اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» توهّم لو أنّ اللّه فعل كذا لكان أحسن كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyأمس في 21:15 من طرف عبدالله المسافر

» توهّم صحّة الأنس باللّه كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 10 ديسمبر 2023 - 20:34 من طرف عبدالله المسافر

» توهّم أنّ نفوذ الأقدار متوقّف على وجود الخلق كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 10 ديسمبر 2023 - 15:16 من طرف عبدالله المسافر

» مقصود الكتاب لمصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 10 ديسمبر 2023 - 0:13 من طرف عبدالله المسافر

» مقدمة المصنف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 9 ديسمبر 2023 - 11:22 من طرف عبدالله المسافر

» مقدّمة التّحقيق و ترجمة المؤلّف كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 8 ديسمبر 2023 - 9:33 من طرف عبدالله المسافر

» مقدمة كتاب القواعد الكشفية الموضحة لمعاني الصفات الإلهية للشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 7 ديسمبر 2023 - 14:11 من طرف عبدالله المسافر

» فهرس بشرح المصطلحات الصوفية عند الشيخ ابن عطاء اللّه السكندري كما وردت في الحكم لمؤلف اللطائف الإلهية
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 7 ديسمبر 2023 - 1:49 من طرف عبدالله المسافر

» مكاتبات للشّيخ تاج الدّين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ إلى بعض إخوانه ومريديه
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 6 ديسمبر 2023 - 21:23 من طرف عبدالله المسافر

» المناجاة الإلهيّة للشّيخ تاج الدّين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 5 ديسمبر 2023 - 16:47 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائيّة الصغرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 4 ديسمبر 2023 - 20:54 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائيّة الكبرى للشّيخ تاج الدّين أبى الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري المتوفى 709 هـ
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 4 ديسمبر 2023 - 11:46 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائية من 21 الى 30 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 3 ديسمبر 2023 - 18:28 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائية من 11 الى 20 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 ديسمبر 2023 - 20:44 من طرف عبدالله المسافر

» الحكم العطائية من 01 الى 10 كتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 ديسمبر 2023 - 17:41 من طرف عبدالله المسافر

» المقدمة لكتاب اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري شرح د. عاصم إبراهيم الكيالي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 ديسمبر 2023 - 16:30 من طرف عبدالله المسافر

» فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 30 نوفمبر 2023 - 20:07 من طرف عبدالله المسافر

»  فهرس موضوعات القرآن موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 30 نوفمبر 2023 - 20:07 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2313 إلى 2413 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 30 نوفمبر 2023 - 1:10 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2351 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 29 نوفمبر 2023 - 20:40 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2312 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 29 نوفمبر 2023 - 0:56 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2265 إلى 2281 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 0:13 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2249 إلى 2264 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 27 نوفمبر 2023 - 23:54 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2211 إلى 2248 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 27 نوفمبر 2023 - 0:32 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 26 نوفمبر 2023 - 11:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر الثالث عشر الحجّ والعمرة من 2084 إلى 2167 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 25 نوفمبر 2023 - 23:59 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب ثانيا الطعام والشراب من 2049 إلى 2083 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 25 نوفمبر 2023 - 16:10 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر اثنى عشر الصيام والفطر والطعام والشراب أولا الصيام والفطر من 2002 إلى 2048 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 25 نوفمبر 2023 - 0:40 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات الحادي عشر الذكر والتسبيح والدعاء من 1961 إلى 2001 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 24 نوفمبر 2023 - 22:59 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات عاشرا السجود والمساجد والقبلة من 1921 إلى 1960 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 24 نوفمبر 2023 - 22:35 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات تاسعا صلاة الجمعة من 1903 إلى 1920 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 24 نوفمبر 2023 - 2:05 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات ثامنا الصلاة من 1826 إلى 1902 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023 - 1:09 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع عشر العبادات أولا الوضوء والاغتسال من 1794 إلى 1825 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023 - 17:54 من طرف عبدالله المسافر

» كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني "53" المجلس الثالث والخمسون من عبد الله بجهل كان ما يفسد أكثر مما يصلح
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023 - 0:53 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سابعا العدّة من 1782 إلى 1793 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023 - 0:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي سادسا الطلاق من 1744 إلى 1781 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 19:29 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي خامسا الأسرة من 1739 إلى 1743 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 19:05 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي رابعا الأولاد من 1734 إلى 1738 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 10:37 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثالثا الحمل والولادة والرضاع والفطام والحضانة من 1722 إلى 1733 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 20 نوفمبر 2023 - 23:21 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1681 إلى 1721 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 19 نوفمبر 2023 - 7:33 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1651 إلى 1680 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 19 نوفمبر 2023 - 1:17 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي ثانيا النكاح والزواج في القرآن من 1623 إلى 1650 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 18 نوفمبر 2023 - 17:41 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس عشر الإسلام الاجتماعي أولا المرأة في الإسلام من 1598 إلى 1622 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 17 نوفمبر 2023 - 21:34 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الخامس عشر الإسلام والحرب من 1547 إلى 1597 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 17 نوفمبر 2023 - 14:27 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الخامس عشر الإسلام و الحرب من 1519 إلى 1546 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 16 نوفمبر 2023 - 18:25 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1505 إلى 1518 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 16 نوفمبر 2023 - 2:40 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الرابع عشر القرآن ثانيا الأدب والأخلاق من 1480 إلى 1504 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 16 نوفمبر 2023 - 1:12 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب الرابع عشر القرآن والفنون والصنائع والآداب والأخلاق من 1462 إلى 1479 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 15 نوفمبر 2023 - 10:56 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1436 إلى 1461 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 18:27 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم ثانيا علم النفس في القرآن من 1419 إلى 1435 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 9:39 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1396 إلى 1418 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 13 نوفمبر 2023 - 14:20 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1375 إلى 1395 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 12 نوفمبر 2023 - 22:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث عشر القرآن والعلم أولا العلم في القرآن من 1343 إلى 1374 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 12 نوفمبر 2023 - 13:01 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1312 إلى 1342 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 12 نوفمبر 2023 - 0:53 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثاني عشر عن الساعة والقيامة والجنة والنار والموت من 1179 إلى 1311 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 11 نوفمبر 2023 - 14:21 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1146 إلى 1278 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 10 نوفمبر 2023 - 21:00 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1121 إلى 1245 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 9 نوفمبر 2023 - 21:24 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الحادي عشر مصطلحات من القرآن من 1190 إلى 1220 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 9 نوفمبر 2023 - 13:16 من طرف عبدالله المسافر

» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1152 إلى 1189 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 9 نوفمبر 2023 - 9:11 من طرف عبدالله المسافر

» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1130 إلى 1151 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 8 نوفمبر 2023 - 16:26 من طرف عبدالله المسافر

» الباب العاشر النّسخ في القرآن من 1126 إلى 1129 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 8 نوفمبر 2023 - 9:40 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1076 إلى 1125 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 7 نوفمبر 2023 - 23:58 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1059 إلى 1075 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 7 نوفمبر 2023 - 10:57 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1045 إلى 1058 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 6 نوفمبر 2023 - 20:19 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1035 إلى 1044 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 6 نوفمبر 2023 - 0:34 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1026 إلى 1034 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 4 نوفمبر 2023 - 18:29 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1018 إلى 1025 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 3 نوفمبر 2023 - 13:24 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1015 إلى 1017 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 2 نوفمبر 2023 - 14:48 من طرف عبدالله المسافر

»  الباب التاسع في أسباب نزول آيات القرآن من 1013 إلى 1014 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 2 نوفمبر 2023 - 1:08 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 981 الى 1011 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 31 أكتوبر 2023 - 11:46 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 961 الى 980 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 30 أكتوبر 2023 - 2:02 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثامن أمثال وحكم القرآن من 948 الى 960 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 29 أكتوبر 2023 - 1:55 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 941 الى 947 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 27 أكتوبر 2023 - 20:31 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 911 الى 940 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 26 أكتوبر 2023 - 10:07 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 881 الى 910 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 25 أكتوبر 2023 - 12:48 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 851 الى 880 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 24 أكتوبر 2023 - 15:33 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 831 الى 850 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 23 أكتوبر 2023 - 22:04 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 801 الى 830 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 22 أكتوبر 2023 - 16:03 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 771 الى 800 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 21 أكتوبر 2023 - 18:19 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 741 الى 770 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 20 أكتوبر 2023 - 10:31 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 19 أكتوبر 2023 - 15:04 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السابع القصص في القرآن من 697 الى 720 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 21:23 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 681 الى 696 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 22:39 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 661 الى 680 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 19:13 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 641 الى 660 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 1:09 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 621 الى 640 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 15 أكتوبر 2023 - 11:43 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 611 الى 620 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 14 أكتوبر 2023 - 21:15 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 601 الى 610 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 13 أكتوبر 2023 - 9:22 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 591 الى 600 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 12 أكتوبر 2023 - 15:46 من طرف عبدالله المسافر

» الباب السادس موجز سور القرآن من 582 الى 590 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 12 أكتوبر 2023 - 0:40 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 561 الى 581 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 10 أكتوبر 2023 - 20:42 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 541 الى 560 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 9 أكتوبر 2023 - 9:42 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الخامس اليهود والنصارى في القرآن من 527 الى 540 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 8 أكتوبر 2023 - 16:33 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 511 الى 526 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 6 أكتوبر 2023 - 9:34 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 491 الى 510 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 5 أكتوبر 2023 - 22:31 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 471 الى 490 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 4 أكتوبر 2023 - 22:07 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 451 الى 470 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - 20:32 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الرابع الإسرائيليات والشبهات والإشكالات من 431 الى 450 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 2 أكتوبر 2023 - 19:50 من طرف عبدالله المسافر

» الباب الثالث الإيمان والإسلام ثانيا الإسلام في القرآن من 421 الى 430 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 30 سبتمبر 2023 - 23:03 من طرف عبدالله المسافر

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

اذهب الى الأسفل

23102018

مُساهمة 

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Empty السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

03 - الفص الثالث حكمة سبوحية فى كلمة نوحية
الفقرة الأولى:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد.
فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.
و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
(فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته:
وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة.
فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
(وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته.
فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال.
وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه.
ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل.
ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».
وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
(وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا.
وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
(فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
(قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد.
لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا».
و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
(فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، 
وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه .
فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.
ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس.
«فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم.
فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
(فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف.
فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.
«إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه.
فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
(وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله. 
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
(فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
(فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.
و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول:
«فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
(«و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي.
«زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا».
فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه، و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم.
«مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.
فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.
«قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو.
«لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها.
المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
(و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه.
«من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر.
«ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب.
«و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره.
فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
(«رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره» *.
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي  قلبي .
«مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس.
«و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية.
«إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك.
و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح ، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام.)

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
03 . نقش فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (التنزيه للمنزه تحديد للمنزه . إذ قد ميزه عما لا يقبل التنزيه .
فالإطلاق لمن يجب له هذا الوصف تقييد فما ثم إلا مقيدٌ أعلاهُ بإطلاقه .
واعلم أن الحق الذي يطلب من العباد أن يعرفوه هو ما جاءت به ألسنة الشرائع في وصفه .
فلا يتعداه عقل قبل ورود الشرائع ومعرفة ما تلقاها من الشرائع .
ولكن شرطها أن يرد علم ما جاءت به إلى الله .
فإن كشف له عن العلم بذلك فذلك من باب العطاء الإلهي الذاتي وقد تقدم في شيث .)

الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
 3 - فك ختم الفص النوحى
1 / 3  اعلم انه لما كان اول المراتب الإلهية التي بها ثبت اولية الحق ومبدئيته مرتبة احدية الجمع كما مر بيانه .
كانت صفة الفياضية والمصدرية تليه على ما بيّن وكان اول القوابل لذلك الفيض الذاتي الإلهي عالم الأرواح وهي أتم الموجودات طهارة من الكثرة الامكانية والتركيب والنقائص المكتسبة من الوسائط ، وكانت نسبتها ايضا من وحدانية الحق أتم من غيرها ، فارتباطها بالجناب الحق انما هو من هذا الوجه لا غير بهذا ما أدركت من الكمالات الإلهية شيئا سوى ما استفادته من نسبة ارتباطها بحضرة الوحدانية وقبولها الفيض الوجودي غير منصبغ بأكثر احكام الامكانية والوسائط . 
ولهذا كان علمها مقصورا على معرفة الحق من تجرده ونزاهته عن الكثرة والتركيب - لتضمنها صفة الافتقار - فظهرت بصفة التنزيه وانصبغت به .


صفة التنزيه
2 / 3  ولما كان نوح عليه السلام اول المرسلين واول احكام الرسالة مطالبة الرسول للامة بتوحيد الحق وتنزيهه عن الشريك والمثل والمنازع .
لزم ان يكون الغالب على حال نوح صفة التنزيه ، لأنه مبدأ ظهور الرسالة واول قابل لحكمها ، واول مطالب للخلق بالتوحيد المشار اليه ، فيه ظهرت اولية عالم الأرواح وصفتها القابلة اول الفيض الإلهي الوحدانى والظاهرة بحكمه وصفته .

3 / 3  ولهذا غلب عليه حال الغيرة والغضب على قومه لما شاهد انعكافهم على عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر حتى عاد عليهم بالهلاك بعد ان وصفهم بالظلم والنقائص .
كما فعلت الملائكة في حق آدم حيث ذموه ووصفوه بالنقائص ، فتداركهم الحق سبحانه بالتبكيت مع رعاية حسن مقاصدهم ، حيث كان الحامل لهم على ما ذكروه الغيرة على جناب الحق وكراهة ان يعصيه احد من خلقه . 
فافهم هذا تعرف سر الحكمة السبوحية واختصاصه بنوح عليه السلام .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 11:36 عدل 2 مرات
عبدالله المسافر
عبدالله المسافر
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6580
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي :: تعاليق

عبدالله المسافر

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:15 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

03 - الفص الثالث حكمة سبوحية فى كلمة نوحية
الفقرة الأولى: الجزء الثاني
 كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية وفى كتاب فصوص الحكم


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:02 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:24 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية

هذا نص الحكمة النوحية .
ذكره بعد حكمة شيث عليه السلام، لأن نوح عليه السلام أول أولي العزم من الرسل، فهو أول المظاهر الآدمية من حيث الكمال المطلق.
وبه كانت زيادة آدم عليه السلام في شكره على إعطائه شيث عليه السلام، الذي هو عطية الله تعالى كما قال تعالى: " لئن شكرتم لأزيدنكم" [إبراهيم: 7]، ولهذا كان من أسماء نوح عليه السلام "یشکر من هو مظهر آدم عليه السلام بسبب كثرة شكره لربه" .
(فص حكمة سبوحية) بالتشديد كما مر بيانه (في كلمة نوحية).
إنما اختصت كلمة نوح عليه السلام بالسبوحية، لأن كمال، الثبوت الكوني في الوجود الإمكاني العيني بكمال ظهور الأحدية في حضرة الواحدية ذلك بكمال التسبيح والتنزيه والتقديس.
وكلما كمل ثبوت الوجود الإمكاني العيني قوي عزمه الباطني والظاهري، ولهذا كان نوح عليه السلام أول أولي العزم من الرسل لكمال تنزيهه بكمال ظهور الأحدية له وغلبة حكمها عليه على حكم الواحدية .

قال رضي الله عنه : "اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد و التقييد.  فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب.
ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان."
(اعلم) أيها المريد السالك (أن التنزيه) وحده أي تبعيد الله تعالی وتبرئته عن مشابهة الحوادث العقلية والحسية (عند أهل الحقائق) الإلهية والمعارف الربانية.
إذ عند غيرهم من علماء النظر هو غاية المراد (في الجناب الإلهي) سبحانه وتعالى
(عين التحديد والتقييد)، لأنه حصر ذات الإله تعالى في ماهية تخالف جميع ماهیات الحوادث العقلية والحسية والحصر قيد وهو ينافي الإطلاق، ولأنه حكم على الذات الإلهية بعدم المشابهة لشيء، فالذات محكوم عليها و كل محكوم عليه محدود و مقید والمحدود والمقيد حادث لا قدیم .
(فالمنزه) فقط لله سبحانه وتعالى (إما جاهل) بأن تنزيهه عين تشبيهه، لأنه ما زاد على أن جعل لله تعالى ماهية أخرى تخالف جميع ماهيات الحوادث في العوارض بعد موافقتها في كونها ماهية.
وما علم من جهله أن كل ماهية من ماهیات الحوادث كذلك وصفها تخالف جميع ماهيات الحوادث في العوارض بعد موافقتها في كونها ماهية.
وإن اشتبهت عوارض بعضها بعوارض بعض، فقد لا تشتبه كعوارض الليل وعوارض النهار، على أن اشتباه العوارض من قصور الإدراك.
فإن الله تعالى لا يتكرر تجليه مطلقا فلا تتكرر العوارض مطلقا، فالتنزيه وصف كل شيء حادث، لأنه عين التشبيه عند الحاذق النبيه الذي لا يحتاج إلى التنبيه .

وإما صاحب سوء أدب مع الله تعالى ورسله إن لم يكن جاهلا بأنه عین التشبيه حيث شبه الله تعالی بخلقه وساوى بينه وبين مصنوعاته عن قصد منه واختيار.
والوارد عنه تعالى وعن رسله عليهم السلام انفراده تعالى بالكمال المطلق الذي لا يتقيد ولا بالإطلاق فإن الإطلاق قيد بعدم القيود فهو إطلاق اعتباري.
وإطلاق الله تعالی حقیقي لا اعتباري فهو إطلاق عن القيود وعن الإطلاق، تنزه تعالى عن القيود فكان مطلقا .
وتنزه عن الإطلاق فكان مقيدا، فهو المطلق المقيد وما هو المطلق المقيد.
وهذا الإطلاق الحقيقي الذي لله تعالى على ما يأتي بيانه إن شاء الله قريبا (ولكن إذا أطلقاه)، أي الجاهل وصاحب سوء الأدب التنزيه فقط على الله تعالی

(وقال) ظاهرا وباطنا (به فالقائل بالشرائع المؤمن) منهما كالجهمية ونحوهم (إذا نزه) الله تعالی فقط (ووقف عند التنزيه) لله تعالى (ولم ير غير ذلك) حقا (فقد أساء الأدب) مع الله تعالى .
حيث قيد الله تعالى وحصر به الماهية الموصوفة بأنها لا تشابه جميع ما عداه من الماهيات الحادثة. ولا يقيد ويحصر إلا الحادث والله تعالی قدیم
(واكذب)، أي نسب إلى الكذب (الحق) تعالى حيث وصف تعالی نفسه تعریف لنا بما نعهد من الأوصاف بأنه سميع بصير قدیر مرید حي متكلم عليم له يد ووجه وعين وجنب إلى غير ذلك.

(و) أكذب (الرسل) أيضا (صلوات الله عليهم) حيث وصفوه تعالى بأن له ضحكا وفرحا وله نزول إلى سماء الدنيا وله قدم وأصابع ونحو ذلك، وإن كان هذا كله لا يشبه أوصافنا التي نعهدها لأنا حادثون وهو تعالی قدیم، ولكن في ذلك نفي التقييد بالتنزيه.
لأن المراد إثبات الإطلاق الحقيقي له تعالى لا التنزيه فقط ولا التشبيه فقط، فالرسل الباطنية وهي العقول شبه ثم تؤه، والرسل الظاهرية وهم الأنبياء عليهم السلام تنزه ثم تشبه، فالمنزه فقط مكذب للرسل الباطنية والظاهرية (وهو لا يشعر) بما يصدر منه لكمال جهله بمقتضى ما هو فيه.

(ويتخيل) بسبب قصوره (أنه) من كمال تنزيهه فقط (في) الأمر (الحاصل) المطلوب منه عقلا و شرعا (وهو في) الأمر (الفائت)، لأنه وقع فيما فر منه إذ هو فار من التشبيه والتحديد والتقييد واقع في ذلك بمجرد التنزيه (وهو كمن آمن ببعض) الكتاب الحق (وكفر ببعض) إذ العقل والشرع مطبقان على التشبيه والتنزيه معا لا التشبيه فقط ولا التنزيه فقط.

فأحدهما وحده إيمان ببعض الشرع وكفر ببعض قال تعالى:  أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)سورة البقرة.
(ولا سيما) يعني خصوصا (وقد علم) ذلك المؤمن القائل بالتنزيه فقط (أن ألسنة) جمع لسان (الشرائع الإلهية إذا نطقت في وصف الحق تعالی) للمكلفين (بما نطقت به من الأسماء والأوصاف (إنما جاءت) من عند الله تعالی (به) خطابة (في جهة العموم) من الناس (على) حسب مقتضى الأمر.

(المفهوم الأول) الذي لا يحتاج إلى تفكر ولا تدبر (وعلی) جهة (الخصوص) من الناس على حسب مقتضى (کل) أمر (مفهوم) لائق بالمقام (يفهم من وجوه)، أي اعتبارات (ذلك اللفظ) الوارد في الشرائع الإلهية (بأي لسان)، أي لغة واصطلاح (كان في وضع ذلك اللسان) الذي وردت تلك الشريعة به.
والحاصل أن كل شريعة من الشرائع التي أرسل الله بها الأنبياء عليهم السلام إلى أمم وردت على حسب لسان تلك الأمة، وعلى مقتضی خطاباتهم في لغتهم المعهودة فيما بينهم.

كما قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)" سورة إبراهيم.
فجميع ما نطقت به كل شريعة خطابا لمن هي لهم، فهي جارية على حسب فهم العامة منهم على حسب فهم الخاصة أيضا، من غير تقييد بفهم دون فهم، إذ لا حصر ولا قيد للأمر الإلهي والشأن الرباني .

فالمراد ما فهمه الجميع من حيث إنه بعض المراد وليس المراد ما فهمه الجميع من حيث إنه كل المراد، والأمر أعظم من أن يفهمه الجميع، فعلى كل واحد من العامة والخاصة أن يتقي الله ما استطاع بمقدار علمه وعمله، فلا يترك من قدرته شيئا في التقوى، وأن يعترف بالقصور والعجز علما وعملا ظاهرا وباطنا، ولهذا قال تعالى : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " [البقرة: 286]، يعني مقدار طاقتها فيما تعلم وتعمل من شريعتها الإلهية التي هي أعظم مما تعلم وتعمل.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية


(اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق) أي عند المطلعين بالحقائق الأسمائية (في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد) والله منزه عن التحديد والتقيد فنزه أهل الحقيقة عن التنزيه فهم ليسوا بمنزهين فقط، بل هم منزهون في مقام التنزيه والمشبهون في مقام التشبيه .

"ويقول محقق الكتاب :  ليس المراد بالشبيه والتنزيه هنا ما أراده المتكلمون عندما تحدثوا في الصفات الإلهية ونفوها و أثبتوها وعلى أي نحو أثبتها المثبتون أو نفاها النافون.
بل المراد بها معنى آخر لم يسبق ابن عربي إليه سابق، وهو المعنى الوحيد الذي يتمشى مع نظريته العامة وهي بمعنى "الإطلاق" أو "التقيد".
فالله متزه بمعنى أنه إذا نظر إليه من ناحية ذاته فهو بتعالي عن كل وصف وكل حد وتقييد.
وهو بهذا المعنى غني عن العالمين يحيط بكل شيء ولا يحيط به شيء ولا علم ساري في كل موجود غير متعين في موجود دون آخر. فلا يصدق عليه وصف إلا الإطلاق وفي الإطلاق غاية تنزيهة."
فلا يمكن معرفة الحق من غير تحديد وتقييد (فالمنزه) فقط (إما جاهل) أي غير قائل بالشرائع كالفلاسفة ومقلديهم الذين ينزهون الحق بمقتضى عقولهم عن الصفات التي أخبر الحق عن اتصاف نفسه بها فهم ضلوا وأضلوا.
(وإما صاحب سوء أدب) أي قائل بالشرائع (ولكن إذا أطلقاه) أي التنزيه على الله تعالى (وقالا به) أي اعتقد بأن الله منزه عن الصفات الوجودية كالحياة والعلم والسمع والبصر وغير ذلك .
فغير القائل بالشرائع فهر الجاهل أي الكافر لا كلام فيه لظهور بطلانه لذلك ترلي هذا القسم (فالقائل) أي المعتقد (بالشرائع المؤمن) عطف بيان للقائل بالشرائع (إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك) أي ولم يشبه في مقام التشبيه .

(فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الغائب وهو كمن آمن ببعض) الشرائع (و کفر ببعض ولا سيما) كالمعتزلة فإنهم أنكروا بعض الشرائع كصفات الله وبعض أمور الأخرة.

ولما قال ووقف عند التنزيه فقد أساء الأدب واكذب الحق و الرسل أراد أن يبين التشبيه والتنزيه حتى ظهر تكذيبه الحق والرسل فقال : (وقد علم) على البناء للمفعول (أن السنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالی بما نطقت به) هذه الألسنة من التنزيه والتشبيه (إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول) يفهمه كل من يسمع ذلك اللفظ .
(وجاءت به على الخصوص)أي الخواص من المحققين جاءت به على كل مفهوم بفهم من وجود ذلك اللفظ بأني لسان کان سواء كان ذلك عربيا كالقرآن العظيم أو غير عربي كسائر الكتب المنزلة (في وضع ذلك اللسان) فبين الله للعباد كلها على حسب مراتبهم بألسنة الشرائع في حق نفسه من التنزيه والتشبيه فمن وقف عند التنزيه ولم ير التشبيه .
وهو آمن ببعض وكفر ببعض لكنه لا يشعر بذلك وهو معذور بذلك لذلك لا يكفر بل هو مؤمن عند أهل الظاهر والباطن لكونه معتقدا بالشرائع كلها في ظنه .
وإنما جاءت في عموم الناس على المفهوم الأول وعلى خصوصهم على كل مفهوم يفهم من وجود ذلك اللفظ.



شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.
وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية

قال رضي الله عنه : "اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب."
قلت: لما قال فص حكمة سبوحية تكلم في معنى السبوح وهو المنزه، فشرع في تحقيق التنزيه وسمى صاحبه إما جاهلا وإما صاحب سوء أدب.
أما جهله، فمن جهة أن يقول إن الله تعالى منزه عن كل صفة تشاركه في التسمية بها خلقه ، فيلزم هذا القائل أحد أمرين:
إما أن لا يتسمى الحق تعالی أنه سميع بصير متكلم بل ولا حي عالم مريد قادر، فإن هذه الأسماء يصح إطلاقها على خلقه.
أو ينفي هذه الصفات عن خلقه وذلك ممنوع لأن الشريعة المطهرة جاءت على وفق التسمية بهذه الأسماء لخلقه.
اللهم إلا أن يقولوا: إن هذه الأسماء من الأسماء المشتركة.
فيقال لهم: سلمنا ذلك لكن هل يفهم منها حالة إطلاقها على الحق جل جلاله ما كان من وضع واضع اللغة أو غيره؟
فإن كان هو بعينه، فالتنزيه مناف لما دل عليه الوضع.
أو لا يكون معناها ما دل عليه الوضع اللغوي؟
فلا يكون قد خاطبنا باللسان العربي وقد قال تعالى: " بلسان عربي مبين" (الشعراء: 195).
هذا إذا تكلمنا معهم بمبلغ عقولهم فهم جهال, وإن تكلمنا بما يقتضيه الشهود، فالحق تعالی موصوف بهذه الصفات ولا يخلو منه مكان ولا زمان.
فقول القائل في التنزيه: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا وسط، أو أن يقال إنه لا يرى كما يقوله المعتزلة ومن تابعهم لا في الدنيا ولا في الآخرة فهم جاهلون بالله تعالى، فإن الحق خلاف ما قالوه.
قال: وإما أن يكون صاحب سوء أدب، وهولاء، الذين هم أصحاب سوء الأدب، على قسمين:

"القسم الأول :" إما أن يقولوا على الله تعالى من تنزيهه ما يتحققون خلافه فلا يكون ما قالوه تنزيها بل كفرا، وهذا القسم قليل أن يوجد.
القسم الثاني: أن يروا من يعتقد نفي الصفات التي أثبتها لنفسه عنه تعالى فيوافقونهم في القول تملقا ونفاقا وهم يعتقدون الحق ويظهرون خلافه، فإذن المنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب.
قوله رضي الله عنه : "ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك، فقد أساء الأدب وأكذب الحق تعالی والرسل، صلوات الله عليهم، وهو لا يشعر، ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت. وهو كمن آمن بعض وکفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطفت في الحق تعالی بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان. "
قلت: إذا أطلقه المذكوران، وهما الجاهل وصاحب سوء الأدب، أي إذا أطلقاه وقالا به، فنقول للمؤمن منهم بالشرائع: وقوفك عند التنزيه إن لم ترى غیره فقد أساءت الأدب.

لاستلزام ما قلت به تکذیب الحق تعالی ورسله الكرام وأنت لا تشعر لأنك سددت باب الصفات التي وردت عن الله تعالى على ألسنة رسله.
وسددت باب ما اقتضاه الكشف والشهود، فإن من انشق حسه ورأي بظاهره ظاهر الحق تعالى من حيث دخول ظاهريته في ظاهر الحق حتى لا يرى الحق إلا الحق تعالى، ومن سد البابين المذكورين فهو على غاية من سوء الأدب.

فأما سوء الأدب الخاص، برد ما جاءت به الرسل عن الله تعالی فذلك أنها أتت بها على العموم في المفهوم الأول يعني بلا تأويل بل على ظاهره .
وذلك هو مفهوم العموم أي العامة، لأن الرسل، عليهم السلام، أمروا أن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم، فكلامه تعالى على قدر عقول العامة، فهو محمول على مفهومهم. فمن خالف ذلك فقد أساء الأدب على الله تعالی.

وأما سوء الأدب المختص بما إذا حمل ما جاءت به الرسل من الصفات على مفهوم الخصوص، فهو أن يحمل الصفات على كل مفهوم مفهوم مما يحتمله اللفظ في تلك اللغة التي جاءت بها الرسل الكرام.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


3. فصّ حكمة سبوحية في كلمة نوحية  


قد سلف في سرّ إضافة هذه الحكمة السبّوحية إلى الكلمة النوحية ما فيه مقنع ومطَّلع على حقائقه ونقول في مرتبة السبّوحيّة وهي النزاهة والطهارة اللازمة مرتبة الواحدية والأحدية والبساطة والنوريّة :

اعلم : أنّ كلّ تنزيه من كل منزّه لكلّ منزّه تحديد منه له بتمييزه إيّاه عمّا تميّزه تنزيهه عنه ، وحصوله فيما عيّنه له من وجوه التنزيه . وكذلك الإطلاق إن يجب أيضا تقييد له بالإطلاق ، فأتم اللامقيّد أعلاه بإطلاقه نظرا عقليّا فكريا .
ثمّ إنّ الله تعالى طلب من الخلق معرفته بقوله : " أحببت وأردت أن أعرف ، فخلقت الخلق وتعرّفت إليهم " أي بألسنة الشرائع المنزلة " فعرفوني " أي على ما عرّفتهم فيما تعرّفت .
وقيل إنزال الشرائع كان العلم به تعالى بوجوه التنزيه عن سمات الحدوث والتركيب والافتقار ، وإطلاق الاقتدار وهو التنزيه المشهور عقلا ، فلا يتعدّاه عقل أصلا .
وأمّا العارف بالله حقيقة فهو جامع بين معرفتين : معرفة يقتضيها العقل والدليل ، ومعرفة يقتضيها الشرع لا يبلغها التأويل . وطريق العقل المنوّر الكامل فيها أن يردّ علم ذلك عن الدليل العقلي وتعليمه إلى الله ويؤمن به وبكلّ ما جاءت به الشرائع المنزلة

على ألسنة الرسل على الوجه الذي أراده الله من غير تأويل بفكره ولا تحكَّم على ذلك برأيه وأمره ، لأنّ الشرائع إنّما أنزلها الله تعالى لعدم استقلال العقول البشرية بإدراك حقائق الأشياء على ما هي عليه في علم الله ، وأنّى لها ذلك وقد تقيّدت بما عندها من إطلاق ما هنا لك ؟ فإن وهبها الله تعالى علما بمراده من الأوضاع الشرعيّة ، ومنحها اطَّلاعها على حكم من الأحكام الدينية الأصلية الأصيلة والفرعية المرعيّة من حقائق الإخبارات الإلهيّة التي يتخيّلها العقل بقوّته الفكرية ، فذلك من قبل الفيض الإلهي الرحماني والتعليم السبحاني الربّانيّ .
فلا تضفها إلى فكره ، فتنزيهه الفكري يجب أن يكون مطابقا لما أنزله على ألسنة الرسل عليهم السّلام في كتبه المنزلة عليهم ، وإلَّا فهو منزّه عن تنزيه العقول البشريّة بأفكارها ، فإنّها مقيّدة بأوطارها ، واستعلت على جوّ أو كارها وأكوارها ، وكوشفت وشوفهت بها تحدّث الحقائق عن أخبارها ، فإنّها حينئذ يكشف الغطاء عن بصائرها وأبصارها ، فهي حديدة وتطلع ، فتطَّلع على الحكم المودعة الإلهيّة في صور الأوضاع الشرعيّة وإخباراتها على وجوه سديدة ، وينزّه الحقّ إذ ذاك عن التنزيهات العرفية بالأفكار العاديّة ،

ولهذا قال الشيخ رضي الله عنه : " اعلم : أنّ التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد ، فالمنزّه إمّا جاهل وإمّا صاحب سوء أدب عن أمور بموجب استحسانه واستقباحه لفكره العاديّ وعقله العرفي ، وخصّه بأمور سواها بحكمه وأمره ، والتنزيه تحديد من المنزّه ، لأنّه تمييز ، والتمييز تحديد ، والتخصيص تقييد له تعالى بما ميّزه عنه وتحديد بما سواه ، وهذا مناف للإطلاق الحقيقي الإلهي الذاتي » .

ثمّ هذا المنزّه إمّا أن يكون عارفا بأنّ الله مطلق الذات بالإطلاق الذي لا يقابله تقييد ، بل بالإطلاق عن الإطلاق والتقييد والجمع بينهما على وجه الحصر والتحديد ، فهو لا ينزّهه إذا عمّا اقتضته ذاته ، فتنزيهه إذن عن شيء مع ذلك سوء أدب وتحكَّم على الحقّ بأن يكون على وجه وهو على خلاف ما عرف من الإطلاق الذي يقتضيه لذاته ،
وإن لم يكن عالما بحقيقة الإطلاق الذاتي المذكور الذي لله تعالى ، فهو جاهل بحقيقته تعالى وبالتنزيه الحقيقي الذي يقتضيه تعالى لذاته بتحكيم رأيه وفكره على ما وردت به الشريعة من أمره ف " ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه ِ " ، وقدروا الإدراك العقليّ الفكريّ فوق طوره ، فافهم .

قال الشيخ رضي الله عنه : " ولكن إذا أطلقاه وقالا به ، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزّه ووقف عند التنزيه ، ولم ير غير ذلك ، فقد أساء الأدب ، وأكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ، ويتخيّل أنّه في الحاصل وهو في الفائت ، وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض " .
قال العبد : الجاهل الحقيقة الحقّ وصاحب سوء الأدب إذا أطلقاه في التنزيه ، واقفين على مقتضى معتقدهما من التنزيه ، ولم يشهدا سوى مشاهدهما المعيّنة ، فقد فقد كلّ واحد منهما الحق المطلق بمعلومه ، وحصره في مفهومه ، وأساء الأدب ، وأكذب الحقّ والرسل بالعجب والعجب ، لأنّه تعالى نزّه وشبّه وجمع بين التنزيه والتشبيه في أنّه واحدة فقال : "لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه "وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فشبّه وهو جمع بينهما .

بل في نصف هذه الآية وهو قوله : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " جمع بين التنزيه والتشبيه على قول من يقول منّا : إنّ الكاف في « كمثله » غير زائدة ، فإنّ فيه نفي مماثلة الأشياء لمثله ، فمثله هو المنزّه وهو إثبات للمثل المنزّه ، وهو عين التشبيه في عين التنزيه بمعنى أنّ المثل إذا نزّه فبالأولى أن يكون الحقّ منزّها عن كلّ ما ينزّه عنه مثله ، لأنّ تنزيه المثل المثبت في هذه الآية موجب لتنزيهه بالأحرى والأحقّ . وكذلك النصف الثاني مصرّحا بالتشبيه ظاهرا .

ولكنّه عند التحقيق وتدقيق النظر الدقيق عين التنزيه الحقيقي في صورة التشبيه وصيغته ، لأنّ قوله : " هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " إثبات لخصيص أو لخصيصيّة بإثبات السميعية والبصيرية ، بمعنى أنّه لا سميع ولا بصير في الحقيقة إلَّا هو ، فهو السميع بعين كلّ سمع سميع ، والبصير بعين كلّ بصر بصير .
فهو تنزيهه تعالى عن أن يشتركه غيره في السمع والبصر ، وهو حقيقة تنزيهه لنفسه وتنزيه المحقّقين ، فافهم .
فلمّا أقرّت العقول بالعجز عن إدراك الحقائق على سبيل الإحاطة والحصر إلَّا طائفة جاهلة بحقيقة الأمر ، عادلة عن طريقة السرّ ، فإنّهم قالوا : إنّ العقول كافية في إدراك عقولنا فلا معقول عليه ،مع اعتراف أفاضلهم وأكابرهم بأنّ الفكر قوّة جزويّة.

أنّ ما يصل إليه الإنسان بفكره ليسير بالنسبة إلى ما لم يصل إليه ، وأنّ العقول المتعيّنة في القوى المزاجية ، المقيّدة الجزوية مقيّدة جزوية كذلك بحسبها ، وأنّى للأفكار المقيّدة الجزوية أن تدرك الحقائق المجرّدة المطلقة من حيث هي كذلك ، إلَّا أن تنطلق عن قيودها أو تتقيّد المطلقات المجرّدة بحسب شهودها ووجودها ، فافهم .

قال رضي الله عنه : « ولا سيّما وقد علم أنّ ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق بما نطقت به إنّما جاءت به في العموم على المفهوم الأوّل ، وعلى الخصوص على كلّ مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأيّ لسان كان في وضع ذلك اللسان".
قال العبد أيّده الله به : اعلم : أنّ المعرفة الحاصلة للعقلاء توجب باتّفاقهم وتقتضي باجتماعهم وإطباقهم تنزيه الحقّ عن صفات المحدثات والجسمانيات ، وسلب النقائص عن جنابه ، ونفي النعوت الكونية الحدوثية عنه ، فالعقول مطبقة على ذلك .
ولو كان المراد الإلهي من معرفته هذا القدر ، لكان بالعقول استغناء واكتفاء عن إنزال الشرائع والكتب ، وإظهار المعجزات والآيات لأهل الحجب ، ولكنّ الحقّ سبحانه وتعالى غنيّ عن تنزيه العقول بمقتضى أفكارها المقيّدة بالقوى المزاجية .
ويتعالى عن إدراكها ما لم تتّصل بالعقول الكلَّية ، فاحتاجت من حيث هي كذلك في معرفتها الحقيقة إلى اعتناء ربّاني «وإلقاء رحمانيّ يهيّئ  استعدادا لمعرفة ما لا تستقلّ العقول البشرية بإدراكه مع قطع النظر عن الفيض الإلهي . فلمّا جاءت ألسنة الشرائع بالتنزيه والتشبيه والجمع بينهما.

كان الجنوح إلى أحدهما دون الآخر باستحسان عقلي فكري تقييدا أو تحديدا للحق بمقتضى الفكر والعقل من التنزيه عن شيء أو أشياء أو التشبيه بشيء أو أشياء ، بل مقتضى العقل المنصف المتّصف بصفة نصفة أن يؤمن بكلّ ما وردت به الشرائع على الوجه المراد للحق من غير جزم بتأويل معيّن ولا جنوح إلى ظاهر المفهوم العامّ مقيّدا بذلك ، ولا عدول إلى ما يخرجه عن ظاهر المفهوم من كل وجه محدّدا لذلك ، ولكنّ الأحقّ والأولى والأجدر والأحرى أن نأخذ القضيّة شرطيّة .



يتبع الجزء الجزء الثاني 
.

الفقرة الثانية على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم






عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:00 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:27 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية : الجزء الثاني

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
3 -  فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
السبوح المنزه عن كل نقص وآفة . ولما كان شيث عليه السلام مظهر الفيض الإلهي الرحمانى ، والفيض لا يكون إلا بالأسماء الداخلة تحت اسم الرحمن والرحمانية تقتضي الاستواء على العرش لأن الفيض كما يكون بالأسماء كذلك لا يمكن إلا على القوابل ، فحكمة العطايا والوهب اقتضت التعدد الأسمائية ووجود المحل الموهوب له ، وأصل القابلية للطبيعة الجسمانية فغلب على قومه حكم التعدد والقوابل .
حتى إذا بعد عهد النبوة وتطاول زمان الفترة اتخذوا الأصنام على صورة الأسماء وحسبوا الأسماء أجساما وأشخاصا والمعاد جسمانيا محضا لاقتضاء دعوته ذلك ، فأوجب حالهم أن يدعوا إلى التنزيه وينبهوا على التوحيد والتجريد ويذكروا الأرواح المقدسة والمعاد الروحاني ، فبعث نوح عليه السلام بالحكمة السبوحية والدعوة إلى التنزيه ورفع التشبيه ، فكنسبته عليه السلام في الدعوة إلى الباطل إلى شيث عليه السلام نسبة عيسى إلى موسى عليه السلام .
قوله رضي الله عنه : اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد " .
معناه أن التنزيه تمييزه عن المحدثات والجسمانيات وعن كل ما لا يقبل التنزيه من الماديات ، وكل ما تميز عن شيء فهو إنما يتميز عنه بصفة منافية لصفة التميز عنه ، فهو إذن مقيد بصفة ومحدود بحد فكان التنزيه عين التحديد غاية ما في الباب أن المنزه نزهه عن صفات الجسمانيات فقد شبهه بالروحانيات في التجريد ، أو نزه عن التقييد فقد قيده بالإطلاق والله منزه عن قيدى التقييد والإطلاق ، بل مطلق لا يتقيد بأحدهما ولا ينافيهما.
( فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب ) إذا وقف عند التنزيه ولم يقل بالتشبيه ، وهو معنى ( ولكن إذا أطلقاه وقالا به ) أي لم يتجاوزا إلى التشبيه والجمع بينهما ، لأنه إن لم يتبع الشرائع ونزهه تنزيها يقابل التقييد ، بأن جعله منزها عن كل قيد مجردا فهو جاهل ، وإن كان متبعا للشرائع .
كما قال رضي الله عنه : فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ، ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت ، وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض " .
فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل ، لأن الكتب الإلهية والرسل ناطقة بالجمع بين التشبيه والتنزيه وهو يخالفهما ( ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ ، بأى لسان كان في وضع ذلك اللسان ) المراد من العموم عامة الناس ومن الخصوص خاصتهم ،
والمفهوم الأول ما يتبادر إلى الفهم عند سماع اللفظ ، وهو المعنى الذي يستوي فيه الخاصة والعامة .
والمفهوم الثاني الذي يفهم من وجوه ذلك اللفظ مختص بالخاصة ، ولا يجوز أن يتكلم الحق بكلام يختص فهمه ببعض الناس دون البعض ، ولا يفهم العامة منه شيئا أو يفهم ما ليس بمراد وإلا لكان تدليسا ، بل الحق من حيث هو مطلع على الكل يكلمهم بكلام ظاهر ما يسبق منه إلى الفهم وهو لسان العموم ، وله وجوه بحسب تركيب اللفظ والدلالات الالتزامية لا يفهمها إلا الخصوص ، وبحسب مراتب الفهم وانتقالاته تتفاوت الدلالات وتزيد وتنقص .
فللحق في كل مرتبة من مراتب الناس لسان ، ولهذا ورد قوله عليه الصلاة والسلام « نزل القرآن على سبعة أبطن » وقوله « ما من آية إلا ولها ظهر وبطن ، ولكل حرف حد ولكل حد مطلع » فمن الظهر إلى المطلع مراتب غير محصورة ولكن يجب أن يفهم أول المعاني من ذلك اللفظ بحسب وضع ذلك اللسان ، وترتب عليه سائرها بحسب الانتقالات الصحيحة فيكون الحق مخاطبا للكل بجميع تلك المعاني ، من المقام الأقدم الذي هو الأحدية إلى آخر مراتب الناس الذي هو لسان العموم ، كقوله مثلا " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ".
فالمفهوم الأول ليس هو مثل الذي وصف بصفاته شيء إذ لا نظير له من غير قصد إلى مثل ونظير ، أو ليس مثله شيء على أن الكاف زائدة وهو محض التنزيه وهو السميع البصير عين التشبيه لكن الخاصة يفهمون من التنزيه التشبيه ومن التشبيه بلا تشبيه التنزيه ، فإن الكاف والمثل لو حملا على ظاهرهما كان معناه ليس مثل مثله شيء فيلزم ثبوت المثل والتشبيه بلا تشبيه ، وتعريف السميع البصير الدال على القصر يفيد أنه لا سميع ولا بصير إلا هو وهو عين التنزيه فافهم .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


3 - ﻓﺺ ﺣﻜﻤﺔ ﺳﺒﻮﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻧﻮﺣﻴﺔ
ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺒﺪﺋﻴﺔ، ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻭﻟﻬﻢ ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ - ﻷﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻛﻤﺎﻻﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻭﻧﻘﺎﺋﺼﻬﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﻬﻢ ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﺑﺤﺴﺐ ﻭﺟﻮﺩﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﻌﻴﻨﺔ ﻭﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﺪﺓ ﻭﻛﻞ ﻣﻨﺰﻩ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺰﻩ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺺ - ﺃﺭﺩﻑ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ (ﺍﻟﺴﺒﻮﺣﻴﺔ) ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ (ﺍﻟﻨﻔﺜﻴﺔ) ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺡ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ - ﻭﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺃﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻤﻨﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﻨﻔﻰ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺠﻠﻲ ﺇﻟﻬﻲ ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻣﻪ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ ﻭ ﻫﻮ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻨﻬﺎ - ﻗﺎﺭﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺴﺒﻮﺣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ (ﺍﻟﻨﻮﺣﻴﺔ) ﻟﻠﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﻭﻣﻌﻨﻰ (ﺍﻟﺴﺒﻮﺡ) ﺍﻟﻤﺴﺒﺢ ﻭﺍﻟﻤﻨﺰﻩ، ﺍﺳﻢ ﻣﻔﻌﻮﻝ، ﻙ (ﺍﻟﻘﺪﻭﺱ) ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ.
(ﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺎﺏ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪ. ﻭﺍﻟﻤﻨﺰﻩ ﺇﻣﺎ ﺟﺎﻫﻞ ﻭﺇﻣﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻮﺀ ﺃﺩﺏ). ﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻘﻂ، ﺃﻭ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ.
ﻭﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻟﻠﺠﻨﺎﺏ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻭﺗﻘﻴﻴﺪ ﻟﻪ، ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺮﺍﺗﺒﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺒﻌﺾ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ، ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺍﻟﺴﻤﻊ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ.
ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ.
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺑﺬﻭﺍﺗﻬﻢ ﻭﻭﺟﻮﺩﺍﺗﻬﻢ ﻭﻛﻤﺎﻻﺗﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻟﻠﺤﻖ، ﻭﻫﻮ ﻇﺎﻫﺮ ﻓﻴﻬﻢ ﻭﻣﺘﺠﻞ ﻟﻬﻢ: (ﻭﻫﻮ ﻣﻌﻬﻢ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ).
ﻓﻴﻪ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﻭﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻭﺑﻘﺎﺅﻫﻢ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺻﻔﺎﺗﻬﻢ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻬﺮ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻛﻠﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﻟﻠﺤﻖ ﺑﺎﻷﺻﺎﻟﺔ، ﻭﻟﻠﺨﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ.
ﻓﺎﻟﻤﻨﺰﻩ ﺇﻣﺎ ﺟﺎﻫﻞ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ، ﺃﻭ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻣﻈﻬﺮﻩ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺟﺎﻫﻼ ﻭﺣﻜﻢ ﺑﺠﻬﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﻴﺪﻩ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺮﺍﺗﺒﻪ، ﻓﻬﻮ ﺟﺎﻫﻞ ﻭﺻﺎﺣﺐ ﺳﻮﺀ ﺃﺩﺏ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﻪ، ﻓﻘﺪ ﺃﺳﺎﺀ ﺍﻷﺩﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺭﺳﻠﻪ ﺑﻨﻔﻴﻪ ﻋﻨﻪ ﻣﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ ﻫﻮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻲ ﺟﻤﻌﻪ ﻭﺗﻔﺼﻴﻠﻪ. ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ.
ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻷﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻓﻼ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻭﻻ ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺇﺫ ﻻ ﺗﻌﺪﺩ ﻓﻴﻪ ﺑﻮﺟﻪ ﺃﺻﻼ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎ ﻟﻠﻤﻨﺰﻩ: (ﻭﻏﺎﻳﺔ ﻣﻌﺮﻓﺘﻚ ﺑﻪ ﺃﻥ ﺗﺴﻠﺐ ﻋﻨﻪ ﻧﻘﺎﺋﺺ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺳﻠﺐ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻦ ﺭﺑﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻠﻴﻪ، ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻗﺎﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: "ﺳﺒﺤﺎﻧﻲ" ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﻧﻲ. ﻫﻴﻬﺎﺕ ﻗﺪ ﻭﻫﻞ ﻳﻌﺮﻯ ﻣﻦ ﺷﺊ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻟﺒﺴﻪ، ﺃﻭ ﻳﺆﺧﺬ ﺷﺊ ﺇﻻ ﻣﻤﻦ ﺣﺒﺴﻪ؟ ﻭﻣﺘﻰ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﺤﻖ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻠﺒﻬﺎ ﻋﻨﻪ ﺃﻭ ﺗﻌﺮﻳﻪ؟ ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ.
ﻓﺎﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﻬﻴﺮ ﻣﺤﻠﻚ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺗﻪ. ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻨﺤﻪ ﻟﻚ ﻭﻫﺒﺎﺗﻪ).
ﻭﺍﻟﺒﺎﺭﻱ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ
قال الشيخ رضي الله عنه :(ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن، إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك، فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل، صلوات الله عليهم، وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض). أي، الجاهل وصاحب سوء الأدب إذا أطلقا التنزيه وقالا به،
كل منهما إما أن يكون مؤمنا بالشرائع والكتب الإلهية، أو غير مؤمن بها. فالمؤمن إذا نزه الحق ووقف عنده ولم يشبه في مقام التشبيه ولم يثبت تلك الصفات التي هي كمالات في العالم، فقد أساء الأدب وكذب الرسل والكتب الإلهية فيما أخبر به عن نفسه بأنه (الحي القيوم السميع البصير).
ولا يشعر بهذا التكذيب الصادر منه، ويتخيل أنها له حاصلا من العلوم والمعارف وأنه مؤمن وموحد، وما يعلم أنها فائت منه، وهو كمن آمن ببعض، وهو مقام التنزيه، وكفر ببعض، وهو
مقام التشبيه.
وغير المؤمن، سواء كان قائلا بعقله كالفلاسفة أو لم يكن كمقلديهمالمتفلسفة، فقد ضل وأضل، لأنه ما علم الأمر على ما هو عليه، وما اهتدى بنور الإيمان الرافع للحجب. وإنما ترك هذا القسم لوضوح بطلانه.
قال الشيخ رضي الله عنه :( (ولا سيما قد علم) على البناء للفاعل أو المفعول. (إن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق بما نطقت به، إنما جاءت به في العموم) أي، في حق عامة الخلائق. (على المفهوم الأول، وعلى الخصوص) أي، وعلى لسان الخاصة.
(على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.) أي، وقد علم هذا العالم المنزه أن الكلام الإلهي وإن كان له مفهوم عام يفهمه كلمن يسمعه لسبق الذهن إليه عند سماعه، لكن بالنسبة إلى طائفة معينة، من الموحدين والمحققين وباقي علماء الظاهر، له مفهومات خاصة و وجوه متكثرة ومعاني متعددة، يتجلى الحق لهم فيه، يعلمون ذلك أولا يعلمون. بل بالنسبة إلى كل شخص منهم، كما قال تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها.)
وقال جعفر الصادق، عليه السلام: (إن الله تعالى قد يتجلى لعباده في كلامه
لكنهم لا يعلمون) ولما كان هذا المعنى غير مختص بالقرآن، بل هو من خاصة كلامه تعالى، قال: (بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان). وقد نبه النبي، صلىالله عليه وسلم، بقوله: "إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا."


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
الفص النوحي
فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية

أي: ما يتزين به، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بتنزيه الأسماء والصفات الإلهية عن النقائص الإمكانية، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى نوح عليه السلام لغلبة التنزيه في دعوته لقومه.
لغلبة التشبيه عليهم حتى اعتقدوا في الأسماء الإلهية أنها أجسام فاتخذوا الأصنام صورا لها يعبدونها فوجب أن يدعوهم إلى التنزيه المحض في بعض الأحيان، وإن كان اعتقاده التنزيه، لم يكن بحيث يمنع من ظهوره في المظاهر.
أو من إثبات الصفات الوجودية التي بها مناسبته للخلق لكنه لم يتعرض لذلك في دعوته في بعض الأحيان خوفا من استقرار التشبيه عليهم؛ لغلبته فيهم لكنه قد دعاهم أيضا حينا إلى التشبيه المحض في الظاهر ليجذبهم إلى إجابته بما يناسبهم.
قال رضي الله عنه : (اعلم أيدك  الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.  وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.(
(اعلم أن التنزيه) أي: المطلق المانع من ظهور الحق في المظاهر، ومن إثبات الصفات الوجودية له (عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي) قيد بذلك؛ لأنهم قائلون بمطلق التنزيه في الذات من حيث هي (عين التحديد) له بتناهي ظهوره، وهو أنه ظاهر لذاته في ذاته لا غير، وعين (التقييد) له بوجوه المباينة مع الخلق مع امتناع ذلك في شأنه بالإجماع، أما عندنا فلوجوب ظهوره في المظاهر، وأما عند المتكلمين.
فلأنه يستدل عليه بخلقه، ولا بد من مناسبة الدليل للمدلول، وأما عند الحكماء فلا بد من مناسبة الفاعل للمنفعل، فلا ينبغي أن يبالغ فيه بحيث ينفي عنه التشبيه الموجب لظهوره في المظاهر.
أو للصفات الوجودية له لدلالة النصوص على ذلك كأية النور، وكقوله تعالى: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" [الأنفال: 17]، وكقوله: «جعت فلم تطعمني، ومرضت فلم تعدني»، وكقوله: "كنت سمعه وبصره" ، و كحديث التحول في الصور يوم القيامة.
بل إنما يجب نفي التشبيه الموجب لكونه جسما أو عرضا، أو ما في حكمهما كاعتقاد أهل الشرك والمشبهة، (فالمنزه) أي: القائل بالتنزيه المطلق (إما جاهل) بما له من الصفات الوجودية كالمعتزلة والفلاسفة، أو بظهوره في المظاهر كعامة المتكلمين، (وإما صاحب سوء أدب) يعرف صفاته الوجودية، وظهوره من ظواهر النصوص لكنه يقتصر في الاعتقاد، أو القول على التنزيه المحض كمن يقتصر في اعتقاد السلطان، أو مدحه له أنه ليس بكلب، ولا فأرة، ولا حمار.
ولذلك ضم المحققون إلى قوله: "سبحان الله" [الصافات: 159]، قول: "والحمد لله "[الصافات: 182]، أو "بحمده" [الإسراء: 53].
ثم أشار إلى أن الجهل والإساءة لا يفضيان إلى الكفر إذا لم ينضم إلى أحدهما إنکار الشرائع الواردة بإثبات الصفات الوجودية، أو بالظهور.
فقال: (ولكن إذا أطلقاه) أي: اعتقد إطلاق التنزيه، (وقالا به) أي: اقتصرا عليه في الذكر بأن قالا: سبحان الله فقط؛ فلا يخلوا، إما أن يقولا: بالشرائع مع التأويل أو بإنكارهما مطلقا.
(فالقائل بالشرائع): وإن أولها على خلاف الواقع، ولو من وجه المؤمن كالمعتزلة، وكالفلاسفة لو لم يقولوا: بقدم العالم، ونفي حشر الأجساد، ونفي العلم بالحوادث الجزئية ممن يعترف بالشرائع، ويأوها بخلاف منکریها، فإنهم كفرة، ولظهور أمرهم لم يتعرض لهم.
ثم القائل بالشرائع، وإن قلنا بإيمانه فإيمانه ناقص؛ لأنه (إذا نزه، ووقف عند التنزيه) في المدح، (ولم ير غير ذلك) في الاعتقاد، وفيه إشعار بأن المنزه إذا لم يقف عنده، ولم يكن يرى غيره بل أثبت الصفات الوجودية، وظهوره في المظاهر فهو كامل الإيمان ليس داخلا في قوله : (فقد أساء الأدب)  بالاقتصار على الصفات السلبية، وإثبات الغير مع الله من كل وجه مع الإجماع على نفي الضد عنه، (وأكذب الحق والرسل) فيما ورد في الصفات الوجودية والظهورية، وإن أول تأويلها غير مطابق للواقع، ولو من وجه، (وهو لا يشعر) بتكذيبه لتأويله، (ويتخيل أنه بتأويله (في) الاعتقاد (الحاصل) مطابقته للواقع، وهو في الاعتقاد (الغائب) المطابقة، وإن طابق باعتبار ذاته لكن لا يطابق باعتبار أسمائه المقتضية لظهوره في المظاهر؛ ولذلك (فهو كمن آمن ببعض) من الكتاب، (وكفر ببعض)؛ لأنه آمن ببعض الوجوه المفهومة منه، وهو وجه التأويل المطابق من وجه دون وجه، وكفر ببعض الوجوه المفهومة منه، وهو وجه الظاهر المطابق لظهوره في المظاهر.
(ولا سيما وقد علم) بمقتضى قوله : "إن للقرآن ظهرا وبطئا، وحدا ومطلعا" (أن ألسنة الشرائع الإلهية) أي: ألفاظ الكتاب والسنة (إذا نطقت في الحق تعالی بما نطقت به) سواء كانوا مما يدل على ظهوره في المظاهر، وعلى الصفات الثبوتية أم لا، (إنما جاءت به) أي: بذلك المنطوق.
(في العموم) أي: في حق العوام الذين لا يطلعون على التأويلات (على المفهوم الأول) الظاهر المطابق لاعتبار ما من اعتبارات الحق، وإلا كان تضليلا لهم محضا.
(وعلی الخصوص) أي: وفي حق الخصوص، ولفظه على تشير إلى أن هذه الوجوه كلها غالية عليهم؛ لغلبة روحانيتهم على نفوسهم الحاجبة عن الأسرار (على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ) بطريق المطابقة، والتضمن والالتزام ما لم يتناقض بخلاف الحشوية المنتصرين على الظواهر والباطنية المقتصرين على التأويلات، وفي معناهم أهل الطامات من المتصوفة لكن تأويل الباطنية بكل حال باطل، وتأويل أهل الطاقات قد يصح لو اعترفوا بالظاهر.
(بأي لسان كان) من العربية، والعبرية، والسريانية، وفيه تعريض بأهل التشبيه من المسلمين واليهود يعتبر كل مفهوم له (في وضع ذلك اللسان) أي: مما لوضعه فيه دخل بأي طريق كان مما ذكرنا المناسب للموضع، وكل منها يجب الإيمان به بمقتضى الحديث السابق، وكيف لا؟
فإنه مظهر من مظاهر الحق.

.
يتبع الفقرة الثانية الجزء الثالث

عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:08 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:45 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثانية : الجزء الثالث
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل وهو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.).

03 - فصّ حكمة سبّوحيّة في كلمة نوحيّة
فصّ حكمة سبّوحيّة في كلمة نوحيّة ووجه المناسبة بين الاسم والكلمة هاهنا ظاهر لما عرفت في بيان الترتيب أنّ الكلمة النوحيّة هي المبيّنة لحقائق التنزيه ، الداعية إلى لطائف معاني التسبيح وخصائص كماله .
على أنّ هاهنا تلويحا من تحليل الاسم ، وهو أنّ السين والباء - الذين بهما امتاز الاسم عن الكلمة وظهر حقيقتهما - إنّما تقوّمتا بالمد والنون الذين بهما ظهرت الكلمة .
التنزيه عين التحديد
ثمّ إنّ أصول أرباب الحقائق تقتضي أنّ كلّ معنى فيه تقابل - وإن كان من المفهومات العامّة - إذا نسب إلى الحضرة الإطلاقيّة والجناب الإلهي ، يكون تخصيصا وتحديدا لذلك الجناب ، ولهذا تسمعهم يقولون : « هو خالق العدم ، كما هو خالق الوجود » فبناء على ذلك الأصل قال : (اعلم أنّ التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد ) وذلك لأنّ التنزيه عبارة عن تبعيده تعالى عن المواد الهيولانيّة وما يستتبعه من التحدّد والتحيّز ، وعن الصور الكونيّة المنوّعة والحوادث الإمكانيّة المعيّنة وما يستدعيه من التقيّد والتشخّص .
والأوّل تنزيه المجتنبين عن التجسيم من المتكلَّمين ، والثاني تنزيه الحكماء .
ولا شك أنّ تبعيده عن المواد يقتضي إثبات نسبته إليها ، وانتهاء حدّه عندها ، وذلك عين التحديد ، كما أنّ إطلاقه عن الصور الكونيّة المنوّعة والعوارض الحادثة المشخّصة إنّما يستدعى تخصيصه بالإطلاق وتمييزه به ، وهو عين التقييد .
المنزّه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب
( فالمنزّه إمّا جاهل ) إذا حصّل ذلك بفكره ونظره ( وإمّا صاحب سوء أدب ) إذا قلَّد فيه الرسل وأهل الحقّ .
ولا يتوهّم من هذا الكلام أنّ المنزّه مطلقا يكون جاهلا وصاحب سوء أدب - فإنّ الموحّد أيضا لا بدّ له من التنزيه كما سيجيء تحقيقه - ( ولكنّ ) إنّما ينسب إليه ذلك ( إذا أطلقاه ) عن التشبيه (وقالا به) ، أي ذهبا إليه ، على ما هو مذهب الفريقين .
واعلم أنّ هذا الترديد بمعنى منع الخلوّ ، أي لا يخلو أمر المنزّه عنهما ، وقد يستجمعها ، فإنّ المتيقّن بنظره ممن لم يقل بالشرائع ، إذا فكَّر وأدّاه إلى التنزيه ، ووقف عنده ولم ير غير ذلك فقد جهل الحقّ ، والمقلَّد القائل بالشرائع إذا نزّه بتقليده الرسل وأهل الحق فقد أساء الأدب بنسبته إلى الرسل ، ( والقائل بالشرائع ، المؤمن ) أي المتيقّن بفكره ( إذا نزّه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك ، فقد أساء الأدب وأكذب الحقّ  والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ، ويتخيّل أنّه في الحاصل ) مما أوتي به الرسل (وهو في الفائت) من ذلك ( وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض ) فهو من المستجمعين بين الجهل وإساءة الأدب .
ثمّ لمّا استشعر ما يتمسّك به ذلك القائل من أنّ مؤدّى ألسنة الشرايع إنّما هو المفهوم الأوّل من مدلولاتها الوضعيّة ، والحكم إنّما يترتّب على الظاهر منها ، تعرّض لذلك بما يوهنه مشوّقا إلى ما يعلم منه مبدأ تقاعد الكلّ عند معتقداتهم الجزئيّة المتخالفة .
وبلوغ الكمّل إلى ما يحيط منها بالكلّ بقوله : ( ولا سيّما وقد علم ) - أي المنزّه القائل ، المؤمن المتيقّن ، إذا كان متفطَّنا - ( أنّ ألسنة الشرايع الإلهيّة إذا نطقت في الحقّ تعالى بما نطقت به ) سريانيّا كان أو عبرانيّا أو يونانيّا أو عربيّا مبينا ( إنّما جاءت به في العموم ) من العباد والمكلَّفين ( على المفهوم الأوّل ) من الدلالات الوضعيّة الحقيقيّة أو العقليّة المجازيّة التي في ذلك اللسان.
(وعلى الخصوص) من أهل الحقائق وعلى لسان الخواصّ من العباد واستعمل « على » موضع « في » مستشعرا منها معنى العلوّ (على كلّ مفهوم يفهم) ثانيا أو ثالثا أو رابعا ، إلى أن ينتهي إلى الذوق الإحاطي الجمعي ، وكلّ ما انتقل إليه فهم من تلك الأفهام مراد للحقّ ، ولكن ينبغي أن تكون تلك الانتقالات صحيحة ( من وجوه ذلك اللفظ ، بأيّ لسان كان في وضع ذلك اللسان ) بمفردات حروفه ومركَّبات كلماته .
وإنّما قلنا أنّ كل ذلك مراد مجيء به ( فإنّ للحقّ في كل خلق ظهورا ) بحسب عموم رحمته الوجوديّة وشمول رأفته الشهودية ( فهو الظاهر في كلّ مفهوم ) من أوّل مراتبه للعامّة من العباد ، متدرّجا فيها ، مترقّيا إلى آخر ما تنتهي إليه درجات معتقدات الخواصّ منهم في ذلك ، وهو مكاشفات الكمّل ، المحيطة بالكلّ ، كلّ ذلك مجالي ظهور الحقّ .
( وهو الباطن عن كلّ فهم ) من أفهام القاصرين عن درجة الكشف العلي والذوق الإحاطيّ فهم محاطون لمفهوماتهم ومعتقداتهم ، عاكفون لديها ، عابدون إياها (إلَّا عن فهم من قال: إنّ العالم) بأعيانه ومفرداته الخارجيّة والذهنيّة ونسبه الكونيّة والإلهيّة (صورته وهويّته) لبلوغ فهمه ذلك إلى ما لا يحيط به مفهوم ولا يحصره صورة من العقائد ، إذ الصورة الإحاطيّة هي له ، فله أحديّة جمع العقائد كلَّها .
وفي قوله : « من قال » دون « فهم » أو « شهد » لطيفة لا بدّ من الاطلاع عليها : وهي أنّ القول أعلى درجات قوس الإظهار - يعني الشهود والكشف - وأتمّ مراتبه ، إذ ليس له في الخارج عين وراءه ، وهو المراد بـ « عين اليقين » ، فإنّه ليس لليقين عين غير الكلام ، ومن هاهنا ترى سائر الآيات كريمة المشتملة على عقائل المعارف ونفائس العقائد مصدّرة ب « قل » .
( وهو ) أي العالم بجمله وتفاصيله ( الاسم الظاهر ، كما أنّه ) أي الحقّ الظاهر بصورته في العالم ( في المعنى روح ما ظهر فهو الباطن ) .
وإذ ليس هاهنا محل تفصيل الاسم عن المسمّى ، ما أورد لفظ " الاسم " .
هذا تحقيق معنى الاسمين بمفرديهما ، وهما الكاشفان على ما حقّقه عن طرف التشبيه فقط ، فأراد أن ينبّه على التنزيه الذي في عين هذا التشبيه المذكور ، كما هو مقتضى أصوله الممهّدة بقوله : ( فنسبته لما ظهر من صور العالم ) ( نسبة المدبّر للصورة ) ، في عدم تحدّده بها ودوام تصرّفه فيها ، وامتيازه بحقيقته عنها .
إذا تقرّر هذا فنقول : إذا أريد تمييز شيء من تلك الصور وتحديد حقيقتها لا بدّ وأن يجمع بين طرفيها ، ( فيؤخذ في حدّ الإنسان - مثلا - ظاهره وباطنه ) كما يقال في حدّه : « إنّه الحيوان الناطق » معربا عنهما بالترتيب ، أمّا الأوّل فإنّ ظاهره ليس إلَّا الجسم الناميّ المتحرّك الحسّاس ، وأمّا الثاني فإنّ باطنه ليس إلَّا « مدرك المعقولات » وما يحذو حذوها (وكذلك في كلّ محدود) حتّى يتمّ تحديد تلك الحقيقة وتحصيل صورة تطابقها .
( فالحقّ ) لما كان له أحديّة جمع الصور بمعانيها ( محدود بكل حدّ ) ، فحدّ جميع صور العالم من حدّه .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل وهو من الفائت. و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
 
الفص النوحي  03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
قال الشيخ رضي الله عنه : "اعلم أيدك اللَّه بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد و التقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم يَرَ غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحقَّ و الرسلَ صلوات اللَّه عليهم و هو لا يشعر"
السبوح : بمعنى المسبح اسم مفعول کالقدوس بمعنى المقدس ومعناه المنزه عن كل نقص وآفة .
ولما كان الغالب على نوح عليه السلام تسبيح الحق وتنزيهه لتمادي قومه على التشبيه وعبادة الأصنام، أرسل إليهم ليعالجهم بالضد.
وصف حكمته بالسبوحية ، ولما كان بعد مرتبته المبدئية والمفيضية مرتبة الأرواح المجردة والأملاك النورية التي من شأنها تسبيح الحق وتقديسه كما قالوا :"ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"آية 30 سورة البقرة. أردف الحكمة النفثية بالحكمة السبوحية .
فقال : (اعلم أن التنزيه) سواء كان من النقائص مطلقا أو من الكمالات الخلقية (عند أهل الحقائق) العارفين بالأمور ما هي عليه (في الجناب الإلهي) المطلق عن كل قيد حتى قيد الإطلاق (عين التقييد والتحديد) .
فإنه تخصيص وتقييد للحق سبحانه بما عدا ما نزه عنه (فالمنزه إما جاهل) منشأ تنزيهه الجهل مما ورد في الشرائع من التنزيه والتشبيه والجمع بينهما (وإما) عالم به لكنه (صاحب سوء وأدب) ينفي ما يثبته بالحق سبحانه على ألسنة رسله .
ويرد ما ورد دالا على التشبيه إلى التنزيه بضرب من التأويل الذي يستحسنه عقله العليل.
فتنزيه الجاهل وصاحب سوء الأدب ليس على ما هو الأمر عليه.
(ولكن إذا أطلقاه)، أي قائلا : التنزيه مطلقا غير مقيد ببعض المراتب (وقالا به) كذلك مطلقا أو مقيدا ببعض المراتب الإلهية و اثبتنا التشبيه في المراتب الكونية فتنزيه كلاهما "المطلق و المقيد" واقع على ما هو.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالقائل بالشرائع) العالم بها (المؤمن) بما جاء به النبي (إذا نزه) الحق سبحانه (ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك) من مراتب السفيه وربما ورد دالا على التشبيه إلى التنزيه بضرب من التأويل والتمويه.
(فقد أساء الأدب وأكذب الحق) تعالى (والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر) بتلك الإساءة وهذا التكذيب.
قال الشيخ رضي الله عنه : (و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
(ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت وهو كمن آمن ببعض) وهو مقام التنزيه (وكفر ببعض) وهو مقام التشبيه (لا سيما وقد علم) على البناء للمفعول أو الفاعل.
قال الشيخ رضي الله عنه : (أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به إنما جاءت به في العموم)، أي في فهم عوام الخلائق على المفهوم الأول من اللفظ المنطوق به (و) أو ردته (على) أهل (الخصوص) دالا (على كل مفهوم يفهم من وجوه) احتمالات (ذلك اللفظ) مهما لم يرد فيها نص بتعيين وجه مخصوص (بأي لسان كان).
ذلك اللفظ عربي أو غير عربي ولكن ينبغي أن يفهم (في وضع ذلك اللسان) لا في وضع لسان آخر فلا يعتبر في الكلام العربي الخالص ما يفهم بحسب وضع لغة العجم مثلا .
وإنما قلنا : مراد الحق سبحانه بالنسبة إلى العموم وهو المفهوم الأول وبالنسبة إلى الخواص جميع وجوه احتمالات اللفظ .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:09 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:56 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد ."
(فإن للحق) سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى (في كل خلق) محسوس أو معقول (ظهورا) مخصوصا، لأنه تعالى هو القيوم على كل شيء فالشيء في الحقيقة توجه إرادته تعالى وقدرته على ذلك المعدوم الصرف المكشوف عنه بعلمه سبحانه في حضرة الأزل، وذلك التوجه اقتضى هذا الظهور المخصوص للحق تعالی، فلا شيء غير التوجه المذكور قال تعالى :"كل شىء هالك إلا وجهه" [القصص: 88] (فهو)، أي الحق تعالی (الظاهر) فقط ولا شيء معه في ظهوره من حيث الحقيقة (في كل أمر (مفهوم) لأهل الخصوص وأهل العموم (وهو) تعالی أيضا (الباطن) فقط ولا شيء معه في بطونه سوى العدم الموهوم (عن كل فهم) من أفهام الخاصة أو العامة، لأنه المطلق الحقيقي كما قدمناه (إلا) أنه لا بطون له (عن فهم من قال) تبعة الإشارة قوله تعالى"قل انظروا ماذا في السموات والأرض" [يونس: 101]. 
وقوله : "وهو الله في السموات وفي الأرض" [الأنعام: 3].
وقوله: "فأينما تولوا فثم وجه الله" [البقرة: 115].
وقوله : "كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص: 88] ونحو ذلك .
(إن العالم) العلوي والسفلي المعقول والمحسوس جميعه (صورته) سبحانه وتعالى باعتبار صدوره عن أسمائه الحسنى (وهويته) باعتبار أنه نوره، أي وجوده وثبوته كما قال تعالى:" الله نور السموات والأرض" [النور: 35].
أي منورهما على معنى أنه موجدهما ومثبتهما بوجوده وثبوته، فإن من قال إن العالم صورته تعالی وهويته على التنزيه المطلق فإن الحق غالب عنده من أمره (وهو)، أي العالم عنده حينئذ (الاسم الظاهر) للحق تعالی من حيث إنه يظهر بما فيه من الآثار.
فالآثار اسم الاسم بمنزلة حروف الاسم المكتوبة للملفوظة والملفوظة للمحفوظة وبالعكس فهو المعروف سبحانه وتعالى من هذا الوجه (كما أنه) تعالى (بالمعنى) المشتمل عليه لفظ صور العالم (روح) جميع ما ظهر من الصور العقلية والحسية الروحانية والجسمانية (فهو) تعالى من هذه الجهة (الباطن) فلا يعرف أبدا .
(فنسبته) سبحانه (لما ظهر من) جميع (صور العالم) الروحاني والجسماني العقلي والحسي (نسبة الروح المدبر للصورة) الجسمانية فهو تعالی روح الروح والجسد من حيث التدبير للأرواح والأجساد فيؤخذ سبحانه (في حد)، أي تعريف
(الإنسان مثلا)، وكذلك غيره من أنواع العالم (باطنه)، أي الإنسان كروحه وعقله ونفسه (وظاهره) کصورته وأعضائه وقواه (وكذلك) يؤخذ تعالى في حد (كل محدود) من العالم (فالحق) تعالی حینئذ بهذا الاعتبار المذكور (محدود بكل حد) لدخوله في تمام ثبوت كل شيء وتحققه ظاهرة وباطنة، إذ لا قيام لشيء ولا وجود له إلا به تعالى، والشيء من نفسه عدم صرف.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا) خاصة ظهور الحق في العموم غير ظهوره في الخصوص.
فتجلى الله تعالى في الكلام العزيز لعباده على حسب استعداداتهم فكلمهم على قدر عقولهم، فإذا كان للحق في كل خلق ظهورة خاصة (فهو الظاهر في كل مفهوم) أي في كل يفهم من اللفظ الذي نطق في حقه (وهو الباطن عن كل فهم) أي لا يفهم ظهوره في كل مفهوم (إلا عن فهم من قال إن العالم صورنه وهويته) أي إلا من عرف أن العالم بأعراضه مظهر صفاته و بجوهره مظهر ذاته فما في العالم شيء، إلا وهو دليل على صفاته ووحدانيته ذاته وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد .
فإن من عرف هذا يظهر له الحق في كل مفهوم فتجلى الله له في كلامه كما تجلى له في عالمه (وهو) أي العالم مظهر (الاسم الظاهر كما أنه) أي كما أن الحق (بالمعنی روح ما ظهر فهو الباطن) والروح مظهر الاسم الباطن فإطلاق الروح على الحق مجاز (فنسبته لما ظهر) أي نسبة الحق إلى كل ما ظهر (من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة) فحذفت صلة النسبة وهي إلى الصورة لدلالة الصورة عليها فإذا كانت نسبة الحي إلى صورة العالم نسبة الروح إلى صورته
فيؤخذ الحق (في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره) فإن حذ الإنسان مركب من الحيوان الناطق فكان بروحه مظهرة لاسمه الباطن وبصورة جسده مظهرة لاسمه الظاهر فعلم أن الحق هو الظاهر والباطن بدلالة حد الإنسان.
(وكذلك) يومئذ في حد (كل محدود) إذ ما من شيء إلا وله ظاهر و باطن (فالحق محدود) أي معلوم (بكل حذ) وهو على طريق الاستدلال من الأثر إلى المؤثر.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإن للحق في كل خلق ظهورا فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته وهويته، وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنی روح ما ظهر، فهو الباطن فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدير للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق تعالی محدود بكل حد."
قال رضي الله عنه : وذلك لأن للحق تعالى في الخلق ظهورا، فهو الظاهر في كل مفهوم فإذن لا يتخصص مفهوم دون مفهوم آخر بالحمل عليه حتى لو كان المفهوم في لغة مثلا مغايرا للمفهوم في لغة أخرى حمل المعنى على كل واحد من المفهومین ولم يضر اختلاف اللغتين ، فكيف إذا كانت اللغة واحدة فأحرى أن يحمل على كل مفهوم من مفهوماتها.
ثم استطرد الشيخ، رضي الله عنه، في الكلام بذكر الباطن في قوله: وهو الباطن عن كل فهم، فإن هذا معنى آخر غير ما كان فيه، فإن كلامه في ذم من اعتمد التنويه فقط وذكر الباطن هو مناسب لمن اعتمد التنزیه فقط .
فكان حقه أن لا يذكره لكن أراد أن أن يذكر ذلك، ليستثني القائلين: بأن العالم صورته وهويته جامعين لذلك مع أن يروا أنه بالمعنی روح ما ظهر فهو الباطن، فنسبته لما ظهر من العالم نسبة الروح المدير للصورة وحينئذ كيف كان القائل، فهو صادق، لأنه إن نزه صادف الحق من حيث باطن العالم، وإن شبه صادف الحق من حيث ظاهر الحق.
وقوله رضي الله عنه : فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره وكذلك كل محدود والمراد أن الجميع حق فيكون المحدود ليس هو غير الحق فيكون الحق محدودا بكل حد.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإنّ للحق في كلّ خلق ظهورا ، فهو الظاهر في كل مفهوم ، وهو الباطن عن كل فهم إلَّا عن فهم من قال : إنّ العالم صورته وهويّته ، وهو الاسم الظاهر".
فنقول : إن شاء الحقّ ، ظهر في كل صورة ، وإن لم يشأ لم تنضف إليه صورة ، بل الحق أنّ الحق منزّه في عين التشبيه ، ومطلق عن التقييد والحصر في التشبيه والتنزيه ، وذلك لأنّ التنزيه عن سمات الجسمانيات وصفات المتحيّزات تشبيه استلزامي ، وتقييد تضمّني بالمجرّدات العريّة عن صفات الجسمانيات من العقول والنفوس التي هي عريّة عن سمات المتحيّزات ، بريّة عن أحكام الظلمانيات .
وإنّ نزّه الحقّ أيضا منزّه عن الجواهر العقليّة والأرواح العليّة والنفوس الكلَّية ، فذلك أيضا تشبيه معنوي بالمعاني المجرّدة عن الصور العقلية والنسب الروحانية والنفسانية .
وإن نزّه عن كل ذلك ، فذلك أيضا إلحاق للحق بالعدم ، إذ الموجودات المتحقّقة الوجود ، والحقائق المشهودة على النحو المعهود منحصرة في هذه الأقسام الثلاثة ، والخارج عنها تحكَّم وهمي ، وتوهّم تخيّلي لا علمي ، وذلك أيضا تحديد عدمي بعدمات لا تتناهى ، وتقييد بعقائد تتباين وتتنافى ، وعلى كل حال ، فهو تحديد وتقييد ، وذلك تنزيه ليس في التحقيق وجه سديد ، وحقيقة الحق المطلق تأباه وتنافيه وتباينه ولا توانيه . ولا سيّما وقد نزلت الشرائع بحسب فهم المخاطب على العموم ولا يسوغ أن يخاطب الحق عبده بما يخرج عن ظاهر المفهوم ، فكما أمرنا أن نكلَّم الناس بقدر عقولهم ، فلا يخاطبهم كذلك إلَّا بمقتضى مفهومهم ومعقولهم ، ولو لم يكن المفهوم العامّ معتبرا من كل وجه ، لكان ساقطا وكانت الإخبارات كلَّها مرموزة ، وذلك تدليس ، والحق تعالى يجلّ عن ذلك ، فيجب الإيمان بكل ما أخبر به من غير تحكَّم عقلي ولا تأويل فكري ، إذ " ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه ُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به ".
وحيث أقرّت العقول بالعجز عن إدراك الحقائق فعجزها عن إدراك حقيقة الحق أحقّ في أصحّ المذاهب والطرائق ، فلا طريق لعقل ولا وجه لفكر مفكَّر أن يتحكَّم على الذات الإلهي بإثبات أمر لها أو سلب حكم عنها إلَّا بإخباره عن نفسه .
فإنّ الذات المطلقة غير منضبطة في علم عقلي ولا مدركة بفهم فكري ، ولا سيّما لا وجه للحكم بأمر على أمر إلَّا بإدراك المحكوم به ، والمحكوم عليه ، وبالحكم حقيقة ، وبحقيقة النسبة بينهما . وهذا مقرّر عقلا وكشفا دائما ، فليس لأحد أن يتحكَّم بفكره على إخبارات الحقّ عن نفسه وتأوّلها على ما يوافق غرضه ويلائم هواه ومدركه ، فإنّ الإخبارات الإلهية مهما لم يرد فيها نصّ بتعيّن وجه وتخصيص حكم .
فهي متضمّنة على جميع المفهومات المحتملة فيها من غير تعيين مفهوم دون مفهوم ، وهي إنّما تنزل في العموم على المفهوم الأوّل وفي الخصوص على كل مفهوم يفهمه الخاصّ من تلك العبارات ، والحق إنّما ذكر تلك العبارات عالما بجميع المفهومات ، محيطا بها وجميعها مراد له بالنسبة إلى كل فاهم ، ولكن بشرط الدلالة اللفظية بجميع وجوه الدلالة المذكورة على جميع الوجوه المفهومة عنها في الوضع العربي أو غيره أيّ لغة كانت تلك الإخبارات بها .
لأنّ للحق ظهورا في كل مفهوم ومعلوم وملفوظ ومرقوم ، وفي كل موجود موجود ، سواء كان من عالم الأمر ، أو من عالم الخلق ، أو من عالم الجمع ، فهو الظاهر في الكلّ بالكل ، وعين الكلّ والجزء ، وكل الكلّ ، فهو الظاهر في كل فهم بحسبه غير منحصر فيه ولا في غيره من المفهومات ، وهو الباطن من كل فهم ومفهوم إلَّا من رزقه الله فهم الأمر على ما هو عليه ، وهو أن يرى أنّ العالم صورة الحق وهويّة العالم هويّة الاسم «الظاهر» ، وصورة العالم هو الاسم « الظاهر » ، وهويّة العالم هو الاسم « الباطن » وهو من حيث هو المطلق عن التقيّد بالظاهر والباطن والحصر في الجمع بينهما وهو غير المتعيّن المطلق مطلقا في عين تعيّنه بعين كلّ عين من أعيان العالم ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " كما أنّه بالمعنى روح ما ظهر ، فهو الباطن " .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ الحق من حيث كونه عين العالم كان العالم صورته وهويّته ، وكان هو الاسم الظاهر عينه من هذا الوجه ، وهو من كونه عين معنى العالم وحقيقته هو روح العالم والاسم الباطن عينه .
قال رضي الله عنه : «فنسبته لما ظهر من صورة العالم نسبة الروح المدبّر لصورته».
قال العبد : لا يسبق إلى فهمك من هذه النسبة المذكورة ، وقوله : « ما ظهر » عالم الأجسام فقطَّ ، بل جميع ما يسمّى عالما من عالم المعاني فما دونه من العوالم العقلية والروحية والنفسية والطبيعة الجسمانية والعنصرية والمثالية والخيالية والبرزخية والحشرية والجنانية والجهنّمية وصور كثيب الرؤية وصور التجلَّيات الجلالية والجمالية والكمالية والجنابية والجهنّمية.
وصور كثيب الرؤية وصور التجلَّيات الجلالية والجمالية والكمالية أبد الآبدين ودهر الداهرين ، كل هذه ظاهريّة الحق ، ونسبته إلى الكل كنسبة الروح المدبّر لهيكله ، فالمسمّى عالما هو صورة الحقّ والحق روحه المدبّر له ، فمن عرف شيئا من العالم ، وعرفه عريّا عن الحق ، فما عرفه ولا عرّفه على ما هو عليه ، وكذلك بالعكس من عرف الحق في زعمه وعرفه بريّا عن العالم وعريّا عنه ، فما عرفه ولا عرّفه .
قال الشيخ رضي الله عنه : « فيؤخذ في حدّ الإنسان مثلا باطنه وظاهره ، وكذلك كل محدود ، فالحق محدود بكل حدّ » أي لكل محدود.


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قوله رضي الله عنه : فإن للحق في كل خلق ظهورا خاصا ، وهو الظاهر في كل مفهوم وهو الباطن عن كل فهم ، إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته وهو الاسم الظاهر ".
تعليل لكون المفهوم الأول الذي هو مفهوم العامة مرادا للحق من كلامه ، وكذا المفهومات التي يفهم منها فيه الخاصة ، ولها مفهومات لا يفهم الخاصة أيضا إلا خواص الخاصة الأوحديون العارفون الراسخون في العلم المرادون بقوله :" وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلَّا الله والرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ " إن لم تقف على قوله إلا الله ، وإن وقفت فالراسخون الذين " يَقُولُونَ آمَنَّا به "هم الخاصة.
وأما الذين يبتغون التأويل بالفكر ويحملون معنى كلام الله على معقولهم كأرباب المعتقدات المتبعين للمشابهات الواقفين مع عقولهم كالمتشبهين بالخواص ، فهم الذين في قلوبهم زيغ ، فإن للحق في كل خلق ظهورا بحسب استعداد ذلك الخلق ، فهو الظاهر في كل مفهوم بقدر استعداد الفاهم .
وذلك حده كما قال تعالى :" فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها " وهو الباطن عن كل فهم بما زاد عن استعداده ، فإن رام ما فوق حده بالفكر وهو الذي بطن عن فهمه زاغ قلبه ، إلا فهم العارف الذي لا حد لفهمه وهو الفاهم باللَّه من الله لا بالفكر فلا يبطن عن فهمه شيء .
فيعلم أن العالم صورته وهويته أي حقيقته باعتبار الاسم الظاهر ، فإن الحقيقة الإلهية المطلقة لم تكن هوية إلا باعتبار تقيدها ولو تقيد الإطلاق كقوله :" هُوَ الله أَحَدٌ " وأما من حيث هي هي فهي مطلقة مع تقيدها بجميع القيود الأسمائية ، فالعالم هويته أي حقيقته بقيد الظهور ( كما أنه بالمعنى ) أي كما أن الحق بالمعنى ( روح ما ظهر ) أي حقيقته بقيد البطون ( فهو الباطن ) وذلك أيضا هويته ( فنسبته لما ظهر من صور العالم ، نسبة الروح المدبر للصورة ) لما أثبت للحقيقة الإلهية هوية باعتبار اسمه الظاهر وهوية باعتبار اسمه الباطن شبه نسبة باطنيته إلى ظاهريته من صور العالم بنسبة الروح الإنسانى المدبر لصورته إلى صورته .
واللام في لما ظهر بمعنى إلى أي نسبته مع قيد البطون إلى نفسه مع قيد الظهور ( فيؤخذ ) أي فكما يؤخذ ( في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره وكذلك كل محدود ) فكذلك يجب أن يؤخذ في حد الحق جميع الظواهر وجميع البواطن ، حتى يكون محدودا بكل الحدود.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا خاصا) تعليل على أن المراد مفهوم عموم الناس وخصوصهم، سواء كان ذلك الكلام عربيا كالقرآن، أو غير عربي كالتوراة والإنجيل. أي، الحق يتجلى لعباده على ما يعطيه استعداداتهم، فله فيكل خلق ظهور خاص.
(فهو الظاهر في كل مفهوم ، وهو الباطن عن كل فهم) أي، فهو المتجلي فيكل مفهوم ومدرك من حيث كونه مدركا، وهو مختف وباطن عن كل فهم، لعدم إدراك الفهوم جميع تجلياته وظهوراته في مظاهره. (إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته ومظهر هويته). أي، هو مختلف عن كل فهم إلا عن فهم من يعرف أن العالم صورته ومظهر هويته، فإنه حينئذ يشاهده في جميع المظاهر، كما قالأبو يزيد، قدس الله سره: (الآن، ثلثين سنة ما أتكلم إلا مع الله، والناس يزعمون أني معهم أتكلم).
واعلم، أن هذا الفهم إنما هو بحسب الظهوروالتجلي لا بحسب الحقيقة، فإن حقيقته وذاته لا يدرك أبدا ولا يمكن الإحاطة عليها سرمدا. ولا بحسب مجموع التفصيل أيضا، فإن مظاهر الحق مفصلا غيرمتناهية وإن كانت بحسب مجموع الأمهات متناهية.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن). أي، العالم، بأسره، عبارة عن اسمه (الظاهر)، كما أن الحق من حيث المعنى والحقيقة روح العالم. وهذا الروح هو عبارة عن اسمه (الباطن.)
واعلم، أن الاسم (الظاهر) اقتضى ظهور العالم، و (الباطن) اقتضى بطون حقائقه. والمقتضى وهو إن كان باعتبار غير المقتضى، لكون الربوبية غير المربوبية، لكنه باعتبار آخر عينه وهو أحدية حقيقة الحقائق، لذلك جعل العالم عين الاسم الظاهر وروحه عين الاسم الباطن.
(فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة). أي، إذا كان العالم صورة الحق وهو روحه، فنسبة الحق إلى كل ما ظهر من صور العالم نسبة الروح الجزئي المدبر للصورة المعينة إليها في كونه مدبرا، كما قال: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض). و (اللام) في (لما ظهر) بمعنى (إلى). وقوله:
(للصورة) متعلق ب (المدبر). وصلة (النسبة) محذوفة، أي إلى الصورة.
(فيؤخذ في حد الإنسان، مثلا، باطنه وظاهره وكذلك كل محدود). (الفاء) للسببية.
ولما كان ظاهر العالم ظاهر الحق وباطنه باطن الحق، والباطن مأخوذ فيتعريف الإنسان وتحديده لأنه معرف بالحيوان الناطق، والناطق باطنه والحيوان ظاهره. أو الهيئة الاجتماعية الحاصلة من الجنس والفصل ظاهره الذي به سر
الأحدية فيه وحقائقهما المشتركة والمميزة باطنه، فالحق مأخوذ في حده وكذلك فيكل محدود، إذ لا بد في كل من المحدودات من أمر عام مشترك وأمر خاص مميز، وكلاهما ينتهيان إلى الحق الذي هو باطن كل شئ.
(فالحق محدود بكل حد) لأن كل ما هو محدود بحد مظهر من مظاهره:
ظاهره من اسمه الظاهر وباطنه من اسمه الباطن، والمظهر عين الظاهر باعتبار الأحذية، فالحق هو المحدود.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم".
قال رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا) فكيف لا يكون له ظهور في مفهومات كلامه، (فهو الظاهر في كل مفهوم) من تلك المفهومات، وظهور الصورة موجب للعلم بذي الصورة فهو موجب للإيمان : وهو التصديق بأنه من صوره.
قال رضي الله عنه : (وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته:
وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
ثم أشار إلى أنه لغاية ظهوره بكثرة المظاهر بطن عن أكثر الإفهام فقال: (وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم، من قال: إن العالم صورته) أي: مظهر لوجوده (وهويته) أي: محل الإشارة الحسية إليه، وإن كان في نفسه منزها عن الصور، وقبول الإشارة الحسية فإنه لقبول ظهوره في العالم يقبل ظهوره في المفهومات بخلاف من أنكر ظهوره في العالم، فإنه ينكر ظهوره في المفهومات أيضا فيبطن عن فهمه، وكيف لا يكون العالم مظهرا له. (وهو الاسم الظاهر) أي: سبب تسميته بالظاهر.
ثم شبه بطونه في المفهومات ببطونه في العالم مع غاية ظهوره فيهما؛ فقال: (كما أنه) أي: الحق مع غاية ظهوره في صور العالم (بالمعنی) أي: بالحقيقة.
(روح ما ظهر) أي: روح تلك الصور التي ظهرت منه يدبر فيها تدبير الروح للبدن، وروح كل شيء باطنه (فهو الباطن) باعتبار حقيقته لا صورة له ولا ظهور، وإذا كان هو الباطن بالنسبة إلى العالم مع ظهور صورة ظاهرة، وباطنة فيه باعتبار أرواحهم وأجسامهم (فنسبته) من حيث المعنى والحقيقة التي بها بطونه المطلق (لما ظهر من صور العالم الروحانية والجسمانية التي هي مظاهر باطنه من وجه، ومظاهر ظاهرة (نسبة الروح) الإنساني (المدبر للصورة) الإنسانية، إذ بوجوده قوام وجود كل شيء، إذ لو فرض له عدم أو غيبة لانعدمت الأشياء، وإذا كان الحق بمنزلة الروح الأرواح الأشياء، وأجسامها لا تحقق لها بدولة (فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه) باعتبار ظهور باطنه في روحه، (وظاهره) باعتبار ظهور ظاهره في جسمه، وليس المراد بالحد التعريف.
ولذلك قال: (وكذلك كل محدود) في الموجودات يؤخذ فيها ظاهر (الحق) باعتبار جسمه وباطنه باعتبار روحه أو قوته بالحق باعتبار ظهور باطنه وظاهره في الموجودات
(محدود بكل حد) تعريفي للمظاهر مع أنه ليس بمحدود في نفسه لا باعتبار التناهي، ولا باعتبار الحد التعريفي.

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:33 عدل 4 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:09 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة : الجزء الثاني

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
وإنّما قلنا أنّ كل ذلك مراد مجيء به ( فإنّ للحقّ في كل خلق ظهورا ) بحسب عموم رحمته الوجوديّة وشمول رأفته الشهودية ( فهو الظاهر في كلّ مفهوم ) من أوّل مراتبه للعامّة من العباد ، متدرّجا فيها ، مترقّيا إلى آخر ما تنتهي إليه درجات معتقدات الخواصّ منهم في ذلك ، وهو مكاشفات الكمّل ، المحيطة بالكلّ ، كلّ ذلك مجالي ظهور الحقّ .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو الباطن عن كلّ فهم ) من أفهام القاصرين عن درجة الكشف العلي والذوق الإحاطيّ فهم محاطون لمفهوماتهم ومعتقداتهم ، عاكفون لديها ، عابدون إياها (إلَّا عن فهم من قال: إنّ العالم) بأعيانه ومفرداته الخارجيّة والذهنيّة ونسبه الكونيّة والإلهيّة (صورته وهويّته) لبلوغ فهمه ذلك إلى ما لا يحيط به مفهوم ولا يحصره صورة من العقائد ، إذ الصورة الإحاطيّة هي له ، فله أحديّة جمع العقائد كلَّها .
وفي قوله : « من قال » دون « فهم » أو « شهد » لطيفة لا بدّ من الاطلاع عليها : وهي أنّ القول أعلى درجات قوس الإظهار - يعني الشهود والكشف - وأتمّ مراتبه ، إذ ليس له في الخارج عين وراءه ، وهو المراد بـ « عين اليقين » ، فإنّه ليس لليقين عين غير الكلام ، ومن هاهنا ترى سائر الآيات كريمة المشتملة على عقائل المعارف ونفائس العقائد مصدّرة ب « قل » .
( وهو ) أي العالم بجمله وتفاصيله ( الاسم الظاهر ، كما أنّه ) أي الحقّ الظاهر بصورته في العالم ( في المعنى روح ما ظهر فهو الباطن ) .
وإذ ليس هاهنا محل تفصيل الاسم عن المسمّى ، ما أورد لفظ " الاسم " .
هذا تحقيق معنى الاسمين بمفرديهما ، وهما الكاشفان على ما حقّقه عن طرف التشبيه فقط ، فأراد أن ينبّه على التنزيه الذي في عين هذا التشبيه المذكور ، كما هو مقتضى أصوله الممهّدة بقوله : ( فنسبته لما ظهر من صور العالم ) ( نسبة المدبّر للصورة ) ، في عدم تحدّده بها ودوام تصرّفه فيها ، وامتيازه بحقيقته عنها .
إذا تقرّر هذا فنقول : إذا أريد تمييز شيء من تلك الصور وتحديد حقيقتها لا بدّ وأن يجمع بين طرفيها ، ( فيؤخذ في حدّ الإنسان - مثلا - ظاهره وباطنه ) كما يقال في حدّه : « إنّه الحيوان الناطق » معربا عنهما بالترتيب ، أمّا الأوّل فإنّ ظاهره ليس إلَّا الجسم الناميّ المتحرّك الحسّاس ، وأمّا الثاني فإنّ باطنه ليس إلَّا « مدرك المعقولات » وما يحذو حذوها (وكذلك في كلّ محدود) حتّى يتمّ تحديد تلك الحقيقة وتحصيل صورة تطابقها .
( فالحقّ ) لما كان له أحديّة جمع الصور بمعانيها ( محدود بكل حدّ ) ، فحدّ جميع صور العالم من حدّه .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، و هو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته و هويته: و هو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر،فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق) سواء كان من العوام أو من الخواص (ظهورا خاصا) واستعدادا معينا لفهم ما يفهم.
فأستعداد العموم لا يتجاوز فهم المعنى الأول و استعداد أهل الخصوص يعمه وسائر وجوه اللفظ (فهو الظاهر في كل مفهوم ) يتجلى به على الفاهم بحسب استعداده (وهو الباطن عن كل فهم إلا من فهم من قال إن العالم) کله روحا ومثالا وحسين (صورته) التي هي عين هويته فإن هويته المطلقة إذا ظهرت بذاتها مقيدة بأحوالها فإنها باعتبار تقييدها تظهر ، وصورة لنفسها باعتبار إطلاقها.
وهذا معنی قوله : وهويته، فالقائل بأن العالم صورته (وهويته) شاهده عينا في كل صورة ويراه ظاهرا في كل مظهر.
فلا يكون باطنا عنه بهذا الاعتبار وإن كان باعتبار کنه حقيقته وعدم تناهي تجلياته وظهوراته باطن عنه أيضا .
(من صور العالم) في التدبير والتصرف (نسبة الروح المدبر للصورة)، أي إلى الصورة التي تدبرها الروح فاللام في الموضعين بمعنى إلى.
(وهو)، أي العالم هو (الاسم الظاهر) له سبحانه (كما أنه) سبحانه (بالمعنی) المجرد عن الصور المختفي فيها (روح ما ظهر) من الصور.
(فهو)، أي الحق سبحانه من حيث أنه روح ما ظهر هو (الباطن، فنسبته لما ظهر)، أي ما ظهر فالحق سبحانه له ظاهر و باطن وكل ما له ظاهر وباطن يجب أن يؤخذ في حده ظاهرة وباطنه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره و باطنه، و كذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد ) .
(فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه) الذي هو وجه المجرد (وظاهره) الذي هو بدنه العنصري فإن الإنسان عبارة عن أحدية جمعهما .
فلو اقتصر على أحدهما لم يحصل حد الصور (وكذلك كل محدود) غير الإنسان إذا كان له ظاهر وباطن ينبغي أن يؤخذ في حده ليتم التحديد .


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:14 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:18 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الرابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الرابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه»"
قال رضي الله عنه : (وصور العالم) كثيرة جدا (لا تنضبط ولا يحاط بها) من حيث كلياتها وجزئياتها يعني لا يقدر أحد غير الله تعالى أن يضبطها ويحيط بها (ولا تعلم)، أي لا يعلم أحد غير الله تعالی (حدود)، أي تعاریف (کل صورة منها)، أي من صور العالم إلا على قدر ما حصل لكل عالم) في الخلق بحسب ما علمه الله تعالى (من صوره)، أي العالم (فكذلك)، أي لكون الأمر كذلك (يجهل حد)، أي تعريف (الحق) سبحانه لأنه المطلق في ذاته المقيد بكل صوره في صفاته ، فلا يعرف حتى تعرف كل صورة لأنه محدود بحد كل صورة أي معرفة بتعريفها فهو مجهول الحد.
قال رضي الله عنه : (فإنه لا يعلم حده)، أي تعريفه (إلا بعلم حد)، أي تعريف (کل صورة) من صور العالم (وهذا)، أي علم حد كل صورة (محال) لا يتصور في العقل (حصوله) الأحد من الخلق لأن العلم بذلك إن حصل كان صورة من جملة الصور، فإن علم
حده احتاج علم العلم أيضا إلى أن يعلم حده، وهكذا فلا بد أن يتقاصر علم المخلوق عن معرفة حد صورة من الصور فلا يعلم حد كل صورة، وهذا في صور العالم الموجود فكيف بما مضى (و) ما سيأتي في الحق سبحانه (محال) لترتبه على المحال.
(وكذلك)، أي كما أن من نزه الحق تعالی فقط وما شبهه فقد قيده وحصره (من شبهه) فقط (وما ژهه فقد قيده وحده)، أي حصره (وما عرفه)، لأنه تعالی غیر مقيد ولا محدود ولا محصور فالذي عرفه مقید محدود محصور فهو غيره تعالى وقد اشتبه عليه به تعالى.
(ومن جمع في معرفته) الله تعالى (بين التنزيه) له تعالى عن كل معقول وكل محسوس (والتشبيه له تعالی) بكل معقول وكل محسوس فالتنزيه ظهور أحدية الحق تعالى، والتشبيه ظهور واحديته، والأحدية والواحدية حضرتان للحق تعالى لا بد من نسبتهما إليه لتحقيق معرفته.
فالأحدية حضرة ذاته الغيبية المجردة عن النعوت والأوصاف الغنية عن العالمين، والواحدية حضرة ذاته العلية من حيث اتصافها بالأوصاف وتسميتها بالأسماء وصدور الأفعال عنها والأحكام، فلا بد من الإيمان به تعالى في الحضرتين .
(ووصفه) تعالى (بالوصفين) : الوصف التنزيهي والوصف التشبيهي، لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " [الإخلاص: 3 - 4] (علی) حسب (الإجمال) في معرفته تعالى (لأنه يستحيل) عقلا (ذلك) الوصف بالتنزيه والتشبيه معا (على التفصيل) في كل ظهور من ظهوراته تعالى وكل تجلي من تجلياته (لعدم الإحاطة) من أحد من الخلق (بما في العالم) كله (من الصور) المختلفة، ومن عرفه كذلك بالتنزيه والتشبيه على مقتضى ما ظهر له من إطلاقه عن قيد التنزيه وقيد التشبيه (فقد عرفه) سبحانه وتعالى (مجملا لا ) عرفه (على التفصيل كما عرف) ذلك الإنسان (نفسه) فإنه من عرفها أي أدركها إدراكا (مجملا)، لأنه عرف صورة ظاهرة ذات أعضاء و قوی، ووراء ذلك أمر آخر باطنی يسمى نفسا وعقلا وروحا .
وهذا الظاهر صورة ذلك الباطن وذلك الباطن مستولي على الظاهر ومتصرف فيه، وحده، ولا ظهور له في غيره من غير حلول فيه ولا اتحاد منه، فإن الإنسان ينزه باطنه عما ظهر منه ويشبه باطنه بما ظهر منه، فظاهره غير باطنه فهو المنزه، وظاهره عین باطنه فهو المشبه.
وهذه المعرفة إجمالية (لا على) مقتضى (التفصيل) حيث لا يمكنه ذلك في نفسه فكيف في ربه.
(ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق سبحانه بمعرفة النفس) إجمالا بإجمال وتفصيلا بتفصيل.
(فقال: من عرف نفسه) بأنه ما هية غيبية هي سر من أسرار الله تعالی ظاهرة له في صورة بشرية جسمانية ولم تتغير عما هي عليه بسبب ظهورها ذلك، كما لم يتغير النجم في السماء عن كبره الذي يبلغ مقدار الدنيا وأزيد من ذلك بسبب ظهوره لأهل الأرض مقدار الدرهم الصغير بل هذا الصغر هو ذلك الكبر بعينه .
ولكن القصور في الإبصار بسبب حجاب البعد عن شهود مطالع الأنوار (فقد عرف ربه) بأنه ماهية غيبية مطلقة عن جميع القيود وعن هذا الإطلاق أيضا، ومع ذلك فكل شيء صورة ظهوره، وكل محسوس ومعقول مطلع من مطالع نوره.
وهو على ما هو عليه من إطلاقه الحقيقي وإن ظهر كيف ما ظهر فإنه المتصرف في القلوب والمقلب للأبصار في الغيوب، يخلق لعباده رؤية يرونه بها مشتملة على الصور والمقادير بحسب ما سبقت به أقضية الأزلية والتقادير، ويخلق الهم قطعة وجزم بأن ما رأوه غيره، فيضلهم به ويمنع عنهم خيره، ويخلق لهم جهلا بما تقوله العارفون، ويخلق لهم تكذيبا وجحودا لما خلقه من المعرفة والكشف الصحيح في قوم يعلمون "لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون " [الأنبياء: 23].

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا يعلم حدود كل صورة منها) أي من صور العالم حد الحق (إلا على قدر ما حصل لكل عالم) بالحد (من صوره) أي من صور العالم (فلذلك) أي فلأجل عدم انضباط صور العالم لأنها جزئيات غير متناهية (بجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده) من حيث مظاهره (إلا بعلم حد كل صورة وهذا) أي العلم بحد كل صورة (محال حصوله فحد الحق) الموقوف على المحال (محال) حصوله وليس المراد بالحد هو المصطلح عند علماء الرسول وهو المركب من ذاتيات المحدود تعالی عن ذلك .
وإنما المراد آثار أسمائه وصفاته يستدل بها على صفات الله تعالى وأسمائه على وجه التحديد والتعيين وإنما خصر عدم الانضباط إلى الصور دون المعاني لأن معاني المعالم أمور كلية منضبطة عند العقل لكن الصور أجزاء للحد فلا يحصل الحد بدون انضباطها.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحده وما عرفه) حق معرفته وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض کالمنزه الواقف عند تنزيهه (ومن جمع في معرفته) أي في معرفة الحق (بین التشبيه والتنزيه ووصفه بالوصفين) أي التنزيه والتشبيه (على الإجمال) وإنما قال على الإجمالي (لأنه يستحيل ذلك) أي التوصيف بالوصفين (على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل) فما أمكن للإنسان في مقام توصیف الحق بالوصفين من العلوم إلا العلم الإجمالي.
(ولذلك) أي ولأجل كون الجمع بين التنزيه والتشبيه والوصف بهما سببا لمعرفة الله تعالى لا غير (ربط النبي معرفة الحق بمعرفة النفس. فقال "من عرف نفسه فقد عرف ربه) .
لأن باطن النفس الإنسانية تنزيه لكونه مخلوقا على صفة الله تعالی و ظاهرها تشبیه فمن جمع في معرفة نفسه بينهما ووصف نفسه بهما فقد جمع في معرفة ربه بينهما ووصف ربه بهما ونال بمعرفة نفسه درجة الكمال في العلم بالله تعالى.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قلت: هذا الكلام ظاهر مما سلف، وليفهم أنه يعني أن من حصره في الصفات كالحنابلة وغيرهم فيما ينقل عنهم أنه جاهل وذلك معروف.
قال: ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ووصفه بالوصفين على الإجمال فقد عرفه، ثم أجاب عن سؤال مقدر.
كأن قائلا قال له: فلم لا يعلم على التفصيل؟
فقال: لأنه يستحيل ذلك لعدم الاحاطة بما في العالم من الصور وأقحم في الكلام أن الانسان أيضا إنما عرف نفسه على الاجمال لا على التفصيل.
قوله رضي الله عنه : ولذلك ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الحق بمعرفة النفس
فقال: «من عرف نفسه عرف ربه» وقال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق" وهو ما خرج عنك "وفي أنفسهم" وهو عينك و"حتى يتبين لهم" أي للناظر و"أنه الحق" (فصلت: 53) من حيث أنك صورته وهو روحك.
فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدير الصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدير لها لم تبق إنسانا.
ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان " جسد أو جثة "، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.
قلت: جميع هذا الفصل ظاهر لا يحتاج إلى شرح

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال الشيخ رضي الله عنه : « وصور العالم لا تنضبط ، ولا يحاط بها ولا يعلم حدود كلّ صورة منها إلَّا على قدر ما يحصل لكلّ عالم من صورة ، فلذلك يجهل حدّ الحق ، فإنّه لا يعلم حدّه إلَّا بعلم حدّ كلّ صورة ، وهذا محال حصوله ، فحدّ الحق محال " .
قال العبد : لمّا كانت صورة العالم ظاهرية الحق ، وهويّته باطنه ، لزم أن يكون الحدّ الكامل لكل شيء هو بذكر حدّه آخذا ظاهره وباطنه ، والحق باطن الكلّ ، فإن لم يكن مذكورا في حدّ كل محدود ، لم يكن الحدّ كاملا .
وهو تعالى إنّ حدّ ، حدّ بجميع الحدّ على الحدّ الذي ذكرنا ، لا على الحدّ الرسمي للحدود في عرف الحكمة الرسميّة المنطقيّة ، ولكنّ الحقّ يتعيّن في كل محدود بحسبه وقدره ، فلا ينحصر في حدّ ولا في جميع الحدود المحدودة ، ولا ينحصر حدّه أيضا في الجمع من جميع الحدود إن انحصرت ، ولكنّها لا تنحصر أصلا .
فلا يحدّ الحقّ أبدا ، فهو حدّ كل شيء وليس له حدّ ، فلو حصل لنا الإحاطة بحدود جميع صور العوالم وأرواحها وحقائقها ومعانيها ، وانضبطت لنا حدودها ظاهرة وباطنة ، لتأتّى لنا من حدّه حدّه تعالى ، ولكنّها لا تنضبط ولا يحاط بها أبدا فلا يحدّ الحق .
وأيضا : فإنّ الحق لا يتميّز بخصوصية تفصّله عن خصوصيّة ، وإلَّا لكان محدودا مقيّدا بتلك الخصوصيّة ، ولمّا لم تنحصر الصور ولم تنضبط التعيّنات غير المتناهية ، لم يكن حدّ الكلّ إلَّا بكلَّيّته مجملا ، وذلك أيضا اعتبار يعتبر مجملا ، فلم يكن حدّ الحق .
وأيضا لأنّه تعالى أحديّة جمع جميع الحقائق الخصوصيّة والاشتراكيّة كلَّها ما تناسب وتشاكل وتباين وتنافي وتضادّ وتناقض ، فلا يعلم حدّه ، لكون الحدود مصوّرة للمحدودات ومتحقّقة فيها فهي غير معلومة ، ولا يحاط بها في نفس الأمر ، فلا يلزم من عدم الإحاطة بالحدود والمحدودات ولا من عدم علمنا بالحدود كلَّها على سبيل الحصر كونه تعالى محدودا بحدود المحدودات كلَّها من كونه تعالى عين الكلّ إلى ما لا يتناهى مطلقا عن الانحصار في الحدود والمحدوديّة واللامحدوديّة . ذلك مبلغنا من العلم ولا يبلغ كلّ ما فيه ، وهذا غاية البيان ، والله المستعان .
قال رضي الله عنه : "وكذلك من شبّهه وما نزّهه ، فقد قيّده وحدّده وما عرفه ، ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ، ووصفه بالوصفين على الإجمال ، لأنّه يستحيل ذلك على التفصيل  لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور ، فقد عرفه مجملا لا على التفصيل".
قال العبد : وكما تقدّم القول في المنزّه بالتنزيه العقلي أنّه ناقص المعرفة ، لكونه مقيّدا للمطلق ومحدّدا لما لا حدّ له بما يخرجه ويميّزه عن جميع ما ينزّهه عنه ، فكذلك المشبّه من غير تنزيه غالط ، لأنّ التشبيه تقييد وتحديد أيضا للمطلق الذي لا حدّ له بقيده وحصره ، وهو المطلق بالذات والوجود ، لأنّه وصفه بوصف ذي حدّ ، وحدّه بحدّ ذي وصف معيّن ، وقيّده بذلك ، ذاهلا عن ضدّ ما قال به أو نقيضه وهو التنزيه ، ولقبوله تعالى الوصفين معا على الوجه الأكمل الأجمع .
وذلك لأنّ المشبّه يشبّهه تعالى بالجسمانيات ، ويحصره في ذلك المنزّه بنزهه عنها كذلك ، فكل واحد منهما يقيّده إذن بمفهومه ، ويحدّده بمعلومه ، وحقيقته تعالى تقتضي الإطلاق والحصر .
ثم إنّ التشبيه يقتضي : مشبّها ، ومشبّها به ، ومشبّها ، وفيه اشتراك للحق بما يشبّه فيه بما يشبّهه به فيما يشبّهه به شبهه ، وحيث ورد التنزيه والتشبيه معا في إخباره تعالى عن نفسه في مفهوم العموم وفي معلوم أهل الخصوص ، أخبر عن نفسه في التشبيه في عين التنزيه والتنزيه في عين التشبيه ، وذلك في كتبه المنزلة ، وعلى ألسنة رسله المرسلة .
فالأخذ بأحدهما دون الآخر كفر به وبما أخبر عن نفسه من حيث أحد الوجهين ، وجنوح عن حق الإيمان ، ولكنّا آمنّا بما جاء عن الحق وشبّهنا كما أخبرنا به تعالى عن نفسه على الوجه الذي أراده من غير تحكَّم عقلي ولا تأويل فكري وعلى مقتضى المفهوم الأوّل من اللفظ والعبارة ، ونزّهنا أيضا من حيث ما ورد التنزيه في القرآن المجيد من غير تحكَّم عقلي ولا تسلَّط فكري ولا تأويل تقييدي بأمر دون أمر ، فقد وفّينا الحقيقة مقتضاها وأعطينا من الله في حق كل مرتبة ما أتاها ، ومن جمع بين المعرفتين منّا ، ولم يحصر الأمر وأطلق ، فهو الإمام العلام ، حسنة الليالي والأيّام .
ثمّ إنّ الواصف للحق بالوصفين إمّا أن يصف بهما إجمالا وهو الممكن في حق العارفين ، ولكن منهم من يصفه بهما امتثالا واتّباعا لما جاء به الشرع المطهّر ، وذلك ، المؤمن بكل ما ورد من الله على مراد الله ولم يحصر في أمر دون أمر ، إنّما هو عبد الله لا شائبة فيه للفضول .
ولا شانئة التحكَّم بمقتضى العقول ، ومن وصفه منّا بهما معا محقّقا بأنّ كل ذلك مقتضى الحقيقة وأنّ الهويّة تقبل الأضداد والأمثال لكونها محيطة بالكلّ ، وشاملة للجميع ، حاصرة غير محصورة .
كان كامل المعرفة تامّ الكشف ، عامّ الشهود ، أستاد الطريقة ، كأبي سعيد الخرّاز ، حين سئل : بم عرفت الله ؟
قال : بجمعه بين الأضداد : " أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ " وصف هويته الأحدية الجمعية بالأوليّة والآخرية والباطنية والظاهرية مع ما بين هذه النسب من التضادّ والتنافي ، بقوله تعالى : "هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ " فجعل هويّته الأحدية موضوعة ، وحمل عليها هذه النسب بلا تقييد ، فهو الوصف بهما إجمالا .
وأمّا وصفه تعالى بالكلّ على التفصيل فليس إلَّا لله إلى ذلك سبيل ، لامتناع تفصيل ما لا يتناهى دفعة واحدة بطريق التوصيل ، ولكنّ الحق يفصّل ويوصل أبد الدهر من غير تناه ولا انقطاع . ولو فرضنا الإحاطة بكلّ ما حصل في الوجود من الحدود .
فوصفه بكل ذلك على الإجمال أو على التفصيل تعريف وتحديد أيضا بالمتناهي المحدود ، لكون الحاصل في الوجود ، إذ ذاك وعنده من الشهود مجملا أو مفصّلا محصورا بانتهائه إلى ما لم يدخل بعد في الوجود ممّا لم يوجد في مرتبة من المراتب .
فالحصول على المعرفة والتعريف ، والوصول إلى التحديد والتوصيف على التفصيل ممتنع مستحيل ، وإن عرف بكل ما دخل في الوجود ما لم يدخل كان مجملا أيضا ، وإن عرف بالتفصيل في الأوّل مفصّلا وفي الثاني الباقي مجملا ، كان مركَّبا من المجمل
والمفصّل ، وما في التحصيل حينئذ تفصيل لتوصيل من كل وجه ، والجمع أكمل وأشمل ، فتحقّقه .
قال رضي الله عنه : « ولذلك ربط النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم معرفة الحق بمعرفة النفس.  فقال : « من عرف نفسه ، فقد عرف ربّه » .
قال العبد : معرفة العبد ربّه من معرفة نفسه على وجهين :
أحدهما : معرفة النظير .
والثاني : معرفة النقيض فيعرف ربّه بالكمالات الحاصلة فيه بأنّه للحق على الوجه الأكمل الأحقّ ، ويعرف أيضا بنقائض ما هو عليه من النقائص ، وسلب جميع ما هو عليه من صفات النقص عن الجناب الإلهي .
وهذا أيضا معرفة مجملة بالربّ ، حاصلة من معرفة مجملة أيضا كذلك بالنفس ، فكما لم يعرف النفس على التفصيل ، كذلك لم يعرف الحق على التفصيل ، وإنّما لم يعرف نفسه على التفصيل ، لأنّه على صورة ربّه ، وصورة العالم ، وكلّ واحد منهما غير متناهي التفصيل ، فالمعرفة التفصيلية تستحيل إلَّا ما شاء الله العليم القدير.
ولهذا ربط رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم معرفة الربّ بمعرفة النفس ، لأنّ الإنسان الذي هو أحدية جمع جمع الجميع ، إذا علم حقائق نفسه ، روحانيّها وطبيعيّها مع قواها ولوازمها ولوازم لوازمها وعوارضها ولواحقها على التفصيل أو على الإجمال ، كانت معرفته بربّه كذلك .
فقال : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ " وهو ما خرج عنك ظاهرا ، إذ لا خارج عنك معنى "وَفي أَنْفُسِهِمْ" ".
وهو عينهم التي هي صور أحدية جمع الآيات كلَّها .
والمعرفة الحقيقية بالربّ إنّما تكون بالجمع بين المعرفة بالآيات الإلهية في الصور الآفاقية التفصيلية في جميع عوالم الفرق والتفصيل ، وبين المعرفة بأحدية جمع الآيات الأحدية الجمعية التي في الصور الإنسانية ، فإنّ الله خلق آدم على صورة الله تعالى ، وخلق العالم على صورة الإنسان ، فالعالم هو الإنسان الكبير صورة لا معنى والإنسان هو العالم الصغير صورة لا معنى ، والعالم هو الإنسان الصغير معنى الكبير صورة ، والإنسان هو العالم الكبير معنى الصغير صورة ،فافهم.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
كما قال رضي الله عنه : فالحق محدود بكل حد وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا يعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل ، أي لكل عالم من صورته . فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده إلا على قدر ما حصل ، أي لكل عالم من صورته . فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة ، وهذا محال حصوله فحد الحق محال ".
أي لا يمكن لأحد الإحاطة بكل الظواهر والبواطن حتى يحيط بكل الحدود لأنها لا تنضبط ، فلا يعلم عالم حد الحق ومحال أن يعلم ، فلا يزال حده مجهولا محالا علمه ووجوده ، لأن مجموع الظواهر والبواطن ممكنات ليس بالمطلق ، فمجموع الحدود أيضا ليس بحده .
قوله: ( وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه ) ظاهر ، لأن من شبههه حصره في تعين ، وكل ما كان محصورا في حد فهو بهذا الاعتبار خلق .
ومن هذا يعلم أن مجموع الحدود وإن لم يكن غيره ليس عينه ، لأن الحقيقة الواحدة الظاهرة في جميع التعينات غير مجموع التعينات ( ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ووصفه بالوصفين على الإجمال ) بأن قال هو المنزه عن جميع التعينات بحقيقته الواحدة التي هو بها أحد المشبه بكل شيء ، باعتبار ظهوره في صورته وتجليه في صورة كل متعين على الإجمال.
قال رضي الله عنه : ( لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور ، فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل ) لأنك تعلم أنك واحد وتعبر عن حقيقتك بأنا ، وتضيف كل جزء من أجزائك على الإجمال إلى حقيقتك .
فتقول : عينى وأذنى وبصرى إلى آخر أجزائك . وتعلم أنك المدرك بالسمع والبصر ، فأنت غير جزء من أجزائك الظاهرة والباطنة ، وأنت الظاهر في صورة كل جزء منك بحيث لو قطعت علاقتك عنها لم يبق واحد منها وتغيب عن كل جزء منك على التفصيل ولا تغيب عن ذاتك قط ، فلا تغيب عن جزء ما من أجزائك على الإجمال .
( ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلَّم معرفة الحق بمعرفة النفس ، فقال « من عرف نفسه فقد عرف ربه » ) فإن الحقيقة التي تعبر عنها بأنا هو الرب في الكل إذا لم تتقيد بتعينك وغيره إذا قيدته فلم تكن غيرا إلا من حيث التقيد .
وهو أيضا من حيث التقيد المعين هو جميع التقيدات لا بدونها فإنه هو المتقيد بجميع التقيدات ألا ترى إلى قوله : " وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى "  فسلب الرمي عنه لأنه بدون الله لا شيء محض فلا يكون راميا ، وأثبت الرمي له باعتبار أنه هو ، بل هو الظاهر بصورته حتى وجد فرمى ولذلك قال " ولكِنَّ الله رَمى "  .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصور العالم لا ينضبط ولا يحاط بها، ولا يعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورة، فلذلك يجهل حد الحق. فإنه لا يعلم حده إلا ويعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله، فحد الحق محال).
أي، صور العالم وجزئياته مفصلا غير منضبطة ولا منحصر، والحدود لا تعلم إلا بعد الإحاطة بصور الأشياء وحقائقها، فالعلم بحدودها محال، فحد الحق من حيث مظاهره أيضا محال.
وفي قوله: (إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورة) إشارة إلى أن كلواحد من الموجودات أيضا لا يعلم من حيث حقيقته، لأن حقيقته راجعة إلى عين الحق وحقيقته، وهي غير معلومة للعالم.
قال رضى الله عنه: (ولست أدرك من شئ حقيقته وكيف أدركه وأنتم فيه)
(وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته
بين التنزيه والتشبيه ووصفه بالوجهين على الإجمال - لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور - فقد عرفه مجملا لا على التفصيل، كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل). أي، من شبهه مطلقا وما نزهه في مقام التنزيه،فقد قيده أيضا وحده في تشبيه وما عرفه، كالمجسمة.
ومن جمع في معرفته بين التشبيه والتنزيه ونزل كلا منزلته ومرتبته ووصف الحق بهما على الإجمال - لأنه يستحيل ذلك على التفصيل إذ كل منهما مراتب غير متناهية لا يمكن الإحاطة بها- فقد عرف ربه مجملا، كما عرف نفسه مجملا.
لأن المرتبة الإنسانية محيطة بجميع مراتب العالم، والإنسان لا يقدر أن يعرف تلك المراتب على التفصيل، بل إذا علمأن مرتبته مشتملة بمراتب العالم كلها، علما اجماليا، فهو عارف بنفسه معرفة اجمالية، إلا من له مقام القطبية، فإنه من حيث سريانه في الحقائق بالحق يطلع على المراتب كلها تفصيلا، وإن كان هو أيضا من حيث تعينه وبشريته لا يقدر) عليها دائما.
(ولذلك ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الحق بمعرفة النفس فقال:
"من عرف نفسه فقد عرف ربه".) أي، ولكون النفس الإنسانية مشتملة على جميع المراتب الكونية والإلهية، والحق أيضا مشتمل عليها بحسب ظهوراته فيها، وما يعرف العارف نفسه غالبا إلا مجملا كما لا يعلم مراتب ربه إلا مجملا، ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الرب بمعرفة النفس.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». "
ثم أشار إلى أنه لا يمكن تحديده بحدود المظاهر حدا مستجمعا لحدودها بقوله: (وصور العالم لا تنضبط) بما فيها من العوالم المشخصة، (ولا يحاط بها) عددا، (ولا يعلم حدود كل صورة منها) لعسر الاطلاع على ذاتيتها بل على أعراضها اللازمة الشاملة (إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورة) أي: من معرفة بعض حدود صور العالم
(فلذلك) أي: فللجهل ببعض صور العالم بل أكثرها (يجهل حد الحق) باعتبار ظهوره في المظاهر، (فإنه لا يعلم حده) الجامع لحدود الأشياء (إلا بعلم حد كل صورة) من صور العالم، (وهو) أي: علم حدودها كلها (محال حصوله للبشر، (فحد الحق) من حيث الظهور في جميع المظاهر حصول العلم به (حال) أيضا للبشر.
(وكذلك) أي: مثل المنزه على الإطلاق في الجهل، وإساءة الأدب بل أشد منه بكثير (من شبهه) على الإطلاق، حتى جعله من الأجسام، (وما نوهه) عن نقائص الإمكان (فقد قيده) بقيود يحتاج بها إلى مخصص يخصصه بها إذ جعله من الأجسام يستلزم تقيده بالصورة الجسمية والنوعية والشخصية مع العوارض المشخصة، (وحدده) بأن ألزمه التناهي في الذات بالمقدار لوجوب تناهي الأبعاد الجسمية بخلاف تجديد المنزه؛ فإنه متناه في الظهور في ذاته لا يتعداها إلى سائر المظاهر.
ولذلك (ما عرفه) أصلا بخلاف المنزه، فإنه عرفه من وجه هو الأصل بالنظر إلى الذات؛ فلذلك كان مؤمنا، وهذا كافر، (ومن جمع في معرفته بين التنزيه) باعتبار الذات والصفات السلبية، (والتشبيه) باعتبار ظهوره في المظاهر والصفات الوجودية (ووصفه بالوصفين) مقا بأن يقول: إنه حال ظهوره في المظاهر منزه عن الحلول فيها، والاتحاد من كل وجه بها، وإنه حال تنزهه عنها ظاهر فيها (على الإجمال).
بأن يقول: إنه منزه عن كل ما لا يليق به من النقائص الإمكانية، وظاهر بصور أسمائه التي لا تتناهي في صور العالم، وإنما قيد بالإجمال؛ (لأنه يستحيل ذلك) أي: وصفه بهما (على التفصيل) لتوقفه على المعرفة التفصيلية بصور العالم التي ينزه الحق عن وجوه إمكاناتها، وتشبه أسماؤه بما ظهر فيها من صورها لكنها في حق المخلوق محال (لعدم الإحاطة بما في صور العالم).
وقوله: (فقد عرفه) خبر لقوله: ومن جمع (مجملا لا على التفصيل)، لا باعتبار الذات، ولا باعتبار الظهور، وهي غاية ما يمكن للمخلوق من معرفته الحق (كما عرف نفسه) الناطقة مع دوام حضورها له بحيث لا يغفل عنها أصلا (مجملا لا على التفصيل).
ولذلك وقع فيه الاختلاف الذي قلما وقع مثله في موضع آخر.
(ولذلك) أي: ولأجل أنه لا يمكن معرفة الحق إلا على الإجمال كمعرفة النفس " من عرف نفسه عرف ربه " (ربط النبي معرفة الحق بمعرفة النفس) تنبيها على أنها مع غاية قربها، ودوام حضورها إذا لم تعرف إلا بالإجمال، فكيف يعرف الحق مع غاية بعده عن العقول والأوهام إلا بالإجمال.


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:38 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:30 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الرابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الرابعة : الجزء الثاني


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ) لعدم تناهيها ، ( و ) على تقدير ضبطها (لا تعلم حدود كلّ صورة منها إلَّا على قدر ما حصل لكلّ عالم من صورة ) المناسبة لاستعداده (فلذلك يجهل حدّ الحقّ ، فإنّه لا يعلم حدّه إلَّا بعلم  حدّ كلّ صورة) من الصور المشتمل عليها
العالم بطرفيها الروحاني والجسماني ( وهذا محال حصوله ، فحدّ الحقّ محال ) .
فعلم من هذا أنّ من نزّه الحقّ مطلقا وما شبّهه - فقد حدّد ما لا يحدّ فما عرفه . فالتنزيه في عين التشبيه  
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكذلك من شبّهه وما نزّهه فقد قيّده وحدّده وما عرفه ، ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ) وقال بوجوده في كلّ عين ، منزّها عنه ، وشاهد بطونه في عين الظهور ووصفه ( بالوصفين على الإجمال  لأنّه يستحيل ذلك على التفصيل ، لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور ) حتّى يتمكَّن من مشاهدته في كلّ واحد مفصّلا ( فقد عرفه مجملا ، لا على التفصيل ، كما عرف نفسه مجملا ، لا على التفصيل ) إذ الإحاطة بما انطوى عليه ظاهرها - من القوى الجسمانيّة وآلاتها وأفعالها وباطنها من القوى الروحانيّة وأطوارها ومقاماتها مما لا يمكن إلَّا على ضرب من الإجمال .


قال الشيخ رضي الله عنه : (ولذلك ربط النبيّ عليه السّلام معرفة الحقّ بمعرفة النفس فقال  : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » ) وهذا غاية الإجمال حتّى أن الوصفين فيه مجمل .
وأمّا ما يدلّ على ضرب من التفصيل فما أفصح عنه التنزيل الكريم .



شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». )
قال الشيخ رضي الله عنه : (و صور العالم لا تنضبط و لا يحاط بها و لا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، و هذا محال حصوله: فحد الحق محال. و كذلك من شبهه و ما نزهه فقد قيده و حدده و ما عرفه.  و من جمع في معرفته بين التنزيه و التشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل.  و لذلك ربط النبي صلى الله عليه و سلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». )


(فالحق سبحانه) إذن (محدود بكل حد)، يعني كل مأخوذ في حده فما لم يسمع جميع الحدود لم يتم حده لأن كل ما هو محدود بحد صورة من صوره وحد كل صورة من تفاصيل جزا، حدود الصورة.
(وصور العالم لا تنضبط) تحت حد و حصر (ولا يحاط بها ولا بعلم حدود كل صورة منها)، أي من صور العالم (إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صوره فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده)، أي حد الحق (إلا) و (یعلم حد كل صورة) من صور العالم.
(وهذا محال حصوله) لعدم تناهي تلك الصور (فحد الحق محال) وما تقدم القول في المنزه بالتنزيه العقلي أنه ناقص المعرفة لكونه مقيدا للمطلق أراد أن يشير إلى أن المشبه أيضا كذلك.


فقال : (وكذلك من شبهه مطلقة وما نزهه) في مقام التنزيه (فقد قيده) بما عدا صور التنزيه (وحدده) به (وما عرفه) على ما هو عليه في نفس التنزيه (ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه له) ونزل كلا منزلته ( وصفه).
أى الحق تعالى (بالوصفين)، أي التنزيه والتشبيه (على الإجمال) .


بأن قال : وهو المنزه عن جميع التعيينات بحقيقته الواحدة التي هو بها أحد والمشبه بكل شيء باعتبار ظهوره في صورته وتجليه في كل متعين .
وإنما قال على الإجمال (لأنه يستحيل ذلك)، أي وصفه بألوصفين (على التفصيل)، لأن وصف التفصيل إنما يتيسر باعتبار معرفة تفاصيل صور العالم وليس ذلك مما تفي به القوة البشرية (لعدم الإحاطة) بالفعل (بما في العالم من الصور) لكثرتها بحيث لا تدخل تحت الإحاطة إن كان المراد الصور الموجودة بالفعل، ولعدم تناهيها إن كان المراد أعم (فقد عرفه)، أي الحق سبحانه (مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه) أيضا (مجملا لا على التفصيل) لعدم الإحاطة المذكورة. فإن مرتبة الإنسانية الكمالية مشتملة أيضا على جميع صور العالم .


(ولذلك) الاشتمال (ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق سبحانه بمعرفة النفس) و جعل معرفة الحق مسببة عن معرفة النفس (فقال : من عرف نفسه فقد عرف ربه)) .

وكذلك الاشتمال أيضا سوى الحق سبحانه بين إراءتها آياته في الآفاق وبين إراءتها في الأنفس وجعل كلا منها سبة في إفادة معرفته . 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:20 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:49 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الخامسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الخامسة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك.  فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : "وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظر «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة.
ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة."
وقال تعالى :(" سنريهم ") وهو وعد في الدنيا للمؤمنين ووعيد في الآخرة للكافرين " آياتنا " ، أي علاماتنا الدالة علينا، وهي صور العالم المعقولة والمحسوسة من حيث هي صور الحق تعالى لقيامها به تعالى، فإنه قيومها وصورة الشيء قائمة به، فهو تعالی ماهیتها وهي صورته.
وصور الشيء علامات عليه، وهي صور العالم عند الجاهل، والعالم معدوم، وهي صور الحق عند العارف ، والحق موجود، وهي عند الجاهل حجب الحق، وهي عند العارف مظاهر الحق، لأنها صوره، والصور مظاهر الذات ("وفي الأفاق") [فصلت: 53] جمع أفق بضمتين (وهو ما خرج عنك)، أيها الإنسان من جميع الحوادث المعقولة والمحسوسة .
كما قال تعالى: "ولقد رآه بالأفق المبين " [التكوير: 23]، وإنما كان مبينة، لأنه مرآة الأنفس ورؤية النفس في المرآة أبين وأوضح من رؤيتها بدون ذلك.
ولهذا لما أراد الله تعالى أن يوضح الأمر لإبراهيم عليه السلام، أراه جواب سؤاله في غيره فقال له :" فخذ أربعة من الطير" [البقرة: 260] إلى آخره، اعتناء به الكماله، وأراد أن لا يوضح الأمر كمال الإيضاح للغزير عليه السلام، فأراه جواب سؤاله في نفسه، فأماته الله مائة عام، فالأول أراه آياته في الآفاق والثاني أراه آیاته في نفسه ليتبين له أنه الحق.
(و) أراهم آیاته مرة ثانية (في أنفسهم وهو)، أي ما أراهم آياته فيه ثانية من الأنفس (عينك)، أي ذاتك وصفاتك وأسماؤك وأفعالك وأحكامك (حتى يتبين)، أي ينكشف ويظهر (لهم)، أي للناظرين المذكورين (أنه)، أي المرئي الهم بعقلهم وحواسهم هو (الحق) سبحانه وتعالى (من حيث إنك) يا أيها الإنسان (صورته) لقيامك ظاهرا وباطنا كقيام الصورة بالمتصور بها من غير حلول ولا اتحاد (وهو) سبحانه وتعالى (روحك) التي تدبر روحك ونفسك وعقلك وجسمك بما شاءت على مقتضى الحكمة الأزلية (فأنت) كلك بروحك ونفسك وجسمك (له) تعالى (كالصورة الجسمية لك) من حيث إنك ساتر له وحجاب عليه، ومع ذلك فأنت مظهر له ومجلى لأسمائه الحسنى.
(وهو) سبحانه (لك) يا أيها الإنسان (كالروح المدبر لصورة جسدك)، فإن الروح المدبر لصورة جسدك مستولي على جسدك باطنا وظاهرا، يتصرف فيك بما يشاء من غير أن يكون مشابها لروحك إذ لا حلول فيك ولا اتحاد، ولهذا قال : کالروح المدبر بكاف التشبيه للتقريب، ثم شرع في بيان كون الحق تعالی محدودة بكل حد فقال:
(والحد)، أي التعريف الذي لك (يشمل الظاهر) الصورة والأعضاء (والباطن) كالروح والنفس والعقل (منك) بلا شبهة وإلا لما كان حد تام (فإن الصورة الباقية) الجسمانية من الإنسان (إذا زال عنها الروح المدبر لها) بأن عزل عن الاستيلاء عليها والتصرف فيها بسبب الموت العارض لها (لم تبق) تلك الصورة المذكورة (إنسانا) بل تصير جمادة (ولكن يقال فيها إنها صورة تشبه صورة الإنسان) من حيث إنها كانت صورة إنسان فلما نزعت منها الإنسانية خرجت عن كونها صورة إنسان بالفعل فهي صورته بالقوة (فلا فرق) في التحقيق (بينها وبين صورة) مخروطة من خشب أو منحوتة من (حجارة).
على صورة الإنسان (ولا ينطلق عليها)، أي على تلك الصورة المفارقة لإنسانيتها (اسم الإنسان إلا بالمجاز) والعلاقة المشابهة من حيث الظاهر (لا بالحقيقة) إذ الإنسان اسم المجموع الصورة والحقيقة الروحانية المدبرة للصورة فعند النزاع تلك الحقيقة من الصورة لا تبقى الصورة وحدها يقال لها إنسان .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : (وقال الله تعالى) أي ولأجل هذا قال الله تعالى: "سنريهم آياتنا "[فصلت: 33] .أي دلائلنا لهم على معرفتنا (في الآفاق) وهو راجع إلى الآفاق باعتبار كل فرد .
أي كل فرد فرد من الآفاق أو باعتبار ما بعده ما خرج عنك (وفي أنفسهم) أي وسنريهم آياتنا في أنفسهم (وهو) أي كل فرد من الأنفس (عينك حتى يتبين لهم أي للناظرين) فيهما (أنه) أي الله تعالى (الحق من حيث إنك صورته) أي صفته (و) ينين (هو) أي الحق (روحك) .
لأن ظاهر العالم تشبيه وباطنه تنزيه فمن جمع في معرفة العالم بينهما ووصف بهما فقد جمع في معرفة رب العالمين بينهما ووصل إلى درجة الحقيقة في رتب العلم فما يعرف الحق أحد إلا بالعالم آفاقا كان أو أنفسا (فانت له) بجميع أجزائك من الروح والجسد (كالصورة الجسمية لك) أي لروحك.
(وهو لك) في التدبير والتصرف فيك وفي الآفاق (كالروح المدبر لصورة جسدك والحد يشمل الظاهر والباطن منك) أي وحدك وهو الحيوان الناطق يشمل ظاهرك وهو صورة جسدك ويشمل باطنك وهو روحك المدبر لجسدك وإنما يشمل حد الإنسان ظاهره وباطنه (فإن الصورة الباقية) وهو جسده بعد مفارقة الروح (إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق) هذه الصورة (إنسانا ولكن يقال فيها) أي في حق هذه الصورة.
(إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينهما وبين صورة من خشب أو حجارة ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة) باعتبار مجاورة الروح مدة (وصور العالم) وإن كانت متبدلة لكنه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قوله رضي الله عنه : ولذلك ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الحق بمعرفة النفس
فقال: «من عرف نفسه عرف ربه» وقال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق" وهو ما خرج عنك "وفي أنفسهم" وهو عينك و"حتى يتبين لهم" أي للناظر و"أنه الحق" (فصلت: 53) من حيث أنك صورته وهو روحك.
فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدير الصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدير لها لم تبق إنسانا.
ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان " جسد أو جثة "، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.
قلت: جميع هذا الفصل ظاهر لا يحتاج إلى شرح

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : "وقال تعالى : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ "  وهو ما خرج عنك "وَفي أَنْفُسِهِمْ " وهو عينك " حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ " أي للناظرين "أَنَّه ُ الْحَقُّ " أي من حيث إنّك صورته وهو روحك . فأنت له كالصورة الجسمية لك ، وهو لك كالروح المدبّر لصورة جسدك ، والحدّ يشمل الظاهر والباطن منك ، فإنّ الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبّر لها ، لم يبق إنسانا ، ولكن يقال فيها : إنّها صورة تشبه صورة الإنسان ، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ، ولا ينطلق عليها اسم إنسان إلَّا بالمجاز لا بالحقيقة " .
قلت : والمعرفة الحقيقية بالربّ إنّما تكون بالجمع بين المعرفة بالآيات الإلهية في الصور الآفاقية التفصيلية في جميع عوالم الفرق والتفصيل ، وبين المعرفة بأحدية جمع الآيات الأحدية الجمعية التي في الصور الإنسانية ، فإنّ الله خلق آدم على صورة الله تعالى ، وخلق العالم على صورة الإنسان ، فالعالم هو الإنسان الكبير صورة لا معنى والإنسان هو العالم الصغير صورة لا معنى ، والعالم هو الإنسان الصغير معنى الكبير صورة ، والإنسان هو العالم الكبير معنى الصغير صورة ، فافهم .
فالمعرفة الحقيقية في الجمع بين المعرفة التفصيلية الآفاقية وبين المعرفة الأحدية الجمعية ، والجامعة بين معرفة الجمع والتفصيل ، ومن رأى الآيات الربانية المفصّلة في العالم ، علم أنّ له ربّا عليما بحقائقه ، حكيما بأوضاعه وترتيبه في درج مراتب أصله ودقائقه ، ثم رأى من كل آية من تلك الآيات التفصيلية أنموذجا في نفسه .
فرأى في نفسه أحدية جمع تلك الآيات كلَّها ، فيرى ربّه قد استوى على عرش مظهرية الأحدية الجمعية الكمالية استواء أحديّا جمعيا قرآنيا ، واستوى على عرش مظهرية العالم ، استواء تفصيليا فرقانيا ، فتبيّن له أنّه الحق القيّوم بصورتك وصورة العالم بصورتك وهو روح الكلّ وروح روح العالم ،وهو أنت.
فأنت للحق ومنه بمجموع ظاهرك وباطنك وأحدية جمعك كالصورة الجسمانية لك من حيث ما يقوم بمصالحها وتربيتها ، وهو لك كالروح المدبّر لصورتك ، فإنّه مدبّرك بحقائق ذاته وصفاته وتوالي فيضه وتجلَّياته ، كما أنّ روحك يدبّر بإذن الله جثمانك بقواها الباطنة والظاهرة .
وكما أنّ روح العالم وهو الإنسان الكامل مدبّر العالم ، وهو صورته التفصيلية ، وصورة ربوبيّة الربّ للعالمين عين صورة ربوبيّته لك ، وبك يدبّر العالم ويدبّرك ، كما يدبّر روحك جسمانيّتك ، وحدّ الإنسان يشمل ظاهره وباطنه ، لأنّ الحق في مشرب التقحيق الأتمّ والكشف الأخصّ الأعمّ باطنك وهويّتك ، وأنت صورته .
لذلك يجب للمحقّق أن يأخذ الحق في كل حدّ لكل محدود ، وهو المعتبر في مشرب الكمال وإلَّا فليس بحدّ كامل ، بل هو الحدّ المتعارف بين حكماء الرسوم ، حدّ لحجابيات الأعيان لا غير ، فافهم إن كنت تفهم ، وإلَّا فاسكت ، فليس تمسك فادرج إلى غيره ،والله المستعان.
والدليل على أنّ الحدّ يجب أن يكون شاملا للظاهر والباطن أنّ الصورة الإنسانية إذا زال عنها الروح لا يصحّ أن يقال فيها : إنسان ، بل صورة إنسانية ، فلا فرق بينها وبين صورة إنسانية من خشب أو غيره ، وإن أطلق عليها اسم الإنسان فبالمجاز لا بالحقيقة ، فكذلك إن لم يشمل الحدّ للحق الذي هو لك كالروح المدبّر لجسمك ، لم يكن حدّا كاملا .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : " وقال تعالى " سَنُرِيهِمْ آياتِنا " أي صفاتنا " في الآفاقِ " وهو ما خرج عنك " باعتبار كون تعيناتها غير تعينك.
( " وفي أَنْفُسِهِمْ " - وهو عينك ) الذي ظهر فيك بصفاته وإلا لم توجد ( " حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ " - أي للناظر – " أَنَّه الْحَقُّ " - من حيث أنك صورته وهو روحك ) أي يتبين للناظر أنه الحق الذي ظهر في الآفاق والأنفس ، فالناظر وكل واحد من المنظور فيه صورة ، وهو روح الكل ، ولهذا قال ( فأنت له كالصورة الجسمية لك ) لأنك مظهره كما أن الجسمية مظهرك ( وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك ) لأنه الظاهر بصورتك المدبر لها.
قال رضي الله عنه : ( والحد يشمل الظاهر والباطن منك ) يعنى أن الظاهر كالحيوانية مأخوذ في حد الإنسان كالباطن ، أي النفس الناطقة المأخوذ عنها الناطق الباطن في الحد ( فإن الصورة الباقية ) ما دام حيا ( إذا زال عنها الروح المدبر لها لم يبق إنسانا ولكن يقال فيها إنها صورة تشبه صورة الإنسان ) إذ ليس فيها معنى الإنسان ( فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ، ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة ) .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "وقال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق) وهو ما خرج عنك (وفي أنفسهم) وهو عينك (حتى يتبين لهم) أي،للناظرين لهم (أنه الحق) من حيث إنك صورته، وهو روحك".
استشهاد بالكلام المجيد وتأكيد لهذه الرابطة. فإن إرائة الآيات في الآفاق، أي في الأكوان، ليس إلا ظهور الحق وتجلياته في حقائق الأكوان، وكل منها دال على مرتبة معينة وحقيقة خاصة إلهية، كما أن إرائة الآيات في الأنفس إنما هي ظهوره وتجلياته فيها بحسب مراتبها، والعالم كله مظهر الحق، فالنفس الإنسانية أيضا كذلك، فالعارف لنفسه عارف لربه.
ولما كان ما اشتمل عليه النفس الإنسانية في العالم الكبير موجودا مفصلا يسهل إدراكه، قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق) أولا، ثم أردفه بقوله: (وفي أنفسهم) أي، أعيانهم و ذواتهم (حتى يتبين) للناظرين فيهما (أنه الحق) الذي ظهر فيها وتجلى لهما رحمة على أعيانهما، فأوجد هما بوجوده وأظهرهما بنوره وأعطاهما آيات دالة على حقيقته ووحدته.
والضمير في قوله: (وهو ما خرج) عائد إلى (الآفاق). ذكره تغليبا للخبر وهو (ما) وضمير (وهو عينك) عائد إلى (أنفسهم). ذكره اعتبارا للمعنى، و إرادة فرد من أفرادها، كأنه قال: وهو أنت. ولما كان نفس الشئ عبارة عن عينه وذاته.
قال الشيخ رضي الله عنه (وهو عينك). والضمير في (أنه الحق) لله. أي، حتى يتبين لهم أن الله هو الحق الثابت في الآفاق وفي الأنفس. لكنه ساق الكلام بحيث يرجع ضمير(إنه) إلى (العين)، أي، حتى يتبين للناظرين أن عينك هو الحق من حيث إنك مظهره وصورته، فالحق روحك من حيث إنه يربك و يدبرك. فذكره أيضا لتغليب الخبر وهو (الحق).
(فأنت له، كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك).
ولما كان الاسم من وجه غير المسمى، جاء بكاف التشبيه هنا الموجب للمغايرة، ليعطى حق الوجهين: وجه أحدية العين، ووجه المغايرة. وقال:
(فأنت له) أي، نسبة عينك للحق كنسبة جسدك لعينك: فكما أن جسدكصورة عينك، كذلك عينك صورة الحق وهو ظاهر في عينك، كما أن عينك ظاهرة في جسدك. (وهو لك) أي، الحق لعينك كالروح المدبر لصورة جسدك. 
وقد مر بيان هذا المعنى في المقدمات من أن الحق يرب الأعيان الثابتة بأسمائه وصفاته، ويرب الأرواح بالأعيان، والأجساد بالأرواح، لتكون ربوبيته في جميع المراتب ظاهرة.
قال الشيخ رضي الله عنه (والحد يشمل الظاهر والباطن منك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها، لم يبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة تشبه صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة) . أي، التعريف الحدي يشمل الظاهر منك وهو بدنك، لأنك معرف بالحيوان الناطق والحيوان ليس إلا بدنك، إذ هو جسم نام حساس متحرك بالإرادة، والباطن أيضا هو روحك ونفسك المعبر عنها بالناطق. ولا يسمى ذلك البدن إنسانا بالحقيقة، إلا عند كونه حي إذا روح ونفس. وأما عند كونه ميتا فلا يسمى إنسانا إلا بالمجاز، باعتبار ما كان، إذ لا يصدق عليه أنه حيوان ناطق.
فلا فرق بين الصورة الإنسانية حينئذ، وبين صورة من خشب في الجمادية.
والغرض، أن الإنسان إنما هو إنسان بالروح، وروحه في الحقيقة هو الحق، لأنه روح الأرواح كلها، فلو نفرض مفارقة الحق منه، لا يبقى الإنسان إنسانا، ولذلك عقبه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : "وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» [فصلت: 53] من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك. "
وقال تعالى عطف على قوله: «ربط النبي» أي: ولذلك (قال تعالى: سنريهم ، آیاتنا [فصلت: 53]) أي: ظهور أسمائنا وصفاتنا ("في الآفاق") [فصلت: 53]، (وهو ما خرج عنك) من صور العالم، فأحال معرفته على معرفة الآفاق، ولا تعرف الأفاق إلا بالإجمال، فلا يعرف الرب إلا بالإجمال ("وفي أنفسهم" [فصلت: 53]، وهو عينك) أي: ذاتك فأحال معرفته عليها أيضا، كما أحال النبي معرفته عليها، وهي أيضا إجمالية (حتى يتبين لهم [فصلت: 53]، أي: للناظرين) في حقائقها الممكنة التي لا وجود لها بأنفسها فسر الضمير بالناظرين؛ لأن المعرضين عن النظر لا يتبين لهم ("أنه" [فصلت: 53]) أي: الظاهر فيها الذي أفاد لها الوجود ("الحق" [فصلت: 53]).
الذي وجوده ذاته لا باعتبار حلوله فيها، أو اتحاده من كل وجه بها بل ظهوره فيها (من حيث إنك) أيها العالم، والإنسان باعتبار ظاهر و باطنك (صورته، وهو) باعتبار المعنى والحقيقة (بروحك) الذي به قوام صورتك الروحانية والجسمانية، (فأنت) بها العالم والإنسان باعتبار روحك وجسمك (له كالصورة الجسمية لك ) أي: لروحك فإن الصورة الجسمية لك صورة لروحك من وجه يظهر بها في المنام ونحوه، وإن لم يكن لروحك لتجرده صورة أصلا.
(وهو) أي: الحق (لك) ما العالم، والإنسان باعتبار المعنى والحقيقة (كالروح المدبر الصورة جسدك)، وإن كان روحك مكتسبا للكمالات بهذا التدبير، والحق تعالى لا يكتسب شيئا من الكمالات بكن فقد صرت بروحك وجسمك مظهر الباطنة، وظاهره فأشبه مجموعك بمجموعه.
مع أنه باعتبار المعنى والحقيقة أشبه روحك في تدبيرك فيحصل تعريفه بظاهر وباطنك على سبيل التمثيل، فكأنه محدود بحدك في الظاهر والباطن.
(والحد يشمل الظاهر والباطن منك)، فإن الحيوان الناطق في حد الإنسان يشمل ظاهره: وهو الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة، وباطنه: وهو النفس الناطقة المدركة للكليات.
قال رضي الله عنه : (فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة. )
ثم استدل على أن الحد يجب أن يشمل الظاهر والباطن بقوله: (فإن الباقية) من الإنسان بعد موته لا يصدق عليها حد الإنسان على الحقيقة؛ لفوات الباطن، فإنه (إذا زال عنها الروح المدبر لها) الذي هو باطنها (لم يبق إنسانا)؛ لأنه لم يبق ناطقا، ولا حيوانات؛ الفوات هذا الباطن، (ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينها، وبين صورة) أخذت للإنسان (من خشب أو حجارة) لاستوائهما في عدم الناطقية والحيوانية.
(ولا ينطبق عليها) أي: على صورة الإنسان من خشب أو حجارة (اسم الإنسان إلا) بطريق (بالمجاز) أي: الاستعارة (لا بالحقيقة)؛ فكذلك صورة الميت لا تسمی بالإنسان إلا بالمجاز، وإن كانت العامة تنكر نفي الإنسانية عنها.
ثم أشار إلى أن حدود الأشياء، وإن زالت عنها بزوال أرواحها، فحد الحق لا يزول عنها ما دامت موجودة لا حال الحياة ولا بعد الممات.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:43 عدل 5 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:15 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الخامسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الخامسة : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
وإليه أشار رضي الله عنه بقوله : ( وقال تعالى : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا " ) أي ما يدلّ على أحديّة جمع الحقّ ، بجمعيّته الإحاطيّة الأسمائيّة ( " في الآفاقِ")أي في أطراف محيط الاعتدال الكمالي الإنساني ( وهو ما خرج عنك ) أي عن مركز الاعتدال النوعي ( "وَفي أَنْفُسِهِمْ"  وهو ) أي أنفسهم أو الآيات التي فيها ( عينك ) أي عين تلك النقطة المركزيّة .
فإنّ سائر النسب فيها عينها ، ولهذا وحدّ ضمير الأنفس أو آياتها باعتبار مصدوق الخبر أعني المخاطب ، تنبيها إلى أنّ الكثرة التشبيهيّة فيها عين الوحدة التنزيهيّة ، كما فسرّ ضمير الجمع بالواحد في قوله : (" حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ " أي للناظر)  تنبيها على أنّ الوحدة التنزيهيّة عين تلك الكثرة والمنبّه على هذا التحقيق ما وقع في الآية الكريمة من هذا الأسلوب في قوله : ( " أَنَّه ُ الْحَقُّ " ) [ 41 / 53 ] أي الناظر ، على أنّ ما سبق في الآية مما يصلح لرجع هذا الضمير صيغ الجمع كالآفاق والآيات والناظرين فوحّد الضمير بذلك الاعتبار .
فعلم أنّ النقطة المركزيّة - أعني عين الإنسان الذي هو الناظر - قد تبيّن له باعتبار اتّصافه بالوصفين وجمعيّته للطرفين أنّه الحقّ ( من حيث أنّك صورته وهو روحك ) ضرورة أنّ عينك هو البرزخ بين الظاهر والباطن ( فأنت له كالصورة الجسميّة لك ، وهو لك كالروح المدبّر لصورة جسدك ) .
هذا طرف التنزيه ، وأمّا طرف التشبيه ، فقد بيّنه بقوله : ( والحدّ يشمل الظاهر والباطن منك ) حتّى يستجمع بين المادّة الجنسيّة والصورة الفصليّة ويستحصل منهما صورة مطابقة لك ، لكن لما كان الحدّ المستجمع بين الظاهر والباطن يحتاج في الإنسان إلى رابطة مزاجيّة ، تستدعي اقتران الصورة الفصليّة بالمادّة ، ولا استقرار لتلك الرابطة أصلا ، لا يمكن إطلاق ذلك الحدّ دائما على نشأته هذه.
قال رضي الله عنه : ( فإنّ الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبّر لها لم تبق إنسانا ) لانتفاء الصورة الفصليّة عنها ( ولكن يقال فيها : إنّها صورة ) تشبه صورة ( الإنسان ، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ) , ضرورة أنّ الباقي في الكل إنّما هو الصورة الجسميّة فقط ( ولا يطلق عليها اسم الإنسان إلَّا بالمجاز لا بالحقيقة).
لأنّه أوّل الأوائل في أزل الآزال ، فسائر الصور صورته الحقيقيّة ، بل عين تلك المادّة الأولى والقابليّة الذاتيّة ، لما تقرّر من أنّ الآخر عين الأوّل ، وهذا معنى البساطة التي ذهب إليها أهل النظر .



شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك.  فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة.  ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «و في أنفسهم» و هو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظر «أنه الحق» من حيث إنك صورته و هو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، و هو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.)
وقال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق" آية 53 سورة فصلت.
أي صور تجلياتنا في الأكوان (وهو)، أي الآفاق (ما خرج عنك)، أي صوره.
إذ لا خارج عنك معنی يخاطب كل واحد تنبيها على أن نفس من عدا كل نفس داخلة في الآفاق بالنسبة إليه.
وأفرد الضمير وذكر نظرة إلى الخبر أو بناء على أن معنى الجمعية غير مقصودة وكذا الحال في قوله : (" وفي أنفسهم" وهو)، أي الأنفس (عينك حتى يتبين لهم، أي للناظر منهم) المتفكر في تلك الأيات أو المشاهد إياها لا المعرض الغافل، وللتنبيه على هذا المعنى غير أسلوب الخطاب .
وفي بعض النسخ، أي للناظرين، لكنه يخالف النسخة المقروءة على الشيخ المصنف وأسلوب الإفراد الذي اختاره أو (أنه)، أي الله سبحانه هو (الحق) المتجلي في الآفاق وفي الأنفس باسميه الظاهر والباطن .
وعلل التبيين بنونه: (من حيث أنك) بروحك وجسدك بل بعينك الثابتة أيضا (صورته)، واسمه الظاهر (وهو) باسمه الباطن المطلق (روحك) فليس في الأنفس إلا أسماؤه والظاهر والباطن.
وكذلك في الآفاق، إلا أنه لم يتعرض له لأن مقصوده من ذكره الآية تأكيد الحديث النبوي ولا ذكر فيه للآفاق (فأنت) بل الآفاق أيضا (له)، أي تلحق سبحانه (كالصورة الجسمية لك)، أي 
قال رضي الله عنه : (والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، و لكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها و بين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
لروحك فتعين بهذا الاعتبار اسمه الظاهر (وهو) سبحانه (لك) بل الآفاق أيضا (كالروح المدبر لصورة جسدك) فتعين بهذا الاعتبار أسمه الباطن (والحد) المنطبق عليك مثلا (يشمل الظاهر والباطن منك).
ويوجدان فيه ولا يقتصر على أحدهما (فإن الصورة الباقية) بعد زوال الروح (إذا زال عنها الروح المدبر لها لم يبق إنسانا) حقيقة فيصح الاقتصار في حدك على ظاهرك فقط (ولكن يقال فيها).
أي في الصورة الباقية (إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة) في انتفاء اسم الإنسانية عنهما (ولا ينطلق عليها)، أي على الصورة الباقية كما على الصورة الخشبية أو الحجارية.
(اسم الإنسان إلا بالمجاز) بناء على المشابهة (لا بالحقيقة) لعدم صدق حده عليه كذا لا يصح الاقتصار في حدا على باطنك وهو الروح فقط، لأن الحقيقة الإنسانية عبارة عن أحدية جمع الروح والبدن.
لأن الروح المجرد فقط على هذا القياس حد الحق سبحانه فإنه لا يصح أن يقتصر فيه على الظاهر أو الباطن فقط كما فعله أهل التشبيه فقط أو التنويه فقط إلا أن بينك وبين الحق سبحانه فرق ما، فإنه يمكن مفارقة روحك عن جسدك مع بقاء جسدك بعد هذه المفارقة .
فلا يصح إطلاق اسم الإنسان على جسدك إلا بالمجاز.

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:23 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:16 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السادسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور."
(وصور العالم) كلها المعقولة منها والمحسوسة (لا يمكن زوال) قيومية (الحق) سبحانه (عنها أصلا) إذ لو زالت لما بقي شيء من تلك الصور مطلقا (فحد)، أي تعريف (الألوهية له)، أي للحق تعالى في نفس حدود صور العالم كلها (بالحقيقة).
إذ جميع الصور له وهو ماهيتها الواحدة القائمة كلها به باطنا وظاهرا روحانياتها وجسمانياتها (لا) حد الألوهية له (بالمجاز)، لأن جميع الصور للعالم المعدوم المعلوم بعلمه تعالى على طريقة المجاز وله تعالى بطريق الحقيقة فجميع حدود تلك الصور له حقيقة وللعالم مجاز (كما هو حد الإنسان).
أي تعريفه (إذا كان حيأ)، فإن ذلك الحد إنما هو الحقيقة الإنسانية وحدها التي بها تلك الصورة الآدمية إنسان على الحقيقة وإن كان يصلح للصورة الآدمية بطريق المجاز .
(وكما أن ظاهر صورة الإنسان) من أعضائه وجوارحه کیدیه ورجليه وعينيه وأذنيه (تثني) من الثناء وهو المدح (بلسانها) القابل أن يكون لها (على روحها)، أي روح تلك الصورة (ونفسها) من حيث إن كل واحد منها هو (المدبر لها)، أي لتلك الصورة الإنسانية الظاهرة المشتملة على تلك الأعضاء المذكورة، فاليد لا تقدر على التناول ونحوه إلا بإمداد من إمداد تلك الروح وتلك النفس.
وكذلك الرجل والعين ونحو ذلك، حتى أن الحياة والقوة السارية في اليد مثلا إنما هي من إمداد تلك الروح والنفس لها.
فربما يقال : إن تلك الروح الإنسانية الواحدة نفخت في كل عضو وجزء من الصورة الآدمية الظاهرة روحا على حدة، وتلك النفس الإنسانية الواحدة جعلت لكل عضو وجزء نفسة مخصوصة لائقة بذلك العضو وذلك الجزء والنفس الإنسانية هي الروح الإنسانية بعينها، غير أنها تنزل إلى حضرة الجسد كتنزل الله تعالى إلى اسمه الرحمن للاستواء على عرش الوجود الإمكاني.
قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله) تعالى (صور العالم) كلها المعقولة والمحسوسة (تسبح بحمده) لكونه موجدها ومدبرها وممدها على حسب ما يليق بها (ولكن) نحن (لا نفقه)، أي لا نفهم (تسبيحهم)، أي صور العالم (لأنا لا نحيط )علما (بما في العالم من الصور) كلها وإن كنا نسخة منها كلها ، فإنا مشتملون على جميع كليات العالم دون جزئیاته بجزئیات تليق بنا ، ولهذا قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" [غافر : 57] يعني من حيث جزئيات العالم وجزئيات الناس. وأما الكليات فهي متطابقة والمراد هنا تسبیح الجزئيات لا الكليات.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : (لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) أي لا يمكن أن يخرج عن حكومته وتصرفاته في حال الموت والحياة وحال التبدلات وانحلال التركيبات إلى الأجزاء وفي حال البقاء كما في الآخرة فإذا لم يمكن زوال الوهية الحق عن الممكنات في أي الأحوال كانت (فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز) إذ تحديده بالألوهية لا يمكن إلا بالمألوه .
فإن الأجساد الباقية بلا روح مأهولة له فحد الألوهية له ليس كحد الإنسان لعدم خلو المألوه عنه فلا يزال هذه بالألوهية عن الحقيقة أبدا وأما حد الإنسان فتارة يكون بالحقيقة كما إذا كان حيا، وتارة بالمجاز كما إذا كان ميتا (كما هو ).
عباره عن قوله : (حد الإنسان) ولم يرجع إلى شيء قبله إذا كان حيا أي كما أن حذ الإنسان حقيقة لا مجاز (إذا كان حيا) كذلك حد الحق بالألوهية حقيقة لا مجاز (وكما أن ظاهر صورة الإنسان يثني) أي يسبح (بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها) ولكن لا يفقه أحد تسبيح صورته إلا من تجلى الله تعالى له باسمه السميع .
وكما أن لكل واحد من أجزاء صورة الإنسان لسان خاص بثني به على مدبره .
كذلك الصورة المجتمعة من الأجزاء لها لسان خاص بثني به على مدبره وهذا التسبيح نابت لصورة الكافر لكن لا نفع له من ذلك التسبيح.
قال رضي الله عنه : (كذلك جعل الله تعالی صور العالم تسبح بحمده ولكن لا تفقهون) أي لا ندر کون بسماعكم أي لا تسمحون كل واحد منكم بل البعض منكم لا يسمعون وهر أهل الحجاب والبعض الآخر وهو أهل الكشف يسمعون (تسبيحهم) أي تنزيه بعض الموجودات دون بعض ولا يسمعون من يسمع منكم تسبيح كل واحد من الموجودات.
(لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور) كله حتى نسمع تسبيح جميع الصورة فما كان السماع إلا لأهل الكشف وبقدر الإحاطة فقد وقع من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين سماع تسبيح الجمادات .
وكذلك في بعض أهل الكشف فسبح الله تعالى جميع الموجودات حية في الحسن كان أو غير حي بلسان عربي فصيح بلغة فصيحة تكلم تسبيحهم كما تكلم لسان فمنا تسبيح خاص بنا لا يكون هذا التسبيح لغيرنا .
يسمع تسبيحهم أهل الكشف كما نسمع تسبيح لأننا الظاهر وليس التسبيح بلسان الحال الذي يقوله أهل النظر لسان الحال أنطق من لسان المقال.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قوله: وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا.
وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثنی بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.
فالكل ألسنة للحق ناطقة بالثناء على الحق.
وأما أن صورتهم هي التي يرونها فيه تعالى فلأن صور العالم كله هي صور معلومات الله تعالى وما في العلم شيء هو خارج عنه وإلا كان العلم ظرفا للمعلومات والذات المقدسة لا تغاير العلم.
فيلزم أن تكون الذات المقدسية ظرفا لغيرها وذلك ممنوع. فإذن إنما رأوا صورتهم فيه بمعنى لا يوجب الظرفية بل إذا رأوا صورتهم في علمه وليس علمه غيره فقد رأوا صورتهم فيه.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (« وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا ، فحدّ الألوهة له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيّا .
وكما أنّ ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها فالمدبّر لها ، كذلك جعل الله صورة العالم يسبّح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم ، لأنّا لا نحيط بما في العالم من الصورة).
قال العبد : لمّا كان الحق باطن الخلق ، والخلق ظاهر الحق ، فلا يمكن فرض زوال الحق عن العالم ، ولا فرض زوال العالم عن الحق ، وإلَّا لانعدم العالم بأسره .
لأنّ الحق تعالى هويّة الكلّ ، وهو المدبّر للكل ، والقيّام به ، وروحه الذي به حياته وبقاؤه ووجوده ، وفيه وبه شهوده ، والعالم مع قطع النظر عن الوجود الحق عدم محض لا يمكن شهوده ، ووجوده بالنظر إليه تعالى ، وترجيحه لجانب الوجود واجب الوجود .
فكما أنّه يؤخذ في حدّ الإنسان الصورة الظاهرة والهويّة الباطنة ، ولا يزول باطن الإنسان عن ظاهره في حدّه ، فكذلك الألوهة لا تزول عن العالم ، لعدم زوال الربّ عن المربوب ، والإله عن المألوه ، والعلَّة عن المعلول .
ولمّا كان العالم عبارة عن مجموع الصورة وأرواحها ، كذلك يثني على أحدية جمعها وجامع فرقها وصدعها بين معاني أصلها وصور فرعها ، وكذا أحدية جمع العالم وهو الإنسان الكامل جمعا وفرقا يثني على الله الذي هو عين أحدية جمع الجميع ، فالكلّ ألسنة الحق يثني بها على نفسه .
وقد استقصينا القول على ذلك في بيان مراتب الحمد في خطبة الكتاب .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : ( وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا ، فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا ) بناء على أن الحد يشمل الظاهر والباطن ، لأن صور العالم ظاهر الحق وروح العالم باطنه ولا يمكن زوال روح العالم عن صوره ، فحد الألوهية باعتبار الظاهر والباطن ثابت له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان حال حياته .
قوله ( وكما أن ظاهر صورة الإنسان يثنى بلسانها على روحها ونفسها المدبر لها ) معناه أن صورة الإنسان بحركاتها وإدراكاتها وإظهار خواصها وكمالاتها يثنى على روحها ونفسها .
فإن أعضاء الإنسان وجوارحه أجساد لو لا روحها لم تتحرك ولم تدرك شيئا ، ولا فضيلة لها من الكرم والعطاء والجود والسخاء والشجاعة والصدق والوفاء ، ولا ثناء إلا ذكر الجميل ، فهي تذكر روحها بهذه الصفات الجميلة التي هي اثنية فاتحة ( كذلك جعل الله صور العالم ) التي صورنا من جملتها ( تسبح بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم ) أي تثنى بخواصها وكمالاتها ، وكل ما يصدر عنها على روح الكل فهو بظاهره يثنى على باطنه فباعتبار تنزيه تلك الصور روحها عن النقائص التي هي أضداد كمالاتها مسبحة له ، وباعتبار إظهارها لتلك الكمالات حامدة ، لكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نفقة ألسنتهم.
كما لا يفهم التركي لسان الهندي ( لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور ) حتى نضبط أنواع التسبيح والتحميد فلا نحصيها ولكن نعلم على الإجمال.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
بقوله رضي الله عنه : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) لأنه بلا حق عدم محض، فكيف يمكن لها البقاء مع زوال الحق عنها. ولا ينبغي أن يتوهم منه أنه قائل بقدم الدنيا من أن الحق قديم فتكون صورته قديمة، لأن مراده عدم انفكاك الحق عن صور العالم إذا كانت موجودة. والصورة الدنياوية مبدلة بالصورة الأخروية، وهي الصورة الباقية للعالم أبدا، كما كانت في العلم أزلا.
قال الشيخ رضي الله عنه (فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز، كما هو حد الإنسان إذا كان حيا). وفي بعض النسخ: (فحد الألوهة).
(والألوهة) اسم للمرتبة الإلهية فقط. والألوهية اسم تلك المرتبة مع ملاحظة نسبة الذات إليها، كالعبودة والعبودية.
و (الإلهية) اسم نسبة الذات إليها. وهذه المرتبة لا تزال طالبة للمألوه، وليس ذلك إلا العالم.
ولما ذكر أن صورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها لأنه روحها، وذكر أيضاأن العالم صورته واسمه الظاهر ونسبته إلى العالم نسبة الروح المدبر للصورة،أنتج أن حد الألوهية له، أي، للحق بالحقيقة لا بالمجاز، كما أن حد الإنسان، إذا كان حيا، له بالحقيقة. فإن كلا من الصورة والروح المدبر لها، حاصل له دائما.
والضمير في قوله: (كما هو) عائد إلى (الحد) المذكور في قوله: (والحد يشمل الظاهر والباطن) أي، كما أن الحد حد بالحقيقة للإنسان، إذا كان حيا)٩( ولا يتوهم أن هذا الكلام يناقض قوله: (فحد الحق محال).
لأن الحد، هنا،للمرتبة باعتبار الحق والعالم، لا للحق من حيث ذاته
قال الشيخ رضي الله عنه (وكما أن ظاهر صورة الإنسان يثنى بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها،كذلك جعل الله صور العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم، لأنا لا نحيط بمافي
العالم من الصور). أي، كما أن ظاهر الإنسان يثنى على نفسه وروحه الذي يربه و يدبره بلسان صورته وقواها الجسمانية والروحانية، كذلك ظواهر العالم، من الإنسان والحيوان والنبات والجماد وغيرها، يثنى بألسنتهم وألسنة قواه الروحانية والجسمانية على روحه الحقيقي الذي هو الحق، تسبحه وتنزهه عن النقائص اللازمة لهم اللاحقة بهم.
ولكن لا يفقه ذلك التسبيح والتنزيه  إلا منتنور باطنه بنور الإيمان أولا، ثم الإيقان ثانيا، ثم العيان ثالثا، ثم يوجد أن نفسه وروحه ساريا في عين كل مرتبة وحقيقة كل موجود حالا وعلما، لا علما و شهودا فقط، كسريان الحق فيها، فيدرك تسبيح الموجودات بذلك النور
ويسمعه، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل).
وورد: (إن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس).
وقال أمير المؤمنين، على بن أبي طالب، كرم الله وجهه: (كنت مع رسول الله بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله حجر ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله). وأمثاله كثيرة في الأحاديث الصحيحة.
وقال الشيخ رضي الله عنه : في آخر الباب الثاني عشر من الفتوحات: (فإن المسمى بالجماد والنبات عندنا لهم أرواح بطنت عن إدراك غير أهل الكشف إياها في العادة، فلا يحس بها مثل ما يحسها من الحيوان. فالكل، عند أهل الكشف، حيوان
ناطق بل حي ناطق غير أن هذا المزاج الخاص يسمى إنسانا لا غير. ونحن زدنا من الإيمان
بالإخبار الكشف. فقد سمعنا الأحجار تذكر الله، رؤية عين، بلسان نطق تسمعه آذاننا منها، وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله مما ليس يدركه كلإنسان).
وقال في موضع آخر منه: "وليس هذا التسبيح بلسان الحال، كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له. هذا شأن من تحقق بالمراتب الثلاث الأول. وأما صاحب المقام الرابع، فهو مسبح لربه بلسان تلك الحقائق وحامد له في تلك المراتب، فهو العبد التام لله، يعبده في كل موطن ومقام عبادة جميع العالم، ويحمده حمدهم. ويرى جميع ما يراه بالبصر والبصيرة عند تحققه بمقام الجمادية، ويسمعما كان يسمع، ويعقل ما كان يعقل من غير خلل ونقصان. وفي هذا المقام يطوى الزمان والمكان. ويتصرف في جميع الأكوان تصرف النفوس في الأبدان، ويظهرفي الحالة الواحدة في مراتب الأرواح النورانية والنفوس القدسية الروحانية والأجسام الكثيفة الظلمانية". ولهذه المراتب أسرار آخر غامضة جدا يحرم كشفها.
فقوله: (لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور). تعليل عن لسان المحجوبين والمكاشفين أيضا. لأن المكاشف لا يقدر على كشف تفصيل الوجود بأسرها ولايعرف تسبيح كل منهم على التعيين إلا ما شاء الله.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور."
فقال رضي الله عنه : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) إذ لا تبقى بدون إشرافه عليها صورا كصورة المرآة، إذا لم يحازيها ذو الصورة (فحد الألوهية) "أي للعالم الذي هو الاسم الظاهر".
أي: ظهور الأسماء والصفات (له) أي: لكل ما في العالم بكل حال (بالحقيقة لا بالمجاز كما هو) أي: الحيوان الناطق (حد الإنسان) بالحقيقة (إذا كان حيا) لكنه يزول بالموت بخلاف حد الألوهية.
ثم استدل على أنك له كالصورة الجسمية لك، وإنه كالروح المدبرة لصورة جسدك بما أشار إليه النص الإلهي بقوله: (وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها، ونفسها، والمدبر لها)، وهو الحق (كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده) كأنها تسبح على روحها بما ظهر فيها من كمالاته.
(ولكن لا نفقه تسبيحهم) أي: تسبيح كل واحد بما فيه من الكمال المخصوص على التفصيل؛ (لأننا لا نحيط بما في العالم من الصور) المسبحة كل منها يسبحه بتسبيح خاص على وفق كماله المخصوص به.
وإذا كان من الأرواح صور الحق، والحق روحها المدبر لها.


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:26 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:23 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السادسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وصور العالم لا يمكن زوال الحقّ عنها أصلا ) ،   لأنّه أوّل الأوائل في أزل الآزال ، فسائر الصور صورته الحقيقيّة ، بل عين تلك المادّة الأولى والقابليّة الذاتيّة ، لما تقرّر من أنّ الآخر عين الأوّل ، وهذا معنى البساطة التي ذهب إليها أهل النظر .
( فحدّ الألوهيّة له بالحقيقة ، لا بالمجاز ) لاستجماعه الظاهر والباطن مطلقا ، وصدق الحدّ إنّما يستدعي ذلك ( كما هو حدّ الإنسان إذا كان حيّا ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكما أنّ ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ) المحيي فالعالم في تسبيح وحمد دائم  ( ونفسها ) المدركة العاقلة ( و ) طبعها ( المدبّر لها ) فإنّ تلك الصورة بما صدر عن قواها وأعضائها من الأفعال مظهرة لكمالات مباديها ، معرّفة لخصائص أوصافها الوجوديّة ، وليس ذلك غير الثناء ، لكن لمّا كان ألسنتهم مقصورة على إظهار الأوصاف الوجوديّة المعربة عن طرف التشبيه فقط لا يكون ثناؤهم لتلك المبادي جامعا بين التسبيح والحمد ، بخلاف ثناء صور العالم للحقّ ، فإنّه جامع بينهما .
ولذلك قال الشيخ رضي الله عنه : ( كذلك جعل الله صور العالم يسبّح بحمده ، ولكن لا تفقه تسبيحهم) وإن كان لنا اطَّلاع على حمدهم وثنائهم ، لأنّه بمجرّد ما يشاهد من آثارهم وخواصّهم يعرف إظهارهم لكمالات الحقّ .
وحمدهم له وأمّا التسبيح فيحتاج أن نعلم جهاتهم الامتيازيّة المنزهة لهم عمّا يشاركهم ، وذلك يتوقّف على معرفة ما وراء ذلك من الصور والمظاهر ، فيتوقّف على الإحاطة بجميع الصور ، ولا تفي بذلك القوّة البشريّة ( لأنّا لا نحيط بما في العالم من الصور ) .
هذا بالنسبة إلى مداركنا الجزئيّة ، وأمّا بحسب الأمر نفسه ، فالكلّ معبّر عن كمالاته ومفصح بأنّها ليست مقصورة على ما عبّر عنه.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : (و صور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. و كما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها و نفسها و المدبر لها).
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) مع بقائها موجودة فإن وجود العالم وحياته بالحق سبحانه .
بخلاف جسد الإنسان فإن حياته بالروح وجوده، فتزول بزواله الحياة عن الجسد لا الوجود (فحد الألوهية له)، أي تلعالم الذي هو الاسم الظاهر (بالحقيقة) لعدم الاسم هو الباطن عنه (لا بالمجاز كما هو حد الإنسان) لصورته البدنية (إذا كان حيا) أن صدق حد الإنسان وإطلاق اسمه عليها حينئذ يكون بالحقيقة لا بالمجاز كما إذا كان مسيئة.


قال الشيخ رضي الله عنه : (وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها) يعني بلسان حركاتها وإدراكاتها وخواصها وكمالاتها (على روحها) الذي بها حياتها (ونفسها) الناطقة المتعلقة بها (و) عقلها (المدبر لها)، فإن أعضاء الإنسان وجوارحه أجسام لولا روحها لم تتحرك ولم تدر علما ولا فضيلة لها من الكرم والعطاء والجود والسخاء والشجاعة والصدق والوفاء فهی تثني على روحه وجسده الثناء الجميل
قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.) 
قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله صورة العالم نسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم) إذا كنا محجوبين غير مكشوفين لنا (لأنا لا نحيط) عند الحجاب (بما في العالم)، أي بشيء بما في العالم (من الصور) إحاطة تؤدينا إلى فهم سماع ما يجري على ألسنتها في مراتبها الحسية والمثالية والروحية.


وأما إذا من الله سبحانه بالكشف عن تلك الصور والإحاطة بها فقد تعلم ألسنتها ونفته تسبيحاتها.
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الثاني عشر من الفتوحات المكية :" المسمى بالجماد والنبات عندنا لهم أرواح بطنت عن إدراك غير أهل الكشف إياها في العادة فلا تحس بها مثل ما تحسها من الحيوان فإن الكل عند أهل الكشف حیوان ناطق غير أن هذا المزاج الخاص يسمى إنسانة لا غير ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف.
فقد سمعنا الأحجار تذكر الله رؤية عين بلسان ناطق تسمعه آذاننا منها وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله مما ليس بدر که كل إنسان . وقال في موضع آخر منه: وليس هذا التسبيح بلسان الحال كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له."
وقال رضي الله عنه في جواب السؤال الرابع والخمسين: فأما حديث الله في الصوامت فهو عند العامة من علماء الرسوم حدیث حال، أي يفهم من حاله كذا وكذا حتى أنه لو نطق لنطق بما فهم هذا الفهم منه .


قال القوم في مثل هذا :
قالت الأرض للوتد لم تشقني    ….. قال الوتد لها سلي من يدفني
فهذا عندهم حديث حال و علية خرجوا قوله تعالى : "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" [الإسراء: 44].
وقوله تعالى: "إنا عرضا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها" [الأحزاب: 72] أباة حال .
وأما عند أهل الكشف فيسمعون نطق كل شيء من جماد ونبات وحيوان يسمعه العبد بأذنه في عالم الحس لا في الخيال كما يسمع نطق المتكلم من الناس.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:27 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:33 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : ( (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
(فالكل)، أي جميع الصور (ألسنة) جمع لسان الحق سبحانه وتعالى على معنى أنه المتصرف بها فيما يريد إظهاره من علمه بمنزلة اللسان للإنسان (ناطقة بالثناء)، أي المدح (على الحق) تعالى، فهو الشكور يشكر نفسه بنفسه (ولذلك قال) سبحانه حامدا نفسه بنفسه (" الحمد لله رب") [الفاتحة: 2]، أي مالك ومدبر أمور جميع ( "العالمين") من كل نوع من أنواع الحوادث (أي إليه) سبحانه وتعالى (ترجع) من جميع العالمين (عواقب)، أي غايات (الثناء)، أي المدح فكل محمود في العالمين عاقبة الحمد الذي حمد به راجعة إليه سبحانه لكونه هو المنعم الحقيقي والكامل الحقيقي على الإطلاق (فهو تعالى (المثنی) بألسنة الأكوان أي المادح (و) هو أيضا (المثنى عليه)، أي على الممدوح بجميع المدائح.
ثم قال رضي الله عنه من نظمه في هذا المقام (فإن قلت: يا أيها الإنسان بالتنزيه) للحق تعالی فقط، أي التقديس والتسبيح عما أدركت بالفعل والحس من غیر تشبيه له تعالی بما أدركت بالعقل والحس (کنت مقيدا) له تعالى، لأن التنزيه قيد والمقصود رفع القيود.
(وإن قلت بالتشبيه) في حقه تعالی يعني أن يشبه شيئا مما أدركت بالعقل أو الحس (کنت محددا) للحق تعالى، أي حاصرة له في حد أي تعريف عقلي، واللله سبحانه وتعالى يستحيل في حقه ذلك (وإن قلت بالأمرين)، أي بالتنزيه مع التشبيه وبالتشبيه مع التنزيه، بحيث يكون الحق تعالی عندك موصوفة بهما معا، ويلزم من ذلك ارتفاعهما فيثبت الإطلاق الحقيقي وهو المراد في حقه تعالى ولهذا قال :
(کنت مسددا)، أي محفوظة من الخطأ والزلل (وكنت إماما)، أي مقتدی بك (في المعارف) الإلهية والحقائق الربانية (سيدا) تسود قومك بالعلوم والفضائل في الدنيا والآخرة.
(فمن قال بالإشفاع) بكسر الهمزة مصدر لشفع الواحد إذا جعله شفعة أي اثنين، يعني من قال بالتنزيه فقط أو قال بالتشبيه فقط فقد أشفع الواحد .
فجعله اثنين ففاته توحيده الذي يدعيه، وذلك فإن من قال بالتنزيه فقط فقد اعتقد بأنه تعالى منزه بتنزيهه ذلك والله تعالى منزه لا بتنزيه أحد، فمتى كان منزهة بتنزيه أحد عند أحد فقد أشفع ذلك المنزه، أي جعله اثنين بتنزيهه ذلك.
على معنى أنه اخترع منزها آخر معه وكذلك من قال بالتشبيه فقط فقد اخترع إلها آخر مشبها فأشفع الإله الواحد الحق ومن أشفع الإله الواحد الحق (كان مشركا) بكسر الراء مشددة ، أي ناسبا الشركة إلى الحق تعالى في الألوهية .
(ومن قال بالإفراد)، أي إفراد الحق تعالی بما هو عليه من الأزل لا يحكم عليه بالتنزيه فقط، ولا يحكم عليه بالتشبيه فقط بل أبقاه على ما هو عليه من الانفراد بما لا يعلمه إلا هو، وعبده بوصفه له بما وصف به نفسه في كتابه وعلى ألسنة رسله عليهم السلام، من تنزيهه مع تشبيهه وتشبيهه مع تنزيهه.
فكان حاكيا لا متحكما و متبعا لا مخترعا (كان موحدا) له سبحانه وتعالى بالتوحيد الصحيح من غير شائبة شرك.
(فإياك) يا أيها الإنسان (والتشبيه) الله تعالی فقط من غير تنزيه يشوبه فيزيل تقييده (إن کنت ثانيا) في زعمك للواحد الحق الذي أنت وعملك الباطل والظاهر صادر عنه فإنه لا ينفعك حينئذ إلا تنزيهك من داء التشبيه (وإياك) أيضا (والتنزيه) الله تعالی فقط من غير تشبيه يشوبه .
فيزيل منه التقيد الذي فيه (إن كنت) في اعتقادك (مفردا) بكسر الراء لله تعالى وأنت وعملك في بصيرتك داخل تحت قدرته محسوب من جملة أفعاله، فإنه لا يكشف لك عن حقائق تجلياته إلا تشبيهك وينفعك من داء تنزيهك.
فما أنت يا أيها الإنسان من حيث ذاتك المعروفة [وفيه لك] وصفاتك المفهومة منك وأسماؤك الظاهرة بك وأفعالك الصادرة عنك وأحكامك المشهودة فيك (هو)، أي الحق سبحانه وتعالى، لأنه غيب عنك وأنت شهادة لنفسك، فالذي نشهده منك ليس هو الحق الغائب عنك (بل أنت) من حيث ذاتك المجهولة لك وصفاتك المستورة عنك وأسماؤك المحجوبة فيك وأفعالك التي جميع ما تعرفه منك صادر عنها.
وأحكامك التي كل أمر ونهي واقع عليك وارد لك منها (هو)، أي الحق تعالی، لأنه غيبك وأنت شهادته فما ظهر منك لك فهو أنت وما غاب منك عنك فهو هو وأنت صورته عندك لا عنده وهو صورتك عنده لا عندك .
(وتراه)، أي تشهده بعين بصيرتك (في عيون)، أي حقائق (أمور)، أي أحوال وشؤون تظهر لك منك (مسرحا) بفتح الراء أي مطلقا من غير تقييد (ومقيدا) بصيغة اسم المفعول، فإذا نطقت وجدته عین نطقك بعد رفع ما أدركته من نطقك وهذا الإسراح أي الإطلاق، وقبل رفع ما أدركته من نطقك هو التقييد.
وهكذا إذا مشيت وإذا أكلت وإذا شربت وما أشبه ذلك، وأنت ضابط ببصيرتك إطلاقه الحقيقي المبرأ من التنزيه والتشبيه (قال) الله تعالى ("ليس كمثله")، أي كذاته أو صفاته ("شيء") مما هو صورته عندنا.
(فنزه) نفسه بنفسه (وهو) سبحانه وتعالى (السميع) الموصوف بالسمع فلا سمیع غيره، لأن تعريف الطرفين يفيد الحصر وهو (البصير) أيضا ، أي الموصوف بالبصر فلا بصير غيره (فشبه) نفسه بنفسه حيث أخبر أنه كل سميع وكل بصیر.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : (فالكل) أي جميع الموجودات (السنة الحق) محددة معرفة الحق (ناطقة بالثناء على الحق ولذلك) أي ولأجل أن الكل ألسنة الحق (قال الحمد رب العالمين أي إليه يرجع عواقب الثناء نهر المثني) من كل ألسنة (والمثنى عليه) بكل ألسنة فهو المثني على نفسه بلساننا لا نحن لأن لساننا لسانه وليس لنا لسان في الحقيقة حتى أثني عليه إذ استناد كل شيء ينتهي إليه.
(شعر : فإن قلت بالتنزيه) أي إن وقفت عند تنزيهك (كنت مقيدا) لله تعالى بالأمر العدمي (وإن قلت بالتشبيه کنت محددا) للحق بالصفات الثبوتية (وإن قلت بالأمرين) أي التنزيه والتشبيه (كنت مسددا).
أي ظفرت طريق الهداية (وكنت إماما في المعارف سیدا) لأجل تصديقك الرسل في كل ما جاؤوا به .
(فمن قال بالإشفاع) أي فمن ثبت عند التشبيه (كان مشركا) أي جعل غير الحق شريكا معه في وصفه وقد ذهل عن وحدة الحق الواجب علمها (ومن قال بالإفراد) أي ومن وقف عند التنزيه (كان موحدا) أي فقد جهل بكثرة أسمائه وصفاته فما عرف الحق حق معرفته.
ولما بين حال صاحب الجمع وحال المنزه والمشبه وكان المنزه فقط والمشبه فقط خارجا عن طريق الرسل حذر السالكين فقال : (وإياك والتشبيه إن کنت ثانيا) أي إن وصفت بصفات ثبوتية (وإياك والتنزيه إن كنت مفردا)
بكسر الراء أي لم تثبت معه غيره ثم رجع إلى بيان جمع التنزيه والتشبيه في أنفسنا فقال
(فما أنت هو) بتنزيه الحق عنك بسلب نفسك عنه من حيث بإمكانك وإحتياجك إليه (بل أنت هو) من حيث حقيقتك لأنك مخلوق على صفة الله تعالى: (وتراه) أي وأنت ترى الحق (في عين الأمور) أي في ذوات الأشياء (مسرحا) أي مطلقة (ومقيدا) أي منزها ومشبها بعين ما ترى في نفسك.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
ولذلك قال: "الحمد لله رب العالمين" (الفاتحة: 2) أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه.
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وإن قلت بالتشبيه كنت محددا وإن قلت بالأمرين کنت مسددا وكنت إماما في المعارف سیدا .
فمن قال بالإشفاع كان مشركا . ومن قال بالإفراد كان موحدا فإياك والتشبيه إن کنت ثانيا . وإياك والتنزيه إن کنت مفردا. فما أنت هو بل أنت هو وتراه في عين الأمور مسرحا ومقيدا.
قلت: بالغ الشيخ في التصريح بهذا المعنى وأكد فيه وبين أن الإنسان إذا أثنى على عقله ونفسه، فهو نظير تسبيح العالم الكبير ربه، تبارك وتعالى.
ولكن لا تفقهون تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور. وهذا واضح وأبيات الشعر مفهومة المعنى مما ذكر.
ولذلك قال: و افرد و بالإفراد يقع التنزيه فلذلك قال فنزه وافرد.
قوله: ولو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، يعني أن محمدا رسول الله جاء بالدعوتين: التنزيه والتشبيه، وهذا مبني على ما قرر من مفهوم قوله تعالى: "ليس كمثله شيء " فإنه عين حمل الآية على الأمرين معا، فجمع نبينا، عليه الصلاة والسلام، في دعوته.
وأما نوح، عليه السلام، فذكر رضي الله عنه : أنه ما جمع لهم وسنبين كيف ذلك .
وهو قوله:  فدعاهم جهارا، أي إلى التشبيه الذي تقدم ذكره لأنه الظاهر فناسب أن يقال في الدعاء إليه جهارا.
قال:  ثم دعاهم أسرارا، أي إلى حضرة التنزيه الذي تقدم ذكره أيضا لأنه الباطن فناسب أن يقال في الدعاء إليه أسرارا.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه :(فالكلّ ألسنة للحقّ ناطقة بالثناء على الحق . ولذلك قال : الحمد لله ربّ العالمين . أي إليه يرجع عواقب الثناء ، فهو المثني والمثنى عليه ») .
فقوله رضي الله عنه : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ " ثناء من الحق على نفسه بألسنة العالمين ، أو ثناء العالمين على الله بألسنة الحق ، أو ثناء الحق على الحق بألسنة الحق من كونه عين العالمين ومن كون العالمين عين الوجود الحق المتعيّن في أعيان العالمين ، فثناء من العالمين على الحق أو على العالمين من بعضه لبعض ، فتدبّره إن شاء الله تعالى ، فإليه يرجع عواقب الثناء ومصير المحامد على كل وجه .
قال الشيخ رضي الله عنه شعر :
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيّدا ......     وإن قلت بالتشبيه كنت محدّدا
وإن قلت بالأمرين كنت مسدّدا   ...... وكنت إماما في المعارف سيّدا
قال العبد أيّده الله به : قد أسلفنا أنّ تنزيه الحق عن أشياء وأمور تقييد ، وتمييز عمّا هو له وتجريد ، وأنّ تشبيه ما لا حدّ يحيط به تحديد ، وتعميم الحكم بوصفه بالجمع بينهما على وجه الإطلاق تعريف كامل وتوقيف شامل عند أرباب الوحدة والتوحيد ، وأصحاب الجمع والوجود والتفريد ، لأنّه عدم الحصر في الأمرين ولا في الجمع بين الطرفين .
والعارف المعرّف للحقّ بأحدية جمع الجمع هو الإمام الذي يصف كلّ واحد من الطرفين بما يخصّه ، ويسدّد النظر إلى الحقيقة بكل ما للطرفين من غير تمييز وتعيين وتنقيص ، فهو الفائز بالحسنيين والحائز للمعنيين ، فله السيادة في المعارف على الفريقين ، لكونه جامعا بين المعرفتين .
ولا يقال : إنّ الجامع بين التشبيه والتنزيه يكون محدّدا أو مقيّدا بالجمع بينهما ، لأنّ الجامع غير حاصر في أحدهما معيّنا ، ولا مطلقا غير معيّن كذلك ولا فيهما ، بل جمعه إطلاق الأمر عن الحصر في التنزيه والتشبيه والجمع بينهما ، فهو تنزيه بالإطلاق عن حصر تقييد التنزيه وتحديد التشبيه ، فافهم .
قال رضي الله عنه [ شعر ] :
فمن قال بالإشفاع كان مشرّكا   ..... ومن قال بالإفراد كان مفرّدا
يعني - رضي الله عنه - : صاحب شهود الشفع ، وهو الذي يرى حقا وخلقا ، وينزّه الحق عن الخلق ، مثبتا وجودين اثنين ، فهو ثنويّ مشرك قد أشرك الخلق بالحق في الوجود ، وعلى هذا المشرّك - بتشديد الراء - مثبت الشريك.
وقد يؤخذ اشتقاقه من الشرك ، وهو الحبالة ، ويكون حينئذ بمعنى المقيّد للوجود بالإشراك في الشفعية والحقيّة بالخلقية ، وهي الزوجية من العدد ، فهو جاعل للحق ثاني اثنين ، وذلك كفره أي ستره للوحدة الحقيقية بالشفعية العددية الاعتبارية . ومن أفرد بالتنزيه . 
وقال : الشفعية والزوجية للعدد ، والحق يتعالى عن المعدود والعدد ، فقد ميّزه أيضا عن التعديد والعدد ، وأخرجه عنه مع إثباته في الوجود ، ووقع من حيث لا يشعر في عين ما وقع صاحبه المشبّه ، لأنّ كلَّا منهما أثبت ثانيا للحق في الوجود كذلك ، وحيث أخرج الحقّ عن الوجود في عدد الشفع .
فهو كمن قال : إنّه ثالث ثلاثة من حيث لا يدري ، أو رابع أربعة ، لأنّ العدد إمّا زوج أو فرد ، فباعتبار أوّل عدد زوج كان ثالث الثلاثة ، وباعتبار أوّل عدد فرد كان رابع الأربعة.
وإن قال : إنّه ثالث اثنين أو رابع ثلاثة - على أنّه هو الموجود وحده مع اعتبار اثنين عدميّين ما لهما وجود ، أو ثلاثة كذلك - فلم يشرك ولم يكفر ، بل وحّد على الحقيقة .
قال رضي الله عنه شعر :
فإيّاك والتشبيه إن كنت ثانيا    ..... وإيّاك والتنزيه إن كنت مفردا
يعني رضي الله عنه  : إذا قلت بوجود الاثنينية في الوجود بأن تقول : وجود مطلق ، ووجود مقيّد  فلا تشبّه المطلق بالمقيّد ، وإلَّا كنت محدّدا للمقيّد بحدّ المطلق وبالعكس .
وإن قلت بإفراد الوجود للحق فلا تنزّهه ، لأنّ الحق الذي ليس معه شيء لا يتنزّه عن نفسه ومقتضى ذاته ، وما ثمّ غيره ، ثمّ التقييد والإطلاق نسبتان - كما علمت - ذاتيتان لوجود الحق ، فهو لا يتنزّه عن مقتضى ذاته .
قال رضي الله عنه شعر :
فما أنت هو ، بل أنت هو وتراه في    ..... عين الأمور مسرّحا ومقيّدا
يعني رضي الله عنه : اعلم : أنّ وجود الحق وهويّته كناية عن غيبه ولا تعيّنه الذي لا يتعيّن في كلّ تعيّن ، ولا يشهد .
و« أنت » كناية هو عينه المتعيّن في عيان الشاهد ، فنفيه رضي الله عنه « أنت » عن « هو » نفي تقييد التعيّن عن إطلاق الوجود الحقّ من حيث هما كذلك ، وإثباته رضي الله عنه « أنت » عين « هو » من حيث حقيقة الوجود الذي هو في المطلق مطلق وفي المقيّد مقيّد .
فالوجود هو من حيث إطلاق هويّته تعالى ينتفي تقييد التعيين عنه ، وهو من حيث الحقيقة والعين عين للكلّ ، فتارة يوضع المطلق ويحمل عليه المقيّد ، وبالعكس يوضع المقيّد ويحمل عليه المطلق ، وتارة ينفى كلّ منهما عن كلّ منهما باعتبارين مختلفين ، وهو من حيث الهويّة التي هي عين المطلق والمقيّد في الشهود - مطلق في الإطلاق والتقييد ، فالمقيّد هو الاسم « الظاهر » وهو العالم والخلق ، والمطلق هو الباطن الحقّ ، وحقيقة الوجود الحقّ وهويّته فيهما عينهما ، تعاليت وتباركت .
فـ « تراه في » ، يعني رضي الله عنه : في الحقيقة المحمدية البرزخية الجامعة بين الاسم الظاهر والاسم الباطن « عين الأمور » كلَّها « مسرّحا » مطلقا حقّا و « مقيّدا » خلقا ، لأنّ « أنت » و « أنت » و « هو » و « هي » و « نحن » وكاف المخاطب ، وتاءه ، وياء المخاطب المتكلَّم ، كلَّها كنايات عن عين واحدة ما ثمّ غيرها ، ظهرت في مراتب هي مقامات بطونه وظهوره ، ومرائي تجلَّيات نوره ، ومجالي تعيّناته في صور شؤونه وأموره وهويّة العين واحدة في الكلّ ، هو الأوّل الباطن ، والآخر الظاهر .
في الفرع والأصل ، فالحقيقة المتعيّنة في إنّيّة « أنت » عين المتعيّن في هويّة « هو » بحقيقتها وعينها ، ولكنّ الخلق من كونه خلقا غير الحق من كونه حقّا ، وكذلك الظاهر من كونه ظاهرا ما هو الباطن من كونه كذلك . فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : ( فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق ولذلك قال – " الْحَمْدُ " ) أي الثناء المطلق من كل واحد على التفصيل ( " لِلَّه رَبِّ الْعالَمِينَ " ) أي الموصوف بجميع الأوصاف الكمالية رب الكل بأسمائه باعتبار أحدية الجمع ( أي إليه ) باعتبار الجمع ( يرجع عواقب الثناء ) التفصيلي (فهو المثنى ) تفصيلا ( والمثنى عليه ) جمعا قوله نظما :
( فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا   ...... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا  ...... وكنت إماما في المعارف سيدا)
نتيجة لما ذكره ، فمن علم مقدماته علم معناه
( فمن قال بالإشفاع كان مشركا، ومن قال بالإفراد كان موحدا )
أي من قال بالاثنين وأثبت خلقا مباينا للحق في وجوده ، كان مثبتا لشريك له في الوجود قائلا بمتماثلين في الوجود مشبها .
ومن قال بأنه فرد لا يلحقه التعدد وأفرده من جميع الوجوه وجرده عن كل ما سواه وأخرج عنه التكثر للتنزيه ، فقد جعله واحدا منزها عن الكثرة مقيدا بالوحدة ، وقع بالشرك كالأول من حيث لا يشعر ، إذ التعدد والتكثر موجود فقد أخرج بعض الموجودات عن وجوده وثبت التماثل ، ولذلك قال : " فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا "
أي إن كنت مثنيا للخلق مع الحق فاحذر التشبيه ، بأن تثبت خلقا غيره بل اجعل الخلق عينه بارزا في صورة التقييد والتعين " وإياك والتنزيه إن كنت مفردا "
أي وإن لم تثبت الخلق معه ، فلا تجرده عن التعدد حتى يلزم وجود متعددات غيره ، لغلوك في التنزيه فتقع فيما تهرب منه أو تعطله فتلحقه بالعدم ، بل اجعله الواحد بالحقيقة الكثير بالصفات ، فلا شيء بعده ولا شيء غيره ، واجعله عين الخلق محتجبا بصورهم ، وهذا معنى قوله قدس الله سره .
"فما أنت هو بل أنت هو وتراه في  ..... عين الأمور مسرحا ومقيدا "
لأن أنت حقيقة بقيد الخطاب أي بكونها مخاطبا وهو تلك الحقيقة مقيدة بقيد الغيبة ، ولا شك أن المقيد بقيد الخطاب غير المقيد بقيد الغيبة ، بل أنت من حيث الحقيقة عين هو باعتبار التسريح والإطلاق ، وتراه في عين الأمور ، أي في صور أعيان الأشياء مقيدا بكل واحد منها مسرحا ، أي مطلقا بكونها في الكل إذ الحقيقة في صور الكل واحدة ، وكل مقيد عين المقيد الآخر وعين المسرح .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
كما قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء). أي، لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور النوعية التي هي الملكوت في الأجسام وهي الناطقة والمسبحة لا غير.
(فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق، ولذلك قال: (الحمد لله رب العالمين).
أي، إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه.
لما أسند الثناء والحمد إلى صور العالم وبين أن الحق روحها وليس المتصرف في الصورة إلاالروح، أنتج منها أن صور الكل ألسنة الحق، إذ باللسان يظهر النطق.
والناطق والحامد هو الحق يثنى ويحمد بنفسه على نفسه في مقام تفصيله، كما حمد وأثنى على نفسه في مقام جمعه بقوله: (الحمد لله رب العالمين) وفيه إشارة إلى أن الحمدفي هذا المقام أيضا إنما هو باعتبار أعيان العالمين، لأن ربوبيته يقتضى المربوبين.
فإليه يرجع عواقب الثناء، أي، إذا حققنا الأمر، وجدنا أن الثناء منته إليه، بمعنىأنه هو الذي يثنى في هذه الألسنة على نفسه وهو المثنى عليه بالحقيقة، فهو المثنى والمثنى عليه، لا غير شعر:
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وإن قلت بالتشبيه كنت محددا) ظاهر مما مر.
(وإن قلت بالأمرين كنت مسددا وكنت إماما في المعارف سيدا )
أي، إذا قلت بالتنزيه والتشبيه في مقاميهما كنت مسددا، أي، جاعلا نفسك على طريق السداد والصلاح. (وكنت إماما في المعارف) أي، في أهل المعارف سيدا باتباعك طريق الرسل، صلوات الله عليهم.
(فمن قال بالإشفاع كان مشركا ومن قال بالأوتار كان موحدا)
من قال بالإشفاع، بصيغة المصدر من (أشفع). أي، صار قائلا بالشفع، كان مشركا، أي، شرك مع الحق غيره بإثباته.
ومن قال بالإفراد، مصدر (أفرد)،كان موحدا، إذ لا يثبت معه غير.
(فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا وإياك والتنزيه إن كنت مفردا) مفردا على صيغة اسم الفاعل، أي موحدا. و (ثانيا) اسم فاعل من (الثنى.) أي، وإن كنت تجعل الواحد الحقيقي ثانيا بإثبات غيره معه.
ولما كان القولب الثاني مقصورا على طريقين: أحدهما أن يكونا قديمين، وهو قول المشركين، وثانيهما أن يكون الأول واجبا قديما والثاني فائضا منه محدثا بحيث لا يمكن أن يكون عين الآخر بوجه من الوجوه، وهو قول المؤمنين الظاهرين والحكماء المحجوبين.
وصرح بقوله: (وإياك والتشبيه إن كنت ثانيا). أي، قلت بالثاني بالمعنى الثاني، إذ بالمعنى الأول لا يقول إلا المشركون.
فإياك أن تشبه الغير الحادث الفائض من الحق بالحق في الوجود والصفات اللازمة له، لأن وجوده منه فهو قديم ووجودالغير ليس منه وهو حادث.
وجميع صفات الأول من ذاته، لا احتياج له فيها إلى غيره، بخلاف صفات الثاني.
وما للأول، من الصفات، على وجه الكمال، وما للثاني على سبيل العكس والظلال المستعارة، بل ليس إلا كالسراب يتوهم أنه موجود، وهو في الحقيقة معدوم، فلا تشبيه بينهما.
وإن كنت قائلا بالحقيقة الواحدة التي يظهر في مقام جمعه بالإلهية وفي مقام تفصيله بالمألوهية، فإياك أن تنزه فقط، بل لك أن تنزه في مقام التنزيه، وتشبه في مقام التشبيه.
(فما أنت هو، بل أنت هو وتراه في * عين الأمور مسرحا ومقيدا)
أي، فلست أنت هو، لتقيدك الظاهرة وإمكانك واحتياجك إليه، باعتبار أنك غيره، وأنت هو، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة بصفة من صفاته في مرتبةمن مراتب وجوده. فترجع ذاتك وصفاتك كلها إليه. قوله: (وتراه في عيون الأمور) أي، وترى الحق في عين الأشياء مسرحا ومقيدا، على اسم المفعول،أي، تراه مطلقا بحسب ذاته، ومقيدا بحسب ظهوره في صفة من صفاته. وعلى اسم الفاعل، أي، تراه مبقيا للوجود على إطلاقه في عين المقيدات ومقيدا له في مراتب ظهوراته. والثاني أنسب لتناسب الأبيات الأول. وعلى التقديرين هما منصوبان على الحال.


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:48 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:45 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة : الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
وإذا كان من الأرواح صور الحق، والحق روحها المدبر لها، (فالكل ألسنة الحق) ينطق بها نطق أرواحنا بألسنتنا (ناطقة بالثناء على الحق) الذي هو روحها؛ (ولذلك) أي: ولكون الكل ألسنة الحق.
""ولسان الحمد ثلاثة: "اللسان الإنساني" و"لسان الروحاني" و"لسان الرباني".
أما «اللسان الإنساني»:
فهو للعوام، وشكره بالتحدث بإنعام الله وإكرامه، مع تصديق القلب بأداء الشكر.
وأما «اللسان الروحاني»:
فهو للخواص، وهو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الأحوال، وتزكية الأفعال. .
وأما «اللسان الرباني»:
فهو للعارفين، وهو حركة السير، يصدق شکر الحق جل جلاله بعد إدراك الطائف المعارف، وغرائب الكواشف بنعت المشاهدة والغيبة في قربه، و اجتناء ثمرة الأنس، وخوض الروح في بحر القدس، وذوق الأسرار مع مباينة الأنوار.""
(قال الله تعالى: "الحمد لله " (الفاتحة: 2]) فأضاف مطلق الحمد من جميع الموجودات إلى الله تعالى، وبين جهة إضافته على الإطلاق إليه.
بقوله: ("رب العالمين" [الفاتحة: 2])، ولما كان بعض تلك المحامد من الخلق للخلق بحسب الظاهر، قال: (أي: إليه يرجع عواقب الثناء)؛ لأنه الحامد نفسه بألسنة بعض صوره على بعضها، إذ الحمد للصورة حمد لذي الصورة، (فهو المثني) من حيث هو روح الكل، والروح من كل شيء هو الناطق بلسانه، (والمثنى عليه) من حيث إن الكل إنما يثني على ذاته أو صوره.
وإذا عرفت أن المعرفة الصحيحة هي الجمع بين التنزيه والتشبيه دون التقييد بأحدهما؛ فانظر في لوازمها، (فإن قلت بالتنزيه) المحض (کنت مقيدا) للحق بمباينته للكل من كل وجه مع أنه لا بد من مناسبة الدليل، والمدلول، والفاعل، والمنفعل، والصورة، وذي الصورة، (وإن قلت بالتشبيه) المحض (کنت محددا) للحق في ذاته، وجعلته من الأجسام التي يجب تناهي أبعادها.
(وإن قلت بالأمرين) التنزيه باعتبار الذات، والصفات السلبية، والتشبيه باعتبار الصفات الوجودية والظهور في المظاهر الكونية (كنت مسددا) قائلا بأقوى الأقاويل لجمعه بين الدلائل العقلية الدالة على التنزيه، والسمعية الدالة على التشبيه، (وكنت إماما في المعارف سیڈا)، إذ تصير قائلا بالتوحيد، إذ لا يتصور بدون القول بالظهور، وإلا لوجب أن يقول الموحد: إن الموجود الواحد قد يكثر بالإفراد، وهو القول بتعدد الألهة، ولذا قال:
(فمن قال بالإشفاع) أي: بتعدد الوجود الواحد بناء على أنه كلي يكثر بالإفراد (كان مشركا) قائلا بتعدد الآلهة.
وهذا ما ذكره الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتاب «الصبر والشكر» في "الإحياء" في بيان کشف الغطاء عن الشكر حيث قال الفريق الثاني: الذين ليس هم عمی؛ ولكن بهم عور يبصرون بإحدى العينين.
وجود الموجود الحق فلا ينكرونه، والعين الأخرى إن تم عماها أثبت موجودا آخر مع الله، وهذا مشرك تحقيقا، كما كان الذي قبله جاحدا تحقيقا.
(ومن قال بالإفراد) أي: بأن الوجود فرد واحد از وأبدا ظهر في جميع الموجودات (كان موحدا) بتوحيد الخواص (فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا) قائلا بتعدد الوجود فإن القول: بالتشبيه معه يستلزم تشبیه وجود الحق بوجود غيره فيلزم تعدد الألهة، (وإياك والتنزيه إن كنت مفردا) فإن القول: بتنزيه الحق عن الظهور في المظاهر مع القول بوحدة الوجود، وحدة شخصية يستلزم القول بعدم تحقق الحوادث في الخارج، وهو سفسطة.
ثم قال لمن أفرد الوجود، وقال: بظهوره في المظاهر (فما أنت هو)؛ لأنه كل الوجود، ولست كله بل أنت صورة من صوره (بل أنت هو) إذ لا تحقق بشيء دونه كما تحقق لصورة المرآة بدون ذي الصورة، وهي كأنها ذو الصورة، (وتراه) أيها المفرد القائل: بظهوره في المظاهر (في عين الأمور مسځا) أي: مطلقا غير مقيد بها باعتبار ذاته (ومقيدا) بكل واحد باعتبار ظهوره في ذلك الواحد.



شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالكلّ ألسنة الحقّ ناطقة بالثناء عليه ، ولذلك قال : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ ") فالكلّ معبّر عن كمالاته ومفصح بأنّها ليست مقصورة على ما عبّر عنه . باللسان الجمعي القرآني الختمي ، مترجما عمّا نطق به ألسنة صور العالمين أجمعين .
من أنّ الحمد أي التعريف والإظهار الذي تؤديه ألسنة تلك الصور كلَّها لله ، الذي هو ربّهم ( أي إليه يرجع عواقب الثناء ) والتعريف بمحامد الأوصاف والأحكام الوجوديّة ، وإن نسبت تلك الأوصاف ابتداء إلى الصور الكونيّة والتعيّنات الإمكانيّة ، لكنّها من حيث أنّها أحكام وجوديّة لا يمكن أن تتعلَّق بها ، فيكون مرجعها هو الوجود الحقّ ضرورة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو المثني ) باعتبار إظهاره لتلك الكمالات في الصور التشبيهيّة ( والمثنى عليه ) باعتبار ظهوره في نفسه وتقويمه لتلك الصور في أرواحها التنزيهيّة  .
ثمّ لما انساق الكلام هذا المساق حان أن يفصح بالمقصود ويصرّح بما أشير إليه على ما هو مقتضى الصورة المنظومة من الكلام .
فقال الشيخ رضي الله عنه: ( فإن قلت بالتنزيه كنت مقيّدا ) ضرورة أنّ التنزيه يقتضي تقييد الحقيقة الحقّة وتعيّنه بالتعيّن الإطلاقي كما عرفت ( وإن قلت بالتشبيه قلت محدّدا ) لأنّ الصورة لا بدّ لها من الإحاطة والتحديد ، وفيما سبق من الكلام ما يدلَّك على تخصيص الثاني بـ « قلت » فلا نعيده هاهنا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإن قلت بالأمرين كنت مسدّدا ) أي موفّقا للصواب ، من القول والاستقامة من القصد ، وذلك لأنّك بجمعك بين الأمرين وصلت إلى مقتضى الذوق الإحاطيّ الختميّ ، ودخلت في الامّة الوسط الذي هو خير الأمم ، وإليه أشار بقوله :
ثمّ لمّا كان الجمع بين الأمرين يتصوّر على وجهين : أحدهما أن يعتبر التشبيه بإزاء التنزيه خارجا عنه وهو القول بالإشفاع والآخر أن يعتبر كلّ منهما في ضمن الآخر متّحدا به - وهو القول بالإفراد - قال  رضي الله عنه :
فمن قال بالإشفاع كان مشرّكا    .... ومن قال بالإفراد كان موحّدا  
فعلم من هذا أنّ من اعتقد أنّ العبد ثاني الحقّ لا يمكن له القول بالتشبيه ، وإلَّا يلزم أن يكون مشركا ، كما أنّ من اعتقد بإفراده معه لا يمكن له القول بالتنزيه - أي التنزيه الرسمي على ما ذهب إليه القائلون به - وإلَّا يلزم أن لا يكون مفردا ، وإليه أشار بقوله :
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا   .... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا   
فظهر من هذا أنّ التنزيه الذي لا ينافي التوحيد والإفراد ، غير هذا التنزيه ، بل ذلك هو التنزيه الذي في عين التشبيه ، وذلك التشبيه هو الذي يليق بالموحّد ، ولا يليق بالثنوي .
وتحقيق ذلك أنّ العبد غير الحق بمجرّد اعتبار التعيّنات النسبيّة والإضافات التي إنّما تتحقّق بمجرّد الاعتبار - كالغيبة والخطاب - وأمّا بالنظر إلى الأمر نفسه فهو عينه ، وهو معنى التنزيه في عين التشبيه ، والمشير إلى ذلك كلَّه قوله :
فما أنت هو بل أنت هو ، وتراه في   .... عين الأمور مسرّحا ومقيّدا 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. و لذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني و المثنى عليه).    
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالكل)، أي كل صور العالم (ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق سبحانه ولذلك قال : "الحمد لله رب العالمين") [الفاتحة:1].
يعني الثناء الشامل كل حامدية ومحمودية خالص لله لا يشاركه فيه أحد فكل ثناء من كل مثني يكون فيه ، لأنه لسان من ألسنته.
وكذا كل ثناء على كل مثنى عليه بكون عليه، لأنه بعض من صور تجلياته، وإلى هذا أشار بقوله : (أي إليه ترجع عواقب الثناء) مبنيا للفاعل كان أو للمفعول، وإنما قال عواقب الثناء لأن بعض الأثنية والمحامد حالة في بادئ نظر المحجوب وهو فيها راجع إلى الخلق وحالة ثانية تعقب الآلة الأولى بعد إمعان النظر أو ظهور نور الكشف راجع إليه سبحانه وتعالى.
والمراد بعواقب الثناء الأثنية والمحامد الغير الملحوظة باعتبار الحالة الأولى ولا شك أن الكل بهذا الاعتبار راجع إلى الحق تعالى (فهو المثنى والمثنى عليه) جمعة وتفصيلا.
قال الشيخ رضي الله عنه :
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... و إن قلت بالتشبيه كنت محددا
و إن قلت بالأمرين كنت مسددا ... و كنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... و من قال بالإفراد كان موحدا
فإياك و التشبيه إن كنت ثانيا ... و إياك و التنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو و تراه في ... عين الأمور مسرحا و مقيدا  
قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «و هو السميع البصير» فشبه.)
(فإن قلت بالتنزيه) من غير تشبيه (كنت مقيدا) للحق سبحانه بصور التنزیه
(وإن قلت بالتشبيه) من غير تنزیه (کنت محددا) له سبحانه بحضرة في صور التشبيه (وإن قلت بالأمرين) التنزيه والتشبيه وجمعت بينهما من غير تقييد بواحد بل ولا بالجمع أيضا (کنت مسددا) سددك الله على سواء الطريق إن كان اسم مفعول أو سددت نفسك عليه إن كان اسم فاعل.
(وكنت إماما) يقتدي به (في المعارف سيدا) مطاعا فيما أمر به فيها.
(فمن قال بالإشفاع)، أي جعل الحق الفرد شفعا بإثبات الخلق معه (كان مشركا) الخلق مع الحق في الوجود .
(ومن قال بالإفراد) بأن أفرد الحق و حکم بتفرده في الوجود ولم يثبت معه غيره (كان موحدا فإياك والتشبيه) بإثبات الخلق مع الحق وتشبيه الحق به (إن کنت ثابتا)، أي قائلا بإثنينية الحق والخلق بل ينبغي أن تجعل الخلق من صور تجلياته لا موجودة في حد ذاته.
(وإياك والتنزيه) عن الخلق (إن کنت مفردا) حاكمة بفرادنیته بل ينبغي أن يكون حكمك بفرادنیته باعتبار أنه منفرد بالوجود في مرتبتي جمعه وتفصيله لا موجود غیره (فما أنت هو) لتقييدك وإطلاقه لاحتياجك وغناه ""استغناؤه عن كل شيء"" .
(بل أنت هو)، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة ""صورته"" .
(وتراه في عين أمور مسرحا)، أي مطلقا بحسب ذاته ومقيدا بحسب تجلياته وهما حالان عن ضمير المفعول إن كانا اسمي مفعول.
وقد سبق معناه وعن ضمير الفاعل إن كانا اسمي فاعل ، أي حاكمة بإطلاقه في حد دانه (ومقيدا) بحسب ظهوراته ووقع في بعض النسخ عيون الأمر مسرحا و مقيدا وعلى هذا يكون مسرحا من الإسراح لا من التسريح ليصح الوزن.
وهكذا ينبغي أن يكون فإن المصراع الأخير على النسخة الأولى ليس على وزن سائر المصاريح كما لا يخفى على من له معرفة بالعروض (قال: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] فنزه) . على أن تكون الكاف زائدة فيفيد نفي المثل فيكون تنزيها أو بناء على أن نفي مثل المثل فإنه لو كان له مثل يلزم أن يكون لمثله وهو نفسه ..
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:34 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 12:35 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثنى، «وهو السميع البصير» فنزه وأفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (وقال تعالى): كذلك بمعنى آخر مفهوم من هذه الآية، ومعلوم أن الآيات القرآنية لا يحصرها معنى واحد ولا اثنان بل كل المعاني لها، ولكن يدرك منها العبد ما تيسر له بحسب استعداده كما يشير إليه قوله تعالى : "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله، مددا " [الكهف: 109] ("ليس كمثله ") [الشورى:11]، أي ليس مثل مثله.
فأثبت له مثلا، ومثله جميع العالم المخلوق على صورته من حيث ظهور العالم بتأثير الصفات الإلهية تفصيلا لها، لأن صورة الشيء تفصيل ذاته، ومثل مثله الإنسان الكامل، فإنه مخلوق على صورة جميع العالم ("شيء") إذ ليس وراء الله شيء غير مثله وهو جميع العالم، وأما مثل مثله الذي هو الإنسان الكامل فليس شيئا.
أي موجودة إذ لو كان شيئا لكان من جملة العالم وكان ناقصا لكمال العالم به، وليس هو كاملا في نفسه، وإذا لم يكن موجودة كان مفقودة والموجود عنده هو الحق، فالإنسان الكامل مفقود في عين وجوده والوجود عنده هو الله تعالى وحده (فشبه سبحانه وتعالى نفسه حيث أثبت له المثل (وثنى)، أي حكم على نفسه الواحدة أنها اثنان بإثبات المثل له (وهو)، أي مثل مثله
(السميع) لا غيره بسمعه القديم (البصير) لا غيره ببصره القديم (فنزه) سبحانه وتعالى ذاته العلية عن المثل ومثل المثل حيث نفى عنها القيود التي بها تكون مثلا ومثل مثل (وأفرد)، أي حكم على ذاته بأنها مفردة لا مثل لها ولا مثل مثل كما هي كذلك في نفسها.
والحاصل أن قوله تعالى: "ليس كمثله ، شيء"  [الشوری : 11].
إما أن تكون الكاف صلة فيكون التقدير ليس مثله شيء وهو المعنى الأول فيكون تنزيها.
"وهو السميع البصير"، أي لا غيره والخطاب لنا في لغتنا المفهومة بيننا، ونحن نعرف ما أطلعنا عليه سبحانه بفضله من كل مخلوق سميع بصير من إنسان وغيره ,
فيكون ذلك تشبيها، وإما أن تكون الكاف أصلية ليست زائدة فيكون التقدير ليس مثل مثله شيء وهو المعنى الثاني، وفيه إثبات المثال لا نفيه، بل نفي مثل المثل، فهو تشبيه لا تنزیه وقوله بعده "وهو السميع البصير" [الشورى:11].
أي ذلك المثل الذي لمثله، فهو تنزيه لزوال المثل ومثل المثل عنه، فحيث كان صدر الآية تنزيها كان عجزها تشبيها، وحيث كان صدرها تشبيها كان عجزها تنزيها للإشارة إلى أنه لا بد في حكم الشرع من التنزيه والتشبيه معا كما سبق، والانفراد بأحدهما إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض.
وقال تعالى في نظير ذلك : "هو الأول" [الحديد: 3]، يعني قبل كل شيء فنزه "والأخر" [الحديد: 3]، يعني بعد ذلك في الأول وهو كل شيء إذ لا آخر للأشياء، لأنها لا تتناهى فشبه، "والظاهر" فشبه، "والباطن" فنزه.
وقال : "هو الأول" ، يعني الموجود الأول بالتشبيه إلى الثاني فهو كل شيء إذ لا نهاية للأشياء، ولها بداية فشبه، "والآخر" يعني الموجود بعد ذهاب ذلك الأول فنزه "والظاهر" [الحديد: 3].
يعني بالإيجاد والإمداد فنزه "والباطن" [الحديد: 3] يعني المعلومات العدمية التي قال تعالى عنها " " كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص: 88] .
فكل شيء باطن فشبه وكذلك قال: "الله الصمد" ، أي المقصود بالحوائج كلها، والعالم يقصد بعضه بعضا كما هو المعروف فشبه.
ثم قال:"ولم يكن له كفوا أحد"  [الإخلاص: 2 و 4]، فنزه، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم التنزيه والتشبيه معا في كلمة قالها في مقام الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه"، فشبه بذكر الرؤية.
فإن المرئي الأشياء، أو نزه بكاف التشبيه لنفي ذلك المرئي، أو شبه بكاف التشبيه والرؤية، ونزه بذكر اسم الله وضميره، ونحو هذا كثير في الآيات والأحاديث.
لو أن نوح عليه السلام (جمع لقومه) حين دعاهم إلى توحيد الله تعالى (بين الدعوتين ): دعوة التنزيه ودعوة التشبيه (لأجابوه) لما دعاهم إليه لأنهم مشبهون بعبادة الأصنام فيحتاجون إلى التنزيه ليكمل لهم التوحيد المطلوب منهم .
ولا ينهون عن التشبيه في أول الأمر لأنهم ما عرفوا من الإله غيره، ولهذا دعا نبينا عليه السلام قريشا إلى إله السماء ووصفه لهم بأوصاف التشبيه ليقرهم على ما هم عليه من التشبيه، لأنه بعض المعرفة.
ثم زادهم التنزيه فأجاب من أجاب وكفر من كفر، ولم ينههم في أول الأمر عن التشبيه لئلا يوحشهم مما عرفوه من الإله، وأما نوح عليه السلام (فدعاهم جهارا) من حيث التنزيه (ثم دعاهم إسرار) من حيث التشبيه ، فقدم لهم التنزيه فظنوا أنه ينهاهم عن التشبيه الذي هو بعض المعرفة فتركوا إجابته .
(ثم قال لهم : استغفروا ربكم)، أي اطلبوا المغفرة من تشبهكم للحق تعالی كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله تعالى في اليوم مائة مرة» يعني كلما ترقیت مقاما في تنزيه الله تعالی وجدت الأول تشبيها بالنسبة إلى الثاني فأستغفر من الأول وهكذا.
فهو غين أنوار لا غين أغيار وفيهم غين أغيار وقد طلب نوح عليه السلام من قومه أن يفعلوا كذلك من أول الأمر وهو ممتنع عليهم القصورهم ("إنه ")، أي ربکم (" كان غفارا" ) [نوح: 10] لكل من استغفره (وقال) نوح عليه السلام أيضا ("رب")، أي يا رب ("إني دعوت قومي") إلى توحيدك ومعرفتك ("ليلا" )، أي من حيث ما غابوا عنه من تنزيه الله تعالى ("ونهارا " )، أي من حيث ما شهدوه من التشبيه لكن بعد التنزيه لا قبله ("فلم يزدهم دعائي") لهم إلى التنزيه قبل التشبيه ("إلا فرارا" ) عما دعوتهم إليه [نوح: 5- 6].
(وذكر عن قومه أنهم تصامموا)، أي لم يسمعوا (عن دعوته)، بتكلف منهم لذلك فذلك قوله تعالى: ("وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)") سورة نوح الآية.
(لعلمهم)، أي قومه علما روحانيا لم ينزل إلى نفوسهم ليشعروا به، فجهلت نفوسهم وعلمت أرواحهم بما يجب عليهم من إجابة دعوتهم إلى توحيد الله تعالى من حيث الغيب ومن حيث الشهادة تنزيها في الأول وتشبيها في الثاني .
كما قال ليلا ونهارا، فأمرهم بترك التشبيه ليطلعوا على التنزيه فتكمل لهم المعرفة بالتنزيه والتشبيه.
وأمره لهم بترك التشبيه ليس الترك التشبيه وإنما هو لتحصيل التنزيه، وإلا فالتشبيه بعض المعرفة، وهو لا يأمرهم ببعض المعرفة وينهاهم عن البعض الآخر.
وقد علمت أرواحهم منه ذلك وإن جهلت نفوسهم، فتاصمموا عن ظاهر ما أمرهم به من ترك التشبيه لعلمهم بأن ترکه غیر مراد.
فامتثلوا قلوبا وأرواحا وخالفوا نفوسا وأشباحا، لأن عند نفوسهم بعض المعرفة وهو التشبيه فلم يتركوا ذلك البعض.
لأنه لا يريد منهم ترك ذلك وإنما يريد الهم تمام المعرفة، فلو علموا أن ترك ذلك يوجب كمال المعرفة لتركوه وترکه ستره عنهم.
وهو قوله: "لتغفر لهم"  [نوح: 7]. فإن الغفر هو الستر من معرفتهم الناقصة کفر وجحود، فهذا هو الكشف عن حقيقة كفرهم.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى :" ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱]) من حيث أنه غني عن العالمين (فنزه "وهو السميع البصير") من حيث أسمائه ومظاهر صفاته وهو يقتضي إثبات المماثلة في السمع والبصر (فشبه) هذا ناظر إلى زيادة الكاف (قال الله تعالی "ليس كمثله شيء")
من حيث ألوهيته وتعلق قدرته إلى مقدوراته (فشبه وثني "وهو السميع البصير" ) إذ لا غير حتى يشترك معه من حيث أنه كان الله ولم يكن معه شيء (فنزه وأفرد).
أي فنزه الحق عن عدم السمع وعدم البصر وأفرد فيهما بحيث لا اشتراك لغيره فيهما هذا ناظر إلى عدم الزيادة .
وإنما كان قوله تعالى : "وهو السميع البصير" [الشورى : 11] تشبيها في الأول وبالعكس في الثاني .
وكذا قوله تعالى : "ليس كمثله شيء" تنزيها في الأون وبالعكس في الثاني .
لأن المراد بالتنزيه والتشبيه كلامان متغايران بالإيجاب والسلب مع اتحاد الموضوع والمحمول من جهة تغايرهما من جهة أخرى.
فأيهما سبق في حق الحق يقتضي تعقيبه بالآخر بلا نصل شيء خارج عنهما لوجوب اجتماعهما لكون أحدهما في المعنى جزءا من الآخر فلا يمكن حمل قوله في الموضعين على التنزيه مع وجود أداة الحصر فيهما .
وهما الضمير واللام في الخبر لئلا بفوت الجمع فما أنزل الله تعالى في حق نفسه كلاما إلا وهو على طريق الجمع ولا يخفى على من اطلع معاني كلام رب العزة وأسراره .
ولما أتم البيان في التنزيه والتشبيه أورد ما جاء من آيات القرآن العظيم في حق نوح عليه السلام وقومه ليظهر فضل القرآن على سائر الكتب المنزلة .
وبين ما قال إن ألسنة الشرائع الإلهية إنما جاءت في حق العامة على المفهوم الأول وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ .
فقال رضي الله عنه : (ولو أن نوحا جمع لقومه) أي لقومه الذين لم يجيبوا دعوته إذ القوم الذين أجابوه لا يحتاج في حقهم إلى الجمع (بين الدعوتين) أي دعوني التنزيه والتشبيه (لأجابوه) من كان شانه قبول الدعوة ولم تف الدعوة بدون الجمع ولو جمع لهذا الطائفة أجابوا دعوته لا بمعنى أنهم أجابوا كلهم .
كما أن رسول الله تعالی جمع بين الدعوتين ولم يجب من لا استحقاق لقبول الدعوة كأبي جهل وأضرابه .
فظهر أن الجمع لا يوجب إجابة الدعوة مطلقا ولم يفعل نوح عليه السلام كذلك لأنه لم يؤت بجوامع الكلم (فدعاهم جهارا) أي ظاهرا وهو دعوته قومه إلى الحق بالتشبيه.
(ثم دعاهم أسرارا) أي باطنا وهو دعوته بالتنزيه فقد دعاهم بالتنزيه والتشبيه لكنه لا على طريق الجمع لذلك أورد بثم المقتضي للتأخير والتراخي.
(ثم قال لهم) بعد الدعوة ("استغفروا ربكم" سورة هود : 3) .
يعني لما علم نوح منهم أنهم لا يجيبون دعوته أبدا ولا يصلون إلى المعارف الحاصلة من الإجابة وعلم أن طريق وصولهم إلى ما يدعو إليه قومه لا يكون إلا بالاستهلاك يدعوهم به ليحصل لهم هذا المقام فقال :
"استغفروا ربكم" أي اطلبوا ستر وجوداتكم بظهور الحق بالصفة النهارية حتى يحصل لكم الوصلة إلى الحق باستهلاككم فيه لعدم قابليتكم واستعدادكم إلى حصول كمالكم بغير هذا الطريق وهو الهلاك فإذا هلكوا فقد وصلوا كمالهم.
لكن لا يجديهم نفعا لعدم وقوعه في أوانه (أنه) أي الله تعالى (كان غفارا) أي ستارا لمن طلب الستر.
فدعاهم بثلث دعوات إلى الباطن وهو التنزيه وإلى الظاهر وهو التشبيه وإلى الفناء في الله تعالى وهو " استغفروا ربكم" ولم يف استعدادهم بقبول الإجابة بلبيك فقبلوا دعوته بالفعل وإن لم يعرفوا نبولهم وهو إفناء وجوداتهم في الله تعالى لذلك أغرقوا بالطوفان وقال: رب إني (دعوت قومي) أي أخبر عن دعوته قومه (ليلا ونهارا) أي تنزيها وتشبيها (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) صلة الفرار محذوفة للعموم وهي من وإلى إذ الفرار حركة لا بد له من البدء والغاية فكان المعنى في حق الخواص إلا فرارا من وجوداتهم إلى الله تعالى.
أي تركوها ووصلوا إلى الله تعالی نکان ابتداء الفرار وهو الستر من وجوداتهم وذواتهم وغايته الحق .
فكان هذا الكلام منه في حقهم مدحا وثناء لازمة يفهمه العلماء بالله .
وكذلك في حق العامة مدح لكون ابتداء فرارهم من ذنوب أنفسهم وانتهاؤه إلى جناب الحق بحسب مراتبهم وأما في حق قومه من المشركين فذم لـ فرارهم من الحق إلى اللذات الحسية.
(وذكر عن قومه أنهم تصاموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته فعلم العلماء بالله تعالی) أي كل واحد من العلماء من أي أمم كانوا ممن سمع كلام نوح عليه السلام من أي لسان كان علموا من وجوه نظم كلامه.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.  وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قوله رضي الله عنه : قال الله تعالى: "ليس كمثله شيء" فنزه، وهو السميع البصير (الشورى: 11) فشبه.
وقال تعالى": ليس كمثله شيء"  فشبه وثني وهو السميع البصير فنزه وأفرد.
وقوله: "وهو السميع البصير" (الشورى: 11) شبه، لأنه وصف الحق تعالی بالسمع والبصر وهي قد يطلق على العين والأذن.
قوله: قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وهنا جعل الكاف زائدة، فكأنه قال: ليس مثل مثله شيء فأثبت له مثلا لا يشبه ذلك المثل شيء .
ولذلك قال: وثني قوله: "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد هنا حمل السمع والبصر على معاني أسمائه تعالى، فالسمع والبصر هنا لا يطلق على الأذن والعين بل على معاني الأسماء الإلهية .
لو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (نوح: 10) وقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 5-6) .
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.
واعلم أن قوله عنهم في معنى قوله تعالى: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (نوح: 10) أي ستارا.
أنه إنما خص المعارف بأنها عقلية في قوله: "يرسل السماء علیکم مدرارا" (نوح: 11) وفسر ذلك بالمعارف العقلية والاعتبارية ولم يقل: إنها معارف إلهية كشفية لأن الغفر مشتق منه ما يدل على الستر.
والمعارف الإلهية لا تكون مع الستر الذي هو الحجاب، وإنما الذي يكون من المعارف مع الستر هي المعارف العقلية والاعتبارات الفكرية.
ثم قال لهم نوح: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" فخاطبهم بما لا يناسب حالهم وإلى هذا أشار، رضي الله عنه: والذي لا يناسب حالهم هو كونه فرق الدعوة فدعا مرة إلى اسمه الظاهر، تعالى، ومرة إلى اسمه الباطن، تعالى.
فلما لم يجيبوه وصف حالهم معه وحاله معهم، فقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا" (نوح: 5) . أي ظاهرا مرة وهو قوله: نهارا وباطنا مرة وهو قوله: لیلا أي إلى الاسم الظاهر مرة وإلى الاسم الباطن مرة "فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 6).
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته بكونهم جعلوا أصابعهم في آذانهم.
قال وإنما تصامموا عن دعوته، لأنهم علموا ما يجب عليهم إن هم سمعوها أي يتعين عليهم الطاعة، فسدوا آذانهم عن سماع دعوته حتى لا يقع عليهم لسان الذم.
فلذلك فسر قوله تعالى: "يرسل السماء عليكم مدرارا" (نوح: 11) بالمعارف العقلية لأنها جواب قوله تعالى: "فاستغفروا" والاستغفار هو طلب الاستتار كما تقدم.
ثم فسر الأموال في قوله تعالى: "ويمددكم بأموال وبنين" (نوح: 12) بأنها ما يميل بهم إليه وجرت عادة أهل الطريق أن يستمعوا في كلام الله تعالی بل وفي كلام كل متکلم أمورا تقتضيها مراتبهم من الكشف والشهود الجزئي والكلي.
ولا يلتفتون إلى كونها مخالفة لمفهوم العموم بعد أن يصح لهم نسبتها إلى الحق بطریق کشفي .
وليس لمن سلم إليهم أحوالهم أن ينكر عليهم بعد ذلك فإن الانکار بعد التسليم لا يقبل فإنه إنما سلم لهم في الكل لا في الكلي العام .
حتى يقال: إن وجود العام لا يستلزم الخاص.
وأما أن صورتهم هي التي يرونها فيه تعالى فلأن صور العالم كله هي صور معلومات الله تعالى وما في العلم شيء هو خارج عنه وإلا كان العلم ظرفا للمعلومات والذات المقدسة لا تغاير العلم.
فيلزم أن تكون الذات المقدسية ظرفا لغيرها وذلك ممنوع. فإذن إنما رأوا صورتهم فيه بمعنى لا يوجب الظرفية بل إذا رأوا صورتهم في علمه وليس علمه غيره فقد رأوا صورتهم فيه.
قوله: وولده، أي نتيجة فكرهم، لأنا قد قررنا أن معارفهم فكرية لأجل الاستغفار المستلزم للستر والستر من لوازم الفكر والفكر من لوازم الستر .


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : « قال الله تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه ، " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  فشبّه » يعني : على مفهوم العموم على أنّ الكاف زائدة ، وأنّ السميعيّة والبصيرية مشتركتان بين الحق والخلق .
ثم قال : « قال الله تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فشبّه وثنّى » .
يعني : أنّ الكاف غير زائدة ، يكون إثبات المثل المنفيّ عنه مشابهة شيء ما من الأشياء ، وذلك عين التشبيه والتثنية .
قال: " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزّه وأفرد " يعني على السميع البصير هو الحق في كل سميع بصير له الأذن والحدقة ، وليس السمع والبصر الآلة إلَّا ، للحق ، وفيه التنزيه الحقيقيّ وإفراد الوجود الحق بالانفراد .
وقد ذكرنا في أوّل هذا الفصّ ما فيه غنية عن التكرار ، وقد جمع الله تعالى في كل شقّ من الآية تنزيها في تشبيه وتشبيها في تنزيه ، فكان كلّ منهما ذاتيا للحقيقة والعين وهو الحق ، فافهم والله الملهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : « لو أنّ نوحا دعا قومه بين الدعوتين لأجابوه فدعاهم جهارا ، ثمّ دعاهم إسرارا ، ثمّ قال لهم "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه ُ كانَ غَفَّاراً ".
وقال : "إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ".
قال العبد : نوح عليه السّلام أوّل المرسلين أرسله الله تعالى إلى قومه ، وهم بالله مشركون ، يعبدون ودّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ، وعن حجّة محجّة المعبود الحق الواحد خارجون .
فلمّا رأى الله الواحد الأحد ضلالهم عن الهدى ، واتّباعهم للهوى ، وأنّ في دعوتهم إليه وإجابتهم لدعوته كمالهم وبها يصلح في الدنيا والآخرة أحوالهم .
أقام نوحا عليه السّلام ليدلَّهم على أحدية العين ، ويصرفهم عن الإطراق إلى الفرق والبين ، بعبادة التعيّنات الجزوية التقييديّة ، الظاهرة من صور النسب الأسمائية وحجابيّاتها التعديدية ، لكنّ الواجب في العبادة هو الواحد الذي هو أصل الكثير ، فإنّ عبدة الكثير ما لهم من نصير ، إذ الواحد الحق هو موجد الكثرة في عينه الواحدة ، فالحق الواجب على الكثرة عبادة الواحد الحق .
لا عبادة الصنميّات و التعيّنات الاسمية ، فلا جرم كانت دعوته ودعوة جميع الأنبياء والرسل والأولياء إلى الله الواحد الأحد ، وكانت دعوة نوح عليه السّلام إلى الأحدية والتنزيه ، عن حجابيّات الكثرة وآلهة التشبيه ، لتصرف وجوههم عن صنميّات العدد ، إلى عبادة الواحد الأحد.
فوعدهم وأوعدهم بما وعد وأوعد والقوم عنه معرضون ، وبتكذيبه مصرّحون ومعرّضون ، وبسخط قهر الأحدية متعرّضون ، لكونهم في خصوص قابليّاتهم مظاهر حجابيّة صور الأسماء ، وعبدة صنميّات الأهواء .
فلمّا دعاهم إلى ما يباين شهودهم كلّ المباينة وهم لا يشعرون ، وندبهم إلى ما ينافي معهودهم ومعبودهم فيما يشهدون .
فاستكبروا استكبارا واستكثروا من أذيّته استكثارا ، فلو كانت دعوته عليه السّلام دعوة جامعة بين وحدة الذات وكثرة الأسماء والصفات بالانتزاح من فرق الكثرة في عين الواحدة إلى جمع الوحدة في عين الكثرة المعدّة كما هو الأمر في نفسه لأجابوه ، وما نفروا عنه ، ولا هابوه ، ولا عيّروه ، ولا عابوه ، لأنّ الكثرة ظاهرة في الشهود ، والوحدة باطنة في عين الكثرة والوجود ، فالكثرة على ظاهر الوحدة ، والوحدة في باطن الكثرة .
كبطون الواحد الأحد آخرا فيما يتناهى من العدد ، واشتمال الواحد على النصف والثلث والربع من النسب أوّلا قبل ظهور العدد فيما يتعدّد ، فلو دعاهم على مقتضى الشهود المحمدي الجامع ، لوقعت الإجابة بمقتضى الواقع ، وانقادت ظاهريّاتهم ظاهرا بمناسبة الكثرة الظاهرة التي هم في إظهارها إلى كثرة الأسماء المذكورة في الدعوة الواحدة المشهودة .
وانقادت بواطنهم الأحدية أيضا إلى الوحدة ، لوجود المناسبة المشكورة ، ولكنّه عليه السّلام دعاهم إلى باطن السرّ ، وهم في شهود الظاهر وحجابيّة الأمر ، فأثّرت فيهم دعوته الإجابة بالنقيض ، وأثار بضدّ مراده  من الآثار .
فوقعت الإجابة منهم في صورة النفار ، وحصل الإقرار في صورة الإنكار والاستكبار ، لأنّ مضمون دعائه ينفّرهم عمّا هم عليه ملبّون ، ولدواعيه مجيبون وملبّون ، وعلى عبادته مكبّون ، فوجد النفار عمّا إليه دعاهم وهم في إجابة ما استولى عليهم ، فأصمّهم عن غيره وأعماهم ، فلم تكن الدعوة إذن أيضا باطلة ، ومن الإجابة بالكلَّية عاطلة ، وقد دعاهم جهارا ، إلى ما يزيدهم نفارا .
وهم في عين سماع ما جهر به الاسم الإلهي الظاهر ، وأظهره من صنميّات المظاهر ، فإنّ العالم صورة الكلام الإلهي الرباني الذي تكلَّم به في عين النفس الرحماني ، جهر به فسمعه القائمون بظاهريات حجابيات كلامه فأجابوه بالفعل والذات مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من مظاهر حجابيّات الكلمات والآيات ، الذين كانوا في عمارته وعبادته وتكميل أوضاعه وصورته وإسادته ، فأجابوا ظاهر دعوة الاسم الظاهر .
وكتابه المفصّل الفرقاني بظواهرهم ، وهم أهل الحجاب والكفر ، حجبوا عن الحق الواحد فيهم بالستر ، فستروا بكفر كثرتهم وجه أحدية الوجود ، وغلب عليهم الحال حال هذا الشهود ، فهم في عين الكشف محجوبون ، وفي الجهر مسرّون ، وفي عين الإقرار على صورة الإنكار مسرّون ، فما وفّوا المراتب حقّها على ما أراد الله من أمره ، و " ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه ِ "  فتوجّهت عليهم المؤاخذة والمطالبة الإلهية .
بإظهار الوحدة السارية في الكثرة الحجابية التي هم صورة تفصيلها الجمعية الظلالية ، فلو لا أنّ فيهم الجمعية ، لما طولبوا بما ليس فيهم ، و " لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا ما آتاها "  ، وتوانيهم ، فلو كانت الدعوة جمعية أحدية بين الكشف والستر ، والإسرار والجهر من الأمر ، لأجابوه إلى ذلك بمناسبة الجمعية التي فيهم ، ولما وقع الدعاء بالواسطة وهم في عين إجابة داعي الأمر المقترن بالإرادة الذاتية من غير واسطة .
لا جرم شغلوا بظاهر الداعي عن باطن الواقعة ، واستغرقهم الأمر الذاتي الإلهي الذي أجابوا له بالذات ، وسمعوه ، وبادروا إليه بالفعل والحال ، وأطاعوه وتبعوه ، لأنّ الأمر كان بلا واسطة كونيّة ولا حجابيّة مثليّة ، بل بتجلّ عينيّ وأمر إرادي ، فأطاعوه بالفعل والحال والذات ، لأنّ الله تعالى لا رادّ لأمره ولا معقّب لحكمه في الكائنات .
فلمّا لم تؤثّر دعوة نوح جهرا إلى سرّ ، وكشفا إلى ستر ، وهو أيضا عنهم بحجابية المثلية مستور ، وبكشف ذلك الستر عنهم مأمور ، فأخذ يدعوهم إلى التوحيد إسرارا خاليا عن الجهر ، فكانت الدعوة إلى السرّ بالسرّ ، فلم تؤثّر فيهم ، لاستغراقهم عن البطن بالظهر ، فكفروا بما جاء به الأمر فجهروا بإيذائه ، وظهروا بردّ دعائه ، وكان من دعوته في المقام الثاني من الإسرار صيانة للأسرار عن الأشرار أن قال : " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " الذي كشف لكم حجابيّات الآيات المتلوّة عليكم من هذا الكتاب المسطور الفرقاني في حجابية تعيّنات سور النفس الرحماني في صور الكفر والستر على عين الكشف والجهر "إِنَّه ُ كانَ غَفَّارا".
فاكفروا بهذا الكفر وآمنوا بما فيه من الستر ، يغفر لكم ذنوبكم ، ويكشف عليكم عيونكم ، ويظهر غيوبكم ، فإنّه كإستار الحقائق ذواتكم في غيب عينه « كان الله ولا شيء معه » من كونه ، فلمّا أحبّ أن يعرف ويعرّف إليكم منكم وفيكم بما عرف ، غلب عليكم نور التجلَّي ، وبهركم ما وقر وقرّ فيكم من أسرار التدلَّي والتولَّي ، فانقلبت حقيقة التلقّي ، بصورة الإعراض والتوقّي ، فحجبتم بالنور عن النور .
وكذلك دأب غلبة الوضوح ، وشدّة الظهور تورث في نور الأبصار الضعيفة ظلمة الحجاب ، وتؤثّر صورة الحيرة والارتباك والارتياب ، فاستولت عليكم هذه الحالة في أوّل شرّتكم ، فحجبتم عن الوحدة الأصليّة  الأصلية المستورة في كثرتكم فكفرتموه بحجابيّاتكم وسترتموه بإنانيّاتكم ، فوجبت المجازاة بالستر والغفران ، في مقابلة ما وقع من الكفر والطغيان ، والانحراف عن حقيقة الاعتدال الوسطي إلى حجابيّة الظاهرية والإطراف بالعصيان ، حتى يستركم عن نادية كثرة الفرقان ، ويجمعكم بجنان الوحدة والجمع من القرآن ، فإنّ في ذلك من الكمال ، ما ليس في ظاهرية الجلال والجمال ، وذلك هو مجتمع الأنوار والضلال ، والأمان من الحيرة والضلال ، فلم يعرفوا ما بيّن وقال ، وبهتوا في النور عن الضلال والاستظلال .
فقال كما قال عنه سلام الله عليه : " إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً "  .
قال رضي الله عنه : « وذكر عن قومه أنّهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته  .
قال العبد : فلمّا لم يفهموا عنه لسانه ، ولكنّهم علموا من حيث لا يشعرون شأنه ، عدل نوح عنهم إلى ربّه ،.

فقال بلسان سرّه وقلبه : " إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي " ليالي الغيب وهم في غيبة عن عينهم العينيّ ، وحضور من شهود نورك العيني الغيبيّ ، فلم يجيبوا إلى عبادة وحدانيتك ، وهاموا في كثرة تنوّعات تجلَّيات نورانيتك ، في ملابس حجب ظلمانيّتك ، واشتغلوا بنادية ما استعلوا بعباداتهم من الصور الأسمائية التعيينيّة ، وحجابيّات الكثرة الصنميّة من عزّاهم ولاتهم .
"ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً" في عالم الشهادة إلى شهود الوحدانية نهارا ، والأحدية الجمعية عنهم مستورة سترا لا يقبل الشهود والظهور بالنسبة إلى أن استغرقوا في شهود الكثرة والعدد ، واستهلاك أحدية نور التجلَّي في ظلمة ما يتعدّد ، فلم يصدّقوا حجّتي ، وصرفوا عن قصد محجّتي ، ولم يجيبوا إلى دعوتي " فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " وأخذ بأسماعهم صمم الصلابة والغشاوة عن استماع ندائي ودعوتي ، وعقل ألسنة عقولهم عن الإقرار والإجابة لدعوتي ، ما سمعوا من الكلام الجهر الذاتي الإلهي بلا واسطة ثبوتي .
" وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ " ذنوبهم في عصيانهم وطغيانهم ، " جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ " وهي صور نعمك الجزوية الوجودية ، وأيادي أسمائك الفرعية الشهودية ، ومواهبك التفصيلية الجودية ، في محالّ استمتاع ما أدعوهم إليه من نعم المعاني الأحدية الجمعية وتظاهروا بملابس نعم الجود ، الظاهر الموجود " وَاسْتَغْشَوْا " خلع الكشف الحجابي والشهود ، واحتجّوا فيما احتجبوا من الحجاب ، واستغشوا ظاهرا بصور الثياب بأنّهم مغمورون بنور التجلَّي ، ومعمورون بما يتمكَّن لهم من التمتّع والتملَّي ، " وَأَصَرُّوا " على إلهتهم ، وصبروا على آلهتهم " وَاسْتَكْبَرُوا " في أنفسهم بما عندهم منك "اسْتِكْباراً " واستكثروا من الإفك استكثارا " وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا " ولا تدعنّ على ما تدعون ، وتدعون لود ودّا ، ولا يسوغ لكم أن تسعوا في ترك سواع ، وإلَّا فأنتم في خسار وضياع ، ولا يغوثكم يغوث .
و لا يعوقكم عن مطالبكم يعوق ، ولا يسرّكم من نسر يمن ويسر ، وإنّكم إن أجبتموه إلى ما يدعوكم  إليه من التنزيه والتوحيد ، لوجب عليكم القيام بموجب التقليد ، والقعود على قواعد التقييد ، وقبول الإقبال على التوحيد ، والإعراض عن القول بالكثرة والتعديد .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قوله رضي الله عنه : ( قال الله تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ "  فنزه ) علم أن الكاف زائدة للتأكيد أي مثله شيء أصلا بوجه من الوجوه ، ومعنى التأكيد أن المراد بالمثل من يتصف بصفاته ، كقولك :
مثلك لا يفعل كذا ، أي من يتصف بمثل صفاتك من غير قصد إلى مثل بل من يناسبك في الصفات ، وإذا انتفى عمن يناسبه كان أبلغ في الانتفاء ، فيرجع معناه إلى قولك أنت لا تفعل كذا لاتصافك بصفات تأبى ذلك ( " وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  فشبه ) لأن الخلق سميع بصير .
( قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ "  فشبه وثنى ) على أن الكاف ليست بزائدة والمثل النظير فنفى مثل المثل وأثبت المثل فشبهه به وقال بالتشبيه إن المثل آخر يماثله ( " وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزه وأفرد ) إذ تقديم الضمير وتعريف الخبر يفيد الحصر أي وحده السميع البصير دون غيره ، يعنى لا سميع ولا بصير إلا هو ، فنزه عن المثل وأفرد فشبه في عين التنزيه ونزه في عين التشبيه ليعلم أن الحق هو الجمع بينهما .
قوله رضي الله عنه : ( ولو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه ) معناه أن نوحا عليه السلام بالغ في التنزيه لإفراطهم في التشبيه ، وهم أثبتوا التعدد الأسمائى واحتجبوا بالكثرة عن الوحدة فلو لم يؤاخذهم بالتوحيد الصرف والتنزيه المحض وأثبت التعدد الأسمائى ودعاهم إلى الكثير الواحد والكثرة الواحدة .
وألبس الوحدة صورة الكثرة وجمع بين الدعوة التشبيهية والتنزيهية كما فعل محمد عليه الصلاة والسلام لأجابوه بما ناسب التشبيه من ظواهرهم لألفتهم مع الشرك وبما ناسب التنزيه من بواطنهم ، ولكن اقتضى حالهم من التعمق في الشرك القهر بالغيرة الإلهية ، فلم يرسل إليهم إلا ليباريهم ولا يداريهم ( فدعاهم جهارا ) إلى الاسم الظاهر وأحديته القامعة لكثرات الأسماء الداخلة تحته .
فلم يجيبوه بظواهرهم لغلبة أحكام الكثرة عليهم وإصرارهم بها (ثم دعاهم إسرارا ) إلى اسمه الباطن وأحديته الغامرة لكثرات الأسماء المنسوبة إليه ، لعل أرواحهم تقبل دعوتهم بالنور الاستعدادي الأصلي .
فلم يرفعوا بذلك رأسا لتوغلهم في الميل إلى الكثرة الظاهرة وبعدهم عن الوحدة الباطنة ، واستيلاء أحكام التعينات المظلمة الجرمانية عليها (ثم قال لهم : " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " ) الواحد ليستركم بنوره عن هذه الحجب الظلمانية والهيئات الفاسقة ( "إِنَّه كانَ غَفَّاراً " ) كثير الستر لهذه الذنوب المربوطة .
وشكا إلى ربه لبعدهم عن التوحيد ومنافاتهم عن حاله ( وقال " دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا " ) إلى الباطن ( "ونَهاراً " ) إلى الظاهر ( " فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " ) لبعدهم عن التوحيد ونفارهم عما فيه ( وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته ) لأنهم فهموا بحكم ما غلب عليهم من الاحتجاب بالكثرة من الاستغفار الستر عما لا يوافقهم وينافي مقامهم وحالهم ودينهم من التوحيد الذي يدعوهم إليه ( لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته ) أي لما علموا بحسب اقتضاء حالهم ومقامهم أن إجابة دعوته في مقام التقييد الأسمائى . إنما يجب على هذه الصورة

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:53 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 17:42 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة الجزء الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة : الجزء الثانية
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فنزه، "وهو السميع البصير" فشبه.
قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وثنى، "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد).
اعلم، أن (الكاف) تارة تؤخذ زائدة، وأخرى غير زائدة. فعلى الأول معناه التنزيه، لأنه نفى أن يماثله شيء بوجه من الوجوه، وقوله: (وهو السميع البصير) تشبيه، لأنهمايطلقان عليه تعالى وعلى غيره من العباد. وعلى الثاني معناه: ليس مثل مثله شيء. فشبه بالمثل في نفى المثل عن المثل، وثنى أيضا بإثبات المثل.
ونزه بقوله: (وهو السميع البصير). فإن السمع والبصر في الحقيقة لله لا لغيره. وفي علم الفصاحة والبلاغة مبين أن الضمير إذا قدم وخبره معرف باللام، يفيد الحصر.
كقولك: فلان هو الرجل. أي، الرجولية منحصرة فيه وليست لغيره. كذلك هاهنا.
أي، هو السميع البصير لا غيره. فيفيد حصرهما فيه، وهو الإفراد والتنزيه عن النقصان، وهو عدم السمع والبصر. وإنما جعل السمع والبصر في الأولتشبيها وفي الثاني تنزيها، ليجمع بين التنزيه والتشبيه، وهو مقام الكمال.
ولما كان السمع والبصر راجعين إلى الحق في مقام الجمع، قال: (وأفرد) ولم يقل: ووحد. تنبيها على أن فردانيته لا يكون إلا في عين الكثرة، لأن الفردية يشتملعليها ضرورة لكونه عددا، والوحدانية تقابلها .
(فلو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، فدعاهم جهارا، ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا).
وقال: (دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا). ولما كانت هذه الحكمة في كلمة نوح ومرتبته، قال: إنه، عليه السلام، لو كان يجمع بين الدعوتين، أي لو كان يجمع في دعوته بين التشبيه والتنزيه كما جمع في القرآن بينهما، لأجابوه، لأنه لو أتى بالتشبيه، لحصلت المناسبة بينه وبينهم من حيث التشبيه، إذ كانوا مثبتين لأصنامهم الصفات الكمالية، لذلك قالوا: (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). فجعلوهم من المقربين عند الله والمقربين لغيرهم، وأثبتوا لهم الشفاعة كما قالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله).
والتقرب من الله والشفاعة عنده لا يكون إلالمن له الصفات الكمالية. فلو أتى بالتشبيه لصدقوه وقبلوا كلامه أيضا في التنزيه.
ولكن دعاهم جهارا، أي، ظاهرا إلى الظاهر المطلق من حيث صورهم و ظواهرهم ليعبدوا الله بظواهرهم بالعبادات البدنية والإتيان بالأعمال الحسية.
ثم دعاهم إسرارا، أي، باطنا إلى الباطن المطلق من حيث عقولهم وروحانيتها ليعبدوا الباطن المطلق عبادة الملأ الأعلى والملائكة المقربين. فلما لم يقبلوا دعوته،لرسوخ المحبة للمظاهر الجزئية التي هي معبوداتهم في قلوبهم وبواطنهم، قال:
(استغفروا ربكم إنه كان غفارا). أي، اطلبوا منه سر وجوداتكم و ذواتكم وصفاتكم بوجوده وذاته وصفاته. فنفرت بواطنهم منه، لأن الأنفس مجبولة على محبة أعيانها، أو لعدم قدرتهم بأنفسهم على ذلك. فلما رأى النفور عنهم، قال:
(إني دعوت قومي ليلا ونهارا). أي، في العلانية. أو ليلا، في الباطن والغيب بالدعوة الروحانية، ونهارا، أي في الشهادة والظاهر بالدعوة الحاصلة بالقوى الجسمانية.
(فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) من قبول الوحدة وشهود الحق المطلق الظاهر بصور الكثرة.
(وذكر نوح عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابةدعوته) أي، لما علموا أن إجابة دعوته واجبة عليهم، تصامموا وسدوا أسماع قلوبهم بعدم القبول لقوله.
كما قال: و (جعلوا أصابعهم في آذانهم.)

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «وهو السميع البصير» فنزه وأفرد.)
ثم استدل على أن كمال المعرفة في الجمع بين التنزيه والتشبيه مع أخذ كل منهما في الأخر؛ فقال: (قال تعالى: " ليس كمثله شيء" [الشورى:11]، فنزه)؛ لأنه نفي مثل المثل وإلا كان مثلا لمثله فلا يصح نفي مثل المثل مع تحقق المثل "وهو السميع البصير" [ الشورى:11]، (فشبه) بإثبات السمع والبصر له المناسبين لسمعنا وبصرنا من وجه فدل أول الآية على التنزيه وآخرها على التشبيه.
ثم أشار إلى أن عکس هذا أيضا مدلول الآية ليدل على أن كلا منهما في الآخر لا يفارقه؛ فقال: (قال تعالى: "ليس کمثله شيء [الشورى:11]، فشبه) بنفي مثل المثل بطريق دلالة المطابقة فدل على إثبات المثل، وهو صورته الظاهرة في المظاهر مع نفي المثل عنها بمعنى: أنه لا يماثلها صورة أخرى من كل وجه؛ لعدم تكرر التجليات مع عدم تناهيها، (وثنى) بجعل صورته الظاهرة مثلا له أي: مناسبا له لا متحدا معه بالنوع، فإنه محال (وهو السميع البصير [الإسراء: 1]، فنزه) بصيغة الحصر الدال على نفي السمع والبصر عن غيره.
(وأفرد) بأن كل سمع وبصر في الحقيقة راجع إلى سمعه وبصره؛ فسمع الحوادث وبصرها كصور المرآة لا حقيقة لها سوى ذي الصورة ففهم كل من التنزيه والتشبيه ، مما فهم منه الأخر بعد فهم كل منهما على حدة.
قال رضي الله عنه : (لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
ثم أشار إلى أن أحدية الجمع والفرق بين التنزيه والتشبيه مخصوصة بالكمال المحمدي لم تكن في دعوة نوح عليه السلام, بل كان في دعوته التفرقة لفظا بإيراد كل منهما في ألفاظ مختلفة .
فقال: (لو أن نواحا جمع لقومه بين الدعوتين) التنزيه والتشبيه في لفظ واحد (لأجابوه)؛ لأنها بقوة نوريتها كانت تجذب أرواحهم عن متابعة النفوس برفع الحجب الظلمانية عنها إلى ما فاضت هي منه فتتبعها النفوس.
لكن غلب عليهم ظلمة نفوسهم عند كون دعوته تفريقيا في اللفظ فجذبتهم ظلمتها إلى السفل الذي هو مقرها. (فدعاهم جهارا) من حيث التشبيه لما فيه من مناسبتهم على ما هو عادة المناظرين في إرخاء العنان مع الخصوم في بعض المقدمات هي ليستدرجوهم بذلك إلى مطالبهم، (ثم دعاهم إسرارا) من حيث التنزيه لما رآهم يصرون على الكفر عند الدعوة التشبيهية.
(ثم قال: "فقلت استغفروا ربكم" [نوح:10])، أي: اطلبوا منه ستر ظلمات نفوسكم ("إنه كان غفارا" [نوح:10])، إن طلبتم منه ذلك ليتيسر لأرواحكم الصعود إلى ما فاضت هي منه.
ثم أشار إلى تفرقة أخرى في دعوته بين الظاهر والباطن؛ فقال: (وقال: "قال رب إني دعوت قومي ليلا" [نوح: 5])، أي: إلى الباطن من حيث ظهوره في العقول والأرواح
("ونهار" [نوح: 5])، أي: إلى الظاهر من حيث ظهوره في صورهم وجثثهم ("فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" [نوح: 6])، عن الله إلى نفوسهم المظلمة لعجزهم عن رؤية الجمعية الإلهية في صورة التفرقة التي كانت في هذه الدعوة بحسب اللفظ، ولكنها لما كانت جمعية بحسب الحقيقة، أثرت في أرواحهم فأفادتهم من المعرفة ما علموا به، وجوب إجابة دعوته كما أشار إليه بقوله: (وذكر) نوح (عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته)؛ لاشتمالها على الجمع بين التنزيه والتشبيه في الحقيقة، وإن كانا على سبيل التفرقة في اللفظ، وإذا كانت دعوة جمعيته في الحقيقة تفريقية في اللفظ كانت مؤثرة في التفريق من وجه، والتغير من آخر.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
ثمّ لما أشار إلى أن الجامع هو الإمام السيّد ، بيّن ذلك بقوله : ( وقال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه ) بناء على ما تقرّر في فنون البلاغة أنّ انتفاء أمر عمّا يماثل الشيء يدلّ على انتفائه عنه بأبلغ وجه وأتمّ قصد ، كما يقال للجواد : « مثلك لا يبخل » لا على أنّ الكاف زائدة ، فإنّ أصول التحقيق يأبى ذلك   .
قال الشيخ رضي الله عنه : (" وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فشبّه) لأنّه من أوصاف العبد ، وهذا هو الجمع بين التنزيه والتشبيه على ما أشار إليه .
ولمّا كان مقتضى الكلمة المحمّديّة والقرآن الختمي أعلى من ذلك وهو التشبيه في عين التنزيه  ، والتنزيه في عين التشبيه قال : ( قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِشَيْءٌ " فشبّه وثنّى ) إشارة إلى ذلك ، وذلك لأنّ النفي إذا كان متوجّها إلى مثل مثله ، يدلّ على ثبوت المثل بالضرورة وعلى ثنويّة الموجود ، ويلزمه التشبيه في عين التنزيه ، والكثرة في نفس الوحدة .
وأمّا عكسه فيستفاد من قوله : ( " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزّه وأفرد ) وذلك من الحصر الدالّ عليه بخصوصيّة تركيبه ، وبديع نظمه وترتيبه .
فلئن قيل : أما صرح في نظمه أنّ الجمع بين التثنية والتشبيه ، والإفراد والتنزيه ممّا يحترز عنه في الاعتقاد ؟
قلنا : إنّه من خصائص القرآن الختميّ والاعتدال الحقيقيّ الجمعيّ أنّه قد التئمت الأضداد لديه وتعانقت فيه ، حيث لا يبقى للغير والسوي هناك عين ولا أثر ، كما قيل   :
تعانقت الأطراف عندي وانطوى   .... بساط السوي عدلا بحكم السويّة
فتأمّل .
ثمّ إنّ الإنسان من حيث هو هو إنّما يقتضي بحسب قبوله الذاتي هذا النوع من الكمال ، ولما كان زمان بعثة نوح عليه السّلام ما كان أوان ظهور ذلك الكمال ، بل حكم قهرمان الأمر فيه اختفاؤه ، ما أجاب قوم نوح له ( ولو أنّ نوحا جمع لقومه بين الدعوتين ) على ما هو مقتضى قابليّتهم الأصليّة ( لأجابوه ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فدعاهم " جِهاراً " ) [ 71 / 8 ] في مظاهر الصور ومواطن التشبيه تنزّلا إلى درك إدراكهم (ثمّ دعاهم ) بكلمته المبعوثة في زمانهم على لسانهم ( " إِسْراراً " ) [ 71 / 9 ] في مكامن المعاني ومسالك التنزيه ، تسليكا لهم إلى مراقي كمال حقيقتهم .
ثمّ إنّه لما شاهد منهم التصامم والتقاعد عن دعوته إيّاهم ، وعرف ممّا نوّر عليه من مشكاة نبوّته أنّهم إنّما عملوا ذلك لما في قوّة قابليّتهم من طلب القرآن الكماليّ الذي هو غاية حقيقتهم النوعيّة ، وعرف أيضا أنّ كلمته النوحيّة المبعوثة في زمانه ذلك على ألسنة قومه إنّما يفصح عن التنزيه الفرقاني ، وذلك هو الذي عليه كلمتهم ولسانهم في زمانهم .
فاقتضى ذلك أن يعتذر عن نفسه فيما صدر عنه من الإخفاء والفرقان ، فأشار إلى ذلك الاعتذار المترتّب على عرفانه بما رأى منهم بقوله : ( ثمّ قال لهم " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه ُ كانَ غَفَّاراً " ) [ 71 / 10 ] أي أمرهم بالستر لربّهم في صور الشعائر الشرعيّة ، إنّه قد بالغ في ستره نفسه ، على ما هو مقتضى بعثته ومؤدّى رسالته ونبوته .
ثمّ لمّا بلَّغ ما كان له أن يعبّر عنه لسان رسالته وما أنزل إليه أن يعلَّمهم به ويوقفهم عليه ، وشاهد منهم ما شاهد من النفار والفرار ، جاء يعرض ذلك أداء لحق التبليغ .
فلئن قيل : إذا كان نوح عارفا بالأمر على ما هو عليه من مشكاة نبوّته .
وعلم أنّ عدم إجابتهم دعوته إنّما هو لما في جبلَّتهم من طلب القرآن الكماليّ الجمعيّ ، وكان الأنبياء مبعوثين لتكميل أممهم ، فما سبب توقّفه في إبلاغهم القرآن الكمالي مع طلبهم إيّاه ؟
قلنا : إنّ الأمم وإن كان متوجّه طلبهم الأصليّ ذلك الكمال القرآنيّ .
ولكن لهم بحسب نشأتهم الطارية على أصلهم ألسنة بها يتدرّجون إلى مراقي فهمه ،والأنبياء مبعوثون بحسب تلك الألسنة ، فإنّ كل نبيّ إنّما أرسل بلسان قومه.
ولذلك وقف نوح موقف الاعتذار عن قومه ( و" قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " ) [ 71 / 6 ] ، أي ما رضوا بذلك ولا قنعوا بما بلَّغتهم من الدعوة الفرقانيّة ، لما في جبلَّتهم من الأهليّة للجمعيّة القرآنيّة الكماليّة ، بحسب قابليّتهم الأصليّة .
وإذ قد علم أنّ مقتضى تبليغه ومؤدّى أحكام رسالته إنّما هو الستر ، وما صدر عن قومه من الفرار عن دعوته وعدم السماع لها كلَّه يستلزم ذلك .
فهم أجابوه فعلا في صورة الإباء والإعراض ، أظهر ذلك أيضا ( وذكر عن قومه أنّهم تصامموا عن دعوته ، لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته ) أي هم علموا بحسب استعدادهم الأصلي أنّ الذي يجب عليهم في هذه الدعوة ، هو هذا النوع من الإجابة ، وهو الذي في صورة الإباء ، حتّى يعلم أنّهم ما قنعوا بهذا القدر من العرفان ، ولهم استيهال ما وراء ذلك من الكمالات المدّخرة لنوعهم .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : "و قال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثني، «وهو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه : فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».  وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته. فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من إجابة دعوته. " 
قال رضي الله عنه : (قال: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] فنزه) . على أن تكون
وقال رضي الله عنه: ("وهو السميع البصير" فشبه) بإثبات السمع والبصر له كما أنهما ثابتان للخلق فيكون تشبيها. (قال تعالى: "ليس كمثله  شيء" فشبه وثنى)، أي حكم بالاثنينية على أن تكون الكاف غير زائدة فيفيد إثبات المثل وتثنية الحق به .
وقال : ("وهو السميع البصير" فنزه)، حيث حصر السمع والبصر فيه فلا تشابهه الخلق فيهما (وأفرد)، أي حكم بتفرده بهما (فلو أن نوحا) عليه السلام (جمع لقومه بین الدعوتين) دعوتي التنزيه والتشبيه كما في هذه الآية ولم يقتصر على الدعوة إلى التنزيه الصرف أو التشبيه الصرف (لأجابوه) لمناسبة بواطنهم التنزيه وظواهرهم التشبيه .
لكنه لم يجمع بينهما بل فرق (فدعاهم جهارا) إلى الاسم الظاهر والتشبيه (ثم دعاهم أسرار) إلى الاسم الباطن والتنزيه فلم يجيبوه لما سيشير إليه الشيخ رضي الله عنه .
(ثم قال : "استغفروا ربكم") ، أي اطلبوا منه ستر وجوداتكم وذواتكم وصفاتكم
بوجوده وذاته وصفاته ("إنه كان غفارا") [نوح : 10]. كثير الستر لهذه الذنوب وشكى الى ربه ("قال رب إني دعوت قومي ليلا") من حيث حقائقهم الباطنة إلى التنزيه ( "ونهارا" ) [نوح :5] من حيث حقائقهم الظاهرة إلى التشبيه ("فلم  يزدهم دعائي إلا فرارا" ) [نوح: 6] ويفروا مما دعوتهم إليه.
(وذكر) نوح عليه السلام عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته إلى التنزيه حيث جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم (لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته) فتصامموا عنها لئلا يجب عليهم إجابتها.
وكان هذا العلم حاصلا لهم بحسب فطرتهم الأصلية وإن لم يعملوا بما اقتضاه لغلبة الظلمة الحجابية عليهم .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:39 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 17:44 من طرف عبدالله المسافر

الفقرة التاسعة الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة التاسعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة،بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : "فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية."
قال رضي الله عنه :(فعلم العلماء بالله تعالی) من أهل المعارف الإلهية والحقائق الربانية (ما أن إليه نوح عليه السلام) في ضمن عبارته (في حق قومه) الكافرين به (من الثناء عليهم)، أي مدحهم بإجابة دعوته أرواحا وإن خالفوه أشباحا.
وإن كانوا إنما مكلفون من حيث الأشباح لا من حيث الأرواح، ولهذا كانت العبارة بالذم للظ والإشارة بالمدح للباطن، والتكليف إنما هو بحسب الظاهر والباطن (بلسان الذم هو الظاهر بالنسبة إلى ما هو الظاهر لهم منهم لا بالنسبة إلى ما هو الباطن منهم عنده فإنه ممدوح لا مذموم.
فإن الجميع صادرون عن الحق تعالى، فكلهم کاملون کامل، ولا فرق بينهم من هذه الجهة كما قال تعالى : "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" [الملك: 3]، وإنما التفاوت بينهم بما وضعه فيهم من علمهم بأنفسهم وبغيرهم، فالكامل كامل في نفسه وفي رؤيته لنفسه ولغيره، والقاصر کامل في نفسه قاصر في رؤيته لنفسه ولغيره.
وكل واحد منهما قسمان:
فالأول عارف بأنه كامل في نفسه وفي رؤيته وغير عارف بذلك.
والثاني كذلك عارف بأنه كامل في نفسه قاصر في رؤيته وغير عارف بذلك.
ويخرج من هذا الثاني قسم ثالث غير عارف بأنه کامل في نفسه وعارف بأنه قاصر في رؤيته.
والكامل الحقيقي في نفس الأمر والكمال الشرعي في رؤية النفس والغير، وهو المطلوب ببعثة الرسل وإنزال الكتب.
إذ الأول لا دخل للتكليف به لأنه مما يلي الحق تعالى وهذا مما يلي العبد، وما يلي الحق للحق وما يلي العبد للعبد
وعلم نوح عليه السلام (أنهم)، أي قومه (إنما لم يجيبوا دعوته إلى توحيد الله تعالى، لأنه كامل وعارف بأنه كامل، والكامل عارف بمرتبتي الظهور والبطون لما فيها)، أي في دعوته (من الفرقان).
أي التمييز بين مرتبة الظهور ومرتبة البطون الكمال التفصيل بالتنزيه فقط والتشبيه فقط (والأمر) الإلهي الواحد (قرآن)، أي جمع للمرتبتين وإجمال في عين التفصيل بالتنزيه والتشبيه معا (لا فرقان) بالتمييز في كل مرتبة على حدة.
(ومن أقيم)، أي أقامه تعالی بجعله يشهد ذلك ولو بالروح دون : النفس (في) مقام (القرآن) الجامع (لا يصغي) إلى من دعاه (إلى) مقام (الفرقان) الفارق الذي يظهر فيه الكامل بصورة القاصر.
والكل في هيئة البعض كما إذا انقسم قلب الرضى بإزاء كل ذرة من أجزاء حجرها الدائر على ذلك القلب، فإنه كله بتمامه ماسك لكل جزء في الاستدارة على طريقة موزونة، فهو للکل قرآن ولكل ذرة فرقان ، ومن شهده قرآنا لا يرضى أن يشهده فرقانا (وإن كان)، أي الفرقان (فيه)، أي في القرآن، لأنه عينه إذ التفصيل في الإجمال.
(فإن القرآن)، أي الإجمال والكل (يتضمن الفرقان)، أي التفصيل وكل جزء (والفرقان) الذي هو التفصيل وكل جزء (لا يتضمن القرآن) الذي هو الإجمال والكل والمراد من حيث هو فرقان وتفصيل باعتبار صور ما تفصل إليها، وإلا فإن اعتبرت حقائق ما تفصل إليها.
فالقرآن في كل ما تفصل إليه الفرقان، وهو من هذه الجهة .و قرآن لا فرقان (ولهذا)، أي لكون القرآن جامعة للفرقان دون العكس (ما اختص بالقرآن إلا محمد ) دون غيره من المرسلین علیهم السلام (و) اختصت به أيضا هذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران : 110].
بإخبار الله تعالی عنها بذلك بقوله تعالى : "كنتم خير أمة أخرجت للناس" الآية دون غيرهم من الأمم فإنهم مأمورون بشهود الفرقان كما جائتهم بذلك أنبياؤهم.
فمأمور کل شاهد بترك ما شهده من حيث مغایرته للمشهود الآخر.
وهذه الأمة مأمورة بشهود الفرقان ، فمأمور کل شاهد منهم بإضافة المشهود الآخر إلى مشهوده الأول، فديننا اليسر ودينهم العسر، وعليهم التشديد وعلينا التخفيف .
(فليس كمثله)، أي ليس مثل أمره الظاهر بصورة كل شيء من محسوس أو معقول (شيء) إذ كل شيء تفصيل لأمره المجمل في حضرة على حدة (فجمع) سبحانه وتعالى الأمر كله (في أمر واحد) فمن كان في بعضه لا يترك ما هو فيه بل لا يقتصر على ما هو عليه ويضم إليه غيره ليكمل من قصوره ويتحقق بحقيقة ظهوره في مطالع نوره (فلو أن نوحا) عليه السلام (يأتي) إلى قومه (بمثل هذه الآية) الجامعة بين التنزيه والتشبيه معا (لفظ)، لأنه جاء بمثل ذلك معنى إذ الحق واحد والمرسلون كلهم مجمعون عليه من حيث الإيمان ولكن عباراتهم مختلفة (أجابوه) من غير تردد الما دعاهم إليه (فإنه)، أي من جاء بمثل هذه الآية وهو محمد صلى الله عليه وسلم (شبه) الله تعالی بإثبات المثل له (ونزه) الله تعالی بنفي المثل عن مثله فكيف عنه (في آية واحدة بل في نصف آية) إذ بقية الآية "وهو السميع البصير" [الشورى: 11].


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : (فعلم العلماء بالله تعالی ما أشار إليه نوح عليه السلام في من قومه من الثناء عليهم بلسان الذم) أي كل واحد من العلماء من أي أمم كانوا ممن سمع كلام نوح عليه السلام من أي لسان كان علموا من وجوه نظم كلامه .
فإن هذا الثناء دعاء عليه في حق بعضهم بالمفهوم ودعاء له في بعضهم بالإشارة كما سنذكره.
(وعلموا) أي العلماء بالله تعالى أضمر الفاعل للعلم به (أنهم إنما لم يجيبوا دعوته) بالقول (لما فيها من الفرقان) بين التشبيه والتنزيه (والأمر) أي الدعوة الموجبة للإجابة (قرآن) أي جمع بين التنزيه والتشبيه (لا فرقان ومن أقيم) من الله تعالی
(في القرآن) أي في مقام الجمع الأسمائي کنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (لا يصغي) أي لا يميل في دعوة أمنه (إلى الفرقان) .
أي إلى القوم الذي لا جمع فيه أي لا يدعو أمنه إلا بالجمع بين التنزيه والتشبيه لأجل عدم إقامة نوح عليه السلام في القرآن أي في الجمع الاسماني لا يدعو قومه به بل بالقول الفرقاني (وإن كان فيه).
أي وإن الفرقان في القرآن (فإن القرآن يتضمن الفرقان) لكون الفرقان جزءا من القرآن (والفرقان لا يتضمن القرآن) لوجود الجزء بدون الكل والمراد من القرآن والفرقان أعم من أن يكون تولية أو مقامية فإن مرتبة محمد عليه السلام قرآني متضمن أي جامع لجميع المراتب الفرقانية من الأنبياء وغيرهم .
كما أن القرآن القولي متضمن لجميع الفرقان القوني من الكتب المنزلة (ولهذا) أي ولكون القرآن يتضمن الفرقان (ما اختص بالقرآن إلا محمد عليه السلام) لكونه متضمنا لجميع الفرقان المرتبي فما أنزل الله تعالى القرآن إلا إلى القرآن .
(وهذه الأمة التي من خير أمة أخرجت للناس) أي اصطفيت وفضلت بأن يكونوا أمة لهذا النبي لقربهم إليه في المرتبة القرآنية (فليس كمثله شيء فجمع) محمد عليه السلام (الأمر) أي التنزيه والتشبيه (في أمر واحد) أي في كلام واحد .
(فلو أن نوحا أنه بمثل هذه الآية لفظة أجابوه) لفظا (فإنه) أي النبي عليه السلام (شبه ونزه في آية واحدة) وهي قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ". سورة الشورى : 11.
(بل) شبه ونزه (في نصف آية) وهو ليس كمثله شيء. لذلك قبل دعوته وكثر أمته يوما فيوما إلى يوم القيامة .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.
ولهذا ما يختص بالقرآن إلا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس" (آل عمران: 110).
فـ "لیس كمثله شیء" فجمع الأمرين في أمر واحد.
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
و نوح، عليه السلام، دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل "ليس كمثله شيء" فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إذ دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم، لذلك "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" (نوح: 7) وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي "ليس كمثله شیء" إثبات المثل و نفيه، وبهذا قال عن نفسه، صلى الله عليه وسلم، إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم، قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.
قلت: قوله،"ليس كمثله شيء" فنزه هنا وجعل الكاف زائدة فافهم.
وقوله: "وهو السميع البصير" (الشورى: 11) شبه، لأنه وصف الحق تعالی بالسمع والبصر وهي قد يطلق على العين والأذن.
قوله: قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وهنا جعل الكاف زائدة، فكأنه قال: ليس مثل مثله شيء فأثبت له مثلا لا يشبه ذلك المثل شيء .
ولذلك قال: وثني قوله: "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد هنا حمل السمع والبصر على معاني أسمائه تعالى، فالسمع والبصر هنا لا يطلق على الأذن والعين بل على معاني الأسماء الإلهية.
ولذلك قال: و افرد و بالإفراد يقع التنزيه فلذلك قال فنزه وافرد.
قولهولو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، يعني أن محمدا رسول الله جاء بالدعوتين: التنزيه والتشبيه، وهذا مبني على ما قرر من مفهوم قوله تعالى: "ليس كمثله شيء " فإنه عين حمل الآية على الأمرين معا، فجمع نبينا، عليه الصلاة والسلام، في دعوته.
وأما نوح، عليه السلام، فذكر رضي الله عنه : أنه ما جمع لهم وسنبين كيف ذلك .
وهو قوله:  فدعاهم جهارا، أي إلى التشبيه الذي تقدم ذكره لأنه الظاهر فناسب أن يقال في الدعاء إليه جهارا.
قال:  ثم دعاهم أسرارا، أي إلى حضرة التنزيه الذي تقدم ذكره أيضا لأنه الباطن فناسب أن يقال في الدعاء إليه أسرارا.
ثم قال لهم نوح: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" فخاطبهم بما لا يناسب حالهم وإلى هذا أشار، رضي الله عنه: والذي لا يناسب حالهم هو كونه فرق الدعوة فدعا مرة إلى اسمه الظاهر، تعالى، ومرة إلى اسمه الباطن، تعالى.
فلما لم يجيبوه وصف حالهم معه وحاله معهم، فقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا" (نوح: 5) . أي ظاهرا مرة وهو قوله: نهارا وباطنا مرة وهو قوله: لیلا أي إلى الاسم الظاهر مرة وإلى الاسم الباطن مرة "فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 6).
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته بكونهم جعلوا أصابعهم في آذانهم.
قال وإنما تصامموا عن دعوته، لأنهم علموا ما يجب عليهم إن هم سمعوها أي يتعين عليهم الطاعة، فسدوا آذانهم عن سماع دعوته حتى لا يقع عليهم لسان الذم.
قال: فعلم العلماء ما أشار إليه نوح، عليه السلام، من الثناء عليهم بلسان الذم، يعني أنه عذرهم وعلم أن مستندهم في سد آذانهم عن سماع دعوته أنه صحيح.
فكأنه قال: إنهم فعلوا ما يجب عليهم فعله ولم يدخلوا تحت ما يجب عليهم ما لا يلزمهم من اجابة دعوته المفترقة الجهات، وهذا الكلام صعب.
قال: لأنهم كانوا أهل قرآن وهو إنما أتاهم بالفرقان فلا جرم ما أجابوه.
وقول الشيخ، رضي الله عنه: فإن الأمر قرآن لا فرقان، يعني أن الحق هو الجمع بين الظاهر والباطن في الدعوة إلى التنزيه والتشبيه، والمراد هنا بالقرآن الجمع، لأنه مشتق من المصدر الذي اشتق منه قولك: قرأت الماء في الحوض إذا جمعته، فكأنه قال: الأمر جمع لا فرقان ، إذا كان الفرقان هو ضد الجمع وهو مثل فرق يفرق فرقا وفرقانا.
فقال الشيخ، رضي الله عنه: الأمر الإلهي قرآن لا فرقان ثم أخذ في تعريفنا مرتبة كل واحد من الاسمين المذكورين.
قال: ومن أقيم في القرآن وهو حضرة التوحيد لا يصغي إلى من دعاه إلى الفرق وإن كان الفرق في الجمع.
فلذلك قال رضي الله عنه: وإن كان فيه فإن القرآن يتضمن الفرقان بمعنى أن تفصيل الوحدانية هو بالأحدية وفي ضمنها وفي التفصيل يظهر الفرقان لكن يرجع بالأحدية كما ذكرنا، وأما الفرقان فلا يتضمن القرآن، لأن الفرقان صفة مسلوب عن موجب، والايجاب والسلب لا يجتمعان في الأقوال والأضداد لا تجتمع في الموصوفات ، إذا تحقق التناقض والتضاد.
قال: فالجمع اختص بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس" (آل عمران: 110) في «ليس كمثله شيء" فجمع الأمر في أمر وأحد، يعني أن قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" هو جامع المعنيين:
أحدهما أن يكون الكاف زايدة وهو معنی التنزيه
والثاني أن يكون الكاف غير زائدة ، وهو معنى التشبيه والكلمة واحدة، فاجتمع فيها الأمران كما هو الأمر في نفسه مجموعا في نشأة الإنسان الكامل.
قال: فلو أن نوحا أتي بمثل هذه الآية أجابوه أي يجمع الأمر في كلمة واحدة.
قوله: فإنه شبه ونزه في نصف آية، قلت: يعني قوله: "ليس كمثله شئ" .
قوله: ونوح دعا قومه إلى قوله: لیلا في نهار ونهارا في ليل، قلت: هذا الكلام ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال الشيخ سلام الله عليه : « فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذمّ وعلم أنّهم إنّما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان ، والأمر قرآن لا فرقان ، ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه ، فإن القرآن يتضمّن الفرقان والفرقان لا يتضمّن القرآن » .
قال العبد : علم المحقّقون من هذه الإشارات أنّ قوم نوح إنّما أجابوا لما دعاهم إليه في صورة الإعراض ، وأقرّوا بعين ما ادّعاه في ملابس الإنكار بنوع من الإشارة والإيماض ، وذلك لأنّه دعاهم إلى الاستغفار وهو طلب الغفر فتظاهروا بالاستتار عن تجلَّي الواحد القهّار ، في العكوف على عبادة حجابيّات الأغيار ، ممّا يحبّق من الخشب والأحجار ، فأجابوه بالفعل إلى ما دعاهم من الاستغفار ، فأثنى عليهم نوح عليه السّلام كذلك في صورة الذمّ .
كما ظهروا بصورة الجهل فيما عندهم من العلم لأنّ دعوته لهم كانت إلى التوحيد وتنزيه التجريد ، وذلك تمييز وتقييد ، وفرقان بيّن بين السادات والعبيد ، والضالّ والرشيد ، والغاوي والسديد ، والمقرّ المريد ، والمنكر المريد ، وأنّ سوس الأمر وأساسه على الجمع والقرآن ، ليس على الصدع والفرقان ، لأنّ الوحدة كما عرفت تضادّ الكثرة والتوحيد ينافي التعديد ويحادّ أمره ، والحق سبحانه وتعالى كما لا ضدّ له في ذاته .
فكذلك لا ضدّ له في صفاته ، فهذه الوحدة التي تقابل الكثرة وتضادّها لا تليق أن تكون صفة ذاتية لله تعالى فيحادّها ، وأنّها زائدة على ذات الواحد الموصوف بها ، ووحدة الله عن ذاته ليست عليها زائدة ، وإلَّا كانت عارضة وزائدة ، أو تكون كثرة منها فيها عليه عائدة ، بل هو تعالى منبع الوحدة والكثرة المتقابلتين ، وعين الحقائق المتباينة والمتماثلة ، وفي الحقيقة لا وجود للاثنينيّة إلَّا في التعيّن والتعقّل ، والحقيقة الأحدية تنقلب في صور الكثرة بالتحوّل والتبدّل ، في عوالم التمثّل والتخيّل ، والتصوّر والتشكَّل .
وليس الوجود إلَّا للأحد الصمد ، وأحديّته عين حقيقته فيما تجرّد وتوحّد ، وتنزّه وتفرّد ، وفيما تكثّر وتعدّد ، وتحدّد وتجدّد ، فله تعالى الإطلاق الحقيقي عن التقيّد بإحدى الجهتين ، لكونه أحدي الذات والعين بلامين ، في عين تعيّنه في الصورتين ، فالتنزيه والتشبيه طرفان ، والوحدة الذاتية والكثرة الأسمائية ذاتيّتان للذات الإلهية والعين الجمعية الأحدية ، فلها منها بها أقران ، فيرتقي الفرقان الظاهر في الكفر والإيمان ، والطاعة والعصيان بحقيقة الجمع والقرآن .
ولمّا كشف الله لنوح عليه السّلام عن سرّ ما هم عليه من الجمعية السارية فيهم والأحدية النورية المستهلكة الحكم في مظاهرهم ومرائيهم ، أثنى عليهم بلسان الحقيقة ، ولغة منطق طير الطريقة ، ثناء ظاهرا بصورة الذمّ ، وسرورا مستسرّا في هيئة الهمّ والغمّ ، كما يقتضي مقامه وحالهم فيما خصّ وعمّ .
ولمّا كانوا في ظاهرية الفرق ، ووقع منه الدعاء إلى الباطن الحق ، ولا يخلو الظاهر من باطن فيه قاطن ، فلم يكونوا إلَّا على جمع مستهلك فيهم كامن ، فلا بدّ لأهل الجمع المستهلكين في عبدانيّة حقائق الجمع ، الساري في صور الفرق والصدع أن لا يصغوا إلى ما يباين مشهودهم ومعهودهم من الأنباء .
فلم يستطيعوا إجابة نداء الجلاء ، ودعاء الفرق والتمييز والتنزيه والاعتلاء ، فردّوا دعوته إلى التمييز والتنزيه ، والفرق بين العين والعين والحق والخلق ، لكونهم في عين الفرق مجموعين ، وعلى جمع فرق الفرق مجمعين ، وعن إجابة دعاء تمييز التنزيه وعن سمع نداء التجريد والتوحيد معزولين ، فافهم .
قال الشيخ سلام الله عليه : "ولهذا ما اختصّ بالقرآن إلَّا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم وهذه الأمة التي هي خير أمّة أخرجت للناس ف " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " يجمع الأمر  في أمر واحد ، فلو أنّ نوحا أتى بمثل هذه الآية لفظا ، أجابوه ، فإنّه شبّه ونزّه في آية واحدة ، بل في نصف آية " .
قال العبد : قد علمت أنّ سائر عبيد الله الكمّل في المقامات التفصيلية النبوية وحكمهم وحكمهم في شرائعهم منزلة من سماوات الأسماء التفصيلية الفرعية ، فمقتضى الحكم الإلهي الكلَّي في أمم قبلنا إنّما هو الطاعة والدعوة إلى التنزيه وتجريد التوحيد ، لكون القوم ملبّين على عبادة صنميّات الكثرة والتعديد ، وملبّين لدعوة حجابيّات الصور الأسمائية ، ذاهلين بالكلَّية عن الحقيقة الأحدية ، التي هي أصل الكثرة الفرعية والجمعية ، الموجدة الموحّدة للتفرقة العددية ، وحقيقة التحقيق في الجمع بين المرتبتين جمعا إطلاقيا وإطلاقا أحديّا .
وإنّما وقعت واقعة الأصنام ، وعبادة الصور من عالم الأجسام ، لكون التجلَّيات التعيينية ، وظهور النسب المستهلكة للأعيان في عين الأحدية مرادة لله تعالى في أوّل الإرادة ، فظهرت حقائق الأسماء والنسب أوّلا في عالم الشهادة ، لأنّه أراد أن يعرف كمال العرفان ، وأن ينعت ويوصف ويظهر كلّ نسبة من نسب ذاته بلوازمها وإضافاتها وعارضاتها ولاحقاتها في صورة الجمع من عالم الملك والشهادة صورا ظاهرة متمايزة بشخصيّاتها ، متناظرة متشاكلة ومتنافرة بخصوصيّات ليست في صورة مظهرية عالم الأمر والملكوت ، القابلة لتجلَّيات الصور الأسمائية الفرقانية ، وكان في بدو الأمر توجّه المشيّة والإرادة إلى الظاهرية .
فلمّا ظهرت صنميّات حجابيّات الأسماء ، وأخرجت الحضرات ما عندها من التجلَّيات ، وتوجّهت نفوس أهل تلك القرون الأول بمقتضى انبعاث التجلَّي الأوّل إلى عبادة صنميّات صور الأسماء ، وتوفّرت الرغبات إلى تلقّي الأنباء ، من حجابيّات  مراتب الإلقاء لظهور سلطنة تلك الأسماء عليهم واستواء تجلَّياته على عروش قابليّاتهم كلّ الاستواء ، واستولى شهود أحديّة الكثرة أو كثرة الأحدية على جموعهم كلّ الاستيلاء ، فوجب لهذا أن تكون الدعوة إلى الكمال الجمعي بالنسبة إليهم مبنيّة على حكم التنزيه والتوحيد ، ومنبئة على التمييز والتجريد ، حتى تكاملت أقسام هذه الدعوة التنزيهية العقلية الروحانية إلى زمان عيسى عليه السّلام ولم يبق بعده إلَّا الدعوات الخاصّة بالجمع .
فكانت حكمة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم جامعة للأمر على ما هو عليه أحكامه الشرعية أيضا ، جامعة للمصالح الجمعية الكمالية بين ما تعلَّق منها بأرواحهم ، وبين ما اختصّ منها بأجسامهم وأشباحهم ، فجمع شرعه عليه السّلام بين الشرائع كلَّها ، وأتى بزيادات على الجمع عليهما ، فجعلها كلَّها لله لا لهم ، فما أبقى لهم حظوظا نفسانيّة في عين تقريرها وإثباتها لهم .
فقال : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ " وهو العدل من غير عدول وميل إلى جهة ولا جنوح وحيد إلى طرف من الروحانية والجسمانية ، " شُهَداءَ لِلَّه ِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ" ، فأمرهم بإقامة الشهادة لله بأنّ الذوات والصفات والأفعال والأخلاق والأعمال كلَّها لله ، حتى أنّ أنفسهم ما هي لهم ، بل لله ، فهم قائمون بشهادة الله عزّ وجلّ على أنفسهم وعلى الوالدين وهما :
الروح والطبيعية والأقربين : الحقائق الجسمانية والروحانية ، فجمعت حكمة المحمديين عليهم السّلام بين تنزيه في عين تشبيه ، وتشبيه في عين تنزيه في قوله : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " ، فأثبت المثل ونفى المثليّة عن المثل ، وهو السميع البصير ، فأتى بما يشتركه في العبيد عرفا ، ونزّه أن يكون معه غيره في ذلك ، فوضع هويّته موضوعة ، وحمل عليها السميع والبصير محمولا ، فلو كانت دعوة نوح عليه السّلام جامعة كذلك ، لأجابوه ظاهرا وباطنا ، قولا وفعلا ، ولكن لمّا كانت غير جامعة ، كانت الإجابة في صورة الصدّ والردّ والإنكار ، وعلى وجه النفار والفرار .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : ( فعلم العلماء باللَّه ما أشار إليه نوح في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم ) فإن العزيز الجليل لما تعزز بجلاله ، وأقام أهل الذل والتأخير في مرتبة خير من مراتب جميع الوجود كان هو المانع عن تقدمهم ، فيكون العالم باللَّه الهادي بهدايته يذمهم بلسان الاسم الهادي بذم هو عين الثناء والمدح بلسان التوحيد ، لعلمه بأن إجابتهم الداعي إلى المقام الأعلى ومقام الجمال والتقدم لا تكون إلا هذه الصنعة.
وكلما كان المدعو أصلب في دينه وأشد إباء الداعي إلى ضد مقامه كان أشد طاعة وقبولا لأمر ربه وحكمه حتى إن إباء إبليس عن السجود وعصيانه واستكباره بحسب ظاهر الأمر عين سجوده وطاعته وخدمته وتواضعه لربه باعتبار الإرادة ، فإن العزيز الجليل أقامه في حجاب العزة والجلال ذليلا محجوبا حتى يكون إبليس .
فلم يكن له بد من موافقة مراده لذلك أقسم بعزته ، فإن الإغواء مقتضى العزة والاحتجاب بحجب الجلال ( وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان ) أي التفصيل وترك شق من الوجود إلى شق آخر ، أي من صورة الكثرة إلى الوحدة ، ومن اسم المذل إلى المعز ، ومن المفضل إلى الهادي ( والأمر قرآن ) أي الأمر الإلهي ( لا فرقان ) أي والأمر الإلهي جامع شامل للمراتب كلها ، فللذئب دين وللغنم ، وكل يدين بدينه مطيع لربه مسبح له بحمده .
قوله ( ومن أقيم في القرآن ) أي في الجمع ( لا يصغى إلى الفرقان ) أي التفصيل (وإن كان فيه) أي وإن كان الفرقان في القرآن ( فإن القرآن يتضمن الفرقان ، والفرقان لا يتضمن القرآن ) أي فإن تفاصيل المراتب والأسماء المقتضية لها موجودة في الجمع والجمع لا يوجد في التفاصيل ، أو وإن كان الذي أقيم في القرآن ولا يصغى في الفرقان في عين الفرقان فإن التفاصيل موجودة في الجمع ، وأهل كل مرتبة في مراتب التفصيل أهل تفرقة فرقانية في عين الجمع كقوم نوح فإنهم أهل الحجاب وعباد الكثرات ، لا يجيبون إلى التوحيد وتنزيه التجريد .
ومن كان مرتبته الجمع كنوح عليه السلام يطلع على مراتبهم ويعذر الكل ، ويعلم أن إنكارهم عين الإقرار وفرارهم عين الإجابة ، كما قال على كرم الله وجهه : يشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذى الجحود ( ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلَّم ، وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ) أي ولأن القرآن يتضمن الفرقان إنما اختص به محمد عليه الصلاة والسلام وأمته لأنه الخاتم .
فكان جامعا لمقتضيات جميع الأسماء بجمع التنزيه والتشبيه في أمر واحد ، كما قال ( فليس كمثله شيء ، فجمع الأمور في أمر واحد ) وأثبت الفرق في الجمع والجمع في الفرق ، وحكم بأن الواحد كثير باعتبار والكثير واحد بالحقيقة ، ولهذا بعث عليه الصلاة والسلام بالحنيفية السمحة السهلة ، وأما صاحب الفرقان فأمره صعب ودعوته أصعب وأشق ، لأنه إن دعا إلى التنزيه والتوحيد والجمع بدون التفصيل أجابوه بمفهوم قوله : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " . فلا فرق بين الهادي والمضل ولا بين العاصي والمطيع ، بل لا عاصى في هذا الشهود كما أجاب قوم نوح دعوته ، وإن دعا إلى التشبيه والتفصيل أجابوه بمثل قول قوم موسى " أَرِنَا الله جَهْرَةً " - وقولهم – " اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ " - لأن الداعي في شق والمدعو في شق ، فكل يرجع جانبه ويخالف عن سمته إلى ما يقابله ، بخلاف من جمع بين الجمع والتفصيل والتشبيه والتنزيه .
( فلو أن نوحا عليه السلام يأتى بمثل هذه الآية لفظا لأجابوه ، فإنه شبه ونزه في آية واحدة بل في نصف آية ) أي كانت دعوة نوح عليه السلام إلى التنزيه المحض ، لكون قومه محتجبين بعبادة الأصنام لتأدية دعوة الأنبياء السالفة إلى نفى الكثرة الأسمائية المؤدية إلى ذلك ، فنفروا عن ذلك نفور الضد عن الضد .
فلو جمع بين التنزيه والتشبيه كما ذكر في الآية لأجابوه لوجود المناسبة

.
يتبع الفقرة التاسعة الجزء الثاني


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:56 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 18:08 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة التاسعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة التاسعة : الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم".
أي، علم الراسخون في العلم بالله وأسمائه وصفاته الذين هم أصحاب الكشف والشهود، معنى ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه سرا بلسان الذم من حيث صورة الشريعة، وهو الثناء عليهم في الحقيقة.
وذلك لأنهم قبلوا دعوته بالفعل لا بالقول: فإنه دعاهم إلى الاسم الظاهر، وهو عالم الملك، ثم إلى الاسم الباطن، وهو عالم الملكوت، ثم إلى الفناء في الله، ذاتا ووجودا وصفة وفعلا، كما مر تقريره آنفا، ولم يف استعدادهم بالترقي إلى هذا الكمال، فسدوا آذانهم من إجابة دعوته مكرا منهم وحيلة ليدعو عليهم بظهور الحق بالتجلي الذاتي بصفة القهارية، فيحصل لهم الكمال المدعو إليه بلسان نبيهم بإجابة دعائه.
فدعا عليهم وأوصلهم بكمالهم رحمة منه عليهم في صورة النقمة. كما يشاهد اليوم فيمن ابتلي بامر منهي لا يقدر على استخلاص نفسه من تلك الخصلة الذميمة، ويحصل له الملامة بسببها كل حين، أنه يطلب من الحاكم إفناء نفسه بلسان قاله وحاله ليخلصه منها. وهذا حال العارفين منأمته.
وأما حال المؤمنين المحجوبين منهم والكافرين به فأيضا كذلك، وإن لم يعرفوا ذلك. فإن كل أحد له كمال يليق باستعداده.
والنبي رحمة من الله إلى أمته يوصل كلا منهم إلى كماله، لذلك دعا عليهم جملة.
والشيخ رضي الله عنه  نزل الآيات كلها بما يليق بحال الكمل المهديين منهم، لأنهم هم الأناسي في الحقيقة لا غير.
(وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان.) أي، وعلم نوح، عليه السلام، أنهم إنما لم يجيبوا دعوته بالقول لما فيها من الفرقان، أي بين الحق والخلق الذي هو المظاهر، أو بين التشبيه والتنزيه.
والكمال التام القرآن، أي الجمع بينهما، لأنه مأخوذ من (القرء) وهو الجمع.
وليس ذلك مقامه، وإلا كان الواجب عليه أن يأتي بالقرآن الجامع بين التشبيه والتنزيه ليؤمنوا به وبربه، إذ السعي والاجتهاد على الأنبياء، بكلما يقدرونه ،واجب عليهم.
ويجوز أن يكون (علم) بتشديد اللام، من (التعليم) عطفا على (أشار).
أي، أشار بهذا القول: وعلم العلماء أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لإتيانه بالفرقان.
(ومن أقيم في القرآن لا يصغى إلى الفرقان) أي، ومن أقيم في مقام الجمع بين التشبيه والتنزيه، كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لا يصغى إلى قول من يقول بالفرقان المحض كالمنزه وحده، كنوح عليه السلام، والمشبه وحده ، كقومه.
فمن يكون قائلا بالشق الآخر من الفرقان، وهو التشبيه، فهو بالطريق الأولى أن لا يصغى إلى قول من يقول بالتنزيه المحض فقط.
ومن أقيم في مقام الجمع الذي هو حق بلا خلق، كالمجذوبين والموحدين الصرفة، لا يقدر على إصغاء مرتبة الفرق بين الحق والخلق وبين التنزيه والتشبيه، كما يقدر على إصغائه الكامل، فإنه يرى الخلق في مقامه، والحق في مقامه، ويجمع بينهما في كل من المقامين، كذلك في التشبيه والتنزيه.
(وإن كان فيه، فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.)
(إن) للمبالغة. أي، وإن كان الفرقان حاصلا في القرآن. فإن القرآن لكونه مقام الجمع يتضمن الفرقان، وهو مقام التفصيل، فيجمع صاحبه بينهما. فما يحكم عليه الفرقان، من التشبيه والتنزيه، أجزاء لمقام القرآن دون العكس.
ويجوز أن يعود ضمير (كان) إلى (من). أي، وإن كان من أقيم في القرآن ومقام الجمع هو في حين الفرقان، لأنه محجوب بالحق عن الخلق، وبالجمع عن الفرق، (ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس".) أي، ولكون المقام القرآني الجمعي بين مقامي التنزيه والتشبيه أكمل من مقام كل منهما، ما اختص به إلا محمد، صلى الله عليه وسلم، لأنه مظهر الاسم الأعظم الجامع للأسماء، فله مقام الجمع وبتبعيته لأمته التي هي خير أمة.
(فليس كمثله، فجمع الأمر في أمر واحد).
(فجمع) يجوز أن يكون مبنيا للمفعول، أي، اختص محمد، صلى الله عليه وسلم، بهذا المقام. فذكر فيما أنزل إليه: (ليس كمثله شئ) فجمع بين مقامي التنزيه والتشبيه في كلام واحد. ويجوز أن يكون مبنيا للفاعل.
فمعناه: اختص محمد، صلى الله عليه وسلم ،بمقام الجمع، فجاء بقوله تعالى: (ليس كمثله شئ) فجمع بين المقامين.
فمقامه جامع بين الوحدة والكثرة، والجمع والتفصيل، و التنزيه والتشبيه، بل جميع المقامات الأسمائية، لذلك نطق القرآن المجيد بكلها.
(فلو أن نوحا، عليه السلام، أتى بمثل هذه الآية لفظا، أجابوه).
أي، بمثل قوله تعالى: (ليس كمثله شئ). (فإنه) أي فإن النبي، صلى الله عليه وسلم.
(شبه ونزه في آية واحدة بل في نصف آية).
الآية هي: (ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير). ونصفها: (ليس كمثله شئ). والنصف الآخر: "و هو السميع البصير". فإن في كل من النصفين تشبيها وتنزيها، كما مر بيانه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : "فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد."
فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من إجابة دعوته. (فعلم العلماء بالله) الواقفون على تأثيرات الدعوات في التعريف بقدر جمعیتها.
والتغير بقدر نوريتها (ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم) حيث علموا وجوب إجابة دعوته لما فيها من الجمعية الحقيقية (بلسان الذم) حيث لم ينقادوا لما علموا وجوبه، بل اتبعوا نفوسهم الأمارة، فاقتصروا على ما فيها من التفرقة بحسب اللفظ.
(وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته) بالقول فيه إشارة إلى أن معرفة أرواحهم وجوب إجابته، إجابة من وجه، بل من كل وجه لو لم يعقبهم ظلمات نفوسهم الأمارة التي أقرتها باقتصار النظر في اللفظ المفرق (لما فيها من الفرقان)، أي: ذكر التشبيه بلفظ والتنزيه بآخر، وكذا ذكر الظاهر بلفظ، والباطن بآخر فلم تتم نوریتها بحيث تجذب أرواحهم جدا قويا إلى ما فاضت هي منه من الحضرة الإلهية.
( والأمر) أي: الذي منه فيض أرواحهم (قرآن) جامع بين حضرة الوجوب، وهي حضرة التنزيه والبطون، وبين حضرة الإمكان، وهي حضرة التشبيه والظهور من غير افتراق بينهما، كما قال: (لا فرقان) فلو دعا بطريق القرآن لأثرت دعوته في رفع الحجب الظلمانية من كل وجه، فانجذبت أرواحهم إلى مقارها الأصلية، وتركت متابعة النفوس الأمارة، فلما دعا بطريق الفرقان بقیت الحجب.
وذلك لأن (من أقيم) أي: كان مقيما في الأصل (في القرآن)، وهي الأرواح قبل التعلق بالأشباح (لا يصغي إلى الفرقان) إصغاء ينجذب به لا محالة إلى مقره الأصلي، إلا إذا كان ممن سفل من رؤية التفرقة إلى رؤية الجمع، وإليه الإشارة بقوله: (ولو كان) أي: الفرقان المدعو إليه في دعوة نوح بحسب اللفظ (فيه) أي: في القرآن إذ كل كثرة ترجع إلى الوحدة فلو كانت أرواحهم كاملة لرجعت إلى القرآن عند رؤية هذا الفرقان (فإن القرآن يتضمن الفرقان)، فإن النظر إلى الأجزاء المتفرقة مفرق عن النظر إلى الهيئة المجموعية، إلا في حق الكمل الذين لا يحجبهم شيء عن شيء.
(ولهذا) أي: ولكون القرآن متضمنا للفرقان شاملا على أجزائه جامعا للمعارف (ما اختص بالقرآن) أي: الدعوة الجامعة بين التنزيه والتشبيه (إلا) من كانت نبوته جامعة الأسرار النبوة، وولايته الأسرار الولاية (محمد ، وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس)، وإذا كان القرآن مخصوصا بمحمد ، وهذه الأمة (وليس کمثله" [الشورى: 11]) أي: مثل محمد وأمته ("شيء" [الشورى:11]) في كمال النبوة والولاية وجمعيتهما، ولما كملت جمعيتهم إلى هذا الحد.
(فجمع الأمرين) أي: الأمر معارف من تقدم من الأنبياء والأولياء ""أي أمر التنزيه والتشبيه"" (في أمر واحد) جاء فيه بالتفرقة باعتبار، والجمعية بأخر فهذا اقتباس لطيف وإيهام بديع، وإذا كانت إجابة الأرواح المحتجبة بالحجب الكثيفة الظلمانية مختصة بالقرآن الجاذب بنوریته لها إلى مقارها، بحيث تتبعها النفوس الأمارة بالقسر.
قال رضي الله عنه : (فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : (فلو أن نوحا عليه السلام أتي بمثل هذه الآية لفظا)، وفيه إشارة إلى أنه جاء بهذه المعرفة معنی وحقيقة؛ ولكن كان لفظه قاصرا عنها موهما للتفرقة، (لأجابوه) بغلبة نورانیتها على ظلماتهم، إذ للجمعية نورهم عظيم، سيما إذا كانت جامعة للجمعية والتفرقة جميعا.
والآية كذلك (فإنه) أي: مثل هذه الآية (شبه) بقوله: ("وهو السميع البصير" [الإسراء: 1])، (ونزه) بقوله: "ليس كمثله شيء" [الشورى:11] ففيه تفرقة من وجه وإن كان (في آية واحدة).
ثم أشار إلى وجه الجمع بقوله: (بل في نصف آية)، وهو قوله: "ليس كمثله شيء" [الشورى:11]، إذ فيه نفي المثل وإثباته، وكذا في قوله: "وهو السميع البصير" [الإسراء: 1]، إثبات التشبيه ونفيه.




شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.  فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعلم العلماء باللَّه ما أشار إليه نوح في حقّ قومه من الثناء عليهم بلسان الذمّ ) في مقابلة ما صدر عنهم من إجابة دعوته في صورة الإباء والاستكبار ، والقيام بما يجب عليهم من عين العصيان والإصرار .
وأمثال هذه الإشارات إنّما يفهمها العلماء باللَّه ، ممن له ذوق المشرب الختميّ الإحاطيّ ، حتّى يعرف شرب كلّ من الأنبياء من ذلك المجمع المعتنق للأطراف ، وقدر ما لكلّ منهم من الدخل فيه ، فهذا دخل نوح فيه .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وعلم) أيضا أولئك العلماء ( أنّهم إنما لم يجيبوا دعوته ) بلسان التلقّي والإقبال على ما هو المفهوم من لفظ الإجابة مطلقا ( لما فيها من الفرقان ) على ما هو مقتضى بعثته من الستر والإخفاء ، الذي عليه قهرمان زمانه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والأمر ) في نفسه وبحسب الكمال الإنسانيّ الذي جبّل عليه حقيقته ( قرآن ) ضرورة أنّه الكون الجامع المتّصف بالوجود ، وهو إنّما يقتضي الوحدة الجمعيّة القرآنيّة ، إذ لا كثرة في الوجود و ( لا فرقان ) فيه أصلا ، فإنّه إنّما يقتضيه العدم ضرورة أنّه كونيّ .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن أقيم ) بحسب حقيقته الأصليّة ( في القرآن ) ويكون موطنه هناك ( لا يصغي إلى الفرقان ، وإن كان فيه ) بحسب نشأتها الطارية عليها في كلمته الظاهرة في ذلك الزمان ، وذلك هو الذي أوقع كلمته هناك بحسب تطوّراته الاستيداعيّة .
وذلك وإن كان لسانه المفصح عنه ولكن ما طلب فهمه ، إلَّا مقتضى حقيقته الأصليّة فلذلك ما أصغى إلى الفرقان لعدم دلالته على القرآن .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّ القرآن ) الجمعيّ الوجوديّ ( يتضمّن الفرقان ) الفرقيّ الكونيّ ، ضرورة أنّ الجمع يستوعب جميع ما في التفرقة من الأفراد ، مع الهيئة الجمعيّة التي ليس فيها شيء من ذلك ، فله دلالة عليه بالتضمّن ( والفرقان ) الفرقىّ ( لا يتضمّن القرآن ) الجمعيّ ولا دلالة عليه أصلا ، فلذلك ما أصغي إليه فظهر أنّ صاحب الجمعيّة هو القرآن ، فيكون القرآن أكمل من الفرقان .
وهاهنا تلويح له مزيد دخل في تبيين هذا الكلام وتحقيقه ، وهو أنّ الألف والنون - على أيّ ترتيب كان إذا كان تامّ الدلالة يدلّ على النفس والذات ، التي هي مبدأ ظهور الوجود ومصدر إظهار العلم ، الذي مظهره الكلام لا غير ، والذي يصلح لظهور ذلك فيه من الكائنات الإنسان ، وما يظهره من جوارحه أعني اللسان والبنان .
ثمّ إنّ الإنسان مشتمل عليها ظاهرا وباطنا : أمّا باطنا فلأنّ حقيقته هي البرزخ بين العلم والوجود ، وأمّا ظاهرا فلأنّ صورته كونيّة وجوديّة ، فهي مشتملة عليهما كما سبق بيانه ، ولذلك تراه محفوفا بهما  .
وأمّا البنان والبيان : وإن كان بحسب المعنى والبطون لهما الإحاطة بالعلم والوجود بسائر مراتبهما ، لكن صورتهما كونيّة صرفة ، فلذلك تراهما متأخّرين فيهما وفي الفرقان والقرآن ، اللذين بهما تمّ صور تنوّعاتهما .
ثمّ إنّ القرآن له خصوصيّة إلى الكمال الإنساني ، وهي أنّه إذا حوسب عقدا ما يمتاز به عن الإنسان ونسب إلى ما به يمتاز الإنسان عنه يكون ذلك نسبة النصفيّة التي هي أخصّ نسبة بالجمعيّة ، وذلك لأنّ النصف هو البرزخ الجامع وأمّا الفرقان فإذا حوسب كذلك يكون ذلك النسبة هو الثلثية ، التي هي التفرقة الصرفة .
وإذ قد عرفت إنّ الرسل إنّما أرسلت بلسان قومهم ، وهو ما ظهر عليهم في طيّ نشأتهم الطارية على أصلهم ، ليتدرّجوا بها إلى فهم القرآن الكماليّ الذي هو كمال آدم بحسب حقيقته الإنسانيّة ، ظهر لك أنّ صاحب القرآن لا يكون إلَّا خاتما .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا ما اختصّ بالقرآن إلَّا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ) الذي به تمّ دائرة الكمال الإنساني ، وبتلك النقطة حصل لها الصورة الجمعيّة الوحدانيّة وجودا وشهودا ، ظهورا وإظهارا ، شعورا وإشعارا وذلك لأنّ سائر الأنبياء لهم العلم بالجمعيّة القرآنيّة ، فلهم الظهور به ، ولكن أمر إظهاره متوقّف على أنّ أمم زمانه مستعدّون لأن يكونوا امّة الخاتم ، وإليه أشار بقوله رضي الله عنه: ( وهذه الامّة التي هي خير امّة أخرجت للناس ) بميامن مناسبتهم له وحسن تأسّيهم به .
ومن التلويحات التي لها كثير دخل ها هنا أنّ للإنسان من العقود ، التسعة المتّسعة للكلّ ، وأمّا محمد فقد اشتمل عليها بزيادة اثنين : أحدهما إشارة إلى كماله ، والآخر إلى ختمه ، ولا يخفى على الفطن أنّ العقد الإنسانيّ بضم هذا الواحد الكماليّ إليه قد بلغ إلى ما يرجع إلى الواحد الجامع بين الوحدة والكثرة ، فمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم هو الواحد الجامع إنسانا وبيانا ، ظهورا وإظهارا ، فهو المثل الذي لا يمكن مثله .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فليس كمثله شيء ، فجمع الأمر في أمر واحد ) لأنّه قد أدرج كلَّا من المتقابلين في الآخر ، والأمر لا يخلو منهما فجمع الكل في واحد .
وأمّا نوح : وإن كان له أيضا ذلك العقد الكامل رسالة ونبوّة ولكن ما ظهر في « محمد » من الزيادة الختميّة قد تبطَّن فيه منفصلا ، وما ظهر فيه من الكثرة الفرقيّة تبطن في « محمد » متوصّلا مجتمعا ، ولذلك ما كان له أن يظهر مثل ذلك الإظهار ، ولا أن يأتي بيانا تامّا وكلمة جامعة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلو أنّ نوحا أتى بمثل هذه الآية لفظا أجابوه ) وفي قوله : « لفظا » إشعار بما سبق من أنّ الرسل ما يظهرون الحقائق في صورة الألفاظ ذات الإنباء إلَّا مطابقين للسان أممهم الظاهرة به ، فلذلك ما أتى نوح بالقرآن لفظا ، وأتى به محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّه شبّه ونزّه في آية واحدة ، بل في نصف آية ) على ما سبق بيانه   .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،)
قال رضي الله عنه : (فعلم العلماء بالله) وأسمائه وصفاته أو العلماء به لا لأنفسهم (ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم) معنی (لسان الذم) صورة .وعلموا، أي العلماء بالله . وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه (وعلم) باعتبار كل واحد هو عطف على قوله : علم العلماء عطف تفسير فإن فيه الثناء عليهم بلسان الذم
(أنهم)، أي قوم نوح عليه السلام (إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان) بين التنزيه والتشبيه فتارة دعاهم إلى التنزيه وتارة دعاهم إلى التشبيه ولم يجمع بينهما. (والأمر) في نفسه (قرآن) وجمع بينهما فإن التنزية إنما هو باعتبار الاسم الباطن والتشبيه باعتبار الاسم الظاهر وهو سبحانه باطن في غير ظاهريته وظاهر في عين باطنيته (لا فرقان) وتمييز بينهما.
قال رضي الله عنه : (و علم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان و الفرقان لا يتضمن القرآن. و لهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه و سلم و هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. فـ « ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.).
(وعلم) باعتبار كل واحد هو عطف على قوله : علم العلماء عطف تفسير فإن فيه الثناء عليهم بلسان الذم (أنهم)، أي قوم نوح عليه السلام (إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان) بين التنزيه والتشبيه فتارة دعاهم إلى التنزيه وتارة دعاهم إلى التشبيه ولم يجمع بينهما. (والأمر) في نفسه (قرآن) وجمع بينهما فإن التنزية إنما هو باعتبار الاسم الباطن والتشبيه باعتبار الاسم الظاهر وهو سبحانه باطن في غير ظاهريته وظاهر في "عين باطنيته " (لا فرقان) وتمييز بينهما.
(ومن أقيم في القرآن) والجمع بين التشبيه والتنزيه وإن كانت تلك الإقامة بحسب الفطرة الأصلية المعتبرة بالأمور العادية كما كانت لقوم نوح عليه السلام فإن كل من له جهة روحانية وجهة جسمانية فهو ممن أقيم بحسب فطرته الأصلية في القرآن وإن غلبت عليه إحدى الجهتين .
(لا يصغي إلى الفرقان) ولا يقبله بحسب فطرته الأصلية (وإن كان)، أي المقيم في القرأن بحسب فطرته (فيه)، أي في الفرقان بحسب الأمور العادية الخارجية عن فطرته فان ما بالذات لا يزول بالعرض، وإنما لا يصغي إلى الفرقان.
(فإن القرآن يتضمن الفرقان)، فإن الجزء لا يتضمن الكل فالقرآن أكمل من الفرقان و من الفطرة السليمة الإنسانية، لا يميل إلى المفضول مع وجود الفاضل.
فعلم من ذلك أن فرار قوم نوح و تصاممهم عن دعوته إلى الفرقان إنما كان لكونهم مقيمين بحسب فطرتهم وإن لم يشعروا بذلك في القرآن فذكروا فرارهم وتصاممهم، وإن كان بحسب الظاهر ذما لهم، فهو بحسب الحقيقة ثناء عليهم.
(ولهذا)، أي لكون القرآن أكمل من الفرقان (ما اختص بالقرآن) وما فاز به (إلا محمد صلى الله عليه وسلم ) بالأصالة (وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ) [آل عمران : 110] بالمتابعة .
والمراد بالقرآن الذي اختص به محمد صلى الله عليه وسلم وأمته إنما هو الحقيقة السوائية الاعتدالية الجامعة بين التنزيه والتشبيه وسائر المتقابلات بحيث لا يغلب أحد المتقابلين على الآخر في مرتبة من المراتب.
لأن مجرد الجمعية الفطرية المذكورة آنفا ، فإنها مشتركة بين جميع الأفراد الإنسانية (فقال "ليس كمثله شيء" [الشورى : 11]) .، أي التنزيه "ليس كمثله، شيء".
إلى آخره (فجمع الأمرين)، أي أمر التنزيه والتشبيه (في أمر واحد)، أي آية واحدة وهي مجموع تلك الآية أو كلام واحد وهو كل واحد من نصفيها وقوله بجميع الأمر. هكذا وقع في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه ويوافقه نسخة شرح الجندي رحمه الله .
وفي بعض النسخ فجمع بصيغة الماضي مصدرة بالفاء مبنية للفاعل أو المفعول ويوافقه نسخة شرح القيصري، أي فيما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم قوله : "ليس كمثله - شيء " إلى آخره فجمع فيه أمر التنزيه والتشبيه في آية واحدة أو كل من جزئيها .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:44 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافر

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 18:10 من طرف عبدالله المسافر

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة العاشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة العاشرة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : "ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل."
قال رضي الله عنع : ونوح عليه السلام (دعا قومه) إلى توحيد الله تعالى كما قال ("ليلا ") وهو ما غاب عنهم (من) حيث عالم (عقولهم) الفطرية (وروحانيتهم) الأمرية (فإنها)، أي عقولهم المذكورة وروحانيتهم (غيب) عنهم بحيث لا يشعرون بما تدریه وهو يدعوهم من هذه الحيثية بباطن کلامه (ونهارا دعاهم أيضا) وهو ما حضر عندهم وظهر لهم (من حيث ظاهر صورهم) النفسانية التي يعرفونها.
(وجثثهم) الجسمانية التي يشهدونها وهو يدعوهم من هذه الحيثية بظاهر کلامه (وما جمع) لهم (في الدعوة) بين الظاهر والباطن (بالتشبيه والتنزيه مثل) قوله تعالى ("ليس كمثله شيء")  [الشورى: 11] .
الجامع بين الظاهر وهو المثل المثبت والباطن هو الشيء الذي هو مثل المثل المنفي، والتشبيه بالأول والتنزيه بالثاني.
(فنفرت بواطنهم)، أي بواطن قوم نوح (لهذا الفرقان)، أي التمييز والتفصيل الذي جاءهم به، فإنهم دعاهم إلى التنزيه وحده من حيث عقولهم وإلى التشبيه أيضا وحده من حيث صورهم وأجسامهم.
ولم يجمع لهم بين الشيئين معا كما جمع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، فإن بعض الحق وحده إذا قرر وجدته النفوس نقصانا.
والحق الناقص ليس بحق، وهذا سبب نفور البواطن، فلو ذكر كله جملة أقبلت عليه، لأن عندها بعضه فتستأنس بما عندها فيما ليس عندها (فزادهم فرار) بكثرة دعوته إلى فرقانه و تکرار نفورهم من تفصيله وبيانه .
(ثم قال) نوح عليه السلام (عن نفسه دعاهم)، أي قومه (ليغفر)، أي ليستر الله تعالى (لهم) ما ظهر من التشبيه الذي هو بعض الحق (لا ليكشف) الله تعالى (لهم) ما ستر عنهم من التنزيه الذي هو بقية الحق الذي عندهم (وفهموا)، أي من حيث عقولهم الفطرية وروحانيتهم الأمرية لا من حيث عقولهم الخلقية وروحانيتهم الحيوانية (ذلك).
أي طلب الستر لهم عما كشف لهم من بعض الحق (منه)، أي من نوح عليه السلام (لذلك)، أي لأجل ما ذكر (وجعلوا أضيعه في آذانهم ) [نوح: 7].
حتى لا يسمعوا منه دعوة ترك بعض الحق الذي هم فيه من حيث أن ذلك كفر منهم ( استشواه)، أي طلبوا أن يكون غشاهم أي سترتهم عنه (ثيابهم) التي يلبسونها .
وهذه الأفعال التي صدرت منهم (كلها) هي (صورة الستر التي دعاهم إليها)، أي لأجلها كما قال :"لتغفر لهم".
أي لتسترهم (فأجابوا) هم من حيث ظهور الحقيقة الإلهية بهم وإن كانوا لا يشعرون (دعوته)، التي هي طلب المغفرة من الحق تعالی بهم (بالفعل) كما هو أبلغ إجابة من الحق تعالى لدعاء عبده فسترهم بأصابعهم و بثيابهم (لا بلبيك) التي هي إجابة من الحق تعالى لكل دعاء في العموم.
(ففي) قوله تعالى في دعوة نبينا محمد لأمته: (وليس كمثله، شيء ) [الشورى : 11] على زيادة الكاف، أي ليس مثله شيء أو على أصالتها، أي ليس مثل مثله شيء ومثل مثله (إثبات المثل) مفروضة في الأول ثم منفية وبلا نفي في الثاني
(ونفيه)، أي نفي المثل المفروض أولا والمنفي مثله ثانية، لأن نفي المثل نفي لمثله أيضا، ففي هذه الآية تشبیه وتنزيه معا وهو الكمال في الدعوة إلى التوحيد (ولهذا قال) نبينا (صلى الله عليه وسلم عن نفسه)، فيما ورد عنه في الحديث (أنه أوتي)، أي آتاه الله تعالی
(جوامع الكلم)، أي الكلمات الجوامع فكل كلمة من كلماته صلى الله عليه وسلم جامعة لعلوم كثيرة وأسرار غزيرة وإن حصرت علماء الرسوم جوامع الكلم في أحاديث مخصوصة فهو من القصور.
فإن كل حديث للنبي صلى الله عليه وسلم جامع للمعاني الكثيرة يعرف هذا أهل المعرفة الإلهية من غير ارتياب (فما دعا) نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا)