المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان الشيخ الاكبر محيي الدين ابن العربى الحاتمى الطائى قدس الله روحه :: موسوعة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي :: موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
صفحة 1 من اصل 1
27022019

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
الفقرة الأولي السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
فداء نبي ذبح لقربان ... وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
وعظمه الله العظيم عناية ... بنا أو به لا أدر من أي ميزان
ولا شك أن البدن أعظم قيمة ... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان
وذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا وإيضاح برهان
وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحقق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن
اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها.
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.
فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة.
ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل.
وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه:
«أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير.
ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرءيا تعبرون».
ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر.
فكانت البقر سنين في المحل والخصب.
فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله.
فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام.
فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر.
ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟
لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي» فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا.
ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟
قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير.
وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه.
كل روح بهذه المثابة فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء.
فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها.
وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.
ولما كان للرؤيا هذان الوجهان.
وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا.
وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.
فللواحد الرحمن في كل موطن ... من الصور ما يخفي وما هو ظاهر
فإن قلت هذا الحق قد تك صادقا ... وإن قلت أمرا آخرا أنت عابر
وما حكمه في موطن دون موطن ... ولكنه بالحق للخلق سافر
إذا ما تجلى للعيون ترده ... عقول ببرهان عليه تثابر
ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه.
فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى.
وقد قال ذلك أبو يزيد. ولقد نبهنا على هذا المقام بقولنا:
يا خالق الأشياء في نفسه ... أنت لما تخلقه جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه فيه ... بك فأنت الضيق الواسع
لو أن ما قد خلق الله ما لاح ... بقلبي فجره الساطع
من وسع الحق فما ضاق عن ... خلق فكيف الأمر يا سامع؟
بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها، وهذا هو الأمر العام.
والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة و لكن لا تزال الهمة تحفظه.
ولا يئودها حفظه، أي حفظ ما خلقته.
فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق، إلا أن يكون العارف قد ضبط جميع الحضرات وهو لا يغفل مطلقا، بل لا بد من حضرة يشهدها.
فإذا خلق العارف بهمته ما خلق وله هذه الإحاطة ظهر ذلك الخلق بصورته في كل حضرة، وصارت الصور يحفظ بعضها بعضا.
فإذا غفل العارف عن حضرة ما أو عن حضرات وهو شاهد حضرة ما من الحضرات، حافظ لما فيها من صورة خلقه، انحفظت جميع الصور بحفظه تلك الصورة الواحدة في الحضرة التي ما غفل عنها، لأن الغفلة ما تعم قط لا في العموم ولا في الخصوص.
وقد أوضحت هنا سرا لم يزل أهل الله يغارون على مثل هذا أن يظهر لما فيه من رد دعواهم أنهم الحق، فإن الحق لا يغفل والعبد لا بد له أن يغفل عن شيء دون شيء.
فمن حيث الحفظ لما خلق له أن يقول «أنا الحق»، ولكن ما حفظه لها حفظ الحق: وقد بينا الفرق.
ومن حيث ما غفل عن صورة ما وحضرتها فقد تميز العبد من الحق.
ولا بد أن يتميز مع بقاء الحفظ لجميع الصور بحفظه صورة واحدة منها في الحضرة التي ما غفل عنها. فهذا حفظ بالتضمن، وحفظ الحق ما خلق ليس كذلك بل حفظه لكل صورة على التعيين.
وهذه مسألة أخبرت أنه ما سطرها أحد في كتاب لا أنا ولا غيري إلا في هذا الكتاب:
فهي يتيمة الدهر وفريدته. فإياك أن تغفل عنها فإن تلك الحضرة التي يبقي لك الحضور فيها مع الصورة، مثلها مثل الكتاب الذي قال الله فيه «ما فرطنا في الكتاب من شيء» فهو الجامع للواقع وغير الواقع ولا يعرف ما قلناه إلا من كان قرآنا في نفسه ، فإن المتقي الله «يجعل له فرقانا» وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب.
وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك
متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
06 – متن نقش فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
اعلم أن حضرة الخيال هي الحضرة الجامعة الشاملة لكل شيء وغير شيء فلها على الكل حكم التصوير وهي كلها صدق وتنقسم قسمين:
* قسمٌ يطابق لما صورته الصورة من الخارج وهو المعبر عنه بالكشف.
* وقسمٌ غير مطابق وفيه يقع التعبير.
والناس هنا على قسمين:
* عالم ٌ.
* ومتعلم.
والعالم يصدق في الرؤيا، والمتعلم يصدق الرؤيا حتى يعلمه الحق ما أراد بتلك الصورة التي حل له.
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
06 - فك ختم الفص الإسحاقي
1 / 6 - اعلم ان شيخنا رضى الله عنه لم يلزم في هذا الكتاب مراعاة الترتيب الوجودي في شأن انبياء المذكورين وان وقع كثير من ذلك مطابقا للترتيب المشار اليه ، بل انما التزم التنبيه على المناسبة الثابتة بين النبي وبين الصفة التي قرنتها به ، والإشارة الى محتد ذوق ذلك النبي ومستنده من الحق ، ومع ذلك فقد من الله بمعرفة ثبوت المناسبة الترتيبية الوجودية من اول الكتاب الى هاهنا - كما سبقت الإشارة الى جميع ذلك.
2 / 6 - واما هذا الفص الإسحاقي : فمحتده عالم الخيال الصحيح المطابق والمناسب للمعنى الذي يتجسد به وفيه والسر في استناد مبدئية حال اسحاق عليه السلام الى عالم المثال المقيد هو انه : لما كان أخص احكام الصفات السلبية سلب الكثرة عن وحدة الحق ، كانت الموجودات الصادرة عن الحق من حيث الصفات السلبية التزيهية أقربها نسبة الى الوحدة وأبعدها من مرتبة الظهور ، وهي الأرواح ، بخلاف الصفات الثبوتية ، فإنه بحسب ان يكون الموجودات الصادرة عن الحق من حيثها اقرب نسبة الى الظهور وأتم تحققا به .
3 / 6 - وقد بينا ان اول حامل وظاهر بأحكام الصفات الثبوتية الخليل عليه السلام ، فلزم ان يظهر في حال ولده الذي هو النتيجة حكم عالم الخيال وصفته .
لان عالم المثال المطلق مرتبته بين عالم الأرواح وعالم الأجسام .
وقد ذكرت في كتاب النفحات وفي تفسير الفاتحة سر سفر التجلي الوجودي الغيبى من غيب الهوية الإلهية طلبا لكمال الجلاء والاستجلاء :
وان اول منازله عالم المعاني
ويليه عالم الأرواح وظهور الوجود فيه أتم منه في عالم المعاني .
ويليه عالم المثال وهو المنزل الثالث وظهور الوجود فيه أتم منه في عالم الأرواح .
ويليه عالم الحس وهو المنزل الرابع وفيه تم ظهور الوجود.
ولهذا كان العرش الذي هو اول الصور المحسوسة والمحيط بها مقام الاستواء الرحمانى فان عنده تم ظهور التجلي الوجودي واستقر فان الرحمة نفس الوجود والرحمن الحق من كونه وجودا، ولذلك لم يضف الاستواء الى اسم أخر قط سواه حيث ورد.
4 / 6 - ثم أقول : ولعالم الخيال مرتبتان واسمان :
مرتبة مقيدة تختص بالإنسان وبكل متخيل ويسمى باعتبار تقييده خيالا ، وانطباع المعاني والأرواح فيه قد يكون مطابقا وقد يكون غير مطابق.
وذلك بحسب صحة شكل الدماغ واختلاله وانحراف المزاج واعتداله وقوة المصورة وضعفها ، وهذا العالم في مرتبة إطلاقه يسمى عالم المثال .
وكل ما يتجسد فيه يكون مطابقا لا محالة ، فإذا صحت المطابقة في الخيال المقيد كان حقا لشبهه بعالم المثال في حقية ما يتجسد فيه من حيث الصحة والمطابقة .
فلهذا ترجم الشيخ رضى الله عنه هذا الفص بالحكمة الحقية . فاعلم ذلك .
5 / 6 - ثم أقول : وللحقية والمطابقة سر آخر خفى جدا ، من لم يطلع عليه لم يعلم سر الخيال المقيد وحقيقته وسر الرؤيا وسر العالم المثال المطلق وسبب صحة كل ما يتجسد فيه ومطابقته .
6 / 6 - فاعلم ان عالم المثال نسبته الى صورة العالم الذي هو مظهر الاسم الظاهر نسبة ذهن الإنسان وخياله الى صورته ، وروح صورة العالم من وجه مظهر الاسم الباطن ، ما لمجسد ثمة لما لا صورة له من الأمور المعقولة هو الاسم الباطن والمدبر ، ولا نقص في العلم هناك ولا في القوة التي القوة المصورة من الإنسان نسخة منها فان الحق " ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " ، فلا يتجسد هناك شيء الا بحسب ما علم ، ولا جهل يتطرق في ذلك العلم ، فوجب المطابقة والصحة ، وهكذا هو الامر بالنسبة الى العقول والنفوس العالية.
7 / 6 - والامر في الإنسان ليس كذلك ، فان قوته المصورة تابعة لنورية روحه وما سبق اطلاعه عليه ، فأملاه بذاته على قوته المصورة ، فيأخذ في محاكاته ، لكن بحسب جودة هيئة الدماغ واستقامة المزاج وانحرافه وخاصية المكان والزمان ، بخلاف ما يتجسد في العالم المثال - كالاسم الباطن اولا ثم العقول والنفوس ثانيا - غير انه ينبغي لك ان تعلم نسبة خيالات الأناسي المقيدة الى عالم المثال نسبة الجداول الى النهر العظيم الذي منه تفرعت وطرفها متصل به ، اعنى طرف كل خيال من الجهة التي تلى عالم المثال متصل به.
8 / 6 - فصحة خيال الإنسان ورؤياه له عدة موجبات بعضها مزاجية وبعضها خارجة عن المزاج ، فالمختص منها بالمزاج : صحة هيئة الدماغ وما سبق ذكره
والخارج عن المزاج : بقاء حكم الاتصال بين خياله وبين جهة عالم المثال عن علم ومناسبة محققة تقتضي اتحاده به من احدى جهتيه وهذا كشف عال قل من يشاهده.
رأيته ودخلت بنفسي في بعض مظاهرها من خيال المقيد الى عالم المثال من باب الاتصال المشار اليه ، وانتهيت الى أخره وخرجت منه الى عالم الأرواح ، ثم الى فيحاء مطالع الاضواء والحمد لله على ما أنعم .
9 / 6 - ثم ليعلم ان الناس في مراتبهم على اقسام مختلفة تنحصر في ثلاثة اقسام :
قسم نازل قد طبع على قلوبهم ، فلا يتصل به من نفوسهم - اى قلوبهم - شيء مما هو منتقش في نفسه سابقا او متجددا الا في النادر كحال عارض سريع الزوال بطيء الإتيان .
وقسم يحصل لقلوبهم أحيانا صفاء وفراغ عن الشواغل واتصال من خياله بعالم المثال المطلق ، فكل ما يدركه نفوسهم في ذلك الوقت فإنه ينعكس انعكاسا شعاعيا الى القلب وينعكس من القلب الى الدماغ فينطبع فيه ، فان وجد في ما يرى اثر حديث النفس ، فللقوة المصورة في ذلك مدخل الالة من المزاج وما ذكرنا .
وان خلت الرؤيا عن حديث النفس وكان هيئة الدماغ صحيحة والمزاج مستقيما كانت الرؤيا من الله وكانت في الغالب لا تعبير لها ، لان العكس عكس ظاهر بصورة الأصل وهكذا هو رؤيا اكثر الأنبياء عليهم السلام .
10 / 6 - وهذا هو السبب في عدم تأويل الخليل عليه السلام رؤياه وأخذ بظاهرها ، ومن صار قلبه مستوى الحق لا ينطبع في قلبه غالبا امر خارج ، بل من قلبه يكون المنبع والانطباع الأول في الدماغ ولما اعتاد الخليل عليه السلام الحالة الاولى وشاء الحق ان ينقله الى مقام من وسع قلبه الحق ، كان انطباع ما انبعث من قلبه الإلهي الى دماغه انطباعا واحدا فلم يظهر بصورة الأصل ، فاحتاج الى التأويل المعرب عن الامر .
المراد بذلك التصوير على نحو تعينه في العالم العلوي وذوات العقول والنفوس تعينا روحانيا او على نحو انبعاثه من القلب المتوحد الكثرة بصفة احدية الجمع.
11 / 6 - فاعلم ذلك وأمعن النظر فيه ، فان هذا الفصل يتضمن علوما خفية يعلم منها تفاوت مراتب النفوس ودرجاتها وشعب إدراكاتها السقيمة والصحيحة.
ويعلم الفرق بين الخيال المقيد والمثال المطلق ويعلم نسبة كل واحد منهما الى الاخر والى الحق.
فان كل خيال مقيد هو حكم من احكام الاسم الباطن تجسد في عالم المثال المطلق تجسدا صحيحا لصحة العلم والقوى المحاكية .
وتجسد في كل كل خيال مقيد ، هذا بحسب القوة المصورة وبحسب المحل وبحسب احوال المدرك والغالب عليه من الصفات الزمان الإدراك .
ويعلم ان الرؤيا التي لا تأويل لها ما أوجبه ، وان الرؤيا التي تحتاج الى التأويل يكون لا نزل الطوائف ويكون لأكمل الخلق .
بخلاف التي لا تأويل لها ، فإنها حال المتوسطين ويعلم غير ذلك مما يطول ذكره مما نبهت عليه في الفصل وما أجملت ذكره.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 1 يوليو 2019 - 20:30 عدل 1 مرات
السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي :: تعاليق

الفقرة الثانية الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
هذا نص الحكمة الإسحاقية ذكره بعد حكمة إبراهيم عليه السلام، لأنه ابنه ومقامه متصل بمقامه وله به كمال العلاقة في المرتبة ويذكر في حكمة بقيته حكمة أبيه إبراهيم عليه السلام من جهة الرؤيا فناسب ذكره بعده .
قال الشيخ رضي الله عنه فص حكمة حقية) منسوبة إلى الحق وهو اسم من أسمائه تعالى وهو ضد الباطل كما مر (في كلمة إسحاقية).
إنما اختصت حكمة إسحاق عليه السلام بالحقية، لأنه الذبيح على القول الصحيح.
وقصة رؤيا المنام الواقع لأبيه عليهما السلام تقتضي خروجه من عالم الخيال الباطل إلى عالم الوجود الحق.
ووقع له في اليقظة أنه ما ذبح وإنما فداه الله بالكبش، والكبش صورته في المنام، والمنام خیال، فذبح نفس ألوهيته وبقية حقيقته الحقية فكانت حكمته حقية لذلك. والله الموفق إلى أقوم المسالك .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (
فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان
(فداء نبي) من أنبياء الله تعالى وهو إسحاق عليه السلام (ذبح) مصدر ذبحت الشاة ونحوها إذا قطعت أوداجها وحلقومها (ذبح) بكسر الذال المعجمة وهو ما يذبح من شاة ونحوها.
قال الجوهري في الصحاح : الذبح الشق والذبح مصدر ذبحت الشاة، والذبح بالكسر ما يذبح. وقال تعالى: "وفديناه بذبح عظيم " [الصافات: 107].
والذبح المذبوح والأنثى ذبيحة، وإنما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها، والذبيح الذي يصح أن يذبح للنسك (لقربان)، أي لأجل القربان .
قال الجوهري : القربان بالضم ما تقربت به إلى الله تعالى، تقول منه قربت الله تعالی قربانا (وأين) كلمة استفهام للاستبعاد والفرق الواضح (ثؤاج) بالهمزة وضم الثاء المثلثة، أي صياح.
قال الجوهري : الثواج صباح الغنم (الكبش) واحد الكباش من الغنم (من نوس) بالسين المهملة . قال ابن فارس في المجمل: النوس تذبذب الشيء تقول ناس ينوس انتهى . والمراد هنا الحركة المنتظمة على القانون العقلي.
(إنسان) واحد من بني آدم يعني لا يساوي صباح الكبش لحركة بني آدم المنتظمة الجارية على الكمال، فأين صوت الحيوان الصادر منه من غير إدراك عقلي وحركة الإنسان الصادرة منه على الوجه العقلي.
فكيف يكون هذا فداء لهذا وليس هذا بمساوي لهذا أصلا، فالمراد بیان خفاء الحكمة في ذلك ورقتها، وأنها مما ينبغي أن يطلب ويسأل عنه، وإنما ذكر من الكبش صياحه ومن الإنسان حركته لاشتراكهما في الحيوان.
وتمييز الإنسان بالنطق النفساني الذي يظهر تارة بالنطق اللساني وتارة بالأفعال المنتظمة على القانون العقلي.
والنطق اللساني قد يشارك الإنسان فيه غير الإنسان من طير ونحوه ، بخلاف الأفعال المنتظمة فإنها مختصة بالإنسان وبكل من يعقل من الجن والملك دون غيرها ، فميز الكبش بصوته الذي لا يشبه صوت الإنسان فضلا عن شبهة الأفعال الإنسانية التي هي فوق صوت الإنسان في دلالة الكمال وميز الإنسان بأفعاله المنتظمة لاختصاصها بمن يعقل ودلالتها على الكمال بأبلغ وجه .
(وعظمه)، أي الكبش (الله) تعالى (العظيم) سبحانه بقوله عنه : "وفديناه بذبح عظيم" [الصافات: 107]. (عناية)، أي اعتناء و احتفالا منه تعالى (بنا) معشر بني آدم حيث جعله فداء عن إنسان منا، فصار شريفة من بين أمثاله من أنواع الحيوانات، تشريفا حاصلا له من جهة الإنسان لا من جهة نفسه هو لأنه حيوان لا يستحق ذلك التعظيم والتشريف من ذاته، فيكون ذلك تشريفا لنا وتعظيما لشأننا حيث شرف بنا ما لا يليق به التشريف.
وعظمه من بين سائر أمثاله فتعظيمه في الحقيقة راجع إلينا فهو تعظيم لنا (أو) ذلك به عناية من الله تعالى (به)، أي بالكبش وتشريف له من بين جميع الحيوان لكونه كان فداء عن إنسان، فتعظيمه على هذا راجع إلى نفسه.
فالكبش هو العظيم (لم أدر) على وجه التحقيق هذا التعظيم المذكور للكبش صادر من الحق تعالی (من أي میزان) أي على أي وجه هل هو صادر من وجه ذات الكبش لسر في الغنم والكباش ليس في غيرها من الحيوانات؟
فتعظيمها راجع إلى ذاتها، وهو من وجه كونه وقع فداء الإنسان فالتعظيم في اللفظ للكبش، وفي المعنى المن كان فداء عنه وهو الإنسان الكامل.
والظاهر أن تعظيمه لظهوره في المنام لإبراهيم عليه السلام في صورة ابنه إسحاق عليه السلام.
فرأى في المنام أنه يذبح ابنه وهو في اليقظة إنما ذبح كبشه، فقد رأى الكبش في صورة ابنه في عالم المنام.
فكان ذلك تشريفا للكبش حيث ظهر في صورة إنسان في عالم الخيال، فهو كبش عظیم لأجل الصورة الإنسانية التي ظهر بها في بعض العوالم فتعظيمه عناية بنا، ولهذا قدمه في الذكر على الاحتمال الثاني.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فداء بني) استفهام للتعجب حذف همزته للعلم بها (ذبح) بفتح الذال مصدر (ذبح) بالكسر ما يذبح من الحيوانات القربان وابن ثواج الكيش) أي وأين صوت الغنم وحركته (من نوس إنسان) أي من صوت الإنسان وحركته حين يذبح (وعظمة الله العظيم) أي والحال أن الله أعظم ذلك الكبش. بقوله :"وفديناه بذبح عظيم " 107 الصافات.
(عناية به) أي بالذبح تعظيما به يجعله فداء عن النبي العظيم القدر عند الله (أو بنا) أي تعظيما لشأن نبينا عليه السلام بجعل الذبح العظيم الشأن عند الله فداء عنه.
(لم أدر) هذا التعظيم (من أي میزان) أي من أي قسم من قسمي التعظيم.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
قلت: ثواج الكبش، صورته. ونوس الإنسان حركته. قوله: وعظمه الله، إشارة إلى قوله: "وفدیناه بذبح عظيم" (الصافات: 107)
قال: والتردد واقع في هذه العظمة هل هي من أجل اسحاق أو من أجل المذبوح فإن البدنة وهي الناقة أعظم قدرا في العادة وما ذكر تعظيمها كما ذكر تعظيم الكبش. والذبيح، خليفة الله من أجل أن آدم و بنيه كل منهم يستحق الخلافة من حيث الانسانية
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
06 . فصّ حكمة حقّية في كلمة إسحاقية
قد ذكر سرّ استناد الحكمة إلى الكلمة في الفهرس ، فليطلب من ثمّ .
ثم قال رضي الله عنه :
فداء نبيّ ذبح ذبح لقربان .... وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان ؟
يعني رضي الله عنه : نفسي فداء لنبيّ جعل ذبحا عن ذبح قربان أمر إبراهيم عليه السّلام أن يقرّبه قربانا لله تعالى .
وأنّه عليه السّلام إنّما أمر أن يذبح قربانا يناسب سرّ قربانه بنفسه من حيث حقيقة الإسلام الذي هو الانقياد الحقيقي الكلَّي لله من كلّ وجه وهو ذبح النفس ، تفدية وقربانا لخليله الذي أسلم له .
ويحقّ أن يكون النفس الكاملة قربانا للحق وهذا سرّ كماليّ إلهيّ يقتضيه مقام الخلَّة ، فظهر هذا السرّ على يدي إبراهيم بالقربان الذي وقع به الذبح ، أعني الكبش الظاهر بصورة ابنه .
وكان في الحقيقة كبشا هو صورة سرّ إسلام إبراهيم وابنه .
قال : « وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان ؟ » يستبعد رضي الله عنه : قيام الكبش في وقوع الذبح به قربانا لله ، والذبح بكسر الذال هو المذبوح قربانا لله ، ولمّا تصوّر الكبش بصورة ابنه في منامه ، قصد عليه السّلام ذبحه قربانا لله .
وسرّ ذلك أنّ الخليل عليه السّلام لمّا أسلم لله حقّ الإسلام ، أراد أن يقرّب بنفسه ، إذ لم يكن عنده أعزّ من نفسه وهو حقيقة الإسلام ، قال : "إِنَّ الله اشْتَرى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ . وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ " . 111 سورة التوبة
وكما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم - حين تحقّق بالفناء الكلَّي في الله بسرّ الإسلام : « وددت أن أقاتل في سبيل الله ، فأقتل ، ثمّ أحيا ، ثمّ أقاتل فأقتل ، ثم أحيا فأقاتل ، فأقتل ».
فهذه ثلاث مراتب للحقيقة الإسلامية المحمدية ، فإنّ له مبدأ ووسطا ونهاية .
فمبدأ التقرّب بالمال وما له في سبيل الله ،
والوسط الخروج والتقرّب بجسمانيته لله تعالى ،
والغاية التقرّب بروحه ونفسه إن كان له نفس .
فلمّا قام إبراهيم عليه السّلام بحقيقة الإسلام ، همّ أن يتقرّب بنفسه إلى الله ، بعد خروجه من ماله ، فكشف الله له عن سرّ إسلامه أنّه صورة استسلامه وانقياده لله ، وأنّه مؤهّل لأسرار أخر أكمل منه أوّلها الإسلام - وهو الانقياد الجسماني - ثم الإيمان ، ثم الإحسان ، ثم الولاية ، ثم النبوّة ، ثم الرسالة ، ثم الخلافة - وأوّلها الإمامة والخلَّة - ثمّ الاستخلاف ولا نهاية للدرجات الأكملية.
ففداه الله بذبح عظيم وهو الكبش ، لمناسبته في سلامة النفس واستسلامه للذبح بالفاني عن نفسه ، المقرّب بروحه لله وتشخّص لإبراهيم في المنام بصورة ابنه عليه السّلام لأنّه صورة سرّ إسلام إبراهيم والولد سرّ أبيه ، ولهذا أسلم نفسه للقتل " فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّه ُ لِلْجَبِينِ" أوحي إليه أنّ المؤهّل للذبح ظاهرا هو الكبش لا الإنسان ، فإنّ الإنسان قائم بحقيقة الأمر وباطن السرّ ، حيث فني عن نفسه ، وأسلم حقيقة لربّ العالمين .
""أضاف الجامع يقول الشيخ الشعراني في الطبقات الكبرى عن سيدي علي وفا وولده : أي ظهر، وتجلى لها عين معنى قولا لملائكة لجده إبراهيم عن جده إسحاق " بشرناك بالحق " بعد ما سموه غلاما عليما، والولد سر أبيه، وهذا هو المراد بإتمام النعمة عليه، وعلى آل يعقوب ثم إنه عرفه أن الربوبية له من دائرة العليم الحكيم فقال: " إن ربك عليم حكيم " فافهم،أهـ .""
"" قال كمال الدين عبد الرزاق القاشاني: "واعلم أن النيّات وهيئات النفس مؤثرة في نفس الولد, كما أن الأغذية مؤثرة في بدنه. فمن كان غذاؤه حلالاً طيباً وهيئات نفسه نورية ونيّاته صادقة حقانيّة, جاء ولده مؤمناً صديقاً أو وليّاً أو نبيّاً. ومن كان غذاؤه حراماً وهيئات نفسه ظلمانية خبيثة ونياته فاسدة رديئة جاء ولده فاسقاً أو كافراً خبيثاً. إذ النطفة التي يتكوّن الولد منها متولدة من ذلك الغذاء, مربّاة بتلك النفس, فتناسبها. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولد سرّ أبيه ".أهـ ""
وأمّا صورة هذا السرّ في الشاهد فإنّما هو الكبش ، أوجده الله للذبح على يد الإنسان وفيه كماله ، وبذلك يبلغ درجة الإنسان ، فافهم .
قال - رضي الله عنه - :
وعظَّمه الله العظيم عناية ..... بنا أو به لا أدر من أيّ ميزان ؟
قال العبد : أسقط الياء - وفيه لطف تسويغ لذلك مع سوغان « لم أدر » أو « لم يدر » مبنيّا للمفعول - ، احترازا عن محذور وهو نفي ما هو ثابت عنه وتحقّق ، لعلمه رضي الله عنه - :
أنّ نيابة الكبش عن خليفة الله في القربات لمناسبة صحيحة بينه وبين الإنسان ، فعظَّمه الله أي الفداء بما أقامه مقام أشرف عبيده في أشرف القربات إليه ، تشريفا له بذلك وتشريفا وتعظيما للصورة الإنسانية التي إبراهيم وابنه عليها أن يقتل أو يقع عليه الذبح .
فإنّها صورة الله ، فهي أعظم أن يقرّب به لعظمة صورة الله التي هو عليها ، فقوله : « لا أدر » مع درايته إشارة منه إلى أنّ الوجهين معا صادقان في ذلك
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
إنما خصت الكلمة الإسحاقية بالحكمة الحقية لتحقق رؤيا أبيه في حقه ، فإن المعنى العلمي الكلى ينزل من أم الكتاب إلى عالم اللوح المحفوظ ، وهو بمثابة القلب للعالم ، ومنه إلى عالم المثال فيتجسد فيه ، ثم إلى عالم الحس فيتحقق في الشاهد وهو المرتبة الرابعة من الوجود النازل من العالم العلوي إلى العالم السفلى ، ومن الباطن إلى الظاهر ، ومن العلم إلى الكون .
والخيال من الإنسان هو عالم المثال المقيد ، كما أن عالم المثال هو الخيال المطلق أي خيال العالم ، فللخيال الإنسانى وجه إلى عالم المثال لأنه منه فهو متصل به ، ووجه إلى النفس والبدن ، فكلما انطبع فيه نقش من هذه الجهة السفلية وتمثلت فيه صورة كان ذلك محاكاة لهيئة نفسانية أو هيئة مزاجية ، أو البخار يرتفع إلى مصعد الدماغ كما للمحرورين وأصحاب الماليخوليا فلا حقيقة له ويسمى أضغاث أحلام ، وكلما انطبعت فيه صورة من الجهة العلوية.
أي من عالم المثال أو من القلب النوراني الإنسانى فيتجسد فيه كان حقا سواء كان في النوم أو في اليقظة ، فكان رؤيا صادقة أو وحيا غير محتاج إلى تعبير أو تأويل ، لأن ما ينطبع من عالم المثال لا يكون إلا حقا لأنه من خزانة علم الحق بتوسط الملكوت السماوية فلا يمكن الخطأ فيه ، وكذا ما ينعكس من القلب المنور بنور القدس ، إلا أن تتصرف فيه القوة المتصرفة الإنسانية بالانتقال إلى صورة التشبيه والمناسب ، فتحتاج الرؤيا إلى التعبير والوحي إلى التأويل.
ولما رشح الله تعالى إبراهيم عليه السلام لمقام النبوة ، فكان جميع ما رآه في المنام من قبيل ما لا يحتاج إلى التعبير فلذلك جزم بذبح الولد وعزم عليه ، فجعله الله تعالى حقا بالتأويل.
كما جعل رؤيا يوسف حقا بتحقيق تأويله في الواقع ، كما قال تعالى حاكيا عنه " هذا تَأْوِيلُ رُؤيايَ من قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " ولما كان القربان واجبا على إبراهيم عن ولده لإسلام النفس لله ، أو عن نفسه لإسلامه إياها لله ، والولد صورة سر إسلامه ، لقوله عليه الصلاة والسلام « الولد سر أبيه » صورت القوة المتصرفة بصورته:
قال الشيخ رضي الله عنه :
(فداء نبي ذبح ذبح لقربان ..... وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان)
الثواج : صوت الغنم ، والنوس : صوت سوق الإبل .
يقال : نست الإبل ، أي سقته ، والنوس أيضا : التذبذب وأناسه ذبذبه ، ولعل المراد هنا الأول لانتظام المعنى به ، والذبح : بكسر الذال ، ما تهيأ للذبح من الغنم فعل من المفعول .
استبعد قدس الله روحه ، أن يكون نبي ذبح كبش للقربان ، أي لأن يتقرب به إلى الله ، والمراد الاستفهام بمعنى التعجب ، واكتفى عن حرف الاستفهام بما في المصراع الثاني من قوله : وأين ، لأنه تقرير له .
"" إضفة بالي زادة : ( فداء نبي ) استفهام التعجب حذف همزته العلم بها ( ذبح ) بفتح الذال مصدر ( ذبح ) بالكسر ما يذبح من الحيوانات ( وأين ثؤاج الكبش ) صوت الغنم وحركته ( من قوس ؟ إنسان ) أي من صوت الإنسان وحركته حين يذبح والفداء ينبغي أن يساوى المفدى عنه اهـ بالى زاده . ""
وقيل : معناه نفسي فداء نبي جعل ذلك الفداء ذبح ذبح ، على أن الذبح بدل من فداء ولا يخلو من تعسف :
( وعظمه الله العظيم عناية .... به أو بنا لم أدر من أي ميزان )
حذف الياء من لم أدر تسامحا ، أي عظمه الله ، أي وصف الكبش بالعظمة في قوله : " وفَدَيْناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ".
في قوله : أدر إشارة إلى أن كلا الوجهين جائز في ميزان الكشف ، أن يكون تعظيم الكبش للعناية به حيث جعل فداء لأشرف خلق الله قائما مقامه وهو إبراهيم أو إسحاق عليهما السلام أو بهما ، لأن الإنسان الكامل على صورة الله ، فعنى به تشريفا وإكراما عن أن يقع عليها الذبح بوقوعه على ذلك الكبش فلذلك عظم ، أو لما يذكر بعد من أن الحيوان أعلى قدرا من الإنسان وأعرف باللَّه .
"""إضفة بالي زادة : "عناية به" أي بالذبح تعظيما به بجعله فداء عن النبي العظيم القدر "أو بنا" أي تعظيما لشأن نبهنا ، بجعل الذبح العظيم عند الله فداء عنه "لم أدر من أي ميزان" وقع ، أمن ميزان عناية الله بنا ، أو من ميزان عنايته بالكبش ؟ .اهـ بالى زاده.""
فجعله فداء لهما مع عظمة قدره لفرط العناية بهما :
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
لما كان بعد مرتبة عالم الأرواح المجردة مرتبة عالم المثال المسمى بـ (الخيال) وهو ينقسم إلى المطلق والمقيد - كما مر بيانه في المقدمات - وكان أول من خلع عليه الصفات الثبوتية التي هي روح العالم المثالي (إبراهيم).
ذكر الشيخ رضى الله عنه حكمة عالم المثال المقيد في الكلمة (الإسحاقية) مراعاة للترتيب في بيان المراتب، مع أنه لم يلتزم إلا التنبيه على المناسبة بين الحكمة وبين النبي الذي نسب الحكمة إلى كلمته، ولم يلتزم مراعاة الترتيب الوجودي بين الأنبياء، عليهم السلام، ولابين المراتب أيضا.
وإنما ذكر المقيد هنا دون المطلق، لأنه مثال وأنموذج من العالم المثالي المطلق.
وهو مع كل واحد، ليطلع منه عليه ويصل به إليه. فالكلام فيه كالكلام في أصله.
ونسب حكمته بالحقية لجعل إسحاق عليه السلام ما رأى أبوه في المنام حقا بأنقال: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين).
أي اجعل ما رأيته في رؤياك محققا في الحس، ستجدني إن شاء الله صابرا على ذلك كما قال يوسف،عليه السلام: (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا.)
(فداء نبي ذبح ذبح لقربان ..... وأين ثواج الكبش من نوس إنسان)
اعلم، أن بين الفداء والمفدى عنه لا بد من مناسبة ومقاربة في الفداء، كما جاء في صورة القصاص، لذلك لا تقتل المسلم بالذمي والحر بالعبد. فقوله:
(فداء نبي) استفهام على سبيل التعجب. تقديره: أفداء نبي ذبح ذبح لقربان؟فحذفت الهمزة، كما تقول: هذا قدري عندك. أي، أهذا قدري؟
و (ذبح) بفتح الذال، مصدر، وبكسرها اسم لما يذبح للقربان.
و (الثواج) صوت الغنم. و(النواس) التذبذب والصوت عند سوق الإبل. يقال ناس: إبله. أي، ساقها.
وناس الشئ وإناسه، أي، ذبذبه وحركة، والمراد صوت الإنسان وحركته.
أي، كيف يقوم صوت الكبش وحركته عند الذبح مقام صوت الإنسان وحركته.
واعلم، أن ظاهر القرآن يدل على أن الفداء عن إسماعيل، وهو الذي رآهإبراهيم أنه يذبحه. وإليه ذهب أكثر المفسرين وذهب بعضهم إلى أنه إسحاق.
والشيخ رضي الله عنه معذور فيما ذهب إليه، لأنه به مأمور كما قال في أول الكتاب.
(وعظمه الله العظيم عناية به أو بنا، لم أدر من أي ميزان)
(الواو) للحال. أي، والحال أن الله وصفه بـ (العظيم) بقوله: (وفديناه بذبح عظيم).
عناية بالذبح وتعظيما لشأنه حيث جعله فداء عن نبي معظم عند الله. أو عناية بالنبي وتعظيما لقدره حيث جعل الذبح فداء عنه.
(لم أدر من أي ميزان) تعجب من أي الذبح صار فداء لنبي كريم، ووصفه الحق بذبح عظيم، أي، لم أدر من أي قسم من القسمين، وما سبب تعظيمه.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
فداء نبي ذبح لقربان ... وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
وعظمه الله العظيم عناية ... بنا أو به لا أدر من أي ميزان
أي: ما يتزين به، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بظهور كل شيء بكل شيء بالحق من حيث أن الكل مظهره ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى إسحاق الكي حيث تصور الكبش في المنام بصورته حتى توهم أنه فداؤه، وأنه يساويه في الجملة حتى صلح للفداء، وإليه الإشارة بقوله: (فداء نبي) بحذف همزة الاستفهام للتعجب، (بح ذبح ) بالكسر ما تهيا من الغنم للذبح، والمراد الكبش، (لقربان) أي: للتقرب إلى الله تعالی. عجب
أولا: من كونه فداء من نبي كامل مع وجوبه مقارنة الفداء للمفدى عنه، والمناسبة بينهما.
وثانيا: من إقامته مقام إفناء النفس في التقرب إلى الله تعالی.
والغرض إظهار ذلك بعد انخفائه؛ ليتمكن في النفس فضل نتمكن، وبالغ فيه أولا،
فقال: (وأين ثواج الكبش؟)
وهو صوته من (نوس إنسان) النوس: صوت سوق الإبل، والمراد صوت الإنسان حال الشدة، والغرض المبالغة في التعجب بأنه إذا لم يقم صوت أحدهما مقام صوت الأخر، مع أنه من الأغراض المتقدمة، فكيف يكون أحدهما فداء للآخر قائما مقامه؟!
ثم زاد تعجبا؛ فقال: (وعظمه الله العظيم) حيث قال: "وفديناه بذبح عظيم" [الصافات: 17]، مع غاية دنوه في الظاهر، والمعظم في غاية العظمة، فلا يليق به تعظيم ما ليس بمعظم، ثم سئل عن علة ذلك التعظيم.
فقال: (عناية به أو بنا) أي: أعظمه لكونه معتني به للحق؛ لكونه من مظاهره الجليلة، أو لكونه لما صار فداء عن أعظم المظاهر وسيا لحفظه؛ عظمه عناية بالمفدى عنه، ثم تجاهل فيما سئل، فقال: (لم أدر من أي میزان) يعرف مقدار عظمته.
ثم أشار إلى أنها لا تعرف بميزان القيمة، فقال
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 17:54 عدل 2 مرات

الفقرة الثانية الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
06 - فصّ حكمة حقّيّة في كلمة إسحاقيّة
لا ريب أنّ أوّل ما يترتّب على الجمعيّة الوجوديّة ويتولَّد من كلَّية الحقائق الثبوتيّة التي تحقّق بها إبراهيم هو الصورة العكسيّة المثاليّة التي إذا اعتبرت مطابقتها للواقع تسمّى حقّا ، ولذلك اختصّت الحكمة الحقيّة بالكلمة الإسحاقيّة .
وأيضا ما تفرّد به الكلمة عن الاسم - هو الخصوصيّة التي بصورتها الجمعيّة تفرّد الاسم وامتاز عن المسمّى .
ومن التلويحات البيّنة هاهنا هو أن بيّنات ما تفرّد به الكلمة هذه تدل على أنّها صاحب التحقّق بتلك الصورة المثاليّة المترتّبة على تحقّق القلب بكمالاته الخاصة به ، أعني الحقائق الثبوتيّة التي تحقّق بها إبراهيم .
فإنّ تلك الصور المثاليّة المترتّبة على الكمال القلبي لها مظاهر في الخارج ، وذلك هو الصور الحرفيّة التي إنّما تتحقّق خارجا في المشعرين الشاعرين - أعني السمع والبصر - والمتحقّق بالأوّل منهما هو إسحاق ، لدلالة بيّنات ما تفرّد به كلمته على السمع .
وقد وقفت على أنّ تلك الصورة منها هو المختصّ بالنبوّة ، فطرف صورتها الإجماليّة أولا هو الذي تحقّق به هذا النبيّ . وأمّا طرف تفصيلها وتبيّنها ثانيا هو الذي تحقّق به أخوه إسماعيل ، وكأنك وقفت على وجه تلويحه فلا تحتاج إلى تبيينه .
والذي يدلّ على استشعار المصنّف هذا التلويح كشفا هو المصرع الثاني من البيت الذي صدّر به الفصّ والبيت الذي ختم القطعة المصدّر بها .
(فداء نبيّ ذبح ذبح لقربان ) « الفداء » و « الفداء » : حفظ الإنسان عن النائبة بما تبذله عنه.
"" إضافة الجامع : ما سطره الشيخ بنفسه على أن الاعتقاد بكون الذبيح إسماعيل عليه السّلام ظاهر مما أورده الشيخ ابن العربي نفسه في كتابه الإسفار عن نتيجة الأسفار ( ص 37 ، سفر الهداية ) : " ولما ابتلي بذبح ما سأله من ربه وتحقق نسبة الابتلاء ، وصار بحكم الواقعة ، فكأنه قد ذبح - وإن كان حيّا - بشّر بإسحاق عليه السّلام من غير سؤال ، فجمع له بين الفداء وبين البدل مع بقاء المبدل منه." ""
والنبيّ لكونه أكمل بني نوعه صورة ومعنى وأتمّهم ظهورا وإظهارا ، وأعمّهم أوضاعا وآثارا - لا يكون فداه من الأموال إلَّا ما يكون ذا أثر وفعل ظاهر ، كما للحيوانات ، وذلك إنّما يكون بالذبح للقربان ، فإنّ أرواح المذبوح يقرّب المذبوح له ويمدّه في إظهار الآثار
كما سيجيء الكلام عليه في الفصّ الموسوي إن شاء الله تعالى - وبيّن أنّه إذا كان المطلوب من القربان إمداد المذبوح المتقرّب به بضرب من الامتزاج والاتّحاد للمتقرّب له بظهور آثاره فيه ، فكيف ينوب الإنسان شيء في ذلك - أي في إظهار الآثار .
( وأين ثؤاج الكبش من نوس إنسان ) النوس : التذبذب ، وهو كناية عن النطق لتذبذب الصوت به في المخارج .
( وعظَّمه الله العظيم ) في قوله : " وَفَدَيْناه ُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ " [ 37 / 107 ] على حقارة آثاره
( عناية بنا ) فإنّه ما يصلح لأن يتقرّب به الإنسان ذلك التقرّب يكون عظيما ( أو به ) كما سيجيء بيانه ، ( لا أدر ) حذف الياء منه اكتفاء بالكسرة - على ما في قوله تعالى : " وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ " [ 89 / 4 ] .
( من أيّ ميزان ) فإنّ هاهنا ميزانين : أحدهما العلوّ الشرفيّ ، والآخر الكمال الجمعيّ ، فإذا اعتبر الأوّل منهما كان التعظيم الذي للكبش بنفسه لا للمفدى به وإذا اعتبر الثاني كان التعظيم المشار إليه باعتبار المفدى به كما سيجيء بيانه .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( (فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
و عظمه الله العظيم عناية … بنا أو به لا أدر من أي ميزان )
الفص الإسحاقي
06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فداء نبي ذبح لقربان ... و أين ثؤاج الكبش من نوس إنسان)
فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية
وصف رضي الله عنه هذه الحكمة بالحقية ، لأن إسحاق جعل ما رآه أبوه عليهما السلام في حضرة الخيال حقا ثابتا في الحس حيث استسلم للذبح ولهذا اختصت به .
ثم إنه رضي الله عنه أورد هذه الحكمة تلوا للحكمة المهيمية لأن تلحكمة المهيمية نسبة إلى المهيمين الذين هم من الأرواح المجردة .
وهذه الحكمة متعلقة بعالم المثال الذي هو تلو عالم الأرواح .
(فداء نبي) بتقديم النون مصدر مضاف إلى مفعوله يقال : فداه وفاداه إذا أعطى فداءه فأنقذه وهو مبتدأ خبره (ذبح ذبح) الذبح الأول بفتح الذات مصدر . والثاني بكسرها ما يتهيأ للذبح.
وجعل بعضهم الفداء بمعنى المفدی مبتدأ ، والذبح بكسر الذال مضاف إلى مثله خبره. وأراد بالذبح المضاف الكبش و بالمضاف إليه إسحاق عليه السلام.
وعلى التقديرين فالجملة إما خبرية أو استفهامية بتقدير الاستفهام للتعجب .
وذهب بعضهم إلى أن الفداء خبر مبتدأ محذوف، أي نفسي فداء نبي.
وقوله : ذبح بكسر الذال فيهما ورفع الأول خبر بعد خبر .
وقوله القربان : أي لأن يتقرب به إلى الله تعالی متعلق.
إما الذبح إن كان مذكورا بصريحه أو بما يفهم من الذبح الأول أو الثاني.
(وأين ثواج الكبش) الثواج : بضم الثاء المثلثة صوت الغنم (من نوس إنسان) والنوس صوت سوق الإبل يقال : نست الإبل ، أي سقته يعني این مرتبة الثواج الذي هو من خواص الكبش، وهو صوت طبيعي له عن مرتبة النوس الذي هو من خواص الإنسان.
ومن جملته الحد المشتمل على ألفاظ فصيحة ومعاني دقيقة والحان لطيفة ، فكما بين خاصيتهما من التفاوت الظاهر فكذلك بين ذاتيهما فأين الكبش من الإنسان فكيف يكون فداء له. والفداء ينبغي أن يساوي المفدى عنه .
اعلم أنه ذهب إلى كون الذبيح إسحاق عليه السلام طائفة كبيرة من السلف واليهود قاطبة وذهب الأكثرون إلى أنه إسماعيل.
والشيخ رضي الله عنه فيما ذهب إليه معذور فإنه بمقتضی مبشرته مأمور.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وعظمه الله العظيم عناية ... بنا أو به لا أدر من أي ميزان
ولا شك أن البدن أعظم قيمة ... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان
(وعظمه)، أي الكيش (الله العظيم) حيث جعله فداء لنبي عظيم عناية به ، أي الكبش (أو بنا) معشر بني آدم ويدخل فيه النبي دخولا أوئية (لا أدر) بحذف الياء اكتفاء بالكسر.
و هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وفي بعض النسخ:
لم أدر من أي ميزان أي لم يذر (من أي ميزان) وقع من ميزان عناية الله بنا أو من ميزان عنايته بالكبش وإنما جعل عنايته بالكبش وإنما جعل عنايته سبحانه میزان أو بعنايته تعرف مقادیر الأشياء ومراتبها كما يعرف بالميزان أوزانها (ولا شك أن البدن) جمع بدنة بالفتحنين وهي ناقة أو بقرة تنحر بمكة (أعظم) من الكبش (قيمة ولهذا صارت عوضا عن سبعة من الضحايا (وقد نزلت) ، أي انحطت هي بل ذبحها (عن ذبح كبش القربان)، لأنه جعل فداء عن نبي دون البدن وبه تقرب إلى الحق دونها
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 17:55 عدل 2 مرات

الفقرة الثالثة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثالثة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه : (و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان ... فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان .... ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟ .... فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان ... و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا شك) عند العقلاء (أن البدن) جمع بدنة وهي الواحدة من الإبل والبقر والجاموس (أعظم قيمة) إن أريد بالعظم في الآية في حق الكبش عظيم القيمة، فإن الجمل والبقرة قيمتها أكثر من قيمة الكبش.
(وقد نزلت)، أي البدن فلم يذبح منها شيء (عن ذبح كبش) من الكباش (لقربان)، أي لأجل التقرب به إلى الله تعالی فداء عن إنسان كامل، فليس المراد العظيم في القيمة بل المراد في القدر والشرف.
(فيا ليت شعري)، أي يا ليتني أشعر، أي أعلم وأتحقق (كيف)، أي على أي كيفية (ناب بذاته)، أي خلق نفسه (شخیص) تصغير شخص مضاف إلى (كبیش) تصغير كبش أيضا، وهذا التصغير للتقليل والتحقير بالنسبة إلى مقام الإنسان الكامل (عن خليفة رحمن)، وهو إسحاق النبي عليه السلام.
ثم أجاب عن ذلك بقوله: (ألم تدر) يا أيها الإنسان العارف يعني نفسه وغيره (أن الأمر)، أي أمر الله تعالى الواحد النازل منه تعالى في صورة المخلوقات كلها (فيه)، أي في ذلك الأمر (مرتب)، أي على ترتيب مخصوص (وفاء) نائب فاعل مرتب، والوفاء الزيادة .
(لإرباح)، أي لحصول المراتب السامية والمقامات العالية في بعض المخلوقات (ونقص) ضد الوفاء (لخسران)، أي حرمان تلك الزيادة في بعض المخلوقات الأخر ثم بينه بقوله .
(فلا خلق)، أي مخلوق (أعلى) رتبة وكمالا في معرفة الله تعالى و كثرة تسبيحه (من جماد) فالجماد كالحجر والتراب ونحو ذلك أعلى المخلوقات عبادة لله تعالى، ولهذا سكن فلم يتحرك حسين ولا عقلا ولا طبعا، وتحرك أمرا فقط.
فهو يعمل بأمر الله تعالی خاصة (وبعده)، أي الجماد في علو المرتبة في العبادة (نبات) كالشجر والحشيش والرياحين ونحو ذلك (على قدر)، أي مقدار له في ذلك (يكون) عليه (وأوزان)، أي مراتب وحدود لا يتجاوزها، ولهذا تحرك طبعا لا حس ولا عقلا ، فهو يعمل بطبعه بأمر الله تعالى فهو دون الجماد في المرتبة .
(وذو الحس) وهو الحيوان كالوحوش والطيور ونحو ذلك (بعد النبت) في الرتبة ولهذا تحرك طبعا وحسة لا عقلا.
فهو يعمل بطبعه وبحسه بأمر الله تعالى فهو دون الجماد والنبات في الرتبة (والكل)، أي الأقسام الثلاثة : الجماد والنبات والحيوان .
(عارف) معرفة فطرية نظرية طبيعية (بخلافه)، أي ربه الذي خلقه (كشفا)، أي ذوقا وشهودة لا فكرة وتخييلا (وإيضاح)، أي بيان (برهان)، أي دليل واضح لا تشكيك فيه، والمراد به القرائن والعلامات التي بها يكشف العارف عن معروفه، ويتحقق بها حقيقة مألوفه.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا شك أن البدن) بضم الباء وسكون الدال جمع بدنة (أعظم قيمة) من الكبش .
(و) الحال (قد نزلت) أي انحطت (عن ذبح كبشر لقربان) أي لم تكن البدنة فداء عن نبی كریم مع أنها أعظم قيمة من الكبش.
(فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ، شخيص الكبش) تصغيرين (عن خليفة رحمان) يعني لا ينوب بذاته عن خليفة رحمان بل لمعنى زائد على ذاته الجليل القدر عند الله.
الذي كان في خليفة رحمان فيه كان وهو إسحاق علیه السلام .
وأكثر المفسرين ذهبوا إلى ما رآه إبراهيم إسماعيل عليهما السلام وبعضهم ذهب إلى أنه إسحاق عليه السلام .
والشيخ اختار هذا المذهب لتطابق كشفه مذهب البعض.
والمراد بإتیان التصغير أن يعلم أن العظمة ليست بالنظر إلى الصورة ولا بالنظر إلى القيمة بل المراد العظمة عند الله وهو الوفاء بالعهد السابق .
ويجوز أن يكون المراد من خليفة رحمان إبراهيم عليه السلام أو كليهما لأن الفداء عن الولد فداء عن الوالد .
(ألم تدر) استفهام تقریر خطاب (أن الأمر نیه) أي في الفداء (مرتب) متناسب في الوصف وإن لم يكن له مناسبة في الذات والصورة .
لكن الاعتبار بالمعنى وقد اعتبره الله تعالى بقوله : " بذبح عظيم" فلا ناب بذاته بل مع الوصف الشريف والكبش أعظم انقيادة وتسليما للذابح من غيره .
بل هذا الوصف أصل في الكبش وفدي الشريف عن الشریف (وفاء) أي إطاعة وتسليم لأمر الله (لإرباح) بكسر الهمزة أي لتجارة رابحة .
فكانت تجارة إبراهيم وإسحاق عليهما السلام الانقياد والتسليم رابحة مربحة وربح التجارة الفداء عنهما، وكأن تجارة الكبش وهي انقياده وتسليمه للذابح رابح ومي نداره عن خليفة رحمان (ونقص لخسران) ولو نقصا في الانقياد والتسليم ما ربحت تجارتهما ولم يفد عنهما والأرباح مرتبة على الوفاء والخسران مرتب على النقص. وقوله : وفاء ونقص خبر مبتدأ محذوف تقديره وهو أي المرتب وفاء الخ.
وقوله : بین جهة العلو في الكبش شرع بهذه المناسبة في بيان جهة بعض الأشياء على بعض بحسب التركيب من قلة الأجزاء وكثرتها.
فقال : (فلا خلق أعلى من جماد) لقلة أجزائه فكان أقرب من المبدأ من غيره لقلة الوسيط وما كان أقرب فهو الأفضل من الأبعد فقد كان أفضل ما كان أسفل عندك وأسفل ما كان أفضل عندك فاعتبروا أيها السالكون في طريق الحق و اتركوا علومكم العادية والرسمية حتى يعلمكم الله من لدنه علما.
(وبعده) أي والأعلى بعد الجماد (نبات على قدر يكون واوزان) يعني أن العلو يكون على قدر أجزائه وأوزانه (وذو الحس بعد النبت) لأنه أكثر أجزاء من النبت فكان أبعد من الحق منه .
(فالكل عارف بخلاقه) لعدم احتجابهم عن ربهم بسبب قلة الإجزاء والإمكانات في تركيب وجودهم وقد علم عرفناهم بخلافهم (كشفا وإيضاح وبرهان) أي علم عرفانه بكشفنا وإيضاح برهان لأن عرفانهم لا يكون عن كشف وإيضاح برهان إذ الكشف عبارة عن رفع الحجاب فلا حجاب لهم فلا رفع ولا حظ لهم عن إيضاح برهان فلا ينصرف الكشف والإيضاح إلى عرفانهم.
ويجوز أن يكون الكشف عبارة عن عدم الحجاب وإيضاح برهان عبارة عن أنفسهم لأن أنفسهم بسبب قلة الإجزاء براهين واضحة على ربهم دون نفس الإنسان فيتعلق الكشف والإيضاح إلى عرفانهم وعلى الوجه الأول البرهان قوله تعالی: "سبح لله ما في السموات والأرض" [الحدید: 1].
وقوله تعالى : "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم" [الإسراء: 44] .
والتسبيح لا يكون إلا عن علم ويؤيده قوله
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
وما ذكر تعظيمها كما ذكر تعظيم الكبش. والذبيح، خليفة الله من أجل أن آدم و بنيه كل منهم يستحق الخلافة من حيث الانسانية .
وليس من غير نوع الانسان يكون خليفة في الأرض ثم ذكر في الأبيات أن الموجودات الجسمانية أشرفها في الرتبة الجماد وأشرف منه النبات.
وأشرف منه الحيوان . وأشرف من الحيوان الإنسان .
فكيف يكون المشروف الذي هو الحيوان بدلا من الإنسان في فدائه من الذبح.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال رضي الله عنه :
ولا شكّ أنّ البدن أعظم قيمة ..... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان
يريد رضي الله عنه أنّ قيمة البدن أعظم من الكبش بالضعف وأكثر ، رعاية لجانب الفقير ، ولهذا تجزي في الضحايا عن سبعة ، ولكن ليست البدن مخلوقة للاستسلام - كما مرّ - دون أمر ، فإنّ البدن تركب وتحلب وقد تذبح للقربان ، والغنم ليس إلَّا للذبح ، والحلب والنتاج تبع لذلك بخلاف البدن .
قال رضي الله عنه :
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته .... شخيص كبيش عن خليفة رحمان ؟ !
يحرّض رضي الله عنه على دراية هذا السرّ الذي استقصينا القول في بيانه ها هنا ، وقبله في شرح فصّ إبراهيم في الفهرست ، فانظر .
قال رضي الله عنه :
ألم تر أنّ الأمر فيه مرتّب ..... وفاء لإرباح ونقص لخسران ؟
يعني رضي الله عنه : أنّ الأقدار في قيم الأشياء مرتّبة ، فمن فدي نفسه في سبيل الله بذات غالية القيمة ، عالية المنزلة ، فهو أعلى وأغلى ، فمن يفدى بما دون ذلك فكان ينبغي أن يفدى بالبدن كما فدي والد رسول الله ، عبد الله بن عبد المطَّلب على ما عرف واشتهر ، ولكنّ السرّ ما ذكرنا.
قال رضي الله عنه :
فلا خلق أعلى من جماد وبعده ..... نبات على قدر يكون وأوزان
وذو الحسّ بعد النبت والكلّ عارف ..... بخلَّاقه كشفا وإيضاح برهان
يريد رضي الله عنه : أنّ الكبش وإن نزل من كونه حيوانا على درجة الإنسان الكامل ، وينقص في الدلالة والمعرفة والمظهرية عن الكامل ، ولكنّه أعلى من الإنسان الحيوان ، لكون الكبش عارفا بخلَّاقه كشفا وبالذات والحقيقة ، لا بالفكر والعقل كالإنسان الحيوان .
فإنّ معرفة العارف من الإنسان الحيوان معرفة نظرية استدلاليّة وقد لا تطابق الواقع في نفس الأمر ، لإمكان وقوع خلاف نظره واستدلاله في نظر ذي نظر واستدلال آخر من وجه آخر ، بخلافه دلالة الحيوان ومعرفته الذاتية الفطرية التي فطره الله عليها ، إذ لا خلاف في ذلك أصلا ، لكونه فطر عليه.
فإن قلت : وكذلك الإنسان ، فطره الله على معرفته .
قلنا : نعم ، ولكنّ الإنسان الحيوان غيّر معرفته الفطرية ، وما زج بها وخلطها بتصرّفات فكرية ، وحركات إراديّة نفسية ، ومعنى قوله تعالى : "فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها " .
أنّ المعنيّ بـ " الناس " الكمّل ، لا الإنسان الحيوان إلَّا من حيث ما أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « كلّ مولود يولد على الفطرة - وبرواية - على فطرته ، فأبواه يهوّدانه ويمجّسانه وينصّرانه » الحديث .
وأعلى المخلوقات في هذا الكشف والمعرفة المعدن والجماد ، لكونه أبقى وأدوم على هذه المعرفة الذاتية الفطرية ، وليس فيه أصلا تغيّر عن جبلَّته الفطرية ما دام ذاته ،
والجماد كامل التأتّي والقبول الانقيادي الذاتي لكلّ ما تصرّف فيه متصرّف عليهم بمصارف تصريفه بلا تأبّ ولا تصرّف مخرج له عن كمال الانقياد والطاعة الذاتيّين لله فاطر السماوات والأرض وما بينهما .
فالجماد أتمّ في هذا النوع من المعرفة ، فإنّه تحقّق بالذات والمرتبة والوجود أن لا متصرّف إلَّا الله ، ولا تصرّف إلَّا لله ، فهو بالحقيقة والوجود والمرتبة مستسلم ، منقاد ، قابل ، مطوع لما أراد الله منه .
ودونه في المرتبة النبات النموّ ولكن تلك الحركة الطبيعية الفطرية بالنموّ تضاف إليه عرفا ، فيقال فيه : إنّه جسم نام ، فذلك نوع تصرّف طبيعي زاد على أصل الفطرة التي للجماد ، وبهذا تنقص معرفته عن معرفة الجماد .
وكذلك الحيوان ذو الحسّ والحركة الإرادية ، ينقص في المعرفة المذكورة عن النبات ، لزيادة تصرّف وحركة في الحيوان بحيوانيته ، فينقص بقدر ما زاد على الجماد الثابت على أصل المعرفة الفطرية ، وعلى النبات بل بالضعف .
ثم الإنسان الحيوان ينقص عن سائر الحيوان والنبات والجماد في هذه المعرفة النزيهة الفطرية الإلهية غير المتغيّرة بالآثار النفسية والتصرّفات العرضية غير الذاتية ، وفي الحيوان تحقّق بها الغنم ، فانظر كمال انقياده واستسلامه لأمر الله بالذبح فيه.
فإن لم تشهد ما يشهدك الله فآمن بما قال الصحابيّ عن بدن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين أمر النبيّ عليه السّلام بتقريبها لله قرابين : إنّها جعلت يزدلفن إليه بأيّهنّ يبدأ في قربانه .
فكن يا أخي ! إمّا من أرباب القلوب الذين يشهدون الله بقلوبهم ، ويشهدون الأمر على ما هو عليه الأمر في نفسه عند الله .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
( ولا شك أن البدن أعظم قيمة .... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان )
عظيم القيمة مستحب في القربان ، تعظيما لوجه الله وزيادة في التجريد ، وتغليبا لمحبة الله على حب المال ورعاية لجانب الفقراء ، ولا شك أن البدن أعظم قيمة ، ولذلك تجزى بدنة في الضحايا عن سبعة ، وفد نزلت هاهنا عن الغنم لشدة المناسبة بينه وبين النفس المسلمة الفانية في الله الباذلة بروحها لوجه الله ، لسلامة نفسه واستسلامه للذبح والفناء في الإنسان ، فإنه خلق مستسلما للذبح فحسب ، بخلاف البدن فإن المقصود الأعظم منها الركوب وحمل الأثقال .
"" إضفة بالي زادة : ( البدن ) جمع بدنة بفتحتين : وهي ناقة أو بقرة تنحر بمكة ، وقد نزلت عن الكبش لأنه جعل فداء عن نبي دون البدن أهـ . بالى زاده""
وأما الحلب فتابع لكونهما مأكولين والنظم إلى المقصود الأعظم :
( فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ..... شخيص كبيش عن خليقة رحمن )
تحريض على معرفة سر مناسبته للإنسان الفاني في الله،
"" إضفة بالي زادة : "كيف ناب " أي لا ينوب "بذاته عن خليفة رحمن " بل لمعنى زائد على ذاته جليل القدر عند الله ، كالذي كان في خليفة رحمن ، فيه كان نائبا عنه عليه السلام ، وهو إسحاق في كشف الشيخ قدس سره اهـ. بالى زاده ""
( ألم تدر أن الأمر فيه مرتب .... وفاء لإرباح ونقص لخسران )
يعنى أن الأمر في الفداء مرتب ، فإن الفداء صورة الفناء في الله ، وأعظم الفداء فداء النفس في سبيل الله ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، حين تحقق بالفناء الكلى في الله « وددت أن أقاتل في سبيل الله فأقتل ، ثم أحيا ثم أقاتل فأقتل ، ثم أحيا ثم أقاتل فأقتل ، ثلاث مرات.
" وقال تعالى: " إِنَّ الله اشْتَرى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ".
"" إضفة بالي زادة : "مرتب" متناسب في الوصف لا في الذات والصورة، فلا ناب بذاته بل مع الوصف الشريف، لأنه أعظم انقيادا وتسليما للذبح عن غيره بل هذا الوصف أصل في الكبش، ففدى الشريف عن الشريف أهـ.
"لإرباح" بكسر الهمزة، أي لتجارة رابحة، فكانت تجارة إبراهيم وإسحاق الانقياد والتسليم رابحة مربحة، وربح التجارة الفداء عنهما وكانت تجارة الكبش، وهي انقياده وتسليمه للذبح رابحة ، وهي فداؤه عن خليفة رحمن "ونقص لخسران" أي ولو نقصا في الانقياد ما ربحت تجارتهما ، والإرباح مرتب على الوفاء والخسران على النقص أهـ. ""
فإن الفداء بالنفس صورة الفناء المطلق ، وهو وفاء بعهد التوحيد لإرباح هي الحق بالذات والصفات والأفعال ، كما قال في قرب الفرائض « من طلبنى فقد وجدني ، ومن وجدني فقد عرفني ، ومن عرفني فقد أحبني ومن أحبني فأنا قتلته ومن قتلته فعلى ديته ، ومن على ديته فأنا ديته » .
أو نقص كالفداء بالمال والصفات ، فإنه خسران بما بقي منه ، وقوله . وفاء خبر مبتدإ محذوف أي هو وفاء والضمير للأمر أو الفداء ، فذبح الكبش هو الوفاء لمناسبته للنفس المسلمة حق الإسلام ، المستسلمة للفناء كما ذكر ، فهو أنسب وأعلى من البدن ومن الحيوان الإنسان ، لقوة استسلامه للفناء وعدم تأبيه كما يأتي بعده ، أو الأمر في الحق مرتب وفاء بالفناء فيه بالذات لإرباح من البقاء به بالذات والصفات والأفعال ، ونقص بالظهور بالأنانية للخسران بالاحتجاب عن الحق.
فإن كل ما انقاد لأمر الله مطلقا ولم يظهر بالأنانية أصلا كالجماد كان أعلى رتبة من الموجودات لوجوده باللَّه وانقياده لأمره مطلقا وعدم ظهوره بنفسه وأنانيته، ثم النبات ثم الحيوان الأعجم من الآدمي ، ومن الحيوان كل ما هو أشد انقيادا لأمر الله كان أعلى.
فالكبش أعلى من البدن لزيادة انقياده واستسلامه، وأما تفدية عبد المطلب بالبدن، فللنظر إلى القيمة وشرف الصورة الإلهية، لقوله : " خلق آدم على صورته " وإلا فالباقي على فطرته من غير تصرف فكره ، وظهوره بنفسه وأنانيته كان أقرب إلى الحق ، لقوله :
قال الشيخ رضي الله عنه :
( فلا خلق أعلى من جماد وبعده ...... نبات على قدر يكون وأوزان)
"" "فلا خلق أعلى من جماد " لقلة أجزائه فكان أقرب من المبدإ لقلة الوسائط ، وما كان أقرب فهو الأفضل من الأبعد ، "وإيضاح" البرهان قوله تعالى : "سَبَّحَ لِلَّه ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ " إلخ فظهر من هذا أن كلهم أعلى من آدم من هذا الوجه ، وقد كان علمك أن آدم أفضل الخلق كيف ظهر خلاف علمك ، فاترك علمك واطلب علما نافعا يحصل عن كشف إلهي لا خلاف فيه ، وهو مقام الحيوانات والنباتات والجمادات اهـ. ""
(وذو الحس بعد النبت والكل عارف ..... بخلاقه كشفا وإيضاح برهان)
"" إضفة بالي زادة : " والكل عارف بخلاقه " لعدم احتجابهم عن ربهم بسبب قلة الأجزاء والإمكانات في تركيب وجودهم " كشفا وإيضاح برهان " إذ الكشف عبارة عن رفع الحجاب ، فلا حجاب ولا رفع ، ولأن أنفسهم بقلة الأجزاء براهين واضحة على ربهم دون نفس الإنسان فيتعلق الكشف والبرهان إلى عرفانهم اهـ بالى . ""
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
(ولا شك أن البدن أعظم قيمة ...... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان)
أي، ولا شك أن البدن أعظم قيمة وأكثر هيبة من الكبش، لذلك صارت بدنةعوضا عن سبعة من الضحايا، وقد انحطت عن درجة الكبش في التقرب إلى الحق هنا. و (البدن) ، بضم الباء وسكون الدال، جمع (بدنة.)
(فياليت شعري كيف ناب بذاته ...... شخيص كبيش عن خليفة رحمان)
ومعناه ظاهر. واعلم، أن غرض الشيخ رضي الله عنه في هذه الأبيات بيان سر التوحيد الظاهر في كل من الصور الوجودية، في صورة التعجب نفيا لزعم المحجوبين وإثباتا لقول الموحدين المحققين.
وذلك أن الوجود هو الظاهر في صورة الكبش، كما أنه هو الظاهر في صورة إسحاق، فما ناب إلا عن نفسه، وما فدى منها إلابنفسه الظاهرة في الصورة الكبشية، فحصلت المساواة في المفاداة.
(ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ..... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟)
ضمير (فيه) عائد إلى (الفداء). وقوله: (وفاء ونقص) كل منهما خبر مبتدأ محذوف.
أي، أ لم تعلم أن الأمر، أو الشأن الإلهي، في الفداء مرتب، ليكون بين المفدى والمفدى عليه مناسبة في الشرف والخسة وباقي الصفات، فلا يفدى من الشريف بالخسيس، ولا بالعكس.
والإتيان بالفداء الذي هو صورة فداء النفس وفاء بالعهد الأزلي السابق "في عالم الذر"
(لإرباح)، بكسر الهمزة على صيغة المصدر. أي، لإكمال المستعد نفسه وغيره من المستعدين. يقال: هذه تجارة مربحة. أي، كاسبة للربح.
أو بفتح الهمزة، على صيغة الجمع. أي، للكمالات التي تحصل لمن يأتي بالفداء.
والأول أنسب لما بعده. وعدم الإتيان به نقص لخسران.
فإن من لم يف بالعهد السابق الأزلي لاحتجابه بالغواشي الظلمانية، إنما هو لنقص استعداده وخسران رأس ماله الذي هو العمر والاستعداد، لتضييع هما فيما هو فان.
وسر هذا المعنى وتحقيقه أن تعلم أن الوصول إلى الحق، سبحانه، للعبد لا يمكن مع بقاء أنانيته، لأنها توجب الإثنينية.
فلا بد من إفنائها. والإقرار الأزلي بربوبيته تعالى إنما يتم بعدم الإشراك، ذاتا ووجودا وصفة وفعلا.
فالسالك ما دام أنه لا يفنى ذاته وجميع ما يترتب عليها، لا يكون موفيا بعهده السابق.
فالحق، سبحانه،أرى إبراهيم ما أراه تكميلا له ولإبنه، إبتلاء لهما.
فإن ذبح ابنه الذي هو نفسه في الحقيقة إفناء لهما، فلما قصد بذبح ابنه واستسلم ابنه نفسه وانقاد، حصل الفناء المطلوب والوفاء بالعهد الأول منهما.
وفدى الحق، سبحانه،عنهما الذبح العظيم، لكونه في غاية الانقياد والاستسلام، دون غيره من الحيوانات.
ويجوز أن يعود ضمير (فيه) إلى (الحق) الذي هو الوجود.
أي، أ لم تعلم أن الأمر الإلهي في الوجود وتنزله وظهوره في المراتب كلها (مرتبا).
كما قال: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير).
وأن الله قد أحاط بكل شئ علما.
أو: والأمر في وجوده ونفسهمرتب مرعى التناسب: لا يفدى عن شريف بخسيس، ولا عن حقير بعظيم، فلا بد من التناسب بين الكبش وبين هذا النبي الكريم ذاتا وصفة.
فقوله: (ألم تدر) تنبيه للطالب على أن ينظر بنظر الحق، ويعلم أن المناسبة
الذاتية بينهما هي أن كلا منهما مظهر للذات الإلهية، والمناسبة الصفاتية تسليم كل منهما لما حكم الله عليهما، وانقيادهما لذلك طوعا.
فيتعين أن الظاهر في الصورة الكبشية هو الذي ظهر في الصورة الإسحاقية.
وتخصيص ظهوره بها في الفداء للمناسبة بينهما في الانقياد والتسليم.
(فلا خلق أعلى من جماد وبعده ..... نبات على قدر يكون وأوزان)
ولما كان السر الوجودي ظاهرا في الكل والتفاوت والتفاضل إنما يقع في المراتب بين أن الأقرب إلى الحق أفضل من غيره، لقلة الوسائط بينه وبين المقام الجمعي الإلهي، ولعدم تضاعف الوجوه الإمكانية، لأن كل ما يتركب من أمور ممكنة، يتصف بإمكان الهيئة الاجتماعية الحاصلة له، وإمكانات أجزائه، فيتضاعف الإمكان.
وكل ما كثرة وجوه إمكاناته، يزداد بعدا من الواجب لذاته.
لذلك قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين).
فكما أنه بحسب التجرد عن خواص الممكنات و أداء الأمانات المأخوذة منها عند نزوله من كل مقام ومرتبة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة بترك التعشق إليها والإعراض عنها، يتنزه عن وجوه الإمكانات ونقائصها، فيظهر له الوجوب الذاتي الذي كان له بحسب الذات الإلهية وكمالاته الذاتية فيكون في أعلا عليين مرتبة.
كذلك الواقف في مقامه السفلى البشرى متعشقا إلى كل ما حصل له عند النزول يكون في (أسفل سافلين).
ولا شك أن البسائط أقرب من المركبات إلى الحق، ثم المعادن، وهو المراد بالجماد، ثم النبات، ثم الحيوان.
ولما كان كل منها مظهرا للذات التي هي منبع جميع الكمالات، كان الكل موصوفا بالعلم بربه كاشفا لما يتعلق بمراتبهم بأرواحهم في الباطن وإن لم يظهر ذلك منهم، لعدم الاعتدال الموجب لظهور ذلك، كما يظهر من الإنسان.
وقوله: (على قدر يكون وأوزان) أي، على منزلة ومرتبة يكون للنبات عند الله.
و (الوزن) هو القدر والمرتبة. يقال: فلان لا وزن له عند الملك.
أي،لا قدر له ولا قيمة عنده
(وذو الحس بعد النبت فالكل عارف ...... بخلاقه كشفا وإيضاح برهان)
أي، الأقرب من الله بعد البسائط والمعادن والنبات، الحيوان، لذلك أعطى الله له
جميع ما يحتاج إليه، كما قال تعالى: (أعطى كل شئ خلقه ثم هدى).
ولا ترقى له إلى غير ما تعين له من الكمال. ولما كان جميع الموجودات حيا عالما بربه عند أهل الكشف والشهود قال: (فالكل عارف بخلاقه).
وقوله: (كشفا) أي، الكل يعرفون ربهم بالكشف الصحيح الحاصل لروحانيتهم عند الفطرة الأولى. أو:
نحن علمناه كشفا، ولما كان الكشف حجة لصاحبه دون غيره، قال: (وإيضاح برهان).
أي، علمناه برهانا صريحا أيضا.
والمراد بـ (البرهان) ما يعطيه العقل المنور والشرع المطهر من الأدلة:
منها قوله: (سبح لله ما في السماوات ومافي الأرض).
وقوله: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
و (التسبيح) لا يكون إلا بعد المعرفة بأن له ربا يربه صاحب كمالات منزها عن النقائص الكونية. فنبه بعرفانهم وبعدم عرفان الثقلين، لأن الخطاب للأمة وهو، صلى الله عليه وسلم، مبعوث إليهما، فالجن أيضا داخل في قوله:
(ولكن لا تفقهون تسبيحهم). وأيضا الجن لا مدخل لهم في غيوب الموجودات احتجابها عن الحقائق، كما قال: (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). ومنها ما رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري، قال:
(كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني، قدموني.
وإن كانتغير صالحة، قالت لأهلها: يا ويلها، إلى أين تذهبون بها.
يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق).
وروى الترمذي عن أبى أمامة: (أن رسول الله قال: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم).
ثم، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض،حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في الماء، ليصلون على معلم الناس).
وروى أبو داود والترمذي في باب فضيلة العلم عن أبى الدرداء في حديث طويل:
(وأن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يلبى إلا لبى من عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى ينقطع
الأرض من هاهنا وهاهنا). لذلك كانت البدن التي جعلها النبي،
عليه السلام، قربانا يزدلف كل منها إليه، صلى الله عليه وسلم، ليكون أول ما يتقرب به بين يديه. والعقل وإن كان محجوبا عن هذا الطور، لكنه إذا تنور بالنور الإلهي وعرف سريان وجوده في جميع الموجودات، يعلم أن لكل منها نفسا ناطقة عالمة سامعة، هي نصيبه من العالم الملكوتي، كما قال تعالى: (بيده ملكوت كل شئ).
وبحسب كثرة وجوده الإمكانات تبعد عن الحق وتغفل عن عالمه النوري، فتحجب ويحصل لها الرين. وبحسب قلتها تقرب منه ويستفيض منه الكمالات وتتنور بأنواره.
ولا شك أن البسائط أقرب إليه من المركبات، ثم المعادن،ثم النبات، ثم الحيوان.
فيصح عنده أيضا أن الكل عارف بالله منقاد لديه مطلع لما يفيض عليه وتمر منه على ما دونه.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 17:55 عدل 3 مرات

الفقرة الثالثة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه : "ولا شك أن البدن أعظم قيمة ... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان . فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان . ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟ . فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان . وذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا وإيضاح برهان"
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا شك أن البدن أعظم قيمة وقد نزلت) يعني: في حق إسحاق عليه السلام، بل في حق الكل عن بع بدنة أو بقرة، (عن ذبح كبش لقربان) قيد بذلك؛ لأنها أعظم في باب الدية.
ثم ازداد تجاهلا، فقال: (يا ليت شعري كيف ناب بذاته) أي: ليس فيه من الصفات الجليلة ما يجعله صالحا لهذا المعنى.
(شخيص كبش) أي: شخص واحد حقير من هذا النوع الحقير في نظر الخلق، (عن خليفة رحمن) أي: النبي الكامل، مظهر الاسم الجامع الأكثر الأسماء. .
ثم زاد في التعجب بأن الفداء يجب أن يكون أعلى من المفدى عنه رتبة أو غبطة، فقال: (ألم تدر أن الأمر فيه) أي: الفداء (مرتب) أي: يكون الفداء ذا رتبة علية؛ لأنه (وفاء) من الفادي (لأرباح) أي: أرباح الأخذ (ونقص) أي: نقي وإسقاط من الفادي (لخسران)"أي خسران ذلك الكسب" يلحق الأخذ.
وقد قال تعالى: "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" [البقرة:267].
ثم أشار إلى ما صلح به الكبش للفداء، وهو أن الإنسان، وإن كان مظهرا جامعا إلهيا، فقد كثرت فيه الوجوه الإمكانية الحاجبة عن الله تعالى، فقد عارض فيه موجب البعد موجب القرب، وأما ما عداه ممن قلت فيه الأمور الإمكانية فهو أعلى من وجه، لكنه إن كثرت فيه الأمور الوجوبية صلح لفداء الإنسان الكامل وإلا فلا.
قال: (فلا شيء أعلى من جماد) لقلة الأمور الإمكانية؛ لكن قلت فيه الوجوه الوجوبية أيضا فلم يصلح للفداء، (وبعده نبات) لما زاد فيه من الأمور الإمكانية القوة المغذية والنامية والمولدة، فلم تظهر فيه زيادة الأمور الوجوبية، فلم يصلح للفداء على قدر (يكون وأوزان) يزداد بعده بقدر زيادة هذه القوى، وينقص بقدر نقصها، على أن منها ما يقرب من الحيوان كالنحلة، فيكون قريبا منه في البعد.
(وذو الحس) أي: الحيوان صاحب الحواس، (بعد النبت) لما زاد فيه بعد القوى النباتية الحواس العشر أو أقل، والقوى المحركة وهي وإن كانت من الأمور الممكنة لكنها لما كانت من أسباب العلوم أشبهت الأمور الوجوبية، فصلح بها الحيوان للفداء، فما كان منه أكثر مناسبة للإنسان الكامل كالكبش صالح لفدائه، وذلك من حيث خلوه عن الأخلاق الذميمة بخلاف سائر الحيوانات.
ثم استشعر سؤالا بأن العلو إنما يكون للمعرفة التي خلق العالم لأجلها، وليست في هذه الأشياء، فأجاب بقوله: (والكل عارف بخلاقه) علمنا ذلك منها (کشفا) لما يفعل من أفعال ذوى الشعور، (وإيضاح برهان)، وهو النص الإلهي الدال على أن الكل يسبح بحمد ربه، ولا يتأتى بدون معرفته.
وقد ورد في الحديث: "لا يسمع صوت المؤذن حجر، ولا شجر، إلا شهد له يوم القيامة" .رواه ابن حبان والبيهقي في «الشعب» والطبراني في الكبير.
وروي: "أنه عليه السلام لما أخذ بذبح البدن جعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ".رواه أحمد في المسند وأبو داود والبيهقي في السنن الکبری.
ثم أشار إلى ما في الإنسان من الأمور الإمكانية بقوله:
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه :
( ولا شكّ أنّ البدن أعظم قيمة .... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان )
فيه تعريض بما ذهب إليه أهل الظاهر من استحباب غلوّ القيمة في القرابين .
( فيا ليت شعري كيف ناب بذاته .... شخيص كبيش عن خليفة رحمان )
ووجه تقريب هذا الكلام هاهنا أنّ إسحاق لما كان صورة سرّ إبراهيم ، الذي هو أوّل من تحقّق بالهويّة الجمعيّة والوحدة الذاتيّة التي انطوى فيها أمر التقابل والتغاير ، واقتضى ظهور كلّ من المتقابلين في عين الآخر كما نبّهت عليه كذلك سائر ما يترتّب عليه في أفعاله ، من رؤياه القربان وفدائه فإنّ الكمال في ذلك قد ظهر في مقابله أيضا - أعني الجماد الذي هو أنقص ما في الوجود - لعدم خروج ما في قوّة القابليّة فيه من الصفات الوجوديّة - كالحياة والعلم وما يتبعهما - فهذه الحكمة حاكمة بعلوّ الجماد وكماله ، بناء على الأصل الممهّد من ظهور كلّ من المتقابلين في عين الآخر .
"" إضافة المحقق : قال القاشاني : فإن كل ما انقاد لأمر اللَّه مطلقا ولم يظهر بالأنانية أصلا - كالجماد - كان أعلى رتبة من الموجودات ، لوجوده باللَّه وانقياده لأمره مطلقا وعدم ظهوره بنفسه وأنانيته .أهـ. ""
ثمّ إنّ الحيوان كلَّما كان أقرب إلى الجماد كان أعلى و أكمل ، وليس فيه ما يقرب إليه قرب الكبش ، فلذلك صار فداء.
وإلى ذلك أشار بقوله :( ألم تدر أن الأمر فيه مرتّب .... وفاء لإرباح ونقص لخسران )
أي الأمر في الفداء مرتّب ، فإنّ منه ما له كمال ووفاء بمقتضى القابليّة الأولى ، فيترتّب عليه الربح في الوجود بصونه عن الانغماس في القيود الكونيّة وبقائه على شرفه الأصلي ومنه ما له نقص بمقتضى القابليّة المذكورة ، فيترتّب عليه الخسران ، بتراكم الحجب الكونيّة على وجوده ، وتلاشي أحكام القدس فيه وذلك لأنّ مقتضى تلك القابليّة إنّما هو الإطلاق الحقيقي الذي لا يشوبه أمر من القيود ، ولا يغشيه حجاب من الأكوان - نسبة كانت أو صفة أو فعلا - فعلوّ المراتب في التنزّلات الإمكانيّة بقدر عروّها عن تلك الحجب .
( فلا خلق أعلى من جماد ) لعروّ ماهيّته عن انتساب فعل إليه لنفسه .
( وبعده نبات ) - لعروّه عن انتساب حسّ وفعل اختياري إليه ، ( على قدر يكون ) ذلك النبات عليه ( وأوزان ) يستقرّ مزاجه في ميزان الاعتدال إليه ، فإنّ عرض النبات ممتدّ من الجماد إلى الحيوان - كما سبق القول فيه - .
( وذو الحسّ بعد النبت والكل عارف ..... بخلَّاقه كشفا وإيضاح برهان )
ضرورة امتناع تخلَّف لوازم الوجود وبيّنات خواصّه عنه في مراتب تنزّلاته ، بما اعتورت عليها من الحجب الإمكانيّة والغواشي الخارجيّة الهيولانيّة ، فالبرهان له مجرّد إيضاح الأمر هاهنا للمسترشد الخبير لا أن يوصله إليه ولذلك قلَّما يهتدي أحد منهم به إليه.
ولا يذهب على المتفطَّن هاهنا أنّه كلَّما كان أعلى فهو أعرف - على ما توهّمه البعض .
"" يشير المؤلف لما قاله بعض الشارحين – كالقاشاني ومؤيد الدين الجندي قال: " وأعلى المخلوقات في هذا الكشف والمعرفة المعدن والجماد.أهـ ""
فإنّ العلوّ والشرف بحسب القرب للإطلاق الذاتي وقدسها ، وأمّا العرفان فبحسب التنزّل في المراتب ، واستجماع خصوصيّاتها ، فكلَّما كان أنزل ، فهو أكمل وأعرف ، كما أنّه كلَّما كان أعلى ، كان أقدس وأشرف ، وقد سلف لك في الفصّ الآدمي ما يفيد زيادة تحقيق لهذا الكلام .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه :
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان)
قال الشيخ رضي الله عنه :
(فيا ليت شعري كيف نابت بذاته شخيص إلى كبش) ، إنما صغره مع وصفه بالعظم إشارة إلى حقارته بالنسبة إلى المندي عنه الذي عبر عنه بقوله : (عن خليقة رحمن) يعني إسحاق عليه السلام.
ولما استغرب رضي الله عنه في الأبيات السابقة جعله فداء لنبي رفيع القدر لعدم المناسبة بينهما أراد أن يدفع ذلك الاستغراب فقال : (ألم تدر أن الأمر، أي أمر الوجود فيه)، أي في ذلك الأمر (مرتب)، أي واقع علی ترتیب خاص (وفاء)، أي كمال وتمامية لبعض الأمور الموجودة (لأرباح) : أي لأجل كسب ربح الشرف فإن الأرباح بكسر الهمزة كسب الريح يقال : تجارة مربحة، أي كاسبة الربح (ونقض) و عدم تمامية لبعض آخر منها (بخسران) ، أي بخسران ذلك الكسب.
والحاصل أن بين الموجودات تفاوتا في الشرف والخسة فقوله : مرتب، خبر أن وقوله : وفاء مع ما عطف عليه فاعل له أو هو مبتدأ و مرتب خبره.
والجملة خبر و تقول : معناه أن أمر الشرف والخسة فيه ، أي في الكبش مرتب، أي واقع في مرتبة خاصة فيها وفاء وتمامية لكسب ربح انشر في بالنسبة إلى بعض وهو الأناسي الحيوانيون، وعدم تمامية بخسران ذلك الكسب بالنسبة إلى بعض آخر وهو النبات والجماد فإنهما أشرف من الحيوان الذي من جملته الكبش.
ثم شرع رضي الله عنه في بيان مرتبته بقوله : (فلا خلق) من المولدات (أعلى من جماد)، فإنها بأسرها مفطورة على معرفة الله كشف و شهودة بحسب الذات، وأعلاها في هذه المعرفة الذاتية الفطرية الجماد.
فإنه ليس فيه تغير أصلا عن فطرته الأصلية يدل على ذلك كمال انقياده الله تعالى وثباته تحت تصرفاته (وبعده)، أي بعد الجماد و دونه (نبات على قدر) منوع .
(يكون) بحسب نوعه لظهور قوة النمو فيه (وأوزان)، أي أقدار معينة بتعيين صنفي أو شخصي بحسب أصنافه وأشخاصة في أن الوزن أيضا هو القدر والمرتبة.
يقال : فلان لا وزن له عند السلطان، أي لا قدر له ولا قيمة عنده، وإنما كان النبات بعد الجماد و دونه ، لأنه زاد فيه على أصل الفطرة الجمادية النمو، وذلك نوع نصرف طبيعي يضاف إليه ، فبقدر هذا التصرف والإضافة تنص معرفته من معرفة الجماد، فإنه إذا كان صاحب معرفة وشهود ولا يبعد أن يصير شنود هذا التصرف والإضافة حجابا على شهوده الحق تعالى
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا وإيضاح برهان
(وذو الحس) يعني الحيوان (بعد النبت)، ودونه لزيادة الحس والحركة الإرادية فيه وإضافتهما إليه فبقدرهما تنقص معرفه الما عرفت في النبات
(والكل) ، أي كل من الجماد والنبات والحيوان (عارف بخلاقه )وموجده (كشفا)، أي معرفة كشف (وإيضاح برهان) كشفي لا برهان فطري فإن ذلك من خواص الإنسان .
وحمل الكلام على أن كون الكل عارفا بخلافه؟ معلوم لنا «كشفا و إيضاح برهان» لا يلائم البيت الآتي أعني قوئه : (وأما المسمى آدم) الذي ليس له من الآدمية إلا اسم وهو الإنسان الحيوان (فمقید بعقل وفكر) مشوب بالوهم إن كان من أهل النقر
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه : "ولا شك أن البدن أعظم قيمة ... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان . فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان . ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟ . فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان . وذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا وإيضاح برهان"
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا شك أن البدن أعظم قيمة وقد نزلت) يعني: في حق إسحاق عليه السلام، بل في حق الكل عن بع بدنة أو بقرة، (عن ذبح كبش لقربان) قيد بذلك؛ لأنها أعظم في باب الدية.
ثم ازداد تجاهلا، فقال: (يا ليت شعري كيف ناب بذاته) أي: ليس فيه من الصفات الجليلة ما يجعله صالحا لهذا المعنى.
(شخيص كبش) أي: شخص واحد حقير من هذا النوع الحقير في نظر الخلق، (عن خليفة رحمن) أي: النبي الكامل، مظهر الاسم الجامع الأكثر الأسماء. .
ثم زاد في التعجب بأن الفداء يجب أن يكون أعلى من المفدى عنه رتبة أو غبطة، فقال: (ألم تدر أن الأمر فيه) أي: الفداء (مرتب) أي: يكون الفداء ذا رتبة علية؛ لأنه (وفاء) من الفادي (لأرباح) أي: أرباح الأخذ (ونقص) أي: نقي وإسقاط من الفادي (لخسران)"أي خسران ذلك الكسب" يلحق الأخذ.
وقد قال تعالى: "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" [البقرة:267].
ثم أشار إلى ما صلح به الكبش للفداء، وهو أن الإنسان، وإن كان مظهرا جامعا إلهيا، فقد كثرت فيه الوجوه الإمكانية الحاجبة عن الله تعالى، فقد عارض فيه موجب البعد موجب القرب، وأما ما عداه ممن قلت فيه الأمور الإمكانية فهو أعلى من وجه، لكنه إن كثرت فيه الأمور الوجوبية صلح لفداء الإنسان الكامل وإلا فلا.
قال: (فلا شيء أعلى من جماد) لقلة الأمور الإمكانية؛ لكن قلت فيه الوجوه الوجوبية أيضا فلم يصلح للفداء، (وبعده نبات) لما زاد فيه من الأمور الإمكانية القوة المغذية والنامية والمولدة، فلم تظهر فيه زيادة الأمور الوجوبية، فلم يصلح للفداء على قدر (يكون وأوزان) يزداد بعده بقدر زيادة هذه القوى، وينقص بقدر نقصها، على أن منها ما يقرب من الحيوان كالنحلة، فيكون قريبا منه في البعد.
(وذو الحس) أي: الحيوان صاحب الحواس، (بعد النبت) لما زاد فيه بعد القوى النباتية الحواس العشر أو أقل، والقوى المحركة وهي وإن كانت من الأمور الممكنة لكنها لما كانت من أسباب العلوم أشبهت الأمور الوجوبية، فصلح بها الحيوان للفداء، فما كان منه أكثر مناسبة للإنسان الكامل كالكبش صالح لفدائه، وذلك من حيث خلوه عن الأخلاق الذميمة بخلاف سائر الحيوانات.
ثم استشعر سؤالا بأن العلو إنما يكون للمعرفة التي خلق العالم لأجلها، وليست في هذه الأشياء، فأجاب بقوله: (والكل عارف بخلاقه) علمنا ذلك منها (کشفا) لما يفعل من أفعال ذوى الشعور، (وإيضاح برهان)، وهو النص الإلهي الدال على أن الكل يسبح بحمد ربه، ولا يتأتى بدون معرفته.
وقد ورد في الحديث: "لا يسمع صوت المؤذن حجر، ولا شجر، إلا شهد له يوم القيامة" .رواه ابن حبان والبيهقي في «الشعب» والطبراني في الكبير.
وروي: "أنه عليه السلام لما أخذ بذبح البدن جعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ".رواه أحمد في المسند وأبو داود والبيهقي في السنن الکبری.
ثم أشار إلى ما في الإنسان من الأمور الإمكانية بقوله:
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه :
( ولا شكّ أنّ البدن أعظم قيمة .... وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان )
فيه تعريض بما ذهب إليه أهل الظاهر من استحباب غلوّ القيمة في القرابين .
( فيا ليت شعري كيف ناب بذاته .... شخيص كبيش عن خليفة رحمان )
ووجه تقريب هذا الكلام هاهنا أنّ إسحاق لما كان صورة سرّ إبراهيم ، الذي هو أوّل من تحقّق بالهويّة الجمعيّة والوحدة الذاتيّة التي انطوى فيها أمر التقابل والتغاير ، واقتضى ظهور كلّ من المتقابلين في عين الآخر كما نبّهت عليه كذلك سائر ما يترتّب عليه في أفعاله ، من رؤياه القربان وفدائه فإنّ الكمال في ذلك قد ظهر في مقابله أيضا - أعني الجماد الذي هو أنقص ما في الوجود - لعدم خروج ما في قوّة القابليّة فيه من الصفات الوجوديّة - كالحياة والعلم وما يتبعهما - فهذه الحكمة حاكمة بعلوّ الجماد وكماله ، بناء على الأصل الممهّد من ظهور كلّ من المتقابلين في عين الآخر .
"" إضافة المحقق : قال القاشاني : فإن كل ما انقاد لأمر اللَّه مطلقا ولم يظهر بالأنانية أصلا - كالجماد - كان أعلى رتبة من الموجودات ، لوجوده باللَّه وانقياده لأمره مطلقا وعدم ظهوره بنفسه وأنانيته .أهـ. ""
ثمّ إنّ الحيوان كلَّما كان أقرب إلى الجماد كان أعلى و أكمل ، وليس فيه ما يقرب إليه قرب الكبش ، فلذلك صار فداء.
وإلى ذلك أشار بقوله :( ألم تدر أن الأمر فيه مرتّب .... وفاء لإرباح ونقص لخسران )
أي الأمر في الفداء مرتّب ، فإنّ منه ما له كمال ووفاء بمقتضى القابليّة الأولى ، فيترتّب عليه الربح في الوجود بصونه عن الانغماس في القيود الكونيّة وبقائه على شرفه الأصلي ومنه ما له نقص بمقتضى القابليّة المذكورة ، فيترتّب عليه الخسران ، بتراكم الحجب الكونيّة على وجوده ، وتلاشي أحكام القدس فيه وذلك لأنّ مقتضى تلك القابليّة إنّما هو الإطلاق الحقيقي الذي لا يشوبه أمر من القيود ، ولا يغشيه حجاب من الأكوان - نسبة كانت أو صفة أو فعلا - فعلوّ المراتب في التنزّلات الإمكانيّة بقدر عروّها عن تلك الحجب .
( فلا خلق أعلى من جماد ) لعروّ ماهيّته عن انتساب فعل إليه لنفسه .
( وبعده نبات ) - لعروّه عن انتساب حسّ وفعل اختياري إليه ، ( على قدر يكون ) ذلك النبات عليه ( وأوزان ) يستقرّ مزاجه في ميزان الاعتدال إليه ، فإنّ عرض النبات ممتدّ من الجماد إلى الحيوان - كما سبق القول فيه - .
( وذو الحسّ بعد النبت والكل عارف ..... بخلَّاقه كشفا وإيضاح برهان )
ضرورة امتناع تخلَّف لوازم الوجود وبيّنات خواصّه عنه في مراتب تنزّلاته ، بما اعتورت عليها من الحجب الإمكانيّة والغواشي الخارجيّة الهيولانيّة ، فالبرهان له مجرّد إيضاح الأمر هاهنا للمسترشد الخبير لا أن يوصله إليه ولذلك قلَّما يهتدي أحد منهم به إليه.
ولا يذهب على المتفطَّن هاهنا أنّه كلَّما كان أعلى فهو أعرف - على ما توهّمه البعض .
"" يشير المؤلف لما قاله بعض الشارحين – كالقاشاني ومؤيد الدين الجندي قال: " وأعلى المخلوقات في هذا الكشف والمعرفة المعدن والجماد.أهـ ""
فإنّ العلوّ والشرف بحسب القرب للإطلاق الذاتي وقدسها ، وأمّا العرفان فبحسب التنزّل في المراتب ، واستجماع خصوصيّاتها ، فكلَّما كان أنزل ، فهو أكمل وأعرف ، كما أنّه كلَّما كان أعلى ، كان أقدس وأشرف ، وقد سلف لك في الفصّ الآدمي ما يفيد زيادة تحقيق لهذا الكلام .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و لا شك أن البدن أعظم قيمة ... و قد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب … وفاء لإرباح و نقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد و بعده ... نبات على قدر يكون و أوزان
و ذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا و إيضاح برهان )
قال الشيخ رضي الله عنه :
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته ... شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ألم تدر أن الأمر فيه مرتب ... وفاء لإرباح ونقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد وبعده ... نبات على قدر يكون وأوزان)
قال الشيخ رضي الله عنه :
(فيا ليت شعري كيف نابت بذاته شخيص إلى كبش) ، إنما صغره مع وصفه بالعظم إشارة إلى حقارته بالنسبة إلى المندي عنه الذي عبر عنه بقوله : (عن خليقة رحمن) يعني إسحاق عليه السلام.
ولما استغرب رضي الله عنه في الأبيات السابقة جعله فداء لنبي رفيع القدر لعدم المناسبة بينهما أراد أن يدفع ذلك الاستغراب فقال : (ألم تدر أن الأمر، أي أمر الوجود فيه)، أي في ذلك الأمر (مرتب)، أي واقع علی ترتیب خاص (وفاء)، أي كمال وتمامية لبعض الأمور الموجودة (لأرباح) : أي لأجل كسب ربح الشرف فإن الأرباح بكسر الهمزة كسب الريح يقال : تجارة مربحة، أي كاسبة الربح (ونقض) و عدم تمامية لبعض آخر منها (بخسران) ، أي بخسران ذلك الكسب.
والحاصل أن بين الموجودات تفاوتا في الشرف والخسة فقوله : مرتب، خبر أن وقوله : وفاء مع ما عطف عليه فاعل له أو هو مبتدأ و مرتب خبره.
والجملة خبر و تقول : معناه أن أمر الشرف والخسة فيه ، أي في الكبش مرتب، أي واقع في مرتبة خاصة فيها وفاء وتمامية لكسب ربح انشر في بالنسبة إلى بعض وهو الأناسي الحيوانيون، وعدم تمامية بخسران ذلك الكسب بالنسبة إلى بعض آخر وهو النبات والجماد فإنهما أشرف من الحيوان الذي من جملته الكبش.
ثم شرع رضي الله عنه في بيان مرتبته بقوله : (فلا خلق) من المولدات (أعلى من جماد)، فإنها بأسرها مفطورة على معرفة الله كشف و شهودة بحسب الذات، وأعلاها في هذه المعرفة الذاتية الفطرية الجماد.
فإنه ليس فيه تغير أصلا عن فطرته الأصلية يدل على ذلك كمال انقياده الله تعالى وثباته تحت تصرفاته (وبعده)، أي بعد الجماد و دونه (نبات على قدر) منوع .
(يكون) بحسب نوعه لظهور قوة النمو فيه (وأوزان)، أي أقدار معينة بتعيين صنفي أو شخصي بحسب أصنافه وأشخاصة في أن الوزن أيضا هو القدر والمرتبة.
يقال : فلان لا وزن له عند السلطان، أي لا قدر له ولا قيمة عنده، وإنما كان النبات بعد الجماد و دونه ، لأنه زاد فيه على أصل الفطرة الجمادية النمو، وذلك نوع نصرف طبيعي يضاف إليه ، فبقدر هذا التصرف والإضافة تنص معرفته من معرفة الجماد، فإنه إذا كان صاحب معرفة وشهود ولا يبعد أن يصير شنود هذا التصرف والإضافة حجابا على شهوده الحق تعالى
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وذو الحس بعد النبت والكل عارف ... بخلاف كشفا وإيضاح برهان
(وذو الحس) يعني الحيوان (بعد النبت)، ودونه لزيادة الحس والحركة الإرادية فيه وإضافتهما إليه فبقدرهما تنقص معرفه الما عرفت في النبات
(والكل) ، أي كل من الجماد والنبات والحيوان (عارف بخلاقه )وموجده (كشفا)، أي معرفة كشف (وإيضاح برهان) كشفي لا برهان فطري فإن ذلك من خواص الإنسان .
وحمل الكلام على أن كون الكل عارفا بخلافه؟ معلوم لنا «كشفا و إيضاح برهان» لا يلائم البيت الآتي أعني قوئه : (وأما المسمى آدم) الذي ليس له من الآدمية إلا اسم وهو الإنسان الحيوان (فمقید بعقل وفكر) مشوب بالوهم إن كان من أهل النقر
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 17:56 عدل 4 مرات

الفقرة الرابعة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الرابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
(و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان ... بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان ....فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان .... و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان ... هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه: (وأما المسمی آدما) وهو النوع الإنساني (فمقيد) في معرفته بالله تعالى (بعقل وفكر أو) مقید بحكم (قلادة)، أي تقليد (إيمان) فصاحب العقل والفكر صاحب نظر ودليل وبرهان.
والآخر المقلد صاحب التسليم والإذعان، وكلاهما في المعرفة دون الجماد والنبات والحيوان. ولهذا تحرك طبعا وعقلا وحسا، فهو يعمل بطبعه وعقله وحسه بأمر الله تعالى.
وخليفة الله تعالى وهو الإنسان الكامل ليس مقيدة بالعقل والفكر ولا بالتقليد في الإيمان وإنما هو صاحب كشف وذوق وشهود. فمعرفته بالله تعالی كمعرفة الجماد والنبات والحيوان.
فلهذا فداه الله تعالى بالحيوان للمشاركة في المعرفة الذوقية الشهودية الفطرية، وقد شرف الله تعالى الخليفة بعلوم ترقى فيها عن المعرفة الفطرية الذوقية وخصه بمراتب في العرفان لا تكون في غيره.
فتكون حكمة الفداء للخليفة بالكبش تنبيها على وجود بعض المعادلة والمشابهة بين الإنسان الكامل والحيوان من جهة المعرفة الكشفية، وبيان أن الكشف ليس مخصوصا بالإنسان الكامل بل هو في غيره من عوالم الله تعالى أيضا.
(بذا)، أي يكون الكل من الجماد والنبات والحيوان عارفا بخلافه على وجه الكشف والمشاهدة، والإنسان معرفته بالعقل والفكر والتقليد والإذعان، فإذا كان صاحب كشف ومشاهدة كان خارجا عن مقتضى خلقته وطبيعته، بخلاف العوالم الثلاثة، فإنهم فطروا على ذلك.
وإذا كان كذلك فليس من العجيب أن ينوب الكبش عن الخليفة في الخروج من غم الحياة الدنيا إلى فرج الآخرة ونعيمها الدائم؛ ولهذا ورد أن هذا الكبش يكون في الجنة ولا يموت في الآخرة؛ فلهذا كان كبشا عظيما ذكره الله تعالى في القرآن واستعظمه .
(قال سهل) بن عبد الله التستري (والمحقق) الإمام أبو يزيد طيفور البسطامي رضي الله عنهما أو كل محقق (مثلنا)، أي مثل قولنا الذي قلناه (لأنا) نحن (وإياهم) وجمعهم لإرادة كل محقق أو لأن الجمع أقله اثنان عند قوم (بمنزلة إحسان).
أي في مقام الإحسان الذي هو: أن تعبد الله كأنك تراه كما ورد الحديث ؛ فلهذا كان قول الكل واحدة وهم متفقون على شيء واحد لأنهم في مقام الإحسان وحضرة الكشف والعيان.
(فمن شهد)، أي كشف بذوقه (الأمر الذي قد شهدته) من جميع ما ذكر فإنه (يقول بقولي) المذكور (في خفاء)، أي سر من نفسه وقومه (و) في (إعلان) من قومه إن أمكن ذلك (ولا تلتفت) يا أيها السالك (قوة)، أي إلى قول (يخالف قولنا)، المذكور من أقوال علماء الحجاب القانعين بالقشور دون اللباب، الواقفين في بيوت عاداتهم وطبائعهم الذين لم يفتح لهم الباب.
(ولا تبذر) من البذر بالفتح وهو إلقاء الحب في الأرض وبالكسر هو الحب نفسه (السمراء) وهي الحنطة (في أرض عميان) جمع أعمى وهو من لم يبصر.
وأرض العميان إما على حقيقتها، فلأنهم لا يرونها إذا نبتت، فلا يقدرون على حصادها والانتفاع بها، والمراد بأرضهم نفوسهم، وبالحنطة الحكمة الإلهية الكشفية الذوقية ، أي لا تظهروها لهم وتضيعوها فيهم، فإنهم لا يرونها ولا يعرفونها فيضيعونها.
وتنقلب بسبب قبيح أوانيهم إلى ضدها، وبما هي فيه من النور والإشراق يتضررون بها ولا ينتفعون كما ورد: «لا تضعوا الحكمة في غير أهلها ولا تمنعوها عن أهلها فتظلموهم». ورواه المناوي في فتح القدير
(هم)، أي العميان المذكورون . (الصم) جمع أصم يعني الذين لا يسمعون الحق ويسمعون الباطل . (والبكم) جمع أبكم يعني الذين لا يتكلمون بالحق ويتكلمون بالباطل. والحق هو الله ، والباطل ما سواه كما قال عليه السلام أصدق كلمة قالها الشاعر، قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»(3) رواه البخاري و مسلم .
(الذين) نعت للصم والبكم (أتی)، أي جاء (بهم)، أي بأوصافهم أو بذكرهم (لأسماعنا)، أي حتى تسمع ذلك (المعصوم) فاعل أتى وهو النبي صلى الله عليه وسلم لحفظ عن الخطأ في أقواله وأفعاله (في نص)، أي عبارة (قرآن) وذلك قوله تعالى: "و إن شر الاوات عند الله الله البكم الذين لا يعقلون " [الأنفال: 22] الآية.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما المسمى آدم نمقيد بعقل وفكر) إن كان من أهل النظر (او قلادة إيمان) إن كان من المؤمنين فمقيد بالإيمان التقليدي لكثرة قيودهم واجزائهم فكانوا محجوبين عن ربهم فلم يصل إلى درجتهم إلا بالكشف فكان كلهم أعلى من آدم عليه السلام من هذا الوجه .
وقد كان علمك على أن آدم عليه السلام أفضل الخلق كيف ظهر خلاف علمك فاترك علمك واطلب العلم النافع الذي يحصل عن كشف إلهي لا خلاف فيه وهو مقام الحيوانات والنباتات والجمادات.
(بنا) أي بما قلت (قال سهل) وهو من كبار الأولياء وقال (المحقق مثلنا) فإن علم المحققين يحصل عن كشف إلهي فلا يقبل الاختلاف والاختلاف لا يكون إلا في العلم الاجتهادي.
لذلك قال : مثلنا إذ كلهم واحد في الاطلاع على حقيقة الأمر .
وإليه أشار بقوله: (لأنا وإياهم بمنزل إحسان) بمقام المشاهدة والعيان
(فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بفولي في خفاء وإعلان) أن يتكلم قولي في أي حال كان لأن ما شهدته مطابق بنص قرآن.
(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا) وهو قول بعض أهل النظر (ولا تبذر السمراء في ارض عميان) أي لا تقل قولي لمن كان أعمى قلبه .
وهو قوله تعالى : "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [الحج: 46] .
فإنه لا تنبت المعارف الإلهية في أرضهم (هم) أي العميان (الصم والبكم الذين أني بهم لإسماعنا المعصوم) فاعل أتى المعصوم وهو محمد عليه السلام.
(في نص قرآن) وهو قوله تعالى : "صم بكم عمي فهم لا يعقلون" [البقرة: 171] .
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
وأقول: إن ذلك سهل وهو فداء الأشرف بالأدنى ولا يلزم أن يكون الفداء بالكفؤ.
ثم ذكر أن آدم وبنيه مقيدون بالعقل أو بالتصديق ونقل الشيخ عن سهل التستري في ذلك نقلا
وقال: لا يلتفت إلى المخالف وهم الذين قيل فيهم: "صم بكم عمى فهم لا يرجعون" (البقرة: 18) كما ورد على لسان المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
فإن لم تشهد ما يشهدك الله فآمن بما قال الصحابيّ عن بدن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين أمر النبيّ عليه السّلام بتقريبها لله قرابين : إنّها جعلت يزدلفن إليه بأيّهنّ يبدأ في قربانه .
فكن يا أخي ! إمّا من أرباب القلوب الذين يشهدون الله بقلوبهم ، ويشهدون الأمر على ما هو عليه الأمر في نفسه عند الله .
أو ألق السمع وأنت شهيد ، تحظ بدرجة الإيمان .
إن لم ترق إلى ذروة فلك الإحسان ، وهو العلم والشهود والكشف والعيان ، التي أوتيها الإنسان أعني الكامل فقام بمظهريته الجامعة الكاملة لله .
وعرفه حقّ المعرفة حين قصر عن ذلك الإنسان الحيوان وسائر المخلوقات في الأرضين والسماوات ، ومن المبدعات جميع الروحانيات السفليات والعلويات ، ولكنّ الإنسان الحيوان تصرّف في فطرته الظاهرة ، وأحدث أحكاما بعقله ووهمه ، أو بموجب حدسه وظنّه وفهمه في زعمه ومبلغ علمه وإيمانه ، وكشفه مقيّدا لمطلق ، وحصره في مقتضى مدركه وموجب
فكره وعقله ، وجرمه بجرمه في حكمه فكان من " بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ".
فلهم الفرض والتقدير والحسبان ، ولنا بحمد الله التحقيق والإيمان ، والكشف والعيان ، والشهود والإيقان ، والعلم والبيان ، والحمد لله وليّ الإحسان .
قال رضي الله عنه :
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ..... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ...... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
هم الصمّ والبكم الذين أتى بهم ...... لأسماعنا المعصوم في نصّ قرآن
يعني رضي الله عنه : من شهد الحقّ متعيّنا في الأعيان الوجودية ، عرف أنّ دلالاتها على الحق ذاتية فطرية ، وعلومها بموجدها بموجب وجودها وفطرها لا بموجب فكرها ونظرها ، وهذا العلم هو المعتبر عند معتبرها ، ومن لم يشهدها كذلك ، فقد شهد حجابيّات الأشياء ، ولم ير الحق الموجود المشهود ، فعمي عن الحق ، فإذا أخبر بخلاف مدركه ، لم يسمع فهو الأصمّ ، وليس له أن ينطق بالحق عن الحق ، فهو أبكم ، ولذلك نفى الله عن المحجوبين السمع والبصر والعقل والبيان والنطق منفيّا عندهم وهو شهود وجه الحق في كل مشهود ، والسماع عن الحق في كل نطق وناطق ، والنطق بالحق كذلك ، فـ " لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها " فافهم .
قال رضي الله عنه : اعلم أيّدنا الله وإيّاك أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام قال لابنه :
" إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " والمنام حضرة الخيال فلم يعبّرها ، وكان كبشا ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ، فصدّق إبراهيم الرؤيا ، ففداه ربّه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو لا يشعر ، فالتجلَّي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر به يدرك ما أراد الله بتلك الصورة .
ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبيره الرؤيا : « أصبت بعضا وأخطأت بعضا » . فسأله أبو بكر أن يعرّفه ما أصاب فيه وما أخطأ ، فلم يفعل صلى الله عليه وسلم .
قال العبد : حضرة المثال وحضرة الخيال حضرة تجسّد المعاني والحقائق والأرواح والأنفس وحقائق الصور والأشكال والهيئات الاجتماعية ، فمن رأى صورة أو شكلا أو هيئة ولم يعبّرها ولم يؤولها إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الشكل أو الصورة والهيئة التي رأى في الرؤيا ، فقد صدّق الرؤيا .
ومن عبّرها صدق في الرؤيا حيث أعطى الحضرة حقّها فعبّرها ، فلو عبّر إبراهيم رؤياه صدق أنّ الذبح هو الكبش ولم يكذب الذبح الواقع بابنه ، ولكن كان كبشا ظهر في صورة ابنه ، فصدّقها ، فأراد إيقاع الذبح بابنه فما صدق ، أي لم يقع ، وسنذكر سبب ذلك .
قال رضي الله عنه : وقال الله لإبراهيم حين ناداه : " أَنْ يا إِبْراهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ".
وما قال له : قد صدقت في الرؤيا أنّه ابنك ، لأنّه ما عبّرها ، بل أخذ بظاهر ما رأى ، والرؤيا تطلب التعبير .
يعني رضي الله عنه : صدّقت تجسّد الذبح بصورة ابنك ، وليس كذلك ، فإنّ الرؤيا تطلب التعبير والتفسير .
قال رضي الله عنه : ولذلك قال العزيز : " إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ " ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر ، فكان البقر سنين في المحل والخصب .
يعني : كانت البقرة العجاف سبع سنين في المحل ، والسمان في الخصب .
فلو صدق في الرؤيا ، لذبح ابنه ، وإنّما صدّق الرؤيا في أنّ ذلك عين ولده ، وما كان عند الله إلَّا الذبح العظيم في صورة ولده ، ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السّلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ، فصوّر الحسّ الذبح ، وصوّر الخيال ابن إبراهيم عليه السّلام .
يعني : أنّ إبراهيم لمّا صدق في حقيقة إيمانه بالله وإسلامه له ، عوّده الله بتجسيد الوحي والأمور له على صورة ما كان يرى في منامه ، فكان عليه السّلام يرى رؤيا غير هذا المشهد ، فيقع في الحسّ رؤياه على صورة ما كان يرى عليه السّلام من غير تعبير يحوج إلى تفسير وتأويل وتعبير ، فصدّق بحكم ما اعتاد هذه الرؤيا أيضا على صورة ما رأى من غير تعبير ، وكان الله قد ابتلاه في ذلك بلاء حسنا ، أي اختبره ، بمعنى أعطاه الخبرة ، فإنّ الله كان خبيرا خبرة مبيّنة ، جلية الأمر ومبيّنة عن كشفه مقتضى الوهم والخيال بالفكر .
فلمّا ظهر صدق إيمانه وصدقه في إسلامه وإسلام ابنه في تصديق رؤيا أظهرها الله له ، وأبان صدق ما رأى ، ففداه بذبح عظيم ، فعلم إبراهيم عليه السّلام أنّ الذي رآه في نومه على صورة ابنه كان الذبح العظيم لا ابنه ، لأنّه ذبح ما رأى في المنام ، فلمّا كذب صورة الذبح الذي رآه ، فلم يقدر على ذبح ابنه ، حقّق الله له صورة الذبح ، وصدّق إبراهيم ففداه بالذبح العظيم ، ووقع به صورة الذبح ، فعلم عليه السّلام عند ذلك أنّ ما رأى كان كبشا في صورة ابنه ، لمناسبة ذكرنا ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه : "فلو رأى الكبش في الخيال ، لعبّره بابنه أو بأمر آخر" .
يعني رضي الله عنه : كما عبّر الحق له رؤياه بما فداه بالذبح ، فكذلك لو رأى أمرا في صورة الذبح ، لعبّره بذلك الأمر وهو إسلامه أو بابنه أنّه صورة إسلامه ، لكون الولد سرّ أبيه .
قال : « ثم قال : " إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " آيه 37 سورة الصافات . أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
لأنّه يعلم أنّ موطن الرؤيا يطلب التعبير ، ففعل ، فما وفّى الموطن حقّه ، وصدّق الرؤيا لهذا السبب .
كما فعل تقيّ بن مخلَّد ، الإمام صاحب المسند ، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنّه عليه السّلام قال : « من رآني في المنام ، فقد رآني في اليقظة ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل على صورتي » فرآه تقيّ بن مخلَّد وسقاه النبيّ صلَّى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدّق تقيّ بن مخلَّد رؤياه ، فاستقى ، فقاء لبنا ، ولو عبّر رؤياه ، لكان ذلك اللبن علما ، فحرمه الله العلم الكثير على قدر ما شرب .
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن قال : « فشربته حتى خرج الرّيّ من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر . قيل : ما أوّلته يا رسول الله ؟
قال : « العلم » وما تركه لبنا على صورة ما رآه ، لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضي من التعبير" .
قال العبد : اعلم أنّ الأمور المغيبة عن العبد إذا أراد الله أن يطلع العبد عليها ويشهده ما شاء منها قبل الوقوع ، فإنّه تعالى يمثّل له ذلك في منامه في صورة مناسبة لذلك الأمر في المعنى ، كظهور العلم الفطري في صورة اللبن ، لكون اللبن غذاء لصورته الجسدية من أوّل الفطرة ، كالعلم الذي هو غذاء روح المؤمن من أوّل فطرة الروح .
وكذلك الماء والعسل والخمر صور علم الوحي والإلقاء والحال ، إذا جسد الله لعبده هذه الحقائق على هذه الصور ، فينبغي أن يكون صاحب كشف الصور الذي يجسّد الله ويمثّل له المعاني والأمور الغيبية صورا مثالية وأمثلة جسدية محسوسة من الله على علم آخر من الكشف المعنوي يكشف عن وجه ذلك المعنى المعنيّ له قناع الصور والأمثلة الإلهية ، وهو كشف عال ، وعلم شريف ، يؤتيه الله من شاء من عباده المصطفين المعتنين ، ليس علم التعبير الذي يأخذونه من كتب التعبير ، وذلك أيضا بالنسبة إلى أوّل معبّر علَّمه الله تأويله كرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويوسف الصدّيق عليه السّلام وابن سيرين ومعبّر قرطبة في هذه الأمّة وغيره ممّن وجد العلم من عند الله ، وأخذه منه من مشايخ الصوفية والمحقّقين منّا .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
(وأما المسمى آدما فمقيد ...... بعقل وفكر أو قلادة إيمان )
"" إضفة بالي زادة : ( فمقيد بعقل وفكر ) مشوب بالوهم إن كان من أهل النظر ( أو قلادة إيمان ) إن كان من أهل التقليد الإيماني ، فتنقص معرفته عن سائر الحيوانات لزيادة الآثار النفسية ، فظهر من هذا أن الكبش إن كان أدنى وأخس من النبات والجماد ، لكنه أعلى وأشرف من الأناسى الحيوانيين ، فبهذا العلو والشرف يستأهل أن يكون فداء لإنسان شريف اهـ جامى.""
قال الشيخ القاشاني : يريد أن الكشف والشهود المراد بإيضاح البرهان يحكمان أن الحق متجل في كل شيء وسار بأحديته في كل موجود ، وهو عين صورته وعلمه بل كل اسم من أسمائه موصوف بجميع الأسماء الأحدية الذات الشاملة لجميع الأسماء المشتركة بينهما ، وحيث وجد الأصل وجد جميع لوازمه ، فحيث كان الوجود كان العلم والعقل ، لكن المحل إذا لم يبلغ التسوية الإنسانية أعنى الاعتدال الموجب لظهور العقل والإدراك خفى الحياة والإدراك في الباطن ولم يظهر على المحل ، فلا حس له ولا شعور كالمسكور والمغمى عليه.
فالجماد والنبات ذو حياة وإدراك في الباطن لا في الظاهر ، أي في جسده ، وكل من له حس فله نفس فله حكم ووهم ، يدرك نفسه بقوة جسدانية فتحتجب بالأنانية ويخطئ بالحكم ، بخلاف من لا حس له ولا نفس فإنه باق على فطرته لا تصرف له بنفسه .
فالجماد عارف بربه كشفا وحقيقة منقاد مطيع طبعا وطوعا .
وبعده النبات لما فيه من تصرف ما كالنمو بالغذاء وجذبه وإحالته وتوليد المثل .
فلذلك التصرف والحركة ينقص عن الجماد ، فإن الجماد يشهد بذاته وفطرته أن لا متصرف إلا الله ، وبعده الحيوان الحساس لاحتجابه بأنانيته وظهوره بإرادته وتأبيه لما يراد منه .
ثم الإنسان الناقص فإنه جاهل بربه مشرك مخطئ في رأيه ، وخصوصا في معرفة الله تعالى ، فلذلك قال تعالى: " إِنَّه كانَ ظَلُوماً جَهُولًا " فإنه غير فطرته واتخذ إلهه هواه وشاب عقله بالوهم ، فظهر بالنفس واحتجب بالأنانية وتقيد بعقله وفكره أو تقليده ، كقوله تعالى : " بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْه آباءَنا " فثبت أن الكبش أعلى مرتبة منه " أُولئِكَ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ " – " ولكِنَّه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَواه فَمَثَلُه كَمَثَلِ الْكَلْبِ " - بل تبين أن الجماد أعلى مرتبة من الجميع .
" وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ من خَشْيَةِ الله " كذلك أقل درجات وأدونها لقوله " وإِنَّ من الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْه الأَنْهارُ ".
وأما الإنسان الكامل فإنما كان أشرف الجميع ، لظهور الكمالات الإلهية عليه وفنائه فيه بصفاته وذواته ، لا من حيث إنه حيوان مستوى القامة عارى البشرة ، ولو لم يغير فطرته ولم يحتجب بأنانيته ولم يشب عقله بهواه ولم يتبع الشيطان وخطاه لم يكن أحسن منه ، كما قال عليه الصلاة والسلام: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ويمجسانه وينصرانه" .
(بذا قال سهل والمحقق مثلنا ..... لأنا وإياهم بمنزل إحسان )
أي بهذا القول ، وهو أن الجماد أعرف باللَّه وأطوع له من المخلوقات سيما الإنسان الناقص .
قال سهل بن عبد الله الصوفي: " وكل محقق مثلنا لأنا وإياهم في مقام الإنسان وهو مقام المشاهدة والكشف وراء مقام الإيمان ، كما قال تعالى: " ثُمَّ اتَّقَوْا وآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وأَحْسَنُوا ".
"" إضفة بالي زادة : ( بذا ) أي بما قلت ( قال سهل ) فإن علم المحققين يحصل عن كشف إلهي ، فلا يقبل الاختلاف فإنه لا يكون إلا في العلم الاجتهادى ( ولا تبذر السمراء ) أي المحنطة ( في أرض عميان ) أي لا تقل قولي لمن كان عمى قلبه ، فإنها لا تنبت المعارف الإلهية في أرضهم اهـ بالى . ""
وقال عليه الصلاة والسلام « الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه » فمن لم يذق الشهود فليؤمن بقول الصحابي عن بدن النبي عليه الصلاة والسلام حين أمر بتقريبها لله قرابين أنها جاءت يزدلفن إليه عليه الصلاة والسلام بأيتهن يبدأ في قربانه :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ..... يقول بقولي في خفاء وإعلان ) (ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ...... ولا تبذر السمراء في أرض عميان)
(هم الصم والبكم الذي أتى بهم ...... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن )
أي من شهد ما شهدته عرف أن شهادة الأعيان الموجودة كلها بلسان الحال الحق ، هي ذاتية فطرية .
وقال : ما أقول به كأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ، حيث قال :يشهد له أعلام الوجود
على إقرار قلب ذي الجحود ولا تبذر السمراء في أرض عميان مثل لمن يلقن المعرفة من لا يستعد لقبولها ولا يهتدى إلى الحق .
ويبصر من لا بصيرة له وهم الذين سماهم الله في القرآن الذي جاء به المعصوم أي النبي عليه الصلاة والسلام " صما وبكما " مع أنهم يسمعون وينطقون عرفا .
لعدم فهم الحق وانتفاعهم بحاسة السمع ونطقهم بالحق ، كما سماهم " عُمْياً " مع سلامة حاسة بصرهم ، لاحتجابهم عن الحق وعدم اهتدائهم.
كقوله تعالى: " لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، ولَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها " الآية .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأما المسمى آدما فمقيد ..... بعقل وفكر أو قلادة إيمان)
أي، والحال أن المسمى بالإنسان مقيد ومحجوب بعقله الجزئي المشوب بالوهم، وبقوته الفكرية التي لا ترفع رأسا إلى العالم العلوي الغيبي - إن كان من أهل النظر- فإن كان مقلدا فمقيد بالتقليد الإيماني القابل للتغيير والزوال سريعا، وكل منهما لا يطلع لربه إطلاع العارف المشاهد للحق ومراتبه التي هي روحانية الجماد والنبات والحيوان من الكمل والأفراد من الإنسان.
(بذا قال سهل والمحقق مثلنا ..... لأنا وإياهم بمنزل إحسان)
أي، قال سهل التستري بهذا القول من أن البسائط أقرب إلى الحق، كما مر. وهكذا يقول كل محقق عارف بالله.
و (المنزل الإحساني) هو مقام المشاهدة وإنما
قال: (مثلنا) لأن العارف المطلع على مقامه هو على بينة من ربه، يخبر عن الأمر كما هو عليه، كإخبار الرسل عن كونهم رسلا وأنبياء، لا أنهم ظاهرون بأنفسهم مفتخرون بما يخبرون عنه:
(فمن شهد الأمر الذي قد شهدته .... يقول بقولي في خفاء وإعلان):
أي، من شهد الحقائق في الغيب الإلهي كما شهدت ويجد الأمر كما وجدت، لا يبالي أن يقول بمثل هذا القول في السر والعلانية:
(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ...... ولا تبذر السمراء في أرض عميان)
أي، لا يلتفت إلى قول المحجوبين من أهل النظر وغيرهم من المقلدين لهم وأصحاب الظاهر الذين لا علم لهم بحقائق الأمور، إذا كان قولهم مخالفا لقولنا.
ولا تبذر الحنطة السمراء. أي، القول الحق الذي يغذي الباطن والروح، في أرض استعداد العميان الذين لا يبصرون الحق في الأشياء ولا يشاهدونه في المظاهر:
(هم الصم والبكم الذين أتى بهم ..... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
لأنهم الصم عن سماع الحق، والبكم عن القول به، والعمى عن شهوده، إذ طبع الله على قلوبهم بعدم إعطاء استعداد المشاهدة وإدراك الحق. كما أتى المعصوم، أي نبينا عليه السلام، في القرآن في حقهم: (صم بكم عمى فهم لا يعقلون.)
و (الباء) في (بهم) للتعدية. أي، أتى بهذا القول في حقهم.
.
يتبععدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 17:56 عدل 3 مرات

الفقرة الرابعة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه : وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان . بذا قال سهل المحقق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان . فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان . ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أمر عميان . هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما المسمى آدم) وهو الإنسان الجامع لمراتب كل إنسان، (فمقيد) بقيود زائدة على القوى الجمادية، والنباتية، والحيوانية، إذ هو مقید (بعقل) وهو ما يدرك به الأمور الكلية المعقولة، (وفكر) وهو القوة التي تركب وتحلل بين المعاني الوهمية والصور الخيالية، (أو قلادة إيمان)، وهي الكشف الذي يدرك الحقائق الإلهية وغيرها.
أو هنا لمنع الخلو إذ مدرك الحقائق منا لا يخلو عن أحد هذين، فهذه الأمور، وإن كانت مفيدة للمعلوم؛ فهي من حيث إمكانها حجب مانعة من الوصول إلى الحق، وإن كانت من وجه آخر توصله إليه أيضا.
ثم استشهد على عرفانها وعلو رتبها بقول من تقدمه؛ فقال: (بذا) أي: بعلو رتبة هذه الأشياء وعرفانها.
محقق المتكلمين والفلاسفة، وقوله: (لأنا) متعلق بقوله: (مثلنا وإياهم بمنزل إحسان) وهو مقام قريب من مقام المشاهدة كما قال صلى الله عليه وسلم : «أن تعبد الله كأنك تراه ".رواه ابن حبان والبيهقي في الشعب ، والبيهقي في دلائل النبوة.
(فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بقولي) علي (في خفاء) أي: يعتقده في نفسه، (وإعلان) أي: يظهره في الناس، ولا يبالي إلا من غير أهله على ما سيشير إليه، (ولا تلتفت قولا يخالف قولنا)، وهو قول من حمل التسبيح في الآية على لسان الحال، مع أنه مناف لمفهوم الحديث المذكور، بل ما بعده من قوله: "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" [الإسراء: 44]، وتسبيح لسان الحال يفقهه جمع غفير من العقلاء، (ولا تبذر) الحنطة (السمراء في أرض عميان)، وهي التي لا ماء فيها وافر ولا مطر، والسمراء أحوج إلى ذلك، وهذا مثل يضرب لمن يلقي الحقائق على من لا يتم استعداده لفهمها أو الانتفاع بها.
ثم أشار إلى تعليل ذلك بقوله: (هم) أي: المخالفون (الصم) عن استماع الحقائق، (والبكم) عن النطق بها، لو سمعوا وفهموا (الذين أتى بهم عن الكذب في كل ما أخبر، فهؤلاء من جملتهم وإن تأخروا عن عصره في نص القرآن) وهو قوله تعالى: "صم بكم عمي فهم لا يعقلون" [البقرة: 171].
وهي وإن وردت في حق الكفرة؛ فليس بعجب، لغشيان ظلمة الكفر عليهم، وهؤلاء مع تنورهم بنور العلم قد حجبوا عن ذلك، فهم أعجب حالا منهم، فكأنها منحصرة في هؤلاء.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
(وأمّا المسمّى آدما فمقيّد بعقل وفكر ) إن كان من أهل النظر وعلومه الاستدلاليّة .
( أو قلادة إيمان ) إن كان من أرباب العقائد التقليديّة ، فإنّ الإنسان له في الارتقاء إلى مدارج كماله الشهودي ثلاث مراتب : برهان وإيمان وإحسان .
لأنّ المعارف اليقينيّة المستحصلة له إمّا أن يكون عقدا أو انشراحا وعلما .
والأوّل هو الإيمان ،
والثاني إمّا أن يكون وراء أستار الأسباب والآثار وهو البرهان ، أو يكون منكشفا ، منزّها عمّا يطلق عليه الغطاء أو الحجاب وهو الإحسان ، وهذا منزل اولي التحقيق .
كما قال :( بذا قال سهل والمحقّق مثلنا .... لأنّا وإيّاهم بمنزل إحسان )
( فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ) من الإجمال الذاتي وتفاصيل تعيّناتها وتنوّعاتها ، ومقتضيات الكلّ من الإظهار والإخفاء بحسب أحكام المواطن ، ومدارك المعاصرين ذوي العناد أو أهل الاسترشاد .
( يقول بقولي في خفاء ) للغمر من المعاندين الغافلين.( وإعلان ) للمسترشدين المتفطَّنين. "الغمر = الجاهل"
( ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ) أي لا تسمع قول القاصرين عن فهم المراد من كلام الحقّ ، والواقفين عند شواطئ ذلك البحر الزخّار ، القانعين من لآليه ودرره ، المبطونة فيه بطنا بعد بطن ، بما يعلو ظاهر سطوحه المحسوسة من الحثالات والزبد فالعاقل ينبغي أن لا يلتفت إليهم سماعا ولا خطابا .
فإنّ الخطاب معهم ببثّ ذلك الدرر لديهم هو عين إضاعتها عزّت عن ذلك." الحثالة : ثفل الشيء. ما يسقط من قشر الشعير أو الأرز ونحوه. الزبد : ما يعلو الماء البحر او النهر ونحوه من الرغوة ."
كما قال :( ولا تبذر السمراء في أرض عميان) "ولا تبذر الحنطة السمراء - أي القول الحق الذي يغذي الباطن والروح - في أرض استعداد العميان ، الذين لا يبصرون الحق في الأشياء ولا يشاهدونه في المظاهر.أهـ القيصري "
( هم الصمّ والبكم الذين أتى بهم ..... لأسماعنا المعصوم في نصّ قرآن )
لما سبق غير مرّة أن القصص القرآنيّة حكايات ألسنة أحوال الاستعدادات المتخالفة للعباد ، وهي التي لم يزل يتكلَّم الزمان بأفواههم في كلّ عصر ما هي أساطير الأوّلين ، كما هو زعم البعض من الجهلة المنكرين لبيّنات آياته . كرؤيا إبراهيم عليه السّلام وتعبيره
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته … يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه :
وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحقق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
(وأما المسمى آدم) الذي ليس له من الآدمية إلا اسم وهو الإنسان الحيوان (فمقید بعقل وفكر) مشوب بالوهم إن كان من أهل النقر.
(أو قلادة إيمان) إن كان من أهل التقليد الإيماني وتنقص معرفته عن معرفة سائر الحيوان بزيادة الآثار النفسية والتصرفات الغرضية من الفكر والتقليد و غيرها بنقص معرفته من سائر الحيوانات.
فظهر من هذا أن الكبش إن كان أدنى وأخس من النبات والجماد لكنه أعلى وأشرف من الأناسي الحيوانيين، فهذا العلو والشرف يستاهل أن يكون فداء لإنسان شریف.
(بذا)، أي بما ذكرناه من بیان مراتب الموجودات (قال سهل)، يعني سهل بن عبد الله التستري قدس الله سره (والمحقق) كانن من كان (مثلنا)، أي مثل قولنا بهذا (فإنا) يعني سهلا ونفسه (وإياهم)..
يعني سائر المحققين المماثلين لهما في هذا القول (بمنزل إحسان) و مقام مشاهدة فيعرف ويشاهد الأمور على ما هي عليه (فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بقولي في خفاء وإعلان)، أي في السر والعلانية.
(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا) من أقوال المحجوبين من أهل النظر والمقلدين لهم وأصحاب الظواهر الذين لا علم لهم بالبواطن (ولا تبذر السمراء) يعني بيان الحقائق الذي هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعني الحنطة للجسم (في أرض عميان) يعني في أرض استعداد، وهؤلاء الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه في جميع الأشياء
هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن(هم) أي هؤلاء العميان (الصم) عن استماع الحق (والبكم) عن الإقرار به (الذين أتي بهما)، أي ذكرهم جامعين لهذه الأوصاف الثلاثة (لأسماعنا ) النبي (المعصوم) عن تهمة الكذب صلى الله عليه وسلم (في نص قرآن) يريد قوله تعالى : "صم بكم عمى فهم لا يرجعون" ( البقرة : 18).
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 17:57 عدل 2 مرات

الفقرة الخامسة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الخامسة: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم) يا أيها السالك (أيدنا الله) تعالى (وإياك) بأنوار معرفته (أن إبراهيم الخليل) عليه السلام (قال لابنه) ولم يذكر اسمه للاختلاف فيه.
فقيل: إسحاق عليه السلام وبه جزم طائفة من العلماء، ومنهم الشيخ قدس الله سره، وقيل: إسماعيل عليه السلام وبه قال طائفة من العلماء أيضا.
والخلاف مشهور ودليل كل طائفة على قولها في الكتب مذكور (وإني أرى في المنام أني أذبحك) (الصافات : 102) .
كما قص الله تعالى في القرآن العظيم : أي أرى هيئة أني ذابح لك، ولم يقل : إني رأيت، لأنه في اليقظة كان متخيلا ذلك في نفسه وهو يعلم أن رؤيا المنام تخيل أيضا، أي أرى الآن كما كنت أرى في المنام.
(والمنام) لا شك أنه (حضرة الخيال) ينقطع عن الروح فيه النظر من طريق الحواس الظاهرية، فتنظر من طرق الحواس الباطنية، فتكشف من هذا العالم أمورا لم تكشفها بالحواس الظاهرية. والحواس الباطنية راجعة إلى القوة العقلية وسلطانها الخيال.
فكما يقال للمدركات بالحواس الظاهرية محسوسات . ويقال عنها : عالم الحس.
يقال للمدركات بالحواس الباطنية، متخيلات، ويقال عنها : عالم الخيال.
ويقال حضرة الخيال والحواس الباطنية المسماة بالخيال العقلي قد يقع الخطأ في إدراكها فتدرك الشيء في صورة غيره لشبه بينهما أو مناسبة بوجه ما.
وقد لا يقع الخطأ في إدراكها فتدرك الشيء على ما هو عليه،ومنه قول عائشة رضي الله عنها:
"أول ما بدئ النبي صلى الله عليه وسلم به الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح». رواه البخاري ورواه مسلم ورواه غيرهما
إلا وقعت بعينها في عالم الحس ومثل هذه الرؤيا لا تحتاج إلى التأويل والتعبير وخطأ الخيال في عالم الرؤيا المنامية جائز في حق الأنبياء عليهم السلام وواقع لهم أيضا، ولكنهم محفوظون من دوام الخطأ و التباسه عليهم في اليقظة.
ولهذا ورد أنه عليه السلام رأى في المنام أنه أدخل يده في درع فقال : أولتها بدخول المدينة فقد أخطأ "توهم" خياله في المنام فلما استيقظ أصاب في هذا التعبير. "لأن المدينة كانت درع له فى التحقيق"
ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي من الله تعالى لهم بملك الرؤيا ينزل على قلوبهم بأمر الله، فكشف عن ذلك خيالهم بعين ما رأوا وبمثله ومناسبه، ولهذا شرع تعبير المنام وتأويله كما شرع تفسير القرآن وتأويله.
وفي الرؤيا المحكم والمتشابه كما في القرآن وورد في الحديث :"أن الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوة ". رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان فى صحيحه.
وفي رواية : "ذهبت النبوة، وبقيت المبشرات" .رواه ابن حبان في الصحيح والدارمي في السنن.
«الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له». رواه الترمذي في سننه وابن حبان.
(فلم يعبرها)، أي رؤياه، يعني لم يعبر من ظاهر ما رأى إلى باطنه من أحد وجوه المناسبة (وكان)، أي يوجد (كبش ظهر) ذلك الكبش (في صورة ابن إبراهيم) إسحاق أو إسماعيل عليهم السلام (في) عالم (المنام فصدق إبراهيم) عليه السلام (الرؤيا) التي رآها كما قال تعالى : "وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا" [الصافات : 104 - 105]، ظننت أن الذي رأيت أنك تذبحه في المنام هو ابنك حقيقة وإن كانت صورته صورة إنسان، وذلك الإنسان هو ابنك، فإنما هو في الحقيقة كبش، وهو الذي ذبحه في اليقظة رآه في المنام في صورة ابنه، ولهذا كان كبشة عظيمة حيث ظهر في صورة إنسان عظیم .
(ففداه)، أي فدى ابن إبراهيم عليه السلام (ربه) سبحانه وتعالى فداء ناشئة (من وهم)، أي توهم (إبراهيم) عليه السلام وتخيله أنه أوحي إليه في المنام بذبح ابنه، حيث رأى أنه ذبح ابنه .
فأراد أن يوقع ذلك في اليقظة ويمتثل فيه عين ما أمر به في الوحي المنامي، وإنما كان الوحي له في المنام بذبح الكبش لا ابنه وليس هذا من قبيل النسخ قبل البيان.
وإنما هو من قبيل البيان في وقت الحاجة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في ليلة المعراج ولم يكن يعرف المراد من ذلك على التفصيل حتى أرسل الله تعالى إليه جبرئیل علیه السلام في صبيحة ذلك اليوم فبين له ما كان مجملا.
عليه (بالذبح) بالكسر وهو الكبش (العظيم الذي) نعت للفداء المفهوم من الفعل أو نعت للذبح العظيم (هو)، أي ذلك الفداء أو ذلك الذبح (تعبیر رؤياه عند الله) تعالی والتعبير من العبور من الظاهر إلى حقيقة ما رأي.
(وهو)، أي إبراهيم عليه السلام (لا يشعر) بأن المراد ذبح الكبش وهو حقيقة ما رأي وإنما اشتبه ذلك عليه بصورة ابنه كما اشتبه على النبي صلى الله عليه وسلم اختيار أخذ المال والتقوي به في نصرة الإسلام في حق أسرى بدر على قتلهم.
فاختار الفداء والحق غيره، فأمر بغير ما ظهر له من الحق، وأصاب في ذلك عمر بن الخطاب رضي عنه ، فاختار القتل على الفداء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عمر رضي الله عنه:" إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في الصحيح.
ثم لما نزل قوله تعالى: "لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" [الأنفال: 68]. قال صلى الله عليه وسلم : «لو نزل العذاب ما سلم منه إلا عمر»ز أورده المناوي فى فتح القدير والزيلعي في الأحاديث والآثار وابن مردويه فى تفسيره .
(فالتجلی)، أي الانكشاف والظهور للأشياء (الصوري)، أي المنسوب إلى الصورة لكونه بها (في حضرة الخيال) بالحواس الباطنية والقوة الخيالية في المنام
محتاج ذلك التجلي (إلى) استعمال (علم آخر) هو علم تعبير الرؤيا (يدرك به)، أي بذلك العلم (ما أراد الله) تعالى إظهاره للنائم (بتلك الصورة ) .
والتعبير للمنامات قد يكون بفهم النظير والمناسب وقد يكون بطريق المناسبة والاستنباط من آية أو حدیث أو أثر ونحو ذلك، وقد يكون بطريق الفيض والإلهام. وهو الغالب في المشایخ المشهورين بعلم التعبير كابن سیرین وكثير من الصالحين يوقع الله تعالى قلوبهم المعنى المراد في وقت قاس الرؤيا عليه.
فيكون الأمر كذلك، وقد يقع الخطأ في التعبير من عدم استيفاء آداب المعبر في وقت التعبير من تعلق القلب بالكون وعدم الحضور، أو من العجلة في البيان، أو من التكلم في حضرة من هو أعلى منه في ذلك، أو من جهل المعبر وعدم كونه أهلا للتعبير أو غير ذلك
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياكم أن إبراهيم عليه السلام قال لابنه وإن أرين في الساير ان أذبلك [الصافات: 102] والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها) من العبور أو من التعبير فحمل ما رآه على ظاهره كما هو عادة الأنبياء فظن أن الحق أمره ذبح ابنه فباشر الذبح إطاعة لأمر ربه .
(وكان) ما رآه (كبشا ظهر في صورة ابن إبراهيم عليه السلام في المنام) لمناسبة بينهما في الانقياد والتسليم (فصدق إبراهيم الرؤيا) بمباشرة الذبح (ففداه) عن ابنه (ربه من وهم إبراهيم عليه السلام) من أنه وهم إبراهيم عليه السلام أن ما رآه ابنه وإلا لا نداء في الحقيقة.
(بالذبح العظيم الذي هو) أي الذبح العظيم (تعبير رؤياه عند الله وهو) أي إبراهيم عليه السلام (لا يشعر) أن الذبح الذي أتى به عند قصده ذبح ابنه وهو تعبير رؤياه فقال :"وفديناه بذبح عظيم ". فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر) وهو العلم الحامل من التجلي الإلهي (يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة) . واستدل على ذلك بحديث الرسول عليه السلام فقال
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قوله: اعلم أيدنا الله وإياك وما بعده، یعنی، رضي الله عنه، أن الذي رأى إبراهيم عليه السلام، أنه يذبحه هو الكبش في الحقيقة، ولكن رأه إبراهيم، عليه السلام ، في صورة ولده وما ذكره ظاهر من لفظه، رضي الله عنه.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال رضي الله عنه : اعلم أيّدنا الله وإيّاك أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام قال لابنه :
" إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " والمنام حضرة الخيال فلم يعبّرها ، وكان كبشا ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ، فصدّق إبراهيم الرؤيا ، ففداه ربّه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو لا يشعر ، فالتجلَّي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر به يدرك ما أراد الله بتلك الصورة .
ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبيره الرؤيا : « أصبت بعضا وأخطأت بعضا » . فسأله أبو بكر أن يعرّفه ما أصاب فيه وما أخطأ ، فلم يفعل صلى الله عليه وسلم .
قال العبد : حضرة المثال وحضرة الخيال حضرة تجسّد المعاني والحقائق والأرواح والأنفس وحقائق الصور والأشكال والهيئات الاجتماعية ، فمن رأى صورة أو شكلا أو هيئة ولم يعبّرها ولم يؤولها إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الشكل أو الصورة والهيئة التي رأى في الرؤيا ، فقد صدّق الرؤيا .
ومن عبّرها صدق في الرؤيا حيث أعطى الحضرة حقّها فعبّرها ، فلو عبّر إبراهيم رؤياه صدق أنّ الذبح هو الكبش ولم يكذب الذبح الواقع بابنه ، ولكن كان كبشا ظهر في صورة ابنه ، فصدّقها ، فأراد إيقاع الذبح بابنه فما صدق ، أي لم يقع ، وسنذكر سبب ذلك .
قال رضي الله عنه : وقال الله لإبراهيم حين ناداه : " أَنْ يا إِبْراهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ".
وما قال له : قد صدقت في الرؤيا أنّه ابنك ، لأنّه ما عبّرها ، بل أخذ بظاهر ما رأى ، والرؤيا تطلب التعبير .
يعني رضي الله عنه : صدّقت تجسّد الذبح بصورة ابنك ، وليس كذلك ، فإنّ الرؤيا تطلب التعبير والتفسير .
قال رضي الله عنه : ولذلك قال العزيز : " إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ " ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر ، فكان البقر سنين في المحل والخصب .
يعني : كانت البقرة العجاف سبع سنين في المحل ، والسمان في الخصب .
فلو صدق في الرؤيا ، لذبح ابنه ، وإنّما صدّق الرؤيا في أنّ ذلك عين ولده ، وما كان عند الله إلَّا الذبح العظيم في صورة ولده ، ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السّلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ، فصوّر الحسّ الذبح ، وصوّر الخيال ابن إبراهيم عليه السّلام .
يعني : أنّ إبراهيم لمّا صدق في حقيقة إيمانه بالله وإسلامه له ، عوّده الله بتجسيد الوحي والأمور له على صورة ما كان يرى في منامه ، فكان عليه السّلام يرى رؤيا غير هذا المشهد ، فيقع في الحسّ رؤياه على صورة ما كان يرى عليه السّلام من غير تعبير يحوج إلى تفسير وتأويل وتعبير ، فصدّق بحكم ما اعتاد هذه الرؤيا أيضا على صورة ما رأى من غير تعبير ، وكان الله قد ابتلاه في ذلك بلاء حسنا ، أي اختبره ، بمعنى أعطاه الخبرة ، فإنّ الله كان خبيرا خبرة مبيّنة ، جلية الأمر ومبيّنة عن كشفه مقتضى الوهم والخيال بالفكر .
فلمّا ظهر صدق إيمانه وصدقه في إسلامه وإسلام ابنه في تصديق رؤيا أظهرها الله له ، وأبان صدق ما رأى ، ففداه بذبح عظيم ، فعلم إبراهيم عليه السّلام أنّ الذي رآه في نومه على صورة ابنه كان الذبح العظيم لا ابنه ، لأنّه ذبح ما رأى في المنام ، فلمّا كذب صورة الذبح الذي رآه ، فلم يقدر على ذبح ابنه ، حقّق الله له صورة الذبح ، وصدّق إبراهيم ففداه بالذبح العظيم ، ووقع به صورة الذبح ، فعلم عليه السّلام عند ذلك أنّ ما رأى كان كبشا في صورة ابنه ، لمناسبة ذكرنا ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه : " فلو رأى الكبش في الخيال ، لعبّره بابنه أو بأمر آخر " .
يعني رضي الله عنه : كما عبّر الحق له رؤياه بما فداه بالذبح ، فكذلك لو رأى أمرا في صورة الذبح ، لعبّره بذلك الأمر وهو إسلامه أو بابنه أنّه صورة إسلامه ، لكون الولد سرّ أبيه .
قال : « ثم قال : " إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " آيه 37 سورة الصافات .
أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
لأنّه يعلم أنّ موطن الرؤيا يطلب التعبير ، ففعل ، فما وفّى الموطن حقّه ، وصدّق الرؤيا لهذا السبب .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
(اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قال لابنه : " إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " . والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها ، وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ، فصدق إبراهيم الرؤيا ) . أي لم يعبرها لما تعود به من الأخذ عن عالم المثال .
"" إضفة بالي زادة : (فلم يعبرها ) فحمل ما رآه على ظاهره كما هو عادة الأنبياء ، فظن أن الحق أمر بذبح ابنه فباشر لذبح إطاعة لأمر ربه اهـ . بالى زاده. ""
فلما رقاه الله تعالى عن عالم المثال ليجعل قلبه محل الاستواء الرحماني أخذ خياله المعنى من قلبه المجرد ، وتصرفت القوة المتصرفة في تصويره فصورت معنى الكبش بصورة إسحاق عليه السلام لما ذكر من كونه الأصل ، فلم يعبرها وصدقها في أن ذلك إسحاق ، وكان ذلك عند الله الذبح العظيم.
فلم يعط إبراهيم الحضرة حقها بالتعبير
( ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو لا يشعر ، فالتجلى الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر ، يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة ) وهو علم التعبير .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
(اعلم، أيدنا الله وإياك، أن إبراهيم الخليل، عليه السلام، قال لابنه:
"إني أرى في المنام أنى أذبحك" والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها) أي، المنام حضرة المثال المقيد المسمى بالخيال.
فالمرئي فيها قد يكون مطابقا لما يقع في الظاهر، وقد لا يكون كذلك، بل يدرك النفس معنى من المعاني الغيبية من الطريق الذي لا واسطة بينها وبين الحق، أو من المعاني المنتقشة في الأرواح العالية، فتلبس له صورة مثالية مناسبة مما في حضرة خياله من الصور.
فينبغي أن يعبر، ليعلم المراد من الصور المرئية. وإبراهيم، عليه السلام، لم يعبرها، لأن الأنبياء والكمل أكثر ما يشاهدون الأمور في العالم المثالي المطلق.
وكل ما يرى فيه لا بد أن يكون حقا مطابقا للواقع، فظن أنه، عليه السلام، شاهد فيه، فلم يعبرها، أو ظن أن الحقأمره بذلك، إذ كثير من الأنبياء يوحون في مناماتهم. فصدق منامه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام، فصدق إبراهيم الرؤيا.)
أي، الكبش المفدى به، هو الذي كان مراد الله في نفس الأمر، فظهر في صورة إسحاق، لمناسبة واقعة بينهما. وهي إسلامه لوجه الله وانقياده لأحكامه.
فصدق إبراهيم الرؤيا بأن قصد ذبح ابنه. (ففداه ربه من وهم إبراهيم). أي، من جهة وهمه (بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله، وهو لا يشعر).
أي أظهر ربهما كان المراد عنده، وهو الذبح العظيم الذي صوره خياله بمشاركة الوهم بصورة إسحاق، وإبراهيم لا يشعر أن المراد ما هو، لسبق ذهنه إلى ما اعتاده من الرؤية في العالم المثالي.
ولما كان للوهم مدخل عظيم في كل ما يرى في المنام – إذ هو السلطان في إدراك المعاني الجزئية.
قال: (من وهم إبراهيم) عليه السلام. "" قد يكون مراد المصنف من قوله: (من وهم إبراهيم) أن إطلاق الفداء على الكبش كان بحسب وهم إبراهيم، عليه السلام، فإنه توهم أنه مأمور بذبح ابنه مع أنه كان مأمورا بذبح الكبش، فذبح الكبش لم يكن فداء .وامر الظاهر شريعة يقتضى ذبح الكبش، ولكن شدة محبة إبراهيم وعشقه وهم عن الجمع بالظاهر شريعة والباطن حقيقة، فأراد ذبح الابن.""
ولأنه توهم أن المرئي "الحقيقة" لا ينبغي أن يعبر، فقصد ذبح ابنه.
(فالتجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر، يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة). ولا يحصل علمه إلا بانكشاف رقائق الأسماء الإلهية والمناسبات التي بين الأسماء المتعلقة بالباطن، وبين الأسماء التي تحت حيطة الظاهر.
لأن الحق إنما يهب المعاني صورا بحكم المناسبة الواقعة بينهما - لا جزافا كما يظن المحجوبون أن الخيال يخلق تلك الصور جزافا - فلا يعبرون ويسمونها (أضغاث أحلام).
بل المصور هو الحق من وراء حجابية الخيال. ولا يصدر منه ما يخالف الحكمة.
فمن عرف المناسبات التي بين الصور ومعانيها وعرف مراتب النفوس التي تظهر الصور في حضرة خيالاتهم بحسبها، يعلم علم التعبير كما ينبغي، ولذلك تختلف أحكام الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب.
وهذا الانكشاف لا يحصل إلا بالتجلي الإلهي من حضرة الاسم الجامع بين الظاهر والباطن.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الإثنين 1 يوليو 2019 - 21:38 عدل 1 مرات

الفقرة الخامسة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الخامسة: الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» [الصافات: 102] والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها.
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.
فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة.
ثم أشار إلى أن القول بالفداء أمر متوهم، وإن ثبت بظاهر النص، وما ذكرنا مبني على صحته.
فقال: (اعلم أيدنا الله وإياك) دعا الشيخ رضي الله عنه إشعارا بصعوبة هذا المقام، وقد وقع فيه السهو لإبراهيم عليه السلام (أن إبراهيم الخليل عليه السلام) وصفه بذلك إشعارا بأنه مع علو رتبته قد وقع له ما وقع.
قال لابنه إسحاق عليه السلام: "إني أرى في المنام أي أذبحك" [الصافات: 102] ، ورؤياي حق فلا بد أن يقع كما رأيت، أو يقع تأويله لكن لا يناسب.
ولدي شيء آخر من كل ما يذبح في الكمال فلا يقع الأعين، ما رأيت فيها وإلا الوقع الذبح عليه، ولم يقع إلا على الكبش، ورؤيا الأنبياء يجوز أن يقع تأويلها.
وذلك أن (لمنام حضرة الخيال) وهو كما قد يصور المرئي بصورته ما يناسبه بوجه ما، وظن أن رؤياه من قبيل الأول؛ لبعد المناسبة بين ابنه وبين سائر الأشياء سيما الكبش، (لم يعبرها) أن رؤياه، وسها في ذلك، (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم عليه السلام في المنام) لوقوع الذبح عليه، والواقع في الحس هو المرئي في المنام، سواء كان بعين صورته، أو بما يناسبها.
(صدق إبراهيم عليه السلام الرؤيا) أي: ظاهر ما رأى فأجرى السكين على حلقوم ابنه، ولو عبر الصدق تأويله دون ظاهره، فلما صدقه إبراهيم عليه السلام بوهمه؛ ساعده ربه على ذلك، فـ (فداه ربه من وهم إبراهيم عليه السلام) إذ الواقع عليه الذبح هو ابنه (الذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله) حيث وقع الذبح عليه فسماه فداء.
وإن كان هو المرئي في المنام بصورة ابنه مساعدة لإبراهيم ال، (وهو لا يشعر) تعبير رؤياه، وإلا لم يجر السكين على حلقوم ابنه.
وهذا إشارة إلى مساعدة الحق إياه فيما توهم ولم يشعر، فكيف لا يساعده فيما يشعر؟
وإثبات الوهم والسهو لا يبعد في حق الأنبياء عليهم السلام؛ فإنه وقع السهو لنبينا عليه السلام في الصلاة في حديث ذي اليدين، وفي الاجتهاد في أسارى بدر، وما قيل لو سها لوجبت متابعته لقوله تعالى: "فاتبعوه" [الأنعام: 153].
ولكان من لا يسهو من آحاد الأمة خيرا منه؛ مردود بأن الاتباع لا يجب في أمور كثيرة كخواصه عليه السلام ، والأفعال المباحة له، فهو عام مخصوص لا يبعد تخصيصه مما وقع فيه سهو، ولا بد وأن يظهر إذ لا يقر عليه السلام على ذلك.
وكون الأحاد أحسن حالا في بعض الأمور الدنيئة لا ينافي علو رتبته عليه السلام كما في حديث تأبير النحل حيث قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». رواه البخاري ومسلم.
إذا لم يشعر إبراهيم العلية مع كمال علمه بالحقائق بتأويل ما رآه مصورا بصورة ابنه في حضرة الخيال، (فالتجلي الصوري) قید به؛ لأن التجلي المعنوي لا يحتاج إلى شيء، إذ لا التباس لبعض المعاني بالبعض عند انكشافها صريحة، بخلاف ما إذا انكشف مصورة (في حضرة الخيال) في يقظة أو منام.
فإنه (يحتاج إلى علم آخر) وراء علم الحقائق التي يجب الاطلاع عليها لمن كان نبيا أو وليا (يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة) مما يناسبها بوجه ما، وقد يعرفها من ليس له قدم راسخ في الحقائق، ويجهلها الراسخون.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
( واعلم - أيّدنا الله وإيّاك ) بميامن الوراثة الختميّة وقرابتها ، تأييدا يتبيّن به دقائق المراد من الكلام على عرف التخاطب الذي مع الكمّل.
(أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام قال لابنه : " إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " [ 37 / 102 ] والمنام حضرة الخيال ) وهي مجبولة على محاكاة ما في أحد الجانبين المحاذيين لها .
أعني الشهادة والغيب بتمثّل الصور المناسبة له فيها ، مناسبة الأشباه أو الأضداد ، فلا بد من الانتقال والعبور من الصور المثاليّة الخياليّة برابطة تلك المناسبة والشبه إلى ما هو في الواقع من الصور العينيّة فلا بد من التعبير وأمّا إبراهيم ( فلم يعبّرها ، وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ) .
ووجه المناسبة هاهنا هو أنّ إبراهيم أوّل من تحقّق بالحضرة الجمعيّة الوجوديّة ، التي هي ظاهر القابليّة الأولى الذاتيّة ، كما أنّ الكبش صورة تلك القابليّة التي ظهرت في المرتبة الحيوانيّة - ولذلك تراه في مصدريّة الأفعال الاختياريّة هو الغاية في القبول إذعانا واستسلاما .
ثمّ لمّا كان الابن صورة سرّ الأب، على ما ورد : « الولد سرّ أبيه » .
تصوّر الكبش في الحسّ المشترك عند ظهوره من طرف الغيب والبطون للخيال بصورة ابن إبراهيم ، لقوّة المناسبة المذكورة وكمال الاستيناس به .
(فصدّق إبراهيم الرؤيا) أي أخذ تلك الصورة المرئيّة صادقة مطابقة لما في الأمر نفسه مما وجب عليه.
تفسير سرّ رؤيا إبراهيم عليه السّلام
وهاهنا تلويح حكميّ له كثير دخل في تحقيقه، ومنه يعلم لميّة تصديقه وما يترتّب عليه من التفدية : وهو أنّ البعد بين المتقابلين - الذين بهما يتقوّم أمر التعاكس والتماثل - كلَّما كان أكثر ، كانت مطابقة العكس لأصله أشدّ وذلك لأنّ المشاركة - ولو في صفة من الصفات أو جهة من
الجهات - تستلزم عدم ظهور العكس بكماله ، لتخلَّفه عن الأصل في تلك الصفة ، وانحرافه عنه بها ، ولذلك ترى المرايا ما ترى الصورة ما لم تكن في الجهة التي في غاية البعد - وهي القطر - وإذا انحرف عنها ما أرت الصورة كما هي ومن هاهنا أيضا ترى عكس العكس عين الأصل ، لأنّه أنهى ما يتباعد به عن الأصل .
ثمّ إنّ إبراهيم لما وصل من القرب إلى ما وصل، ما تمكَّنت مرآة خياله عن إراءة العكس كاملا، لزوال البعد والقطريّة فيه، وكمال القرب والخلَّة، وإذ قد كان ميلانه إلى طرف علوّ قربه الخلَّية، جاوز في أمر القربان أيضا إلى ما هو أعلى من فداء المال وذبح ذوي الحياة منه حتّى توهّم ذبح الابن وفدائه - وهو أوثق العلائق رابطة وأحكمها وثاقا - ولذلك ما اختصّت به ذوو العقول فقط، بل عمّت الحيوانات العجم تلك العلاقة .
فظهر أنّ وثاقة علاقة الابن النسبيّ وهميّة فلذلك لما رأى إبراهيم في رؤياه الذبح العظيم صوّر الوهم ذلك العظيم بابنه - إذ ليس عنده أعظم منه .
( ففداه ربّه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم ، الذي هو تعبير رؤياه عند الله - وهو لا يشعر ) لغلبة أمر القربة فيه واستيلاء سلطان الخلَّية عليه . كتعبير ما في حضرة الخيال
( فالتجلَّي الصوريّ في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة ) ، وهو ممّا يختصّ بنيله أولو النهاية ، ممن غلب في مواطن معرفته ومواقف نبوّته وبعثته ، علم الصور وأحكام تجلَّياتها ، ولم يحتجب بكمال قربته وجمعيّته عن أحكام التفرقة والتفصيل.
فلا بدّ وأن يكون صاحب حظَّ من الختم مّا بحسب الصورة فقط كيوسف على ما نبّهت عليه في تحقيق ترتيب الكتاب وبيان الحصر أو بحسب الصورة والمعنى ، كالحضرة الجمعيّة الختميّة وإلى ذلك أشار بقوله :لتعبير أبي بكر لرؤيا الرجل
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها.
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.)
(اعلم أيدنا الله وإياك) لإدراك الحقائق على ما هي عليه (أن إبراهيم الخليل) على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال لابنه إسحاق علیه السلام "إني أرى في المنام أني أذبحك " [الصافات : 102] .
(والمنام حضرة الخيال) المقيد الذي من شأنه أن تعبر عن الصورة الممثلة فيها إلى المعاني المقصودة منها (فلم يعبرها) إبراهيم عليه السلام، أي لم يتجاوزها إلى المقصود من الصور المرئية فيها لما تعود به من الأخذ عن عالم المثال المضئق، وكلما أخذ منه لا بد أن يكون حقا مطابقة للواقع من غير تعبير . فلما شاهد عليه السلام صورة ذبح ابنه فيه ظن أنه مأمور به من غير تعبير و تأويل فتصدى له (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام)، لمناسبة واقعة بينهما وهي الاستسلام والانقياد فكان مراد الله سبحانه به الكبش لابن إبراهيم (فصدق إبراهيم الرؤيا)، أي حقق الصورة المرئية وجعلها صادقة مطابقة للصورة الحسية الخارجية بالإقدام على الذبح و التعرض لمقدماته.
(ففداه) ، أي ابن إبراهيم (ربه) لينقذه من الذبح.
وذكر الفداء ههنا إنما هو من جهة وهم إبراهيم عليه السلام وظنه وإلا لم يكن فداء حقيقة (بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو) : أي إبراهيم عليه السلام (لا يشعر) بذلك التعبير لما أخفاء الله سبحانه عليه لحكمة تقتضية .
والتفصيل في هذا المقام على ما يفهم من كلام الشيخ رضي الله عنه وشارحي كلامه.
أن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه كان قبل هذا المقام معودا بالأخذ عن عالم المثال الذي من شأنه أن تقلا بق الصور المرنية فيه الصور الظاهرة في الحس من غير اختلال، فلا حاجة فيه الى التعبير.
فلما تحقق الغناء في الله بالكلية واقتضى ذلك الفناء في الله عن هذا المشهد بأن يشاهد الأمور في مراتب هي أعلى مراتب المثال أو في نفسه وقلبه من الوجه الخاص من غير توسط أمر آخر، أراد الله سبحانه أن يظهر في الحس صورة ليحققه بالغناء في ذبح الكبش وأن يرقيه عن هذا المشهد فأراه في المنام أن يذبح الكبش .
ولكن في صورة ذبح ابنه وستر عليه المقصود منه، وأوقع في وهمه أن ابنه هو المقصود بعينه بناء على ما اعتاده من الأخذ عن عالم المثال.
فاعتقد صدق ما وقع في وهمه من ذبح ابنه فتصدى له وانقاد له ابنه، فظهر سر كمان استسلامهما وانقيادهما الله تعالى.
فجعل سبحانه الذبح العظيم فداء لابنه وأنقذه من الذبح، وما كان مراد الله من منامه وهو ذبح الكبش لنكون صورة حسية تتحقق إبراهيم بالفناء فيه وحصل له الترفي عن مشهده المعتاد، فإن الصورة المرنية لم تكن من عالم المثال بل فاض هذا المعنى عليه من مرتبة أخرى فوق عالم المثاني ، وانبعث من قلبه و صورته متخيلة بتلك الصورة، وعلم ذلك الترقي أيضا حيث وقع منه ذبح الكبش لا ذبح ابنه .
ولا يخفى على المنصف أن ذلك بيان لحسن تربية الله سبحانه إبراهيم الخليل عليه السلام وليس فيه شائبة سوء أدب من الشيخ رضي الله عنه بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام.
وكتب بعض من اشتهر بالفضل بخطه على الهامش في هذا المقام.
هذا كلام زخرفة الشيخ ولا أراه حقا بل كنه صادر عن سوء أدب أحسن محامله أن يقال أنه صدر عنه في حال كونه مغلوبا.
والحق في ذلك والله أعلم أن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام أنه مباشر للذبح بمعنى أنه أضجع ابنه وأخذ المدية وأمرها على حلقومه ليقطعه ولكن لم يحصل القطع وهذا هو المراد بقوله : "إني أرى في المنام أني أذبحك". أي رأيت أني مشتغل بأفعال الذبح ولا يلزم منه تمامه، وقد وقع منه في اليقظة ما رآه في المنام ووطن هو وابنه للانقياد لذتك.
فلما تم العزم ووجد مقدمات الذبح حصل المقصود من الابتلاء فتداركه الله برحمته بإعطاء الذبح ليذبح فداء له فوقع ما رآه بعينه ، ولم تكن رؤياه وهما وخيالا حاشا منصب الخلة عن مثل هذا الخطأ والله ولي التوفيق.
والعجب من هذا الفاضل بل من كل معترض علي الشيخ رضي الله عنه في مثل هذا الكتاب، فإن ما ذكره الشيخ من مفتتح الكتاب من مبشرة أريها .
وإن ما أورده في هذا الكتاب ما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان إن كان مسلما عنده .
فلا مجال للاعتراض فإن ذلك يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يكن مسلما عنده بل أعتقد أن ذلك افتراء وكذب أو سهو وخطأ .
فالاعتراض عليه ذاك لا هذا وكيف لا يسلم ذلك من اطلع على أحواله ومقاماته و مكاشفاته مما أدرجه في هذا الكتاب وسائر مصنفاته .
فالتجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة .
(والتجلي الصوري في حضرة الخيال) المعبد (يحتاج إلى علم آخر) يسمى علم التعبير (يدرك به ما أراد الله تعالی بتلك الصورة) الظاهرة في حضرة الخيال بادائه، وهو معرفة المناسبات التي بين الصور ومعانيها.
ومعرفة مرآة النفوس التي تظهر تلك الصور في خيالاتهم، ومعرفة الأزمنة والأمكنة و غيرها مما له مدخل في التعبير، فإنه قد ينقلب حكم الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب بل بالنسبة إلى شخص واحد في زمانین و مكانین .
وبكمال هذه المعرفة ونقصانها يتفاوت حال المعبرين في الإصابة والخطأ في التعبير.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 4 أغسطس 2019 - 17:57 عدل 2 مرات

الفقرة السادسة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة السادسة: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم.)
العبارة واضحة
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى كيف قال رسول الله عليه السلام لأبي بكر رضي الله عنه في تعبيره الرؤيا أصبت بعضا وأخطأت بعضا فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فيه فلم يفعل عليه السلام)
حكاية الرؤيا مذكورة في كتب الأحاديث
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
وأما الرؤيا التي عبرها أبو بكر ، رضي الله عنه، فهي أن رجلا قص رؤيا على النبي ، صلى الله عليه وسلم، وهي أنه رأى ظلة تنطف سمنا وعسلا.
فقال أبو بكر ، رضي الله عنه: یا رسول الله، دعني أعبرها له، فأذن له، عليه السلام.
فقال أبو بكر: الظلة كتاب الله والسمن والعسل، الأحكام والحكم الذي يستفاد منه أو ما هذا معناه.
فقال: يا رسول الله هل أصبت؟
فقال عليه السلام: أصبت بعضا وأخطأت بعضا، فأقسم علي النبي عليه السلام، ليعلمه بما فيه أصاب وبما فيه أخطاء.
والشيخ، رضي الله عنه، أورد هذا شاهدا على احتياج الرؤيا إلى التعبير.
قال وسماه الحق تعالی فداء لأن من المرائي ما يرى على صورة ما رأه بعينه فحمله الحق تعالى على ذلك الحكم مراعاة لظن ابراهیم، عليه السلام، وإلا فقد رأى الذبح وظهر على ظاهر ما رآه من غير تعبیر.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
قال العبد : حضرة المثال وحضرة الخيال حضرة تجسّد المعاني والحقائق والأرواح والأنفس وحقائق الصور والأشكال والهيئات الاجتماعية ، فمن رأى صورة أو شكلا أو هيئة ولم يعبّرها ولم يؤولها إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الشكل أو الصورة والهيئة التي رأى في الرؤيا ، فقد صدّق الرؤيا ، ومن عبّرها صدق في الرؤيا حيث أعطى الحضرة حقّها فعبّرها ، فلو عبّر إبراهيم رؤياه صدق أنّ الذبح هو الكبش ولم يكذب الذبح الواقع بابنه ، ولكن كان كبشا ظهر في صورة ابنه ، فصدّقها ، فأراد إيقاع الذبح بابنه فما صدق ، أي لم يقع ، وسنذكر سبب ذلك .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
حديث متفق عليه
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى كيف قال رسول الله، عليه السلام، لأبي بكر في تعبيره الرؤيا:
(أصبت بعضا وأخطأت بعضا). فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ.
فلم يفعل، صلى الله عليه وسلم).
إستشهاد ودليل على أن التجلي الصوري الخيالي يحتاج إلى علم يدرك به المراد من تلك الصورة المرئية.
نقل صاحب شرح السنة، أنار الله مضجعه، عن ابن عباس قال: (كان أبو هريرة يحدث أن رجلا أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت ظلة، تنطف منها السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون في أيديهم في المستكثر والمستقل.
وأرى سببا وأصلا من السماء إلى الأرض، فأراك يارسول الله أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل اخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وصل له فعلا. فقال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، لتدعني فلأعبرها.
فقال: عبرها.
فقال: أما الظلة، فظلة الإسلام. وأما ما ينطف من السمن والعسل، فهو القرآن - لينة وحلاوة. وأما المستكثر والمستقل، فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه.
وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض، فهو الحق الذي أنت عليه تأخذ به، فيعليك الله، ثم يأخذ به بعدك رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر بعده فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر بعده فينقطع به، ثم يوصل له، فيعلو. أيرسول الله لتحدثني، أصبت أم أخطأت؟
فقال النبي، عليه السلام: أصبت بعضا، وأخطأت بعضا.
قال: أقسمت بأبي أنت وأمي، يا رسول الله، لتحدثني ما الذي أخطأت؟
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: لا تقسم). هذا حديث متفق على صحته.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
(ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر) مع رسوخه في معرفة الحقائق (في تعبيره الرؤيا)، وهو ما روي: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال: إني رأيت ظلة ينطف منها السمن والعسل، وأرى الناس يتكففون في أيديهم فالمستكثر والمستقل، وأرى سبا وأهلا من السماء إلى الأرض، فأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل اخر فعلا، ثم اخذ به رجل اخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل له فعلا، فقال ابو بكر: أي رسول الله بأبي أنت وأمي - والله لتدعني فأعبرها.
فقال: اعبرها، فقال: أما الظلة؛ فظلة الإسلام، وأما ما ينطف من السمن والعسل؛ فهو القرآن لينه وحلاوته، وأما المستكثر والمستقل؛ فهو المستكثر من القرآن، والمستقل منه.
وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه نأخذ به، فيعليك الله، ثم يأخذ به بعدك رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر بعده فيعلو به، ثم يأخذ به رجل أخر بعده فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به.
أي رسول الله لتحدثني أصبت أم أخطأت؟.
فقال : "أصبت بعضا، وأخطأت بعضا"، فقال: أقسمت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لتحدثني ما الذي أصبت، وما الذي أخطأت، فقال عليه السلام: «لا تقسم»، متفق عليه .
وإليه الإشارة بقوله: (فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه، وما اخطأ فلم يفعل ) إشعارا بأن الجهل بذلك لا يضر الكامل إذا رسخ في معرفة الحقائق، وبأن تعرف مثله بالاجتهاد أولى، إذ بذلك يحصل له ملكة في معرفة تأويلات سائر الصور الخيالية، والذي يلوح لخاطري الفاتر أن أبا بكر أخطأ في تفسير الظلة بالإسلام مع أنها ينطف منها القرآن، والقرآن لا ينطف من الإسلام، بل من الحضرة الإلهية، فالأولى تفسيرها بها.
فهو إشارة بأننا تحت ظلة الحضرة الإلهية التي ينطف منها القرآن، وأخطأ أيضا في تفسير السبب بأنه الدين الحق، إذ لم يحصل الانقطاع لعثمان فله قط في أمر دينه بل في خلافته.
فالأولى تفسيرها بالخلافة وقعت فيها الفترة في أمر عثمان، ثم وصلت بعلي له فعلا بذلك أمر عثمان إذ قام علي مقامه، وكأنه باق على حاله.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء 2 يوليو 2019 - 6:52 عدل 1 مرات

الفقرة السادسة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
تعبير أبي بكر لرؤيا الرجل
( ألا ترى كيف قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي بكر في تعبيره الرؤيا : « أصبت بعضا ، وأخطأت بعضا » . فسأله أبو بكر أن يعرّفه ما أصاب فيه وما أخطأ ، فلم يفعل صلَّى الله عليه وسلَّم ) ، فإنّه قد روي بالأسانيد الصحيحة أنّ رجلا أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال : « إنّي رأيت ظلَّة ينطف منها السمن والعسل ، وأرى الناس يتكففون في أيديهم ، فالمستكثر والمستقلّ ، وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك - يا رسول الله - أخذت به فعلوت ، ثمّ أخذ به رجل فعلا ، ثمّ أخذ به رجل آخر فعلا ، ثمّ أخذ به رجل آخر فانقطع به ثمّ وصل له فعلا " . البخاري و مسلم و أحمد و الترمذي.
فقال أبو بكر : أي رسول الله - بأبي أنت - والله لتدعني فلاعبّرها ؟
فقال : « اعبرها » .
فقال : « أمّا الظلَّة : فظلَّة الإسلام . وأمّا ما ينطف من السمن والعسل :
فهو القرآن - لينه وحلاوته - وأمّا المستكثر والمستقلّ : فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه . وأمّا السبب الواصل من السماء إلى الأرض : فهو الحقّ الذي أنت عليه ، تأخذ به فيعليك الله ، ثمّ يأخذ به بعدك رجل آخر فيعلو به ، ثمّ يأخذ به رجل آخر بعده فيعلو به ، ثمّ يأخذ به رجل آخر فيقطع به ، ثمّ يوصل له فيعلو . أي - رسول الله - لتحدّثني أصبت ، أم أخطأت ؟».
فقال : « أصبت بعضا وأخطأت بعضا » .
قال : « أقسمت - بأبي أنت يا رسول الله - لتحدّثني ما الذي أخطأت » ؟
فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : « لا تقسم » - قطعا لمادة توقّعه فإنّه من الخصائص التي لا دخل لأحد فيها .
تأويل تلك الرؤيا والذي باح لسان الوقت بالإفصاح عنه في تأويله: أنّ السبب الواصل هو الرابطة الموصلة للعبد، أعني التزام التمسّك بعروة العبادة.
وأمّا الرجال الأربعة الواصلون : فهم الخاتمان بوارثيهما ، فإنّ وارث خاتم الولاية عقود عرى العبادة منه واهية ، ينقطع كثيرا ، ولكن يوصله ،على ما صرّح به صاحب المحبوب .
وممّا يدلّ على أنّهم هم الأربعة، قوله تعالى: " إِنَّ الله اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ " [ 3 / 33 ] .
ولكن إنّما يفهم ذلك بعد الوقوف على لسان أهله .
ثمّ إنّه ظهر من هذا أنّ ممّا أخطأ فيه المؤوّل هو إبقاؤه الرجل على صورته المرئيّة ، وما عبّرها من الشخص الصوريّ الكوني الكامل من بني نوعه ، إلى الشخص الكماليّ الوجوديّ الكامل منهم فإنّه هو الرجل حقيقة على ما عرفت
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل) . صلى الله عليه وسلم. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» فسأله أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل. وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه:
«أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» [الصافات : 105] )
(ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبير الرؤيا: أصبت بعضا وأخطأت بعضا فسأله)، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم و (أبو بكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل ) صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان أبو هريرة يحدث أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت ظلة ينطف منها السمن والعسل فأرى الناس يتكففون في أيديهم فالمستكثر والمستقل وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت،ثم أخذ به رجل من بعد فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل له فعلا .
فقال أبو بكر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي لتدعني فأعبرها ، فقال : أعبرها؟
فقال : أما الظلة فظلة الإسلام وأما ما ينطن من السمن والعسل فهو القرآن لينة وحلاوته .
وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض، فهو الحق الذي أنت به تأخذ به فيعليك الله تعالى ثم يأخذ به بعد رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر بعده فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر بعده فينقطع به ثم يوصل له فيعلو.
أي رسول الله لا تحدثني أصبت أم أخطأت فقال النبي :
أصبت بعضا وأخطأت بعضا.
فقال : أقسمت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقسم. " هذا حديث متفق على صحته
وقال الله لإبراهيم عليه السلام حين ناده " أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " [الصافات : 104 - 105]. أي جعلت ظاهرها مطابقا للواقع بالاقدام على مقدماته.
.
عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الثلاثاء 2 يوليو 2019 - 6:55 عدل 1 مرات

الفقرة السابعة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة السابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم) الخليل عليه السلام (حين ناداه)، كما قال تعالى : وأن "أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا" [الصافات: 104- 105].
أي اعتقدت أن ما أظهرته لك رؤياك المنامية الخيالية صدق مطابق لما أردناه منك من ذبح الكبش تقربا إلينا (وما قال له) يا إبراهيم (قد صدقت)، أي كنت صادقا (في الرؤيا أنه)، أي المرئي لك معروضة على الذبح (ابنك)، لأن الأنبياء عليهم السلام صادقون في جميع أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم.
والله تعالی مصدق لهم سبحانه وتعالى بقوله المنزل عليهم وبفعله الخارق للعادة على أيديهم.
وقوله تعالى: "قد صدقت الرؤيا" إخبار بتصديق الرؤيا، أو أنه بحذف حرف الاستفهام والتقدير : أصدقت الرؤيا المنامية من عالم الخيال، وهو عالم المثال تضرب فيه الأمثال للنائم فيرى فيه الشيء على خلاف ما هو عليه من الأوصاف الأدنى مناسبة .
فلا بد فيه من التعبير أي العبور من صورة ما رأى إلى غيره ليفهم الأمر على ما هو عليه ، فكانت الرؤيا التي كذبت باعتبار ما ظهر له منها وهو صدقها، وهم وسعى في تنفيذ ما كذبت به الرؤيا عليه .
فنبهه الله تعالى بذلك على عدم تصديق الرؤيا المنامية فيما يأتي من ظواهر الأمثال،
وأرشده سبحانه في ضمن ذلك إلى التعبير والتأويل في رؤياه، وأن لا يحمل الرؤيا على ظاهرها (لأنه)، أي إبراهيم عليه السلام (ما قبرها)، أي أولها وعبر من ظاهرها إلى باطنها (بل أخذ بظاهر ما رأى) في منامه.
لأن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي من الله لهم والله تعالی پرشدهم إلى تعبير ما رأوا تأويله، وإنما حمل إبراهيم عليه السلام على عدم التعبير والتأويل في رؤياه
علمه بأن الرؤيا على قسمين :
قسم محتاج إلى التعبير، لأنه مثال مضروب للإشارة إلى أمر آخر
وقسم غير محتاج إلى التعبير.
لأنه واقع على طبق ما يرى كما قالت عائشة رضي الله عنها :
أول ما بدئ به النبي عليه السلام من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا - جاءت مثل فلق الصبح ، أي مطابقة لعين ما رأي.
فظن إبراهيم عليه السلام أن رؤياه تلك من القسم الثاني غير محتاجة إلى التعبير وأخذ بالاحتياط إلى أمر ربه لعل الأمر أن يكون كذلك .
حتى أوحى الله تعالى إليه في يقظته بما كشف له به عن وحيه في منامه فكان وحي اليقظة من تمام وحي المنام ومن جملة بيانه.
كما أوحى الله تعالى لنبينا عليه السلام في ليلة المعراج بأمر الصلوات الخمس خصوصا على قول من قال: إن المعراج كان رؤيا منام كما قال بعضهم ذلك في قوله تعالى: "وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس" [الإسراء: 60] الآية.
إنها رؤيا المعراج فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى إليه في اليقظة صبيحة ليلة المعراج بإرسال جبرئیل علیه السلام.
فبين له كيفية الصلوات الخمس، فصلی به إماما في يومين بإزاء باب الكعبة تكمیلا لوحي ليلة المعراج وتتميما له وشرحا وبيانا.
فكأنه تعبير ما رأى في منامه إن كان المعراج منامة كما تشير إليه الآية المذكورة وغيرها من الأحاديث أيضا وهو مذكور في محله (و) لا شك أن (الرؤيا) في الغالب (تطلب)، أي تقتضي (التعبير) وهو المتبادر من كل رؤيا منامية، لأنها في عالم الخيال لا في عالم الحس.
وأما الرؤيا التي لا تحتاج إلى التعبير فهو أمر نادر الوقوع خارج عن مقتضى الرؤيا المنامية، والنادر لا حكم له يكون مطردة بحيث يعتبر.
(ولذلك)، أي . لأجل كون الرؤيا تطلب التعبير (قال العزيز)، أي عزیز مصر في قصة يوسف عليه السلام لما رأى "سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات ځضر وأخرى یابسات".
فقال: " يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون" [يوسف: 43].
أي تؤولون وتفسرون (ومعنى التعبير) للرؤيا من العبور وهو (الجواز) أي المجاوزة (من صورة ما رآه) النائم في منامه (إلى أمر آخر) غير ما له تلك الصورة.
(فكانت البقر) التي رآها العزيز (سنین) جمع سنة، أي أعوام (في المحل)، أي القحط وهي البقر العجاف، أي الضعاف المهزولات (و) في (الخصب) بالكسر : الرخاء، وهي البقر السمان.
وذلك في تعبير يوسف عليه السلام لها بذلك حيث "قال تزرعون سبع سنين" [يوسف : 47] الآيات.
(فلو صدق) إبراهيم عليه السلام (في الرؤيا) التي رآها بأن كانت رؤياه صادقة من حيث ظاهر ما رأي وهو ذبح ابنه، وإلا فإن إبراهيم عليه السلام صادق في وقوع تلك الرؤيا منه بلا شبهة لاستحالة الكذب على الأنبياء عليهم السلام (لذبح ابنه)، على طبق ما رأى في منامه .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه "وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا") [الصافات : 105].
أي قد جعلت رؤياك صادقة في الحس باعتقادك ومباشرتك بحسب اعتقادك وليس المراد برؤياك ما أخذته بل المراد غير ذلك ولم تطلع على ما هو المراد من رؤياك.
دع نفسك عن ذبح ولدك فإنك قد ذهبت إلى غير سبيل رؤياك بأن كنت مصدقا للرؤيا بقصد ذبح ولدك وما كان في علمي أن تذبح ولدك فإني قد حرمت ذبح الإنسان وليس لك ذبح في علمي إلا الكبش الذي رأيته في صورة ولدك .
ولو صبر إبراهيم عليه السلام وطلب علم ما رآه من الله لنزل الكبش إليه البتة إذ هو المعجزة المخصوصة المقدرة في العلم الأزلي .
فكان المراد من الرؤيا عند الله غير ابنه ولو كان المراد هو ابنه لقال حين ناداه : " ونادناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " بالتخفيف في الرؤيا أنه ابنك (وما قال له صدقت) بالتخفيف (في الرؤيا أنه ابنك) .
ولما لم يقل ذلك بل قال له : صدقت الرؤيا علمنا أن ما رآه ليس ابنه وأن الفداء فداء عن ذهن إبراهيم عليه السلام و إنما قال : "قد صدقت الرؤيا" .
(لأنه ما عبرها بل أخذ بظاهر ما رأى و الرؤيا) أي رؤياه هذه فاللام للعهد إذ ما كل الرؤيا يدخل فيه التعبير لذلك قال في حق رؤياه هذه قد صدقت فإنه يدخل فيها التعبير ولو لم يطلب رؤياه التعبير لما قال ذلك.
أو المراد الجنس اي والحال أن جنس الرؤيا وهو أنسب لقوله : (تطلب التعبير ولذلك) أي لأجل طلب الرؤيا التعبير (قال العزيز إن كنتم للرؤيا تعبرون) لعلمه أن رؤياه تطلب التعبير (ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر) الذي هو المراد الصورة المرئية .
(فكانت البقر سنين في المحل والخصب) أي المراد من صورة البقر العجاف سنين القحط ومن البقر السمان سنين السعة فإذا كان رؤياه تطلبه التعبير لم يصدق إبراهيم عليه السلام في الرؤيا ولو لم تطلب الرؤيا التعبير لصدق إبراهيم عليه السلام (فلو صدق) إبراهيم عليه السلام (في الرؤيا لذبح ابنه) لأن فعل الذبح وهو قطع عنق ولد بالسكين واقع عن إبراهيم عليه السلام في الرؤيا يدل على ذلك ظاهر الآية : " أني أرى في المنام أني أذبحك" .
ولو لم ير صدور هذا الفعل منه في المنام لما هم وقصد القطع حتى غضب ورمى السكين فإنما يكون إبراهيم عليه السلام صادقا في الرؤيا لو وقع هذا الفعل بعينه عنه في الحس فلم يقع .
إذ ما يصدر عن الأنبياء ما لا يرضي الله تعالی عنه ولا يتعلق إدارته خصوصا من الكبائر فلم يصدق (إنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده) وليس ذلك عين ولده ولم يصدق.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
والشيخ، رضي الله عنه، أورد هذا شاهدا على احتياج الرؤيا إلى التعبير.
قال وسماه الحق تعالی فداء لأن من المرائي ما يرى على صورة ما رأه بعينه فحمله الحق تعالى على ذلك الحكم مراعاة لظن ابراهیم، عليه السلام، وإلا فقد رأى الذبح وظهر على ظاهر ما رآه من غير تعبیر.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
فلو صدق في الرؤيا ، لذبح ابنه ، وإنّما صدّق الرؤيا في أنّ ذلك عين ولده ، وما كان عند الله إلَّا الذبح العظيم في صورة ولده ، ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السّلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ، فصوّر الحسّ الذبح ، وصوّر الخيال ابن إبراهيم عليه السّلام .
يعني : أنّ إبراهيم لمّا صدق في حقيقة إيمانه بالله وإسلامه له ، عوّده الله بتجسيد الوحي والأمور له على صورة ما كان يرى في منامه ، فكان عليه السّلام يرى رؤيا غير هذا المشهد ، فيقع في الحسّ رؤياه على صورة ما كان يرى عليه السّلام من غير تعبير يحوج إلى تفسير وتأويل وتعبير ، فصدّق بحكم ما اعتاد هذه الرؤيا أيضا على صورة ما رأى من غير تعبير ، وكان الله قد ابتلاه في ذلك بلاء حسنا ، أي اختبره ، بمعنى أعطاه الخبرة ، فإنّ الله كان خبيرا خبرة مبيّنة ، جلية الأمر ومبيّنة عن كشفه مقتضى الوهم والخيال بالفكر .
فلمّا ظهر صدق إيمانه وصدقه في إسلامه وإسلام ابنه في تصديق رؤيا أظهرها الله له ، وأبان صدق ما رأى ، ففداه بذبح عظيم ، فعلم إبراهيم عليه السّلام أنّ الذي رآه في نومه على صورة ابنه كان الذبح العظيم لا ابنه ، لأنّه ذبح ما رأى في المنام ، فلمّا كذب صورة الذبح الذي رآه ، فلم يقدر على ذبح ابنه ، حقّق الله له صورة الذبح ، وصدّق إبراهيم ففداه بالذبح العظيم ، ووقع به صورة الذبح ، فعلم عليه السّلام عند ذلك أنّ ما رأى كان كبشا في صورة ابنه ، لمناسبة ذكرنا ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه : " فلو رأى الكبش في الخيال ، لعبّره بابنه أو بأمر آخر " .
يعني رضي الله عنه : كما عبّر الحق له رؤياه بما فداه بالذبح ، فكذلك لو رأى أمرا في صورة الذبح ، لعبّره بذلك الأمر وهو إسلامه أو بابنه أنّه صورة إسلامه ، لكون الولد سرّ أبيه .
قال : « ثم قال : " إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " آيه 37 سورة الصافات . أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
لأنّه يعلم أنّ موطن الرؤيا يطلب التعبير ، ففعل ، فما وفّى الموطن حقّه ، وصدّق الرؤيا لهذا السبب .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقال الله تعالى - لإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ناداه :" أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا " وما قال له : قد صدقت في لرؤيا إنه ابنك ، لأنه ما عبرها ) .
فلو صدق في رؤيا ما رأى لما كان عند الله إلا إسحاق ولذبحه ، فلم يصدق فيها بالتعبير كما هو عند الله.
قال الشيخ رضي الله عنه : (بل أخذ بظاهر ما رأى والرؤيا تطلب التعبير ، ولذلك قال العزيز: " إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ ". ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر ، فكانت البقر سنين في المحل والخصب ، فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه ) ولكان عند الله كذلك .
"" إضفة بالي زادة : ( قد صدقت الرؤيا ) أي قد جعلت رؤياك صادقة في الحس باعتقادك ومباشرتك بحسب اعتقادك ، وليس المراد برؤياك ما أخذته بل المراد غير ذلك ، ولم تطلع على ما هو المرد ، دع نفسك عن ذبح ولدك فإنك قد ذهبت إلى غير سبيل رؤياك بتصديقك الرؤيا ، وما كان في علمي أن تذبح ولدك ، فإني قد حرمت ذبح الإنسان ، وليس لك في علمي إلا الكبش الذي رأيته في صورة ولدك ، ولو صبر إبراهيم وطلب علم ما رآه من الله لنزل الكبش إليه البتة إذ هو المعجزة المقدرة في العلم الأزلي ، ولو كان المراد ابنه لقال حين ناداه - أَنْ يا إِبْراهِيمُ : " قد صدقت " بالتخفيف في الرؤيا أنه ابنك ( وما قال له قد صدقت ) إلخ فكان الفداء فداء عن ذهن إبراهيم ، فإذا كانت رؤياه تطلب التعبير لم يصدق إبراهيم في الرؤيا ، ولو لم تطلب الرؤيا التعبير لصدق ، فكما أن ما كان عند الله إلا الذبح العظيم ، كذلك ما كان عند الله إلا تصديق الرؤيا عن إبراهيم ، وما فعل الأنبياء إلا ما عند الله اهـ. ""
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
(وقال الله تعالى لإبراهيم، عليه السلام، حين ناداه: (أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا).)
أي، جعلت ما رأيت في منامك صادقا. (وما قال له: صدقت في الرؤيا أنه ابنك). صدقت بالتخفيف.
أي، ما جعل الله مصدقا في رؤياه أن المرئي ابنه (لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير.)
لأن المعاني تظهر في الصور الحسية متنزلة على المرتبة الخيالية.
(ولذلك قال العزيز: (إن كنتم للرؤيا تعبرون). ومعنى (التعبير) الجواز منصورة ما رآه إلى أمر آخر) وهو المعنى والمراد بها.
(وكانت البقر سنين في المحل والخصب).
أي، المراد من صورة البقر العجاف، كان سنين في القحط والغلا، ومن صورة البقر السمان، سنين في الخصب والسعة.
(فلو صدق في الرؤيا، لذبح ابنه) لأنه رأى أنه كان يذبحه.
(وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده) بأن قصد ذبحه.
(وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده) أي، وما كان مراد الله إلا الذبح العظيم الذي جعله الله فداء.
.
يتبع
الفقرة السابعة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
وألا ترى كيف (قال الله تعالى لإبراهيم) مع رسوخه في معرفة الحقائق أكبر من معرفة رسوخ أبي بكر وغيره (حين ناداه:" أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا" [الصافات: 105] أي: جعلتها صادقة على الإطلاق مع أن ظاهرها ليس كذلك، وإن كانت رؤيا الأنبياء صادقة، إما في الظاهر أو في التأويل.
(وما قال له): صدقت في الرؤيا بحيث تطابق رؤياك الواقع من كل وجه، فلم يساعده في هذا الموضع، وإن ساعده في جعل الكبش فداء لابنه؛ لأن المساعدة فيما هو جهل محض تجهيل لا يليق بالحق تعالى.
إذ لو كان وهم إبراهيم علما لقال له: (صدقت في الرؤيا إنه ابنك)، وإنما قال له: ( قد صدقت الرؤيا ) "أي: حققت ما أمرناك به في المنام ، من تسليم الولد للذبح ، وبالعزم والإتيان بالمقدمات." مع أنها ما صدقت بحسب الظاهر (لأنه ما عبرها)؛ لأن التعبير تكذيب للظاهر، وإن كان صادقا في التأويل، وهو ما عبرها (بل أخذ بظاهر ما رأى والرؤيا) أي: ورؤياه (تطلب التعبير) أي: ولطلب الرؤيا التعبير بحيث يعرفه أكثر العقلاء، وإن التبس على إبراهيم التي في رؤياه هذه لبعد المناسبة.
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولذلك قال العزيز "إن كنتم للرؤيا تعبرون"[يوسف: 43] . ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه.)
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
معنى التعبير
( وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السّلام حين ناداه " أَنْ يا إِبْراهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا " ) [ 37 / 105 ] ، أي أخذت صورتها المرئيّة مطابقة للواقع .
( وما قال له : « صدقت في الرؤيا أنّه ابنك » ) أي وفّيت حقّها من قولهم : « صدق في القتال » إذا وفّى حقّه وفعل على ما يجب ، وعليه قوله تعالى: "رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله ".
أي حقّقوا العهد بما أظهروه من أفعالهم - وما وفّى حقّ الرؤيا ( لأنّه ما عبرها بل أخذ بظاهر ما رأى والرؤيا يطلب التعبير ، ولذلك قال العزيز : "إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ" ) [ 12 / 43 ] .
( ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر ) هو منتهى ما قصد من الصورة - تقول : « عبرت الرؤيا » : إذا ذكرت آخرها وعاقبة أمرها .
كما تقول :"عبرت النهر" إذا قطعته حتّى تبلغ آخر عرضه وهو عبره ونحوه : " أوّلت الرؤيا " إذا ذكرت مآلها .
رؤيا ملك مصر وتعبير يوسف عليه السّلام لها
وقد ورد في الآثار إنّه لمّا دنى فرج يوسف رأى ملك مصر - الريّان بن الوليد - رؤيا عجيبة هالت : رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر مالس ، وسبع بقرات عجاف ، فابتلعت العجاف السمان ، ورأى سبع سنبلات خضر ، قد انعقد حبّها ، وسبعا أخر يابسات ، قد استحصدت وأدركت ، فالتوت اليابسات على الخضر حتّى غلبن عليها فاستعبرها ، فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها ، حتى استعبر يوسف فأوّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب ، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة .
( فكانت البقر ) في تأويل يوسف ( سنين في المحل والخضب ) وبيانه أنّ البقر في جنس الحيوانات هو المخصوص بالجعامة وتناول ساير النباتات حلوها ومرّها وشرب المياه كلَّها صافيها وكدرها .
كما أن السنة هي التي تسع الأمور كلَّها مرغوبها ومكروهها .
وتأتي بالحوادث حسنها وسيّئها وأيضا المعتبر في أمر التعبير هو عبارة الرائي كما لا يخفى على الفطن الخبير .
وقد عبّر الملك عن رؤياه بـ « بقرات » و « سنبلات » ، فاستشعر يوسف
من الأوّل بالاشتقاق الكبير على ما هو المعوّل عليه عند الأكابر « آتي قريب »
ومن الثاني « سنة بلاء » ثمّ إنّ البلاء مشترك بين الخير والشرّ ، و « الخضر » فيه حرفان من الخير ، مع ظهور ضاد « الضوء » بها ، و « اليابس » هو « البايس » وهذا إنّما يفهمه من له ذوق إدراك التلويحات .
معنى تصديق إبراهيم عليه السّلام الرؤيا مع عدم ذبح الولد
ثمّ إنّ إبراهيم ما صدّق في هذه الرؤيا ، لأنّ الصورة المرئيّة مأولة بالكبش وهو الذي ذبح .
( فلو صدّق في الرؤيا لذبح ابنه.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين ناداه: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون». ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، ).
قال الشيخ رضي الله عنه : (وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير. ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرؤيا تعبرون».
ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر. فكانت البقر سنين في المحل والخصب. (فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه،)
(وما قال) الله تعالی (له) أي لإبراهيم عليه السلام (قد صدقت في الرؤيا) بالتخفيف، أي ما قال له : صدقت في رؤياك حيث حكمت (أنه)، أي المرئي فيها هو (ابنك) حقيقة (لأنه ما عبرها) بالتخفيف أو التشديد (بل أخذ بظاهر ما رأى)، أي من غير تعبير (والرؤيا تطلب التعبير) في أكثر الصور .
فلا ينبغي أن تحمل على ظهرها على سبيل القطع (ولذلك)، أي اطلب الرؤيا بالتعبير (قال العزيز : إن كنتم للرؤيا تعبرون ومعنى التعبير)، بل معنی العبور اللازم له (الجواز من صورة ما رأى إلى أمر آخر) هو المراد بها.
(فكانت البقر) العجاف التي راها العزيز في منامه (سنين في المحل)، أي القحط (و) الغلاء والبقر السمان سنين (في الخصب)، أي السعة (فلو صدق في الرؤيا)، أي لو كان إبراهيم عليه السلام صادقا فيما حكم به أن المرئي في رؤياه ابنه (لذبح ابنه) لأنه رأى أنه كان يذبحه .
(وإنما صدق الرؤيا) ، أي جعلها صادقة (في أن ذلك المرئي عين ولده) فتصدى لذبحه (وما كان) ذلك المرئي (عند الله إلا الذبح العظيم) متمثلا (في صورة ولده ففداه)، أي الحق سبحانه فدى ولده بالذبح العظيم.
.
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الأربعاء 1 مايو 2019 - 8:36 عدل 1 مرات

الفقرة الثامنة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثامنة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
قال الشيخ رضي الله عنه : "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. "
قال الشيخ رضي الله عنه : (وإنما صدق) بالتشديد، أي اعتقد الصدق (في الرؤيا) فأخذ بظاهرها (في أن ذلك) الذبح (عين ولده)، بحسب ما رآه كذلك في رؤياه (وما كان) ذلك الذبيح في
حقيقة الأمر عند الله تعالى (إلا الذبح)، أي الكبش (العظيم) ظهر له في مقام العظمة ففي عالم المنام (في صورة ولده).
فالصورة آدمية وهي صورة ولد إبراهيم عليه السلام والماهية كبش عظیم نزل به جبرائیل علیه السلام من الجنة ، وليس هو من غنم الدنيا ولهذا كان عظيما.
فهو من قبيل ظهور جبرائیل علیه السلام لنبينا صلى الله عليه وسلم في صورة الأعرابي ، وصورة دحية الكلبي.
فظهر لإبراهيم عليه السلام في منامه بصورة ولده، وظهر له في يقظته بصورة الكبش النازل من الجنة وهو جبرائیل علیه السلام جاءه يعلم كيف يكشف الصورة المحسوسة عن الحقيقة المعقولة في النوم واليقظة، ويجرد بالذبح ما لا حقيقة له عما له حقيقة، ولهذا سماه الله تعالى بالذبح العظيم.
فـ اليقظة وحي كلها من الله تعالی بجبرائيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام في النوم وفي اليقظة.
(ففداه)، أي فدى الله تعالی ابن إبراهيم عليه السلام بالذبح العظيم بحسب الأمر الظاهر في صورة الخلق (لما)، أي لأجل ما (وقع في ذهن)، أي خاطر
(إبراهيم عليه السلام ما هو)، أي ليس هو (فداء في نفس الأمر عند الله تعالی)، لأنه إنما ذبح كبشا عظيما في منامه وفي يقظته فكشف صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر الواحد العظيم الظاهر في صورة الخلق فذبحه عين المحو ونداء الحق أخرج إبراهيم عليه السلام من الفرق إلى الجمع ومن السكر إلى الصحو واليقظة والمنام كلاهما التباس على حقيقة المطلوب ولهذا قال:
(فصور الحس) لإبراهيم عليه السلام وهو اليقظة (الذبح)، أي الكبش العظيم (وصور الخيال) وهو المنام (ابن إبراهيم) لإبراهيم عليه السلام.
(فلو رأى) إبراهيم عليه السلام (الكبش في الخيال)، أي في منامه ورأى أنه يذبحه (لعبره)، أي عبر رؤياه (بابنه أو بأمر آخر) ولم يكن يحمله على ظاهره لعدم وجود العظمة فيه بظهوره في صورة ابنه الآدمي المعصوم.
فإنه ذبح الكبش في المنام ليس بأمر عظيم مثل ذبح الابن في المنام، فلو رأى كبشا لعبره وأوله ولم يحمله على ظاهره.
لأنه إتلاف المال والمال ليس بعظيم عند الأنبياء عليهم السلام والله تعالی يعلم ذلك من الأنبياء، و إبراهيم عليه السلام يعلم ما يعلم الله منه من حقارة الدنيا عنده وعزة الدين في قلبه.
وفي ذبح ابنه إتلاف الدين لا إتلاف الدنيا لحرمته في الشرائع كلها، وقد ظن إبراهيم عليه السلام نسخ الحرمة في شريعته فقررها الله تعالی في شريعته أيضا بما وقع له من الفداء في اليقظة، ولهذا لم يعبر رؤياه .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
قال الشيخ رضي الله عنه : (إنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده) وليس ذلك عين ولده ولم يصدق في هذا التصديق لعدم مطابقته في نفس الأمر فإذا لم يصدق في تصدیقه لم يصدق في رؤياه كما بينا .
(وما كان عند الله إلا الذبح العظيم) الذي رآه (في صورة ولده) فكما أن ما كان عند الله إلا الذبح العظيم كذلك ما كان عند الله إلا تصديق الرؤيا عن إبراهيم عليه السلام في ذلك عين ولده وما فعل الأنبياء إلا ما هو عند الله.
(ففداه) الحق بالذبح العظيم (لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام) عن ذبح ولده (ما هو) أي ليس ذلك الذبح (فداء في نفس الأمر عند الله) بل هو فداء عند الله في ذهن إبراهيم عليه السلام للرؤيا صورتان :
صورة الذبح وهي بعينه الذبح الذي وقع في الحس في الكبش فكان المراد عين تلك الصورة لا غير إذ الحس لا يصور إلا عين الصورة فلا يطلب ما في الحس التعبير بخلاف الخيال فما كان المراد بالصورة الحسية إلا عين تلك الصورة (فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام) لذلك دخل التعبير إذ المراد من الصور الخيالية ما حصل من المعاني لا نفس تلك الصورة فظهر المعنى الكبشية في خيال إبراهيم عليه السلام في صورة ولده .
فحكم وهم إبراهيم عليه السلام أن المراد هو نفس الصورة فعمل بما حكم عليه وهمه .
فجاز ظهور المعاني في الخيال بما يطابق بصورها الحسية أو بغيرها فإذا جاز ظهور المعاني في الخيال بغير صورته الحية لم يظهر معنى الكبشية في خيال إبراهيم عليه السلام بصورته الكبشية لحكمة فلم ير صورة الكبش.
(فلو رأى الكبش في الخيال لعبرة) أي لوجب تعبير الكبش (بابنه أو بامر اخر) لأن هذه الرؤيا في حق إبراهيم عليه السلام ابتلاء واختيار هل يعلم ما في الرؤيا من التعبير أم لا وذلك لا يمكن إلا بالرؤيا التي تقتضي التعبير وبه يندفع ما في وهمك من أنه لم لا يجوز أن يرى الكبش في الخيال فوقع كما في بعض الواقعات فلا يقتضي التعبير.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
النص واضح
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
، وإنّما صدّق الرؤيا في أنّ ذلك عين ولده ، وما كان عند الله إلَّا الذبح العظيم في صورة ولده ، ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السّلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ، فصوّر الحسّ الذبح ، وصوّر الخيال ابن إبراهيم عليه السّلام .
يعني : أنّ إبراهيم لمّا صدق في حقيقة إيمانه بالله وإسلامه له ، عوّده الله بتجسيد الوحي والأمور له على صورة ما كان يرى في منامه ، فكان عليه السّلام يرى رؤيا غير هذا المشهد ، فيقع في الحسّ رؤياه على صورة ما كان يرى عليه السّلام من غير تعبير يحوج إلى تفسير وتأويل وتعبير ، فصدّق بحكم ما اعتاد هذه الرؤيا أيضا على صورة ما رأى من غير تعبير ، وكان الله قد ابتلاه في ذلك بلاء حسنا ، أي اختبره ، بمعنى أعطاه الخبرة ، فإنّ الله كان خبيرا خبرة مبيّنة ، جلية الأمر ومبيّنة عن كشفه مقتضى الوهم والخيال بالفكر .
فلمّا ظهر صدق إيمانه وصدقه في إسلامه وإسلام ابنه في تصديق رؤيا أظهرها الله له ، وأبان صدق ما رأى ، ففداه بذبح عظيم ، فعلم إبراهيم عليه السّلام أنّ الذي رآه في نومه على صورة ابنه كان الذبح العظيم لا ابنه ، لأنّه ذبح ما رأى في المنام ، فلمّا كذب صورة الذبح الذي رآه ، فلم يقدر على ذبح ابنه ، حقّق الله له صورة الذبح ، وصدّق إبراهيم ففداه بالذبح العظيم ، ووقع به صورة الذبح ، فعلم عليه السّلام عند ذلك أنّ ما رأى كان كبشا في صورة ابنه ، لمناسبة ذكرنا ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه : " فلو رأى الكبش في الخيال ، لعبّره بابنه أو بأمر آخر " .
يعني رضي الله عنه : كما عبّر الحق له رؤياه بما فداه بالذبح ، فكذلك لو رأى أمرا في صورة الذبح ، لعبّره بذلك الأمر وهو إسلامه أو بابنه أنّه صورة إسلامه ، لكون الولد سرّ أبيه .
قال : « ثم قال : " إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " آيه 37 سورة الصافات . أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
لأنّه يعلم أنّ موطن الرؤيا يطلب التعبير ، ففعل ، فما وفّى الموطن حقّه ، وصدّق الرؤيا لهذا السبب .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده ، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ، ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ) ما نفى ، أي لم يكن المذبح فداء لابنه في نفس الأمر عند الله ، بل في ذهن إبراهيم .
""إضفة بالي زادة : ( ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ) بل في ذهن إبراهيم ، فللرؤيا صورتان صورة الذبح وهو الفعل الحسي ، وصورة ولد إبراهيم وهي صورة المعاني ( فصورة الحس صورة الذبح ) وهو بعينه الذبح الذي وقع في الحس في الكبش ، فكان المراد عين تلك الصورة لا غير ، إذ الحس لا يصور إلا عين الصورة فلا يطلب ما في الحس التعبير بخلاف الخيال .أهـ ""
( فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ) وكان شيئا واحدا فأجراه إبراهيم على عادته في المنام والوحي ، وكان ابتلاء من الله ولابنه فصدقه ، فتحقق بذلك التصديق إسلامه وإسلام ابنه تصديقهما الرؤيا فأظهر الله جلية الأمر .
""إضفة بالي زادة : ( فصور الخيال ابن إبراهيم ) . لذلك دخل التعبير فظهرت المعنى الكبشية في خيال إبراهيم في صورة ولده فحكم وهم إبراهيم أن المراد هو نفس الصورة فعمل بما حكم عليه وهمه ، فجاز ظهور المعاني في الخيال بما تطابق بصورها الحسية أو بغيرها ، فإذا لم يظهر معنى الكبشية في خياله بصورته الكبشية فلم ير صورة الكبش . أهـ. ""
فعلم إبراهيم أن الذي رآه في صورة ابنه كان كبشا ، وأن مقتضى موطن الرؤيا هو التعبير ( فلو رأى الكبش في الخيال لعبر بابنه أو بأمر آخر ) أي على ما علمه الله لفداء من أن حق موطن الرؤيا هو التعبير ، كما لو رأى إسلامه لنفسه في صورة الذبح لعبره بالإسلام ، ثم قال : ( إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) . أي الاختبار الظاهر ، يعنى الاختبار في العلم .
""إضفة بالي زادة : قوله ( المبين أي الاختيار ) لعلمه عند ذبح الكبش ما كان لمراد في ذلك ، فكان قوله - إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ " - مثل قول يوسف - هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ من قَبْلُ " - فكانت هذه الآية مقدما في الذكر مؤخرا في الوقوع عن آية الفداء اهـ بالى . ""
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
(وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده) بأن قصد ذبحه.
(وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده) أي، وما كان مراد الله إلا الذبح العظيم الذي جعله الله فداء.
(ففداه) أي، الحق الذبح. (لما وقع في ذهن إبراهيم، عليه السلام) تعليل للفداء.
(ما هو فداء في نفس الأمر عند الله).
(ما) للنفي. أي، ليس ذلك الكبش فداء عنه في نفس الأمر، لأن الحق ما كان أمره بذبح ولده، ثم فداء عنه بالذبح، بل لأجل ما وقع في ذهن إبراهيم صورة ابنه، جعله الحق فداء في الظاهر. وقوله: (عند الله) عطف بيان (نفس الأمر.)
(فصور الحس الذبح) لأنه مراد الله منها. (وصور الخيال ابن إبراهيم، عليه السلام).
لأن المراد في الصور الخيالية ما يظهر بها من المعاني، لا نفس تلك الصور، لذلك قال: (فلو رأى الكبش في الخيال، لعبره بابنه أو بأمر آخر.) يكون مطلوبا من تلك الصورة.
.
يتبع
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الأربعاء 1 مايو 2019 - 8:37 عدل 1 مرات

الفقرة الثامنة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
قال الشيخ رضي الله : (وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر.)
"" أضاف المحقق : أخبر سبحانه أن هذا بلاء ظاهر أي: هذا بلاء في الظاهر ولكن لا يكون في الباطن بلاء؛ لأنه في الحقيقة بلوغ منازل المشاهدات، وشهود لأسرار حقائق المكاشفات، وهذه من عظائم القربات، وأصل البلاء ما يحجبك عن مشاهدة الحق لحظة، ولم يقع هذا البلاء بين الله وبين قلوب المصطادين بشبكات محبة القدم قط؛ فإن قلوبهم تحت غواشي أنوار سبحات وجهه فانية، وكيف يقع عليها البلاء وهي تفني في جمال الحق؟! إن كنت تريد بلائهم فإنه تعالی بلاؤهم، وذلك البلاء لا ينقطع عنهم أبدا، ويمنع هذا البلاء جميع البلاء عنهم.""
(قال العزيز) ملك مصر: فإن القائل: "إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات ځضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون " [يوسف: 43].
ثم استشعر سؤالا بأنه قال: تعبرون بالتخفيف، والتعبير الذي تحتاج إليه الرؤيا مصدر المشدد، فأجاب عنه بقوله: (ومعنى التعبير: الجواز) أي: العبور (من صورة ما رآه إلى أمر آخر) لعدم انضباط الخيال فيه حتى يأتي في كل مرة بما هو مثال تام للمرئي بل كثيرا ما يأتي بما يناسبه مناسبة بعيدة جدا.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
وإنّما صدّق الرؤيا في أنّ ذلك ) المرئي ( عين ولده ، وما كان عند الله إلَّا الذبح العظيم ) يعني الكبش ( في صورة ولده ) ، ) .
وذلك ليس فداء لإسحاق وصورته في الخارج ، ( ففداء لما وقع في ذهن إبراهيم ما هو فداء في نفس الأمر عند الله).
وذلك أنّ قهرمان منزلته الرفيعة وقربته القريبة لما اقتضى القربان ، وأظهر الله تلك الصورة من غيب قلبه وبطونه إلى مجالي مشاعره وقواه ، تيقّن بفداء ما هو الأعزّ عنده والأحبّ لديه .
( فصوّر الحسّ الذبح ، وصوّر الخيال ابن إبراهيم فلو رأى الكبش في الخيال لعبّره بابنه أو بأمر آخر ) يكون أعزّ عنده منه - كما سبق بيانه - .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( "وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر. ")
قال الشيخ رضي الله عنه : (وإنما صدق الرؤيا في أن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام: ما هو فداء في نفس الأمر عند الله. فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم عليه السلام. فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر.)
(وإنما صدق الرؤيا) ، أي جعلها صادقة (في أن ذلك المرئي عين ولده) فتصدى لذبحه (وما كان) ذلك المرئي (عند الله إلا الذبح العظيم) متمثلا (في صورة ولده ففداه)، أي الحق سبحانه فدى ولده بالذبح العظيم.
وإنما سماه فداء (لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام) من أن المرئي هو ابنه (ما هو)، أي ليس هو (فداء في نفس الأمر عند الله فصور الحس)، أي أدرك الحس (الذبح) بالكسر أي صورته المحسوسة حين ذبحه أو صور الحل.
أي حاسة البصر الذبح في الحس المشترك (وصور الخيال) قبل الذبح في المنام (ابن إبراهيم فلو رأي) إبراهيم (الكبش) بصورته ( في الخيال لعبر) الكبش غالبا (بابنه أو بأمر آخر) يكون مرادا بتلك الصورة .
""أي أن إبراهيم عليه السلام سيعبر الرؤيا بأن الكبش في الرؤيا فداء لابنه الذي كان يتمناه ويطلبه من الله فى دعائه ""
.

الفقرة التاسعة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة التاسعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟
لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
(ثم قال) تعالى لإبراهيم عليه السلام (إن هذا)، أي الأمر بذبح الابن ونسخ الحرمة في ذلك على حسب ظنه عليه السلام، ثم ظهور الأمر له بخلاف ذلك (لهو البلاء) أي الاختبار من الله تعالی له عليه السلام، لأن الأنبياء أشد الناس بلاء.
كما ورد في الحديث لنبينا .عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه قال : يا رسول الله من أشد الناس بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه فما يبرح بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» رواه ابن حبان في الصحيح.
(المبين) أي (الظاهر، بحيث لا خفاء فيه أصلا (يعني الاختبار)، أي طلب الخبرة من العبد المختبر (في العلم هل يعلم) ذلك العبد (ما يقتضيه)، أي يطلبه (موطن لرؤيا) المنامية وهو عالم الخيال (من التعبير)، أي التأويل وعدم الحمل على الظاهر (أم لا) يعلم ذلك وسبب هذا الاختبار.
(لأنه)، أي إبراهيم عليه السلام (يعلم أن موطن الخيال)، أي الموطن الذي هو الخيال وهو عالم المنام (يطلب التعبير) والتأويل في الغالب (فغفل) عليه السلام عن ذلك بسبب رؤياه الأمر العظيم وهو ذبح ولده لا ذبح كبش فاهتم بالقيام بما أمره به ربه مسارعا إلى إظهار ذلك ولم يؤوله ولم يصرفه عن ظاهره.
فكان نظير قوله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم :"ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما" [طه: 114].
وقوله تعالى: "لا تحرك به، لسانك لتعجل به" [القيامة : 16] الآية .
من أنه عليه السلام كان يبادر إلى التبليغ ويسارع إلى مرضاة ربه، فأمره الله تعالی بالتؤدة في ذلك والثاني في تلقي الوحي من الملك، وطلب الزيادة من العلم لا من العمل (فما وفی)، أي أعطى (الموطن) وهو عالم الخيال (حقه) بتعبير ما رأی اهتماما منه بأمر ربه ومسارعة إلى حصول مرضاته كما قال موسى عليه السلام: "وعجلت إليك رب لترضى" [طه: 84].
(وصدق) إبراهيم عليه السلام (الرؤيا) التي رآها (لهذا السبب) حيث لم يعبرها فعوتب على ذلك من الله تعالى (كما فعل تقي بن مخلد) رحمه الله تعالى (الإمام) الجليل (صاحب المسند) في الأحاديث، وقد وقفت على ترجمة مستقلة في جزء الطيف لا يحضرني الآن منها شيء يليق ذكرها هنا (سمع في الخبر)، أي الحديث (الذي ثبت عنده) يضبط رواته عن النبي صلى الله عليه وسلم .
(أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة») والتقدير مثل الذي رآني في اليقظة، ثم حذف حرف التشبيه على وجه المبالغة كقولك: زيد أسد، أي زید مثل الأسد.
(فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي) في منام ولا غيره «ومن رآني في النوم فقد رآني إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي، وقال إذا حلم أحدكم فلا نجد أحدا يتلعب الشيطان به في المنام» رواه مسلم.
فصورته صلى الله عليه وسلم محمية محفوظة عن عبث الشيطان بها لكمال استيلاء الحق تعالى عليها وإنكشافه لها وتجليه بها فهيبتها في قلب الشيطان مانعة من ذلك وإن كان لها عدوة مبينة عناية من الله تعالى ومزيد رفعة لشأن النبوة، وإلا فإن الشيطان يتمثل بكل صورة في اليقظة والمنام.
وكذلك جميع الأنبياء لا يتمثل بهم والأولياء والملائكة والآخرة وجميع ما فيها، لأن في ذلك نفعا لمن تمثل به له ليتذكر الآخرة، ويخشى ما فيها ، وهو لا يريد للإنسان خيرا
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم قال) إبراهيم عليه السلام: (أن هذا لهو البلاء المبين أي الاختبار المبين أی الظاهر) وإنما قال إبراهيم عليه السلام هذا القول لعلمه عند ذبح الكبش أن المراد بما في المنام من ذبح ولده هو هذا الكبش .
فكان قول إبراهيم عليه السلام أن هذا لهو البلاء المبين بمنزلة قول يوسف النبي عليه السلام هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعل جعلها ربي حقا .
فكان هذه الآية مقدمة في النظم مؤخرا في الوقوع عن آية الفداء (یعني الاختبار) أي اختبار الحق "سبحانه" لإبراهيم عليه السلام (في العلم) أي في علم الرؤيا.
(هل يعلم) إبراهيم عليه السلام (ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا لأنه) أي الحق (یعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير فغفل) إبراهيم عليه السلام عن طلب موطن الخيال التعبير فإذا غفل،(فما وفي الموطن حقه وصدق الرؤيا لهذا السبب) وهو الغفلة.
وإنما قال : فغفل إبراهيم عليه السلام ولم يقل فلم يعلم لأن إبراهيم عليه السلام يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير في بعض الرؤيا ولم يطلب في بعضها .
واعتمد على أن هذه الرؤيا من قبيل الثاني مع علمه أن عادة رؤيا الأنبياء لا يدخل التعبير فغفل لذلك ولم يعبر (كما غفل تقي بن مخلد الإمام) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة (صاحب المسند) كتاب في الحديث من تصنيفاته. " والصحيح أن اسمه بقي ابن مخلد ابن يزيد الأندلسي 201 - 276هـ المحدث الحافظ المفسر الفقيه " .
(سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه قال عليه السلام: من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي )رواه البخاري .
فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي عليه السلام في هذه الرؤيا لبنا (فصدق تقي بن مخلد رؤياه) في نومه عند اليقظة (فاستقاء) في اليقظة (فسقاه لبنا) ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب .
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
قوله: في البلاء المبين أنه الاختيار الظاهر وقد يكون معناه أنه الاختيار المظهر، فإن المبين هو المظهر وأما بقي بن مخلد فإن كان قد قاء لبنا فعندي أنه ما رأى إلا كشفا بصورة الرؤيا.
فإن بعض الناس يقع له الرؤيا في اليقظة وقد ورد ذلك كثيرا ومن جرب وقائع الخلوة رای من هذا كثيرا ثم إن بقي بن مخلد حصر الأمر في رؤيا النبي عليه السلام، بين أن يكون هو جسده، عليه السلام.
بعينه أو يكون الشيطان قد تمثل على صورته، عليه السلام، وليس الأمر محصورا فإنه قد لا تكون تلك الصورة صورة النبي عليه السلام، الجسمانية المدفونة بیثرب بل صورة أوجدها الله تعالى في خيال الرأي وأوقع في نفسه أنها صورته عليه السلام.
ولا تكون الصورة هي صورة ابلیس خصوصا إذا أمرت تلك الصورة بما يناسب شريعته، عليه السلام.
فإن الشيطان يستحيل منه أن يأمر بالشرع، لأنه مظهر الاسم المضل و مظاهر الاسم المضل لا يتمثل بمظاهر الاسم الهادي
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
قال : « ثم قال : " إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " آيه 37 سورة الصافات . أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
لأنّه يعلم أنّ موطن الرؤيا يطلب التعبير ، ففعل ، فما وفّى الموطن حقّه ، وصدّق الرؤيا لهذا السبب .
كما فعل تقيّ بن مخلَّد ، الإمام صاحب المسند ، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنّه عليه السّلام قال : « من رآني في المنام ، فقد رآني في اليقظة ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل على صورتي » فرآه تقيّ بن مخلَّد وسقاه النبيّ صلَّى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدّق تقيّ بن مخلَّد رؤياه ، فاستقى ، فقاء لبنا ، ولو عبّر رؤياه ، لكان ذلك اللبن علما ، فحرمه الله العلم الكثير على قدر ما شرب .
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن قال : « فشربته حتى خرج الرّيّ من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر . قيل : ما أوّلته يا رسول الله ؟
قال : « العلم » وما تركه لبنا على صورة ما رآه ، لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضي من التعبير" .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
، ثم قال : ( إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) . أي الاختبار الظاهر ، يعنى الاختبار في العلم .
""إضفة بالي زادة : قوله ( المبين أي الاختيار ) لعلمه عند ذبح الكبش ما كان لمراد في ذلك ، فكان قوله - إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ " - مثل قول يوسف - هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ من قَبْلُ " - فكانت هذه الآية مقدما في الذكر مؤخرا في الوقوع عن آية الفداء اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : (هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير فغفل ، فما وفي الموطن حقه ، وصدق الرؤيا لهذا السبب ) .
لما كان الاختبار سبب العلم وكانت الرؤيا المحتاجة إلى التعبير سببا لعلمه لطف عليه ، وكلما ابتلى أنبياءه وأولياءه كان سببا لظهور كمال وعلم مكنون في أعيانهم .
فلما أراد الله أن يطلعه على علم التعبير أراه الذبح في صورة إسحاق ، وخالف عادته في إراءته الصور في منامه على ما هي عليه من ظواهرها ، فظهر بذلك كمال إيمانهما وإسلامهما لأنفسهما لله ، وعلم إبراهيم بذلك حق موطن الرؤيا من التعبير ، لأنه كان في عينه الثابتة ولم يظفر عليه بعد ، فغفل عن ذلك لأنه كان يعلم باطنا ولا يعلم ظاهرا ، فما وفي الباطن حقه وصدق الرؤيا بسبب الغفلة عما في عينه ، فكان التصديق سببا لظهور كمال وعلم جديد وهو علم التعبير ، وفي ضمنه أن الذبح والتقرب به هو صورة إسلامه الحقيقي بالفناء في الله ، فإنه من جملة علم التعبير ، وكان حاله في التصديق ( كما فعل تقى ابن مخلد ) الإمام ( صاحب المسند ، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه صلى الله عليه وسلم قال « من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة ، فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي » فرآه تقى بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا ، فصدق تقى بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا ، ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما ، فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب .
""في الرسالة القشيرية : جاءت امرأة إلى تقيِّ بن مخلد، فقالت: إن ابني قد أسره الروم، ولا أقدر على مال أكثر من دويرة، ولا أقدر علي بيعها، فلو أشرت إلى من يفديه بشيء فإنه ليس لي ليل ولا نهار، ولا نوم ولا قرار!! فقال لها: نعم، أنصرفي حتى أنظر في أمره إن شاء الله تعالى.
قال: فأطرق الشيخ وحرك شفتيه.
قال: فلبثنا مدة، فجاءت المرأة ومعها ابنها، وأخذت تدعو له وتقول: قد رجع سالماً، وله حديث يحدثك به. فقال الشاب: كنت في يدي بعض ملوك الروم مع جماعة من الأسارى، وكان له إنسان يستخدمنا كل يوم. فكان يخرجنا إلى الصحراء للخدمة، ثم يردنا علينا قيودنا. فبينا نحن نجيء من العمل بعد المغرب مع صاحبه الذي كان يحفظنا انفتح القيد من رجلي ووقع على الأرض، وصف اليوم والساعة، فوافق الوقت الذي جاءت فيه المرأة، ودعا الشيخ، قال: فنهض إلى الذي كان يحفظني وصاح عليّ وقال لي: كسرتً القيد!! قلت: لا، إنه سقط من رجلي قال: فتحير .. وأحضر أصحابه، وأحضروا الحداد، وقيدوني .. فملا مشيت خطوات سقط القيد من رجلي، فتحيروا في أمري!!
فدعوا رهبانهم، فقالوا لي: ألك والدة؟
قلت: نعم فقالوا: وافق دعاؤها الإجابة. وقد أطلقك الله عز وجل، فلا يمكننا تقييدك.
فزودوني، وأصحبوني بمن أوصلني إلى ناحية المسلمين." أهـ. ""
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى في المنام بقدح لبن قال « فشربته حتى خرج الري من أظافيرى ، ثم أعطيت فضلى عمر،
قيل : ما أولته يا رسول الله ؟
قال : العلم "وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما يقتضي من التعبير ".
إنما أول اللبن بالعلم ، لأن اللبن غذاء لأبدان الأطفال الناقصين الباقين على الفطرة ، فهو صورة العلم النافع الذي هو غذاء لأرواح الناقصين الصادقين ، كالماء الذي هو سبب الحياة ، والعسل الذي هو صورة العلم الذوقية العرفانية ، والخمر الذي هو صورة الجليات والعشقيات الشهودية.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
(ثم قال) أي إبراهيم، عليه السلام: ((إن هذا لهو البلاء المبين). أي، الاختبار المبين. أي، الظاهر).
يقال: بلوته. أي، اختبرته. (يعنى الاختبار في العلم). أي، اختبر الحق إبراهيم في العلم ليعلم أنه (هل يعلم) أي إبراهيم.
(ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا. لأنه) أي، لأن الحق.
(يعلم أنموطن الخيال يطلب التعبير. فغفل) أي إبراهيم.
(فما وفي الموطن حقه. وصدق الرؤيا لهذا السبب.)
وإنما اختبره، ليكمله ويطلعه على أن المعاني تظهر بالصور الحسية والمثالية دائما، فلا ينبغي أن تجمد على ظواهرها فقط، بل يجب أن يطلب ما هو المقصود منها، لئلا يكون محجوبا بظواهر الأشياء عن بواطنها، فيفوته علم الباطن والحقيقة، خصوصا علم التعبير الذي به ينتفع السالكون في سلوكهم. وجميع الابتلاءات كذلك، للتكميل ورفع الدرجات.
(كما فصل تقى بن مخلد، الإمام صاحب المسند) وهو كتاب في الحديث.
(سمع في الخبر الذي صح عنده أنه، عليه السلام، قال: (من رآني في المنام، فقد رآني في اليقظة، فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي). فرآه تقى بن مخلد).
.

الفقرة التاسعة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» [الصافات: 106]أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟
لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير:فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب)
فإن قلوبهم تحت غواشي أنوار سبحات وجهه فانية، وكيف يقع عليها البلاء وهي تفني في جمال الحق؟! إن كنت تريد بلائهم فإنه تعالی بلاؤهم، وذلك البلاء لا ينقطع عنهم أبدا، ويمنع هذا البلاء جميع البلاء عنهم.""
(قال العزيز) ملك مصر: فإن القائل: "إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات ځضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون " [يوسف: 43].
ثم استشعر سؤالا بأنه قال: تعبرون بالتخفيف، والتعبير الذي تحتاج إليه الرؤيا مصدر المشدد، فأجاب عنه بقوله: (ومعنى التعبير: الجواز) أي: العبور (من صورة ما رآه إلى أمر آخر) لعدم انضباط الخيال فيه حتى يأتي في كل مرة بما هو مثال تام للمرئي بل كثيرا ما يأتي بما يناسبه مناسبة بعيدة جدا.
فمعنى التعبير جعل الصورة المرئية عابرة إلى ما يقع في الحس، وقد حصل هذا العبور في رؤيا الملك (فكانت البقر) العجاف (سنين في المحل) والبقر السمان في (الخصب) كما قال يوسف عليه السلام مع بعد مناسبة البقر مع السنة.
ولذلك جعل معبر و عصره رؤياه من أضغاث الأحلام.
وقالوا:" وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين " [يوسف: 44]، فلم يطلع عليه إلا يوسف بنور النبوة.
ثم أشار إلى أن مساعدة الحق إبراهيم عليه السلام في وهمه يجعل الكبش فداء لا تستلزم مساعدته أباه في جعله صادقا في رؤياه، بحيث لا يلبس عليه الخيال صورة الحس بصورة بقرة.
فقال: (فلو صدق) إبراهيم (في الرؤيا) أي: في عين ما رأى أنه ابنه (لذبح ابنه) أي: الوقع الذبح عليه دون الكبش.
ولكنه (إنما صدق) إبراهيم (الرؤيا) على ظن أن خياله لا يلتبس عليه كما هو حاله في الأكثر يقظة ومناما مع بعد المناسبة جدا، فصدق رؤياه (في أن ذلك) المرئي (عين ولده) مع أنها كانت كاذبة في الظاهر غير مساعدة من جانب الحق.
وذلك لأنه (ما كان) المرئي (عند الله إلا الذبح العظيم) ظهر في المنام (في صورة ولده)، لأنه الذي وقع عليه الذبح في عالم الحس والواقع في عالم الحس:
هو الثابت في العلم الأزلي بالنظر إلى نفس الأمر، وإن كان غيره أيضا ثابتا فيه بالنظر إلى أمور أخرى؛ لكنه تعالی اعتبر ذلك أيضا لوقوعه في مظهره الكامل الذي هو إبراهيم عليه السلام. (ففداه)
أي: فجعله الله فداء ولده (لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السلام ) فجعل الواقع فيه كالواقع في العلم الأزلي بالنظر إلى نفس الأمر.
ومع ذلك (ما هو فداء في نفس الأمر عند الله) بالنظر إلى علمه الناظر إلى ما هو نفس الأمر بالحقيقة؛ لكن العلمان لما صارا معتبرين أظهر لهما صورتين، (فصور الحس الذبح) على وفق العلم الناظر إلى نفس الأمر بالحقيقة.
(وصور الخيال ابن إبراهيم عليهم السلام) على وفق العلم الناظر إلى أمور أخرى فوجب التحالف فيما ظهر من صورهما، (فلو رأى) إبراهيم التي (الكبش في الخيال) نوما أو يقظة (لعبره) الحس (بابنه أو بأمر آخر)؛ لأن هذه المخالفة واقعة في العلم الأزلي، فلا بد من ظهورها هاهنا.
ثم أي: بعد ما اعتبر الحق وهمه من وجه دون وجه (قال: إن هذا هو البلؤا المبين" [الصافات: 106] أي: الاختبار) المبين أي: (الظاهر).
ولما كان المشهود أنه اختبره في أنه هل يذبح ولده أم لا؟
قال: (يعني: الاختبار في العلم) إذا الاختبار بذبح الولد أو النفس، إنما يليق في حق العامة، ولما الأنبياء لا يتأتى منهم مخالفة أمر الحق أصلا لعصمتهم، ولكنهم يختبرون في العلم هل يقتصرون في مطالعة العلم الأزلي إلى ما هو بالنظر إلى مظاهرهم.
وإلى ما هو بالنظر إلى نفس الأمر، وقد وجب هذا النظر حيث كان الكشف في الرؤيا المقتضية للتعبير غالبا من صورة ما رأى في المظهر إلى ما هو بالنظر إلى نفس الأمر.
فاختبر (هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟) لظنه أن ما ظهر في المظهر الكامل لا بد وأن يوافق العلم الأزلي بالنظر إلى نفس الأمر، وقد بينها؛ فإن هذا إن تم فهو في غير الكشف الصوري لا محالة.
بخلاف ما ظهر في الكشف الصوري غالبا؛ (لأنه يعلم أن موطن الخيال)، وهو الكشف الصوري مناما أو يقظة (يطلب التعبير) غالبا (فغفل ) عن هذا الاقتضاء اعتمادا على أن ما يظهره في المظهر الكامل لا بد وأن يوافق العلم الأزلي بحسب نفس الأمر.
وغفل عن أنه قد يكون بحسب التأويل، وقد يكون بحسب الظاهر (فما وفي الموطن حقه)، وإن وضحه الحق تعالى بأنه الذي وفي لوفائه حق معرفة الحقائق.
وهذه معرفة دنيئة بالنسبة إليها؛ فلا يحل نقضها بمطلق الوفاء، (وصدق الرؤيا لهذا السبب) أي: بسبب الغفلة المذكورة مع أن الحق وصفه على الإطلاق بأنه الذي وفي؛ ولكنه صار موفيا لحق كل موطن بعده فبقي قوله تعالى: "وإبراهيم الذي وفى" [النجم: 37] على الإطلاق حقيقة بعدما كان بحارا.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
( ثمّ قال : "هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " [ 37 / 106 ] أي الاختيار المبين - أي الظاهر ، يعني الاختبار في العلم - ) الذي يتبيّن به الأسرار الخفيّة .
وهو أنّه ( هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير ، أم لا ؟ ) وليس الاختبار في علوّ الهمّة وكمال الإيثار ، ليكون ذبح الابن فيه منجحا .
وملخّص الكلام هاهنا : أنّ للحقّ في إفاضة عوارف اللطائف وتوشيح الكلمة الإبراهيميّة نوعين من الإمداد في جهتين منها : أحدهما ما يتعلَّق بتربية الظاهر منه ، من إعلاء أعلام نبوّته وإظهار أمر رسالته ، وما ينضاف إلى ذلك من علوم الصور - مثاليّة كانت أو عينيّة - وأحكامها .
والآخر ما يتعلَّق بالباطن ، من تكميل مكانة ولايته والارتقاء في مراقي قربته وزلفته ، وما يستتبعه من التبتّل إلى الله بالكليّة ، متحقّقا بالتجرّد والإيثار ، وترك التعرّض والاختيار ، بما يلزمه من المعارف الذوقيّة واللطائف المستلذّة الشوقيّة .
ثمّ إنّ إبراهيم لتسلَّط قهرمان الجهة الثانية في حقيقته وكمال استلذاذه به واستغراقه فيه ، أخذ في رؤيته تلك الرؤيا ما يقتضيه ذلك الموطن الذوقي وعلم الصور وأحكامها ممّا يتعلَّق بالجهة الأولى - والاختبار المبين إشارة إليه .
فهو لسلطان أمر القربة والخلَّة عليه ذهل عن ذلك ، وما كان جاهلا به ( لأنّه يعلم أنّ موطن الخيال يطلب التعبير ، فغفل فما وفّى الموطن حقّه وصدّق الرؤيا لهذا السبب ) .
( كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند) «هو الحافظ بقي بن مخلد ابن يزيد 200هـ. سير أعلام النبلاء ومعجم الأدباء وتذكرة الحفاظ والأعلام للزركلي » - وذلك من سراية حكم ولاية الأنبياء المرسلين في ولاية الأولياء المحمّديين - ( سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنّه عليه السّلام قال : « من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة » ) .
وذلك لختم صورته وتمام إحاطته فيها ( « فإنّ الشيطان لا يتمثّل على صورتي » ) لكونه محاطا فيها - ولذلك تراه عارض آدم وقابله .
وأسلم على يده وأذعن له ( فرآه تقيّ بن مخلد ، وسقاه النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الرؤيا لبنا ، فصدّق تقيّ بن مخلد رؤياه فاستقاء ، فقاء لبنا ولو عبّر رؤياه لكان ذلك اللبن علما ) لأنّه أوّل ما يظهر بصورة الحياة ويغتذي به الحيوان .
فيصير حيّا كما أنّ العلم أوّل ما يتعيّن به الذات فيظهر به عالما ولأنّه أكرم ثمرة أثمرها شجرة النشأة الجسمانيّة الإنسانيّة ، كما أنّ العلم أكرم ثمرة أثمرها شجرتها الروحانيّة الجسدانيّة .
وأيضا في لفظه تلويح بيّن على تأويله ذلك ، بما فيه من لام « العلم » و « التفصيل » والباء والنون المشعرين بالإبانة والظهور حيثما اجتمعا .
( فحرّمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب ) لما قاء به .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :( ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»)
قال الشيخ رضي الله عنه : ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ )
ثم قال الله تعالى(إن هذا)، اي تصوير الكبش بصورة ابنه "لهو البلاء المبين" .
(أي الاختبار الظاهر) يقال : بلوته، أي اختبرته (تعين الاختبار في العلم)، فإن الحق سبحانه أختبر إبراهيم عليه السلام أنه (هل تعلم ما يقتضيه) غالبة (موطن التعبير) من الرؤيا (أم لا) علم و إنما اخنبره
قال الشيخ رضي الله عنه : (لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه، وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي»
(لأنه تعالى بعلم أن موطن الخيال). إذا تمثل فيه معنى (يطلب التعبير) غالبا (فغفل) إبراهيم عليه السلام عما تستحقه مواطن الخيال (فما وفي الموطن حقه وصدق الرؤيا لهذا السبب، كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند) في الحديث .
(سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال من رآني) على ما أنا عليه من الحلية (في النوم) حقيقة (فقد رآني في اليقظة).
أي حكما أي لرؤيتي في النوم حكم رؤيتي في اليقظة فيما سيأتي (فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي) . رواه البخاري وغيره وإنما لم يتمثل الشيطان بصورته عليه السلام، لأنه مظهر لاسم الهادي ومبعوث للهداية والشيطان مظهر للاسم المضل ومخلوق للإضلال.
فلو كان له تمكن من التمثال بصورته عليه الصلاة والسلام لاختل أمر الهداية.
فإن قلت : لا يلزم من عدم تمكن الشيطان من التمثال بصورته عليه السلام أن تكون صورته المثالية عينه عليه السلام لا غيره لجواز أن يتمثل بصورته ملك أو روح أو إنسان أو بمعنى من المعاني كشرعه وسننه و غير ذلك مما فيه نسبة إليه في معنى الهداية وغيرها.
قلت: يمكن أن تكون سنة الله تعالى جارية بأن لا يتمثل بصورته وحلبته عليه السلام شيء أصلا تعظيما لشأنه ويكون تخصيص الشيطان بالذكر الاهتمام بنفي تمكنه من التمثل بصورته عليه السلام لما لا يخفى وجهه
.
عدل سابقا من قبل الشريف المحسي في الأربعاء 1 مايو 2019 - 8:40 عدل 1 مرات

الفقرة العاشرة الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة العاشرة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب. ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر». قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فرآه)، أي النبي صلى الله عليه وسلم (تقي بن مخلد) رحمه الله تعالى في المنام .
(وسقاه النبي عليه السلام) في هذه الرؤيا (لبنا فصدق) بالتشديد (تقي بن مخلد رؤیاه)، أي اعتقد أنها صادقة كما وقع لإبراهيم عليه السلام (فاستقاء) أي طلب القيء و تكلفة (فقاء لبنا) وصدر له في اليقظة عين ما رآه في المنام.
ولو ترك الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بلا تنبيه ولا معاتبة لذبح ابنه، ونفذ منه في اليقظة عين ما وقع له في منامه .
ولكن الأنبياء عليهم السلام يعتني الله بهم أكثر من غيرهم، والله تعالى ينبههم على ما هو الأكمل لهم والأشرف والأفضل ولا يتركهم في الأمر المفضول.
كما وقع لنبينا في قضية اختياره الفداء في أسرى بدر وكان الأفضل ما اختاره الله تعالى من القتل أو الإسلام.
فأنزل الله تعالى : "وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة" [الأنفال: 67] الآية. والأخرى بعده .
(ولو) أن تقي بن مخلد اعتنى الله تعالی به فنبهه على ما هو الأكمل له حتى (عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما ) فكان يعبر اللبن الذي شربه بنيل عمله من مدد حضرة النبوة.
لكن الله تعالى ما أراد له ذلك (فحرمه الله تعالی علما كثيرا) كان يناله بسبب تعبيره رؤياه (على قدر ما شرب) من ذلك اللبن (ألا ترى) يا أيها الإنسان (أن رسول الله ) كما ورد في الأخبار (أي) بالبناء للمفعول، أي أتاه آت (في المنام بقدح لبن قال) صلى الله عليه وسلم (فشربته)، أي ذلك القدح من اللبن (حتى خرج الري) بالكسر ضد العطش (من أظافيري) امتلأت ريا وشبعا من ذلك اللبن.
(ثم أعطيت فضلي)، أي ما فضل مني (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه رواه البخاري . ولم يكن الإعطاء في الواقعة لأبي بكر رضي الله عنه مع أنه أعز عنده من عمر وأفضل منه رضي الله عنهما، لأنه عليه السلام كان يمد أبا بكر بما عنده في اليقظة أبلغ من الإمداد في المنام كما ورد عنه عليه السلام أنه قال: «ما أوحي إلي بشيء إلا صببته في صدر أبي بكر» أورده الزرعي ما وضع في فضائل الصديق رضي الله عنه وكذلك السيوطي و ابن حجر الهيثمي فى الحاوي للفتاوي.
وكان "أبي بكر" رضي الله عنه يلهمه الله كل ما يوحيه "الله تعالى" إلى النبي ولهذا كان يصدقه أبلغ تصديقا، ودونه في المزية عمر رضي الله عنهما فخصه بالإمداد في عالم المنام بإعطائه ما فضل منه من اللبن الغلبة الظاهرة على عمر رضي الله عنه وهو عالم الدنيا . والناس في عالم الدنيا "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" فناسب أن إمداده بذلك. رواه أبو نعيم فى الحلية و الزهري .رواه البيهقي في الزهد الكبير
(قيل)، أي قال قائل : (ما أولته)، أي بأي شيء عبرت ما رأيت (یا رسول الله قال : العلم)، أي أولت اللبن بالعلم للمناسبة في ذلك فإن اللبن فيه غذاء الأجسام، والعلم غذاء الأرواح، واللبن خارج من بين فرث ودم طاهر من بين نجسین.
كالعلم الإلهي ظاهر من بين تشبيه وتعطيل، والحكم الرباني متبين من بين إفراط وتفریط وتشديد وتقصير وتيسير وتعسير (وما تركه).
أي النبي صلى الله عليه وسلم كما هو (لبنا على صورة ما رآه لعلمه) صلى الله عليه وسلم (بموطن الرؤيا) وهو عالم الخيال الذي يظهر فيه المعقول في صورة المحسوس والمحسوس في صورة المعقول .
(و) علمه (ما تقتضي)، أي تطلب الرؤيا (من التعبير)، أي التأويل لها (وقد علم) بالبناء للمفعول (أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس) من أهل ذلك الزمان (أنها)، أي تلك الصورة (في المدينة) المنورة طيبة حرسها الله تعالی (مدفونة) في الحجرة الشريفة (وأن صورة روحه) صلى الله عليه وسلم (ولطيفته) الإنسانية (ما شاهدها أحد) في حياته صلى الله عليه وسلم من جسده الشريف ولا بعد وفاته عليه السلام (من أحد) غيره (ولا) شاهدها أيضا أحد (من نفسه) .
كذلك (كل روح) من الأرواح (بهذه المثابة) لا يشاهدها أحد من أحد ولا في نفسه .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب. ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر». قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
قال الشيخ رضي الله عنه : ألا ترى أن رسول الله أنتي (على بناء المفعول (في المنام بقدح لبن قال فشربته حتى خرج الري من أظافري ثم أعطيت فضلي عمر قبل ما أولته) أي قال السامعون بأي شيء عبرت هذه الرؤيا (یا رسول الله قال : العلم وما تركه) أي ما رآه (لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا و) لعلمه (ما يقتضي من التعبير)، وإنما أول اللبن بالعلم لأن الروح ألطف المخلوقات والعلم ألطف الأغذية الروحانية والصبيان ألطف الأجسام واللبن غذاؤهم وهو ألطف الغذاء الجسمانية (وقد علم أن صورة النبي عليه السلام التي شاهدها الحس) في المنام (إنها في المدينة مدفونة و) علم (أن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من) صورة (أحد ولا من) صورة (نفسه) بل لا بد لشهود روحه من صورة جسده المدفونة في المدينة (كل روح بهذه المثابة) في أنه لا يرى إلا بالتمثل الجسد المثالي.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
قوله: وأن صورة روحه و لطيفته ما شاهده أحد، يعني أن الأرواح غير مرئية بالحس ما دامت أرواحا فإن رأها أحد فإنما يراها متجسدة.
والكاف في قوله: كما يرى الحق في الآخرة، متعلقة بقوله: أبقيناها، والصور التي ذكرها في البيت الأول من المقطوع الشعر، هو اسم جمع لـ "صورة" مثل تمرة وتمر وهو جمع معروف في العربية.
ويعني أنه يرى في كل عالم بما يناسب حال ذلك العالم.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
كما فعل تقيّ بن مخلَّد ، الإمام صاحب المسند ، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنّه عليه السّلام قال : « من رآني في المنام ، فقد رآني في اليقظة ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل على صورتي » فرآه تقيّ بن مخلَّد وسقاه النبيّ صلَّى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدّق تقيّ بن مخلَّد رؤياه ، فاستقى ، فقاء لبنا ، ولو عبّر رؤياه ، لكان ذلك اللبن علما ، فحرمه الله العلم الكثير على قدر ما شرب .
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن قال : « فشربته حتى خرج الرّيّ من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر . قيل : ما أوّلته يا رسول الله ؟
قال : « العلم » وما تركه لبنا على صورة ما رآه ، لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضي من التعبير" .
قال العبد : اعلم أنّ الأمور المغيبة عن العبد إذا أراد الله أن يطلع العبد عليها ويشهده ما شاء منها قبل الوقوع ، فإنّه تعالى يمثّل له ذلك في منامه في صورة مناسبة لذلك الأمر في المعنى ، كظهور العلم الفطري في صورة اللبن ، لكون اللبن غذاء لصورته الجسدية من أوّل الفطرة ، كالعلم الذي هو غذاء روح المؤمن من أوّل فطرة الروح .
وكذلك الماء والعسل والخمر صور علم الوحي والإلقاء والحال ، إذا جسد الله لعبده هذه الحقائق على هذه الصور ، فينبغي أن يكون صاحب كشف الصور الذي يجسّد الله ويمثّل له المعاني والأمور الغيبية صورا مثالية وأمثلة جسدية محسوسة من الله على علم آخر من الكشف المعنوي يكشف عن وجه ذلك المعنى المعنيّ له قناع الصور والأمثلة الإلهية ، وهو كشف عال ، وعلم شريف ، يؤتيه الله من شاء من عباده المصطفين المعتنين.
ليس علم التعبير الذي يأخذونه من كتب التعبير ، وذلك أيضا بالنسبة إلى أوّل معبّر علَّمه الله تأويله كرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويوسف الصدّيق عليه السّلام وابن سيرين ومعبّر قرطبة في هذه الأمّة وغيره ممّن وجد العلم من عند الله ، وأخذه منه من مشايخ الصوفية والمحقّقين منّا .
قال : "وقد علم أنّ صورة النبيّ التي شاهدها الحسّ أنّها في المدينة مدفونة ، وأنّ صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه . كلّ روح بهذه المثابة " .
يعني رضي الله عنه : أنّ الصورة العنصرية المشهودة في الحسّ مدفونة في المدينة لا تتعلَّق رؤية أحد بها ، والصورة الروحانية النورية التي لروحه صلَّى الله عليه وسلم في مظهريته لله تعالى لا يراها أحد من غير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا من نفسه أنّه يظهر بتلك الصورة المقدّسة ، لكونها خاصّة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم .
وكذلك صورة روح كلّ أحد ، لا يتمثّل بها وفيها إلَّا روحه لا روح أحد غيره .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
فرآه تقى بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا ، فصدق تقى بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا ، ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما ، فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب .
""في الرسالة القشيرية : جاءت امرأة إلى تقيِّ بن مخلد، فقالت: إن ابني قد أسره الروم، ولا أقدر على مال أكثر من دويرة، ولا أقدر علي بيعها، فلو أشرت إلى من يفديه بشيء فإنه ليس لي ليل ولا نهار، ولا نوم ولا قرار!! فقال لها: نعم، أنصرفي حتى أنظر في أمره إن شاء الله تعالى.
قال: فأطرق الشيخ وحرك شفتيه.
قال: فلبثنا مدة، فجاءت المرأة ومعها ابنها، وأخذت تدعو له وتقول: قد رجع سالماً، وله حديث يحدثك به. فقال الشاب: كنت في يدي بعض ملوك الروم مع جماعة من الأسارى، وكان له إنسان يستخدمنا كل يوم. فكان يخرجنا إلى الصحراء للخدمة، ثم يردنا علينا قيودنا.
فبينا نحن نجيء من العمل بعد المغرب مع صاحبه الذي كان يحفظنا انفتح القيد من رجلي ووقع على الأرض، وصف اليوم والساعة، فوافق الوقت الذي جاءت فيه المرأة، ودعا الشيخ، قال: فنهض إلى الذي كان يحفظني وصاح عليّ وقال لي: كسرتً القيد!!
قلت: لا، إنه سقط من رجلي قال: فتحير .. وأحضر أصحابه، وأحضروا الحداد، وقيدوني .. فملا مشيت خطوات سقط القيد من رجلي، فتحيروا في أمري!!
فدعوا رهبانهم، فقالوا لي: ألك والدة؟
قلت: نعم فقالوا: وافق دعاؤها الإجابة. وقد أطلقك الله عز وجل، فلا يمكننا تقييدك.
فزودوني، وأصحبوني بمن أوصلني إلى ناحية المسلمين." أهـ. ""
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى في المنام بقدح لبن قال « فشربته حتى خرج الري من أظافيرى ، ثم أعطيت فضلى عمر ، قيل : ما أولته يا رسول الله ؟
قال : العلم "وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما يقتضي من التعبير ".
إنما أول اللبن بالعلم ، لأن اللبن غذاء لأبدان الأطفال الناقصين الباقين على الفطرة ، فهو صورة العلم النافع الذي هو غذاء لأرواح الناقصين الصادقين ، كالماء الذي هو سبب الحياة ، والعسل الذي هو صورة العلم الذوقية العرفانية ، والخمر الذي هو صورة الجليات والعشقيات الشهودية
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقد علم أن صورة النبي عليه الصلاة والسلام التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة ، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه ، وكل روح بهذه المثابة )
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
فرآه تقى بن مخلد : أي، رأى تقى بن مخلد النبي، صلى الله عليه وسلم. (وسقاه النبي، صلى الله عليه وسلم، في هذه الرؤيا لبنا. فصدق تقى بن مخلد رؤياه). أ
ي صدق ما رآه في نومه عند اليقظة.
(واستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما، فحرمه الله علما كثيرا
على قدر ما شرب. ألا ترى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أتى في المنام بقدح لبن،
قال: (فشربته حتى خرج الري من أظافيري، ثم أعطيت فضلي عمر قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم). وما تركه لبنا على صورة ما رآه، لعلمه بمواطن الرؤيا (وما يقتضى من التعبير).
وإنما أول اللبن بالعلم، لأنه غذاء الأرواح، كما أن اللبن غذاء الأجسام.
ولما ذكر قوله، عليه السلام: (من رآني في النوم، فقد رآني في اليقظة). أراد أن يحقق أن المرئي ما هو؟ وفي أي عالم هو؟
فقال: (وقد علم أن صورة النبي، صلى الله عليه وسلم، التي شاهدها الحس، إنها) بكسر الهمزة. (في المدينة مدفونة، وعلم أن) بفتح الهمزة.
(صورة روحه ولطيفته، ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه). أي، ما شاهد الصورة الروحانية، من حيث تجردها، أحد من بنى آدم في أحد غيره، ولا في نفسه.
فيكون (من) مستعملا في مقام (في). وفي هذا السياق لطيفة. وهي أن روحه، عليه السلام، أبو الأرواح كلها، و (الولد سر أبيه)،. فلطيفته وحقيقته سارية في جميع الأرواح.
فكما لا يقدر على شهود صورة روحه عليه السلام، أحد، كذلك لا يقدر على شهود تلك الصورة الروحانية في نفسه وفي غيره أحد. لذلك قال: (كل روح بهذه المثابة.)
.
يتبع

الفقرة العاشرة الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة العاشرة : الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
قال الشيخ رضي الله عنه : (كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه عليه السلام قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي» فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا.
ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب. )
"" قال الشيخ الأكبر فى الفتوحات الباب السادس والثمانون ومائتان: والوحي على ضروب شتى و يتضمنه هذا المنزل فمنه ما يكون متلقى بالخيال كالمبشرات في عالم الخيال : وهو الوحي في النوم .
فالمتلقى خيال والنازل كذلك والوحي كذلك ومنه ما يكون خيالا في حس على ذي حس .
ومنه ما يكون معنى يجده الموحى إليه في نفسه من غير تعلق حس ولا خيال بمن نزل به وقد يكون كتابة ويقع كثيرا للأولياء .
وبه كان يوحى لأبي عبد الله قضيب البان ولأبي زكريا البجائي بالمعرة بدير النقرة ولتقى بن مخلد تلميذ أحمد بن حنبل صاحب المسند ولكن كان أضعف الجماعة في ذلك .
فكان لا يجده إلا بعد القيام من النوم مكتوبا في ورقة ومما يتضمن هذا المنزل خلق الأعراض صورا ذوات قائمة متحيزة في رأى العين.
فاعلم أن الإنسان إذا جاء الله به إليه جمعه عليه جمعية لا تفرقة فيها حتى يهبه الله تعالى في ذلك ما يريد أن يهبه مما سبق في علمه ""
ثم أشار إلى أن الرؤيا كثيرا ما تكون على ما يعينه فيها بمساعدة الحق صاحبها، وإن كان غير نبي وولي، فما فعله إبراهيم عليه السلام (كما فعل بقي بن مخلد الإمام صاحب المسند) في الحديث، وذلك أنه (سمع في الخبر الذي ثبت عنده) بحسب اللفظ، وإن لم يبلغ حقيقة معناه أنه عليه السلام قال: "من رآني في النوم، فقد رآني في اليقظة، لا تلبس فيها من الشيطان، فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي". رواه أحمد في المسند وابن ماجه
وإن كان قد يتمثل بصور أخرى ، ويزعم أنه النبي أو فلان، ويلبس بذلك فيما يأمر وينهي ويخبر فظن أن المرئي على صورته عليه السلام يكون عينها لأمثالها، ويكون ما يرى في ذلك المنام عين الواقع لأمثاله.
فرآه) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (بقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا، فصدق بقي بن مخلد رؤیاه) أنه صلى الله عليه وسلم عين اللبن فساعده الله في هذا الاعتقاد، وإن كان تعبير رؤياه عنده فلو عبره العلم فجعله لبنا في بطنه.
(فاستقاء) اختبارا الصحة الحديث بحسب ما فهم منه (فقاء لبنا، ولو عبر رؤياه) بالعلم الذي هو غذاء الروح كاللبن للجسم.
(لكان ذلك اللبن) المرئي في المنام (علما) له في الواقع بقدر ما شربه، فلما لم يعبره فاته ذلك العلم (فحرمه الله علما كثيرا) كان يحصل له لو عبر رؤياه (على قدر ما شرب ) من اللبن.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم. وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
ثم أشار إلى أنه كيف فاته هذا التعبير، وقد وقع فيما رآه رسول الله بنفسه.
فقال: "ألا ترى رسول الله و أتي في المنام بقدح لبن قال: فشربته" فارتوي مني كل
عضو (حتى خرج الري من أظفاري) التي هي أطراف أعضائي، (ثم أعطيت فضلي عمر) أي: فضل ما بقي في إنائي (قيل: ما أولته يا رسول الله، قال: العلم)؛ فهو إرتواؤه صلى الله عليه وسلم من العلم، وسريان نوره في كل عضو منه، وقد أعطى من فضل ذلك العلم، وبقيته عمر رضي الله عنه ولذلك قال فيه ابن عباس يوم مات: "اليوم مات تسعة أعشار العلم ".
فالحاصل أنه صلى الله عليه وسلم مع كمال حاله عبره، (وما تركه لبنا على صورة ما رآه، لعلمه بموطن الرؤيا) وإن كانت رؤيا أكمل الخلائق.
(وما يقتضيه من التعبير) أي: ولعلمه بمقتضى الرؤيا من التعبير بحسب الحالة الغالبة عليه.
ثم أشار إلى أن بقي بن مخلد كيف لم يجعل صورته عليه السلام ، وصورة ما يرى في ذلك المنام من عالم المثال.
(وقد علم أن صورة النبي و التي شاهدها الحس إنها) بالكسر ، وهي مع الجملة خبر أن (في المدينة مدفونة) لم تخرج وقت الرؤيا عن القبر، (وأن) بفتح الهمزة (صورة روحه ولطيفته) أي: قبله (ما شاهدها أحد من أحد) غيره (ولا من نفسه) ولا يختص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لفضل لطافته، بل (كل روح بهذه المثابة)؛ لأنها مجردة في مجردات لا تصير محسوسة، وإذا لم يكن المرائي في المنام جسمه ولا روحه ولا قلبه.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
رؤيا رسول الله صلَّى الله عليه وآله
(ألا ترى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما اتي في المنام بقدح لبن قال : « فشربته حتّى خرج الريّ من أظافيري ، ثمّ أعطيت فضلي عمر » . قيل : « ما أوّلته يا رسول الله » ؟
قال : « العلم » ، وما تركه لبنا على صورة ما رآه ، لعلمه بموطن الرؤيا وما يقتضي من التعبير ) . مسلم و الترمذي
واعلم أنّ في تعبيره الرؤيا بهذه العبارة إشارة لطيفة إلى أنّ العلم الذي رؤي العطشان ، هو الذي خرج من أظافير أصابع يدي قدرته ، ووضعه الشعائر المستدعية للإشعار من ظواهر الصور المتكثرة الكونيّة التي تعلم وترقى عند النظر والافتكار .
ففيه تلويح إلى الصور الكتابية من تلك الكونيات بخصوصها أنّها هي منابع ذلك العلم ، وأنّ فضلها قد اختصّ به عمر .
أي له عمر وبقاء بعده هذا لمن له قوّة التدبّر في الإشارات الختميّة .
من رأى رسول الله صلَّى الله عليه وآله في المنام
ثمّ إنّ صورة محمّد عليه السّلام على ما علم من الحديث على خلاف هذا المقتضى في الرؤيا ، لأنّه لا يقبل التعبير ، فلا بدّ من بيانه بما ينبئ عن وجه اختصاصه بين الصور بذلك ، وعن معقوليّة أمره وتمام كيفيّته .
فقوله : ( وقد علم أنّ صورة النبي عليه السّلام - التي شاهدها الحس - أنّها مدفونة في المدينة ، وأنّ صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ، ولا من نفسه - كلّ روح بهذه المثابة.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر».
قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه . لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا. ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما. فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب.)
(فرآه تقي بن مخلد)، أي النبي صلى الله عليه وسلم ( وسقاه النبي صلى الله عليه وسلم لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه) بعدما استيقظ (فاستقاء فقاء لبنا، ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما ) تمثل بصورة اللبن فإن اللبن كما أنه يغذي الأبدان ويربها من أول الفطرة إلى آخرها كذلك العلم يغذي الأرواح في جميع أحوالها (فحرمه) إليه ، أي تقي بن مخلد (علما كثيرا على قدر ما شرب) ثم قاء من اللبن فكان الأحرى بحاله أن يعبر اللبن بالعلم ولا يستقيء وإن أورث له ذلك زيادة طمأنينة بصدق ذلك الخبر.
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر». قيل ما أولته يا رسول الله؟
قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير. وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة،
وأن صورة روحه ولطيفته ما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه. كل روح بهذه المثابة)
(ألا ترى أن رسول الله و أتي في المنام بقدح لبن قال: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر قيل : ما أولته یا رسول الله قال : أولته العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضي من التعبير).
ولما ذهب الكلام إلى ذكر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أراد أن يحقق أن المرئي حينئذ ما هو؟
فقال : (وقد علم أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس) .
عند حياته صلى الله عليه وسلم : (إنها في المدينة مدفونة).
فقوله : إنها بكسر الهمزة على أن تكون مع اسمها و خبرها خبرا لأن المفتوحة أو بفتحها على أن تكون تكرارا لها تبعد وقع بينها وبين خبرها (و) علم أيضا (أن صورة روحه) ، أي روح النبي صلى الله عليه وسلم .
(ولطيفته) الروحانية (ما شاهدها أحد) بل شاهد أحد الصورة الروحانية مطلقة (من أحد ولا من نفسه) فإنها من المجردات التي لیس من شأنها أن تشاهد بالحس بل إنما يدركها العقل باثارها.
(كل روح) من الأرواح (بهذه المثابة) أي ليس من شأنه أن يشاهد الحسن.
.

الفقرة الحادي عشر الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الحادي عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي. ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : قال الشيخ رضي الله عنه : (فرآه)، أي النبي صلى الله عليه وسلم (تقي بن مخلد) رحمه الله تعالى في المنام .
(وسقاه النبي عليه السلام) في هذه الرؤيا (لبنا فصدق) بالتشديد (تقي بن مخلد رؤیاه)، أي اعتقد أنها صادقة كما وقع لإبراهيم عليه السلام (فاستقاء) أي طلب القيء و تكلفة (فقاء لبنا) وصدر له في اليقظة عين ما رآه في المنام.
ولو ترك الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بلا تنبيه ولا معاتبة لذبح ابنه، ونفذ منه في اليقظة عين ما وقع له في منامه .
ولكن الأنبياء عليهم السلام يعتني الله بهم أكثر من غيرهم، والله تعالى ينبههم على ما هو الأكمل لهم والأشرف والأفضل ولا يتركهم في الأمر المفضول.
كما وقع لنبينا في قضية اختياره الفداء في أسرى بدر وكان الأفضل ما اختاره الله تعالى من القتل أو الإسلام.
فأنزل الله تعالى : "وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة" [الأنفال: 67] الآية.
والأخرى بعده .
(ولو) أن تقي بن مخلد اعتنى الله تعالی به فنبهه على ما هو الأكمل له حتى (عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما ) فكان يعبر اللبن الذي شربه بنيل عمله من مدد حضرة النبوة.
لكن الله تعالى ما أراد له ذلك (فحرمه الله تعالی علما كثيرا) كان يناله بسبب تعبيره رؤياه (على قدر ما شرب) من ذلك اللبن (ألا ترى) يا أيها الإنسان (أن رسول الله ) كما ورد في الأخبار (أي) بالبناء للمفعول، أي أتاه آت (في المنام بقدح لبن قال) صلى الله عليه وسلم (فشربته)، أي ذلك القدح من اللبن (حتى خرج الري) بالكسر ضد العطش (من أظافيري) امتلأت ريا وشبعا من ذلك اللبن.
(ثم أعطيت فضلي)، أي ما فضل مني (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه رواه البخاري . ولم يكن الإعطاء في الواقعة لأبي بكر رضي الله عنه مع أنه أعز عنده من عمر وأفضل منه رضي الله عنهما، لأنه عليه السلام كان يمد أبا بكر بما عنده في اليقظة أبلغ من الإمداد في المنام كما ورد عنه عليه السلام أنه قال: «ما أوحي إلي بشيء إلا صببته في صدر أبي بكر» أورده الزرعي ما وضع في فضائل الصديق رضي الله عنه وكذلك السيوطي و ابن حجر الهيثمي فى الحاوي للفتاوي.
وكان "أبي بكر" رضي الله عنه يلهمه الله كل ما يوحيه "الله تعالى" إلى النبي ولهذا كان يصدقه أبلغ تصديقا، ودونه في المزية عمر رضي الله عنهما فخصه بالإمداد في عالم المنام بإعطائه ما فضل منه من اللبن الغلبة الظاهرة على عمر رضي الله عنه وهو عالم الدنيا . والناس في عالم الدنيا "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" فناسب أن إمداده بذلك. رواه أبو نعيم فى الحلية و الزهري .رواه البيهقي في الزهد الكبير
(قيل)، أي قال قائل : (ما أولته)، أي بأي شيء عبرت ما رأيت (یا رسول الله قال : العلم)، أي أولت اللبن بالعلم للمناسبة في ذلك فإن اللبن فيه غذاء الأجسام، والعلم غذاء الأرواح، واللبن خارج من بين فرث ودم طاهر من بين نجسین.
كالعلم الإلهي ظاهر من بين تشبيه وتعطيل، والحكم الرباني متبين من بين إفراط وتفریط وتشديد وتقصير وتيسير وتعسير (وما تركه).
أي النبي صلى الله عليه وسلم كما هو (لبنا على صورة ما رآه لعلمه) صلى الله عليه وسلم (بموطن الرؤيا) وهو عالم الخيال الذي يظهر فيه المعقول في صورة المحسوس والمحسوس في صورة المعقول .
(و) علمه (ما تقتضي)، أي تطلب الرؤيا (من التعبير)، أي التأويل لها (وقد علم) بالبناء للمفعول (أن صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي شاهدها الحس) من أهل ذلك الزمان (أنها)، أي تلك الصورة (في المدينة) المنورة طيبة حرسها الله تعالی (مدفونة) في الحجرة الشريفة (وأن صورة روحه) صلى الله عليه وسلم (ولطيفته) الإنسانية (ما شاهدها أحد) في حياته صلى الله عليه وسلم من جسده الشريف ولا بعد وفاته عليه السلام (من أحد) غيره (ولا) شاهدها أيضا أحد (من نفسه) .
كذلك (كل روح) من الأرواح (بهذه المثابة) لا يشاهدها أحد من أحد ولا في نفسه .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فيتجسد له روح النبي عليه السلام في المنام بصورة جسده كما مات عليه) فيرى الرائي روح النبي عليه السلام بصورة هذا الجسد ولا يمكن للرائي أن يرى روح النبي عليه السلام بصورة غير هذا الجسد الذي (لا يخرم منه شيئا).
أي لا يقطع ولا يغير من أجزاء هذا الجسد شيء (نهر) أي ما پری للرائي في المنام بصورة جسده (محمد عليه السلام المرئي من حیث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة) يعني لا پری محمد عليه السلام في نفس ذلك الجسد المدفون بل يرى في صورة جسدية مثالية تشبه المدفونة بحيث لا يميز الحس بينهما.
(لا يمكن الشيطان أن يتصور بصورة جسده عليه السلام) أي الجد الذي مات عليه لا يقبل التغيير ولا النقص ولا الزيادة وتنكير الشيطان للتحقير .
(عصمة من الله في حق الرائي) وتعظيما لشأن النبي عليه السلام فعلم منه أن جسد محمد عليه السلام الذي مات عليه لا يتمثل الشيطان بما يماثل ذلك الجسد .
وكذلك الجسد في حال الصبابة والشبابة والشيخوخة لا يتمثل الشيطان بما يماثل بصورة الجسد الذي كان محمد عليه السلام عليه في ذلك الزمان بحيث لا امتیاز بينهما فإن تمثل فلا بد من فارق في الحس.
إما بزيادة أو نقص أو عدم مشابهة بعض الأجزاء إلى بعض، فإن كان مشابهة في بعض الأجزاء إذ لا يمكن لأحد أن يتمثل في صورة جسدية محمد عليه السلام من كل الوجوه لعظمة شأن محمد عليه السلام .
ولا يتمثل روح محمد، عليه السلام في صورة جسده في عالم الصبابة أو الشبابة أو الشيخوخة لعدم وسع هذا الجسد بالصورة المحمدية فلا يتمثل الشيطان أملا وإن كان مماثلا في بعض أجزائه لأن جسد محمد عليه السلام مجموع الهيئة الاجتماعية المعينة بالتعيين المحمدية عليه السلام فالتمثل الذي فرق الحس بینهما ليس جسد المحمدية عليه السلام.
فلا يصدق التماثل إلا إذا كان مشابهة لمجموع الهيئة الاجتماعية بحيث لا امتیاز بينهما وليس كذلك فمن رأى محمد عليه السلام بغیر صورة الجسد الذي مات عليه لم ير روح محمد عليه السلام بل يرى أحوال نفسه يتمثل بصورة جسد محمد عليه السلام بندر المناسبة .
(ولهذا) أي ولأجل عدم تمثل الشيطان بصورة جسد محمد عليه السلام عصمة من الله في حق الرائي (من رآه) أي روح محمد عليه السلام (بهذه الصورة بأخذ) الرائي (عنه جميع ما يأمره) به (او ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه) أي لو كان ذلك الرائي مع الرسول عليه السلام (في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون) أي على حسب الذي يصدر (منه).
أي من الرسول عليه السلام (اللفظ الدال عليه) الضمير في عليه يرجع إلى ما (من نص او ظاهر او مجمل أو ما كان) عليه بيان لما بخلاف ما إذا رای بغير هذه الصورة فإنه ما رأی روح محمد عليه السلام حتى يأخذ الأحكام عنه .
وهذا علامة نصبها الله تعالى لعباده للفرق بين الرائي وغير الرائي حتى يتميز لهم الرائي من غير الرائي فمن رأى محمد عليه السلام بهذه الصورة (فإن أعطاه) محمد عليه السلام في حضرة المنام (شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي بدخله التعبير) إن لم يخرج في الحس (فإن خرج) ذلك الشيء (في الحس كما كان في الخيال) أي بصورة ما كان عليه في المنام .
(فتلك الرؤيا لا تعبير لها وبهذا القدر) أي وبسبب قدر وقوع بعض الرؤيا بلا تعبير (وعليه) أي وعلى قدر وقوعه (اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد) ما عبرا فصدقا رؤياهما هو سبب غفلة إبراهيم عليه السلام.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
وأما بقي بن مخلد فإن كان قد قاء لبنا فعندي أنه ما رأى إلا كشفا بصورة الرؤيا.
فإن بعض الناس يقع له الرؤيا في اليقظة وقد ورد ذلك كثيرا ومن جرب وقائع الخلوة رای من هذا كثيرا ثم إن بقي بن مخلد حصر الأمر في رؤيا النبي عليه السلام، بين أن يكون هو جسده، عليه السلام.
بعينه أو يكون الشيطان قد تمثل على صورته، عليه السلام، وليس الأمر محصورا فإنه قد لا تكون تلك الصورة صورة النبي عليه السلام، الجسمانية المدفونة بیثرب بل صورة أوجدها الله تعالى في خيال الرأي وأوقع في نفسه أنها صورته عليه السلام.
ولا تكون الصورة هي صورة ابلیس خصوصا إذا أمرت تلك الصورة بما يناسب شريعته، عليه السلام.
فإن الشيطان يستحيل منه أن يأمر بالشرع، لأنه مظهر الاسم المضل و مظاهر الاسم المضل لا يتمثل بمظاهر الاسم الهادي
قوله: وأن صورة روحه و لطيفته ما شاهده أحد، يعني أن الأرواح غير مرئية بالحس ما دامت أرواحا فإن رأها أحد فإنما يراها متجسدة.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال رضي الله عنه : " فيتجسّد للرائي روح النبيّ في المنام بصورة جسده » يعني بصورة مثالية شبيهة بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيئا فهو محمّد صلى الله عليه وسلم المرئيّ من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن لشيطان أن يتجسّد بصورة جسده ، عصمة من الله في حق الرائي ، ولهذا من رآه بهذه الصورة ، يأخذ عنه جميع ما أمر به ، ونهاه عنه أو يخبره ، كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدالّ عليه من نصّ أو ظاهر أو مجمل أو ما كان."
يعني رضي الله عنه : لا تأويل لما قاله ، بل يقتصر على مدلول لفظه صلَّى الله عليه وسلَّم لكون المراد ذلك المدلول لا غير ، ولو كان المراد غيره ، لقال لفظا دالَّا على ذلك ، فما في الأمر جهل .
قال رضي الله عنه : " فإن أعطاه شيئا ، فذلك الشيء هو الذي يدخله التأويل ، فإن خرج في الحسّ كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها " .
قال العبد : إذا نزل على روح الرائي من الغيب أمر ، ظهر في الروح عكس ذلك الأمر انعكاسا نفسيّا ، ثم ينعكس عكس ذلك إلى مخيّلته ، فيتشكَّل ويتصوّر في الحسّ المشترك على صورة عكس العكس ، فيشبه الأصل ، فيخرج المنام في الحسّ على صورة ما رآه في المنام ، وهو كشف صوريّ ، فلا تعبير له .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فتجسد له روح النبي عليه الصلاة والسلام في المنام بصورة جسده كما مات عليه ، ولا يخرم منه شيء ، فهو محمد عليه الصلاة والسلام المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة ، لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصمة من الله في حق الرائي ، ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره به أو ينهاه أو يخبره ، كما كان يأخذه عنه في الحياة الدنيا من الأحكام ، على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان ، فإن أعطاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير ، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال ، فتلك الرؤيا لا تعبير لها ، وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، وتقى بن مخلد ) .
ولما كان إبراهيم معصوما عصمه الله من ذبح ولده ، وما حفظ تقى بن مخلد بمنعه عن القيء فحرمه العلم .
( ولما كان للرؤيا هذان الوجهان ) أي الإبقاء على حاله والتعبير ( وعلمنا الله فيما فعل بإبراهيم وما قال له الأدب ) أي علمناه الأدب ، فيما فعل بإبراهيم من إراءته الكبش في صورة ابنه وتفديته به ، وفيما قال له في قوله : "قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ".
""إضفة بالي زادة : اعلم أن علم التعبير علم يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة الظاهرة في حضرة الخيال بآرائه ، وهي معرفة المناسبات التي بين الصور ومعانيها ، ومعرفة مراتب النفوس التي تظهر تلك الصور في خيالاتهم ، ومعرفة الأزمنة والأمكنة وغيرها مما له مدخل في التعبير ، فإنه قد يختلف حكم الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب .
بل بالنسبة إلى شخص واحد في زمانين أو مكانين ، وبكمال هذه المعرفة ونقصانها تتفاوت حال المعبرين في الإصابة والخطأ في التعبير ( فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي ) فإن قلت : لا يلزم من عدم تمكن الشيطان من التمثل بصورته أن تكون صورته المثالية عينه عليه الصلاة والسلام لا غيره ، لجواز أن يتمثل بصورته ملك أو روح لإنسان أو معنى من المعافى كشرعه وسنته ، وغير ذلك مما له نسبة إليه في معنى الهداية وغيرها .
قلت : يمكن أن تكون سنة الله تعالى جارية بأن لا يتمثل بصورته وجبلته شيء أصلا تعظيما لشأنه ، ويكون تخصيص الشيطان بالذكر للاهتمام بنفي تمكنه من التمثل بصورته لما لا يخفى وجهه اهـ جامى . ""
( لما يعطيه مقام النبوة ) من الابتلاء وتعليم التعبير والتنبيه على تصديقه الرؤيا ، وأن ذلك جزاء إحسانه فإن المحسنين محبوبون لقوله تعالى: " إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " والمحبوب معصوم ومعنى به فلذلك علمه وأدبه ، وقوله ( علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه ، أو هما معا ) جواب لما ، وحق العبارة أن يقول أو في حقهما معا ، فعدل إلى الضمير المرفوع على تأويل هذه الجملة أو المعبر بالحق المشروع هما معا .
""إضفة بالي زادة : ( لما يعطيه ) الأدب ( مقام النبوة ) فالأدب في مقام النبوة طلب علم كل شيء من الله بلا حكم رأى اه ( بالحق المشروع ) وهو ما ثبت بالشرع أن الحق يتجلى بصور الاعتقادات ، وهو الذي أثبت له الشرع الأحكام المختلفة بحسب ما يناسب حال الرائي ، وهو اعتبار الحق مع الأسماء والصفات ، وفي الحقيقة ما ظهرت بهذه الصور إلا الأسماء والصفات ، وذات الحق منزهة عن هذه الظهورات ، وأما الحق الذي ثبت بالدليل العقلي وهو الحق من حيث غناؤه عن العالمين فحال عند العقل أن يثبت له غير الصفات الكمالية ، فالتعبير بالحق المشروع ( إما ) واقع ( في حال الرائي أو في ) حق ( المكان ) إذ الأمكنة مختلفة بالشرف ، فللمكان مدخل في الرؤية بالشرف والخساسة أو هما أي أو واقع في حقهما معا ، يعنى إذا رأينا الحق في المنام بتلك الصورة نعبر بالشرع ونقول إن الحق يظهر لنا بصور أحوالنا فتلك الصورة لنا لا له إبقاء لحكم الدليلين العقلي والشرعي . ""
والمعنى : أنا إذا رأينا الحق في صورة يمنع الدليل حملها على الظاهر ، عبرناها بالحق المشروع في العرف الشرعي ، لما روى : أن بعض الصالحين في بلاد الغرب
رأى الحق تعالى في المنام في دهليز بيته فلم يلتفت إليه فلطمه في وجهه ، فلما استيقظ قلق قلقا شديدا .
فأخبر الشيخ قدس سره بما رأى وفعل ، فلما رأى الشيخ ما به من القلق العظيم ، قال له : أين رأيته ؟
قال : في بيت لي اشتريته ،
قال الشيخ : ذلك الموضع مغصوب ، وهو حق للحق المشروع اشتريته ولم تراع حاله ولم تف لحق الشرع فيه فاستدركه .
ففحص الرجل عن ذلك فإذا هو من وقف المسجد وقد بيع بغصب ، ولم يعلم الرجل ولم يلتفت إلى أمره ، فلما تحقق رده إلى وقف المسجد واستغفر الله .
فمثل هذا إذا رؤي وجب تأويله ، ولعل الشيخ علمه من شدة قلقه أنه ليس بحال الرائي.
فسأل عن المكان الذي رأى فيه (وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها ، كما يرى الحق في الآخرة سواء ) كما يرى في صورة نورية عقلية أو خيالية كالبدر والشمس ، أو كما يتجلى لأهل المحشر في صورة يعرف ويسجد له ، أو في صورة تنكر ويتعوذ منه سواء بلا فرق في الحكم .
""إضفة بالي زادة : فتلك الرؤيا بتلك الصورة في الحق يدخل فيها التعبير وكذلك المكان كما قال عليه الصلاة والسلام « رأيت ربى في أحسن صورة شاب » يرده الدليل العقلي ، فصورة الشبابة في حق الرسول ظهور الحق له بهذه الصورة ، عبارة عن ربوبية تامة كاملة ( فإن لم يردها الدليل العقلي ) بأن كان ظاهرا بالصفة الكمالية ( أبقيناها ) إبقاء لحكم الدليلين لاجتماعهما في ظهور الحق بالصفات الكمالية ، كما ترى الحق في الآخرة . ""
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
ثم، بين أن المرئي هو الصورة الجسدانية، فقال: (فيتجسد له) أي، للرائي.
قال الشيخ رضي الله عنه : (روح النبي، عليه السلام، في المنام بصورة جسده كما مات عليه).
أي، تظهر له روح النبي بصورة جسده الذي هي كالجسم الذي مات عليه.
(لا يخرم المتجسد). أي، لا يقطع ولا يغير منه شيئا. (فهو محمد، صلى الله عليه وسلم، المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة). أي، الصورة المدفونة.
والجسد في اصطلاح الطائفة مخصوص بالصورة المثالية. (لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده، صلى الله عليه وسلم، عصمة من الله في حق الرائي.)
أي، تعظيما لشأن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعصمة من الله في حق الرائي أيضا.
(ولهذا من يراه بهذه الصورة، يأخذ منه جميع ما يأمره به أو ينهاه عنه أو يخبره، كما كان يأخذ عنه، صلى الله عليه وسلم، في الحياة الدنيا) بلا تعبير وتغيير.
(من الأحكام على حسب ما يكون منه) أي، يصدر منه.
(اللفظ الدال عليه، من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان). أي، ولكون المرئي عين محمد، صلوات الله عليه، في الحقيقة، يأخذ الرائي ما يحكم به من الأمر والنهى، أو يخبر عنه من الأخبار، كما كان يأخذ منه في الحياة الدنيا بلا تعبير ولا تغيير في معاني تلك الألفاظ الواقعة منه.
(فإن أعطاه) أي، أعطى النبي، عليه السلام، له. (شيئا، فإن ذلك الشئ هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج) أي، ذلك الشيء.
(في الحس، كما كان في الخيال، فتلك الرؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد) أي، اعتمد بهذا القدر وعليه (إبراهيم الخليل وتقى بن مخلد).
أي، ما عبر كل منهما ما أراه الحق في رؤياه.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء.
فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي. )
ولا يختص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لفضل لطافته، بل (كل روح بهذه المثابة)؛ لأنها مجردة في مجردات لا تصير محسوسة، وإذا لم يكن المرائي في المنام جسمه ولا روحه ولا قلبه (فتجسد) أي: يتمثل له أي: المرئي (روح النبي ) في المنام (بصورة جسده) صورة تامة المطابقة (كما مات عليه)، لا كما كان عليه حال الشباب أو الطفولية، (لا يخرم) أي: لا ينقص منه أي: من (المرئي) في المنام (شيء) من الصورة التي مات عليها صلى الله عليه وسلم .
(فهو) أي: الظاهر في المنام بأنه النبي (محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة) جسدية أي: مثالية (تشبه الصورة (المدفونة) له صلى الله عليه وسلم ، إذ لو كان المرئي غيره لم يصدق في حقه؛ فقد رآني.
ولا يمكن من حيث جسده لما مر، ولا من حيث قلبه؛ لأنه تابع لروحه فلا يمكن رؤيته بدونه، ولا منه حيث نفسه لفنائها.
ولو لم تشبه المدفونة لم تصدق عليه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يؤمن فيها من تلبيس الشيطان، بخلاف ما إذا كانت مشابها للمدفونة؛ فإنه (لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم ، عصمة من الله في حق الرائي) لئلا يضله الشيطان بصورة الهادي بحيث لا يمكن التميز بينهما.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها، وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم الخليل التي وبقي بن مخلد، ولما كان للرؤيا هذان الوجهان، وعلمنا الله فيما فعل بإبراهيم وما قال له الأدب لما يعطيه مقام النبوة علمنا في رؤيتنا الحق تعالی في صورة يدها الدليل العقلي أن تعبر تلك الصورة بالحق المشروع، وأما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا، فإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها، كما ترى الحق في الآخرة سواء).
(وهذا) أي: ولأجل عصمة الله تعالى الرائي من إضلال الشيطان في هذه الرؤيا (يأخذ منه جميع ما يأمره به أو ينهاه) أو غيره مما يخبره إذا ضبطه.
لكن قلما يتأتى ذلك للنائم، (كما كان يأخذ عنه صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا من) هذه الأمور (على حسب ما يكون).
أي: يصدر (منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر)، وهما ما اتضحت دلالتهما على المقصود مع قطع احتمال الغير في الأول دون الثاني (أو مجمل)، وهو ما لا تتضح دلالته على أحد الأمرين، (أو ما كان) فلا مدخل للتأويل في صورته، ولا فيما يأخذ عنه إلا فيما يقتضيه اللفظ لو صدر عنه حال الحياة.
فإن أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم (شيئا) مما يدخل تحت الحواس الظاهرة، (فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير)؛ لأن الصور الخيالية كثيرا ما تغاير الصور المحسوسة للأشياء مع أخذ مناسبة بينهما؛ لكن لا يجب تأويله بكل حال، (فإن خرج في الحس كما كان في الخيال) لعدم تلبيس الخيال على الرائي.
(فتلك الرؤيا لا تعبير لها)، وهذا في بعض المواطن، (وبهذا القدر) القليل من الرؤيا الغير مفتقرة إلى التعبير، (وعليه اعتمد إبراهيم الخليل عليه السلام ، وبقي بن مخلد) في رؤياهما من غير نظر إلى حالهما في وقت الرؤيا هل كانا من تلبس عليهما الخيال أم لا؟
ولما كان شرط جوابه في قوله: «علمنا في رؤيتنا»
.

الفقرة الحادية عشر الجزء الثاني السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فيتجسّد له روح النبيّ عليه السّلام في المنام بصورة جسده ، كما مات عليه ، لا يخرم منه شيئا ، فهو محمّد عليه السّلام المرئي من حيث روحه ، في صورة جسدية تشبه المدفونة ، لا يمكن لشيطان أن يتصوّر بصورة جسده عليه السّلام ، عصمة من الله في حقّ الرائي ).
فإنّه هو مظهر الهداية التامّة ، والخاتم لإبانة طريق الحق على الخاصّة والعامّة فلو لم يكن الرائي لصورته معصوما وأمكن الشيطان أن يتصوّره بتلك الصورة ما يتمّ له شيء من ذلك .
(ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمر به أو ينهاه أو يخبره ، كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام ، على حسب ما يكون منه اللفظ الدالّ عليه - من نصّ أو ظاهر أو مجمل أو ما كان ) .
فعلم أنّ صورته المرئيّة عليه السّلام خارجة عن مقتضى الرؤيا من التعبير ، ( فإنّ أعطاه شيئا فإنّ ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير ، فإن خرج في الحسّ كما كان في الخيال ) لما في حقيقة الرائي من المقابلة والصفا كما علم ( فتلك رؤيا لا تعبير لها ) ، وهذا إنّما يوجد قليلا ، ( وبهذا القدر عليه اعتمد إبراهيم الخليل وتقي بن مخلد ) .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي.
ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء. فهو محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة)
(فيتجسد) أي يتمثل (له)، أي للرائي (روح النبي) في المنام (بصورة جسده) المطهر المكرم حال كون تنك الصورة (كما مات عليها) ، أي مماثلة للصورة التي مات عنها النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخرم) بالخاء المعجمة والراء فمهملة من الخرم وهو القطع.
أي لا يقطع (منه) أي مما مات عليه (شيئا فهو) أي ما رآه في المنام (محمد صلى الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه) الظاهر (في صورة جسدية)، أي كالجسمانيات مثالية فإن الجسد في أصطلاح هذه الطائفة يطلق غالبة على الصورة المثالية (تشبه) الصورة (المدفونة) في البدنية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصما من الله في حق الرائي. ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها. وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم عليه السلام وتقي بن مخلد.)
(لا يتمكن الشيطان أن يتصور)، أي يتمثل (بصورة جسده) المثالي المماثل لجسمه المطهر ( صلى الله عليه وسلم عصمة من الله) تعالى (في حق الرائي) أن يتلبس الأمر .
(ولهذا من رأه بهذه الصورة) الجسدية المشابهة لصورته المدفونة في المدينة (يأخذ جميع ما يأمره به أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه) عليه السلام (في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون، أي يوجب (منه اللفظ الدال عليه).
أي عني ما يأخذه منه (من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان)، أي أو أي شيء كان من أقسام اللفظ بلا تعبير ولا تأویل (كأن أعطاه)، أي النبي صلى الله عليه وسلم و الرائي (شيئا) في المنام (فإن ذلك الشيء) المعطى (هو الذي يدخله التعبير ) في بعض الصور (كأن خرج) ذلك الشيء (في الحس كما كان في الخيال) بعينه (فتلك الرؤيا لا تعبير لها وبهذا القدر) الذي هو قسم من الرؤيا حرم (وعليه اعتمد إبراهيم الخليل عليه السلام وتقي بن مخلد) مع أن رؤياهما لم تكن من هذا القسم الذي يطلب التعبير.
.

الفقرة الثانية عشر الجزء الأول السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثانية عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
قال الشيخ رضي الله : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا.
وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.
قال الشيخ رضي الله : قال الشيخ رضي الله عنه : (فتتجسد)، أي تتصور (له)، أي للرائي (روح النبي عليه السلام في المنام بصورة جسده) الشريف (كما)، أي كالوصف الذي مات عليه (لا يخرم) بالخاء المعجمة، أي لا ينقص منه ذلك الوصف (شيئا فهو)، أي المتجسد بتلك الصورة (محمد) بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم نبینا ورسولنا (عليه السلام المرئي)، أي الذي رآه الرائي في منامه (من حيث روحه) الشريفة متصورة (في صورة جسدية تشبه) تلك الصورة الجسدية التي كانت في ذلك الزمان بعينها (المدفونة) في الحجرة الشريفة .
(لا يمكن الشيطان) من قرناء المؤمنين أو الكافرين أو الفاسقين (أن يتصور بصورة جسده )، لأحد من الناس في نوم أو يقظة أصلا (عصمة)، أي حفظة (من الله تعالى في حق الرائي) أن يقع عليه تلبيس الشيطان في صورة نبيه عليه السلام كما حفظ الله تعالى القرآن عن التحريف والتغيير بقوله تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [الحجر: 9].
لإنختام النبوة والوحي، فلا نبي يبعث ولا كتاب ينزل إلى قيام الساعة، فختم الله تعالى الأنبياء عليهم السلام بنبينا . وختم الكتب المنزلة أيضا بكتابنا العظيم .
(ولهذا من رآه)، أي النبي عليه السلام (بهذه الصورة) الجسدية المطابقة لصورته التي مات عليها صلى الله عليه وسلم كما ذكر من غير زيادة ولا نقصان.
(يأخذ) ذلك الرائی (عنه ) بطريق الوجوب في الواجب والاستنان في السنة (جميع ما يأمره به عليه السلام) من الأحكام (أو ينهاه عنه) من شرائع الإسلام ولا يكون ذلك مخالفا لشيء
مما اجتمع عليه المسلمون وعلم بالضرورة من دين الأئمة وإلا لكان الخطأ فيه عن الرائي لعدم ضبطه، لأنه عليه السلام لا يناقض شريعته (أو يخبره به) من ماض أو مستقبل (كما)، أي على طبق ما (كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا) لو كان الرائي حيا في زمنه صلى الله عليه وسلم (من الأحكام) الشرعية ويستنبط المجتهد من ذلك (على حسب ما يكون منه) صلى الله عليه وسلم (اللفظ) من عبارته .
(الدال) ذلك اللفظ (عليه)، أي على ما يكون (من نص) وهو ما سيق الكلام له (أو ظاهر) وهو ما يفهم من العبارة (أو مجمل) وهو ما لا يحتاج إلى البيان (أو ما كان) من وجوه الكلام على ما هو في اصطلاح الأصول
(فإن أعطاه)، أي النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرائی (شيئا) في منامه (فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير)، أي التأويل.
وأما رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لا يدخلها تعبير أصلا، فإنه هو النبي صلى الله عليه وسلم لا محالة كما ذكر إذ رآه بوصفه الذي مات عليه، وإن رآه على خلاف ما كان عليه ؟ ومات عليه، فهو من حال الرائي يدل على كمال في أمره أو نقصان، وهل المرئي هو النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟
قد اختلف العلماء في ذلك والصحيح أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا يأخذ عنه الرائي لعدم ضبطه حيث لم يره على صورته التي مات عليها (فإن خرج)، أي ما أعطاه إياه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يعني ظهر (في الحس)، أي في اليقظة .
(كما) أي على الوصف الذي كان ذلك المرئي عليه (في الخيال) أي في النوم (فتلك الرؤيا لا تعبير)، أي لا تأویل (لها وبهذا)، أي بسبب هذا (القدر) من خروج بعض الرؤيا في الحس كما كان في الخيال (وعليه)، أي على هذا القدر من ذلك (اعتمد إبراهيم الخليل عليه السلام) فلم يعبر رؤياه وحملها على ظاهرها (وكذلك) فعل (تقي بن مخلد) رحمه الله تعالى كما ذكر .
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان) أي التعبير وعدم التعبير وعلمنا الله نيما نعل بإبراهيم عليه السلام) بالوحي بنبينا عليه السلام (و) علمنا (ما قال له) من قوله : "أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " وما عبرت (الأدب) أي علمنا الأدب (لما يعطيه) أي الأدب (مقام النبوة) فالأدب في مقام النبوة الطلب علم كل شيء من الله بلا حكم بالرأي فغفل إبراهيم عليه السلام من هذا الأدب بسبب اعتماده على هذا الوجه وأدبه الله تعالی بقوله : "قد صدقت الرؤيا" الصافات: 105.
فأخبر لنا عن أحواله تعليما لنا الأدب مع الله (علمنا) جواب لما (في رؤيتنا الحق تعالى في صورة) مثالية (يردها الدليل العقلي) أي استحال العقل (أن تعبر تلك الصورة) التي بردها الدليل العقلي (بالحق المشروع).
وهو ما يثبت بالشرع أن الحق يظهر بصورة اعتقادات المعتقدين على حسب اعتقاداتهم كما في حديث التحول أن الحق يتجلى يوم القيامة بصورة فينكرونه ثم يتجلى بصورته فيقبلونه.
فى حديث طويل "عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟»، قلنا: لا، قال: «فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارون في رؤيتهما» ثم قال: " ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله، من بر أو فاجر، وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟
فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة، ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم، ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا…" رواه البخاري ومسلم و أحمد و الدارقطني والحاكم وابو عوانة وغيرهم
فالحق المشروع هو الذي أثبت عليه الشرع الأحكام المختلفة بحسب ما يناسب حال الرائي وهو اعتبار الحق مع الأسماء والصفات .
وفي الحقيقة ما ظهر بهذه الصور إلا الأسماء والصفات وذات الحق منزه عن هذه الظهورات وأما الحق الحق الذي ثبت بالدليل العقلي وهو الحق من حيث استغنائه عن العالمين .
فمنح عند العقل أن يثبت له شيء إلا الصفات الكمالية فالتعبير بالحق المشروع (ما) واقع (في حق حال الرائي أو) واقع في حق (المكان الذي رآه) أي رأى الحق الرائي (فيه) أي في ذلك المكان إذ الأمكنة مختلفة بالشرف فللمكان مدخل في الرؤية بالشرف والخساسة .
(او هما) أي واقع في حقها (معا) يعني إذا رأينا الحق في المنام بتلك الصورة تعبر بالشرع، فنقول إن الحق يظهر لنا بصور أحوالنا فتلك الصورة لنا لا له إبقاء بحكم الدليلين العقلي والشرعي.
فتلك الرؤيا بتلك الصورة في الحق يدخل فيها التعبير وكذلك المكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيت ربي في أحسن صورة شاب" يردها الدليل العقلي فصورة الشبابية في حق الرسول عليه السلام ظهور الحق له بهذه الصورة وهي عبارة عن ربوبية بأئنه كاملة وهي الربوبية الجامعة الأسمائية.
(فإن لم يردها الدليل العقلي) أي وإن رأينا الحق بصورة لم يردها الدليل بل كان ظاهرة بالصفة الكمالية كالربوبية و القادرية وغير ذلك من الصفات التي لم يردها الدليل العقلي لم نعبر تلك الرؤيا (أبقيناها على ما رأيناها) إبقاء الحكم الدليلين لاجتماعهما في ظهور الحق بالصفات الكمالية .
شبه رؤية الحق بالصفة التي لم يردها الدليل العقلي في الظهور بحيث لا يخفى على أحد أنه الحق فلا يحتاج إلى التعبير لإيضاحه غاية الإيضاح .
والاحتياج إلى التعبير ينشأ من نوع خفاء في الظهور رؤية الحق في الآخرة بقوله : (كما يرى الحق في الآخرة سواء) بحيث لا يخفى على أحد حتى يحتاج إلى التعبير لظهوره فيها على وجه الكمال.
ولما بين أن الحق ظهورات بجميع الصور بالتعبير أو عدمه أورد نتيجة ذلك بالأبيات تسهيلا للطالبين بقوله : (شعر:
فللواحد الرحمن …. صفة للواحد حاصل.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
فلذلك قال في البيت الثاني: فإن قلت: هذا الحق قد تك صادقا، أي قد تصدق.
وأما إن قلت: أمرا آخر فهو من باب تعبير الرؤيا وهو قوله: أنت عابر.
ثم قال: وما حكمه في موطن دون موطن، بل حكمه واحد في المواطن كلها وذلك الحكم الواحد هو أنه يظهر بصور مخلوقاته، ومن مخلوقاته الخيال فهو يظهر فيه بما يقتضيه .
وكذلك الحس في الآخرة وغيرها وكذلك بقية العوالم الروحانية والمعنوية، وتلك الظهورات كلها بالحق تظهر للخلق فإذا ظهر العالم الحس أنكرته العقول، فإن ظهر للعقول بمقتضاها أقرت له و به وكذلك في الخيال.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
واضح
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "ولمّا كان للرؤيا هذان الوجهان ، وعلَّمنا الله فيما فعل بإبراهيم وما قال له الأدب لما يعطيه مقام النبوّة ، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردّها الدليل العقلي أن نعبّر تلك الصورة بالحق المشروع ، إمّا في حق الرائي ، أو المكان الذي رآه فيه ، أو هما معا ، فإن لم يردّها الدليل العقلي ، أبقيناها على ما رأيناها ، كما نرى الحقّ في الآخرة سواء " .
يعني رضي الله عنه : أنّ الحق إذا تجلَّى لشخص في صورة يردّها الدليل العقلي ، أوّلناه بالحق المشروع ، كما رأى بعض المسلمين الصالحين في بلاد الغرب الحق في دهليز بيت له ، فلم يلتفت إليه ولطمه في وجهه ، فلمّا استيقظ قلق قلقا شديدا .
فجاء الشيخ رضي الله عنه وأخبره بما رأى وفعل ، فلمّا رأى الشيخ على ذلك الرائي من القلق أمرا عظيما ، فقال له الشيخ : أين رأيته ؟
قال : في بيت لي اشتريته ،
قال الشيخ :ذلك الموضع مغصوب وهو حق للحق المشروع ، اشتريته ولم تجعل مالك منه ولم تف حقّ الشرع ، فاستدركه .
ففحص الرجل عن ذلك ، فإذا هو من وقف المسجد وقد بيع بغصب والرجل لم يعلمه ولم يلتفت إلى أمره ، فلمّا تحقّق ، ردّه إلى وقف المسجد ، واستغفر الله .
فمثل هذا إذا رئي ، دخله التأويل والتفصيل ، وإذا تجلَّى الحق في صورة لا يردّها الدليل العقلي ، فقد تجلَّى لنا ورأيناه بحمد الله ، كما نراه في الآخرة كالبدر وكما يتجلَّى لأهل المحشر في صورة تنكر ويتعوّذ منه ويعرف ويسجد له سواء بلا فرق في الحكم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
( ولما كان للرؤيا هذان الوجهان ) أي الإبقاء على حاله والتعبير ( وعلمنا الله فيما فعل بإبراهيم وما قال له الأدب ) أي علمناه الأدب ، فيما فعل بإبراهيم من إراءته الكبش في صورة ابنه وتفديته به ، وفيما قال له في قوله : "قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ".
""إضفة بالي زادة : اعلم أن علم التعبير علم يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة الظاهرة في حضرة الخيال بآرائه ، وهي معرفة المناسبات التي بين الصور ومعانيها ، ومعرفة مراتب النفوس التي تظهر تلك الصور في خيالاتهم ، ومعرفة الأزمنة والأمكنة وغيرها مما له مدخل في التعبير ، فإنه قد يختلف حكم الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب .
بل بالنسبة إلى شخص واحد في زمانين أو مكانين ، وبكمال هذه المعرفة ونقصانها تتفاوت حال المعبرين في الإصابة والخطأ في التعبير ( فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي ) فإن قلت : لا يلزم من عدم تمكن الشيطان من التمثل بصورته أن تكون صورته المثالية عينه عليه الصلاة والسلام لا غيره ، لجواز أن يتمثل بصورته ملك أو روح لإنسان أو معنى من المعافى كشرعه وسنته ، وغير ذلك مما له نسبة إليه في معنى الهداية وغيرها .
قلت : يمكن أن تكون سنة الله تعالى جارية بأن لا يتمثل بصورته وجبلته شيء أصلا تعظيما لشأنه ، ويكون تخصيص الشيطان بالذكر للاهتمام بنفي تمكنه من التمثل بصورته لما لا يخفى وجهه اهـ جامى . ""
( لما يعطيه مقام النبوة ) من الابتلاء وتعليم التعبير والتنبيه على تصديقه الرؤيا ، وأن ذلك جزاء إحسانه فإن المحسنين محبوبون لقوله تعالى: " إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " والمحبوب معصوم ومعنى به فلذلك علمه وأدبه ، وقوله ( علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه ، أو هما معا ) جواب لما ، وحق العبارة أن يقول أو في حقهما معا ، فعدل إلى الضمير المرفوع على تأويل هذه الجملة أو المعبر بالحق المشروع هما معا .
""إضفة بالي زادة : ( لما يعطيه ) الأدب ( مقام النبوة ) فالأدب في مقام النبوة طلب علم كل شيء من الله بلا حكم رأى اه ( بالحق المشروع ) وهو ما ثبت بالشرع أن الحق يتجلى بصور الاعتقادات ، وهو الذي أثبت له الشرع الأحكام المختلفة بحسب ما يناسب حال الرائي ، وهو اعتبار الحق مع الأسماء والصفات ، وفي الحقيقة ما ظهرت بهذه الصور إلا الأسماء والصفات ، وذات الحق منزهة عن هذه الظهورات ، وأما الحق الذي ثبت بالدليل العقلي وهو الحق من حيث غناؤه عن العالمين فحال عند العقل أن يثبت له غير الصفات الكمالية ، فالتعبير بالحق المشروع ( إما ) واقع ( في حال الرائي أو في ) حق ( المكان ) إذ الأمكنة مختلفة بالشرف ، فللمكان مدخل في الرؤية بالشرف والخساسة أو هما أي أو واقع في حقهما معا ، يعنى إذا رأينا الحق في المنام بتلك الصورة نعبر بالشرع ونقول إن الحق يظهر لنا بصور أحوالنا فتلك الصورة لنا لا له إبقاء لحكم الدليلين العقلي والشرعي . ""
والمعنى : أنا إذا رأينا الحق في صورة يمنع الدليل حملها على الظاهر ، عبرناها بالحق المشروع في العرف الشرعي ، لما روى : أن بعض الصالحين في بلاد الغرب
رأى الحق تعالى في المنام في دهليز بيته فلم يلتفت إليه فلطمه في وجهه ، فلما استيقظ قلق قلقا شديدا .
فأخبر الشيخ قدس سره بما رأى وفعل ، فلما رأى الشيخ ما به من القلق العظيم ، قال له : أين رأيته ؟
قال : في بيت لي اشتريته ،
قال الشيخ : ذلك الموضع مغصوب ، وهو حق للحق المشروع اشتريته ولم تراع حاله ولم تف لحق الشرع فيه فاستدركه .
ففحص الرجل عن ذلك فإذا هو من وقف المسجد وقد بيع بغصب ، ولم يعلم الرجل ولم يلتفت إلى أمره ، فلما تحقق رده إلى وقف المسجد واستغفر الله .
فمثل هذا إذا رؤي وجب تأويله ، ولعل الشيخ علمه من شدة قلقه أنه ليس بحال الرائي.
فسأل عن المكان الذي رأى فيه (وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها ، كما يرى الحق في الآخرة سواء ) كما يرى في صورة نورية عقلية أو خيالية كالبدر والشمس ، أو كما يتجلى لأهل المحشر في صورة يعرف ويسجد له ، أو في صورة تنكر ويتعوذ منه سواء بلا فرق في الحكم .
""إضفة بالي زادة : فتلك الرؤيا بتلك الصورة في الحق يدخل فيها التعبير وكذلك المكان كما قال عليه الصلاة والسلام « رأيت ربى في أحسن صورة شاب » يرده الدليل العقلي ، فصورة الشبابة في حق الرسول ظهور الحق له بهذه الصورة ، عبارة عن ربوبية تامة كاملة ( فإن لم يردها الدليل العقلي ) بأن كان ظاهرا بالصفة الكمالية ( أبقيناها ) إبقاء لحكم الدليلين لاجتماعهما في ظهور الحق بالصفات الكمالية ، كما ترى الحق في الآخرة . ""
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان) التعبير وعدمه.
(وعلمنا الله فيما فعل بإبراهيم) من الابتلاء والفداء.
(وما قال له) من قوله: (أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا).
أي، صدقت ما رأيت وما عبرت إلى ما نحن أردناه منها.
(الأدب لما يعطيه مقام النبوة) أي، علمنا الله الأدب فيما فعل بإبراهيم لما يقتضيه مقام النبوة من التأدب بين يدي الله تعالى.
قوله: (علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع، إما في حق حال الرائي، أو المكان الذي رآه فيه، أوهما معا).
جواب (لما). وقوله: (أو هما معا).
أي، نعبرها بالحق المشروع في حق الرائي والمكان الذي رآه فيه معا.
ومعناه: أن الحق إذا تجلى لنا في صورة مثالية أو حسية، يردها الدليل العقلي - أي العقل المعتبر شرعا، لا العقل الفلسفي المشوب بالوهم - وإلا كان الواجب رد كل ما جاء به الشرع مما يوجب التشبيه،سواء كان ذلك كمالا أو نقصا، إلى ما يقتضيه العقل النظري. وليس كذلك.
وجب أن نعبر ونرد تلك الصورة التي يوجب النقصان إلى الصورة الكمالية التي جاء بها الشرع.
وهو المراد بـ (الحق المشروع). أي، الثابت في الشرع.
كما جاء في الحديث: (أن الحق يتجلى يوم القيامة بصورة النقصان، فينكرونه، ثم يتحول و يتجلى بصورة الكمال والعظمة، فيقبلونه فيسجدونه).
وذلك التعبير والتنزيل إما أن يكون في حق حال الرائي، أي مرتبته ومقامه، أو في حق حال المرئي ورتبته، أو في حقهما معا باعتبار مراعاة مرتبتهما ومقاميهما، أو في حق حال الزمان والمكان الذي رأى الرائي الحق فيه، لأن بعض الأزمنة أفضل من غيره،
كيوم الجمعة وليلة القدر، وكذلك بعض الأمكنة أشرف من البعض، كالأماكن المتبركة والأراضي المقدسة، أو في حق الجميع، كتعبير رؤيا رأيت فيحق شخص.
فالرائي إذا كان سالكا، ينزلها تارة على مقامه ويعبرها بحسب أحواله، وأخرى ينزلها في حق المرئي وأحواله، وقد يجمع بين ما يتعلق بنفسه ونفس المرئي.
(فإن لم يردها الدليل العقلي) بأن كان التجلي في الصورة النورية كصورة الشمس، أو غيرها من صور الأنوار كالنور الأبيض والأخضر وغير ذلك.
(أبقيناها على ما رأيناها، كما نرى الحق الآخرة سواء). أي، كما يتجلى الحق لنا في الآخرة. فإن ذلك التجلي أيضا يكون على صور استعدادات المتجلى له، غير ذلك لا يكون.
واعلم، أن الرد والإنكار إنما يقع في التجليات الإلهية.
لأن الحق تارة يتجلى بالصفات السلبية، فتقبله العقول، لأنها منزهة مسبحة للحق عما فيه شائبة التشبيه والنقصان، وينكره كل من هو غير مجرد، كالوهم والنفس المنطبعة وقواها، لأن من شأنهم إدراك الحق في مقام التشبيه والصور الحسية.
وتارة يتجلى بالصفات الثبوتية، فتقبله القلوب والنفوس المجردة، لأنها مشبهة من حيث تعلقها بالأجسام ومنزهة باعتبار تجردها، وتنكره العقول المجردة لعدم إعطاءشأنها إياها، بل ينكر تلك الصفات أيضا بالأصالة.
وفي هذا التجلي قد يتجلى بصور كمالية، كالسمع والبصر والإدراك وغيرها، وقد يتجلى بصور ناقصة منصور الأكوان، كالمرض والاحتياج والفقر، كما أخبر الحق عن نفسه بقوله: (مرضت، فلم تعدني، واستطعمت، فلم تطعمني).
وقوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه). وأمثال ذلك.
فيقبله العارفون مظاهر الحق، وينكره المؤمنون المحجوبون لاعتقادهم بأن الحق ما يتنزل عن مقامه الكمالي.
فقبل كل منهم ما يليق بحاله ويناسبه من التجليات الإلهية، وأنكره ما لم يكن تعطيه شأنه. والإنسان الكامل هو الذي يقبل الحق في جميع تجلياته ويعبده فيها.
ولما كانت العقول الضعيفة عاجزة من إدراك التجليات الإلهية في كل موطن ومقام والنفوس الأبية طاغية غير معظمة لشعائر الله، أوجب إسناد الصور الكمالية إليه، ورد ما يوجب النقصان عنه، مع أنه هو المتجلي في كل شيء والمتخلي عن كل شيء.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء. )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولما كان للرؤيا هذان الوجهان. وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معا. وإن لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء.)
(للرؤيا هذان الوجهان) المطابقة التامة لما في الحس تارة، والمغايرة مع اعتبار مناسبة جلية لو خفية أخرى، (وعلمنا الله فيما فعل بإبراهيم) من الفداء؛ لأنه لما وقع في ذهنه الأدب إذ لم يكذب ظنه بالكلية.
(وما قال له) أي: وعلمنا فيما قال له: قد صدقت الرؤيا ، ولم يقل: لبس عليك خيالك فرأيت الكبش في صورة ابنك.
(الأدب) إذ تأدب مع جلالة قدره معه (لما يعطيه)أي: يقتضيه (مقام النبوة) من رعاية الأدب فنحن أولى برعايته مع الحق إذا رأيناه على خلاف ما يقتضيه الدليل العقلي؛ لما يقتضيه غاية جلالة قدره لمكان ربوبيته مع غاية دناءة قدرنا فلا نردها بالكلية، فحينئذ (علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي) لعدم كونه منزها ينزهه الدليل العقلي.
إنه يجب علينا (أن نعبر تلك الصورة) المرئية باسم الحق في المنام (بالحق المشروع) لاشتراكهما في الاسم، وكثيرا ما يعبر عن أحد المتشاركين في الاسم إلى الأخر.
وهذا الحق المشروع (إما في حق حال الرائي) يكون عليه لغيره، أو يكون له على غيره (أو المكان الذي رآه) أي: الحق (فيه) على الصورة المنكرة بأن يكون مغصوبا أو موقوفا، (أو هما معا) أي: في حق الرائي والمكان مقا بأن يكون متلفا لمنافع ذلك المكان على مستحقه.
(وإن لم يردها)
» توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
» مقصود الكتاب لمصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
» مقدمة المصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
» مقدّمة التّحقيق و ترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
» مقدمة كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
» فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية
» مكاتبات للشّيخ تاج الدّين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ إلى بعض إخوانه ومريديه
» المناجاة الإلهيّة للشّيخ تاج الدّين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
» الحكم العطائيّة الصغرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
» الحكم العطائيّة الكبرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
» الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية من 11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» الحكم العطائية من 01 الى 10 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
» فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2313 إلى 2413 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2351 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2312 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2265 إلى 2281 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2249 إلى 2264 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2211 إلى 2248 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر الثالث عشر الحجّ والعمرة من 2084 إلى 2167 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب ثانيا الطعام والشراب من 2049 إلى 2083 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب أولا الصيام والفطر من 2002 إلى 2048 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات الحادي عشر الذكر والتسبيح والدعاء من 1961 إلى 2001 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات عاشرا السجود والمساجد والقبلة من 1921 إلى 1960 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات تاسعا صلاة الجمعة من 1903 إلى 1920 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات ثامنا الصلاة من 1826 إلى 1902 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع عشر العبادات أولا الوضوء والاغتسال من 1794 إلى 1825 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني "53" المجلس الثالث والخمسون من عبد الله بجهل كان ما يفسد أكثر مما يصلح
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سابعا العدّة من 1782 إلى 1793 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سادسا الطلاق من 1744 إلى 1781 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي خامسا الأسرة من 1739 إلى 1743 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي رابعا الأولاد من 1734 إلى 1738 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثالثا الحمل والولادة والرضاع والفطام والحضانة من 1722 إلى 1733 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1681 إلى 1721 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1651 إلى 1680 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1623 إلى 1650 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي أولا المرأة في الإسلام من 1598 إلى 1622 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس عشر الإسلام والحرب من 1547 إلى 1597 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس عشر الإسلام و الحرب من 1519 إلى 1546 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1505 إلى 1518 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1480 إلى 1504 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع عشر القرآن والفنون والصنائع والآداب والأخلاق من 1462 إلى 1479 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1436 إلى 1461 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1419 إلى 1435 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1396 إلى 1418 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1375 إلى 1395 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1343 إلى 1374 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1312 إلى 1342 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1179 إلى 1311 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1121 إلى 1245 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1190 إلى 1220 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1152 إلى 1189 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1130 إلى 1151 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1126 إلى 1129 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1076 إلى 1125 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1059 إلى 1075 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1045 إلى 1058 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1035 إلى 1044 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1026 إلى 1034 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1018 إلى 1025 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1015 إلى 1017 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1013 إلى 1014 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 981 الى 1011 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 961 الى 980 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 948 الى 960 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 941 الى 947 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 851 الى 880 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 681 الى 696 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 621 الى 640 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 611 الى 620 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 601 الى 610 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 591 الى 600 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 561 الى 581 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 541 الى 560 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 527 الى 540 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 511 الى 526 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 491 الى 510 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 471 الى 490 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 451 الى 470 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 431 الى 450 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثالث الإيمان والإسلام ثانيا الإسلام في القرآن من 421 الى 430 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني