثل الأعلى الإلهى ، يجب أن يكون في وعى كل مسلم حرّ ، لأنه تعالى الموجود لذاته أو المطلق ، ونوره المشع الذي هو القرآن ، عندما تستضيئه الضمائر الجزئية ، فإن حرية هذه الضمائر تظهر في ممارساتها على موضوعاتها ، ويتبدّى نورها على أنفسها ،
ونكون بذلك قد حذونا حذو اللّه ، أي نكون ربّانيين ، ونعيش اللّه في أنفسنا ، وفي العالم المحيط بنا ، أي يكون الأنا الجزئي فينا صورة أو انعكاسا للأنا الإلهى الأعلى . والربّانيون لا يقضون إلا بما يقضى به اللّه ، وهم دليل وجوده تعالى ، لأنهم خلفاؤه ( المائدة 44 ) ، وما كانوا كذلك إلا لأنه تعالى موجود فكانوا خلفاءه ، والموجودات في هذا العالم واحدة من ثلاثة : فإما أنها واجبة الوجود ، أي أن وجودها من ذاتها ، أو أنها ممكنة الوجود ، أي وجودها من غيرها ، فلا توجد إلا بسبب ، ولا تنعدم إلا بسبب ، أي أن وجودها يكون محدثا ، والمحدثات إذا كانت تحتاج لأسباب لوجودها ، فهي محتاجة أيضا لأسباب لبقائها ، وفي جميع الأحوال تحتاج لموجد لها ، سواء في إيجادها الابتدائي ،أو في حفظ بقائها بعد ذلك ، أو في إعدامها .
ووجود الممكن يقتضى بالضرورة وجود الواجب ، وهو الذي وجوده من ذاته ولذاته ، وبدون سبب ، وليس بعرض ، ولا علّة له ، ويتّصف بصفات الكمال كلّها ، وهو واحد لا يتعدد ، وهو اللّه ، لم يلد ، ولم يولد ، ولا شريك له ، ولم يكن له كفو ، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى .
وكل الموجودات التي ذكرها القرآن أو لم يذكرها لها علل فاعلة ، واللّه هو الموجود الوحيد في القرآن الذي هو علة نفسه وليس علّة لغيره ، وهو العلّة الأولى التي تنتهى إليها كل العلل ، فهو علّة العلل . وكل آيات الخلق في القرآن تجزم بوجود الكون على نظام ، وأنه كله يشمله الانسجام ، وهو نسق من الوسائل والغايات ، فكيف حدث ذلك والمادة عاجزة عن تدبير نفسها بنفسها إن لم يكن الذي أحدثها هو اللّه علّة العلل ، والمحدث الأول ؟
وتتحدث الآيات الكونية في القرآن عن « دليل غائى » ، قوامه أن وراء هذا التناسق والتناغم والنظام لا بد من علّة عاقلة تتولى الخلق والتدبير والتنظيم .
والإنسان وهو قمة الموجودات والمخلوقات ، كلما يتصور للأشياء علّة ، يذهب في تصوره إلى ما هو أبعد منها وهكذا ، وكل ما هو عظيم في لحظة يأتي على الإنسان أن يجد له الأعظم منه ، وما من شئ يظن به العقل الكمال إلا ويتطلع أن يجد ما هو أكمل منه ، إلى نهاية النهايات ، أي المطلق الكامل الذي لا شئ أكمل منه ، ولا مزيد على كماله ، ولا نقص فيه . وهذا التصوّر لهذا الموجود الأكمل والأعظم والأجمل هو واقع نأتيه فعلا ، وليس وجوده في الحقيقة بأقل من وجوده في التصور ، وهذا الموجود الأكمل هو اللّه :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ( 11 ) ( الشورى ) ،
والبرهان على وجوده تعالى نسميه « برهان الكمال » ، لأننا به ننشد « الكمال » ولا نقنع بالأدنى ، وهو أيضا « برهان الاستكمال » ، لأننا به نستكمل النقص بما هو أكمل ، وهو كذلك « برهان الاستعلاء » ، لأننا به نستعلى على النقص ونصاعد علوا إلى الكامل الأمثل . وشبيه بذلك أن الفكرة قد تطرأ وتلح على عقولنا حتى نستكملها موضوعيا ، وحتى يصبح لها وجودها في تصوّرنا ، فعندئذ نعرف أن هذا الوجود أو الكمال للفكرة لم يكن على جهة الصورة ، ولم نكن نحن علّته ، ويلزم بالضرورة أن نستشعر وندرك ونعى ، أننا لسنا في العالم وحدنا ، وأن هناك موجود آخر أسمى هو علّة هذه الفكرة .
وفكرة اللّه من ذلك ، فكلما نتأملها ونفكر فيما قيل فيها وعنها ، ندرك إدراكا قويا لا يخامره الشك ، أن هذه الفكرة لا يمكن أن تكون نحن وحدنا مصدرها ، ولا يمكن إلا أن يكون لها ما يقابلها في عالم الواقع والحقيقة ، ولا بد إذن أن اللّه موجود ، وأنه واحد لا شريك له .
وهذه البراهين جميعها يحفل القرآن بالأمثلة لها ، بعضها مباشر وأوردنا نماذج له ، وبعضها غير مباشر نبّهنا إليه بإيراد السورة ورقم الآية ولم نوردها بألفاظها . وكل هذه الحجج والبراهين والأدلة لها هدف واحد ، هو إبطال حجة الناس أنهم ما بلغتهم رسالته تعالى ، أو أنهم لم يعثروا على ما يدحض جحودهم ويهديهم . ونحمد اللّه تعالى على القرآن الذي علّمنا ونوّرنا وهدانا ، فأين منه التوراة التي تشتتنا ، وتثير فينا النعرات ، وتضللنا عن اللّه ؟
وأين منه الأناجيل التي تفترى على اللّه أعظم فرية ، وتضل الناس ، وتطفئ فيهم نور العقل ، وتدخلهم في متاهات وتلفيقات ، لا هي من الفلسفة ، ولا من العلم ، ولا من الدين في شئ ؟ ! ، وحسبنا اللّه !
* * *
330 . برهان الخلق
اللّه يخلق ، وما دونه ، ومن دونه ، لا يخلقون ولكنهم مخلوقون ، وهذا هو الفرق .وعندما نقول إن الإنسان خالق ، نعنى أنه مخترع ، لأنه لا يخلق من عدم ، ولم يخلق المادة التي صاغها ، ولا القوانين التي سار على نهجها . ويقول تعالى منكرا دعوى الخالقين المزعومين :
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ( 20 ) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ( 21 ) ( النحل ) ،
يعنى بهم الأصنام لا روح فيها ، وحتى إن قيل كان عيسى يخلق ، نقول بإذن اللّه ، وإلا فأين هو عيسى ؟ وأين خلقه ؟
وإذا قيل إن علماء الاستنساخ وإنما اللّه خلقه مستمر وللأبد ، وما كان عيسى ولا علماء الاستنساخ يخلقون من عدم ، واللّه تعالى يخلق من عدم ،
كقوله تعالى :أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ( 17 ) ( النحل ) ، وقوله :هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ( 11 ) ( لقمان ) ، وقوله :أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ( 40 ) ( فاطر ) .
* * *
عبدالله المسافر يعجبه هذا الموضوع
الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 321 الى 340 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 321 الى 340 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
331 . خلق الإنسان دليل على البعث
في قوله :فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ( 5 ) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ( 6 ) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ( 7 ) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ( 8 ) ( الطارق )أن ابن آدم لو تأمل مما خلق لأدرك أن من قدر على ذلك قادر على أن يبعث الموتى ، فالإنسان قبل الخلق لم يكن شيئا مذكورا ، وما كان إلا ماء تدفق من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، وهو بعد الموت لا يصبح شيئا مذكورا ، فهذه كتلك ، والقادر على الخلق من العدم في الحالين هو اللّه ، وهو يقدر أن يعيد الموتى إلى الحياة بعد بعثهم في الآخرة .
* * *
332 . برهان على البعث
هو قوله تعالى :قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً ( 50 ) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً( 51 ) ( الإسراء ) ،يعنى : قل لهم يا محمد ، كونوا على جهة التعجيز ، حجارة أو حديدا ، أو أي شئ مما هو كبير عندكم بدلا من أن تكونوا عظاما ، فلن تفوتوا اللّه إن أرادكم ، وسيبعثكم كما خلقكم أول مرة ، وسيلوون رؤوسهم عجبا ،
ويسألون مستهزئين :متى هذا البعث ؟
فقل عسى أن يكون في القريب . وعسى واجب ، يعنى أن البعث سيكون قصر الزمن أو طال .
وفي الآية :وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ( 11 ) ( الزخرف ) ، يدلل على قدرته تعالى على بعث الموتى ، وشبّهت الآية الموتى بالأرض الميتة ، ينزل عليها المطر فتبعث الحياة فيها ، وتخضر وتخرج الزرع ، ومن يقدر على البعث الثاني يقدر على البعث الأول ،
كقوله تعالى :وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( 57 ) ( الأعراف ) ،
والرياح المبشّرة هي التي تبشّر بالمطر ، والبلد هو الموضع من الأرض ، تصفه الآية بأنه ميّت ، أي غير عامر لا يسكنه أحد ، فإذا سقط عليه المطر أخرجت أرضه الثمرات ، فيأتي الناس ويعمر بهم ، فمثل ذلك إحياء الموتى وإخراجهم من القبور .
وروى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل : كيف يعيد اللّه الخلق ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟
قال : « أما مررت بوادي قومك جدبا ، ثم مررت به يهتز خضرا » ؟ قال : نعم . قال : « فتلك آية اللّه في خلقه » .
* * *
333 . دليل حدوث العالم وأن له صانعا
في الآية :لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ( 19 ) ( الانشقاق ) دليل على أن العالم محدث ، فالطبق هو الطور ، والمخلوقات والكائنات جميعا تعيش وتتواجد في الدنيا في أطوار ، فالإنسان مثلا كان نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، وحيّا ، ثم ميتا ، ويكون سعيدا ثم شقيا ، ثم سعيدا ، وفي يسر ، ثم عسر ، ثم يسر ، وفي غنى ثم فقر ، ثم غنى ، والأيام والليالي تتعاقب ، فلا النهار يبقى إلى الأبد ، ولا الليل يستمر سرمديا ، ولا الشتاء ولا الصيف يدومان ، ولا الفصول كما هي ، ولا القمر ، ولا الشمس ، ولا البرد ، ولا الحرور ، ولا الشباب ، ولا الطفولة ،وفي الحديث : « إن قدّامكم أمرا عظيما فاستعينوا باللّه العظيم » ، والأمور العظيمة هي التغيّرات والتقلّبات من حين يخلق إلى حين يبعث .
وفي الحديث أيضا : « لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه » ، قالوا : يا رسول اللّه ، واليهود والنصارى ؟ قال : « فمن » ؟
يعنى أن ذلك مقدور على الجميع ، فالأطوار سنّة أو فطرة أو قانون للوجود :كذلك المرء إن ينسأ له أجل * يركب على طبق من بعده طبقوالملاحظ أن الطور مدته عشرون عاما ، أي جيل ، تتغير فيها الأمور حتما عمّا كانت عليه ، منزلة بعد منزلة ، وطبقا بعد طبق ، وليس التغيير إطلاقا ولكنه مما يكون ، فكل شئ يجرى إلى شكله ، ومن كان على صلاح دعاه صلاح فوقه ، ومن كان على فساد استماله الفساد فوقه ، والناس في النهاية تصير من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة ،
والعرب يقولون في الأمر الشديد : « وقع في بنات طبق » ، وسموا الداهية الشديدة « أم طبق » ، و « بنت طبق » ، وأصلها الحيّة ، واسمها أم طبق لتحوّيها ، وكل ذلك دليل على أن العالم محدث ، وأن له محدث ، فكل محدث لا بد له من محدث ، ومن كان اليوم في طور ، وغدا في طور ، فليعرف أن أمره ليس من نفسه ، وأن تدبيره ينظمه له سواه . وقيل لأحد الحكماء : ما الدليل على أن لهذا العالم صانعا ؟
فقال : تحويل الحالات ، وعجز القوة ، وضعف الأركان ، وقهر النية ، ونسخ العزيمة .
* * *
334 . حجّتهم في إنكار الصانع
الآية :وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ( 5 ) ( الرعد ) في إنكار البعث ، وتعنى أن العجب حقا هو إنكارهم أن يبعث الناس من جديد بعد ما يصيرون ترابا ، وإنكار البعث معناه إنكار الصانع الذي يصنع البعث ، فمع الأدلة الواضحة بأن كل متغيّر لا بد له من مغيّر ، فإنهم ينكرون أن يكون للخلق خالق ، وأن يكون في استطاعته أن يعيد خلقهم كما بدأهم ، فهذا هو مصدر العجب حقا . * * *
335 . دليل : المتغيّرات لا بد لها من مغيّر
تلفت الآية :وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( 99 ) ( الأنعام )النظر إلى التغيرات من حول الإنسان ، فالماء الذي ينزل مطرا ، ويسقى الزرع ، وينبت النخل والأعناب والزيتون والرمان ، متشابها وغير متشابه ، يحثّ على النظر والتفكّر ، وهو نظر اعتبار لا نظر إبصار مجرّد عن التفكّر ، والناظر ينظر ببصره وقلبه معا ، والآية دليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغيّر ، وهو في النهاية اللّه ، وإلا كنا في دور وتلاحق اللغة العربية بعبقريتها الفذة أطوار هذا الإثمار للنخل حتى يكون الثمر ،
ففي البداية يكون طلعا ، ثم إغريضا إذا انشق عنه الطّلع ، والإغريض يسمى ضحكا أيضا ، ثم بلحا ، ثم سيابا ، ثم جدالا إذا اخضر واستدار قبل أن يشتد ، ثم بسرا ، ثم زهوا إذا أحمر ، فإن كان كذلك من جهة الذّنب فهو مذنّبة ، وهو التذنوب ، فإذا لان فهو ثغدة ، فإذا بلغ الإرطاب نصفه فهو مجزّعة ،
فإذا بلغ ثلثيه فهو حلقانة ، فإذا عمّه الإرطاب فهو منسبتة ، فيقال رطب منسبت ، ثم ييبس فيصير تمرا ؛ فهذه الأحوال يلحظها من له دقة بصر وبصيرة ، وتغيّرها تنبيه للناس أن يروا فعل اللّه فيها ، فلا بد أن هناك محدث لكل هذه التغيرات ، وهو وحده الذي يمكن أن يوجدها ويرسم خطوطها ويستحدث أحوالها ، ولا يمكن أن يتيسر ذلك إلا لإله من صفاته أنه واحد ، وقادر وصانع وعالم ، والآية دليل على جواز البعث وأنه من اللّه تعالى .
وفي الآية :وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ( 141 ) ( الأنعام ) ،
دليل على أن اللّه تعالى خلق الثمار مختلفة في الطعوم ، وسمّاها أكلا لأنها تؤكل ، وقدّر فيها الاختلاف ، وبعضها يتشابه وبعضها لا يتشابه ، وفي ذلك اجتمعت الأدلة على طلاقة قدرته ووحدانيته ، لأن كل متغيرات لا بد لها من مغيّر ، والمحدثات لا بد لها من محدث ، ولقد خلقها غذاء لنا ، وكان بوسعه أن يخلقنا ولا يخلق لنا الغذاء ، وخلقه جميل المنظر ، طيب الطعم ، وسهل الجنى ، وما كان عليه أن يفعل ذلك ابتداء ، لأنه لا يجب عليه شئ ،
وخلق له الماء والغذاء لينمو ويونع ، والمفروض أن الماء ينزل إلى أسفل ، فخلق خاصية صعوده في النبات إلى أعلى حتى الفروع السامقة ، وجعل له الأوراق مختلفة الشكل ، وأنبت منه الثمر ، له الجرم الوافر ، واللون الزاهر ، والجنى الجديد ، والطعم اللذيذ ، فأين من قالوا أن الأشياء توجد بطبيعتها وأجناسها ؟
وأين أصحاب الفلسفات الذين زادوا وعادوا وما قالوا شيئا إلا تحصيل الحاصل ؟ وهل كان في قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإتقان ، أو ترتب هذا الترتيب العجيب ؟ ! وما يفهم ذلك إلا عاقل ، يدرك أن الخلق لا يخلقه إلا خالق حىّ ، عالم ، قادر ، مريد ، فسبحان من له في كل شئ آية ونهاية !
* * *
336 . حجة نفى الشريك
الآية :قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا( 42 ) ( الإسراء ) متصلة بسابقتها :وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ( 39 ) ( الإسراء ) ، والمعنى : أنه تعالى لو شاركته آلهة في ملكه لطلبوا معه المنازعة والقتال كما تفعل ملوك الدنيا الشركاء فيما بينهم ، وإذن لطلبوا طريقة للوصول إليه لينزلوه عن عرشه طالما أنهم شركاء ، أو لا لتمسوا الزلفة عنده وابتغوا القربة وكانوا مثل بقية خلقه وليسوا شركاء . * * *
337 . التكذيب أن للّه شريكا وولدا
هو قوله تعالى :وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ( 84 ) ( الزخرف ) ، يعنى هو واحد لا شريك له ، مستحق للعبادة في السماء والأرض ، ويعبد واحدا فيهما .* * *
338 . حجّته البالغة تبيّن أنه الواحد
في قوله تعالى :قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ( 149 ) ( الأنعام ) أن الحجة البالغة هي التي تقطع عذر المحجوج ، وتزيل الشك عمّن نظر فيها ، وحجّته البالغة على ذلك تبيّن أنه الواحد ، وقد ذمّ الذين جعلوا شركهم عن مشيئته ، وتعلقهم بهذه المقولة باطل ، وقد ذمّهم على ترك اجتهادهم في طلب الحق ، بدعوى أنه لو شاء ما أشركوا ، وأنه لو شاء لهداهم ، وما يقولونه حجة له عليهم ، لأنه جعل لهم أن يختاروا الهدى أو الضلال ، وأن تكون مسئوليتهم على اختيارهم ، وأرسل إليهم الرسل والأنبياء ، وأيدهم بالمعجزات ، ونبّههم إلى الآيات في الكون وفي أنفسهم ، وألزم أمره كل مكلّف ، فذلك قوله له الحجة البالغة . * * *
339 . ربّ الشّعرى
يقول تعالى :وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى( 49 ) ( النجم ) ينفى أن الشّعرى ربّ ، فالشعرى ليست سوى كوكب مضىء ، وهي مربوبة وليست بربّ ؛ وطلوعها بعد الجوزاء ، وكان العرب يعبّدونها ، وقيل عبدتها حمير وخزاعة ، ومن لم يكن يعبدها من العرب كان يعظّمها .والشعرى شعريان : العبور والغميصاء ، وفي خرافات العرب أن سهيلا والشعرى كانا زوجين ، فانحدر سهيل فصار يمانيا ، فاتبعته « الشعرى العبور » فعبرت المجرة فسميت العبور ، وأقامت الغميصاء ، فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عيناها ، فسميت غميصاء لذلك ، والغميص هو المادة البيضاء تفرزها العين المريضة وتخرج من مجرى الدمع .
وقيل : الذي دعا إلى عبادة الشعرى كان من يدعى أبا كبشة ، من أجداد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم من جهة الأمهات ، ولمّا كانت المشابهة بينه وبين النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، حيث خرج أبو كبشة على إجماع العرب ودعا دعوته ، فكذلك خرج النبىّ صلى اللّه عليه وسلم على إجماع العرب ودعا إلى عبادة اللّه ، فسمّوه « ابن أبي كبشة » لهذا السبب ، وكانوا يقولونها استهزاء .
* * *
340 . بروج السماء من دلائل الوحدانية
البروج هي المنازل ، وفي الآية :وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ ( 16 ) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ( 17 ) ( الحجر ) تنبيه إلى كمال قدرته تعالى ، ليستدل بها على وحدانيته ، والبروج في السماء آية وإعجاز ، وهي منازل الشمس والقمر ، وهي : الحمل ، والثّور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدّلو ، والحوت ، فهذه اثنا عشر برجا تكوّن معا ما يسمى بالفلك .وأصل البروج الظهور ، ومنه تبرّج النساء ، وسميت بها المنازل لأنها تظهر في السماء ، ومن منافعها معرفة مواقع النجوم وأبوابها من أجل العلوم . وتزيين السماء بالنجوم ، وهي مصابيح تسرّ الناظرين ، وذكرى للمعتبرين والمتفكرين ، وحفظا من الشياطين ، أن يسترقّوا السمع فيرجمون بالحجارة عقابا وصدّا لهم .
* * *
عبدالله المسافر يعجبه هذا الموضوع

» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 299 الى 320 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 341 الى 360 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 361 الى 380 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 381 الى 407 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام ثانيا الإسلام في القرآن من 408 الى 420 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 341 الى 360 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 361 الى 380 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 381 الى 407 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام ثانيا الإسلام في القرآن من 408 الى 420 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
» الحكم العطائيّة الصغرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
» الحكم العطائيّة الكبرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
» الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية من 11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية من 01 الى 10 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2313 إلى 2413 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2351 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2312 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2265 إلى 2281 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2249 إلى 2264 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2211 إلى 2248 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر الثالث عشر الحجّ والعمرة من 2084 إلى 2167 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب ثانيا الطعام والشراب من 2049 إلى 2083 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب أولا الصيام والفطر من 2002 إلى 2048 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات الحادي عشر الذكر والتسبيح والدعاء من 1961 إلى 2001 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات عاشرا السجود والمساجد والقبلة من 1921 إلى 1960 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات تاسعا صلاة الجمعة من 1903 إلى 1920 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات ثامنا الصلاة من 1826 إلى 1902 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات أولا الوضوء والاغتسال من 1794 إلى 1825 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني "53" المجلس الثالث والخمسون من عبد الله بجهل كان ما يفسد أكثر مما يصلح
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سابعا العدّة من 1782 إلى 1793 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سادسا الطلاق من 1744 إلى 1781 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي خامسا الأسرة من 1739 إلى 1743 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي رابعا الأولاد من 1734 إلى 1738 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثالثا الحمل والولادة والرضاع والفطام والحضانة من 1722 إلى 1733 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1681 إلى 1721 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1651 إلى 1680 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1623 إلى 1650 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي أولا المرأة في الإسلام من 1598 إلى 1622 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس عشر الإسلام والحرب من 1547 إلى 1597 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس عشر الإسلام و الحرب من 1519 إلى 1546 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1505 إلى 1518 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1480 إلى 1504 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع عشر القرآن والفنون والصنائع والآداب والأخلاق من 1462 إلى 1479 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1436 إلى 1461 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1419 إلى 1435 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1396 إلى 1418 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1375 إلى 1395 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1343 إلى 1374 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1312 إلى 1342 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1179 إلى 1311 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1121 إلى 1245 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1190 إلى 1220 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1152 إلى 1189 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1130 إلى 1151 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1126 إلى 1129 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1076 إلى 1125 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1059 إلى 1075 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1045 إلى 1058 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1035 إلى 1044 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1026 إلى 1034 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1018 إلى 1025 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1015 إلى 1017 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1013 إلى 1014 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 981 الى 1011 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 961 الى 980 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 948 الى 960 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 941 الى 947 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 851 الى 880 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 681 الى 696 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 621 الى 640 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 611 الى 620 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 601 الى 610 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 591 الى 600 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 561 الى 581 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 541 الى 560 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 527 الى 540 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 511 الى 526 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 491 الى 510 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 471 الى 490 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 451 الى 470 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 431 الى 450 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام ثانيا الإسلام في القرآن من 421 الى 430 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام ثانيا الإسلام في القرآن من 408 الى 420 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 381 الى 407 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 361 الى 380 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 341 الى 360 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 321 الى 340 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام أولا الإيمان في القرآن من 299 الى 320 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثاني النبوّة والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم في القرآن من 281 الى 298 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثاني النبوّة والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم في القرآن من 261 الى 280 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثاني النبوّة والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم في القرآن من 241 الى 260 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني