المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان أعلام التصوف و أئمة الصوفية رضى الله عنهم :: الشيخ عبد الوهاب الشعراني :: كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ الشعراني الجزء الثاني
صفحة 1 من اصل 1
16092020
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
اليواقيت والجواهر وبالحاشية الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني
المبحث الحادي والسبعون : في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام
كما تقدم بسطه في المبحث الثاني من الكتاب في حدوث العالم وذكرنا هناك أن خلق الجنة والنار متأخر عن خلق الدنيا بتسعة آلاف سنة ولذلك سميت الجنة بالآخرة لتأخر خلقها عن خلق الدنيا المدة المذكورة على ما تقدم فيه فهما مخلوقتان مهيأتان لأصحابهما بهما قبل خلقهم ثم إن أعمال كل مكلف تأتي على حسب ما سبق له في دار الجنة أو النار وزعم أكثر المعتزلة أنهما يخلقان يوم الجزاء ودلينا عليهم النصوص الصريحة الصحيحة الدالة على أنهما مخلوقتان قبل يوم الجزاء نحو قوله تعالى أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ آل عمران : 133 ] أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [ آل عمران : 131 ] وقصة آدم وحواء وإسكانهما الجنة وإخراجهما منها بالزلة ونحو ذلك كحديث يفتح للمؤمن في قبره كوة فينظر منها إلى الجنة ويدخل عليه من روحها ونعيمها ويفتح للكافر كوة إلى النار فيدخل عليه من حرها وسمومها ،
وكحديث : « لما خلق اللّه تعالى جنة عدن بيده ودلي فيها ثمارها وشق فيها أنهارها قال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون » رواهما البخاري
..............................................................
المقربين وأبواب تلك الخزائن ألسنتهم فإذا نطقوا أغنوا السامعين إن كانت أعين أفهامهم غير مطموسة .
وقال في الكلام بعد الموت : هل هو بحرف أو صوت ؟ :
اعلم أن الكلام بعد الموت يكون بحسب الصورة التي ترى نفسك فيها فإن اقتضت الحرف والصوت كان الكلام كذلك وإن اقتضت الصوت بلا حرف كان وإن اقتضت الإشارة أو النظرة أو ما كان فهو ذاك وإن اقتضت الذات أن تكون عين الكلام كان ، فإن جميع ذلك تقتضيه حضرة البرزخ
قال : وإن رأيت نفسك في صورة إنسان حزت جميع المراتب في الكلام فإنه المقام الجامع لأحكام الصور .
وقال : إنما جعل اللّه لنا النوم في هذه الدار لنألف حالنا في البرزخ بعد الموت فإن حال الميت كحال النائم لا أن علاقة تدبيره الهيكل باقية في النوم والموت لا علاقة له في التدبير .
وقال : إذا رأيت من يتبرأ من نفسه فلا تطمع في صحبته فإنه منك أشد تبرأ .
وقال : إذا كنا نجهل ما سبق لنا في علم اللّه فلا ثقة لنا بحال فيا لها من مصيبة .
قال : إياك والتأويل فيما أنت به مؤمن فإنك ما تظفر بطائل ومتعلق الإيمان إنما هو ما أنزل اللّه لا ما أوله عقلك آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [ البقرة : 285 ] الآية .
وقال : إذا قرآت مِثْلَ ما أُوتِيَ
“ 617“
وغيره وقوله صلى اللّه عليه وسلم : “ رأيت الجنة والنار “ في عدة أحاديث وكان الشيخ محيي الدين رحمه اللّه يقول : الجنة والنار مخلوقتان لكنهما لا يكمل بناؤهما إلا بانتهاء الدنيا وانقضاء زمن التكليف فهما بمثابة سور الدار الذي بناه الملك ثم بعد ذلك يشق الجدران ويبني حتى ينتهي البناء لأنهما إنما يبنيان من أعمال المكلفين من خير أو شر فمن نظر إلى السور من خارج قال إنهما فرغ من بنائهما ومن دخل السور وجدهما ناقصتين من البناء بقدر ما بقي من أعمال المكلفين في هذه الدار
ويدل لذلك حديث : “ إن الجنة عذبة الماء طيبة التربة وإنها قيعان وغراسها سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه “ الحديث فإن القيعان هي التي لا بناء فيها ولا شجر وفي الحديث أيضا : من صلى كل يوم اثنتي عشرة ركعة بنى اللّه له بيتا في الجنة ومن قال سبحان اللّه مثلا غرس له شجرة في الجنة انتهى ،
وقال المخريطي : ليست الجنة التي أخرج منها آدم هي الجنة الكبرى المدخرة في علم اللّه تعالى فإن تلك لا يصح فيها معصية لآدم ولا إباية لإبليس لكونها حضرة اللّه تعالى الخاصة التي لا حجاب فيها ومعلوم أن المعصية لا تقع حتى يحجب صاحبها وإنما هي جنة البرزخ التي هي فوق جبل الياقوت فالجنة الكبرى لا يدخلها الناس إلا بعد انتهاء الحساب والمرور على الصراط
قال : وجنة البرزخ هي التي ترى في الدار الدنيا وكذلك نار البرزخ فإنه صلى اللّه عليه وسلم لما قال رأيت الجنة والنار في مقامي هذا ذكر أنه رأى عمرو بن لحي الذي سيب السوائب وذكر أنه رأى المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت جوعا ومعلوم أن هؤلاء لم يدخلوا النار الكبرى إلى الآن وإنما هم محبوسون في البرزخ هكذا قال فليتأمل ويحرر .
وقد حبب لي أن أبسط الكلام على هاتين الدارين بعض البسط لأنهما محل محط رحال الأولين والآخرين فأقول وباللّه التوفيق : قال الشيخ محيي الدين في الباب السادس والعشرين ومائة :
..............................................................
رُسُلُ اللَّهِ [ الأنعام : 124 ] فإن انقطع نفسك على الجلالة كان وإلا فاقصد ذلك ثم ابتدىء اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [ اونعام : 124 ] .
وقال : احذر أن تفي بعهدك ليفي الحق تعالى لك بعهده بل أوف أنت بعهدك ودع الحق يفعل ما يريد فإن من وفى بعهده ليفي الحق له بعهده لم يزده على ميزانه شيئا فاعمل على وفائك بعهدك من غير مزيد .
وقال : إذا ناجيت ربك فلا تناجه إلا بكلامه واحذر أن تخترع من عند نفسك كلاما فتناجيه به فلا يسمعه منك ولا تسمع له إجابة فتحفظ من ذلك فإنه مزلة قدم .
( قلت ) : فلا يليق وضع الأحزاب التي يقرؤها المريدون إلا من الكمل الذين يأخذون عن الحق أو الرسول صلى اللّه عليه وسلم من الوجه الخاص ،
كما قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي اللّه عنه : أخذت حزب البحر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حرفا بعد حرف واللّه أعلم .
وقال : الزم ذكر الاسم المركب وهو الرحمن الرحيم فإنه ببعلبك ورامهرمز .
( وقال ) : خطاب اللّه بضمير المواجهة تحديد بضمير الغائب تحديد ولا بد منهما .
وقال : ما أخبرنا الحق تعالى أنه ينزل إلى سماء الدنيا إلا ليفتح لنا باب التواضع بالنزول إلى ما هو دوننا في زعمنا .
وقال : انظر بعقلك في سجود الملائكة لآدم ما صرفت وجوهها إلى التحت
“ 618“
اعلم أن الدنيا أكمل نشأة من الآخرة ، لأن الدنيا دار تمييز واختلاط وتكليف والآخرة دار تمييز فقط ولا يكون فيها تشريع قط كما في الدنيا إلا في موطن واحد وذلك حين يدعى أهل الأعراف إلى السجود فيسجدون فترجح بتلك السجدة ميزانهم وأطال في ذلك .
ثم قال : واعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالإحسان إلى أمهاتنا وعدم عقوقهن فما قام بذلك الأدب إلا قليل من الناس ومعلوم أن الدنيا هي أمنا التي ولدتنا فإذا قال الواحد منا لعن اللّه الدنيا قالت الدنيا لعن اللّه أعصانا لربه عز وجل كما ورد في الحديث ، ومن لعن أمه فهو عاق لها بلا شك وليتأمل الشخص شدة أدبها وحنوها على أولادها في قولها لعن اللّه أعصانا لربه فما قدرت أن تلعن من لعنها بحكم التعيين ولا على أن تسميه باسمه وهذا من حنو الوالدة وشفقتها على ولدها وفي الحديث : “ الدنيا مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر “ فوصفها بأنها من شدة حنوها على أولادها تذكرهم بالشر وتهرب بهم منها وتزين لهم الخير وتسوقهم إليه فهي تسافر بهم وتحملهم من موطن الشر إلى موطن الخير كل ذلك لشدة مراقبتها إلى ما أنزل اللّه تعالى فيها من الأوامر الإلهية المسماة شرائع فيجب أن يقوم بها أبناؤها ليسعدوا فواعجبا منا كيف لم نتبع أخلاق أمنا ولا وقفنا عند حدود ربنا كما وقفت أمنا فينبغي لكل عبد أن يراقب حال أمه فإن الطفل لا يفتح عينه إلا على أمه ولا يبصر إلا هي ولذلك كان يحبها ويميل إليها طبعا ومن أخلاق الدنيا أنه لا يهون عليها نسبة أحد من أبنائها إلى الآخرة لأنها ما ولدتهم ولا تعبت في تربيتهم ومن عقوقنا لها أننا ننسب الشرور والأنكاد إليها والحال أنها أحوالنا ما هي أحوالها والشر إنما هو فعل المكلف لا فعلها هي ومن أشد ما عليها هي أيضا
..............................................................
إلا وهي مشاهدة للحق تعالى فيه مشاهدة عين . وقال : لو وقفت النفوس مع ما عرفته من الحق لعرفت الأمر على ما هو عليه ، لكنها أبدا تطلب أمرا غاب عنها فكان طلبها عين حجابها فلذلك قال تعالى : وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ الزمر : 67 ]
لشغلها بطلب الباطن الذي غاب عنها واللّه ما بطن عنها إلا ما ليس لها قدم في معرفته ، فما خاطبنا تعالى بأنه الأول والآخر والظاهر والباطن إلا ليعلمنا أن الذي نطلبه في الباطن هو الظاهر فلا نتعب نفوسنا في التفكر فيه .
وقال : إذا أخبرك الحق تعالى في أمور فانظر إلى ما قدم منها في الذكر فاعمل به فإنه ما قدمه حتى تهمهم به فكأنه نبهك على الأخذ به ابدءوا بما بدأ اللّه به لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ الأحزاب : 21 ]
وقال : عطايا الحق كلها نعم وإن أعطانا المنع وخصها العامة بما وافق الغرض وذلك مرض ثبت بالشرع المطهر حكم الحاكم بالشاهد واليمين وقد تكون اليمين فاجرة والشهادة زورا فلا علم مع ثبوت الحكم مع أن الحاكم مصيب للحكم فهو صاحب علم لأن اللّه ما حكم إلا بما علم ، وقد شرع للحاكم أن يحكم بما غلب على ظنه فهو عنده غلبة ظن وعند اللّه علم فافهم .
وقال : الخلافة حكم زائد على الرسالة فإن الرسالة تبليغ والخلافة حكم يقهر .
وقال : إذا ابتلاك الحق تعالى بضر فاسأله في رفعه عنك ولا تقاوم قهره بالصبر تغلب وما سماك
“ 619 “
نسبة أولادها كل ما يفعلونه من الخير إلى الآخرة مع أنهم ما عملوا ذلك إلا في الدنيا وأطال في ذلك ثم قال : فعلم أن للدنيا أجر المصيبة التي في أولادها ومن أولادها انتهى . ولنبدأ بالكلام على النار أعاذنا اللّه منها فنقول : اعلم يا أخي أن جهنم من أعظم المخلوقات وهي سجن اللّه تعالى في الآخرة يسجن فيها المعطلة والمشركين والكافرين والمنافقين أبد الآبدين ودهر الداهرين ، قال تعالى : وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً [ الإسراء : 8 ]
وأما أهل الكبائر من المؤمنين فيسجنون ما شاء اللّه ثم يخرجون وسميت جهنم لبعد قعرها ، يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر وهي مشتملة على حرور وزمهرير ففيها البرد على أقصى درجاته وبين أعلاها وأسفلها خمس وسبعمائة من السنين ولا يخفى أن حرورها إنما هو هواء محرق لا جمرة لها سوى بني آدم والأحجار المتخذة آلهة من دون اللّه
قال تعالى : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [ البقرة : 24 ]
وقال تعالى : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [ الأنبياء : 98 ]
وقال تعالى : فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ( 94 ) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ( 95 ) [ الشعراء : 94 - 95 ]
فأثبت أن الجن لهبها .
قال الشيخ محيي الدين في الباب الحادي والستين من « الفتوحات » : اعلم أن اللّه تعالى يحدث في جهنم آلات على حسب حدوث أعمال الجن والإنس الذين يدخلونها قال : وقد أوجدها اللّه تعالى بطالع الثور ولذلك كان خلقها في الصورة على صورة الجاموس .
قال : هكذا رأيتها في كشفي ونزلت فيها خمس دركات وأريت الجن يصطنعون فيها المقامع قال وكذلك
..............................................................
صابرا إلا من حيث حبسك الشكوى عن الخلق لا عن الحق فافهم .
وما قص اللّه عليك قول أيوب : مَسَّنِيَ الضُّرُّ [ الأنبياء : 83 ]
إلا لتهتدي بهداه وإذا كان يقال لسيد البشر : فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [ الأنعام : 90 ]
فما ظنك بغيره وقال : لا تقل قط إن الحق تعالى وصف نفسه بما هو لنا مما لا يجوز عليه كالنزول والإتيان والضحك ونحو ذلك ، هذا سوء أدب وتكذيب للحق فيما وصف به نفسه دونك بل هو تعالى صاحب تلك الصفة من غير تكييف فالكل صفات الحق وإن اتصف بها الخلق بحكم الاستعارة إذ الممنوع إنما هو نسبتها إلى الحق على حد نسبتها إلى العبد .
وقال : لا يلزم من الفوق إثبات الجهة كذلك لا يلزم من الاستواء إثبات المكان كما مر .
وقال : في حديث « إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت » أي يراه بعد موته لا في حال موته كما توهمه بعضهم فما نفى الشارع إلا رؤية اللّه في الحياة الدنيا لا غير .
وقال : إنما قال تعالى : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [ النحل : 98 ]
ولم يقل إذا قرأت الفرقان فاستعذ لأن القرآن جمع فهو يدعو إبليس إلى الحضور بخلاف الفرقان فإنه يطرده . وقال : من استفهمك فقد أقر لك بأنك عالم بما استفهمك عنه وقد يقع الاستفهام من العالم ليختبر به من في قلبه ريب فيمتاز من يعلم ربه ممن لا يعلمه نظيره يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا * [ الصف : 2 ]
فهذا مؤمن أمر أن يؤمن بما هو به مؤمن . وقال : في حديث : « واللّه أغير مني ومن غيرته حرم الفواحش » أي جعلها حراما محرما كما حرم مكة وغيرها فمن وقع فيها فقد أثم من جهة انتهاك حرمتها قال : وقد تخيل الناس أن
“ 620 “
رآها أبو الحكم بن برجان من طريق كشفه وقد تمثلت لبعضهم صورة حية فتخيل أن تلك الصورة هي التي خلقها اللّه تعالى عليها وليس كذلك ،
قال الشيخ محيي الدين : ولما خلقها اللّه تعالى كان زحل في الثور وكان الشمس والقمر في القوس وكان سائر الدراري في الجدى فكان فيها الأجل ذلك الحر والبرد وإنما كان فيها الجوع لأن اللّه تعالى خلقها من تجلي قوله في “ صحيح مسلم “ : “ جعت فلم تطعمني ومرضت فلم تعدني وظمئت فلم تسقني “ فمن ذلك خلقت جهنم أعاذنا اللّه منها ،
قال الشيخ : ولذلك تجبرت على الجبارين وقصمت المتكبرين وجميع ما يخلق اللّه فيها من الآلام التي يجدها الداخلون فيها فمن صفة الغضب ولا يكون ذلك فيها إلا عند دخول الخلق فيها من الجن والإنس متى دخلوها وأما إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا ألم في نفسها ولا في نفس ملائكتها بل هي ومن فيها من زبانيتها في رحمة اللّه متنعمون ملتذون يسبحون اللّه لا يفترون وأطال في ذلك ،
قال : ومن أعجب ما روينا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان قاعدا يوما في المسجد مع أصحابه فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : “ أتعرفون ما هذه الهدة ؟ قالوا اللّه ورسوله أعلم ،
قال : حجر ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها “ فكان وصوله إلى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة فما فرغ صلى اللّه عليه وسلم من كلامه إلا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللّه أكبر فعلم كبراء الصحابة أن ذلك الحجر هو ذلك المنافق وأنه من حين ولد يهوي في نار جهنم بأعماله في علم اللّه وإن لم يكن مكلفا إلا بعد البلوغ فلما بلغ عمره سبعين مات فحصل في قعرها قال تعالىإِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ[ النساء : 145 ]
فكان سماعهم لتلك الهدة التي أسمعهم اللّه إياها إنما هو ليعتبروا فانظروا ما أعجب كلام النبوة
..............................................................
ذلك إهانة بالفواحش وليس كذلك وإنما هو تعظيم لها من حيث أنها شعائر اللّه وحرماته وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [ الحج : 30 ] فتحريم الوقوع في المحرمات مثل تحريم التفكر في ذات اللّه فإن تحريم التفكر دليل على التعظيم انتهى فليتأمل في معناه .
( وقال ) : في قول علي رضي اللّه تعالى عنه : ما من آية إلا ولها ظهر وبطن وحد ومطلع :
اعلم أن الظاهر من الآية ما أعطاك صورته والباطن منها ما أعطاك ما تمسك عليه الصورة والحد منها ما يميزها من غيرها والمطلع منها ما أعطاك الوصول إليه وأهل الكشف يميزون بين هذه المراتب .
وقال : من ليس كمثله شيء ما هو ذو حياة ولا موت والحياة فإن من خلق الموت والحياة لا ينعت بهما فقد كان ولا هما فهو الحي ما هو ذو حياة .
قال : وكذلك له تعالى الأسماء ما له الصفات فتسمى الصفات أسماء لورودها في الكتاب والسنة . قال تعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [ الأعراف : 180 ] .
وقال تعالى : سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 180 ) [ الصافات : 180 ]
فتنزه عن الصفة لا عن الاسم .
وقال : الملائكة حجبة بين اللّه ورسله والرسل حجبة بين الملك والرعايا فبعد بذلك واللّه إسنادنا والمقصود من الرواية علو الإسناد وكلما قل رجاله علا وقد عرفنا الشارع بذلك فقال : أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ [ يوسف : 108 ]
فزال
“ 621 “
وما ألطف تعريفه وما أحسن إشارته وما أعذب كلامه صلى اللّه عليه وسلم قال الشيخ محيي الدين : ولقد سألت اللّه تعالى أن يطلعني على جهنم وأهلها فأطلعني على ذلك فعرفتها وعرفت مكانها ولولا أنه صلى اللّه عليه وسلم قال في علم اللّه لما سأل عنها تعينت مكانها ولكن الأدب يمنعنا أن نتعدى مقام الأدب معه صلى اللّه عليه وسلم قال : ورأيت أهلها يتخاصمون مع أئمة الضلال الذين أضلوهم ومع أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون اللّه ورأيت صورة خصامهم صورة خصام أرباب المذاهب الشرعية مع أهل المذاهب الزائغة في طلب أدحاض حجج بعضهم بعضا فأنا كلما أرى خصام أرباب المذاهب عندنا مع أهل الزيغ أتذكر خصام أهل النار ورأيت الرحمة كلها في التسليم والتلقي من النبوة والوقوف عند حدود الشريعة والتأدب عند قراءة حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقراءة كلام الأئمة المجتهدين والعلماء العاملين وعدم رفع الصوت عند قراءة كلامهم .
قال ولما اطلعني اللّه عليها رأيت من دركات النار من حيث كونها دارا ما شاء اللّه أن يطلعني ورأيت فيها موضعا يسمّى المظلمة نزلت فيه ما شاء اللّه أن أنزل فعلمت من ذلك الوقت كل عمل يتطوّر نارا أو كل عمل يتطور نعيما وعلمت أن عذاب أهل جهنم ما هو من جهنم حقيقة وإنما هو من أعمال الداخلين وأنشدت في ذلك :النار منك وبالأعمال توقدها * كما تؤججها في الحال تطفيها
فأنت بالطبع منها هارب أبدا * وأنت في كل حال منك تنشيها
إلى آخر ما قال انتهى ،
قلت هكذا قال الشيخ رحمه اللّه ولكن قال علماء الشريعة من قال دخلت الجنة كفر وقياسه أن يكون الحكم كذلك في دخول النار فليتأمل ويحرر ، ولعل قوله
..............................................................
جبريل أنا ومن اتبعني فزال الرسول ومنه قال أبو يزيد : حدثني قلبي عن ربي فعنه أخذ هذا قوله : يا أيها المنكر . وقال : الأحكام تختلف باختلاف الأسماء فإن قلت في سمكة إنها خنزير البحر حرمت هذا حكم الاسم وقال : كرم الكرم هو أن يتكرم العبد على الصفح والعفو بالوجود فيعفو ويصفح لأن العفو والصفح كرم واستعمالهما كرم الكرم وكذلك يقال في إساءة الإساءة فإن المسئ من أتى بما يسوء وإن كان جزاء إلا أن هذا الاسم مقصور حكمه على الخلق فلا يجوز على الحق تعالى أدبا أدبنا به الحق .
وقال : الإسلام والإيمان مقدمتا الإحسان ، مع أن الإيمان له التقدم والإسلام تال وإلا لم يقبل .
وقال : أيضا الإيمان تصديق فلا يكون إلا عن مشاهدة الخبر في التخيل فلا بد من الإحسان والإسلام انقياد والانقياد لا يكون إلا لمن انقاد طوعا وليس ذلك إلا لمن أحسّ بأن الحق آخذ بناصيته فإن لم يحس فما انقاد إلا كرها ، والإحسان أن ترى أنه يراك على المشاهدة .
وقال : ما أجهل من قال : إن اللّه لا يخلق بالآلة وهو يقرأ :وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى[ الأنفال : 17 ]
فكيف بما هو به مؤمن هذا هو العجب العجاب وقد تقدم قولنا : إن السيف آلة لك وأنت والسيف آلة له .
وقال : الأولى أن يقال : الخلق يكون عند وجود الآلة حقيقة لا بالآلة واللّه أعلم ، وقال : التسبيح
“ 622 “
نزلت أي اطلعت كشفا كما يفسره ما تقدم واللّه أعلم ، فعلم أن جهنم إنما هي دار سكنى لأهلها وسجن لهم واللّه تعالى يخلق فيهم أنواع العذاب متى شاء فعذابهم من اللّه وهم محل له .
قال الشيخ محيي الدين : ولجهنم سبعة أبواب مفتحة ليس فيها باب مغلق إلا الباب الثامن الذي هو باب الحجاب عن رؤية اللّه عز وجل فلا يفتح لأهل النار أبدا قال وجميع الكواكب التي في جهنم مظلمة الأجرام عظيمة الخلق وكذلك الشمس والقمر والطلوع والغروب لهما في جهنم دائما فشمس جهنم شارقة لا مشرقة والتكوينات عن سيرها بحسب ما يليق بتلك الدار .
( فإن قلت ) : فما حد جهنم ؟
( فالجواب ) : إن حدها بعد الفراغ من الحساب من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين وذلك كله يزيد في جهنم اتساعا عما هي الآن عليه حيث لا مخلوق فيها وكل مكان لم يذكر الشارع أنه يعود إلى الجنة فإنه يعود كله نارا قال تعالى :وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ( 6 ) [ التكوير : 6 ]
أي أججت نارا من سجرت التنور إذا أوقدته ، قال ومن هنا كره ابن عمر وغيره الوضوء بماء البحر مع قولهم بجواز الطهارة منه وكان بعضهم يقول التيمم أحب إلي من البحر .
قال الشيخ محيي الدين : وأهل الكشف كلهم يرون بحر الملح الآن يتأجج نارا .
( فإن قلت ) : فمن أشد الخلق كلهم عذابا في النار ؟
( فالجواب ) : أشدهم عذابا إبليس لأنه هو الذي سن الشرك وكل معصية .
( فإن قلت ) : إن إبليس مخلوق من النار فكيف جعل اللّه تعالى عذابه بما خلق منه ؟
..............................................................
تجريح لأن المنزه لا ينزه إلا على سبيل الحكاية ونظير ذلك عدم العدم فإنه وجود فليس في الحق تقص حقيقة ينزه عنه وإيضاح ذلك أن التقديس الذاتي يطلب التبري من تنزيه المتنزهين فإنهم ما نزهوا حتى تخيلوا وتوهموا وما ثم متخيل ولا متوهم يتعلق به أو يجوز أن يتعلق به فينزه عنه بل هو القدوس لذاته وأطال في ذلك .
وقال : من قتله أعداء اللّه ما مات بل جمع له بين الحياتين فإن اللّه تعالى اعتنى بيحيى صغيرا وسلط عليه الجبار فقتله كبيرا وما حماه منه ولا يضره ذلك لأن الصغير إنما اعتنى به رحمة به لضعفه فإذا كبر وكل إلى نفسه فإن بقي في كبره بحكم صغره من الضعف صحبته الرحمة وإن ادعى القوة المجعولة ونسي ضعفه الذي كان له في صغره أضاعه اللّه في كبره برد الضعف إليه ، وتأمل الصغير كيف يقبل ويضم إلى الصدر مع استقدار بدنه وثيابه ويشتهي والده حياته والكبير يستقدر ولا يقبل ويتمنى أهله موته .
وقال : في قوله تعالى : إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [ الكهف : 30 ]
والتمني من العمل فمن تمنى أنه لو كان له مال تصدّق به أعطاه اللّه ثواب من أنفق ذلك المال من غير كد ولا نصب .
وقال : لولا عرف طيب أنفاس الأحبة ما فاح المسك لمستنشق أما عرف مقدار طيب والأنفاس وما تعطيه من المعارف الإلهية إلا البهائم ألا تراها تشم بعضها بعضا عند اللقاء ولا تمر بشيء إلا وتميل برؤيتها إليه تشمه وقال : إذا رأيتم العارف يثبت عند واردات الحق ولا يصعق ولا يفنى
“ 623 “
(فالجواب ) : إن اللّه تعالى على كل شيء قدير ألا ترى النفس يكون به حياة الجسم الحساس فإذا منع بالشنق أو الخنق انعكس راجعا إلى القلب فأحرقه من ساعته فهلك من حينه فبالنفس كان حياته وبه كانت وفاته .
( فإن قلت ) : فقد ورد أنه يعذب بالزمهرير المناقض لنشأته فهل يعذب بذلك من خارجه أم من داخله .
( فالجواب ) : لا يأتيه الزمهرير إلا من ذاته لأنه أحد أركانها فيغلب جزء الزمهرير بقية الأركان فيعذب بذلك كما يغلب بعض الأخلاط على الإنسان في دار الدنيا فيتألم بها فيأمره الطبيب بالفصد فلو لا أنه فصد لربما مات ، وبالجملة فكل من دخل النار عذب بكل ركن من أركانه حتى الماء والهواء .
( فإن قلت ) : فكم عدد دركات النار ؟
( فالجواب ) : عددها مائة درك لأنها في مقابلة درج الجنة ولكل درك منها قوم مخصوصون ولهم من الغضب الإلهي الحال بهم آلام مخصوصة .
( فإن قلت ) : فكم أقسام أهل النار الذين هم أهلها ؟
( فالجواب ) : هم أربعة أقسام كما قاله الشيخ في الباب الثاني والستين من “ الفتوحات “ وترجع الأربعة أقسام إلى المجرمين خاصة قال تعالىوَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ( 59 ) [ يس :
59 ] أي المستحقون لأن يكونوا أهلا لسكنى جهنم لا يخرجون منها إلى الجنة أبدا ، القسم
..............................................................
ولا يندك جبل هيكله فاعلموا أنه محبوب ولكن له علامة وهو أنه إذا كان حاله لا يراه خلق إلا صعق إلا أن يكون مثله فما ثبت لتجلي الحق تعالى وأما من يغشى عليه في حاله ويتغير عن هيئته التي كان عليها أو يصعق أو يصيح أو يضطرب أو يفنى فاعلموا أنه غير محبوب وما عنده من الحق شمسه .
( قلت ) : المراد بالواردات الأحوال الباطنة لا المحسوسة لقوله تعالى :وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [ الأعراف : 143 ] مع أنه محبوب بإجماع فافهم . وقال : في قوله تعالى :وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ[ طه : 130 ] اعلم أن المراد بأطراف النهار الصباح والمساء فالمساء ابتداء الليل والصباح انتهاء الليل والنهار هو ما بين الابتداء والانتهاء كما أن الليل كذلك ما بين الانتهاء والابتداء وقد أمرنا الحق تعالى بالتسبيح آناء الليل وأطراف النهار وما تعرض لذكر النهار في هذا الحكم لأنه قال :إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا( 7 ) [ المزمل : 7 ]
أي فراغا فالنهار لك والليل وأطراف النهار لي ، ومن كان مشتغلا باللّه في الليل وأطراف النهار كان اللّه له في النهار لأنه استعداد للتفرغ للحق في الليل والأطراف .
وقال : الشريعة لب العقل والحقيقة لب الشريعة فهي كالدهن في اللب الذي يحفظه القشر فاللب الذي يحفظ الدهن والقشر يحفظ اللب كذلك
“ 624 “
الأول المتكبرون عن أمر اللّه كفرعون والنمروذ وأبي لهب وأضرابهم ،
الثاني المشركون وهم الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ،
الثالث المعطلون وهم الذين نفوا الآلهة جملة فلم يثبتوا للعالم إلها ولا من العالم ،
الرابع المنافقون وهم الذين أظهروا الإسلام من أهل هذه الأقسام الثلاثة للقهر الذي حكم عليهم فخافوا على دمائهم وأموالهم وذراريهم وهم في أنفسهم على ما هم عليه من اعتقاد ما عليه هذه الطوائف الثلاث ، فهؤلاء الأربعة هم الذين لا يخرجون من النار من جن وإنس انتهى .
( قلت ) : فكذب واللّه وافترى من نسب إلى الشيخ محيي الدين أنه يقول بقبول إيمان فرعون ولو أنه كان يقول به ما صرح هنا بأنه من أهل النار الذين لا يخرجون منها أبد الآبدين فإمّا أنه مدسوس عليه كما مرت الإشارة إلى ذلك في الخطبة ، وإما أنه كان تبع فيه القاضي أبا بكر الباقلاني فإنه قائل بقبول إيمان فرعون لأن اللّه تعالى حكى عنه أنه قال لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ولم يحك عنه ما يناقضه بعد ذلك ، وقد انعقد إجماع الأئمة كلهم على عدم قبول إيمانه فإياك أن تنقل عن الشيخ محيي الدين أنه يقول بقبول إيمان فرعون وتخرق الإجماع لا سيما “ الفتوحات “ من أواخر مؤلفاته لأنه فرغ منها قبل موته بنحو خمس سنين واللّه تعالى أعلم .
( فإن قلت ) : فهل في النار دركات اختصاص نظير ما في الجنة من درجات الاختصاص التي ليست هي في مقابلة عمل ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الثاني والستين من “ الفتوحات “ ليس في النار
..............................................................
العقل يحفظ الشريعة والشريعة تحفظ الحقيقة ومن ادعى شرعا بغير عقل لم تصح دعواه كما أن من ادعى حقيقة بغير شرع لا يقبل وقال : جمال صورتك في الآخرة يكون على قدر خواطرك المحمودة في الشريعة هنا وقبح صورتك في الآخرة يكون على قدر قبح خواطرك المذمومة فاجهد في نفسك قبل أن لا ينفعك الندم .
وقال : مرتبتك عند اللّه في التعظيم على قدر تعظيمه في قلبك وحيائك منه فإن اعتنيت به اعتنى بك وإن استحييت منه استحيا منك وإن لم تبال به لم يبال بك فميزانك بيدك ، فإن شئت أرجح وإن شئت أخسر لا تلم إلا نفسك .
وقال : العلم يقتضي العمل فمن قال : إن العلم يوجد بغير عمل فدعواه باطلة ومنزع ذلك دقيق جدا من أجل مخالفة المتعدين حدود اللّه من المؤمنين ،
فربما يقال : لو كانوا عالمين ما خالفوا ، وهم عالمون بلا شك بأن اللّه تعالى حد لهم حدودا معينة حرم اللّه عليهم تعديها فعلمهم بذلك عمل بالعلم ضرورة وما هم عالمون بمؤاخذة اللّه تعالى من عصاه على التعيين ، فما عصى إلا من ليس بعالم بالمؤاخذة فعلم أنه ما خالف عالم علمه قط بل هو تحت تسخير علمه فتأمل فإنه دقيق .
وقال : الأمر الإلهي لا يخالف الإرادة الإلهية أبدا لأنها داخلة في حده وحقيقته وإنما جاء الالتباس في تسميتهم صيغة الأمر أمرا وليست بأمر لمن تأمل ، فإن الصيغة مرادة بلا شك وهذه
“ 625 “
دركات اختصاص إلهي ولا عذاب اختصاص كالجنة لأن اللّه تعالى ما عرفنا أنه يختص بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه يختص برحمته من يشاء فلا يعذب أهل النار فيها إلا بأعمالهم التي عملوها فقط بخلاف أهل الجنة فإنهم ينعمون فيها بأعمالهم وبغير أعمالهم في جنات الاختصاص ، إذ الجنات ثلاثة : جنة أعمال وجنة اختصاص وجنة ميراث
كما سيأتي بيانها في الكلام على الجنة إن شاء اللّه تعالى فكان من كرم اللّه تعالى وفضله أنه ما أنزل أهل النار إلا على أعمالهم خاصة وأما قوله تعالى :زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ[ النحل : 88 ]
فذلك لطائفة مخصوصة وهم الأئمة المضلون المشار إليهم يقول اللّه تعالى :وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ[ العنكبوت : 13 ]
فإنهم هم الذين أضلوا العباد وأدخلوا عليهم الشبه المضلة فحادوا بها عن سواء السبيل فما أنزلوا من النار إلا منازل استحقاق إذ الإضلال معدود من جملة أعمالهم بخلاف أهل الجنة فإنهم ينزلون فيها منازل استحقاق بأعمالهم كما في الكفار ويزيدون عليهم منازل وراثة ومنازل اختصاص .
( فإن قلت ) : فمن أين جاء تقسيم أهل النار إلى أربعة أقسام ؟
( فالجواب ) : لأن اللّه تعالى ذكر عن إبليس أنه يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ولا يدخل أحد النار إلا بواسطته فهو يأتي المشرك من بين يديه ويأتي المتكبر من عن يمينه ويأتي المنافق من عن شماله ويأتي المعطل من خلفه .
( فإن قلت ) : فما الحكمة في الإتيان من هذه الجهات المخصوصة ؟
( فالجواب ) : الحكمة فيه ظاهرة أما المشرك فإنما جاءه من بين يديه لأن المشرك رأى بين
..............................................................
الصيغ هي التي وردت على ألسنة المبلغين وعصيت فما عصى أحد قط أمر اللّه إلا بهذا الاعتبار .
( قال ) : بهذا علمنا أن النهي لآدم عن قرب الشجرة إنما كان بصيغة لغة الملك الذي أوحى إليه به فما وقع لعصيان إلا لصيغة المترجم عن أمر اللّه بلغة نفسه لا لحقيقة أمر اللّه فتأمل ذلك فإنه دقيق .
وقال : أخسر الأخسرين شاهد يشهد على نفسه كما أن أسعد السعداء من شهد لنفسه فهو في الطرفين مقدم على مرتبة من شهد عليه غيره وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين فأشقوا نفوسهم بشهادتهم ولو أنهم علموا الأمر على ما هو عليه لذبوا عن نفوسهم وشهدوا عليها بالفعل لا بالحكم الذي هو المعصية فإن الجوارح لا تعرف إذا شهدت إلا الفعل خاصة وأما الحكم فلا ، فلو شهدوا بالفعل فقط لكان أقل فضيحة وأستر ممن شهد على نفسه بصريح المخالفة والكفر فافهم .
وقال : في حديث “ إن أصحاب الجنة محبوسون “ إنما حبسوا عن الجنة لخروجهم بالمال عن أصلهم الذي هو الفقر مع أن العبد كلما أنفق أخلف اللّه عليه أضعاف ما أنفق فزاده حجابا ولو أنهم وقفوا مع صفة فقرهم ولم يطلبوا الغذاء بمضاعفة الحق
“ 626 “
عينيه جهة غيبته فأثبت وجود اللّه ولم يقدر على إنكاره فجعله إبليس يشرك باللّه في ألوهيته شيئا يراه ويشاهده ، وأما المتكبر فإنما جاءه من جهة اليمين لأن اليمين محل القوة فلذلك تكبر للقوة التي اختص بها من نفسه ، وأما المنافق فإنما جاءه من جهة شماله التي هي الجانب الأضعف لأن المنافق أضعف الطوائف كما أن الشمال في العادة أضعف من اليمين ولذلك كان في الدرك الأسفل من النار وكان يعطى كتابه بشماله ، وأما المعطل فإنما جاءه من خلفه لأن الخلف ما هو محل نظر فقال له ما ثم شيء فهذا وجه حكمة تخصيص إتيان إبليس من هذه الجهات .
قال الشيخ : ولهذه الطوائف الأربعة من كل باب من أبواب جهنم جزء مقسوم وهي منازل عذابهم لأنك إذا ضربت الأربعة أقسام التي هي المراتب في السبعة أبواب كان الخارج ثمانية وعشرين منزلا عدد منازل القمر وغيره من الكواكب السيارة وكان مما ظهر من تسيير هذه الكواكب السيارة وجود ثمانية وعشرين حرفا بها ألف اللّه تعالى الكلمات وبها أظهر الكفر والإيمان في العالم فترجم بها كل شخص عما أضمره في نفسه من إيمان أو كفر أو كذب أو صدق لتقوم حجة اللّه تعالى على عباده بما تلفظوا به .
( فإن قلت ) : فما أسماء أبواب جهنم وما الطوائف الذين يدخلون منها ؟
( فالجواب ) : أما أسماؤها فباب الجحيم وباب سقر وباب السعير وباب الحطمة وباب لظى وباب الحامية وباب الهاوية سميت هذه الأبواب صفات ما وراءها مما أعدت له وأما تعين الطوائف الداخلين من كل باب فهي مبينة في القرآن قال اللّه تعالى في أهل الجحيم : الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ( 11 ) [ المطففين : 11 ] وقال في أهل سقر : ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ( 42 ) قالُوا لَمْ نَكُ
..............................................................
لهم ما أنفقوه ما كان الحق تعالى يعطيهم إلا ما فيه قوامهم لا غير .
وقال : لما انتقل العلم من الكون إليه بظاهر قوله : حَتَّى نَعْلَمَ [ محمد : 31 ]
سكت العارف على ما قيل وما تكلم وتأول عالم النظر هذا القول حذرا مما يتوهم ومرض قلب المتشكك وتألم وسربه العالم باللّه ولكنه تكتم
فقال : مثل قول الظاهري اللّه أعلم فالإلهي علم والمحدث سلم فاحمد اللّه الذي علمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيما وأطال في ذلك
ثم قال : فعلم أن العلم المستفاد للعليم يعم الحديث على هذا والقديم وإن عاندت فافهم قوله : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [ محمد :31 ]
وبما حكم على نفسه فاحكم كنظائره من آيات الصفات ، وإن سئلت عن كيف ذلك فقل اللّه أعلم.
وقال : الذي يظهر لي أن الحق تعالى إنما قال مثل ذلك امتحانا لعباده ليتبين لهم مقامهم والإيمان هل يغلب إيمانهم على عقلهم فيؤمنوا بذلك من غير توقف أم يغلب حكم عقلهم على إيمانهم فيخسروا واللّه أعلم . وقال : للدنيا حكم ليس لأختها والأم لا تنكح على بنتها ومن اتبع المتشابه فقد ضل وزاغ وما على الرسول إلا البلاغ واللّه أعلم .
[ الباب الموفي ستون وخمسمائة في وصية حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء اللَّه تعالى ]
وقال في الباب الموفي ستين وخمسمائة وهو آخر الأبواب : اعلم أن يد اللّه التي هي القوة مع الجماعة وما غلبت قط جماعة إلا عند افتراقهم وكذلك جماعة القائمين بالدين لا
“ 627 “
مِنَ الْمُصَلِّينَ ( 43 ) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ( 44 ) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ( 45 ) [ المدثر : 42 - 45 ]
وقال في أهل السعير وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ [ الملك : 5 ]
وقال في أهل الحطمة : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ( 1 ) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ ( 2 ) [ الهمزة : 1 - 2 ]
إلى آخر النسق وقال في أهل لظى : تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ( 17 ) وَجَمَعَ فَأَوْعى ( 18 ) [ المعارج : 17 - 18 ]
وقال في أهل جهنم : وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ [ الملك : 6 ]
وقال في أهل الهاوية : وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ( 8 ) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ( 9 ) [ القارعة : 8 - 9 ]
وقد نظم هذه الأبواب على الترتيب سيدي الشيخ عبد العزيز الدريني رحمه اللّه فقال :
جهنم ولظى والحطم بينهما * ثم السعير وكل الهون في سقر
وبعد ذاك جحيم ثم هاوية * تهوي بهم أبدا سحقا لمنحدر
يتبع
.
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني :: تعاليق
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
اليواقيت والجواهر وبالحاشية الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني
المبحث الحادي والسبعون : في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام
( فإن قلت ) : فأين تكون جهنم إذا أتى الحق تعالى يوم القيامة في ظلل من الغمام كما يليق بجلاله ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الرابع والستين من « الفتوحات » إن جهنم تكون على المجنبة اليسرى لأن إتيانه تعالى انكشاف حجاب ، كما يقال أتى الملك وخرج على عسكره فشاهدوه وقد سمى اللّه تعالى نفسه ملك يوم الدين وهو ذلك اليوم الذي يجتمع فيه الخلائق أجمعون فيا له من يوم ثم إن الملائكة الذين نزلوا من السماوات تصطف سبع صفوف محيطة بالخلائق أجمعين فإذا أبصر الناس جهنم ولها فوران وتغيظ يفرون بأجمعهم منها لعظيم ما يرونه خوفا وفزعا وهو الفزع الأكبر لأنه ما ثم جمع أكبر منه قط ، ولا يسلم من ذلك الفزع
..............................................................
يغلبون قط في أمر قاموا فيه وكل من عارضهم خذل فإذا تفرقوا غلبوا وكذلك جماعة أعضاء الإنسان إذا اجتمعت لا يغلبها قط شيطان فإذا تفرقت غلبت .
وقال : إذا أشعرت قلبك ذكر اللّه دائما في كل حال فلا بد أن يستنير قلبك بنور الذكر فيرزقك ذلك النور الكشف وإذا جاءك الكشف جاء الحياء يصحبه دليلنا على ذلك استحياؤك من جارك وممن ترى له حقا وأطال في ذلك
وقال في حديث « من هم بحسنة فلم يعملها فأنا أكتبها له حسنة ، ما لم يعملها » ما هنا ظرفية فكل زمان يمر على العبد وهو يحدث نفسه بعمل تلك الحسنة فإن اللّه يكتب له حسنة بلغت تلك الأزمنة من العدد ما بلغت فله بكل زمان حدث نفسه بعمل تلك الحسنة حسنة قال :
وكذلك القول إذا حدث نفسه بعمل سيئة فإن ما فيها ظرفية
كما قلنا : في الحسنة سواء من أنه يكتب عليه سيئة ما دام يحدث نفسه بعملها بالغا ذلك الزمان ما بلغ ثم إن العبد إذا عمل الحسنة التي حدث بها نفسه أو السيئة التي حدث بها نفسه فإن اللّه يكتب الحسنة بعشر والسيئة بواحدة عملا بالعدل في الثانية والفضل في الأولى .
وقال : أعلى المشاهد في السماع من الحق بالقلب أن تحضر بقلبك مع روح محمد صلى اللّه عليه وسلم فتسمع ما يخاطب به الحق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإن خطابه لنبيه ليس كخطابه إياك وحدك لأن حضرة الربوبية ربما يسمع العبد فيها ما لا يقال فتكون
“ 628 “
إلا الطائفة الذين قال تعالى فيهم لا يحزنهم الفزع الأكبر فهؤلاء هم الآمنون على أنفسهم غير أن النبيين منهم يفزعون على أممهم خوفا عليهم للشفقة التي جبلهم اللّه تعالى
وكذلك كل داع إلى اللّه تعالى من كمل ورثتهم فيقولون كلهم في ذلك اليوم اللهم سلم سلم قال : وينصب اللّه تعالى للآمنين منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم في الموقف فيجلسون عليها آمنين مستبشرين وذلك قبل مجيء الرب جل وعلا كما يليق بجلاله فإذا فرّ الناس خوفا من جهنم يجدون ملائكة السماوات صفوفا لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة ودعت الملل إلى المحشر وتناديهم أنبياؤهم ارجعوا ارجعوا فينادي بعضهم بعضا
وذلك قوله تعالى : أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ [ غافر : 32 - 33 ]
ثم يقع النداء من قبل الحق جل وعلا .
قال الشيخ محيي الدين رحمه اللّه : فلا أدري أذلك من نداء الحق تعالى بنفسه أو هو نداء عن أمره يقول في في ذلك النداء يا أهل الموقف ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ثم ينادي أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليلون ثم ينادي ثانيا أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه ،
ثم ينادي ثالثا أين الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فإذا أمر بهذه الطوائف الثلاث إلى الجنة خرج عنق من النار له عينان ولسان بليغ فصيح فإذا أشرف على الخلائق الذين في الموقف قال : يا أهل الموقف إني وكلت اليوم منكم بثلاث كما قال في النداء الأول بالنسبة إلى أهل الجنة كما مر .
قال الشيخ : وهذا كله قبل الحساب والناس وقوف قد ألجمهم العرق واشتد الخوف حتى تصدعت القلوب لهول ذلك المطلع ، قال ثم إذا أشرف ذلك العنق من النار على الناس قال إني وكلت بكل جبار عنيد فيلتقط الجبابرة من بين الصفوف فإذا لم يترك منهم أحدا نادى ثانيا إني وكلت بكل من آذى اللّه ورسوله فيلتقطهم كذلك ثم إنه ينادي ثالثا إني
..............................................................
في ذلك تبعا لنبيك فإن قال فقل ، وإن كتم فاكتم ، وما من حضرة يكون فيها شخص أكبر من نبي أو ولي إلا وكلمة الحضرة مصروفة إليه
وقال : أكابر الرجال أغناهم العيان عن الإيمان لقوتهم على تحمل الأمانة ولو ضعفوا لحجبوا بالإيمان عن العيان ومن هنا كفّر الناس من أفشى أسرار الحضرة ونعم ما فعلوا .
( وقال ) : من كمل في مقام العرفان شاهد الاسم الذي بيده الختم الإلهي الذي يختم به على قلوب أصحاب النبوات والرسالات والولاية أن يدخلها كون بعد أن شهدت جمال الحق إلا على وجه الخدمة والأمر ثم يخرج ذلك الكون بسرعة من القلب ، ثم إن ما وقع بعد ذلك الختم من تعلق الخاطر بحب جارية مثلا فإنما ذلك بحكم الطبع لا بمنزلة السر الرباني المختوم عليه الذي هو بيت .
قال : وأما أسرار العامة فقد ختم عليها والظلمة والعمى فيها فلا تخلص لمحبة اللّه فهي تخبط خبط عشواء .
وقال : عليك بالبحث عن منازع الاعتقادات لتعرف مواطن تنكرات الحق إذا تجلى بخلاف معتقدك في الآخرة فإن كل من لا معرفة له بمراتب التنكرات والتجليات يخشى عليه من الفضيحة فيرجع يقر بما كان ينكره أولا وهذه الحقيقة هي التي تمد المنافقين في نفاقهم والمرائين في ريائهم ومن جرى مجراهم .
“ 629 “
وكلت بكل من ذهب يخلق كخلق اللّه عز وجل فيلتقط أهل التصاوير كلهم وهم الذين يصورون الصور في الكنائس لتعبد من دون اللّه عز وجل كما قال تعبدون ما تنحتون فإنهم كانوا ينحتون لهم الأشجار والأحجار ليعبدوها من دون اللّه عز وجل فهؤلاء هم المراد بالمصورين في الحديث فيلتقطهم من بين الصفوف فإذا أخذهم اللّه تعالى عن آخرهم وبقي الناس وفيهم المصورون الذين لا يقصدون بتصويرهم ما قصد أولئك من عبادتها فيسألون عنها لينفخوا فيها أرواحا تحيا بها وليسوا بنافخين كما في البخاري انتهت .
( قلت ) : ولا يخفى حرمة التصوير للحيوانات وإن لم تعبد واللّه أعلم . وقد ذكرنا حديث مواقف القيامة الخمسين موقفا كل موقف منها ألف عام في أواخر كتابنا “ المنهج المبين “ فراجعه تر ما تشيب منه الرؤوس وتذوب منه الأكباد مما نحن في غفلة عنه الآن فنسأل اللّه الموت على الإسلام آمين .
( فإن قلت ) : إن طعام أهل الجنة في مأدبتهم التي في المرج زيادة كبد الحوت فما طعام أهل النار قبل دخول النار ؟
( فالجواب ) : ما قاله الشيخ في الباب الرابع والستين : إن طعامهم في مأدبتهم المذكورة طحال الثور الذي هو بيت الأوساخ المجتمعة من سائر البدن وهو ما يعطيه الكبد من الدم الفاسد فيعطي ذلك الطحال لأهل النار فيأكلونه ، ومعلوم أن الثور حيوان ترابي طبعه البرد واليبس وجهنم على صورة الجاموس كما مر فيناسب الطحال المذكور أهل النار أشد مناسبة فيما في الطحال من الدمية لا يموت أهل النار وبما فيه من أوساخ البدن والدم الفاسد المؤلم لا
..............................................................
(وقال ) : في قوله تعالى :وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ[ آل عمران : 54 ] المراد بمكر اللّه هو مكر اللّه تعالى بهم فمكرهم هو العائد عليهم فللمكر مسالك يخرج عليها فافهم .
وقال في قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ أصدق بيت قالته العرب ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل “ : اعلم أن الموجودات كلها وإن وصفت بالباطل فهي حق من حيث الوجود ولكن سلطان المقام إذا غابت على صاحبه يرى أن ما سوى اللّه باطل من حيث أنه ليس له وجود من ذاته فحكمه حكم العدم .
قال : وهذا من بعض الوجوه التي يمتاز الحق تعالى به من كونه موجودا عن وجود خلقه مع أنه على الحقيقة ليس بينه وبين خلقه اشتراك بوجه من الوجوه .
وقال : لما كان الإنسان نسخة جامعة للموجودات كلها كان فيه من كل موجود حقيقة بتلك الحقيقة ينظر إلى ذلك الموجود وبها تقع المناسبة فمتى ما أوقفك الحق تعالى على عالم من العوالم أو موجود من الموجودات فقل لذلك الموجود بلسان تلك الحقيقة أنا معك بكليتي ليس أنا غيرك وأنا معك بالذات فإذا سمع ذلك اصطفاك وأعطاك جميع ما في قوته من الخواص والأسرار وهذا لا يتحقق به إلا من ذاق تجلي معية الحق مع كل شيء .
وقال : ما استكبر مخلوق على آخر إلا لحجابه عن معية الحق تعالى مع ذلك المخلوق الآخر ولو شهدها لذل وخضع .
وقال : كل من قيده الظرف فهو
“ 630 “
يحيون ولا ينعمون إنما يورثهم الأكل منه سقما ومرضا بخلاف مأدبة أهل الجنة فإنها زيادة كبد الحوت وهو حيوان بحري مائي من عنصر الحياة المناسبة للجنة والكبد بيت الدم وهو بيت الحياة والحياة حارة رطبة وبخار ذلك الدم هو النفس المعبر عنه بالروح الحيواني الذي به حياة البدن فهو بشارة لأهل الجنة ببقاء الحياة عليهم في النعيم المقيم ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء انتهى .
( فإن قلت ) : فما سبب إماتة اللّه تعالى لعصاة الموحدين في جهنم دون الكفار ؟
( فالجواب ) : سببه إكرام اللّه تعالى للجوارح التي كانت تسبح بحمده وتطيعه وإنما وقعت في المخالفات من حيث إنها كالمجبورة تحت قهر النفس المدبرة للسوء فلوقوعها في المعاصي عذبت ولتوحيدها للّه تعالى أخرجت لأن النار بذاتها لا تقبل خلود موحد فيها أبدا ثم إن جوارح العصاة إذا ماتت فلا تحس بعد ذلك بألم حتى تخرج بالشفاعة فضلا من اللّه تعالى عليها بخلاف الكفار لا تموت لهم جوارح أبدا ليذوقوا العذاب وذلك لأن معصيتهم بالكفر مستصحبة لا تفارقهم ولو أنهم كانوا بقوا أبد الآبدين لكانوا كفارا فلذلك خلدوا في النار من حيث نيتهم . وأما عصاة الموحدين فلهم زاجر من أنفسهم إذا عصوا ويعقبهم الندم .
وإيضاح ذلك كما قاله الشيخ في الباب الموفي ثلاثمائة من “ الفتوحات “ : إن جسد الإنسان كله من حيث طبيعته طائع للّه خائف من عذابه وما من جارحة يرسلها العبد في معصية إلا وهي تناديه لا تفعل ولا ترسلني فيما حرمه اللّه عليك فإني شاهدة عليك وتتبرأ إلى اللّه تعالى من ذلك الفعل وكل قوة وجارحة في العبد بهذه المثابة تنادي أخواتها لا تفعلوا معصية انتهى .
..............................................................
محصور في قيد الأين محبوس في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورا من عنده فما له من نور من ذاته .
وقال : إذا عوين الحق تعالى فلا يعاين إلا من حيث العلم والمعتقد واللّه أجل وأعز من أن يشهد على وجه الإحاطة ،
وقال : احذر أن تدعي الوصلة وجمع الشمل فإني أخاف عليك أن يكون جمعك بك لا به فتكون في عين الفصل والفراق فلا تغالط نفسك .
قال : وعلامة صحّة الوصلة بمشاهدة الحق أنك إذا عكست مرآة قلبك إلى الكون عرفت جميع ما في ضمائر الخلق ويصدقك الناس على ذلك الكشف .
وقال : من كان يأخذ معرفته للحق من الحروف فهو جاهل به فإن الحروف التي أخذ عنها معرفته تحجبه ،
قال : وهذا من الذين يعبدون اللّه على حرف وليس له رائحة من نفحات الجود بل أخذه من الحرف فهو من الكون إلى الكون يتردد بداية ونهاية . وإن لهذا أجر الاجتهاد والدرس ، فالأجر كون أيضا فما خرج هذا من رق الكون ووثاق الحرف .
وقال : من كان من أهل الكمال فهو محجوب عن غيب الأكوان حتى أنه لا يعرف ما في جيبه ولا يفرق بين المحسوسات مع كونها بين يديه جهلا بها لا غفلة عنها ولا نسيانا وذلك لما حققه الحق به من حقائق الوصال . قال سيد هذا المقام “ أنتم أعرف بمصالح دنياكم “ وقال : إياكم أن تعترضوا
“ 631 “
( فإن قلت ) : إن اللّه تعالى قد جعل الكي بالنار في هذه الدار وقاية ودفعا لألم أشد من النار فهل يكون إحراق الموحدين في النار كذلك دفعا لما هو أشد من الحرق ؟
( فالجواب ) : نعم إحراق الموحدين في النار دفعا لما هو أشد منه وهو غضب اللّه السرمدي فما سكن الغضب الإلهي إلا بحرقهم بالنار نظير ما يضرب الإنسان غلامه أو عبده ثم يرضى عنه وهذا من رحمة اللّه تعالى بالموحدين ومن هنا قال بعضهم : مت مسلما ولا تبالي بخلاف المشركين فإن عذابهم لا ينقطع فكانت النار لأصحاب الكبائر من الموحدين الذين ماتوا على غير توبة مقبولة كالكي بالنار في الدنيا ولذلك ورد أنهم يخرجون من النار قد امتحشوا فيلقون في نهر على باب الجنة نظير ما يخرج صاحب الكي بالنار إلى العافية
ذكره الشيخ في الباب الثامن والثمانين من « الفتوحات » وقال : هذا كله على جعل النار وقاية كالحدود الدنيوية فإن اللّه تعالى جعلها وقاية من عذاب الآخرة ولهذا سميت كفارات والكفر الستر فهو يستر العاصي عن عذاب الآخرة ولهذا قلنا في قوله تعالى : إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً [ المائدة : 32 ]
إلى آخره أن المراد بهم الكفار لا الموحدون لأن اللّه تعالى لما عاقبهم في الدنيا بالقتل والصلب وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف لم يجعل تلك العقوبات كفارة مثل ما جعلها في الحدود في حق الموحدين بل قال ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [ المائدة : 33 ]
وهذا لا يكون إلا للكفار إذ العذاب العظيم هو الذي يعم الظاهر والباطن بخلاف أهل الكبائر من الموحدين كما مر فإن اللّه تعالى يميتهم في النار إماتة حتى يعودوا حمما شبه الفحم فإذا لم يحسوا بالعذاب في موتهم ليس لهم حظ
..............................................................
على المجتهدين وتجعلوهم محجوبين على الإطلاق فإن لهم القدم الراسخ في الغيوب وإن كانوا يحكمون بالظنون فظنونهم علوم وما بينهم وبين أهل الكشف إلا اختلاف الطريق لكن أهل الكشف يدعون إلى اللّه على بصيرة لصدقهم في الاتباع بوقوفهم على حد ما ورد وأهل الاجتهاد يحكمون اليوم بحكم ثم يرجعون عنه غدا فليسوا على بصيرة إذ البصيرة لا يرتفع حكمها إلا بورود أمر جديد من الشارع .
وقال : من الأولياء من يتكلم على الخاطر وما هو مع الخاطر ومنهم من يطلع على الأقدار قبل نزولها إلى الأرض فإن القضاء يدور في الجو من مقر فلك القمر إلى الأرض ثلاث سنين وحينئذ ينزل ، وهذا المقام يسميه القوم فهم الفهم .
وقال : الكامل لا يقول : اللّهم لا تفضح سرائرنا لاستواء سريرته وعلانيته وإنما يقول ذلك من لم يبلغ مقام الكمال . قال : ولقد بلغني عن الشيخ أبي الربيع المالقي الكفيف الأندلسي أنه سمع تلميذه أبا عبد اللّه القرشي المبتلى يقول : اللّهم لا تفضح لنا سرائرنا
فقال له الشيخ : يا محمد ، ولأي شيء تظهر للحق ما لا تظهر للخلق هلّا استوى سرك وعلانيتك مع اللّه فتنبه القرشي واعترف واستعمل ما دله عليه الشيخ وأنصف فرضي اللّه عنهما من شيخ وتلميذ .
“ 632 “
في العذاب العظيم لأنهم محروقون بالنار مثل الجمرات ثم إن النار تفعل بواسطة الجمرات التي ظهرت فيها أمرا آخر فيه منفعة كما تنفع النار تحت القدر في إنضاج ما فيه ولولا إنضاجه ما ساغ أكله ، إذا فهمت ذلك علمت حكمة تأثير النار التي هي تحت أرض الجنة وأنها إنما جعلت لتؤثر في فواكه الجنة النضج والإصلاح فإن مقعر أرض الجنة هو سقف النار والشمس والقمر والنجوم كلها في النار فتفعل في الأشياء هنالك علوا ما كانت تفعله هنا سفلا ألا ترى أن أرض الجنة كلها مسك وهو حار بالطبع لما فيه من النار وأشجار الجنة كلها مغروسة في تلك التربة المسكية كما يقتضي ثبات هذه الدار الدنيا جعل الزبل تحته لما فيه من الحرارة الطبيعية لأنه معفن والحرارة تعطي التعفين في الأجسام القابلة للتعفين انتهى .
( فإن قلت ) : فهل لأهل النار أن يتبوءوا من النار حيث شاءوا كأهل الجنة أم هم محبوسون في أماكنهم لا يبرحون ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الثالث وأربعين وثلاثمائة : إن أهل النار لا يتبوءون وإنما هم محبوسون في أماكنهم لا يبرحون وإيضاح ذلك أنهم لو كان لهم التبوؤ حيث شاءوا ما استقروا حتى تنضج جلودهم فكان من رحمة اللّه تعالى الخفية بهم من حيث لا يشعرون عدم تبوئهم فإن العذاب المستصحب أهون من العذاب المجد فلو كانوا ينتقلون من مكان إلى مكان لكانوا يذوقون في كل مكان ينتقلون إليه عذابا جديدا إلى حصول الإنضاج وذلك أشد العذاب .
( فإن قلت ) : فما الدليل على عدم تبوأ أهل النار من القرآن ؟
( فالجواب ) : الدليل على ذلك قوله تعالى :وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً[ الإسراء : 8 ] أي
..............................................................
وقال : إذا جمعك الحق به فرقك عنك فكنت صاحب تأثير في الوجود ، وإذا جمعك بك فرقك عنه فقمت في مقام العبودية فهذا مقام الخلافة فاختر أي الجمعين شئت .
قال : ولا يخفى أن جمعك بك أعلى من جمعك به ، لأن جمعك بك يكون الحق مشهودك ، وفي جمعك به غيبتك عنك باشتغالك به عن مقام عبوديتك فافهم .
وقال : احذر من لذة الأحوال فإنها سموم قاتلة وحجب مانعة ، فإنها أي الأحوال تسيدك على أبناء الجنس فيستعبدهم لك قهر الحال فتسلط عليهم بنعوت الربوبية وأين أنت في ذلك الوقت مما خلقت له فعليك بالعلم فإنه أشرف مقام لأنه لا يزيدك إلا معرفة بنقائصك ،
قال : والأحوال كالبروق فكما لا تفوتك فكذلك لا تفوتها أنت فإنها نتائج الأوراد وكل من طلب ما لا بد له منه فهو جاهل وما اتّخذ اللّه من ولي جاهل .
وقال : العارف لا يأمن مكر اللّه طرفة عين وقد يكون ممن صار يسمع نداء الحق فيرجع من ذلك المقام ويحجب عن سماع الحق بشهود الكون فيتولّد عنده صمم عن سماع نداء الحق فإذا نودي من الكون سمع فضل وأضل نعوذ باللّه من ذلك .
( وقال ) : إياك أن تدعي معرفة ذات خالقك فإنك في المرتبة الثانية من الوجود وإن فنيت ،
“ 633 “
سجنا لأن المحصور ممنوع من التصرف فرحم اللّه الكفار من حيث لا يشعرون بعدم التبوؤ في النار كما مكر بهم في دار الدنيا من حيث لا يشعرون ونظير ذلك المضروب في بيت الوالي مثلا يحس بالألم أولا فإذا تحضرت أعضاؤه غاب عن الإحساس بالألم فهذا الجزاء اليسير من عدم الإحساس هو من الرحمة التي سبقت الغضب في أهل النار في بعض الأوقات.
( فإن قلت ) : فهل تتزاور أهل النار كما تتزاور أهل الجنة ؟
( فالجواب ) : نعم يتزاورون لكن لا يتزاور إلا أهل كل طبقة مع بعضها فقط فيتزاور المجرورون مثلا لبعضهم بعضا والمقرورون لبعضهم بعضا فلا يزور مقرور مجرورا ولا عكسه وأطال في عذاب أهل التنويه والتثليث في الباب الثالث وأربعين وثلاثمائة .
( فإن قلت ) : فما المراد بقوله صلى اللّه عليه وسلم في حديث البيهقي “ أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب وإن عذابها في الدنيا الزلازل والفتن والبلايا والمحن “ الحديث بمعناه وفي رواية أخرى “ عذاب أمتي في دنياها “ وإذا كانوا كذلك فأين العصابة الذين يدخلون النار من الموحدين .
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الرابع والأربعين وثلاثمائة : إن المراد بقوله ليس عليها في الآخرة عذاب أي مسرمد بدليل الأحاديث الصحيحة الواردة في دخول طائفة من هذه الأمة النار من الموحدين ولكن من رحمة اللّه تعالى بهم إماتتهم في النار كما مر آنفا حتى لا يحسوا بما تأكل النار منهم وذلك لأن النفوس المتألمة هي الموحدة المؤمنة والإيمان والتوحيد
..............................................................
فما عرف الواحد تعالى إلا هو فجل معنى التوحيد عن الذوق وما لنا منه سوى التجريد وهو المعبر عنه عند القوم بالتوحيد .
وقال : لو كان الحق تعالى علة لارتبط والمرتبط لا يصح له الكمال فهو تعالى خالق العلل .
وقال : اجتمعت روحي بالحلاج فقلت له : لم تركت بيتك يخرب فتبسم ،
وقال : لما استطالت عليه أيدي الأكوان حين أخليته وخلفت هارون في قومي استضعفوه لغيبتي فأجمعوا على تخريبه فلما هدموا من قواعده ما هدموا وكنت قد فنيت رددت إليه بعد الفناء فأشرفت عليه وقد خلت به المثلات فأنفته نفسي وقلت : لا أعمر بيتا تحكمت فيه يد الأكوان فانقبضت عن دخوله فقيل : مات الحلاج والحلاج ما مات ولكن البيت خرب والساكن ارتحل .
وقال : ولما غاصت رجل جمل ابن عطاء ،
قال ابن عطاء : جلّ اللّه ، فقال الجمل : جل اللّه عن إجلالك هذا فإنه كما يطلبه الرأس من فوق كذلك تطلبه الرجل من أسفل .
وفي الحديث : “ لو دليتم بحبل لهبط على اللّه “ قال : فكان الجمل أعرف باللّه من ابن عطاء وكان من مشايخه .
وقال : التوحيد الذي يستحقه الحق لا يعرفه إلا الحق فإذا وجدناه فإنما نوحده بتوحيد الرضا ولسانه فإن توحيد الاستحقاق لا يكون معه علم ولا هم ، ولا اختيار ولا شيء والعاقل لا يدخل دارا لا يعرفها فربما كان فيها مهاوي ومهالك فيهلك لا يعرف الدار
“ 634 “
يمنعان قيام الآلام والعذاب إلى غير نهاية فما حرقوا وصاروا حمما إلا وهم أموات والميت لا يحس بما يفعل به ولو تصور علمه بالحرق لم يحس به إذ ليس كل ما يعلمه العبد يحس به فلذلك كان لا بد من رفع العذاب عن الموحدين وأنهم إن دخلوا النار فإنما ذلك تحقيق للكلمة الإلهية فلا يبقى في النار من قال لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ولو مرة واحدة في عمره ومات على ذلك انتهى .
( فإن قلت ) : فما معنى قوله تعالى في أهل النار حين ذاقوا العذاب وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [ الأنعام : 28 ] مع أنهم قالوا في محل يصدق به الكذوبرَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [ فاطر : 37 ] ؟
( فالجواب ) : إنما قالوا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل بلسان الحالة التي هي حالّة بهم لظنهم أنها تدوم معهم إذا رجعوا إلى الدنيا وهي لا تدوم فإنهم إذا رجعوا إلى الدنيا رجعوا بحكم القبضتين وهو عملهم بعمل الأشقياء لا يمكنهم أن يعملوا بعمل السعداء
وإيضاح ذلك كما قاله الشيخ في الباب الرابع والخمسين وثلاثمائة : إن اللّه تعالى خلق الإنسان على مزاج يقبل النسيان والغفلة ويقبل أيضا ضد ذلك على حسب ما يقام فيه فهو تعالى يعلم من نشأة هؤلاء الذين لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه أنهم لا يرجعون إلى الدنيا إلا بتلك النشأة فينسون ما ذاقوه من عذاب النار وما قالوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ الأنعام : 27 ]
إلا بلسان النشأة التي هم فيها لتخليهم أن ذلك العلم والذوق الذي حصل عندهم في النار يبقى عليهم ولو أنه بقي معهم لما كانوا يعودون لما نهوا عنه إذا ردوا إلى الدنيا ألا ترى إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم “ يؤتى في القيامة بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة
فيقال له : هل رأيت نعيما قط فيقول
..............................................................
إلا بانيها وقد مناك الحق تعالى دارا له لتعمرها به ما أنت بنيتهاأَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ ( 58 ) أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ ( 59 ) [ الواقعة : 58 - 59 ]
فقف عند باب دارك حتى يأخذ الحق بيدك ويمسك فيك . وقال : كم ماش على الأرض والأرض تلعنه وكم ساجد عليها وهي لا تقبله ، وكم داع لا يتعدى دعاؤه لسانه ولا خاطره محله وكم من ولي حبيب في البيع والكنائس وكم من عدو بغيض في الصلوات والمساجد حقت الكلمة ووقفت الحكمة ونفذ الأمر ، فلا زيادة ولا نقصان ، لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه ، انقطعت الرقاب وسقط في الأيدي وتلاشت الأعمال وطاحت المعارف وقصمت الظهور بقوارع الدهور وأهلك الكون السلخ والخلع يسلخ من هذا ويخلع على هذا .
وقال : أكثر من قول : لا إله إلا اللّه فإنها كلمة الإسلام وهي أفضل الذكر لما تحتوي عليه من زيادة العلم لجمعها بين النفي والإثبات .
( وقال ) : إياك ومعاداة أهل لا إله إلا اللّه فإن لهم من اللّه الولاية العامة ، فهم أولياء للّه وإن أخطأوا أو جاءوا بقراب الأرض خطيئة لا يشركون باللّه شيئا فإن اللّه يتلقاهم بمثلها مغفرة ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته وكل من لم يطلعك اللّه على عداوته للّه فلا تتخذه عدوا ، وأقل
“ 635 “
لا واللّه “ ومعلوم أنه رأى في الدنيا نعيما ولكن حجة شاهد الحال عن هذا النعيم فنسيه وكذلك ورد في صاحب البؤس إذا غمس في الجنة غمسة فيقال له : هل رأيت يوما بؤسا قط فيقول لا واللّه ما رأيت بؤسا قط وأطال في ذلك
ثم قال : فعلم أن جميع المؤمنين يعلمون بإنفاذ الوعيد في حق طائفة منهم لكن غير معينة لأنها لو تعينت العقوبة لواحد منهم في دار الدنيا وأنه هو الذي ينفذ فيه الوعيد لما أقدم على سببها أبدا انتهى .
( فإن قلت ) : فمن أكثر عصاة الموحدين مكثا في النار ؟
( فالجواب ) : قد ذكر الشيخ في علوم الباب التاسع والستين وثلاثمائة ما نصه : اللّه تعالى لم يطلعني على مدة أكثر العصاة مكثا في جهنم قال وإنما استروحنا من قوله تعالى :فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[ المعارج : 4 ]
أن آخرهم مكثا من يمكث فيها هذا القدر قال وما نحن من كمال الخمسين ألفا على يقين فهذه هي مدة إقامة الحدود على الموحدين من أهل الكبائر
قال : وكل ذلك في يوم القيامة وليس السرمدي إلا لأهل النار الذين هم أهلها فإذا انقضى يوم القيامة لم يبق أحد من عصاة الموحدين في النار أبدا فرحم اللّه عبدا أطلعه اللّه على مدة إقامة العصاة في النار على التحديد فألحقه بهذا الكتاب فإني إنما علمت ذلك مجملا من غير تفصيل.
( فإن قلت ) : فما معنى قوله تعالى :وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ[ الفجر : 23 ] لم لم تأت بنفسها لأهلها عند الميقات ؟
..............................................................
أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره فإذا تحققت أنه عدو للّه وليس إلا المشرك فتبرأ فلا تعاد عباد اللّه بالإمكان ولا بما ظهر على اللسان وإنما تعاديهم بالعلم وأنى لك به وأطال في ذلك . ثم قال : وعليك بالشفقة والرحمة لجميع خلق اللّه من حيوان ونبات وجماد ، ولا تقل هؤلاء ما عندهم خبر بما نفعله معهم ، نعم معهم الخبر ، وأنت الذي ما عندك خبر ،
وقال : احذر أن تحتقر شيئا من عملك فإن اللّه ما احتقره حين خلقه وأوجده وما كلفك بفعل أمر إلا وله بذلك الأمر اعتناء وعناية حتى كلفك به مع كونك أعظم في الرتبة عنده من حيث كونك محلا لما كلفك به من الفعل وسببا لوجوده فلولاك ما ظهر للعمل صورة عليك بمراعاة أقوالك كما تراعي أعمالك فإن قولك معدود من جملة أعمالك وفي الحديث : “ إن اللّه عند لسان كل قائل “ فما نهاك اللّه أن تتلفظ به فلا تتلفظ به وإن لم تعتقده فإن اللّه سائلك عنه وعليك بمراعاة الحق فيما أعطاك وفيما منعك فإنه ما منعك إلا لتصبر فيحبك فإنه يحب الصابرين ، وما أعطاك إلا لتشكر فيحبك فإنه يحب الشاكرين .
وقال في حديث : “ لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون اللّه فيغفر لهم “ إنما قال : “ ولجاء بقوم وما اكتفى بإذهابهم لئلا تتعطل الأحكام الإلهية “ فإنه تعالى ما قضى على عباده بالوقوع في الذنوب إلا ليستغفروه فيغفر لهم.
( وقال ) : الاتباع في ترك تسنين ما سكت عنه الشارع صلى اللّه عليه وسلم أولى من التسنين وأكثر أجرا
“ 636 “
(فالجواب ) : إنما لم يصفها الحق تعالى بالمجيء من ذاتها مع علمها بما هي عليه من أسباب الانتقام من العباد لما جبلها اللّه تعالى عليه من العلم برحمة اللّه التي وسعت كل شيء فمنعتها الرحمة الكامنة فيها من المبادرة للإتيان فإنها ما وقعت عينها إلا على مسبح للّه تعالى بحمده مطيع لإرادته فلذلك جيء بها ليعلم الذي لا يدخلها ما أنعم اللّه تعالى عليه مما لم يكن يعلمه وليعلمه أيضا من يدخلها بأنه بالاستحقاق يدخلها فتجذبه بالخاصة إليها جذب المغناطيس للحديد وهو قوله عليه الصلاة والسلام “ أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش “ انتهى .
( فإن قلت ) : فهل لأهل النار حظ من النعيم في وقت من الأوقات ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب العشرين من “ الفتوحات “ نعم لأهل النار حظ من النعيم ، ولكن صورة نعيمهم عدم توهمهم وقوع العذاب بهم كما أن حظهم من شدة العذاب توقعه لأنه لا أمان لهم .
بطريق الأخبار عن اللّه تعالى فلا يفتر عنهم العذاب فلم يزالوا في غشية من العذاب بعد غشية وإفاقة بعد إفاقة ففي حال الغشية يعذبون بالعذاب المتخيل وفي حال الإفاقة يعذبون بالعذاب المحسوس وقد يطول زمن الغشية نحو عشرة آلاف سنة وقد يطول زمن الإفاقة فيعذبون خمسة عشر ألف سنة وهكذا أبد الآبدين ودهر الداهرين . فعلم أن أشد العذاب على أهل النار ما يقع في نفوسهم من التوهمات فإنهم لا يتوهمون قط عذابا أشد مما هم فيه ألا تكون في نفوسهم لوقته .
( فإن قلت ) : فهل عند أهل النار الذين هم أهلها نوم ؟
..............................................................
وإن كان ذلك بدعة حسنة فإن من سن فقد كلف الأمة ما يشق عليها ولو كان ذلك محمودا لكان صلى اللّه عليه وسلم أولى به فاجعل بالك لما ذكرته لك فعلم أن كل من لم يكلف الأمة بأكثر مما ورد فهو حكيم الزمان فإنه لا أعلى مما وضعه الكامل المكمل .
وقال : قم في الأسباب من غير اعتماد عليها فإن اللّه ما نهاك عن القيام في الأسباب وإنما نهاك عن الركون إليها والاعتماد عليها كما أشار إليه قوله تعالى :وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ( 106 ) [ يوسف : 106 ]
يعني هذا الشرك الخفي الذي هو الاعتماد على الأسباب فإن رأيت نفسك يا أخي تسكن إلى الاعتماد على الأسباب فاتّهم إيمانك وإن رأيت نفسك يتساوى عندها فقد السبب المعين وحالة وجود السبب ، فاعلم أنك مؤمن حقا وهناك يرزقك اللّه من حيث لا تحتسب فمن ادّعى كمال التوكل ورزق من حيث يحتسب فما هو ذلك الرجل .
قال : ومن الرزق الذي لا يحتسبه العبد أن يأكل مما في خزائنه وتحت تصريفه وهو غير معتمد عليه ولأنه ليس في حسابه أن اللّه يرزقه ولا بد من الذي هو حاصل عنده فما رزق هذا إلا من حيث لا يحتسب ،
وقال : وهذا أمر دقيق لا يشعر به إلا أهل اللّه عز وجل فاعلم ذلك .
( وقال ) : احذر أن تريد في الأرض علوا أو فسادا أو الزم الذل والانكسار والخمول ، فإن
“ 335 “
(فالجواب ) : ليس عندهم نوم وإنما النوم خاص بعصاة هذه الأمة من الموحدين فقط وذلك هو القدر الذي يتنعمون به في النار ويستريحون به في بعض الأوقات ثم إن عصاة الموحدين إذا ناموا يكون نعيمهم في منامهم الرؤيا الحسنة فيرى نفسه مثلا أنه خرج من النار ودخل الجنة وصار في فرح وسرور وأكل وشرب وجماع بين أهله وإخوانه ثم إذا استيقظ لا يرى شيئا كما يقع لأهل الدنيا إذا ناموا وبعض أهل النار من الموحدين قد يرى في منامه أيضا ما يسوءه فيعذب في منامه أيضا فيرى أنه في بؤس وضر وعقوبة وفراش من شوك ونحو ذلك نسأل اللّه العافية .
( فإن قلت ) : قد بلغنا أن إبليس يكون في الطبقة الوسطى من النار التي هي الرابعة فهل ذلك تخفيف لعذابه .
( فالجواب ) : ليس ذلك تخفيفا للعذاب وإنما ذلك للإحاطة والشمول ، فهو ملء النار فلا يعذب أحد فيها إلا وإبليس مشارك في عذابه لأنه كان سببا في تعذيبه وفي الحديث “ من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة “ فبهذا الاعتبار كان ملء النار بحقيقته فكونه لا يدخل أحد النار إلا بواسطته هو سر مستقره في النار في الطبقة الرابعة فليس ذلك تخفيفا عنه بالنسبة للدركات السفلية كما مر .
( فإن قلت ) : فهل تكون أقسام أهل النار الأربعة السابقة أول المبحث أيضا في الجن كما هي في الإنس ؟
( فالجواب ) : ليس في الجن مشرك ولا منافق ولا معطل وإنما هم كفار فقط ويؤيد ذلك
..............................................................
أعلى اللّه تعالى كلمتك فما أعلاها إلا الحق وذلك بأن يرزقك الرفعة في قلوب الخلق وإيضاح ما قلناه أن اللّه تعالى ما أنشأك إلا من الأرض فلا ينبغي لك أن تعلو على أمك واحذر أن تتزهد وتتعبد وتتكرم وفي نفسك استحلاء ذلك لكونه يرفعك على أقرانك فإن ذلك من إرادة العلو في الأرض .
وقال : إنما رغب الشارع أمته في ترك الجدال والمراء وإن كان محقا خوفا أن يسمع ذلك من لا فهم له فيعمل بذلك المذهب الباطل مثلا حين ترك صاحبه ظاهر الحجة والمغالبة على خصمه ، ثم إن النفس ربما تخدع صاحبها وتقول له : إنما تجادل لنصرة الحق أو لتنقيح الذهن لنصرة الأقوال الواهية التي قام بها إمام مذهبه وما علم هذا أن اللّه عند لسان كل قائل بل المجادل في عين حضرة الحق وإن لم يشعر وإذا كنا نهينا عن رفع أصواتنا بحضرة الأكابر فكيف بحضرة الحق تعالى فافهم .
( وقال ) : لما رأى أهل اللّه أن العبد لا يقدر أن يأتي بخلق كريم يوافق مزاج كل الناس أشغلوا نفوسهم بما يرضي اللّه عز وجل فقط ، فالمؤمن يرضيه ما يرضى به اللّه ، والمنافق لا يبالي إذا سخط علينا في ذلك لأنه عدو اللّه .
وقال : عليك بمشاركة جميع أصحاب الهموم
“ 638 “
قوله تعالى :كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ[ الحشر : 16 ]
فألحق اللّه تعالى الشيطان بالكفار ولم يلحقه بالمشركين وإن كان هو الذي يوسوس للخلق بالشرك حتى يشركوا فكل مشرك كافر ضمنا وليس كل كافر مشركا لأن من قال إن اللّه تعالى هو المسيح ابن مريم كافر وليس بمشرك .
( فإن قلت ) : فهل قول إبليسإِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ[ الحشر : 16 ] توحيد ؟ فإن كان توحيدا فلم لم يسعد به ؟
( فالجواب ) : هو توحيد ولكن كتوحيد المنافق بلسانه فقط دون قلبه فكان الحكم عليه بالكفر والشرك والنفاق والتعطيل في هذه الدار كحكمنا على أهل هذه الصفات في الآخرة سواء ، وقد انعقد إجماع الملل كلها على كفره وأنه لا يصح أن يسلم قط حقيقة لأنه لو تصور إسلامه حقيقة لم تجد الكفار والعصاة من يوسوس لهم بالوقوع في الكفر والمعاصي ولا بد لكل عاص من واسطته فهو أول من سن الشرك والكفر وسائر المعاصي .
ثم بتقدير أن قولهإِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ[ الحشر : 16 ]
توحيد فما نحن على يقين من استدامة ذلك إلى الممات لأن اللّه تعالى أخبر عنه أنه يخطب لأهل النار في النار ، وقد سئل الشيخ محيي الدين عن قول إبليسإِنِّي أَخافُ اللَّهَهل هو توحيد ؟ فقال ليس ذلك بتوحيد لأن إبليس أشقى الأشقياء وهو أول شقي من الجن فهو ولو وحد بلسانه فليس ذلك بتوحيد شرعي يقبل منه ، انتهى ،
ذكره في الباب التاسع من الفتوحات وذكر في الباب الرابع والستين أن النار بذاتها لا تقبل خلود موحد فيها بأي وجه كان توحيده وإبليس مخلد في النار بالإجماع وفي
..............................................................
والرزايا في أنفسهم وأموالهم وأولادهم وإخوانهم إن أردت أن تثبت لك أخوة الإيمان فإن اللّه قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء الإنسان الواحد ، واحذر من الاكتراث بما يصيبك من الرزايا في هذه الدار فإن اللّه ما ابتلاك بها إلا تمحيصا لذنوبك حتى تلقاه طاهرا مطهرا من الذنوب فاشكر اللّه على ذلك .
وقال : عليك بتلاوة القرآن ولو ثلاثة أحزاب كل يوم ولا تهجره كما يفعل ذلك طلبة العلم وبعض المتصوفة زاعمين أنهم قد اشتغلوا بما هو أهم من ذلك وهو كذب وزور فإن القرآن مادة كل علم في الدنيا فلا تكن ممن يهجر تلاوته بل اتله إن استطعت آناء الليل وأطراف النهار واستنبط منه ما شئت من العلوم ، كما كان عليه الأئمة المجتهدون وانظر في تلاوتك يا أخي إلى كل صفة مدح اللّه بها عباده فافعلها أو اعزم على فعلها وكل صفة ذم اللّه تعالى عباده على فعلها فاتركها أو اعزم على تركها فإن اللّه ما ذكر ذلك ونزّله في كتابه إلا لتعمل به فإذا حفظت القرآن عن تضييع العمل به كما حفظته تلاوة فأنت الرجل الكامل . وقال :
حياة الذاكر للّه عز وجل متصلة دائمة لا تنقطع بالموت فهو حي وإن مات كانت حياته أحيا وأتم من حياة الشهيد في سبيل اللّه إلا أن يكون الشهيد من الذاكرين اللّه كثيرا فإن له حينئذ حياتان حياة الشهادة وحياة الذكر ، فالذاكر للّه حي وإن مات وتارك الذكر ميت وإن كان في
“ 639 “
“ صحيح مسلم “ “ من مات وهو يعلم أن لا إله إلا اللّه دخل الجنة “ فلم يقل وهو مؤمن ولا قال من مات وهو يقول بل أفرد العلم فلا يبقى بعد الشفاعات في النار أحد ممن عمل عملا مشروعا من حيثما هو مشروع بلسان نبي ولو كان مثقال حبة من خردل فما فوق ذلك في الصغر فيخرجون كلهم بشفاعة أرحم الراحمين .
( فإن قلت ) : فلم خص اللّه تعالى الجباه والجنوب والظهور بالحرق لمن كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل اللّه ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب السبعين : إنما خص اللّه تعالى الكي بهذه الأعضاء الثلاثة لأن صاحب المال إذا رأى السائل مقبلا إليه انقبضت أسارير جبهته لعلمه بأنه يسأله يتبع
.
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
اليواقيت والجواهر وبالحاشية الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني
المبحث الحادي والسبعون : في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام
من ماله فتكوى جبهته بما منعه ، ثم إن الغني يتغافل عن السائل ويعطيه جانبه كأنه ما عنده منه خبر فيكوى بها جنبه فإذا عرف من السائل أنه يطلب منه ولا بد أعطاه ظهره وانصرف فيكوى بها ظهره هذا حكم مانعي زكاة الفضة والذهب في النار انتهى .
( فإن قلت ) : فلم كانت أبواب جهنم سبعة ؟
( فالجواب ) : لأنها على عدد أعضاء التكليف الظاهر سواء وباب القلب مطبوع عليه لا يفتح من حين طبع اللّه عليه وما ذكر سبحانه وتعالى من أبواب النار إلا السبعة التي يدخل منها الناس الجنان وأما الباب المغلق الذي لا يدخل منه أحد فهو في السور باطنه فيه الرحمة لإقرار العبد بوجود اللّه ربا واعترافه بعبوديته له وظاهره من قبله العذاب بالنار التي تطلع على الأفئدة .
..............................................................
الدنيا حيا بحياته الحيوانية .
وفي الحديث “ مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت “ فيخرج من ذلك أن حياة الذاكرين من حياة الشهيد إذا لم يكن من الذاكرين . وفي الحديث : “ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضرب رقابكم وتضربوا رقابهم “ ، قالوا : بلى يا رسول اللّه ،
قال : “ ذكر اللّه “ فذكر ضرب الرقاب وهو الشهادة .
وقال : عليك بعلم الشريعة فإن الشريعة هي سفينتك التي إذا انحرفت هلكت وهلك جميع من فيها وأنت مسؤول عن إقامة حدود اللّه في رعيتك الخارجة عنك والداخلة فيك ولا تعرف إقامة الحدود عليها إلا بمعرفة شرع ربك.
( وقال ) : اخلف إيعادك ولا وعدك وسم إخلاف إيعادك تجاوزا حتى لا تسمى أنك مخلف ما أوعدت به ، ولو كان شرا فإن الأحكام تتبع الأسماء كما سئل مالك رحمه اللّه عن خنزير البحر فقال : هو حرام فقيل له : إنه سمك من حيوان البحر
فقال : أنتم سميتموه خنزيرا ما قلتم : ما تقول في سمك البحر ؟
قال : وهذا الذي قررناه كان سبب وقوع المعتزلة فيما وقعوا فيه من القول بإنفاذ الوعيد . قالوا : لاستحالة الكذب على اللّه في خبره وما علمت المعتزلة أن مثل ذلك لا يسمى كذبا في العرف الذي نزل به الشرع فحجبهم دليلهم العقلي عن علم الوضع
“ 640 “
( فإن قلت ) : فلم كانت النار تحرق جوارح المكلفين الظاهرة فقط دون الباطنة ؟
( فالجواب ) : إنما لم تحرق الأعضاء الباطنة لأن إيمان عصاة الموحدين يمنع من تخلص النار إلى قلوبهم ، فانظر يا أخي عناية التوحيد والإيمان بأهله فإن الجوارح إذا أحرقت غابت فلا تحس بعد ذلك بألم فصاحب هذا العذاب كالنائم سواء حتى تأتيه الشفاعة فإذا بعثه اللّه من تلك النومة وجد إيمانه على باب النار ينتظره فإذا غمس في نهر الحياة الذي على باب الجنة دخل الجنة فلا يبقى في النار من علم أن اللّه إله واحد جملة واحدة .
( فإن قلت ) : إن النار جاءت في القرآن مطلقة ومقيدة يعني مضافة فهل في ذلك خصوصية ؟
( فالجواب ) : نعم لذلك خصوصية وهي أن نار جهنم لها نضج الجلود وحرق الأجسام لأنها نتائج أعمال حسية ظاهرة فيجمع لمن هذه صفته بين العذابين كما فعل بأهل الجزية من تعذيبهم بإخراج أموالهم من يدهم قهرا وصغارا وفي ذلك عذاب نفوسهم أيضا ، وأما نار اللّه فهي مجسدة لأنها نتائج أعمال معنوية باطنة وهو قوله تعالى نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ( 6 ) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ( 7 ) [ الهمزة : 6 - 7 ]
ومعلوم أن الأفئدة هي باطن الإنسان فهي تظهر في فؤاد الإنسان وعن هذه النار الباطنة ظهرت النار الظاهرة والعبد منشىء النار في الحالين فما عذبه سوى ما أنشأه بأعماله وأطال الشيخ في ذلك في الباب التاسع والستين وثلاثمائة فراجعه .
( فإن قلت ) : فما حكم أرض الموقف إذا لم يبق فيها أحد ؟ هل تصير من الجنة أو من النار ؟
..............................................................
الحكمي وهذا من قصور العقول وفوقها وفي كل موطن مع أدلتها ولا ينبغي لها ذلك بل الذي كان ينبغي لها النظر إلى المقاصد الشرعية في الخطاب ومن خاطب وبأي لسان خاطب وبأي عرف أوقع المعاملة في تلك الأمة المخصوصة .
قال : بعض الأعراب في مكارم أخلاقه : وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ، لكن لا ينبغي أن يقال في حق الحق تعالى : إنه مخلف بل يقال : إنه غفور متجاوز عن عبده واللّه أعلم بالصواب .
(ولنختم الكتاب بجملة صالحة في الكلام على يوم القيامة وما يقع فيه وعلى الجنة والنار أعاذنا اللّه تعالى منها بفضله وكرمه آمين ملخصا من أبواب “ الفتوحات المكية “ مشيدا بكلام بعض مشايخنا ) : اعلم أن اللّه تعالى إذا أمر إسرافيل أن ينفخ في الصور بعثر ما في القبور ثم حشر الخلق من الناس والوحوش بعد أن أخرجت الأرض أثقالها ولم يبق في بطنها سوى عينها جيء بالعالم كله إلى الظلمة التي دون الحشر فألقوا فيها حتى لا يرى بعضهم بعضا ولا يبصرون كيفية التبديل في السماء والأرض حين تقع فتمد الأرض مد الأديم وتبسط حتى لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وسميت ساهرة لأنه لا نوم فيها إذ لا نوم لأحد بعد زوال الدنيا ثم وضع الصراط من الأرض علوا على استقامة إلى سطح الفلك المكوكب فيكون منتهاه إلى
“ 641 “
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة : إن أرض الموقف إذا خلت ولم يبق فيها أحد تعود كلها في جهنم وإن كان فيها زمهرير وذلك لأن حد جهنم من مقعر فلك الكواكب إلى أسفل سافلين كما مر فهي تهوي على السماوات والأرض على صورة ما كانتا عليه إذ كانتا رتقا فرجعت إلى صفتها من الرتق والكواكب كلها فيها طالعة وغاربة على أهل النار بالحرور والزمهرير فبالحرور عل المحرورين والزمهرير على المقرورين .
( فإن قلت ) : إذا كانت الكواكب كلها طالعة وغاربة في النار فأين نورها وجهنم سوداء مظلمة ؟
( فالجواب ) : أن نور الكواكب موجود ولكن أهل النار لا يشهدون نورها لا حال شروقها ولا حال غروبها لما في دخان جهنم من الكدورة وكانوا في الدنيا عميا عن إدراك الحق الذي جاءت به الشرائع كذلك صاروا عميا في النار عن إدراك الأنوار فليل أهل النار لا صباح له ، كما أن نهار أهل الجنة لا ليل له ولا يزال أهل الجنة وأهل النار على ما وصفنا أبد الآبدين ولذلك سمى اللّه تعالى يوم القيامة باليوم العقيم لأنه لا يوم بعده قال : وهو يوم السبت .
( فإن قلت ) : قد بلغنا أن منازل أهل النار ودركاتها وخوخاتها على عدد منازل الجنة ودرجاتها وخوخاتها فهل ذلك صحيح ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ محيي الدين : نعم لا تزيد على منازل الجنة ودرجاتها ولا تنقص لكن ليس في النار نار ميراث ولا نار اختصاص كما مر أوائل المبحث وإنما ذلك خاص بالجنة فنار جهنم نار أعمال لا غير ولقد بسطنا الكلام على النار في رسالة الكلام على الدارين
..............................................................
المرج الذي هو خارج سور الجنة .
قال : وأول جنة يدخلها الناس جنة النعيم وأما المأدبة فتكون في المرج وهي در مكة بيضاء نقية فيأكل منها أهل المأدبة ثم يقوم بعضهم فيقطف من الثمار المدلاة من فروع أشجار الجنة على السور وتوضع الموازين في أرض المحشر لكل مكلف ميزان تخصه ويضرب سور الأعراف بين الجنة والنار ، وقد جعله اللّه مكانا لمن اعتدلت كفتا ميزانه فلم ترجح إحداهما على الأخرى ،
واعلم أن معنى قولنا : أن لكل مكلف ميزانا تخصه أن كل واحد يتلون له الميزان بصورة ما كان العبد عليه في دار الدنيا وهو واحد في نفسه لا موازين متعددة هكذا أطلعنا اللّه عليه في واقعة من الوقائع وقد خلق اللّه تعالى جسد الإنسان على صورة الميزان وجعل كفتيه يمينه وشماله وجعل لسانه قائمة ذاته فهو لأي جانب مال ،
قال تعالى :وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ( 9 ) [ الرحمن : 9 ] يعني بالميل إلى المعاصي والوقوع فيها وقد قرن اللّه تعالى الساعدة بالكفة اليمين والشقاء بالكفة اليسار ، فالاعتدال سبب البقاء والانحراف سبب الهلاك ،
قال : وموازين الآخرة كلها تدرك بحاسة البصر كموازين أهل الدنيا ولكنها ممثلة عكس الدنيا فهي كتمثل لأعمال سواء ثم إذا وضعت الموازين لوزن الأعمال
“ 642 “
فراجعها واللّه أعلم .
( فإن قلت ) : فهل يتوالد أهل النار كما هو شأن أهل الجنة ؟
( فالجواب ) : لا توالد في النار واللّه أعلم .
( خاتمة ) : ذكر الشيخ في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة من “ الفتوحات “ ما نصه : اعلم أنه إذ ذبح الموت بعد مجيئه في صورة كبش ونادى المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ارتفع الإمكان من قلوب أهل الجنة وأيسوا من الخروج منها وكذلك يرتفع من قلوب أهل النار فيا لها من حسرة ما أعظمها قال : وتغلق أبواب النار غلقا لا فتح بعده أبدا لكن لا يخفى أن عين غلق أبواب النار هو عين فتح باب الجنة لأنها على شكل الباب الذي إذا فتحته سددت به موضعا آخر فعين غلقه لمنزل هو عين فتحه منزلا آخر وتقدم أن الباب الثامن الذي لا يفتح في النار هو باب الحجاب عن رؤية ربهم عز وجل فلا يفتح أبدا .
قال الشيخ محيي الدين : واعلم أنه إذا أغلقت أبواب جهنم فارت وغلت وصارت أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها وصار الخلق فيها كقطع اللحم في القدر الذي على نار شديدة وأطال في صفة عذاب أهل النار انتهى .
( فإن قلت ) : فكذب واللّه وافترى من أشاع عن الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه اللّه أنه كان يقول : إن أهل النار الذين هم أهلها يخرجون منها بعد مدة تعذيبهم وكذلك كذب من دس في كتاب “ الفصوص “ و “ الفتوحات المكية “ أن الشيخ قائل بأن أهل النار يتلذذون بالنار
..............................................................
جعلت فيها كتب الخلائق الحاوية لجميع أعمالهم لكن الظاهرة فقط دون الباطنة لأن الأعمال الباطنة لا تدخل الميزان المحسوس أبدا لكن يقام فيها العدل وهي الميزان الحكمي المعنوي فمحسوس لمحسوس ومعنى لمعنى يقابل كل بمثله قال : وآخر ما يوضع في الميزان الحمد للّه ولهذا ورد “ والحمد للّه تملأ الميزان “ قال : وإنما لم تكن لا إله إلا اللّه تملأ الميزان كالحمد للّه لأن كل عمل من أعمال الخير يقابله عمل آخر من جنسه ليجعل هذا الخير في موازنته ولا يقابل لا إله إلا اللّه إلا الشرك ولا يجتمع توحيد وشرك في ميزان واحد من الخلق أبدا ، بخلاف غير الشرك من سائر المعاصي فإن الإنسان إن كان يقول : لا إله إلا اللّه معتقدا لها فما أشرك وإن أشرك فما اعتقد لا إله إلا اللّه ، فلما لم يصح الجمع بينهما لم تدخل لا إله إلا اللّه الميزان لعدم ما يعادلها في الكفة الأخرى .
( قال ) : وأما صاحب السجلات فإنما دخلت لا إله إلا اللّه ميزانه لأنه كان يقول : لا إله إلا اللّه معتقدا لها لكنه لم يعمل معها خيرا قط إنما عمل معها سيئات فتوضع لا إله إلا اللّه في مقابلة التسعة وتسعين سجلا من السيئات فترجح كفة لا إله إلا اللّه بالجميع وتطيش السجلات فلم ينقل مع اسم اللّه شيء فإذا فرغ الناس من الموازين وقفت الحفظة بأيديهم الكتب التي
“ 643 “
وأنهم لو أخرجوا منها لاستغاثوا وطلبوا الرجوع إليها كما رأيت ذلك في هذين الكتابين وقد حذفت ذلك من “ الفتوحات “ حال اختصاري لها حتى ورد على الشيخ شمس الدين الشريف المدني فأخبرني بأنهم دسوا على الشيخ في كتبه كثيرا من العقائد الزائغة التي نقلت عن غير الشيخ كما مرت الإشارة إليه في الخطبة
فإن الشيخ من كمل العارفين بإجماع أهل الطريق وكان جليس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الدوام فكيف يتكلم بما يهدم شيئا من أركان شريعته ويساوي بين دينه وبين جميع الأديان الباطلة ويجعل أهل الدارين سواء هذا لا يعتقده في الشيخ إلا من عزل عنه عقله ، فإياك يا أخي أن تصدق من يضيف شيئا من العقائد الزائغة إلى الشيخ واحم سمعك وبصرك وقلبك وقد نصحتك والسلام ، وقد رأيت في عقائد الشيخ الوسطى ما نصه ونعتقد أن أهل الجنة وأهل النار مخلدون في داريهما لا يخرج أحد منهم من داره أبد الآبدين ودهر الداهرين
قال : ومرادنا بأهل النار الذين هم أهلها من الكفار والمشركين والمنافقين والمعطلين لا عصاة الموحدين فإنهم يخرجون من النار بالنصوص ، قال لأن النار كما لا تقبل بطبعها خلود موحد فيها كذلك لا تقبل بطبعها خروج أهلها منها أبدا لأنها خلقت من الغضب السرمدي قال : وهذا اعتقاد الجماعة إلى قيام الساعة انتهى .
وفي “ لواقح الأنوار “ التي جمعها محمد بن سويدكين من مجالس الشيخ وتقريراته : اعلم يا أخي أن جميع ما وجدته من قولنا بخروج أهل النار منها في سائر كتبنا وتقريراتنا فمرادنا بهم عصاة الموحدين انتهى ،
وقد نبه على ذلك أيضا الشيخ الكامل عبد الكريم الجيلي في شرحه لباب الأسرار من “ الفتوحات “ فقال إياك والغلط فتفهم من كلام الشيخ أنه يريد بخروج أهل النار غير الموحدين من الكفار فإن ذلك خطأ انتهى ، وقد رجع بحمد اللّه تعالى على يدي جماعات كثيرة من صوفية الزمان الذين لا غوص
..............................................................
كتبوها في الدنيا من أعمال المكلفين وأقوالهم ليس فيها شيء من اعتقادات قلوبهم إلا ما شهدوا به على أنفسهم بما تلفظوا به من ذلك ، فعلقوها في أعناقهم بأيديهم فمنهم من يأخذ كتابه بيمينه ومنهم من يأخذه بشماله ومنهم من يأخذه من وراء ظهره وهم الذين نبذوا الكتاب وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا وليس أولئك إلا الأئمة المضلين الضلال الذين ضلوا وأضلوا قال : واعلم أن الذي يعطى كتابه بيمينه هو المؤمن وأما الذي يعطى كتابه بشماله فهو المنافق لأن المشرك لا كتاب له يقرأ
ولذلك يقول اللّه عز وجل للمنافق : اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ( 14 ) [ الإسراء : 14 ]
وقد عقب اللّه عز وجل الذي يأخذ كتابه بشماله بقوله :إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ( 33 ) [ الحاقة : 33 ]
فسلب عنه الإيمان دون الإسلام ، لأنه كان منقادا للإسلام في ظاهره ليحفظ أهله ودمه وماله وهو في باطنه إما مشرك أو معطل أو متكبر أو كافر بخلاف الإيمان فإنه من أعمال القلوب لا يطلع عليه أحد .
قال : وأما الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم فهم الذين أوتوا الكتاب فنبذوه وراء ظهورهم فإذا كان يوم القيامة قيل للواحد منهم : خذ كتابك من وراء ظهرك أي من الموضع الذي نبذته فيه في حياتك الدنيا فهو كتابهم المنزل إليهم لا كتاب الأعمال فإنه حين نبذه وراء ظهره ظن أن لن يحور أي :
“ 644“
لهم في الشريعة في اعتقاد خروج أهل النار الذين هم أهلها تقليدا لما أشيع عن الشيخ محيي الدين وتابوا إلى اللّه تعالى بعد أن كانوا يتساورون فيما بينهم فالحمد للّه رب العالمين .
( وأما الكلام على الجنة وأهلها ) : فنذكر لك يا أخي منه نبذة صالحة إن شاء اللّه تعالى
فنقول وباللّه التوفيق : قال الإمام أبو طاهر القزويني في كتابه “ سراج العقول “ في الباب الخامس والثلاثين منه : اعلم أن الجنة أوسع من السماوات والأرض وذلك قوله تعالى : وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [ آل عمران : 133 ]
ذكر المفسرون في معنى عرضها وجوها وفسروها بالعرض الذي هو ضد الطول ثم أشكل عليهم أن الجنة عرضها الذي هو مثل عرض السماوات والأرض كيف تسعها السماء وزادوا في بيان ذلك بما يزيد إشكالا ولا يحل إشكالا والذي أراه أن معنى عرضها إظهارها لأهلها بسماواتها وأرضها كما عرضت هذه الدنيا بسماواتها وأرضها على أهلها وأنه من عرضت المتاع للبيع ومثاله : وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً [ الكهف : 100 ]
فكما عرض اللّه جهنم للكافرين فكذلك عرض الجنة للمؤمنين وهذا أمر ظاهر لا إشكال فيه وروى الحاكم وصححه “ أن أعرابيا قال يا رسول اللّه أرأيت قوله تعالى : جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [ آل عمران : 133 ] فأين النار ؟
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أرأيت الليل إذا جاء فأين يكون النهار ؟ قال : اللّه أعلم ، فقال كذلك اللّه يفعل ما يشاء .
( فإن قيل ) : فما معنى قوله : عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [ آل عمران : 133 ] جعل السماوات والأرض عرضها ؟
( فالجواب ) : هذا جائز في اللغة كما قال الشاعر ووجه نوره البدر التمام . أي كنور البدر
..............................................................
تيقن أن لن يرجع ، وهذا هو الذي يقول اللّه عز وجل له يوم القيامة حين يعاتبه ويقرره : أظننت أنك ملاقي الحديث ثم جيء بالحوض يتدفق ماؤه عليه من الأواني على عدد الشاربين منه لا تزيد ولا تنقص يرمى فيه أنبوبان أنبوب ذهب وأنبوب فضة وهو لزيق بالسور ، ومن السور ينبعث الأنبوبان فيشرب منه المؤمنون ، واعلم أن الحوض والصراط يتلونان لشاكلة العلم والعمل وهما حقيقتا الشريعة وعلومها فالحوض علومها والصراط أفعالها فعلى مقدار الإحاطة بعلم الشريعة يكون الشرب من الحوض ، وعلى مقدار اتباع الشريعة يكون المشي والاستقامة على الصراط فكل من ضيق على نفسه بالورع عن كل ما كرهه اللّه اتسع عليه الصراط وكل من ترك الورع هنا ضاق عليه الصراط هناك بقدر ما فر ، فالصراط حقيقة إنما هو هنا لا هناك لأنه لا يمشي العبد هناك إلا على الصراط الذي أنشأه بأعماله في دار الدنيا من الأعمال الصالحة أو غيرها فهو في دار الدنيا باطن لا يشهد له صورة حسية يمد للعبد يوم القيامة جسرا ممدودا على جسر جهنم محسوسا أوله في الموقف وآخره على باب الجنة كما مر يعرف كل عبد إذا شاهده أنه بناؤه بجوارحه وصنعته بيده .
( قال ) : ولا يمشي كل إنسان على الصراط إلا في نور نفسه فقط لأن الصراط لا نور له
“ 645 “
فيكون المعنى هنا كعرض السماء والأرض تصديقه ما في سورة الحديد من قوله : وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [ الحديد : 21 ] .
( فإن قيل ) : فما وجه من منع حمل العرض على العرض الذي هو ضد الطول ؟
( فالجواب ) : وجهه أنه جعل حكم ذلك حكم من نظر منا إلى هذه السماء أليس يرى قدر وسعها بعينه ومعلوم أن محل الإدراك من العين هو تلك اللعبة الصغيرة التي هي مقدار عدسة فعلى هذا يكون نسبة عرض الجنة إلى عرض السماوات نسبة هذا الربع مثلا من السماء إلى لعبة عينك وأن الذي قدر على بناء الجمال والفيلة العظام على قوائمهن الصغار وقدر على بناء طلل الإنسان على قدميه الصغيرين لا يعجز عن بناء الجنة بسمتها على السماء التي تصغر في جنبها إذ السماء كالعمود تحت سقف بيت واسع .
قال الشيخ أبو طاهر القزويني : واعلم أن سماوات الجنة عدد درجها هي مائة وأعلاها هو ما دلت عليه الأخبار وهو ساق العرش ففي الحديث مرفوعا “ الجنة مائة درجة ما بين كل درجة والأخرى ما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها “ ومنها تنفجر أنهار الجنة وعليها يوضع العرش يوم القيامة وأما أرضها فتنتهي إلى سدرة المنتهى قوله عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى وسدرة المنتهى فوق السماوات السبع على ما جاء في الأحاديث وفي بعض الروايات عن ابن عباس : أن الجنة في جوف الكرسي هذا ما بلغنا من سماء الجنة وأرضها واللّه أعلم ، قال ولا يكون في الجنة شمس ولا قمر
كما قال تعالى : لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً [ الإنسان : 13 ]
قيل معناه ولا قمرا وقيل حرا ولا بردا وإنما يكون بدل الشمس والقمر أنوار طالعة من سرادقات العرش وهي الأنوار التي يكسى بعضها شمسنا هذه
..............................................................
في نفسه ولا يمشي أحد عليه في نور أحد نسأل اللّه اللطف ، ثم يؤتى بمنابر من نور مختلفة في الإضاءة واللون فتنصب في تلك الأرض ويؤتى بالأنبياء يقومون فيقعون عليها قد غشيتهم الأنوار لا يعرفهم أحد في رحمة إلى الأبد عليهم من الخلع الإلهية ما تقر به أعينهم ويأتي كل إنسان معه قرينه من الشياطين والملائكة وتنشر الألوية ذلك اليوم للسعداء والأشقياء بأيدي أئمتهم الذين كانوا يدعونهم إلى الحق أو الباطل وتجتمع كل أمة إلى رسولها من آمن منهم ومن كفر ، وتحشر الأفراد والأنبياء بمعزل من الناس بخلاف الرسل فإنهم أصحاب العساكر فلهم مقام يخصهم ، وقد عين اللّه عز وجل في هذه الأرض بين يدي عرض الفصل والقضاء مرتبة عظمى امتدت من الوسيلة التي في الجنة تسمى المقام المحمود وهو لمحمد صلى اللّه عليه وسلم خاصة ، ويأتي ملائكة كل سماء على حدة متميزة عن غيرها فتكون سبع صفوف أهل كل سماء صف والروح قائم مقدم الجماعة وهو الملك الذي نزل بالشرائع على الرسل ، ثم يؤتى بالكتب المنزلة والصحف المكرمة وخلف كل كتاب من نزل من أجلهم فيمتازون عن أصحاب الفترات وعمن تعبد نفسه بكتاب لم ينزل من أجله وإنما دخل فيه وترك ناموسه لكونه من عند اللّه وكان ناموسه عن نظر فكري من عاقل مهدي ، ثم يأتي اللّه عز وجل على عرشه وملائكته الثمانية تحمله
“ 646 “
كل ليلة فتطلع مضيئة علينا وفي الحديث عن أبي ذر قال قلت يا رسول اللّه أين تذهب الشمس إذا غربت قال تذهب حتى تسجد للّه تعالى تحت العرش فتستأذن فيكسى عليها سبعون حلة من نور العرش ويؤذن لها .
الحديث فعلمنا بهذا الحديث وغيره أن للجنة سماوات وأرضا باقيات خالدات أبد الآبدين لا تفنى ولا تبيد ومن توقف فيما قلناه فإنما هو لعكوفه على المألوفات في هذه الدار كما لو قيل لمن ليس في بلادهم زيت إنا رأينا في بلاد شيئا يوضع في شيء اسم أحدهما زيت والآخر فتيلة قطن فينور على الناس طول ليلتهم فإنه يستبعد ذلك أشد البعد ولا يصدقه إلا إن رآه ولكن من رزقه اللّه قوة الإيمان لا يتوقف فيما أخبر اللّه ورسوله أبدا .
قال الشيخ أبو طاهر والآية التي أشكلت على الأئمة الماضين دالة على هذا المعنى
وهي قوله وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( 108 ) [ هود : 108 ]
يريد أن السعداء يكونون في الجنة خالدين دوام خلود سماوات الجنة وأرضها إلا ما شاء ربك زيادة على المكث الدائم من النعم السنية والألطاف الخفية مما أعده اللّه فيها كما في حديث « في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر »
قال وأعلى نعيمها الرضا والنظر إلى وجهه الكريم فمثل هذه هي العطايا الجسام المستثناة من نعمة الخلود وتصديق هذا التفسير قوله تعالى في آخر الآية عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع
وأما قوله في صفة أهل النار خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ( 107 ) [ هود : 107 ]
فهي دالة أيضا على أن للكفار أرضا وسماوات إذ السماء في اللغة هو كل ما علاك وأظلك والأرض كل ما تحت قدمك فأرض النار الدرك الأسفل وسمواتها أطباق دركاتها طبقا فوق طبق إلى أن ينتهي إلى الصخرة التي فوقها نظير العرش فوق الجنة كما مر واللّه أعلم
..............................................................
فيضعونه في تلك الأرض والجنة عن يمين العرش والنار من الجانب الأخر ، وقد عمت الهيبة الإلهية قلوب أهل الموقف من إنسان وملك وجان ووحش فلا يتكلمون إلا همسا بإشارة عين وخفي صوت ثم ترفع الحجب بين اللّه وبين عباده وهو كشف الساق ويأمرهم داعي الحق بالسجود المعهود فلا يبقى أحد سجد للّه خالصا إلا سجد ولا سجد رياء اتقاء الآخر على قفاه وبهذه السجدة ترجح ميزان أهل الأعراف لأنها سجدة تكليف فيسعدون ويدخلون الجنة ويشرع الحق تعالى في الفصل والحكم بين عباده فيما كان بينهم ، وأمّا ما كان بينهم وبين اللّه فإن الكرم الإلهي قد أسقطه فلا يؤاخذ اللّه من عباده بذلك ذلك الوقت .
فهنيئا لمن لم يشهد مخاصمة بينه وبين أحد من الخلق ولم يقع له ذنب إلا بينه وبين اللّه ولن يقع له ذنب مطلقا ويختلف ذلك باختلاف المشاهد في التوحيد ثم تقع الشفاعة الأولى من محمد صلى اللّه عليه وسلم في كل شافع أن يشفع فيشفع الشافعون ،
ويقبل اللّه تعالى من شفاعتهم ما شاء ويرد من شفاعتهم ما شاء وقد بسط اللّه الرحمة في قلوب الشفعاء في ذلك اليوم ومن رد اللّه شفاعته من الشافعين فليس انتقاصا ولا عدم رحمة بالمشفوع فيه وإنما ذلك إظهارا للمنة الإلهية على عباده فيتولى اللّه سعادتهم ورفع الشقاوة عنهم .
واعلم أن الشافعين في ذلك اليوم واحد وثلاثة فالواحد أرحم الراحمين والثلاثة
“ 647 “
بحقيقة الحال . فعلم أيضا أن أرض النار وسماواتها باقيات خالدات ومعنى إلا ما شاء ربك يعني إلا ما شاء اللّه بعد خلودهم فيها من أنواع الآلام والعقوبات المتلونة الزائدة لهم على عقوبة الحبس الدائم .
قال الشيخ أبو طاهر : وهذا الذي استنبطته من نظري في معنى هاتين الآيتين رأيته بعد ذلك منقولا في تفسير الحسين بن الفضل وكان ذلك مثل وقع الحافر على الحافر وهو أصح ما قيل في الآيتين فإن فيهما نيفا وعشرين قولا كلها ضعيف .
قال : ومثال تفسيرنا هذا مثال ملك استخلص بعض رعيته لنفسه وأسكنه معه في داره وكان يفيض عليه من مباره وخيره وحبس بعض رعيته في سجنه وصار يأمر كل يوم مع ذلك بأنواع العقوبات لهم ثم صار الملك يخبر الناس عن حال الفريقين ويقول أما فلان ففي رعايتي وجواري يتبوأ معي في داري ما عشت إلا ما شئت له زيادة على جواري وإحساني وخلعي عليه وأما فلان في سجني ما عشت إلا ما شئت له من أنواع المثلات والآلام بصنوف العقوبات زيادة له على الحبس الدائم قال وهو كلام سديد فتأمله فإنه نفيس .
( فإن قيل ) : كيف يتصور الخلود الدائم والنعيم الأبدي وكذلك العذاب السرمدي في العقل ؟
( فالجواب ) : يتصور ذلك في العقل يتجدد حالات بعد حالات على الدوام وأما عدم تناهي ذلك فيما لا يزال فيدركه العقل المجرد ويتقاعس عنه الوهم والخيال فلا يكاد يخيل ذلك لعجزه عن التصوير مع كونه يدرك ذلك بالدليل ، وقد قرب الإمام الغزالي رحمه اللّه ذلك بقوله : من عجز عن تخيل العدد الغير المتناهي فليقدر أن اللّه تعالى خلق مثل هذه الدنيا ألف
..............................................................
هم الملائكة والنبييون والمؤمنون . يقول اللّه تعالى في ذلك اليوم : شفعت الملائكة والنبييون والمؤمنون وبقي أرحم الراحمين فلكل شافع طائفة تخص حضرته فأرحم الراحمين يشفع في الذين لم يعملوا خيرا قط غير توحيدهم للّه فقط فهم كصاحب السجلات .
( قال ) : وهؤلاء هم الذين شهدوا مع شهادة اللّه والملائكة أنه لا إله إلا هو ، وأما الملائكة فتشفع فيمن كان على مكارم الأخلاق شفاعتهم تكون على الترتيب وآخرهم شفاعة التسعة عشر فإن الملائكة إذا شفعت لن تشفع هذه التسعة عشر ، بل تتأخر إلى أن تنقضي مدة المؤاخذات كلها ويتصفون بالرحمة وذلك عندما يرون أن غضب اللّه قد ارتفع عن عصاة الموحدين ، وأما النبييون فيشفعون في المؤمنين خاصة ، والمؤمنون طائفتان مؤمن عن نظر وتحصيل دليل فالشافع فيه النبييون فإن الأنبياء جاءوا بالخير إلى أممهم وذلك هو متعلق بالإيمان ومؤمن مقلد بما أعطاه أبواه أو أهل الدار التي نشأ فيها فالشافع في هذا المؤمنون الذين فوقه في الدرجة بعد أن خلصوا بشفاعة رسول اللّه فيهم يعني في الشافعين .
قال : وصورة شفاعة أرحم الراحمين أن تشفع أسماء الحنان والرحمة واللطف عند الاسم الشديد العقاب والمنتقم والجبار فهي مراتب أسماء الإلهية لا شفاعة محققة فيتولى الحق تعالى بنفسه إخراج من شاء من النار إلى الجنة
“ 648 “
ألف مدينة وملأها كلها من الحب ثم خلق طيرا يلتقط في كل ألف ألف سنة حبة واحدة فإنه تنفذ تلك الحباب من المدائن كلها ويبقى الأبد كما كان وقد ورد في الحديث نحو ذلك .
( فإن قيل ) : فهل اللذات الأخروية حسية أم عقلية أم خيالية ؟ فإن هذا سؤال ضل فيه كثير من الناس .
( فالجواب ) : عن ذلك هو أن تعلم يا أخي أن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا والآخرة خير وأبقى فلا يجوز أن تتقاصر لذاتها عن لذات النفس في الدنيا ولذات الدنيا من ثلاثة أوجه حسي خيالي عقلي فيمكن أن يخلق اللّه تعالى لأهل الجنة إدراكات أخر زائدة على هذه المدارك يدركون بها ما أخفى لهم من قرة أعين فضلا من اللّه ونعمة .
( فإن قيل ) : فما هي اللذة الحسية أي التي تدرك بالحس ؟ والخيالية أي التي تدرك بالخيال ؟ والعقلية أي التي تدرك بالعقل ؟
( فالجواب ) : أما الحسية فهي كلذة الطعام والشراب بالذوق وكلذة النكاح وسائر الملموسات باللمس وكلذة الألوان والصور الحسان بالعين وكلذة المشمومات بالشم وكلذة الأصوات والألحان بالسمع فمن تلذذ بالحواس الخمس فهو الذي كمل عيشه قال وأما اللذة الخيالية وهي مطلوبة في الدنيا أيضا فإن الرجل ربما يتخيل أشياء يتمناها فيلتذ بها بل ربما رأى الشيء الذي يهواه في المنام فيلتذ به
وقال بعضهم : لا تكون اللذة الخيالية في الجنة أبدا لأن الجنة دار صدق واللذة الخيالية من قضايا الوهم الكاذب فهي أكاذيب وغرور والدار الآخرة دار
..............................................................
ويملأ اللّه تعالى جهنم بغضبه وعقابه والجنة برضاه تعالى ورحمته ، وقد اختلف الناس في الجنة والنار هل خلقتا الآن أم لا والخلاف مشهور وأقام كل طائفة الدليل على قوله بما رآه حجة عنده
وأطال الشيخ محيي الدين رحمه اللّه الكلام على ذلك في الباب الحادي والستين من « الفتوحات » ثم قال : وأما عندنا وعند أصحابنا من أهل الكشف والتعريف فهما مخلوقتان غير مخلوقتين ، فأما قولنا غير مخلوقتين فكرجل أراد أن يبني دارا فأقام حيطانها كلها الحاوية عليها خاصة
فيقال : قد بنى دارا فإذا دخلها أحد لم ير إلا سورا دائرا على فضاء وساحة ثم بعد ذلك ينشئ بيوتها على أغراض الساكنين فيها وتفاوت مراتبهم ودرجاتهم أو دركاتهم من قصور وغرف وسراديب ومهالك ومخازن وما ينبغي أن يكون فيها مما يريده الساكن من الآلات التي تستعمل فيها وأطال في ذلك .
ثم قال : فقوله تعالى : أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ آل عمران : 133 ] ،
إشارة إلى تعيين أماكن كل إنسان في الجنة أو النار كما يعلم المهندس جدران البناء بالجص قبل بناء الأساسات ثم يشرع بعد ذلك في بناء السور ثم الدهاليز ثم أشجار الفواكه ثم القصور أو الدركات .
قال : فإن كانت الدار هي الجنة بنى سورها من التوحيد ، وإن كانت الدار هي النار بنى سورها من الشرك أو الكفر أو النفاق أو التكبر ونحو ذلك على حسب دركات سكانها في طبقاتها فلا ينتهي بناء جنة كل إنسان إلا بآخر أعماله في دار الدنيا فإذا انتهى البناء فما بقي إلا
“ 649 “
الحقائق ولذلك سميت الحاقة قال تعالى : الْحَاقَّةُ ( 1 ) مَا الْحَاقَّةُ ( 2 ) [ الحاقة : 1 - 2 ]
قال المفسرون سميت الحاقة لأن فيها حواق الأمور وليس فيها أباطيل ولا أكاذيب بدليل قوله تعالى لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً ( 35 ) [ النبأ : 35 ]
وإذا كانت اللذة الخيالية بالتمني والأمنية في الجنة من حيث إن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فذلك يدل على أن اللذة الخيالية فيها معدومة ،
قال وهذا القول عندي صحيح إذ اللذات الخيالية أماني والأماني أكاذيب وأباطيل فلا يكون ذلك في الآخرة فإن كل ما يشتهيه أهل الجنة يجدونه في الحال عيانا نقدا فلا يكون لهم أمنية ، التذاذهم يكون بالموجود المشاهد لا بالمفقود المتمني المتخيل فافهم ذلك فإنه من غرائب أمور الآخرة وأما اللذة العقلية فلا خلاف في أنها لذة الأشياء وأقواها وأسرها للنفس وأشهاها وأبسطها للروح وأحلاها اعتبر ذلك بلذة الفهم والعلم فإنك إذا أدركت مسألة كانت تشكل عليك رأيتك تجد في قلبك وفي نفسك لذة لا يعادلها شيء من لذات الدنيا كما قال الإمام أبو حنيفة لو يعلم الملوك ما نحن فيه من لذة العلم لحاربونا عليه بالسيوف وناهيك بلذة الأمر والولاية والأمر والنهي والابتهاج بالأشياء الموافقة للطبع والغرض ولذة الوجدان كما وقع لبعض الأعراب أنه ضاع له بعير فكان يقول إلا من يبشرني بوجدانه وهو له فقالوا له : فما حظك إذن من ذلك فقال لذة الوجدان ومثل ذلك لذة الولد ولذة محادثة الإخوان الصادقين
قال الإمام الشافعي رضي اللّه عنه لولا محادثة الإخوان والتهجد عند السحر ما أحببت البقاء في هذه الدار ، وقس على ذلك سائر اللذات العقلية وإن كان فيها تفاوت ولها مراتب فهي لذات غير منكرة في الدنيا فيجب إثباتها في الآخرة لقوله تعالى : وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [ الإسراء : 21 ]
وقوله تعالى وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ [ فصلت : 31 ]
..............................................................
السكنى فيقال له : اخرج إلى دارك فقد كمل بناؤها ، فإذا طلعت روحه حبس في البرزخ حتى يتكامل عدد السكان وتنتهي مددهم فينادي المنادي : اخرجوا جميعا إلى مساكنكم ، فمعنى أعدت على هذا التقرير أي أعدت لهم قبل دخولهم لها لا قبل خلقهم وإيجادهم ما عدا السور المتقدم ويؤيد ذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ من فعل كذا بنى اللّه له بيتا في الجنة “ فعلق وجود ذلك البيت على فعل ذلك الأمر فدل على أنه لم يكن مبنيا قبل ذلك
وكذلك يؤيده أيضا قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ إن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وإنها قيعان وغراسها سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر “ ونحو ذلك .
( قال ) : وأما ما ورد في الصحيح “ أن اللّه عز وجل خلق جنة عدن بيده وشق فيها أنهارها وأدلى فيها ثمارها “ فهو صحيح لأن حضرة الحق لا ماضي فيها ولا آتي ولا صباح ولا مساء فهو كقوله تعالى :أَتى أَمْرُ اللَّهِ [ النحل : 1 ]
فله تعالى أن يخبر عن حضرته المذكورة بما شاء لأنها لا تتقيد بزمان كالخلق في مصطلحهم في الألفاظ واللّه أعلم .
( قلت ) : ويحتمل أن اللّه تعالى خلق الجنان على ما شاء من الأوصاف التي تسمى بها جنانا من أشجار وأنهار وأتراب ، ثم أبقى فيها أماكن خالية قابلة لما يبنى فيها ويغرس من تناهي أفعال المكلفين غير ما ينعم اللّه
“ 650 “
إلى غير ذلك من الآيات والأخبار قال : وعلى هذا الأصل تكون الآلام الحاصلة في الحس والعقل في جهنم لأهلها ثابتة نعوذ باللّه تعالى منها قال تعالى : وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ( 72 ) [ الإسراء : 72 ]
ولا يخفى شدة العمى على من ابتلى به في الدنيا فقد بان لك يا أخي صحة اللذات الحسية والعقلية جميعا وكذلك الآلام مثلها في الآخرة وقد سبق بسط القول في صحة إعادة الأجسام بأرواحها وأجسامها على ما هي عليه فإذا ثبت عند الإنسان على ما هو عليه اليوم في العقل جوازا وفي الشرع وجوبا وجود اللذة والألم صحتا له في الآخرة أيضا من غير شك ولا ريب.
( فإن قيل ) : فإذا أكل أهل الجنة وشربوا فأين يذهب ثقل الطعام والشراب ؟
( فالجواب ) : قد ثبت في الحديث « أن الطعام يكون جشاء والشراب يكون رشحا كرشح المسك » وهو حديث حسن كما قاله القزويني .
قال ولقد جربنا أن من غذى باللبن والعسل لا يحتاج إلى استفراغ .
قال الشيخ أبو طاهر ولولا خوف التطويل لأنهينا الكلام في بيان استحالة طعامهم وشرابهم إلى الرشح والعرق وقد شاهدنا امرأة تسمى عائشة من ناحية النور ولم تحتج إلى المستراح منذ ثلاثين سنة وتواردت الأخبار أيضا بأن تركمانا أقاموا عند الملك مسعود سنين ولم يدخلوا الكنيف قط مع أنهم كانوا يأكلون أكلا فإذا كان هذا موجودا في الدنيا مشاهدا مع طعامها الكثيف الثقيل وشرابها الوبيل وهوائها العفن ومائها الأجن فكيف ينكر أحد ما أخبر به الأنبياء والمرسلون صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين من أطعمة الجنة وفواكهها مما يتخيرون
..............................................................
قال الشيخ : واعلم أن خواص المؤمنين ليس لهم بناء من أعمالهم إلا في الجنة ، وأما غير الخواص فيبنون بأعمالهم في الجنة تارة وفي النار أخرى على حسب طاعاتهم ومعاصيهم .
وقال الشيخ في الباب التاسع والثمانين ومائتين ما نصه : روينا عن الشيخ أبي مدين إمام الجماعة رضي اللّه عنه أنه كان يقول : يدخل السعداء الجنة بفضل اللّه والأشقياء النار بعدل اللّه وكل منهم ينزل في داره بالأعمال ويخلد فيها بالنيات التي مات مصرّا عليها بمعنى أنه لو مات وهو مؤمن عازم على ارتكاب ذنب سنة مثلا خلد في النار قدر سنة أو وهو عازم على عدم التوبة منه إلى أن يموت خلد في النار قدر عمره وكل ذلك إن شاء اللّه تعالى ثم إن شاء غير ذلك فعفوه أوسع واللّه تعالى أعلم ، غير أن الذي وصل إلى علمنا أطول الناس مكثا في جهنم من عصاة الموحدين من يمكث نحو خمسين ألف سنة ولعله كان يفرض أنه لو عاش إلى القدر المذكور لبقي على معصيته ، إلا أن يعتقد أن أحدا يريد منهم على ذلك أبدا لا بنص .
قال : وهو كشف صحيح وكلام حر عليه حشمة انتهى .
قال : الشيخ محيي الدين رحمه اللّه : وأصناف أهل الجنة أربع :
الأول : الأنبياء والرسل .
والثاني : أتباعهم بشرط أن يكونوا على بصيرة وبينة من ربهم
“ 651 “
يتبع
.
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
اليواقيت والجواهر وبالحاشية الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني
المبحث الحادي والسبعون : في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام
ومما يشتهون من شرابهم العسل المصفى والماء الغير آسن واللبن الذي لم يتغير طعمه والشراب الذي لا يتصدع عنه شاربه ولا ينزف .
وإيضاح ذلك أن أطعمة الجنة وفواكهها وأشربتها لطيفة رقيقة خالصة صافية لا يعتروها الاستحالات ولا يكون لها إتفال منكرات ولا روائح مكروهات .
قال الشيخ أبو طاهر : واعلم أن اللّه تعالى ما وصف الجنة بالأشياء الحاضرة عندنا كالعسل والزنجبيل والمسك والكافور والسندس والحرير والذهب والفضة واللؤلؤ والمرجان والنخل والرمان والخيرات الحسان وغير ذلك إلا لتهتدي بذلك القلوب وتستأنس به النفوس أما تصور ذلك في العقل فمستحيل لأن التصور إدراك الوهم خيال ما أدركه الحس والذي لم يدركه الحس يعجز الوهم عن تصوره ولو كان للخلق طريق إلى معرفة ذلك لما قال تعالىفَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ[ السجدة : 17 ]
ولا قال صلى اللّه عليه وسلم عن اللّه عز وجل “ أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر “ .
قال ابن عباس ومقاتل بن سليمان ليس شيء مما يكون في الجنة من ثمرة وشراب وحلى وحلل يشبه ما في الدنيا بشيء سوى أن اللّه تعالى وصف ما عنده بما عندنا فسمى لنا الذهب والحرير والثياب والفواكه ولا نعلم نحن حقائق ذلك الذي عنده انتهى .
( فإن قيل ) : فإذا سماها لنا بما عندنا وهي على خلاف ذلك حقيقة فهو خلف وتعالى اللّه عن ذلك !
( فالجواب ) : إن تسميتها بما عندنا لا بد أن يكون ذلك بأدنى مناسبة ليقع في أفهامنا تعقله وأصل ذلك قوله تعالىمَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ[ النور : 35 ]
وأين المشكاة من نوره
..............................................................
وهم الأولياء والعلماء والعاملون .
الثالث : المؤمنون أي المصدقون بالأنبياء وبما جاءوا به من الشرائع .
الرابع : العلماء بتوحيد اللّه من أنه لا إله إلا هو بالأدلة العقلية .
قال : ومقام كل صنف متميز عن الآخر هناك بالنزول وإن كان نازلا في الدرجة بالعلو إن كان عاليا ولا حسد بين الأدنى والأعلى هناك بخلاف الدنيا .
قال : وإذا وقع التجلي الإلهي للرؤية ويكونون جلوسا على مراتبهم فالأنبياء على المنابر والأولياء على الأسرة والعلماء باللّه على الكراسي ، والمؤمنون المقلدون في توحيدهم على مراتب وذلك الجلوس كله يكون في جنة عدن على الكثيب الأبيض .
قال : وأما من كان موحدا من طريق النظر في الأدلة فيكون جالسا على الأرض وإنما نزل على هذا عن الرتبة التي للمقلد في التوحيد لأنه يطرقه الشبه من تعارض الأدلة والمقالات في اللّه وصفاته فمن كان تقليده جزما هو أوثق إيمانا ممن يؤخذ توحيده من النظر في دلالة يؤولها .
قال : كان ضيافة أهل الجنة زيادة كبد الحوت إذا دخلوها بشرى لأهل الجنة ببقاء الحياة لهم فيها لأن الحوت حيوان بحري مائي من عنصر الحياة المناسب للجنة بخلاف ضيافة أهل النار تكون بطحال الثور الذي هو بيت الغم ومجمع أوساخ البدن . قال : وخلق اللّه تعالى الجنة بطالع الأسد الذي هو الأقليد لأنه برج ثابت ، فللجنة الدوام وللأسد القهر ولذلك يقول
“ 352 “
تعالى وإذا كان فيه أدنى مناسبة فلا خلاف ولا كذب
وقد قال العلماء باللّه تعالى : كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سمعه واللّه تعالى أعلم .
( فإن قيل ) : فما اللذة والرغبة في الطلح المنضود والسدر المخضود .
( فالجواب ) : قد أخبر اللّه تعالى أن في الجنة ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين على العموم وشهوات نفوس الخلق مختلفة ولعل نفوس بعض أهلها تشتهي لذلك كما تشتهي السمك القديد وتستطيب أكله في دنياها لا سيما أهل البوادي من الأعراب وكيف وطلح الجنة وسدرها إنما يشبه ما في الدنيا في الاسم فقط كما مر فلعل اللّه تعالى يخص ذلك بلذة في الموطن تفوق اللذات .
قال الشيخ أبو طاهر : ونفى المكروه عن النفوس دليل على ما ذكرناه ألا تراه تعالى يقوله فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [ الواقعة : 28 ]
فنفى الشوك ونفى احتمال الأذية في قطعها وفي ذلك دلالة على وجود نفي مكروهات النفوس هناك عكس الدنيا وفي بعض التفاسير أن الطلح في القرآن هو الموز .
( فإن قيل ) : فهل في الجنة نكاح ؟
( فالجواب ) : نعم ثبتت به الأحاديث الصحيحة وسئل صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فقال : نعم دحما دحما أي كثيرا وإنما أراد به استغراقهم بذلك في لذة عظيمة ينالونها بخلاف لذة الوقاع في الدنيا فقد قيل إنها وهمية لا حقيقة لها .
( فإن قيل ) : هل يولد لأحد في الجنة ؟
..............................................................
أهلها للشيء كن فلا يتخلف عن التكوين وليس في البروج من له السطوة مثل الأسد .
قال : وأما الجنة المعنوية التي هي كالروح للجنة المحسوسة فخلقها اللّه تعالى من الفرح والسرور والابتهاج فأجسام أهل الجنة تتلذذ بالأمور الجسمانية وأرواحهم تتلذذ بالأمور المعنويات كالروائح والنغمات الطيبة والصور الحسان وغير ذلك .
قال : لو كانت الأجسام تتلذذ بالمعاني لكان كل حيوان من البهائم يتلذذ برؤية كل وجه جميل وليس الأمر كذلك فما كل نعيم أهل الجنة إلا بتلذذهم بها حسا ومعنى لأنها دار الحيوان بل نقول : هي أشد تنعما بأهلها الداخلين فيها
كما ورد أنها تقول : “ يا رب ائتني بأهلي فقد كثر حليي وعبقريي “ . الحديث .
قال : الناس في الشوق على أقسام فعصاة المؤمنين يشتاقون إلى الجنة وهي لا تشتاق إليهم وأرباب الأحوال من الأولياء تشتاق إليهم الجنة وهم لا يشتاقون إليها لسكرهم بحلالهم والمكذبون بيوم الدين والقائلون بنفي الجنة المحسوسة لا تشتاق إليهم الجنة ولا يشتاقون إليها
وقد بسط الشيخ الكلام على أحوال الجنة في الباب الخامس والستين من “ الفتوحات “ .
قال : ومن أعظم النعيم لأهل الجنة تنعمهم بالتمني فما يتوهم أحد منهم نعيما فوق نعيمه ويتمناه إلا حصل ووجد نفسه فيه بحسب ما توهمه ، إن توهمه معنى كان معنى وإن توهمه حسا كان محسوسا فهو تمن محقق لوجود ما يتمناه ،
قال : وما جاءهم هذا النعيم المقيم والجزاء على مدة طاعاتهم في دار الدنيا
“ 653“
(فالجواب ) : نعم روي ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ولفظ الحديث “ إن المؤمن إذا اشتهى الولد كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي “ وفي رواية “ ولكنه لا يشتهي “ قال الشيخ أبو طاهر : وأصل هذه المسائل وأشباهها نكتة واحدة وهي أن تعلم يا أخي أن شهوات النفوس في الدنيا تابعة لمشتهيات ومشتهيات أهل الجنة تابعة لشهواتهم فيها قال تعالىوَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ[ فصلت : 31 ]
ولم يقل أنفسكم تشتهي كل ما فيها فاعرف قدر هذه النكتة فإنها غريبة انتهى كلام الشيخ أبي طاهر رحمه اللّه . وأما كلام الشيخ محيي الدين رحمه اللّه تعالى فقال إن قيل كم أقسام أهل الجنة .
( فالجواب ) : هي أربعة أقسام الرسل والأولياء والمؤمنون والعلماء باللّه تعالى من طريق الأدلة العقلية .
( فإن قيل ) : فهل تتميز بعض هذه الأقسام عن بعض ؟ وبماذا يكون تميزهم ؟
( فالجواب ) : نعم يتميزون وذلك عند رؤية الحق جل وعلا في جنة عدن في الكثيب الأبيض ، وتميز كل قسم يكون بما هو جالس عليه فالرسل والأنبياء يكونون على منابر والأولياء على أسرة والعلماء باللّه من طريق البرهان والنظر العقلي يكونون على كراسي والمؤمنون المقلدون في توحيدهم يكونون على مراتب دون الأسرة انتهى .
( فإن قيل ) : فما المراد بحديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ؟ هل المراد لم يكن ذلك في حسابهم وظنهم أم المراد أنهم لا يحاسبون كغيرهم ؟
..............................................................
إلا من حيث نيتهم الصالحة التي كانوا نووها في دار الدنيا وهو أن أحدهم كان يتمنى أن لو قسم اللّه تعالى له جميع الطاعات حتى فعلها وداوم عليها مدى الدهر ، فلما قصرت به العناية في دار التكليف أعطاه اللّه تعالى نظير هذا التمني في الجنة فيكون له فيها ما تمناه فلحق بأصحاب تلك الأعمال في الدرجات الأخروية مع راحته في دار الدنيا من التعب كما ورد « أنه من نام على نية أنه يقوم من الليل فأخذ اللّه بروحه إلى الصباح كتب له قيام ليلة » الحديث بمعناه . قال : ولنا جنة برزخية أشار إليها القرآن العظيم في قوله تعالى : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [ محمد : 15 ] .
قال : وإنما كانت برزخية لأنها لا هي محسوسة لقوله تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [ الطور : 20 ] ولا روحانية كقوله تعالى : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ( 55 ) [ القمر : 55 ] فوصف اللّه تعالى الجنان على حسب تفاوت عقول الناس .
قال : وقد صرح المسيح عليه السلام بما أومأنا إليه من النعيم الروحاني .
فقال يوما للحواريين حين أوصاهم وفرغ من وصيته : فإذا فعلتم ما أمرتكم به كنتم غدا معي في ملكوت السماء عند ربي وربكم وترون الملائكة حول عرشه تعالى يسبحون بحمده ويقدسونه ، وأنتم هناك متلذذون بجميع اللذات من غير أكل ولا شرب .
قال : وإنما صرح المسيح بذلك ولم يرمزه لأن خطابه كان مع قوم قد
“ 654 “
(فالجواب ) : المراد به كما مر في مبحث الحساب أن دخول الجنة لم يكن في حسابهم ولا في ظنهم ولا تخيلوه قط فبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون وليس المراد به الحساب بين يدي اللّه عز وجل ذكره الشيخ في الباب الثامن والأربعين وثلاثمائة وقال في الباب السبعين من “ الفتوحات “ في معنى حديث البخاري “ من كان من أهل الصلاة دعي يعني يوم القيامة من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام فقال أبو بكر رضي اللّه عنه يا رسول اللّه ما على هذا الذي يدخل من تلك الأبواب كلها من بأس فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول اللّه فقال نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر “ معنى الحديث أن دعاء اللّه تعالى الناس إلى الدخول دعاء واحد فمنهم من يدخل من باب واحد ومنهم من يدخل من بابين ومنهم من يدخل من ثلاثة وأعمهم دخولا من دخل من الأبواب الثمانية في آن واحد ، وإيضاح ذلك أن أعضاء التكليف ثمانية لكل عضو منها باب فإياك يا أخي أن تنكر ذلك في الثواب الأخروي في الآن الواحد وأنت تشهد ذلك في العمل من فعل وترك كغاض بصره في حال استماعه وعظة في حال تلاوة في حال صيام تصدق في حال ورع في حال تحصين فرج كل ذلك بنية التقرب إلى اللّه تعالى قال وهذه المسألة من جملة مسائل ذي النون المشهورة التي تحيلها العقول وهو أن الواحد يكون بجسمه الواحد في أماكن مختلفة في الآن الواحد فأهل الكشف يعرفون هذه المسائل وأهل العقل ينكرونها فمن تحقق بمعرفة ما قلناه لم يتوقف في دخول الواحد الجنة من أبوابها الثمانية في آن واحد إذ النشأة الأخروية تعطي هذه الأمور كما أن نشأة الدنيا تعطي جميع شعب الإيمان في الإنسان في الزمان الواحد من غير استحالة انتهى .
..............................................................
هذبتهم التوراة وكتب الأنبياء وكانوا متهيئين لتصورها وقبولها بخلاف نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم فإنه اتفق مبعثه في قوم أميين أهل براري غير مرتاضين بعلوم ولا مقرين ببعث ولا نشور ، بل ولا عارفين بنعيم ملوك الدنيا فضلا عن نعيم ملوك الجنة فلذلك جاء أكثر أوصاف الجنان في كتابهم جثمانية تقريبا لفهم القوم وترغيبا لنفوسهم .
قال : ولما كانت أنهار الجنة أربعة أنهار لا غير علمنا قطعا أن التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور ماء ولبن وخمر وعسل ، فأنهار الماء لأصحاب العلوم التي تدخلها الآراء وأما أنهار اللبن الحليب الذي لم يتغير طعمه لعقده أو مخضه أو تربيته فهي لأصحاب العلم بأسرار الشرع من الأئمة المجتهدين وأما أنهار الخمر فهي للأمناء من أصحاب العلوم الذوقية كعلم الخضر عليه السلام وأما أنهار العسل المصفى فهي لأهل العلم بطريق الوحي والإيمان وصفاء الإلهام ، وأطال الشيخ في ذلك في الباب التاسع والأربعين ومائة .
( قال ) : واعلم أن أهل الجنة يعطون في الجنة التكوين ، فكل ما خطر له تكوينه كونه أسرع من لمح البصر فلا يزال أهل الجنة خلاقين دائما بإرادة اللّه تعالى ذلك لارتفاع الافتقار والذلة هناك ، إذ الجنة ليست بمحل لذلك وإنما محله الدنيا أو النار وأطال في ذلك . قال :
“ 655 “
( فإن قيل ) : هل لنا جنة معنوية أيضا كالحسية أو ماثم لنا جنة سوى الحسية ؟
( فالجواب ) : نعم إن الجنة على نوعين جنة معنوية وجنة حسية والعقل يعقل هاتين الجنتين معا كما أنه يعقل العالمين العالم اللطيف والعالم الكثيف ويعقل عالم الغيب وعالم الشهادة وإيضاح ذلك أن النفس الناطقة المكلفة لها نعيم بما تحمله من العلوم والمعارف من طريق نظرها وفكرها وما وصلت إليه من ذلك بالأدلة العقلية ولها أيضا نعيم بما تحمله من اللذات والشهوات بما تناله بالنفس الحيوانية من طريق قواها الحسية من أكل وشرب ونكاح ولباس وروائح ونغمات طيبة وصور حسان وغير ذلك .
( فإن قلت ) : فمم خلق اللّه تعالى هاتين الجنتين ؟ وهل خلقهما من مادة واحدة أم من مادتين ؟
( فالجواب ) : قد خلقهما اللّه من مادتين فأما الجنة المحسوسة فخلقها من رضاه وذلك لخلق كان بطالع الأسد الذي هو الإقليد ولذلك كانوا يقولون للشيء كن فيكون بإذن اللّه تعالى وأما الجنة المعنوية التي هي روح هذه الجنة المحسوسة فخلقها اللّه تعالى من الفرح الإلهي والكمال والابتهاج والسرور فكانت الجنة المحسوسة كالجسم وكانت المعنوية لها كالروح وقواه ولهذا سماه اللّه تعالى الدار الحيوان لحياتها فأهلها يتنعمون فيها وبها حسا ومعنى وقد ورد في الحديث “ أن الجنة اشتاقت إلى أربع بلال وعمار وعلي وسلمان “ فوصفها بالشوق إلى هؤلاء وما أحسن موافقة هذه الأسماء فإن بلالا مأخوذ من أبل الرجل من دائه إذا خلص منه وسلمان من السلامة من الآلام والأمراض وعمار من العمارة أي بعمارة أهلها لها يزول ألم شوقها إليهم
..............................................................
وفاكهة الجنة كما وصف اللّه تعالى لا مقطوعة ولا ممنوعة أي تؤكل من غير قطع فيقطف الإنسان ويأكل من غير قطع فالأكل موجود والعين باقية في غصن الشجرة ، وليس المراد بأن الفاكهة غير مقطوعة في شتاء ولا صيف أو يخلف مكان قطعها أخرى على الفور كما فهمه بعضهم ، فعين ما يأكله العبد هو عين ما يشهده ونظير ذلك سوق الجنة يظهر فيه صور حسان فإذا نظر أهل الجنان فكل صورة اشتهاها أحدهم دخل فيها فيلبسها ويظهر بها ملكه ولعينه وهو يراها في السوق ما انفصلت ولا فقدت ولو اشتهاها كل من في الجنة دخل فيها وهي على حالها في السوق ما برحت .
ذكره الشيخ في الباب التاسع والتسعين من “ الفتوحات “ . قال : وأقرب شيء شبها بذلك في الدنيا تصور الولي أي وجوده في عدة أماكن وهو ذات واحدة حقيقة في مظاهر متعددة في رأى العين ، ويليه بقرب الشبه صورة ما تراه في المرآة المقابلة لك فقد تكون في يدك تفاحة فتراها في المرآة لا تشك أنها صورة ما في يدك إلا أن الأول أشبه واللّه أعلم .
وقال في الباب الثاني والثمانين وثلاثمائة منها : اعلم أن الصور التي في سوق الجنة مباحة فكل من اشتهى صورة دخل فيها وينصرف بها إلى أهله كما ينصرف بالحاجة مشتريها من
“ 656 “
وأما علي فهو من العلو أي تعلو على النار التي هي أختها وأطال في ذلك
ثم قال : وتحقيق ذلك أن الناس في هذه المسألة على أربعة أقسام قسم يشتهي الجنة وتشتهيه الجنة وهم الأكابر من رجال اللّه عز وجل من رسول ونبي وولي كامل وقسم تشتهيه الجنة ولا يشتهيها هو وهم أرباب الأحوال من رجال اللّه المهيمون في جلال اللّه عز وجل حتى حجبهم ذلك عن شهود الجنة وما فيها وهؤلاء دون القسم الأول لجهلهم بما تطلب حقائقهم وقسم يشتهي الجنة ولا تشتهيه الجنة وهم عصاة الموحدين وقسم لا يشتهي الجنة ولا تشتهيه الجنة وهم المكذبون بيوم الدين والقائلون بنفي الجنة المحسوسة ولا خامس لهذه الأربعة أقسام .
( فإن قيل ) : فما عدد أنواع الجنان ؟
( فالجواب ) : هي ثلاثة أنواع جنة اختصاص وجنة ميراث وجنة أعمال .
( فإن قيل ) : فمن أهل هذه الجنان ؟
( فالجواب ) : أما جنة الاختصاص فهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل من أول ما يولد أحدهم إلى انقضاء ستة أعوام غالبا ويعطي اللّه تعالى من شاء من عباده من جهة الاختصاص ما شاء ومن أهلها المجانين الذين عقلوا وأهل التوحيد العلمي وأهل الفترات الذين لم يصل إليهم دعوة رسول من أهل التوحيد بالفطرة وأما أهل جنة الميراث فهم كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو آمنوا ودخلوها وأما أهل جنة الأعمال فهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فمن كان أفضل من غيره
السوق وقد يرى جماعة صورة واحدة من صور ذلك السوق فيشتهيها كل واحد من تلك الجماعة فيدخلها ويلبسها ، فيحوزها كل واحد من تلك الجماعة ومن لا يشتهيها بعينها واقف ينظر إلى كل واحد من تلك الجماعة قد دخل في تلك الصورة وانصرف بها إلى أهله والصورة كما هي في
..............................................................
السوق ما خرجت منه ولا يعلم حقيقة هذا الأمر إلا من أطلعه اللّه من طريق كشفه على نشأة الدار الآخرة واللّه أعلم .
قال : والذي أعطاه الكشف الصحيح أن أجسام أهل الجنة تنطوي في أرواحهم فتكون الأرواح ظروفا للأجسام عكس ما كانت في الدنيا فيكون الظهور والحكم في الدار الآخرة للروح لا للجسم ، قال : ولهذا يتحولون في أي صورة شاءوا كما هم اليوم عندنا الملائكة وعالم الأرواح .
وقال : وتجوهر أبدان أهل الجنة بحسب صفاء أعمالهم الصالحة في دار الدنيا من الشوائب فكل من كان أكثر إخلاصا في علمه وعمله كان بدنه أشف وأنور .
قال : وإذا اشتهى أهل الجنة التناسل حصل ، فيجامع الرجل زوجته الآدمية أو الحوراء فيوجد اللّه تعالى عن كل دفعة ولدا وذلك لأن اللّه تعالى قد جعل هذا النوع الإنساني غير متناهي الأشخاص لشرفه عنده . قال : ولذة الجماع هناك تضاعف على لذة جماع أهل الدنيا أضعافا مضاعفة فيجد كل من الرجل والمرأة لذة لا يقدر قدرها لو وجداها في الدنيا غشي
“ 355 “
في وجوه التفاضل كان له من الجنة أكثر واعلم أن الرسل عليهم الصلاة والسلام ما فضلوا على غيرهم إلا بجنة الاختصاص وأما في العمل فيشاركهم غيرهم فيه .
( فإن قلت ) : فإذن جنة الاختصاص الإلهي لا تقبل التحجير ولا الوراثة ولا العمل ؟
( فالجواب ) : نعم وهو كذلك لأنها إنما هي فضل من اللّه تعالى يخص بها من يشاء من عباده .
( فإن قلت ) : فكم في جنة الأعمال من درجة ؟
( فالجواب ) : درجاتها مائة درجة لا غير كما أن النار كذلك مائة درك كما مر في مبحث النار .
قال الشيخ محيي الدين : ثم إن هذه المائة درجة تكون في كل جنة من الجنان الثمانية وصورتها جنة في جنة وأعلاها جنة عدن ويليها جنة الفردوس وهي أوسط الجنان ويليها جنة الخلد ويليها جنة النعيم ويليها جنة المأوى ويليها دار السلام ويليها دار المقامة .
وأما الوسيلة فهي أعلى درجة في جنة عدن وهي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خاصة كما مر في مبحث أفضليته على سائر الأنبياء والمرسلين وإنما توقف حصولها له على دعاء أمته غيرة إلهية أن ينفرد أحد دون اللّه تعالى بالغنى المطلق .
وقال الشيخ محيي الدين : ولا يخفى أن الراحة في الجنة مطلقة وكذلك الرحمة وإن كانتا ليستا بأمر وجودي إذ هما عبارة عن الأمر الذي يلتذ به ويتنعم به المرحم وذلك هو الأمر الوجودي فكل من في الجنة متنعم وكل ما فيها إلا راحة النوم فإن أهل الجنة ما عندهم من نعيمه شيء لعدم التعب والنصب وإنما راحة النوم خاصة بأهل جهنم لكن
...........................................................................................
عليهما من شدة حلاوتها ولكن تلك اللذة إنما تكون بخروج ريح إذ لا منيّ هناك كالدنيا كما صرحت به الأحاديث فيخرج من كل من الزوجين ريح مثيرة كرائحة المسك فيلقيان في الرحم فيتكون من حينه فيها ولد وتكمل نشأته ما بين الدفعتين فيخرج ولدا مصورا مع النفس الخارج من المرأة ولا يزال هذا الأمر لهم دائما كلما شاءوا .
قال : ويشاهد هذان الأبوان كل من تولد عنهما من ذلك النكاح في كل دفعة ثم إن الأولاد يذهبون فلا يعودون إليهم أبدا كالملائكة المتطورين من أنفاس بني آدم في دار الدنيا لا يعودون إليهم ، كالملائكة السبعين ألفا الذين يدخلون البيت المعمور كل يوم .
قال : ولا حظّ لهؤلاء الأولاد في النعيم المحسوس ولا المعنوي إنما نعيمهم برزخي كنعيم صاحب الرؤيا .
وقال : وقد يقع مثل ذلك لبعض الأولياء في دار الدنيا فينكح الولي من حيث روحه زوجته من حيث روحها فيتولد بينهما أولاد روحانيون بأجسام وصور محسوسات ،
قال : وقد وقع لنا ذلك مرات وأطال في ذلك في الباب التاسع والستين وثلاثمائة .
( قلت ) : وليس لأهل الجنة أدبار مطلقا لأن الدبر إنما خلق في الدنيا مخرجا للغائط ولا غائط هناك ولو أن ذكر الرجل أو فرج المرأة يحتاج إليه في جماعهم وفي ولادتها إن وقعت لما كان وجد في الجنة فرج لعدم البول فيها واللّه أعلم .
“ 658 “
في أوقات كما تقدم في الكلام عليها ، قال وهذا يدلك على أن النار محسوسة بلا شك ويؤيد ذلك قوله تعالى كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [ الإسراء : 97 ]
إذ النار لا تتصف بهذا الوصف إلا من حيث قيامها بالأقسام لا من حيث ذاتها ولا تقبل الزيادة ولا النقص وإنما الجسم المحرق بالنار هو الذي يسجر بالنارية وأطال في ذلك .
( فإن قلت ) : إن اللّه تعالى قد وصف الجنة بقوله تعالى وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ مريم : 62 ] مع أنه ليس في الجنة شمس ولا قمر فكيف يعرف أهل الجنة البكرة والعشي ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الثامن والتسعين وثلاثمائة : إن لأهل الجنة مقادير يعرفون بها انتهاء مدة الشمس في الدنيا في طلوعها وغروبها فيعلمون بتلك المقادير حد ما كان في الدنيا بكرة وعشيا وعند ذلك يتذكرون أنه كان لهم في الدنيا حالة تسمى الغداء والعشاء فيأتيهم اللّه عند ذلك التذكر برزق بكرة وعشيا فهو رزق خاص في وقت خاص معلوم عندهم وما عدا ذلك فأكلها دائم لا ينقطع إذ الدوام في الأكل هو عين النعيم الذي يكون به غذاء الجسم ولكن لا يشعر بذلك كثير من الناس ، وإيضاح ذلك أن الإنسان إذا أكل الطعام حتى شبع فليس لك بغذاء ولا هو بأكل على الحقيقة وإنما هو كالجابي الجامع للمال في خزانته والمعدة خزانة لما جمعه هذا الأكل من الأطعمة والأشربة فإذا جعل فيها أي في المعدة ورفع يده فحينئذ تتولاها الطبيعة بالتدبير وينتقل ذلك الطعام من حال إلى حال وتغذيه بها في كل نفس يخرج عنه دائما فهو لا يزال في هذا دائما لولا ذلك لبطلت الحكمة في ترتيب نشأة كل
..............................................................
قال : ونعيم أهل الجنة مطلق والراحة فيها مطلقة إلا راحة النوم فليس عندهم من نعيم راحته شيء لأنهم ينامون ولا يعرف شيء إلا بذوق ضده .
وقال : وأما أهل النار فينامون في أوقات ببركة محمد صلى اللّه عليه وسلم وذلك هو القدر الذي ينالهم من النعيم ونسأل اللّه العافية آمين .
قال الشيخ محيي الدين : وهذا يدلك على أن النار محسوسة بلا شك كما أشار إليه قوله تعالى :كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً[ الإسراء : 97 ]
فإن النار ما تتصف بهذا الوصف إلا من كون قيامها بالأجسام لأن حقيقة النار لا تقبل هذا الوصف من حيث ذاتها ولا تقبل الزيادة ، وإنما الجسم المحرق بالنار هو الذي يسجر بالنار ، ذكره في آخر الباب الخامس والستين من “ الفتوحات “ .
قال : واعلم أن عدد الجنات من حيث المراتب ثلاثة .
جنة اختصاص وجنة ميراث وجنة أعمال ولكل واحدة منها أهل كما ذكره الشيخ في الباب السابع والسبعين ومائتين من “ الفتوحات “ .
فأهل جنة الاختصاص الأنبياء والأطفال والمجانين أهل التوحيد العلمي ومن لم تبلغه دعوة نبي ، وسميت بجنة الاختصاص لأنها لم تكن عن عمل سابق ، وأهل جنة الميراث هم كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها كما ورد أنه يقال للمؤمن : “ هذا مكانك من النار قد أبدلك اللّه به مكانا من الجنة “ وسبب وقوع هذا القول للمؤمن أن الوجود كله يطلب الإنسان وليس بعض الوجود في حقه أولى من بعض فإذا
“ 659 “
متغذ ثم إذا دخلت الخزانة تحرك الطبع الجاني إلى تحصيل ما يملؤها به فلا يزال الأمر هكذا دائما أبدا فهذا هو صورة الغذاء في المتغذي فعلم أن التغذي موجود في كل نفس دنيا وأخرى وأطال الشيخ في ذلك .
وقال في الباب الثامن والثمانين وثلاثمائة في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [ يونس : 26 ] .
اعلم أن في هذه الآية تعيينا لمعين وزيادة لغير معين إذ الزيادة هي كل ما لا يخطر بالبال كما أشار إليه حديث « إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » فلا بد أن يكون غير معلوم البشر ولا بد أن يكون للبشر صفة غير معلومة ولا معينة منها يحصل له هذا الذي ذكر أنه ما خطر على قلب بشر موازنة مجهول لمجهول وفي القرآن العظيم : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [ السجدة : 17 ]
فإنكار النفس ونفى العلم بما أخفي له من قرة أعين فعلمنا على الإجمال أنه أمر مشاهد لكونه تعالى قرنه بالأعين ولم يقرنه بأذن ولا بشيء من الإدراكات وأطال في ذلك .
( فإن قلت ) : فما المراد بحديث الصور التي في سوق الجنة هل هي برازخ أم لا ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الثاني والثمانين وثلاثمائة : إنها كلها برازخ وذلك أن أهل الجنة يأتون إلى هذا السوق من أجل هذه الصور التي تنقلب فيها أعيان أهل الجنة فإذا دخلوا هذا السوق صار كل من اشتهى صورة دخل فيها وانصرف بها إلى أهله كما ينصرف بالحاجة مشتريها من السوق وقد يرى جماعة صورة واحدة من صور ذلك السوق فيشتهيها كل واحد من تلك الجماعة فيدخل فيها ويلبسها ويحوزها كل واحد من تلك الجماعة ومن لا يشتهيها بعينها واقف ينظر إلى كل واحد من تلك الجماعة قد دخل في تلك الصورة وانصرف
..............................................................
أمر اللّه بعبده إلى الجنة بفضله وكرمه بقيت نسبته من النار تستدعي حظها وملأها وكذلك من يدخل النار تبقى نسبته في الجنة تستدعي حظها وملأها فيقال له : انظر مكانك في الجنة ، لو كنت آمنت باللّه تعالى لدخلتها فيزداد حسرة وندامة .
( قال ) : وأما أهل جنة الأعمال فهم أهل الأعمال الصالحة ، فمن لم يكن له عمل صالح في دار الدنيا لا يكون له في جنة الأعمال نصيب ، لأن الناس إنما ينزلون فيها بأعمالهم فقط ،
قال تعالى في هذه الجنة: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ النحل : 32 ] .
وقال : تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ الأعراف : 43 ].
قال : وهذه الجنة مشتملة على بضع وسبعين جنة على عدد شعب الإيمان لا يزيد على عددها ولا تنقص ، والبضع من الواحد إلى التسع فمن جمع شعب الإيمان كلها فهو الذي يتبوأ من الجنة حيث يشاء .
قال : وصورة مجاورة الجنان الثمانية لبعضها بعضا دوائر ثمانية جنة في قلب جنة ، أعلاها عدن وهي قصبة الجنة بمنزلة دار الملك يدور عليها ثمانية أسوار بين كل سورين جنة ، ويلي جنة عدن في العلو والفضل جنة الفردوس ثم جنة الخلد ثم جنة النعيم ثم جنة المأوى ثم دار السلام ثم دار المقامة . قال : وكل جنة يصدق عليها اسم أخواتها ، فجنة النعيم جنة خلد ودار سلام وجنة مأوى ودار مقامة
“ 650 “
بها إلى أهله والصورة كما هي في السوق ما خرجت منه فلا يعلم حقيقة هذا الأمر الذي نص عليه الشرع ووجب به الإيمان إلا من علم نشأة الآخرة وحقيقة البرزخ وعلم تجلي الحق تعالى للقلوب وأنه لا يكون إلا بصورة الاستعدادات إذ المشاهد لذلك يشهد ببصره تحوله في الصور ويعلم عقلا أنها ما تحولت قط لكل قوة أدركت بحسب ما أعطتها ذاتها وقد صدق اللّه تعالى العقل في حكمه والبصر في حكمه وله تعالى بنفسه علم آخر غير ما أدركه العقل والبصر انتهى .
( فإن قلت ) : ما هذا الكثيب الأبيض الذي يكون في جنة عدن ؟
( فالجواب ) : هذا مسك أبيض تضع الملائكة عليه منابر الأنبياء وأسرة الأولياء ومراتب المؤمنين كما مر .
وجنة عدن هي قصبة الجنان وقلعتها وهي حضرة الملك الخاصة وحضرة خواصه لا يدخلها أحد من العامة إلا بحكم الزيارة .
ذكره الشيخ في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة وأطال فيه ثم قال : واعلم أنه إذا أخذ الناس منازلهم في الجنة استدعاهم الحق تعالى إلى رؤيته فيسارعون للرؤية على قدر مراتبهم ومسارعتهم إلى الطاعات في دار الدنيا سرعة وبطئا فإن من الناس السريع ومنهم البطيء ومنهم المتوسط فإذا اجتمعوا في الكثيب عرف كل شخص مرتبته علما ضروريا يجري إليها فلا ينزل إلا فيها كما يجري الطفل إلى الندى والحديد لحجر المغناطيس ولو رام أحد أن ينزل في غير مرتبته لما قدر ولو رام أن يتعشق لغير مرتبته لما استطاع بل كل واحد يرى في منزلته أنه بلغ منتهى أمله وقصده فهو متعشق لما هو فيه من النعيم تعشقا طبيعيا ذاتيا ولولا ذلك لكانت الجنة دار ألم وتنغيص عيش ولم تكن دار نعيم غير
..............................................................
وهكذا .
قال : والوسيلة الخاصة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أعلى جنة عدن تسمى فيها دار المقامة .
قال : ولسائر الجنان اتصال بهذه الوسيلة ليتنعموا بشهوة طلعة صاحبها صلى اللّه عليه وسلم ويتفرع منها سائر الجثاب ، فلها شعبة في كل جنة ومن تلك الشعبة يظهر محمد صلى اللّه عليه وسلم لأهل تلك الجنة فهي في كل جنة أعظم منزلة تكون فيها .
قال الشيخ في الباب السادس والتسعين ومائتين : ودرجات الجنة على عدد دركات النار ، لأنه ما من درجة إلا ويقابلها درك من النار حتى أنه تعالى لما قال في أهل الجنة : وَلَدَيْنا مَزِيدٌ [ ق : 35 ] ،
قال في أهل النار : زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [ النحل : 88 ]
إلا أنه ليس في النار دركة اختصاص كما سيأتي ، وإيضاح ذلك أن الأمر والنهي لا يخلو العبد إما أن يعمل بهما أو لا يعمل ، فإن عمل بالأمر كانت له درجة في الجنة معينة لذلك العمل خاصة ، وفي موازنة هذه الدرجة المخصوصة لهذا العمل الخاص إذا تركه الإنسان درك في النار لو سقطت حصاة من تلك الدرجة في الجنة لوقعت على خط استواء في ذلك الدرك من النار ، فإذا سقط الإنسان من العمل بما أمر فلم يعمل كان ذلك الترك لذلك العمل عين سقوطه إلى ذلك الدرك .
قال : واعلم أن الأعراف هو درج العمل بالأمر والنهي ودرك ترك العمل بهما فما منع صاحب
“ 661 “
أن الأعلى له نعيم لما هو فيه في منزلته وعنده نعيم الأدنى وأدنى الناس من لا نعيم له إلا بمنزلة خاصة وأعلاهم الذي لا أعلى منه من له نعيم ، فعلم أن كل شخص مقصور عليه نعيمه وهذا حكم عجيب .
( فإن قلت ) : فإذا وقع التجلي الإلهي فهل هو عام لجميع المعتقدات فيأخذ كل واحد من ذلك التجلي الواحد حظه أم لكل شخص تجل مستقل ؟
( فالجواب ) : ليس هناك إلا تجل واحد عام لسائر صور المعتقدات الشرعية فالتجلي واحد من حيث العين وكثير من حيث اختلاف الصور ثم إن الخلق إذ رأوا ربهم جل وعلا انصبغوا عن آخرهم بنور ذلك التجلي فظهر كل واحد منهم بنور على صورة ما شاهده بحسب استعداده .
( فإن قلت ) : فهل من عرف الحق تعالى في الدنيا في سائر مراتب التنكرات الإسلامية يراه في الآخرة كذلك أم لا ؟
( فالجواب ) : نعم يرى ربه في صورة كل اعتقاد إسلامي فما ألذها من رؤية فمثل هذا له نور كل معتقد كما أن من عرف الحق تعالى من طريق عقله في طريقة من الطرق كان نوره بحسب تلك الطريقة فقط وقد تقدم في مبحث رؤية اللّه عز وجل أقسام الناظرين إلى ربهم في الدار الآخرة ومراتبهم فراجعه .
( فإن قلت ) : فهل شجرة طوبى أصل لجميع شجر الجنان كآدم عليه السلام لما جمع في
..............................................................
الأعراف من النزول إلى درك تلك الأعمال السيئة إلا التوحيد وأطال في ذلك .
ثم قال : واعلم أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم ملء الجنان ، فلا ولي يتنعم بجنته إلا وهو صلى اللّه عليه وسلم متنعم بنعمته مشارك له فيها لأن الولي ما وصل إلى ذلك إلا باتباعه له صلى اللّه عليه وسلم فلهذا كان سر النبوة قائما به في تنعمه وهو معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها “
فله صلى اللّه عليه وسلم أجر جميع الأنبياء من تبعهم لكونه نبي الأنبياء ، لكل نبي أجر من تبعه من غير أن ينقص من أجرهم شيء .
وقال : وأما منزلته صلى اللّه عليه وسلم يوم الزور الأعظم على يمين العرش ، ومنزلته يوم القيامة بين يدي الحكم العدل من حضرات الأسماء الإلهية لتنفيذ الأوامر الإلهية ، فكل أهل موقف يأخذون عنه في ذلك الموطن لأنه وجه كله يرى من جميع جهاته وله من كل جانب أعلام من اللّه تعالى يفهم عنه ما يريد على لسان ملك بصوت وحرف لكمال النعيم والأنس ،
وأما شجرة طوبى فهي في منزل الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وهي حجاب مظهر نور فاطمة الزهراء رضي اللّه عنها ، فما من جنة ولا درجة ولا بيت ولامكان إلا وفيه فرع من شجرة طوبى وذلك ليكون سر كل نعيم في كل جنة ، ونصيب كل ولي فيها من نور فاطمة رضي اللّه عنها في حجاب ذلك الفرع ، وأطال الشيخ في ذلك في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة . وقال : فشجرة طوبى لجميع شجر
“ 662 “
ظهره من البنين ؟
( فالجواب ) : نعم هي لجميع شجر الجنان كآدم بالنسبة لبنيه فإن اللّه تعالى لما غرسها بيده وسواها نفخ فيها من روحه كما فعل في مريم عليها السلام ولذلك كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى ويبرء الأكمه والأبرص من العلل التي لا قوة للخلق على برئها من حيث هو إنسان فكما أن شرف آدم كان باليدين ونفخ الروح وكان ثمرة ذلك النفخ علم الأسماء كذلك كان شرف شجرة طوبى بغرسها باليد كما يليق جلاله تعالى ونفخ الروح فيها وكان ثمرة ذلك النفخ تزيينها بثمر الحلى والحلل اللذين هما زينة لكل لابس فأعطت شجرة طوبى كل ما فيها من ثمر الجنة كما أعطت النواة النخلة جميع ما تحمله من النوى الذي في جميع ثمرها .
( فإن قلت ) : قد تقدم مذهب الشيخ أبي طاهر رحمه اللّه في توالد أهل الجنة فما مذهب الشيخ محيي الدين في ذلك الباب ؟
( فالجواب ) : أن مذهبه وجود التناسل في الجنة ووقوع التوالد من حيث الأجسام والأرواح وعبارته في الباب التاسع والستين وثلاثمائة : اختلف أصحابنا في هذا النوع الإنساني هل تنقطع أشخاصه بانتهاء مدة الدنيا أم لا فمن لم يكشف له قال بانتهائه ومن كشف له قال بعدم انتهائه . وقال : إن التوالد في الآخرة في هذا النوع الإنساني باق في المثل إذ الحق تعالى لم يوجد شيئا في العالم الذي لا أكمل منه إلا وله مثال في خزائن الجود في كرسيه تعالى وتلك الأمثال التي تحوي عليها تلك الخزائن لا تتناهى أشخاصها فالأمثال في كل نوع توجد في كل زمان فرد في الدنيا والآخرة لبقاء كل نوع وجد منه .
..............................................................
الجنات كلها كآدم لما ظهر فيه من البنين ، وذلك أن اللّه تعالى لما غرس شجرة طوبى بيده ونفخ الروح زينها بثمر الحلى والحلل اللذين هما زينة لكل لابس ، فنحن على التحقيق أرضها كما قال تعالى : إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها [ الكهف : 7 ]
وأعطت من حقيقتها ثمار الجنة عين ما هي عليه ، كما أعطت النواة النخلة وما تحمله مع النوى الذي في ثمرها انتهى .
قال : واعلم أن جميع التفاضل الواقع في النعيم بين الأنبياء إنما هو من حيث جنة الاختصاص ، وأما جنة الأعمال فهم فيها متساوون من حيث أن كل عامل لخير له جنة جزاء عمله ويقع التفاضل بحسب المشاهد في الأعمال وقوة الاستعداد وضعفه .
يتبع
.
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
اليواقيت والجواهر وبالحاشية الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني
المبحث الحادي والسبعون : في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام
وقال : وأما الطائفة الذين يعطيهم اللّه تعالى في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فهم أهل التوحيد في الأفعال الذين يشهدون أعمالهم خلقا للّه لا لهم حال مباشرة الأعمال فيفعلونها امتثالا لأمر اللّه من غير أن يعينوا لهم في أنفسهم جزاء فكان جزاؤهم غير محدود ، وذلك لأن عيونهم لم تر عملهم وآذانهم لم تسمع به ولم تخطر أعمالهم على قلب بشر من غيرهم أو منهم لتجردهم عنها للّه وحده ما عدا نسبة التكليف .
قال : ويعرف أهل الجنة فيها الليل والنهار بالكشف والرؤية والمقادير التي في الفلك الأطلس المعبر عنها بالبروج ، فيعلمون
“ 663 “
(فإن قلت ) : فهل الحور العين على صورة نساء الدنيا أم لا تشبهها إلا في الاسم فقط كما قاله ابن عباس بالنظر إلى فواكه الجنة ؟ وما كيفية جماع الحور العين ؟
( فالجواب ) : صورة خلق جميع الحور العين على صورة خلق الإنس مع أنهن لسن بأناسى وأما صورة نكاحهن فكما ينكح الرجل منا المرأة الآدمية الإنسانية كذلك ينكح الحور في الزمن الفرد وهذا النكاح خاص بالسعداء من بني آدم فليس للأشقياء نصيب من النكاح في النار .
قال الشيخ محيي الدين في الباب التاسع والستين وثلاثمائة بعد كلام طويل :
فعلم أن الرجل منا لو أراد أن ينكح جميع ما عنده من النساء والحور العين لنكحهن في لمحة واحدة من غير تقدم ولا تأخر لخرق العوائد هناك وذلك مثل فاكهة الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فهي تقطف دائما من غير فقدان مع وجود أكل وطيب طعم فإذا أفضى الرجل إلى الحوراء أو الإنسية كان له في كل دفعة شهوة ولذة لا يقدر قدرها لو وجدها أهل الدنيا لغشي عليهم من شدة حلاوتها فيكون من الشخص في كل دفعة ريح مثيرة تخرج من ذكره فيتلقاها رحم المرأة فيتكون من حينه فيها ولد في كل دفعة وتكمل نشأته ما بين الدفعتين فيخرج مولودا مصورا مع النفس الخارج من المرأة روحا مجردا طبيعيا فهذا هو صورة التوالد الروحاني في البشر مع الجنس المختلف والمتماثل ولا يزال الأمر كذلك دائما أبدا .
( فإن قلت ) : فهل يشاهد الأبوان ما تولد عنهما من ذلك النكاح أم لا ؟
( فالجواب ) : نعم يشاهدان ما تولد منهما من ذلك النكاح ثم تخفى تلك الأولاد عنهما فلا يعودون ، كالملائكة التي تدخل البيت المعمور كل يوم لا يعودون إليه أبدا .
..............................................................
بذلك حد ما كان عليهم في دار الدنيا مما يسمى بكرة وعشيا وكان لهم في هذا الزمان في الدنيا حالة تسمى الغذاء والعشاء فيتذكرونها هنالك فيأتيهم اللّه تعالى برزق خاص في ذلك الوقت الخاص فلذلك قال تعالى : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ مريم : 62 ]
إذ لا شمس هناك ولا قمر . قال : ومعنى قوله تعالى : في الجنة أُكُلُها [ الرعد : 35 ]
دائم أن الأكل لا ينقطع عنهم متى اشتهوه ، ولا أنهم يأكلون دائما فالدوام في الأكل هو عين التنعيم بما يكون به الغذاء للجسم ، فإذا أكل الإنسان حتى شبع فليس ذلك بغذاء ولا بأكل على الحقيقة وإنما هو كالجابي الجامع للمال في خزانته ، والمعدة جامعة لما جمعه هذا الآكل من الأطعمة والأشربة فإذا اختزن ذلك في معدته ورفع يده فحينئذ تتولاها الطبيعة بالتدبير وينتقل ذلك الطعام من حال إلى حال ، ويغذيه بها في كل نفس فهو لا يزال في غذاء دائم ولولا ذلك لبطلت الحكمة في ترتيب نشأة كل متغذ ، ثم إن الخزانة إذا خلت من الأكل حرك الطبع الجابي إلى تحصيل ما يملؤها به وهكذا على الدوام .
قال : فهذا معنى قوله : أُكُلُها دائِمٌ [ الرعد : 35 ]
وأطال الشيخ في ذلك في الباب الثامن والتسعين وثلاثمائة فراجعه . قال : واعلم أن الحركة التي كانت تسير بالشمس ويظهر من أجلها طلوعها وغروبها موجودة في الفلك الأطلس الذي هو سقف الجنة ، وجميع
“ 664 “
( فإن قلت ) : فهل لهؤلاء الأولاد حظ في النعيم المحسوس ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ محيي الدين : ليس لهؤلاء الأولاد نعيم محسوس ولا معنوي وإنما نعيمهم برزخي كنعيم صاحب الرؤيا بما يراه في حال نومه وذلك ما يقتضيه النشء الطبيعي فلا يزال النوع الإنساني يتوالد ولكن على هذا الحكم الذي ذكرناه .
( فإن قلت ) : فما صورة توالد الأرواح البشرية ؟ فإنه بلغنا أن لها في الآخرة مثل ما لها في الدنيا من الاجتماعات البرزخيات مثل ما يرى النائم في النوم .
( فالجواب ) : أن صورة توالد الأرواح في الآخرة صورة ما يرى النائم في الدنيا أنه نكح زوجته وولد له ولد فكل من أقيم في هذا المقام ونكح زوجته من حيث روحها وروحه يولد له أولاد من ذلك النكاح الذي بينهما روحانيون يخالف حكمهم حكم المولودين من النكاح الحسي في الأجسام والصور المحسوسات فتخرج الأولاد ملائكة كراما لا بل أرواحا مطهرة فهذه صورة توالد الأرواح لكن لا بد أن يكون ذلك عن تجل برزخي كتجلي الحق تعالى في الأحوال المقيدة فإن البرزخ أوسع الحضرات لقبوله وجود المحلات العقلية فإذن صورة نكاح أهل الجنة صورة نشء الملائكة أو الصور من أنفاس الذاكرين للّه تعالى وما يخلق تعالى من صورة الأعمال كما صحت بذلك الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأطال في ذلك في الباب السابق .
( فإن قلت ) : فما الحكمة في قوله تعالىوَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ[ فصلت : 31 ] دون أن يقول ولكم فيها ما تريد أنفسكم ؟
..............................................................
الكواكب السيارة في النار كلها سابحة فيها كسباحتها الآن في أفلاكها على حد سواء . قال :
ولولا ذلك ما عرف أهل التقويم الآن متى يكون الكسوف ، ولا كم يذهب من ضوء الشمس عن أعيننا فلو لا المقادير الموضوعة والموازين المحكمة التي قد علمها اللّه تعالى للمقومين ما علم أحد منهم ذلك .
قال : واعلم أن الكثيب الذي في جنة عدن هو مسك أبيض وجنة عدن هي قصبة الجنان وقلعتها وحضرة الملك الخاصة ولا يدخلها غير الخواص إلا بحكم الزيارة .
وقال : وفي هذا الكثيب منابر وأسرة وكراسي ومراتب لأنّ أهل الكثيب أربع طوائف :
رسل وأنبياء وأولياء ومؤمنون ، وكل صنف منها متفاضل وإن اشتركوا في المنابر
مثلا قال تعالى : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [ البقرة : 253 ] .
وقال : وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ [ الإسراء : 55 ]
وقال : وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ [ الأنعام : 165 ]
يعني الخلق فدخل فيه جميع بني آدم دنيا وآخرة ، فإذا أخذ الناس منازلهم في الجنة استدعاهم الحق تعالى إلى رؤيته فيسارعون على قدر مراتبهم ومشيهم هنا في طاعة ربهم ، فإن منهم البطيء ومنهم السريع ومنهم المتوسط ويجتمعون في الكثيب وكل شخص يعرف مرتبته علما ضروريا يجري إليها ولا ينزل إلا فيها كما يجري الطفل إلى الثدي لو رام أحدهم أن ينزل في غير مرتبته لما قدر ولو رام أن يتعشق بغير منزلته لما استطاع بل يرى في منزله أنه قد بلغ منتهى أمله وقصده فهو يتعشق بما
“ 665 “
( فالجواب ) : الحكمة في ذلك كما قاله الشيخ في الباب الثامن والعشرين وثلاثمائة أن ما كل مراد مشتهى إذ الإرادة تعلق بإيجاد ما يلتذ به وبما لا يلتذ به وأما الشهوة فإنها خاصة بالملذوذ ولذلك كان السعداء يأخذون الأعمال بالإرادة والقصد ويأخذون النتائج بالشهوة فمن رزق الشهوة في حال العمل فالتذ بالعمل التذاذه بنتيجته فقد عجل له نعيمه ومن رزق الإرادة في حال العمل من غير شهوة فهو صاحب مجاهدة ينال النتيجة بشهوة ولكنها مرتبة دون الأولى .
( فإن قيل ) : لم كانت الشهوات في الآخرة لا تمنع شهود تجليات الحق تعالى ولا يحجب صاحبها كما هو حكم تناول الشهوات في هذه الدار مع أن اللذة بالشهوات في الدار الآخرة أعظم من لذة شهوات الدنيا ؟
( فالجواب ) : إنما كانت شهوات الآخرة لا تحجب عن اللّه تعالى لأن التجلي هناك على الأبصار ، وليست الأبصار بمحل للشهوات بخلاف التجلي في هذه الدار فإنما هو على البصائر والبواطن دون الظواهر ومعلوم أن البواطن هي محل الشهوات ولا تجتمع الشهوات المذمومة والتجلي الإلهي في محل واحد أبدا فلذلك جنح العارفون والزهاد في هذه الدار إلى التقلل من نيل شهوات النفوس في هذه الدار حين رأوها حاجبة لهم عن شهود الأمر على ما هو عليه إذ المانع عن إدراك العلوم والأنوار والتجليات إنما هو كدورات الشهوات والشبهات الهادمة لركن الورع الشرعي في الجوارح مع أن كدورات الشهوات تؤثر في الاستعداد وتورث الحجاب وإن كان المطعم والمشرب والمنكح مثلا حلالا فافهم ذكره في الباب الخامس عشر من
..............................................................
هو فيه من النعيم تعشقا طبيعيا ذاتيا ولولا ذلك لكانت دار ألم وتنغيص ولم تكن جنة ولا دار نعيم ، غير أن الأعلى له نعيم بما هو فيه في منزلته وعنده نعيم الأدنى .
قال : وأدنى الناس منزلة مع أنه ليس هناك أدنى من لا نعيم له إلا بمنزلة خاصة ، وأعلاهم الذي لا أعلى منه من له نعيم بالكل ، فعلم أن كل شخص نعيمه مقصور عليه فما أعجب هذا الحكم ، ثم إذا نزل الناس في الكثيب للرؤية وتجلى الحق تعالى تجليا عاما كان التجلي واحدا من حيث العين وكثيرا من حيث اختلاف الصورة ، فإذا رأوه انصبغوا عن آخرهم بنور ذلك التجلي فمن علمه في كل معتقد شرعي فله كل معتقد من علمه في اعتقاد خاص لم يكن سوى نور صورة ذلك المعتقد .
قال : واعلم أن الخلق في حال الرؤية لا بد أن يفنوا عنهم ، فلم يقع لهم لذة في زمان رؤيتهم فإن اللذة عند أول التجلي حكم سلطانها عليهم فأفنتهم عنها وعن أنفسهم فهم في اللذة في حال فناء لعظيم سلطانها قال : وهذا ذوق غريب لا يعرفه إلا من ذاقه لا يقدر على إنكاره من نفسه.
قال : وإذا وقع لأهل الجنة رؤية اللّه عز وجل كان الناس فيها على أقسام : فمنهم من يرى ربه بباصر العين ومنهم من يراه بكلها ، ومنهم من يراه بجميع وجهه ومنهم من يراه بجميع جسده وهذه تكون للأنبياء وكمل ورثتهم بحكم التبع لهم .
“ 666 “
“ الفتوحات “ .
( فإن قيل ) : فكم مرة يزور العبد ربه في كل يوم ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب الثامن والتسعين ومائة أن زيارة كل عبد لربه في الجنة تكون على قدر صلاته كما أن رؤيته له في الآخرة تكون على قدر حضوره معه في صلاته كما أن مجالسته لربه تكون على قدر فعله للواجبات والمندوبات وترك الحرام والمكروهات في دار الدنيا كما أن مجالسة العبد لربه في المباح تكون على حسب النية فيه فإن شهد العبد ربه أو بنية صاحب التشريع في فعله للمباح ولم يفعله مع الغفلة كما هو الغالب كان حكمه حكم المندوب فيحضر مع ربه هناك كما يحضر معه في فعل المندوب وإن حجب عن ذلك وفعل المباح مع الغفلة ليس له حظ مما ذكرناه .
( فإن قلت ) : فهل نبق سدرة المنتهى يكون عدد أهل الجنة كما قيل من غير زيادة أم هو زائد على عددهم كما هو الحكم في فواكه الدنيا ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في الباب السابق أن نبقها يكون على عدد نسمة السعداء وأعمالهم بل نقول : إن النبق عين أعمالهم
وأطال في ذلك ثم قال : فعلم أنه ليس في جنة الأعمال قصر ولا طاق إلا وغصن من أغصان هذه السدرة داخل فيه وفي ذلك الغصن من الثمر على قدر ما في العمل الذي هو الغصن صورته من الحركات .
( فإن قلت ) : فما حكم ورقها في الحسن وعدمه ؟
..............................................................
وقال : وليس بين الخلق وبين ربهم هناك إلا حجاب العظمة لا غير . وهو أنهم يرونه بقدر وسعهم وطاقتهم لا غير من غير إحاطة ، فقصورهم عن الإحاطة هو حجاب العظمة .
قال : وتشبيهه صلى اللّه عليه وسلم رؤيتنا للّه تعالى برؤيتنا للشمس والقمر ليس المراد بها رؤيتنا لهما حال ضوئهما ، وإنما المراد رؤيتنا لهما حال كسوفهما لأن البصر عند ذلك يدرك ذات الشمس والقمر التي لا تقبل الزيادة النورية ولا النقصان فهذا هو الإدراك المحقق لذات الشمس ، ولذلك لما قيل له صلى اللّه عليه وسلم أرأيت ربك يا رسول اللّه فقال : نور أنّى أراه ؟
يعني : كيف أراه ونوره شعشعاني يخطف الأبصار لأنه ليس من جنس النور المخلوق بالتشبيه من حيث إدراك الذات ليكمل به النعيم لا من حيث الإحاطة فتحيط بالحق تعالى كما تحيط بالشمس والقمر حال الكسوف وغيره فافهم .
ثم قال : فعلم أن نور الرب الذي يقع فيه التجلي يوم القيامة وفي الجنة لا شعاع له فلا يتعدى ضوؤه نفسه وذلك ليدركه البصر وهو في غاية الوضوح .
قال : وأقسام الناظرين إلى الحق تعالى لا تنحصر ، إذ الرؤية تابعة لاعتقادهم في دار الدنيا سعة وضيقا إجلالا وتعظيما وذلك ليجني كل أحد ثمرة اعتقاده ، فمنهم من حظه النظر إلى ربه لذة عقلية ومنهم من حظه لذة نفسية ومنهم من حظه لذة حسية ومنهم من حظه لذة خيالية ومنهم من حظه لذة
“ 667 “
( فالجواب ) : حكم ورقها أن فيه من الحسن بقدر ما حضر العبد في ذلك العمل الذي الورق مظهره كما أن عدد أوراق كل غصن يكون على عدد ما في ذلك العمل من الأنفاس .
قال الشيخ محيي الدين : واعلم أن أسعد الناس بهذه السدرة أهل بيت المقدس كما أن أسعد الناس بالمقدس أهل الكوفة كما أن أسعد الناس برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل الحرم المكي كما أن أسعد الناس باللّه عز وجل أهل القرآن انتهى ، ولم أطلع لهذا الكلام على دليل واللّه أعلم .
( فإن قيل ) : فما حكمة الأكل من هذه الشجرة ؟
( فالجواب ) : حكمته زوال الغل من قلوب أهل الجنة فلا يزول الغل من قلب أحد منهم إلا إن أكل منها واللّه أعلم .
( فإن قلت ) : فما المراد بقوله تعالى في فاكهة الجنةلا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ( 33 ) [ الواقعة:33 ] هل المراد بذلك أنها لا تنقطع في فصول السنة أم المراد غير ذلك ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ محيي الدين في الباب التاسع والتسعين : إن المراد بذلك عند بعضهم ما ذكر في السؤال وهو أن الفاكهة تنقضي بانقضاء زمانها ثم تعود في السنة الآخرة وأن المراد أنها دائمة التكوين لا تنقطع فهذا مبلغ علم العقول والذي عندنا نحن من العلم في قوله لا مقطوعة ولا ممنوعة أن اللّه تعالى يجعل لنا فيها رزقا يسمّى قطفا وتناولا كما جعل اللّه تعالى لعالم الجن في العظام رزقا وما نرى ينقص من العظام شيء فنحن بلا شك نأكل من ثمر الجنة قطفا مع كون الثمرة في موضعها من الشجرة ما زالت عنها لأنها دار بقاء يتكون فيها
..............................................................
مكيفة ، ومنهم من حظه لذة غير مكيفة ومنهم من حظه لذة ينقال تكييفها ومنهم من حظه لذة لا ينقال تكييفها وهكذا ، فهم درجات عند اللّه كما كانوا في الدنيا والفطر مختلفة من أصل المزاج الذي ركبها اللّه عز وجل عليه .
قال : وهذا هو السبب في اختلاف نظر الخلق بأفكارهم في المعقولات فحظ هؤلاء في لذة النظر مثل ما تخيل إليهم في نظرهم سواء .
قال : واعلم أن خواص الأولياء والعلماء لا ينظرون ربهم إلا في مرآة نبيهم صلى اللّه عليه وسلم لكونها أكمل المرايا إذ هي حاوية لجميع المرايا .
قال : وغير الخواص من الأولياء والعلماء ينظرون في مرايا من هم على أقدامهم من الأنبياء السابقين وذلك لأن تجليه تعالى في معارف قلوب الأنبياء أتم وأكمل من تجليه في قلوب غيرهم ، لا سيما في باب الإيمان بما جاءت به الرسل من الصفات التي تخيلها العقول فالكامل من لا يطأ مكانا لا يرى فيه قدم الاتباع لنبيه صلى اللّه عليه وسلم أبدا .
قال : ومن الأولياء من يطلعه اللّه تعالى على مستند كل معتقد فهذا يشارك الكل في نعيم الرؤية ، فما أعظمها من لذة ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم .
قال الشيخ رحمه اللّه : وأما النار أعاذنا اللّه منها .
فاعلم يا أخي أن اللّه تعالى خلقها من تجلي قوله تعالى في الحديث القدسي : جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني ، الحديث .
وهذا من أعظم تنزل تنزل الحق تعالى به لعباده
“ 668 “
لأمور ولذلك سميت دار تكوين لا دار إعدام ونظير ذلك سوق الجنة يدخل المؤمن في أي صورة شاء من صور السوق مع كونه على صورته لا ينكره أحد من أهله ونحن نعلم أن قد لبسنا صورة جديدة تكوينية مع بقائنا على صورتنا فأين العقول والمعقول هنا .
( فإن قيل ) : فهل يحجب أهل الجنة عن شيء منها أم هي كلها مشهودة لهم ؟
( فالجواب ) : أن من خصائص أهل الجنة أنهم لا يغيب عنهم شيء من العالم بل العالم كله على مراتبه مشهود لهم مع كونهم غير متصفين بالنوم كما مر إيضاحه .
( فإن قيل ) : هل يتنعم أهل الجنة بالتمني ؟
( فالجواب ) : نعم يتنعمون بذلك بل هو من أعظم نعيمهم فلا يتوهم أحد منهم فوق نعيمه أو يتمناه إلا حصل ووجد نفسه فيه .
( فإن قيل ) : فما سبب إعطائهم هذا النعيم المقيم والجزاء العظيم الزائد على مدة طاعاتهم في دار الدنيا ؟
( فالجواب ) : السبب في ذلك نيتهم الصالحة التي كانوا عليها في دار الدنيا وذلك أن أحدهم كان يتمنى لو أنه عاش أبد الآبدين لكان مطيعا للّه تعالى لا يشرك به شيئا عكس أهل النار فلما قصرت بالمؤمن العناية الإلهية ولم يستوف ما نواه من دوام الأعمال أعطاه اللّه تعالى نظير هذا التمني في الجنة فيكون له فيها كل ما يتمناه فلحق هذا بأصحاب تلك الأعمال التي كان نواها أبد الآبدين مع راحته في دار الدنيا من التعب كما ورد ذلك فيمن نوى أنه يقوم من
...........................................................
لطفا بهم ورحمة ، فمن هذه الصفة خلقت النار ولذلك تجبرت على الجبارين وقصمت المتكبرين . قال : واعلم أن عذاب أهل النار إنما هو بما يكون في النار لا بنفس النار إذ النار إنما هي دار سجن أهلها وسكناهم لا غير وإنما عذاب أهلها بما يخلقه اللّه تعالى فيهم من الآلام متى شاء ، فعذابهم حقيقة من اللّه تعالى وهم محل له ،
قال : ونضج الجلود في جهنم ليس عن النار حقيقة وإنما هو متولد بين النار وأهلها نشأ من مجاورتهما لأن نفس جمرات النار محرقة بالنار فما هي النار انظر وتأمل .
وقال : وما في النار من الزمهرير هو أحد أركان النار لأن الحقائق لا تتبدل وقد خاطب اللّه تعالى النار بقوله : قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ( 69 ) [ الأنبياء : 69 ]
فلو لا أن من حقيقتها البرد ما بردت فالنار تقبل البرد كما تقبل الحرارة سواء ،
قلت : وهذا المحل يحتاج إلى تأمل وتحرير ، وقد أطال الشيخ الكلام على النار في الباب الحادي والستين والباب الثاني والستين من « الفتوحات » ، واللّه أعلم .
قال : واعلم أن النار لا تحرق من عصاة الموحدين إلا جوارحهم الظاهرة فقط لأن إيمانهم يمنع من تخلصها إلى قلوبهم ،
فانظر يا أخي عناية التوحيد بأهله كيف أمات جوارح جسده حتى لا تحس بالنار فهم كالنائم سواء حتى تأتيهم الشفاعة فإذا بعثهم اللّه من تلك النومة
“ 669 “
الليل فأخذ اللّه روحه إلى الصباح يكتب اللّه له أجر قيامه الذي نواه .
( فإن قلت ) : قد بلغنا أن لنا جنة برزخية أخرى فما هي تلك الجنة ؟
( فالجواب ) : قد أشار القرآن إلى هذه الجنة ولم يصرح بها وذلك في نحو قوله : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [ محمد : 15 ] .
قال الشيخ محيي الدين : وإنما كانت هذه الجنة برزخية لأنها ما هي محسوسة كقوله تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [ الطور : 20 ] ولا هي روحانية كقوله تعالى : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ( 55 ) [ القمر : 55 ]
فوصف اللّه تعالى الجنان على حسب تفاوت عقول الناس
قال : وقد صرح المسيح عليه السلام بما أومأنا إليه من النعيم الروحاني فقال للحواريين حين أوصاهم بوصية وفرغ منها فإذا فعلتم ما أمرتكم به كنتم غدا معي في ملكوت السماء عند ربي وربكم وترون الملائكة حول عرشه تعالى يسبحون بحمده ويقدّسونه وأنتم هناك ملتذون بجميع اللذات من غير أكل ولا شرب انتهى .
قال الشيخ : وإنما صرح المسيح بذلك ولم يرمزه كما رمز كتابنا لأن خطابه كان مع قوم قد هذبتهم التوراة ومطالعة كتب الأنبياء وكانوا متمتعين متهيئين لتصورها وقبولها بخلاف نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم فإنه اتفق مبعثه في قوم أميين أهل براري وجبال غير مرتاضين بعلوم ولا مقرين ببعث ولا نشور بل ولا عارفين بنعيم ملوك الدنيا فضلا عن معرفتهم بنعيم ملوك الآخرة فلذلك جاء أكثر أوصاف الجنان في كتابهم جسمانية تقريبا لفهم القوم وترغيبا لنفوسهم انتهى .
( فإن قيل ) : فما الحكمة في كونها أنهار الجنة أربعة من غير زيادة ؟
..............................................................
وجدوا إيمانهم على باب النار ينتظرهم فإذا غمسوا في نهر الحياة الذي على باب الجنة دخلوا الجنة ، فلا يبقى في النار من علم أن اللّه إله واحد جملة واحدة ،
قال : ومحل ظهور سلطان الغضب في جهنم إنما هو إذا دخل أهلها إليها ، أما إذا لم يكن فيها أحد فلا ألم فيها في نفسها ولا في نفس ملائكتها بل هي ومن فيها منهم متنعمون متلذذون يسبحون اللّه لا يفترون .
قال : وإنما احتاجت النار إلى جرها بالسلاسل كما ورد لغلبة الرحمة منها على الموحدين فتقول : أتسلل شيئا فشيئا لعل اللّه تعالى أن يتطاول بالرحمة على عباده كما هو شأن بطانة الخير عند الملك ، فإذا حق الغضب الإلهي على قوم غضبت لغضب الحق
كما أنه صلى اللّه عليه وسلم يقول : سحقا سحقا لمن أخذ بهم ذات الشمال من أمته حين يقال له : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك بعد أن كان قال : أمتي أمتي أول ما رآهم وهم يسحبون إلى النار .
وقال : في موضع آخر إنما امتنعت جهنم من الإتيان بسرعة واحتاجت إلى جرها بالسلاسل للرحمة القائمة بها على من تنتقم منه وذلك لأنها ما فتحت عليها من حين خلقت إلا على مسبح للّه بحمده ، لا نعرف ما هي الأحكام التي استحق بها المكلف النار إلا أن تعلم ذلك بإعلام من اللّه تعالى ، فإذا جيء بها وأمرت بالانتقام من الجبابرة والعصاة جذبت إليها أهلها بالخاصية جذب المغناطيس للحديد ،
“ 670 “
( فالجواب ) : إنما كانت أربعة لأن التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور ماء ولبن وخمر وعسل ولكل قسم من هذه الأربعة أهل فأهل أنهار الماء هم أصحاب العلوم التي يدخلها الآراء وأصحاب أنهار اللبن الحليب الذي لم يتغير طعمه لعقده أو مخضه أو تربيته لأصحاب الاستنباط الصحيح من الأئمة المجتهدين وأصحاب أنهار الخمر هم الأمناء من أصحاب العلوم الذوقية كعلم الخضر عليه الصلاة والسلام وأصحاب أنهار العسل المصفى هم أهل العلم باللّه تعالى وبشرائعه من طريق الوحي والإيمان وصفاء الإلهام انتهى .
( فإن قلت ) : فما صفة التكوين الذي تعطاه أهل الجنة ؟
( فالجواب ) : صورته أن كل ما خطر لأحدهم تكوين شيء يكون أسرع من لمح البصر فلا يزال أهل الجنة يكونون ما شاءوا بإرادة اللّه تعالى لارتفاع الافتقار والذلة هناك فإن الذلة خاصة بأهل النار وما عند أهل الجنة إلا العز .
( فإن قلت ) : هل الحكم الأعظم في الجنة للأجسام أم للأرواح ؟
( فالجواب ) : الحكم في الجنة للأرواح لا للأجسام عكس الدنيا فتنطوي أجسام أهل الجنة في أرواحهم وتكون الأرواح ظروفا للأجسام ويكون الظهور والحكم للأرواح ولهذا يتحولون في أي صورة شاءوا كما هم اليوم عندنا الملائكة وعالم الأرواح دون الأجسام .
قال الشيخ محيي الدين رحمه اللّه : وقد زل بعض أهل الكشف فقال تحشر الأرواح دون الأجسام حين رأى تطور أهل الجنة كيف شاءوا وغاب عنه ما قلناه من انطواء الأجسام في الأرواح فلو حقق الكشف في نظره لرأى الأجسام منطوية في الأرواح .
..............................................................
وذلك لأن الشهوات والأفعال المحرمة كانت تجذبهم إلى النار ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آخذ بحجزهم عنها وهم يتفلتون من يده ،
قال : وقد أوجد اللّه تعالى جهنم بطالع الثور ولذلك كان صورتها الجاموس ، وكان طعام أهلها إذا دخلوها طحال الثور الذي هو بيت الدم والأوساخ ومحل يجتمع فيه الدم الفاسد إذ الثور حيوان ترابي طبعه البرد واليبس ، فناسب ذلك أهل النار أشد مناسبة فيما فيه من الدمية ، لا يموت أهل النار بما فيه من أوساخ البدن والدم الفاسد المؤلم لا يحيون ولا ينعمون ، بل كلما أكلوا من ذلك ازدادوا مرضا وسقما .
( قال ) : واعلم أن محل النار وما تحت مقعر أرض الجنة الذي هو سقف النار وبهذه النار يكون صلاح ما في الجنة من المأكولات والفواكه كما تؤثر الشمس النضج في فواكه أهل الدنيا والشمس والقمر والنجوم كلها في النار تفعل في الأشياء هنالك النضج في العلو ، كما كانت تفعل النضج هنا في السفل ، وكما هو الأمر هنا كذلك ينتقل الأمر هناك بالمعنى وإن اختلفت الصور والأحكام .
ألا ترى أن أرض الجنة مسك وهو حار بالطبع لما فيه من النارية وأشجار الجنة مغروسة في تلك التربة المسكية ، فالمسك هناك بمثابة الزبل هنا في تعفين الأرض
“ 671 “
( فإن قلت ) : فهل تتفاوت أجسام أهل الجنة في الصفاء ؟
( فالجواب ) : نعم تتجوهر أبدانهم بحسب صفاء أعمالهم الصالحة في دار الدنيا فكل من كان أكثر إخلاصا في عمله وعلمه وتوحيده كان أنور وأشف .
( فإن قلت ) : إذا كان أهل الجنة ترشح أبدانهم مسكا وليس لهم فضلات كالدنيا فهل يكون لهم أدبار أم لا ؟
( فالجواب ) : لم يرد لنا في ذلك شيء من طريق النقل والذي يظهر أنه ليس لأهل الجنة أدبار مطلقا لأن الدبر إنما جعل في الدنيا مخرجا للغائط هناك ولا غائط هناك ولولا أن فرج الرجل يعني ذكره يحتاج إليه في جماع زوجته هناك أو للولادة إن وقعت لما كان لأهل الجنة ذكر ولا فرج .
( فإن قلت ) : فكم عدد درجات الجنة ؟
( فالجواب ) : هي على عدد شعب الإيمان لا تزيد ولا تنقص وقد ورد أن شعب الإيمان بضع وسبعون شعبة والبضع من الواحد إلى التسع فمن اجتمع فيه شعب الإيمان كلها فهو الذي يتبوأ من الجنة حيث يشاء .
قال الشيخ محيي الدين : وصورة مجاورة الجنان الثمانية لبعضها بعضا صورة دوائر ثمانية جنة في قلب جنة أعلاها جنة عدن بمنزلة دار الملك يدور عليها ثمانية أسوار بين كل سورين جنة ويلي جنة عدن في الفضل جنة الفردوس ثم جنة الخلد ثم جنة النعيم إلى آخرها كما مر ، قال : وكل جنة من هذه الجنان يصدق عليها اسم أخواتها فجنة النعيم مثلا جنة خلد ودار سلام وجنة مأوى وجنة مقامة إلى آخره .
( فإن قلت ) : فهل لهذه الجنان اتصال بمنزلة الوسيلة الخاصة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من حيث
..............................................................
لتصيب الثمار كما ذكره الشيخ في الباب السادس والثمانين .
قال : واعلم أن جميع الكواكب التي في جهنم مظلمة الأنوار لا نور لها فالقمر والشمس يطلعان ويغربان في النار لكن بلا نور فصورة الكواكب فيها كصورة الكسوف التام عندنا ، فشمس جهنم شارقة لا مشرقة .
قال : وإنما لم يكن أهل النار يشهدون نور الكواكب لما في الدخان من الكدورة ، وكما كانوا في الدنيا عميا عن إدراك ما جاءت به الشرائع من الحق كذلك صاروا عميا في النار عن إدراك الأنوار ، فليل أهل النار لا صباح له كما أن نهار أهل الجنة لا ليل له ،
قال : ولا يزال هذا الأمر للفريقين أبد الآبدين ، ولذلك سمى اللّه تعالى يوم القيامة باليوم العقيم لأنه لا يوم بعده .
قال : هو يوم السبت لأن القيامة تقوم يوم الجمعة وما يجيء وقت الضحى من يوم السبت حتى يقع جميع ما في يوم القيامة من الحساب وتعمر الداران بأهلهما من ذلك الوقت ، وتغلق جهنم على أهلها غلقا لا فتح بعده وترى الخلق والشياطين فيها كقطع اللحم في القدر إذا أوقدت تحته نار قوية نسأل اللّه العافية .
( قلت ) : وتمام استقرار أهل كلّ من الدارين فيها قبل انتهاء ضحى ذلك اليوم
“ 672 “
كونه هو المشرع لأمته ما وصلوا به إلى دخول الجنة ؟
( فالجواب ) : نعم ما من جنة من هذه الجنان إلا وهي متصلة بمقام الوسيلة وذلك ليتنعموا بشهود طلعته صلى اللّه عليه وسلم فسائر الجنان تتفرع من مقام الوسيلة فلها شعبة في كل جنة ومن تلك الشعبة يظهر محمد صلى اللّه عليه وسلم لأهل تلك الجنة فهي في كل جنة أعظم منزلة تكون فيها .
( فإن قلت ) : فهل درجات الجنة موازية لدركات أهل النار كما قيل ؟
( فالجواب ) : نعم هي موازية لها كما ذكره الشيخ في الباب السادس والتسعين ومائتين وإيضاح ذلك أنه ماثم إلا أمر ونهي فإن عمل العبد ما أمر به كانت له درجة وإن عمل ما نهى عنه كانت له دركة موازية لتلك الدرجة لو سقطت من تلك الدرجة حصاة لوقعت على خط الاستواء لتلك الدركة من النار وكذلك الإنسان إذا سقط من العمل بما أمر فلم يعمل كان ذلك النزول لذلك العمل عين سقوطه إلى ذلك الدرك فعلم أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم ملء الجنان فلا ولي يتنعم بجنته إلا وهو صلى اللّه عليه وسلم متنعم معه بنعمته مشارك فيها لأن الولي ما وصل إلى ذلك إلا باتباع شريعته صلى اللّه عليه وسلم فلهذا كان سر النبوة قائما به في تنعمه
وهو معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم “ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها “ فله صلى اللّه عليه وسلم من لذة النعيم مثل لذة جميع العاملين بشريعته زيادة على ثواب أعماله الزكية وعلى ما قاله الشيخ تقي الدين السبكي وغيره إن جميع شرائع الأنبياء كلهم من باطنه صلى اللّه عليه وسلم من حيث أنه نبي الأنبياء كلهم فله مثل أجر جميع العاملين بجميع الشرائع .
..............................................................
على ما سيأتي في إنهاء الكتاب عند قول الشيخ وينقضي بيوم القيامة جميع ما فيه من المؤاخذات . قال : واعلم أن الفلك المكوكب مخلوق في جوف الفلك الأطلس وما بينهما من خلق الجنات بما فيها ، فهذا الفلك أرضها والأطلس سماؤها
قال : ومقعر فلك الكواكب هو الدار الدنيا ومن هناك إلى ما تحته يكون استحالة جميع ما تراه إلى الآخرة ، فينتقل من ينتقل من الدنيا إلى الجنة من إنسان وغير إنسان وما بقي بعد ذلك فهو في النار .
ذكره في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة ، فعلم أن حد النار من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين وذلك بعد فراغ الناس من الحساب .
قال : واعلم أن أهل النار الذين لا يخرجون منها أربع طوائف : المتكبرون والمعطلة والمنافقون والمشركون ويجمعها كلها المجرمون
قال : تعالى : وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ( 59 ) [ يس : 59 ]
أي المستحقون لأن يكونوا أهلا لسكنى النار فهؤلاء الأربع طوائف هم الذين لا يخرجون من النار من إنس وجن .
قال : وإنما جاء تقسيمهم إلى أربع طوائف من غير زيادة لأن اللّه تعالى ذكر عن إبليس أنه يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ولا يدخل أحد النار إلا بواسطته ، فهو يأتي للمشرك من بين يديه ويأتي للمتكبر من عن يمينه ويأتي المنافق من عن شماله ويأتي للمعطل من خلفه .
قال : وإنما جاء للمشرك من بين يديه لأن المشرك رأى بين يديه جهة غيبته فأثبت وجود اللّه ولم يقدر على إنكاره فجعله إبليس يشرك باللّه في ألوهيته شيئا يراه ويشاهده ، وإنما جاء للمتكبر من جهة
“ 673 “
( فإن قلت ) : فما أعظم منزلة تكون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الآخرة ؟
( فالجواب ) : أن أعظم منزلة تكون له وقوفه بين يدي اللّه عز وجل كما ينبغي لجلاله لتنفيذ الأوامر الإلهية في ذلك اليوم العظيم فهو الترجمان في حضرة الملك العدل جل وعلا دون جميع الخلق ،
قال الشيخ محيي الدين : ومن خصائصه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك المقام أن أهل الموقف كلهم يأخذون عنه في ذلك الموطن لأنه هناك وجه كله فيرى من جميع جهاته وله أعلام من اللّه تعالى في كل جهة يفهم منه ما يريد .
( فإن قلت ) : ففي أي منزل يكون أصل شجرة طوبى ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ محيي الدين في الباب الحادي والسبعين من “ الفتوحات “ والشيخ ابن أبي المنصور في “ رسالته “ :
أن أصل شجرة طوبى في منزل الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، لأن شجرة طوبى هي حجاب مظهر نور فاطمة الزهراء رضي اللّه عنه فما من جنة من الثمان ولا درجة فيها ولا بيت ولامكان إلا وفيه فرع من شجرة طوبى لا يعرف غالب الناس أين أصله حتى إن بعض من كشف له عن أحوال الجنة زعم أن أشجار الجنة أصولها في الهواء دون الأرض حين لم ير إلا الفرع والحال أنها مغروسة في أرض الجنة التي هي مسك أذفر وأصل ذلك كله حتى يكون سر كل نعيم في الجنان وكل نصيب للأولياء متفرعا من نور فاطمة رضي اللّه عنها فإن في كل فرع تدلى في بيت أو قصر أو مخدع جميع ما يطلب العبد في الجنة من ثمر وحلل وطير وحور عين وغير ذلك .
( فإن قلت ) : فما معنى قوله تعالى :أُكُلُها دائِمٌ؟ وقوله تعالى :وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً
..............................................................
اليمين لأن اليمين محل القوة فلذلك تكبر لقوته التي أحس بها من نفسه ، وإنما جاء للمنافق من جهة شماله الذي هو الجانب الأضعف لكون المنافق أضعف الطوائف كما أن الشمال أضعف من اليمين ، ولذلك كان في الدرك الأسفل من النار ويعطى كتابه بشماله .
قال : وإنما جاء للمعطل من خلفه لأن الخلف ما هو محل نظر ، فقال له : ما ثم شيء ،
قال : فهذه أربع مراتب لأربع طوائف ولهم من كل باب من أبواب جهنم جُزْءٌ مَقْسُومٌ [ الحجر : 44 ] ،
قال : وهي منازل عذابهم ، فإذا ضربت الأربعة التي هي المراتب في السبعة أبواب كان الخارج ثمانية وعشرين منزلا عدد منازل القمر وغيره من الكواكب السيارة .
قال : وكان مما ظهر من تسيير هذه الكواكب السيارة وجود ثمانية وعشرين حرفا ، منها ألف اللّه تعالى الكلمات وظهر بها الكفر والإيمان في العالم فترجم بها كل شخص عما في نفسه من إيمان وكفر وكذب وصدق لتقوم حجة اللّه على عباده ظاهرا بما تلفظوا به .
قال : وإنما كان لجهنم سبعة أبواب لأن أبواب الجنة كذلك سبعة ، وأما الباب الثامن فخاص بجنة الرؤية وهو الباب المغلق في النار ، ويسمى باب الجحيم فلا يفتح أبدا ،
قال : وإنما كان الأمر كما ذكرنا لأن صورة هذه الأبواب صورة الباب الذي إذا انفتح انسد به موضع آخر فعين غلقه لمنزل فتحه منزلا آخر ، فأبواب النار إذا
“ 674 “
وَعَشِيًّا [ مريم : 62 ] ؟ فإن الآية الأولى تقتضي دوام الأكل والثانية تقتضي تخصيصه بوقت دون وقت .
( فالجواب ) : أن معنى قوله تعالى : أُكُلُها دائِمٌ [ الرعد : 35 ] أي لا ينقطع عنهم شيء متى اشتهوه ، لا أنهم يأكلون دائما لكن لما كان الغذاء يمد الجسم بالقوة كان ذلك بمثابة من يأكل دائما .
( فإن قلت ) : فما الفرق بين لذة أكل الدنيا وأكل الجنة ؟
( فالجواب ) : الفرق بينهما أن أكل الدنيا تزول لذته إذا نزل إلى الجوف بخلاف أكل الآخرة لذته تدوم مدة بقائه في البطن حتى ينزل عليه طعام آخر يتجدد له لذة أخرى أعم مما قبلها وهكذا .
( فإن قلت ) : فما معنى قوله تعالى : بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ مريم : 62 ] مع أنه لا شمس هناك ولا قمر كما في دار الدنيا ؟
( فالجواب ) : كما قاله الشيخ في « الفتوحات » : إن معناه مقدار البكرة والعشي بالنظر لأحوال الدنيا قال وذلك لأن الحركة التي كانت تسير بالشمس ويظهر من أجلها طلوعها وغروبها موجودة في الفلك الأطلس الذي هو سقف الجنة وجميع الكواكب السيارة سابحة فيه كسباحتها الآن في أفلاكها على حد سواء ، قال : ولولا ذلك ما عرف أهل التقويم في الدنيا متى يكون الكسوف ولا كم يذهب من ضوء الشمس عن أعيننا فلو لا المقادير الموضوعة والموازين المحكمة التي قد علمها اللّه تعالى للمقومين ما علم أحد منهم متى يكون الكسوف .
يتبع
.
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
المبحث الحادي والسبعون في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
اليواقيت والجواهر وبالحاشية الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للإمام الرباني العارف باللّه الشيخ عبد الوهاب الشعراني
المبحث الحادي والسبعون : في بيان أن الجنة والنار حق وأنهما مخلوقتان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام
( فإن قلت ) : فهل يصح في الجنة رفع حجاب العظمة لأحد من الخواص حتى يرى الخواص ربهم على وجه الإحاطة به ؟
..............................................................
غلقت عين فتح أبواب الجنة .
( قلت ) : وأهل كل باب مبينون ، ففي القرآن فأهل جهنم هم الذين كفروا بربهم ، وأهل السعير هم الشياطين وأهل لظى هم كل من أدبر وتولى وجمع فأوعى ، وأهل سقر هم كل من لم يصل ولم يطعم المسكين وخاض مع الخائضين وكذب يوم الدين ، وأهل الجحيم كل همّاز مشاء بنميم منّاع للخير معتد أثيم إذا تتلى عليه آيات اللّه
قال : أساطير الأولين ، وأهل الحطمة هم كل هماز لماز جماع للمال يحسب أن ماله أخلده ، وأهل الهاوية هم كل من خفت موازينه واللّه أعلم .
( قال ) : وإذا دخل إبليس النار يكون ملأها ، فإنه لا يعذب أحد فيها إلا وإبليس سبب تعذيبه ومشارك له فيه .
قال صلى اللّه عليه وسلم : “ ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها “ فبهذا الاعتبار كان ملء النار بحقيقته فإنه ما دخل أحد النار إلا لموافقته له . قال : وهذا سر كون مستقره في النار في الطابقة الرابعة فليس هو تخفيفا عنه بالنسبة للدركات السفلية وإنما ذلك
“ 675 “
( فالجواب ) : حجاب العظمة الذي هو كناية عن عدم الإحاطة به تعالى لا يرفع أبدا وإنما المراد بكمال الرؤية له تعالى زيادة انكشاف أمر لم يكن لأهل الجنة قبل ذلك إذ لو كشف حجاب العظمة لأحاط الخلق علما بربهم ولعرفوه تعالى كما يعلم هو نفسه ولا قائل بذلك فليست لذة الرؤية الواقعة لأهل الجنة كلهم إلا مزيد انكشاف لهم لا غير ، ولذلك قال المحققون أنه تعالى يرى بلا كيف .
( فإن قلت ) : فما الوجه الجامع بين قوله تعالى : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ النحل : 32 ] وبين قوله صلى اللّه عليه وسلم : « لا يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول اللّه قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته » ؟ .
( فالجواب ) : هذا من تعليق الأسباب على مسبباتها ومعلوم أن الكل من اللّه تعالى فمن نظر إلى توقف دخول الجنة على العمل قال : إنه دخل الجنة بعمله ومن نظر إلى خالق السبب قال : إنه دخل الجنة بفضل اللّه ورحمته .
ونقل الشيخ الكامل الراسخ محيي الدين بن العربي في الباب التاسع والثمانين والمائتين من « الفتوحات » من الشيخ أبي مدين إمام الجماعة رضي اللّه عنه أنه كان يقول : يدخل السعداء الجنة بفضل اللّه ويدخل الأشقياء النار بعدل اللّه وكل أحد ينزل في داره بالأعمال ويخلد فيها بالنيات انتهى ، قال الشيخ محيي الدين وهو كلام صحيح وكشف مليح خبر عليه حشمة وأدب ووقار انتهى واللّه أعلم .
( خاتمة ) : إذا سجد أهل الأعراف السجدة التي يؤمرون بها يوم القيامة رجحت ميزانهم وسعدوا ودخلوا الجنة ، قال الشيخ محيي الدين : وهذه السجدة هي آخر ما يبقى من حكم
..............................................................
للإحاطة والشمول . قال : ويكون عذابه في النار تارة بالزمهرير المضاد لنشأته ، وتارة بالنار.
قال : ونظير ذلك الجسم الحساس يكون حياته بخروج النفس ، فإذا منع بالشنق أو الخنق انعكس راجعا إلى القلب فأحرقه فمات ، وأهل النار من الجن هم الكفار لا غير لأنه ليس في الجن مشرك ولا معطل ولا منافق
ولهذا قال اللّه تعالى : كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ [ الحشر : 16 ] الآية .
فألحق اللّه تعالى الشيطان بالكفار ولم يلحقه بالمشركين ، وإن كان هو الذي يوسوس للإنس بالشرك حتى يشركوا ، فكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركا ، أما كفر المشرك فلعدوله عن أحدية الإله الحق ليسترها عن النظر في الأدلة والآيات وتعيينها في عيسى مثلا وأما شركه فباتخاذه مع اللّه إلها آخر ويلحق به من آمن ببعض وكفر ببعض
وتأمل قوله تعالى : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [ المائدة : 72 ]
ما قال : لقد أشرك لأنه لم يجعل مع اللّه إلها آخر انتهى ، فليحرر هذا المحل فإنه دقيق .
قال : واعلم أن أهل النار يتزاورون لكن على حالة مخصوصة وهي أن لا يتزاور إلا أهل كل طبقة مع طبقته كالمحرور يزور المحرورين والمقرور يزور المقرورين فلا يزور مقرور محرورا وعكسه بخلاف أهل الجنة للإطلاق والسراح الذي لأهلها المشاكل للنعيم
“ 676 “
تكاليف الدنيا فإن يوم القيامة برزخ بين الدنيا والآخرة فله وجه إلى أحكام الدنيا به دعي أهل الأعراف إلى السجود الذي رجحت به ميزانهم وبه وجه إلى الآخرة به جوزوا بأعمالهم وما منع أهل الأعراف من الوقوع في النار حال كونهم كانوا على الجسر إلا وجود توحيدهم فهو المانع لهم عن الوقوع حتى وجدت منهم هذه السجدة .
فانظر يا أخي عناية التوحيد بأهله فالحمد للّه رب العالمين .
وليكن ذلك آخر « كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر » جعله اللّه تعالى خالصا لوجهه الكريم ونفع به مؤلفه وكاتبه وسامعه والناظر فيه ، وقد ألفته بحمد اللّه في دون شهر وطالعت « الفتوحات » على عدد مباحثه فكنت أطالع على كل مبحث جميع الكتاب لأخذ النقول المناسبة له وقد عدوا ذلك من الكرامات فإن « الفتوحات » عشر مجلدات ضخمة فعلى ذلك الحساب قد طالعت في كل يوم « الفتوحات » مرتين ونصفا مقدار ذلك خمسة وعشرون جزءا كل يوم وقد قدمنا في مبحث الكرامات أنه يجب على صاحب الكرامة أن يؤمن بها كما يؤمن بها إذا وقعت على يد غيره فالمؤلف أول مؤمن بهذه الكرامة فلله الحمد أولا وآخرا .
وكان الفراغ من تأليفه في يوم الاثنين المبارك سابع عشر رجب سنة خمس وخمسين وتسعمائة بمنزل المؤلف بمصر المحروسة بخط بين السورين هذا ما وجد كله بخط المؤلف بقوله طالعت إلى آخر الكلام .
تم بحمد اللّه وعونه وحسن توفيقه وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد للّه رب العالمين ؛
وقد أنشد العالم العلامة الشيخ محمد الكومي يمدح هذا الكتاب :
يواقيت علم في عقود عقائد * لذا صاغ معناها ففيها جواهر
..............................................................
ضد ما لأهل النار من الضيق والتقييد .
وقال : اعلم أنه ليس في النار من دركة اختصاص كما في الجنة لأن الناس إنما يعذبون في النار بأعمالهم لا غير وما أخبرنا الحق تعالى قط أنه يختص بنقمته من يشاء أبدا فما نزل من نزل النار إلا بأعماله فقط .
قال : ولهذا يبقى فيها أماكن خالية فيخلق اللّه تعالى لها خلقا يعمرونها وهو قوله تعالى : فيضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط أي حسبي حسبي .
قال : وإنما دخل زيادة العذاب على الطائفة التي قال اللّه تعالى فيهم : زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [ النحل : 88 ]
من جهة أنهم أضلوا غيرهم وأدخلوا عليهم الشبه فالزيادة المذكورة خاصة بالأئمة المضلين وإضلالهم من أعمالهم حقيقة فما ثم زيادة إلا من هذه الحيثية فافهم .
قال : وأشد العذاب على أهل النار ما يقع في بواطنهم من التوهمات ، فإنهم لا يتوهمون قط عذابا أشد مما هم فيه إلا تكون في نفوسهم لوقته
وإليه الإشارة بقوله تعالى : نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ( 6 ) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ( 7 ) [ الهمزة : 6 - 7 ] .
قال : واعلم أن أطول الناس مكثا في جهنم من عصاة الموحدين هو من يمكث فيها نحوا من خمسين ألف سنة ثم يخرج منها بالشفاعة ،
قال : وإنما قلنا نحوا من خمسين ولم نقل خمسين لأنا لسنا من كمال الخمسين على يقين وإنما استروحنا إلى ما قلناه من قوله تعالى : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [ المعارج :
“ 677 “
وما هي إلا وهبة اللّه للذي * حباه قديما فهي عنه مآثر
هو العبد للوهاب وتر زمانه * بعلم له في الشرق والغرب سائر
يحق لمحيي الدين أحيا علومه * وناصره نعم الولي وناصر
فيا ربنا أوفر جزاء لسعيه * فمنه بدا علم عظيم ووافر
ومن حاز شيئا من نفائس كتبه * له اللّه يعطي ما يروم وجابر
وناظمه الكوفي يدعى محمدا * عليه من اللّه الكريم ستائر
وأنشد الشيخ أحمد الأبوصيري :
لقد رحم الرحمن عبدا لواهب * من الخير والإحسان هديا مفصلا
طلا وجلا كل التفاصيل أجملت * فما أحسن التفصيل إذ جاء مجملا
بعيني رأيت البدر في وسط هالة * فقل رحم الرحمن عبدا تفضلا
وجد بخط مؤلفه يقول مؤلفه عفا اللّه عنه : قد كتب على مسودة هذا الكتاب جماعة من مشايخ الإسلام بمصر وأجازوه ومدحوه ومن جملة ما كتبه الشيخ شهاب الدين بن الشلبي الحنفي في مدح مؤلفه : قد اجتمعنا على خلق كثير من أهل الطريق فلم نر أحدا منهم حام حول معاني هذا المؤلف وإنه يجب على كل مسلم حسن الاعتقاد وترك التعصب والانتقاد ونعوذ باللّه من حصول حسد يسد باب الإنصاف ويمنع من الاعتراف بجميل الأوصاف وما
..............................................................
4 ] والمقدار إنما يكون تقريبا ولا يقطع بتحديده .
قال : وينقضي بيوم القيامة جميع ما فيه من المؤاخذات لعصاة الموحدين فلا يبقى في النار بعد ذلك اليوم أحد ممن وحد اللّه تعالى ولو مرة في عمره ومات على ذلك فيوم القيامة متصل بيوم الدنيا وليس بينهما إلا ليل البرزخ وفي فجر هذه الليلة تكون نفخة البعث وفي طلوع شمس يومه يكون إتيان الحق تعالى للفصل والقضاء كما يليق بجلاله وفي قدر ركعتي الإشراق ينقضي الحكم وتعمر الداران بأهلهما كما مر فكل منهم خالد فيما هو فيه .
قال : وليس عند أهل النار الذين هم أهلها نوم وإنما يكون النوم فيها لعصاة الموحدين فقط وهذا القدر الذي يتنعمون به في النار ويستريحون فمنهم من ينام الألف سنة ومنهم من ينام الأحد عشر ألفا ومنهم إلى قريب الخمسين ألف سنة على ما مر ،
قال : وذلك من رحمة اللّه بعصاة الموحدين ، قال : فعلم أن أهل النار الذين هم أهلها لا ينامون
لقوله تعالى : لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( 75 ) [ الزخرف : 75 ]
يعني العذاب : وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [ الزخرف : 75 ] .
ذكره في الباب العشرين من « الفتوحات » ، قال : وإذا نام عصاة الموحدين يكون نعيمهم في منامهم بالرؤية الحسنة فيرى نفسه مثلا أنه خرج من النار وصار في فرح وسرور وأكل وشرب وجماع ، ثم إذا استيقظ لا يرى شيئا كما يرى أهل الدنيا ذلك في منامهم سواء .
قال : ومنهم والعياذ باللّه من يرى نفسه في منامه ذلك في بؤس وضر وعقوبات
“ 678 “
أحسن ما قال بعضهم :
ومن البلية عذل من لا يرعوى * عن جهله وخطاب من لا يفهم
ومن جملة ما كتبه شيخ الإسلام الفتوحي الحنبلي رضي اللّه عنه : لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلا معاند مرتاب أو جاحد كذاب كما لا يسعى في تخطئة مؤلفه إلا كل عار عن علم الكتاب حائد عن طريق الصواب وكما لا ينكر فضل مؤلفه إلا كل غبي حسود أو جاعل معاند جحود أو زائغ عن السنة مارق ولإجماع أئمتها خارق انتهى .
ومن جملة ما قاله شيخنا الشيخ شهاب الدين الرملي الشافعي رضي اللّه عنه بعد كلام طويل : وبالجملة فهو كتاب لا ينكر فضله ولا يختلف اثنان بأنه ما صنف مثله انتهى .
ومن جملة ما قاله الشيخ شهاب الدين عميرة الشافعي رضي اللّه عنه بعد مدح الكتاب :
وما كنا نظن أن اللّه تعالى يبرز في هذا الزمان مثل هذا المؤلف العظيم الشأن فجزاه اللّه عن الملة المحمدية خيرا ونفعنا ببركاته وحشرنا في زمرته انتهى ، وكان من جملة ما قاله الشيخ ناصر الدين اللقاني المالكي بعد مدح الكتاب ومؤلفه :
واعلم أن المعتزلة وغيرهم من الفرق الإسلامية وإن ذمهم علماؤنا فلا يقدح في حقنا نقل شيء من مذاهبهم في كتبنا فإنهم على كل حال معدودون من أهل القبلة غير محكوم بكفرهم وإن أخطئوا طريق الاستقامة التي عليها أئمة الشريعة ألا ترى إلى الإمام الزمخشري وإن جنح إلى مذهب المعتزلة كيف وهو معدود من الأئمة وعلماء الأمة وغالب الكتب مشحونة بأقواله من غير نكير فكما لا يخرج المقلد في الفروع لإمام من الأئمة خطؤه في فهمه عن الانتساب إلى
..............................................................
وفراش من شوك ونحو ذلك نسأل اللّه العافية .
( قلت ) : فقد كذب واللّه وافترى من نقل عن الشيخ محيي الدين أنه كان يقول : إن أهل النار يتلذذون بدخولهم النار وأنهم لو أخرجوا منها تعذبوا بذلك الخروج وإن وجد نحو ذلك في شيء من كتبه فهو مدسوس عليه ، فإني مررت على كتابه “ الفتوحات المكية “ جميعه فرأيته مشحونا بالكلام على عذاب أهل النار وهذا الكتاب من أعظم كتبه وآخرها تأليفا ،
وأنا أسأل باللّه العظيم ، كل ناظر في هذه الخاتمة إذا وجد دليلا لكلام الشيخ من الكتاب أو السنة فليلحقه بموضعه أو دليلا على ضد كلامه فليكتبه كذلك في موضعه فإن كلام أهل الكشف لا يتمشى كله على ظاهر النقول ، على أن أكثر اختلاف أهل النقل وأهل الكشف إنما هو في الكيفيات والعلل ، وأما الأحكام فلا خلاف عندهم فيها إذ الكشف الصحيح لا يجيء قط إلا مؤيدا للشريعة ولا يقبل من صاحبها إن قدر مخالفته لها .
واعلم يا أخي أني لم أذكر عن الشيخ رحمه اللّه في هذه الخاتمة إلا بعض الأمور التي تحتملها العقول وأما ما لا تحتمله العقول فتركناه حتى يشاهده أهل الجنة إذا دخلوها وأهل النار إذا دخلوها والحمد للّه رب العالمين .
والحمد للّه الذي هدانا إلى هذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه ، وقد جاء بحمد اللّه
“ 679 “
مذهبه كذلك علماء الأمة من المعتزلة وغيرهم لا يخرجهم خطؤهم عن كونهم من العلماء وقد تبع جماعة من الأئمة مذاهب أهل الاعتزال كالحليمي وغيره ولم يقدح ذلك في إمامته لدقة منازع الفرق وخفائها على غالب الأفهام وكذا طريق الصوفية لا يقدح فيها عدم فهم من ليس من أهلها انتهى ،
ومن جملة ما قاله الشيخ محمد البرهمتوشي ونقلته من خطه على نسخة المؤلف :
بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وصلى اللّه على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ، الحمد للّه الذي بذكره تتم الصالحات وبتوفيقه تنال الدرجات والصلاة والتسليم على سيد السادات ومعدن الكرامات وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى انقراض الساعات .
وبعد ، فقد وقف العبد الفقير إلى اللّه تعالى محمد بن محمد البرهمتوشي الحنفي عن « اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر » لسيدنا ومولانا الإمام العالم العامل العلامة المحقق المدقق الفهامة خاتمة المحققين وارث علوم الأنبياء والمرسلين شيخ الحقيقة والشريعة معدن السلوك والطريق من توجه اللّه تاج العرفان ورفعه على أهل هذه الأزمان مولانا الشيخ عبد الوهاب أدام اللّه النفع به للأنام وأبقاه تعالى لنفع العباد مدى الأيام وحرسه بعينه التي لا تنام فإذا هو كتاب جل مقداره ولمعت أسراره وسحت من سحب الفضل أمطاره وفاحت في رياض التحقيق أزهاره ولاحت في سماء التوفيق شموسه وأقماره وتناغت في غياض الإرشاد
..............................................................
تعالى كتابنا نفيسا يخضع له عنق كل مصنف ترك التعصيب والحمية للنفس ،
فإن الشيخ رضي اللّه عنه كان من أكبر الوارثين كما ذكرنا ذلك في خطبة الكتاب ،
وقد أخبرني شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين الحنبلي الفتوحي رحمه اللّه بعد أن اطلع عليه وكتب عليه وبعد حلفه باللّه عز وجل أنه طول عمره ما مر على خاطره حكم واحد مما فيه ولا مما في “ الجواهر والدرر “ فرضي اللّه عن أهل الإنصاف ، وأرجو من مدد اللّه ثم من مدد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكون جميع ما رقمناه بأناملنا منقوشا في نفوسنا ومحفوظا في أرواحنا ليكون ذلك وسيلة إلى العمل ببعض ما فيه من الأخلاق المحمدية والآداب الشرعية ، ونسأل اللّه تعالى أن يخلصنا من الدنيا على الرضا والتسليم وأن يخلص أهلها منا بالنظر إلى عوراتنا دون عوراتهم وأن لا يفضحنا بظنوننا ودعوانا ولا بما خفي علمه علينا من عظيم زلاتنا وقبيح إرادتنا ودقيق خطراتنا وكيف لنا بذلك في هذا الزمان الذي هو محل ظهور العجائب والأحوال الرديئة ،
وقد استوفينا غالب الأعمال التي أهلك اللّه بها الأمم السالفة والقرون الماضية وحلت بنا نبأتنا وتحكمت عما لنا فينا بأعمالنا ، وقد قرب انشقاق الفجر الأخروي بقوة عسكر الظلم والصلال وقبض العلوم عن العمل بها وفيض الصلال ، فلا تختم الدنيا إلا على حثالة كما لا يرتفع في منخل التحليل إلا النخالة وقد وصف بعض أهل المائة السادسة زمانه
فقال : قد صارت حكماء أهل زماننا ذبابا وعلماؤنا ذئابا وقروده
“ 680 “
بلغات الحق أطياره ، فأشرقت على صفحات القلوب باليقين أنواره .
فأسأل اللّه الكريم أن يمن على العباد بطول حياته والمسؤول من فضله وإحسانه وصدقاته أن لا يخلى العبد من نظره ودعواته وأن يمتعنا بطول بقائه وحياته آمين .
الحمد للّه الذي فقه في دينه من اصطفاه من العلماء ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنبياء وعلى آله وصحبه ذوي النجابة الفضلاء ، ورضي اللّه عن العلماء العاملين بكتاب اللّه وسنة نبيه السمحاء .
..............................................................
فضلاء وفهوده عقلاء وتجاره حوفية وفجاره صوفية وثعالبه زهادا وثعابينه عبادا وأتقياؤه فصاحا وأشقياؤه نصاحا وعقاربه وعاظا وحيّاته حفاظا ، استغنوا بالفضائح عن النصائح وعن المعارف بالمغارف وعن الطيبة بالغيبة وعن أسرار الغيوب بأشرار العيوب فلا الآيات السماوية تذكرهم ولا الآيات النفسانية تحجبهم . فلا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم .
أقول قولي هذا وأستغفر اللّه تعالى من كل خطأ وزلل وقع من جوارحي الظاهرة والباطنة إلى وقتي هذا عدد كل ذرة في الوجود ، قال ذلك وكتبه مؤلفه العبد الفقير إلى عفو ربّه ومغفرته ومسامحته عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني عفا اللّه عنه وعن والديه وعن مشايخه وجميع المسلمين .
وكان الفراغ من تأليفه في يوم الأحد حادي عشر شهر رمضان المعظم قدره سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة من الهجرة الشريفة وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ،
وأنا أستغفر اللّه العظيم وأتوب إليه من الأقوال والأفعال ،
( تم الجزء الثاني)
والحمد للّه رب العالمين .
.
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
تحميل كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ج 2 عبد الوهاب الشعراني.txt
تحميل كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ج 1 عبد الوهاب الشعراني.docx
تحميل كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ج 1 عبد الوهاب الشعراني.pdf
تحميل كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر ج 1 عبد الوهاب الشعراني.txt
تحميل كتاب الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الوهاب الشعراني.docx
تحميل كتاب الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الوهاب الشعراني.pdf
تحميل كتاب الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الوهاب الشعراني.txt
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
مواضيع مماثلة
» المبحث السادس والأربعون في بيان وحي الأولياء الإلهامي والفرق بينه وبين وحي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الحادي والثلاثون في بيان عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الحادي والأربعون في بيان أن ثمرة جميع التكاليف التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الأربعون في مطلوبية برّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ووجوب الكف عن الخوض في حكم أبوي نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الثلاثون في بيان حكمة بعثة الرسل في كل زمان وقع فيه إرسال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الحادي والثلاثون في بيان عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الحادي والأربعون في بيان أن ثمرة جميع التكاليف التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الأربعون في مطلوبية برّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ووجوب الكف عن الخوض في حكم أبوي نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» المبحث الثلاثون في بيان حكمة بعثة الرسل في كل زمان وقع فيه إرسال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .كتاب اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله