اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي

اذهب الى الأسفل

07022024

مُساهمة 

 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي Empty التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي




 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي

إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي 673 هـ

التمهيد الموعود به منهج البحث
اعلم أنّ هذا تمهيد يتضمّن قواعد كلّيّة يستعان ببعضها على فهم بعضها ، ويستعان بمجموعها على فهم كلام الحقّ وكلماته ، وخصوصا ما يتضمّنه هذا المسطور المتكفّل ببيان بعض أسرار الفاتحة من غرائب العلوم ، وكلّيّات الحقائق التي لا أنسة « 1 » لأكثر العقول والأفهام بها ؛ لعزّ مدركها ، وبعد غورها ، وخفاء سرّها ؛ إذ كانت ممّا لا ينفذ إليها إلّا الهمم الخارقة حجب العوائد ، والمرفوع عن أعين بصائر أربابها أستار الطباع « 2 » وأحكام العقائد ، ولا يظفر بها إلّا من سبقت له الحسنى وشملته العناية الإلهيّة ، فأنالته البغي « 3 » والمنى ، وحظّي بميراث من كان ربّه ليلة أسرى به بمقام قاب قوسين أو أدنى .
وما من قاعدة من هذه القواعد إلّا وتشتمل على جملة من المسائل المتعلّقة بأمّهات الحقائق والعلوم الإلهيّة ، يمكن تقرير بعضها بالحجج الشرعيّة ، وبعضها بالأدلّة النظريّة ، وسائرها بالبراهين الذوقيّة الكشفيّة ، التي لا ينازع فيها أحد ممّن تحقّق بالمكاشفات النوريّة ، والأذواق التامّة الجليّة ؛ إذ كانت لكلّ طائفة أصول ومقدّمات هم مجمعون على صحّتها ، مسلّمون لها ، هي من جملة موازينهم التي يبنون عليها ، ويرجعون إليها ، فمتى « 4 » سلّمت لمن سلّمت له من محقّقي أهل ذلك الشأن ، تأتّى له أن يركّب منها أقيسة صحيحة ، وأدلّة تامّة لا ينازعه فيها أرباب تلك الأصول التي هي من موازينهم .
..............................................................
( 1 ) . ب : آنسة .
( 2 ) . ق : الطبائع .
( 3 ) . ق : البغية .
( 4 ) . ب : فمن .
18


ومع التمكّن ممّا ذكرته ، وكون الأمر كما بيّنته فإنّي لا أتعرّض لتقرير ما يرد ذكره في هذه القواعد وما بعدها بالحجج الشرعيّة والأدلّة النظريّة والذوقيّة ، تعرّض من يلتزم ذلك في كلامه .
لكن إن قدّر الحقّ تقرير أمر في أثناء الكلام ، ذكرت ذلك ؛ تأنيسا للمحجوبين ، وتسكينا للضعفاء المتردّدين ، وتذكرة للمشاركين ، لكن « 1 » أقدّم في أوّل التمهيد فصلا أنبّه فيه على مرتبة العقل النظري ، وأهل الطلب الفكري ، وما ينتهي الفكر بصاحبه ؛ ليعلم قلّة جدواه وسرّه ، وثمرته وغايته ، فيتحقّق من يقف على هذا الكتاب وغيره من كلام أهل الطريق « 2 » أنّه لو كان في الأدلّة الفكريّة والتقريرات الجدليّة غناء أو شفاء ، لم يعرض عنها الأنبياء والمرسلون - صلوات اللّه عليهم - ولأورثتهم من الأولياء القائمون بحجج الحقّ ، والحاملون لها - رضي اللّه عنهم - .
هذا مع أنّ ثمّة موانع أخر غير ما ذكرت ، منعتني عن « 3 » سلوك ما إليه في كلامي أشرت :
منها : أنّي لم أوثر أن أسلك في الكلام المتعلّق بتفسير كتاب اللّه مسلك أهل الجدل والفكر « 4 » ، لا سيّما وقد ورد حديث نبوي يتضمّن التحذير من مثل هذا وهو
قوله صلّى اللّه عليه وآله : « ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل »
« 5 » وتلاوته بعد ذلك :ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا« 6 » الآية .
ومنها : طلبي للإيجاز .
ومنها : أنّ قبلة مخاطبتي هذه بالقصد الأوّل هم المحقّقون من أهل اللّه وخاصّته ، والمحبّون لهم ، والمؤمنون بهم وبأحوالهم من أهل القلوب المنوّرة الصافية ، والفطرة « 7 » السليمة ، والعقول الواقدة الوافية ، الذين يدعون ربّهم بالغدوة والعشىّ يريدون وجهه « 8 » ويستمعون القول فيتّبعون أحسنه « 9 » بصفاء طويّة ، وحسن إصغاء بعد تطهير « 10 » محلّهم من صفتي الجدل والنزاع ونحوهما ، متعرّضين لنفحات جود الحقّ ، مراقبين له ، منتظرين ما يبرز
............................................................
( 1 ) . ق : لكنّي .                    ( 2 ) . ق : الطريق اللّه .
( 3 ) . ق : من .                      ( 4 ) . ق : الفكر والجدل .
( 5 ) . جامع المسانيد ، ج 13 ، ص 217 .
( 6 ) . الزخرف ( 42 ) الآية 58 .
( 7 ) . ق : الفطر .                    ( 8 ) . إشارة إلى الآية 52 من الأنعام ( 6 ) .
( 9 ) . إشارة إلى الآية 18 من الزمر ( 39 ) .    ( 10 ) . ق : تطهر .
19


لهم من جنابه العزيز على يدي من وصل ، ومن أيّ مرتبة « 1 » من مراتب أسمائه ورد ، بواسطة معلومة وبدونها ، متلقّين له بحسن الأدب ، وازنين له بميزان ربّهم العامّ تارة ، والخاصّ تارة ، لا بموازين عقولهم ؛ فأرباب هذه الصفات هم المؤهّلون للانتفاع بنتائج الأذواق الصحيحة ، وعلوم المكاشفات الصريحة .
ومن كان حاله ما وصفناه فلا نحتاج معه إلى التقريرات النظريّة ونحوها ، ممّا سبقت الإشارة إليه ، فهو إمّا مشارك يعرف صحّة ما يخبر به بما عنده منه ، للاستشراف بعين البصيرة على الأصل الجامع المخبر به وعنه ؛ وإمّا مؤمن صحيح الإيمان والفطرة ، صافي المحلّ ، ظاهره يشعر بصحّة ما يسمع من وراء ستر رقيق اقتضاه حكم الطبع وبقيّة الشواغل والعلائق المستجنّة في المحلّ ، والعائقة له عن كمال الاستجلاء ، لاعن الشعور المذكور ، فهو مستعدّ للكشف ، مؤهّل للتلقّي ، منتفع بما يسمع ، مرتق بنور الإيمان إلى مقام العيان .
فلهذا اكتفى بالتنبيه والتلويح ، ورجّحا على البسط والتصريح ، اختيارا وترجيحا لما رجّحه الحقّ سبحانه واختاره في كلامه العزيز لرسوله صلّى اللّه عليه وآله ، وأمره به حيث قال له :وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ« 2 » ، ولم يأمره بإقامة المعجزة وإظهار الحجّة على كلّ ما يأتي به ويخبر عنه ، عند كلّ فرد فرد من أفراد المخاطبين المكلّفين ، مع تمكّنه صلّى اللّه عليه وآله من ذلك ؛ فإنّه صاحب الحجج الإلهيّة الباهرة والآيات المحقّقة الظاهرة ، ومن أوتي جوامع الكلم ، ومنح علم الأوّلين والآخرين ، بل إنّما كان ذلك منه بعض الأحيان مع بعض الناس في أمور يسيرة بالنسبة إلى غيرها .
والمنقول أيضا عن أوائل الحكماء - وإن كانوا من أهل الأفكار « 3 » - نحو هذا [ و ] أنّهم إنّما كان دأبهم الخلوة والرياضة والاشتغال على مقتضى قواعد شرائعهم التي كانوا عليها ، فمتى فتح لهم بأمر ذكروا منه للتلاميذ والطلبة ما تقتضي المصلحة ذكره ، لكن بلسان الخطابة لا التقرير البرهاني ، فإن لاحت عندهم مصلحة ترجّح عندهم إقامة برهان على ما أتوا به وتأتّى لهم ذلك ساعتئذ ، قرّروه « 4 » وبرهنوا عليه ، وإلّا ذكروا ما قصدوا إظهاره للتلامذة ، فمن
......................................................
( 1 ) . ق : مرتبتين .
( 2 ) . الكهف ( 18 ) الآية 29 .
( 3 ) . ق : الأذكار .
( 4 ) . ب : قرّورة .
20


قبله دون منازعة ، انتفع به ، ومن وجد في نفسه وقفة أو بدا « 1 » منه نزاع ، لم يجيبوه ، بل أحالوه على الاشتغال بنفسه ، والتوجّه لطلب معرفة جليّة الأمر فيما حصل له التوقّف فيه من جناب الحقّ بالرياضة وتصفية الباطن ، ولم يزل أمرهم على ذلك إلى زمان أرسطو ، ثم انتشت صنعة الجدل بعد من عهد أتباعه « 2 » المسمّين بالمشّائين وإلى هلمّ .
وإذا كان هذا حال أهل الفكر والتأمّل ، الآخذين عن الأسباب ، والمتوجّهين إلى الوسائط ، فما الظنّ بالمستضيئين بنور الحقّ ، المهتدين بهداه ، والسالكين على منهاج الشريعة الحقّة النبويّة ، الآخذين عن ربّهم بواسطة مشكاة الرسالتين : الملكيّة والبشريّة ، وبدون واسطة كونيّة ، وسابق آلة وتعمّل أيضا ؟ كما نبّه الحقّ سبحانه على حال نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله في ذلك بقوله :ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا« 3 » وبقوله أيضا :وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ. « 4 » فمثل هذا الذوق التامّ يسمّى علما حقّا ، ونورا صدقا ، فإنّه كاشف سرّ الغيب ، ورافع كلّ شكّ وريب .
وها أنا ذا أذكر المقدّمة الموضّحة مرتبة الفكر والبراهين النظريّة وغايتها وحكم أربابها ، وما يختصّ بذلك من الأسرار والنكت العلميّة بلسان الحجّة الإلهيّة على سبيل الإجمال ، ثم أبيّن أنّ العلم الصحيح - الذي العلوم النظرية وغيرها من بعض أحكامه ، وصفاته « 5 » عند المحقّقين من أهل اللّه - ما هو ؟ وبما ذا يحصل ؟ وما أثره ؟ وما حكمه ؟ ثمّ أذكر بعد ذلك ما سبق الوعد بذكره إن شاء اللّه تعالى .
ولولا أنّ هذه المقدّمة من جملة أركان التمهيد الموضّح سرّ العلم ومراتبه وما سبق الوعد ببيانه ، لم أوردها في هذا الموضع ولم أسلك هذا النوع من التقرير ، ولكن وقع ذلك تنبيها للمحجوبين بأنّ الإعراض عمّا توهّموه حجّة وصفة كمال وشرطا في حصول العلم اليقيني ،
.....................................................
( 1 ) . ب : أبد .
( 2 ) . ق : تباع .
( 3 ) . الشورى ( 42 ) الآية 52 .
( 4 ) . العنكبوت ( 29 ) الآية 48 .
( 5 ) . ق : أحكامها وصفاتها .
21


وأنّه أتمّ الطرق الموصلة إليه ليس عن جهل به وبمرتبته بل لقلّة جدواه وكثرة آفاته وشغبه ، وإيثارا وموافقة لما اختاره الحقّ للكمّل من عباده وأهل عنايته .
22


وصل تهافت الأدلّة النظريّة
اعلموا أيّها الإخوان - تولّاكم اللّه بما تولّى به عباده المقرّبين - أنّ إقامة الأدلّة النظريّة على المطالب ، وإثباتها بالحجج العقليّة على وجه سالم من الشكوك الفكريّة والاعتراضات الجدليّة متعذّر ؛ فإنّ الأحكام النظريّة تختلف بحسب تفاوت مدارك أربابها ، والمدارك تابعة لتوجّهات المدركين ، والتوجّهات تابعة للمقاصد التابعة لاختلاف العقائد والعوائد والأمزجة والمناسبات ، وسائرها تابع في نفس الأمر لاختلاف آثار التجلّيات الأسمائيّة المتعيّنة والمتعدّدة في مراتب القوابل ، وبحسب استعداداتها ، وهي المثيرة « 1 » للمقاصد ، والمحكمة للعوائد والعقائد التي يتلبّس بها ، ويتعشّق نفوس أهل الفكر والاعتقادات عليها ؛ فإنّ التجلّيات في حضرة القدس وينبوع الوحدة وحدانيّة النعت ، هيولانيّة الوصف لكنّها تنصبغ عند الورود بحكم استعدادات القوابل ومراتبها الروحانيّة والطبعيّة ، « 2 » والمواطن والأوقات وتوابعها ، كالأحوال والأمزجة والصفات الجزئيّة ، وما اقتضاه حكم الأوامر الربانيّة ، المودعة بالوحي الأوّل الإلهي في الصور العلويّة وأرواح أهلها والموكّلين بها ، فيظنّ لاختلاف الآثار أنّ التجلّيات متعدّدة بالأصالة في نفس الأمر ، وليس كذلك .
ثمّ نرجع ونقول : فاختلف للموجبات المذكورة أهل العقل النظري في موجبات عقولهم ، ومقتضيات أفكارهم وفي نتائجها ، واضطربت آراؤهم ، فما هو صواب عند شخص هو عند غيره خطأ ، وما هو دليل عند البعض هو عند آخرين شبهة ، فلم يتّفقوا في الحكم على شيء
...............................................................
( 1 ) . ب : المشيرة .
( 2 ) . ق : والطبيعة .
23


بأمر واحد ، فالحقّ بالنسبة إلى كلّ ناظر هو ما استصوبه ورجّحه واطمأنّ به ، وليس تطرّق الإشكال ظاهرا في دليل يوجب الجزم بفساده وعدم صحة ما قصد إثباته بذلك الدليل في نفس الأمر ؛ لأنّا نجد أمورا كثيرة لا يتأتّى لنا إقامة برهان على صحّتها ، مع أنّه لا شكّ في حقّيّتها عندنا ، وعند كثير من المتمسّكين بالأدلّة النظريّة ، وغيرهم . 
ورأينا « 1 » أيضا أمورا كثيرة قرّرت بالبراهين قد جزم بصحّتها قوم بعد عجزهم ، وعجز من حضرهم من أهل زمانهم عن العثور على ما في مقدّمات تلك البراهين من الخلل والفساد ، ولم يجدوا شكّا يقدح فيها ، فظنّوها براهين جليّة وعلوما يقينيّة . ثم بعد مدّة من « 2 » الزمان تفطّنوا - هم أو من أتى بعدهم - لإدراك خلل في بعض تلك المقدّمات أو كلّها ، وأظهروا وجه الغلط فيها والفساد ، وانقدح لهم من الإشكالات ما يوهن تلك البراهين ويزيّفها .
ثمّ إنّ الكلام في الإشكالات القادحة ؛ هل هي شبهة أو أمور صحيحة كالكلام في تلك البراهين ، والحال في القادحين كالحال في المثبتين السابقين ؛ فإنّ قوى الناظرين في تلك البراهين والواقفين عليها متفاوتة ، كما بيّنّا ولما ذكرنا ، والحكم « 3 » يحدث أو يتوقّع من بعض الناظرين في تلك الأدلّة بما يزيّفها بعد الزمان الطويل مع خفاء العيب « 4 » على المتأمّلين لها ، « 5 » المتمسّكين بها قبل تلك « 6 » المدّة المديدة وإذا جاز الغلط على بعض الناس من هذا الوجه ، جاز على الكلّ مثله ، ولولا الغلط والعثور عليه واطمئنان البعض بما لا يخلو عن الغلط ، وبما لا يؤمن الغلط فيه - وإن تأخّر إدراكه - لم يقع بين أهل العلم خلاف في الأديان والمذاهب وغيرهما . فهذا من جملة الأسباب المشار إليها .
ثمّ نقول : وليس الأخذ بما اطمأنّ به بعض الناظرين واستصوبه وصحّحه في زعمه بأولى من الأخذ بقول مخالفه وترجيح رأيه . والجمع بين القولين أو الأقوال المتناقضة غير ممكن ، لكون أحد القولين مثلا يقتضي إثبات ما يقتضي الآخر نفيه ، « 7 » فاستحال التوفيق بينهما والقول بهما معا .
...............................................................
( 1 ) . ه : رائينا .
( 2 ) . ق : بعد .
( 3 ) . في بعض النسخ : ولحكم .
( 4 ) . ق : الغيب .
( 5 ) . ق ، ه : لها و .
( 6 ) . ق : ذلك .
( 7 ) . ق ، ه : بنفيه .
24

وترجيح أحدهما على الآخر إن كان ببرهان ثابت عند المرجّح ، فالحال فيه [ كالحال فيه ] والكلام كالكلام والحال فيها مرّ . وإن لم يكن ببرهان كان ترجيحا من غير مرجّح يعتبر ترجيحه . فتعذّر إذن وجدان اليقين ، وحصول الجزم التامّ بنتائج الأفكار والأدلّة النظريّة .
ومع أنّ الأمر كما بيّنّا ؛ فإنّ كثيرا من الناس الذين يزعمون أنّهم أهل نظر ودليل - بعد تسليمهم لما ذكرنا - يجدون في أنفسهم جزما بأمور كثيرة لا يستطيعون أن يشكّكوا أنفسهم فيها قد سكنوا إليها واطمأنّوا بها ، وحالهم فيها كحال أهل الأذواق [ من وجه ] ومن وجه كحال أهل الوهم مع العقل في تسليم المقدّمات والتوقّف في النتيجة ، ولهذا الأمر سرّ خفيّ ربّما ألوح به فيما بعد إن شاء اللّه تعالى .


القانون الفكري عند أهل النظر
وأمّا القانون الفكري المرجوع إليه عند أهل الفكر فهم مختلفون فيه أيضا من وجوه :
أحدها : في بعض القرائن وكونها منتجة عند البعض ، وعقيمة عند غيرهم .
وثانيها : في حكمهم « 1 » على بعض ما لا يلزم عن القضايا بأنّه لازم .
وثالثها : اختلافهم في الحاجة إلى القانون والاستغناء عنه ، من حيث إنّ الجزء النظري منه ينتهي إلى البديهي ، ومن حيث إنّ الفطرة السليمة كافية في اكتساب العلوم ، ومغنية عن القانون ، ولهم فيما ذكرنا اختلاف كثير لسنا ممّن يشتغل بإيراده ؛ إذ غرضنا التنبيه والتلويح .
وآخر ما تمسّك به المثبتون منفعة الأولويّة والاحتمال فقالوا : إنّا نجد الغلط لكثير من الناس في كثير من الأمور وجدانا محقّقا ، مع احتمال وقوعه أيضا فيما بعد ، فاستغناء الأقلّ عنه لا ينافي احتياج الكثير إليه .
فأمّا الأولويّة : فاحتجّوا بها جوابا لمن قال لهم : قد اعترفتم بأنّ القانون ينقسم إلى ضروري ونظري ، وأنّ الجزء النظري مستفاد من الضّروري ، فالضروري إن كفى في اكتساب العلوم في هذا القانون كفى في سائر العلوم ، وإلّا افتقر « 2 » الجزء الكسبي منه إلى قانون آخر ، فقالوا : الإحاطة بجميع الطرق أصون من الغلط ، فتقع الحاجة إليه من هذا الوجه عملا
.................................................................
( 1 ) . ب : ثانيها حكمهم .
( 2 ) . ق : لافتقر .
25

بالأحوط ، وإصابة بعض الناس في أفكاره ؛ لسلامة فطرته في كثير من الأمور ، وبعضهم مطلقا في جميعها بتأييد إلهي خصّ به دون كسب لا تنافي احتياج الغير إليه ؛ ونظير هذا ، الشاعر بالطبع وبالعروض ، والبدويّ المستغني عن النحو بالنسبة إلى الحضريّ « 1 » المتعرّب .


مذهب المحقّقين
ونحن نقول بلسان أهل التحقيق : إنّ القليل الذي قد اعترفتم « 2 » باستغنائه عن ميزانكم لسلامة فطرته وذكائه نسبته إلى المؤهّلين للتلقّي من جناب الحقّ والاعتراف من بحر جوده ، والاطّلاع على أسرار وجوده في القلّة وقصور الاستعداد ، نسبة الكثير المحتاج إلى الميزان .
فأهل اللّه هم القليل من القليل ، ثم إنّ العمدة عندهم في « 3 » الأقيسة البرهان وهو : إنّي ، ولمّي « 4 » - وروح البرهان وقطبه هو الحدّ الأوسط . واعترفوا بأنّه غير مكتسب ببرهان ، وأنّه من باب التصوّر لا التصديق .
فيتحصّل « 5 » ممّا ذكرنا : « 6 » أنّ الميزان أحد جزءيه غير مكتسب ، وأنّ المكتسب منه إنّما يحصل بغير المكتسب ، وأنّ روح البرهان - الذي هو عمدة الأمر والأصل الذي يتوقّف تحصيل العلم المحقّق عليه في زعمهم - غير مكتسب ، وأنّ من الأشياء ما لا ينتظم على صحّتها وفسادها برهان سالم من المعارضة ، بل يتوجّه عليه إشكال يعترف به الخصم . ومع ذلك فلا يستطيع أن يشكّك نفسه في صحّة ذلك الأمر هو وجماعة كثيرة سواه ، وهذا حال أهل الأذواق ومذهبهم حيث يقولون : إنّ العلم الصحيح موهوب غير مكتسب .
وأمّا المتحصّل لنا بطريق التلقّي من جانب « 7 » الحقّ وإن لم يقم عليه البرهان النظري ؛ فإنّه لا يشكّكنا فيه مشكّك ، ولا ريب عندنا فيه ولا تردّد ، ويوافقنا عليه مشاركون من أهل الأذواق ، و [ أمّا ] أنتم فلا يوافق بعضكم بعضا إلّا لقصور بعضكم عن إدراك الخلل الحاصل في
...............................................................
( 1 ) . ه : الحضرمي .
( 2 ) . ق : عرفتم .
( 3 ) . ه : أقيسة .
( 4 ) . ق : لمّي وانّي .
( 5 ) . ق : فينحلّ .
( 6 ) . ق : ذكر .
( 7 ) . ق : جناب .
26


مقدّمات البراهين التي أقيمت لإثبات المطالب التي هي محلّ الموافقة على ما بيّنّا « 1 » سرّه في هذا التمهيد .
وفي الجملة قد « 2 » بيّن أنّ غاية كلّ أحد في ما يطمئنّ إليه من العلوم هو ما حصل في ذوقه - دون دليل كسبي - أنّه الحقّ ، فسكن « 3 » إليه ، وحكم بصحّته ، هو ومن ناسبه في نظره وشاركه في أصل مأخذه وما يستند إليه ذلك الأمر الذي هو متعلّق اطمئنانه .
وبقي : هل ذلك الأمر المسكون إليه ، والمحكوم بصحّته هو في نفسه صحيح ، على نحو ما اعتقد فيه من حاله ما ذكرناه « 4 » أم لا ؟ ذلك لا يعلم إلّا بكشف محقّق ، وإخبار إلهي .
فقد بان أنّ العلم اليقيني الذي لا ريب فيه يعسر اقتناصه بالقانون الفكري والبرهان النظري .
هذا ، مع أنّ الأمور المثبتة بالبراهين على تقدير صحّتها في نفس الأمر ، وسلامتها في زعم المتمسّك بها بالنسبة إلى الأمور المحتملة والمتوقّف « 5 » فيها ؛ لعدم انتظام البرهان على صحّتها وفسادها يسيرة جدّا .
وإذا كان الأمر كذلك فالظفر بمعرفة الأشياء من طريق البرهان وحده إمّا متعذّر مطلقا ، أو في أكثر الأمور .
ولمّا اتّضح لأهل البصائر والعقول السليمة أنّ لتحصيل المعرفة الصحيحة طريقين :
طريق البرهان بالنظر والاستدلال ، وطريق العيان الحاصل لذي الكشف بتصفية الباطن والالتجاء إلى الحقّ . والحال في المرتبة النظريّة فقد استبان ممّا أسلفنا ، فتعيّن الطريق الآخر ، وهو التوجّه إلى الحقّ بالتعرية والافتقار التامّ ، وتفريغ القلب بالكليّة من سائر التعلّقات الكونيّه ، والعلوم والقوانين .
ولمّا تعذّر استقلال الإنسان بذلك في أوّل الأمر ، وجب عليه اتّباع من سبقه بالاطّلاع ، والكمّل من سالكي طريقه سبحانه ، ممّن خاض لجّة الوصول ، وفاز بنيل البغية والمأمول ،
......................................................
( 1 ) . ق : تبيّن .
( 2 ) . ق : فقد تبيّن .
( 3 ) . ق : سيكن .
( 4 ) . ق : ذكرنا .
( 5 ) . ب : المتوفّق .
27
 
كالرسل - صلوات اللّه عليهم - الذين جعلهم الحقّ تعالى تراجمة أمره وإرادته ، ومظاهر علمه وعنايته « 1 » ، ومن كملت وراثته منهم علما وحالا ومقاما عساه سبحانه يجود بنور كاشف يظهر الأشياء كما هي ، كما فعل ذلك بهم وبأتباعهم من أهل عنايته ، والهادين المهتدين « 2 » من بريّته« 3 »  . 
ولهذا المقام أصول جمّة ، ونكت مهمّة أشير إليها فيما بعد وعند الكلام على سرّ الهداية حين الوصول إلى قوله تعالى :اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ« 4 » حسب ما يقدّر الحقّ ذكره إن شاء اللّه تعالى .
..............................................................
( 1 ) . ق : عبادته .
( 2 ) . ق : المهديين .
( 3 ) . ه : بريّة .
( 4 ) . الفاتحة ( 1 ) الآية 6 .
28

وصل من هذا الأصل بين طلّاب المعرفة والحقائق العلويّة
اعلم أنّ لكلّ حقيقة من الحقائق المجرّدة البسيطة المظهرة التي « 1 » تعيّن الموارد المتعيّنة بها - سواء كانت من الحقائق الكونيّة أو ممّا ينسب إلى الحقّ بطريق الاسميّة والوصفيّة ونحوهما - لوازم ووجوها وخواصّ ، وتلك الصفات وما ذكر من أحكام الحقائق ونسبها فبعضها خواصّ ولوازم قريبة وبعضها [ لوازم ] بعيدة ، فكلّ طالب معرفة حقيقة - [ كائنة ] ما كانت - لا بدّ وأن يكون بينه وبينها مناسبة من وجه ، ومغايرة من وجه ، فحكم المغايرة يؤذن بالفقد المقتضي للطلب ، وحكم المناسبة يقتضي الشعور بما يراد معرفته . 
والإنسان من حيث جميعه مغاير لكلّ فرد من أفراد الأعيان الكونيّة ، ومن حيث كونه نسخة من مجموع الحقائق الكونيّة والأسمائيّة يناسب الجميع ، فمتى طلب معرفة شيء فإنّما يطلبه بالأمر المناسب لذلك الشيء منه لا بما يغايره ؛ إذ لو انتفت المناسبة من كلّ وجه لاستحال الطلب ؛ إذ المجهول مطلقا لا يكون مطلوبا كما أنّ ثبوت المناسبة أيضا من كلّ وجه يقتضي الحصول المنافي للطلب ؛ لاستحالة طلب الحاصل ، وإنّما حصول الشعور ببعض الصفات والعوارض من جهة المناسبة هو الباعث على طلب معرفة الحقيقة التي هي أصل تلك الصفة المشعور بها أوّلا .
فتطلب النفس أن تتدرّج من هذه الصفة المعلومة أو اللازم أو العارض ، وتتوسّل « 2 » بها إلى معرفة الحقيقة التي هي أصلها ، وغيرها من الخواصّ والعوارض المضافة إلى تلك الحقيقة .
.............................................................
( 1 ) . ق : عن .
( 2 ) . ه : نتوسّل .
29
 
فتركيب الأقيسة والمقدّمات طريق تصل بها « 1 » نفس الطالب بنظره الفكري إلى معرفة ما يقصد إدراكه من الحقائق ، فقد تصل إليه بعد تعدّي مراتب صفاته وخواصّه ولوازمه تعدّيا علميّا ، وقد لا يقدّر له ذلك ، إمّا لضعف « 2 » قوّة نظره وقصور إدراكه - المشار إلى سرّه فيما بعد - أو لموانع أخر يعلمها الحقّ ومن شاء من عباده ، أوضحها إقامة كلّ طائفة في مرتبة معيّنة لتعمر المراتب بأربابها لينتظم شمل مرتبة الألوهيّة ، كما قيل ، :على حسب الأسماء تجري أمورهم * وحكمة وصف الذات للحكم أجرت .
وغاية مثل هذا أن يتعدّى من معرفة خاصّة الشيء أو صفته أو لازمه البعيد أو القريب إلى صفة أو لازم آخر له أيضا ، وقد تكون الصفة التي تنتهي إليها معرفته من تلك الحقيقة أقرب نسبة من المشعور بها أوّلا المثيرة للطلب ، وقد يكون البعد على قدر المناسبة الثابتة بينه وبين ما يريد معرفته ، وبحسب حكم تلك المناسبة في القوّة والضعف ، وما قدّره الحقّ له .
فمتى انتهت قوّة نظره بحكم المناسبة إلى بعض الصفات أو الخواصّ ، ولم ينفذ منها متعدّيا إلى كنه حقيقة الأمر ، فإنّه يطمئنّ بما حصل له من معرفة تلك الحقيقة بحسب نسبة تلك الصفة منها ومن حيث « 3 » هي ، وبحسب مناسبة هذا الطالب معرفتها منها ، ويظنّ أنّه قد بلغ الغاية ، وأنّه أحاط علما بتلك الحقيقة ، وهو في نفس الأمر لم يعرفها إلّا من وجه واحد من حيث تلك الصفة الواحدة أو العارض أو الخاصّة أو اللازم . 
وينبعث غيره لطلب معرفة تلك الحقيقة أيضا يجاذب مناسبة خفيّة بينه وبينها من حيث « 4 » صفة أخرى ، أو خاصّة أو لازم ، فيبحث ويفحص ويركّب الأقيسة والمقدّمات ساعيا في التحصيل ، حتّى ينتهي مثلا إلى تلك الصفة الأخرى ، فيعرف تلك الحقيقة من وجه آخر بحسب الصفة التي كانت منتهى معرفته من تلك الحقيقة ، فيحكم على إنّيّة الحقيقة بما تقتضيه تلك الصفة وذلك الوجه ، زاعما أنّه قد عرف كنه الحقيقة التي قصد معرفتها معرفة تامّة إحاطيّة ، وهو غالط في نفس الأمر وهكذا الثالث والرابع فصاعدا ، فيختلف حكم الناظرين في الأمر الواحد ؛ لاختلاف الصفات والخواصّ والأعراض التي هي متعلّقات مداركهم ومنتهاها من ذلك الأمر الذي قصدوا
...........................................................
( 1 ) . ق : به .
( 2 ) . ه : بضعف .
( 3 ) . ق : أبعد .
( 4 ) . ق : حيثها .
30

معرفة كنهه ، والمعرّفة « 1 » إيّاه والمميّزة « 2 » له عندهم ، فمتعلّق إدراك طائفة يخالف متعلّق « 3 » إدراك الطائفة الأخرى ، كما ذكر ، ولما مرّ بيانه ، فاختلف تعريفهم لذلك الأمر الواحد ، وتحديدهم له ، وتسميتهم إيّاه ، وتعبيرهم عنه ؛ وموجب ذلك ما سبق ذكره ، وكون المدرك به أيضا - وهو الفكر - قوّة جزئيّة من بعض قوى الروح الإنساني ، فلا يمكنه أن يدرك إلّا جزئيّا مثله ؛ لما ثبت عند المحقّقين من أهل اللّه وأهل العقول السليمة أنّ الشيء لا يدرك بما يغائره في الحقيقة ، ولا يؤثّر شيء فيما يضادّه وينافيه من الوجه المضادّ والمنافي ، كما ستقف على أصل ذلك وسرّه عن قريب - إن شاء اللّه تعالى - فتدبّر هذه القواعد وتفهّمها ، تعرف كثيرا من سرّ اختلاف الخلق في اللّه [ من ] أهل الحجاب ، وأكثر أهل الاطّلاع والشهود ، وتعرف أيضا سبب اختلاف الناس في معلوماتهم كائنة ما كانت .
ثم نرجع ونقول : ولمّا كانت القوّة الفكريّة صفة من صفات الروح وخاصّة من خواصّه ، أدركت صفة مثلها ومن حيث إنّ القوى الروحانيّة عند المحقّقين لا تغاير الروح صحّ أن نسلّم للناظر أنّه قد عرف حقيقة مّا ، ولكن من الوجه الذي يرتبط بتلك الصفة - التي هي منتهى نظره ومعرفته ومتعلّقهما « 4 » ، - وترتبط الصفة بها ، كما مرّ بيانه .
وقد ذهب الرئيس ابن سينا الذي هو أستاذ أهل النظر ومقتداهم عند عثوره على هذا السرّ إمّا من خلف حجاب القوّة النظريّة بصحّة الفطرة ، أو بطريق الذوق كما يومئ إليه في مواضع من كلامه إلى أنّه ليس في قدرة البشر الوقوف على حقائق الأشياء ، بل غاية الإنسان أن يدرك خواصّ الأشياء ولوازمها وعوارضها ، ومثّل في تقرير ذلك أمثلة جليّة محقّقة وبيّن المقصود بيان « 5 » منصف خبير ، وسيّما فيما يرجع إلى معرفة الحقّ جلّ جلاله ، وذلك في أواخر أمره بخلاف المشهور عنه في أوائل كلامه . ولولا التزامي بأنّي لا أنقل في هذا الكتاب كلام أحد - وسيّما أهل الفكر ونقلة التفاسير - لأوردت ذلك الفصل هنا استيفاء للحجّة على المجادلين المنكرين منهم عليهم بلسان مقامهم ؛ ولكن أضربت عنه للالتزام المذكور ، ولأنّ غاية ذلك بيان قصور القوّة الإنسانيّة من حيث فكرها عن إدراك حقائق الأشياء ، وقد سبق
..........................................................
( 1 ) . ب : المعرّفين .
( 2 ) . المميّزين .
( 3 ) . ق : مخالف بتعلق .
( 4 ) . ب : متعلقها .
( 5 ) . ق : بين .
31

في أوّل هذا التمهيد ما يستدلّ به اللبيب على هذا الأمر المشار إليه وعلّته وسببه وغير ذلك من الأسرار المتعلّقة بهذا الباب ، وسنزيد في بيان ذلك - إن شاء اللّه تعالى ، - فنقول : كلّ ما تتعلّق به المدارك العقليّة والذهنيّة : الخياليّة والحسّيّة جمعا وفرادى فليس بأمر زائد على حقائق مجرّدة بسيطة تألّفت بوجود واحد غير منقسم ، وظهرت لنفسها ، لكن بعضها في الظهور والحكم والحيطة والتعلّق تابع للبعض ، فتسمّى المتبوعة - لما ذكرنا من التقدّم - حقائق وعللا ووسائط بين الحقّ وما يتبعها في الوجود وما ذكرنا ، وتسمّى التابعة خواصّ ولوازم وعوارض وصفات وأحوالا ونسبا ومعلولات « 1 » ومشروطات ونحو ذلك ؛ ومتى اعتبرت هذه الحقائق مجرّدة عن الوجود وعن ارتباط بعضها بالبعض ولم يكن شيء منها مضافا إلى شيء ، أصلا ، خلت عن كلّ اسم وصفة ونعت وصورة وحكم خلوّا بالفعل لا بالقوّة ، فثبوت النعت والاسم والوصف بالتركيب والبساطة ، والظهور والخفاء ، والإدراك والمدركيّة ، والكلّيّة والجزئيّة ، والتبعيّة والمتبوعيّة وغير ذلك ممّا نبّهنا عليه وما لم نذكره للحقائق المجرّدة إنّما يصحّ ويبدو بانسحاب الحكم الوجودي عليها أوّلا ، ولكن من حيث تعيّن الوجود بالظهور في مرتبة مّا وبحسبها أو في مراتب ، كما سنزيد في بيان ذلك - إن شاء اللّه تعالى - وبارتباط أحكام بعضها بالبعض وظهور أثر بعضها بالوجود في البعض ثانيا ؛ فاعلم ذلك .
فالتعقّل والشهود الأوّل الجملي للحقائق المتبوعة يفيد معرفة كونها معاني مجرّدة من شأنها - إذا تعقّلت « 2 » متبوعة ومحيطة - أن تقبل صورا شتّى وتقترن بها ؛ لمناسبة ذاتيّة بينها وبين الصور القابلة لها ولآثارها ، والمقترنة بها ، وهذه المناسبة هي حكم الأصل الجامع بينها ، والمشتمل عليها ، وقد سبقت الإشارة إليها .
والتعقّل « 3 » والشهود الأوّل الجملي للحقائق التابعة يفيد معرفة كونها حقائق مجرّدة لا حكم لها ولا اسم ولا نعت أيضا ؛ ولكن من شأنها أنّها متى ظهرت في الوجود العيني تكون أعراضا للجواهر والحقائق المتقدّمة المتبوعة ، وصورا وصفات ولوازم ونحو ذلك .
...........................................................
( 1 ) . ب : معلومات .
( 2 ) . ق : عقلت .
( 3 ) . ق : فالتعقل .
32

والصورة : عبارة عمّا لا تعقل تلك الحقائق الأول ولا تظهر إلّا بها ، وهي - أعني الصورة - أيضا اسم مشترك يطلق على حقيقة كلّ شيء - جوهرا كان أو عرضا ، أو ما كان - وعلى نفس النوع والشكل والتخطيط أيضا حتّى يقال لهيئة الاجتماع : صورة ، كصورة الصفّ والعسكر ، ويقال : صورة للنظام المستحفظ كالشريعة . ومعقوليّة الصورة في نفسها حقيقة مجرّدة كسائر الحقائق .
وإذا عرفت هذا في الصور المشهودة على الأنحاء المعهودة ، فاعرف مثله في المسمّى مظهرا إلهيّا ؛ فإنّ التعريف الذي أشرت إليه يعمّ كلّ ما لا تظهر الحقائق الغيبيّة من حيث هي غيب إلّا به .
وقد استبان لك من هذه القاعدة - إن تأمّلتها حقّ التأمّل - أنّ الظهور والاجتماع ، والإيجاد والإظهار والاقتران والتوقّف والمناسبة ، والتقدّم والتأخّر والهيئة ، والجوهريّة والعرضيّة والصوريّة ، وكون الشيء مظهرا أو ظاهرا ، أو متبوعا أو تابعا ، ونحو ذلك كلّها معان مجرّدة ، ونسب معقولة . وبارتباط بعضها بالبعض وتألّفها بالوجود الواحد الذي ظهرت به لها كما قلنا يظهر للبعض على البعض تفاوت في الحيطة والتعلّق والحكم ، والتقدّم والتأخّر ، بحسب النسب المسمّاة فعلا وانفعالا ، وتأثيرا وتأثّرا ، وتبعيّة ومتبوعيّة ، وصفة وموصوفيّة ، ولزوميّة وملزوميّة ، ونحو ذلك ممّا ذكر . « 1 » ولكن وجود الجمع « 2 » وبقاؤه إنّما يحصل بسريان حكم الجمع الأحدي الوجودي الإلهي ، المظهر لها والظاهرة الحكم في « 3 » حضرته ، بسرّ أمره وإرادته .


تعذّر معرفة الحقائق المجرّدة
وبعد أن تقرّر هذا ، فاعلم أنّ معرفة حقائق الأشياء من حيث بساطتها وتجرّدها في الحضرة العلميّة الآتي حديثها متعذّرة ، وذلك لتعذّر إدراكنا شيئا من حيث أحديّتنا ؛ إذ لا تخلو من أحكام الكثرة أصلا . وأنّا « 4 » لا نعلم شيئا من حيث حقائقنا المجرّدة ، ولا من حيث
..............................................................
( 1 ) . ق : ذكرنا .
( 2 ) . ه : الجميع .
( 3 ) . ق : هي في .
( 4 ) . ق : فإنّا .
33

وجودنا فحسب ، بل من حيث اتّصاف أعياننا بالوجود ، وقيام الحياة بنا ، والعلم وارتفاع الموانع الحائلة بيننا وبين الشيء الذي نروم إدراكه ، بحيث يكون مستعدّا لأن يدرك ، فهذا أقلّ ما يتوقّف معرفتنا عليه ، وهذه جمعيّة كثرة وحقائق الأشياء في مقام تجرّدها وحدانيّة بسيطة ، والواحد والبسيط لا يدركه إلّا واحد وبسيط كما أومأت إليه من قبل ، وعلى ما سيوضّح سرّه عن قريب - إن شاء اللّه تعالى - فلم نعلم من الأشياء إلّا صفاتها وأعراضها من حيث هي صفات ولوازم لشيء مّا ، لا من حيث حقائقها المجرّدة ؛ إذ لو أدركنا شيئا من حيث حقيقته لا باعتبار صفة له أو خاصّة أو عارض أو لازم ، لجاز إدراك مثله ؛ فإنّ الحقائق من حيث هي حقائق متماثلة ، وما جاز على أحد من المثلين جاز على الآخر .
والمعرفة الإجماليّة المتعلّقة بحقائق الأشياء لم تحصل إلّا بعد تعلّقها - من كونها متعيّنة - بما تعيّنت به من الصفات أو الخواصّ أو العوارض « 1 » كما عرّفنا الصفة - من حيث تعيّنها - بمفهوم كونها صفة لموصوف مّا ، فأمّا كنه الحقائق من حيث تجرّدها فالعلم بها متعذّر إلّا من الوجه الخاصّ بارتفاع حكم النسب والصفات الكونيّة التقييديّة من العارف حال تحقّقه بمقام « كنت سمعه وبصره » وبالمرتبة التي فوقها ، المجاورة لها ، المختصّة بقرب الفرائض ، كما سنومئ إلى سرّ ذلك - إن شاء اللّه تعالى - ولهذا السرّ - الذي نبّهت على بعض أحكامه - أسرار أخر غامضة جدّا يعسر تفهيمها وتوصيلها ، أحدها حكم تجلّي الحقّ الساري في حقائق الممكنات الذي أشار شيخنا الإمام الأكمل ( رضي اللّه عنه ) إلى خاصّة من خواصّه تتعلّق بما كنّا فيه وذلك في قصيدة الهائيّة « 2 » يناجي فيها ربّه يقول في أثنائها :
ولست أدرك في شيء حقيقته * وكيف أدركه وأنتمو « 3 » فيهفلمّا وقف المؤهّلون للتلقّي من الجناب الإلهي المعتلي على مرتبة الأكوان والوسائط ، على هذه المقدّمات « 4 » والمنازل ، وتعدّوا بجذبات العناية الإلهيّة ما فيها من الحجب والمعاقد « 5 » ، شهدوا في أوّل أمرهم ببصائرهم أنّ صورة العالم مثال لعالم المعاني والحقائق ،
...............................................................
( 1 ) . ق : اللوازم .
( 2 ) . ه : الإلهية .
( 3 ) . ق ، ه : أنتم .
( 4 ) . ق : المقامات .
( 5 ) . ق : المعاقل .
34

فعلموا أنّ كلّ فرد فرد من أفراد صوره مظهر ومثال لحقيقة معنويّة غيبيّة ، وأنّ نسبة أعضاء الإنسان - الذي هو النسخة الجامعة - إلى قواه الباطنة نسبة صورة العالم إلى حقائقه الباطنة ، والحكم كالحكم فحال بصر الإنسان بالنسبة إلى المبصرات كحال البصيرة بالنسبة إلى المعقولات المعنويّة ، والمعلومات الغيبيّة ، ولمّا عجز البصر عن إدراك المبصرات الحقيرة مثل الذرّات والهباءات « 1 » ونحوهما ، وعن المبصرات العاليّة كوسط قرص الشمس عند كمال نوره ، فإنّه يتخيّل فيه سوادا لعجزه عن إدراكه ، مع أنّا نعلم أنّ الوسط منبع الأنوار والأشعّة ، ظهر أنّ تعلّق الإدراك البصري بما في طرفي الإفراط والتفريط من الخفاء التامّ والظهور التامّ متعذّر كما هو الأمر في النور المحض والظلمة المحضة في كونهما حجابين ، وأنّ بالمتوسّط بينهما الناتج منهما - وهو الضياء - تحصل الفائدة كما ستعرفه - إن شاء اللّه تعالى - .
فكذلك العقول والبصائر إنّما تدرك المعقولات والمعلومات المتوسّطة في الحقارة والعلوّ ، وتعجز عن المعقولات الحقيرة ، مثل مراتب الأمزجة والتغيّرات الجزئيّة على التعيين والتفصيل ، كالنماء والذبول في كلّ آن ، وعن إدراك الحقائق العاليّة القاهرة أيضا ، مثل ذات الحقّ جلّ وتعالى ، وحقائق أسمائه وصفاته إلّا باللّه ، كما ذكرنا .
ورأوا أيضا أنّ من الأشياء ما تعذّر عليهم إدراكه للبعد المفرط ، كحركة الحيوان « 2 » الصغير من المسافة البعيدة ، وكحركة جرم الشمس والكواكب في كلّ آن ، وهكذا الأمر في القرب المفرط ، فإنّ الهواء لاتّصاله بالحدقة يتعذّر إدراكه وكنفس الحدقة ، هذا في باب المبصرات ، وفي باب المعقولات والبصائر كالنفس التي هي المدركة من الإنسان ، وأقرب الأشياء نسبة إليه ، فيدرك الإنسان غيره ، ولا يدرك نفسه وحقيقته ، فتحقّق بهذا الطريق أيضا عجز البصائر والأبصار عن إدراك الحقائق الوجوديّة الإلهيّة والكونيّة ، وما تشتمل عليه من المعاني والأسرار . وظهر أنّ العلم الصحيح لا يحصل بالكسب والتعمّل ، ولا تستقلّ القوى البشريّة بتحصيله « 3 » ما لم تجد الحقّ بالفيض الأقدس الغيبي ، والإمداد بالتجلّي النوري العلمي الذاتي الآتي حديثه لكن قبول التجلّي يتوقّف على استعداد مثبت
...............................................................
( 1 ) . ه : ألهيآت .
( 2 ) . الحيواني .
( 3 ) . ق : بتحصيل .
35

يتبع
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 7 فبراير 2024 - 0:18 من طرف عبدالله المسافربالله

 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي


للمناسبة بين الملتجلّي والمتجلّى له ، حتى يصحّ الارتباط الذي يتوقّف عليه الأثر ، فإنّ لكلّ تجلّ في كلّ متجلّى له حكما وأثرا وصورة لا محالة أوّلها الحال الشهودي الذي يتضمّنه العلم الذوقي المحقّق ، هذا مع أنّ نفس التجلّي من حيث تعيّنه وظهوره من الغيب المطلق الذاتي هو تأثير « 1 » إلهي متعيّن من حضرة الذات في مرتبة المتجلّى له إذ هو المعيّن والمخصّص ، فافهم .
والأثر من كلّ مؤثّر في كلّ مؤثّر فيه ، لا يصحّ بدون الارتباط ، والارتباط لا يكون إلّا بمناسبة ، والمناسبة نسبة معنويّة لا تعقل إلّا بين المتناسبين . « 2 » ولا خلاف بين سائر المحقّقين من أهل الشرائع والأذواق والعقول السليمة [ في ] « 3 » أنّ حقيقة الحقّ سبحانه مجهولة ، لا يحيط بها علم أحد سواه ؛ لعدم المناسبة بين الحقّ من حيث ذاته وبين خلقه ؛ إذ لو ثبت المناسبة من وجه ، لكان الحقّ من ذلك الوجه مشابها للخلق ، مع امتيازه عنهم بما عدا ذلك الوجه وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فيلزم التركيب المؤذن بالفقر والإمكان المنافي للغنى والأحديّة ، ولكان الخلق أيضا - مع كونه ممكنا بالذات ومخلوقا - مماثلا للحقّ من وجه ؛ لأنّ من ماثل شيئا فقد ماثله ذلك الشيء ، والحقّ الواحد الغنيّ الذيلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ« 4 » يتعالى عن كلّ هذا وسواه ممّا لا يليق به .
ومع صحّة ما ذكرنا من الأمر المتّفق عليه ، فإنّ تأثير الحقّ في الخلق غير مشكوك فيه فأشكل الجمع بين الأمرين ، وعزّ الاطّلاع المحقّق على الأمر الكاشف لهذا السرّ ، مع أنّ جمهور الناس يظنّون أنّه في غاية الجلاء والوضوح وليس كذلك وأنا ألمع لك ببعض أسراره - إن شاء اللّه تعالى - فأقول :

سرّ الجهل بحقيقة اللّه تعالى
فأقول : إذا شاء الحقّ - سبحانه وتعالى - أن يطّلع على هذا الأمر بعض عباده عرّفهم أوّلا بسرّ نعت ذاته الغنيّة عن العالمين بالألوهيّة وما يتبعها من الأسماء والصفات والنعوت ثم
________________
( 1 ) . ق : تأثر .
( 2 ) . ق : المناسبين .
( 3 ) . ق : السليمة شرائع .
( 4 ) . الشورى ( 42 ) الآية 110 .
36

أراهم ارتباطها بالمألوه ، وأوقفهم على سرّ التضايف المنبّه على توقّف كلّ واحد من المتضايفين على الآخر وجودا وتقديرا ، فظهر لهم وجه مّا من وجوه المناسبة ، ثم نعت الألوهيّة بالوحدانيّة الثابتة عقلا وشرعا ووجدوها نسبة معقولة لا عين لها في الوجود ، فشهدوا وجها آخر من وجوه المناسبة ، وعرّفهم أيضا أنّ لكلّ موجود - سواء كان مركّبا من أجزاء كثيرة أو بسيطا بالنسبة أحديّة تخصّه وإن كانت أحديّة كثرة . وأنّ الغالب والحاكم عليه في كلّ زمان في ظاهره وباطنه حكم صفة من صفاته أو حقيقة من الحقائق التي تركّبت منها كثرته .
فأمّا من حيث ظاهره فلغلبة إحدى الكيفيّات الأربع « 1 » التي حدث عن اجتماعها مزاج بدنه - على باقيها . وأمّا من جهة الباطن فهو أيضا كذلك ؛ لأنّ الإرادة من كلّ مريد في كلّ حال وزمان لا يكون لها إلّا متعلّق واحد ، والقلب في الآن الواحد لا يسع إلّا أمرا واحدا ، وإن كان في قوّته أن يسع كلّ شيء .
وأراهم أيضا أحديّة كلّ شيء من حيث حقيقته المسمّاة ماهيّة وعينا ثابتة وهي عبارة عن نسبة كون الشيء متعيّنا في علم الحقّ أزلا ، وعلم الحقّ نسبة من نسب ذاته ، أو صفة ذاتيّة لا تفارق الموصوف ، كيف قلت على اختلاف المذهبين ، فنسبة معلوميّة كلّ موجود من حيث ثبوتها في العلم الإلهي لا تفارق الموصوف .
فظهر من هذه الوجوه المذكورة مناسبات أخر ، ولا سيّما باعتبار عدم المغايرة لعلم « 2 » الذات عند من يقول به ، فالألوهيّة نسبة ، والمعلوميّة نسبة ، والتعيّن نسبة ، وكذا الوحدة المنعوت بها الألوهيّة نسبة ، والعين الممكنة من حيث تعرّيها عن الوجود نسبة ، والتوجّه الإلهي للإيجاد بقول : « كن » ونحوه « 3 » نسبة ، والتجلّي المتعيّن من الغيب الذاتي المطلق والمخصّص بنسبة الإرادة ومتعلّقها من حيث تعيّنه نسبة ، والاشتراك الوجودي نسبة ، وكذا العلمي .
فصحّت المناسبة بما ذكرنا الآن وبما أسلفنا وغير ذلك ممّا سكتنا عنه احترازا عن
........................................................
( 1 ) . ب : الأربعة .
( 2 ) . ق : العلم .
( 3 ) . ه : نحوها .
37

الأفهام القاصرة ، والعقول الضعيفة والآفات اللازمة لها ، فظهر سرّ الارتباط ، فحصل الأثر برابطة المناسبة بين الإله والمألوه .

وسائل تحصيل العلم الذوقي
ثم نقول : فلمّا أدرك السالكون من أهل العناية ما ذكرنا ووقفوا على ما إليه أشرنا ، علموا أنّ حصول العلم الذوقي الصحيح من جهة الكشف الكامل الصريح يتوقّف بعد العناية الإلهيّة على تعطيل القوى الجزئيّة الظاهرة والباطنة من التصريفات التفصيليّة المختلفة المقصودة لمن تنسب إليه ، وتفريغ المحلّ عن كلّ علم واعتقاد ، بل عن كلّ شيء ما عدا المطلوب الحقّ ، ثم الإقبال عليه على ما يعلم نفسه بتوجّه كلّي جملي مقدّس عن سائر التعيّنات العاديّة والاعتقاديّة ، والاستحسانات التقليديّة والتعشّقات « 1 » النسبيّة ، على اختلاف متعلّقاتها الكونيّة وغيرها ، مع توحّد العزيمة والجمعيّة والإخلاص التامّ والمواظبة على هذا الحال على الدوام أو « 2 » في أكثر الأوقات ، دون فترة ولا تقسّم خاطر ، ولا تشتّت عزيمة ، فحينئذ تتمّ المناسبة بين النفس وبين الغيب الإلهي وحضرة القدس الذي هو ينبوع الوجود ، ومعدن التجلّيات الأسمائيّة الواصلة إلى كلّ موجود والمتعيّنة المتعدّدة في مرتبة كلّ متجلّى له وبحسبه لا بحسب المتجلّي الواحد المطلق سبحانه وتعالى شأنه .
ولكن « 3 » لهذه التجلّيات وأحكامها وكيفيّة قبولها وتلقّي آثارها وما يظهر منها وبها في القوابل أسرار جليلة لا يسع الوقت لذكر تفاصيلها ، وإنّما أذكر « 4 » على سبيل الإجمال والتنبيه ما يستدعي هذا الموضع والمقام العلميّ الذي نحن بصدد بيان مراتبه وأسرار ذكره إن شاء اللّه تعالى .
....................................................
( 1 ) . ق : التعسّفات .          ( 2 ) . ق : و .
( 3 ) . ق : لكن بدون واو .     ( 4 ) . ق : اذكر منها .
38

وصل من هذا الأصل
اعلم أنّ إمداد الحقّ وتجلّياته واصل إلى العالم في كلّ نفس ، وبالتحقيق الأتمّ ليس إلّا تجلّيا واحدا يظهر له بحسب القوابل ومراتبها واستعداداتها تعيّنات ، فيلحقه لذلك ، التعدّد والنعوت المختلفة والأسماء والصفات ، لا أنّ الأمر في نفسه متعدّد أو وروده طار ومتجدّد ، وإنّما التّقدّم والتأخّر وغيرهما - من أحول الممكنات التي توهم التجدّد والطريان والتقيّد والتغيّر ونحو ذلك - كالحالّ في التعدّد، وإلّا فالأمر أجلّ من أن ينحصر في إطلاق أو تقييد ، « 1 » أو اسم أو صفة أو نقصان أو مزيد.
وهذا التجلّي الأحديّ المشار إليه والآتي حديثه من بعد ليس غير النور الوجودي ، ولا يصل من الحقّ إلى الممكنات بعد الاتّصاف بالوجود وقبله غير ذلك ، وما سواه فإنّما هو أحكام الممكنات وآثارها تتّصل من بعضها بالبعض حال الظهور بالتجلّي الوجودي الوحداني المذكور .
ولمّا لم يكن الوجود ذاتيّا لسوى الحقّ بل مستفادا من تجلّيه ، افتقر العالم في بقائه إلى الإمداد الوجودي الأحدي مع الآنات ، دون فترة ولا انقطاع ؛ إذ لو انقطع الإمداد المذكور طرفة عين لفنى العالم دفعة واحدة، فإنّ الحكم العدميّ أمر لازم للممكن ، والوجود عارض له من موجده.
ثم نقول : ولا يخلو السالك في كلّ حين من أن يكون الغالب عليه حكم التفرقة أو الجمع الوحدانيّ النعت ، كما أنّه لا يخلو أيضا فيما يقام فيه من الأحوال من غلبة حكم إحدى
........................................................
( 1 ) . ب : تقيد .
40

صفاته على أحكام باقيها ، كما بيّنّاه ، فإن كان في حال تفرقة - وأعني بالتفرقة هاهنا « 1 » عدم خلوّ الباطن من الأحكام الكونيّة وشوائب التعلّقات - فإنّ التجلّي عند وروده عليه يتلبّس بحكم الصفة الحاكمة على القلب ، وينصبغ بحكم الكثرة المستولية عليه ، ثم يسري الأمر بسرّ الارتباط في سائر الصفات النفسانيّة والقوى البدنيّة سريان أحكام الصفات المذكورة فيما يصدر عن الإنسان من الأفعال والآثار ، حتى في أولاده وأعماله وعباداته التابعة لنيّته وحضوره العلمي .
والنتائج الحاصلة من ذلك كلّه عاجلا وآجلا ، وتذكّر
قوله صلّى اللّه عليه وآله : « الولد سرّ أبيه » 
و « الرضاع يغيّر الطباع »
ونحو ذلك ممّا اتّضح عند اولي البصائر « 2 » والألباب فلم يختلفوا فيه ، وكانصباغ النور العديم « 3 » اللون بألوان ما يشرق عليه من الزجاج ، فتتكثّر صفات التجلّي بحسب ما يشرق ويمرّ عليه ويتّصل به من صفات المتجلّى له وقواه حتى ينفذ فيه أمر الحقّ اللازم لذلك التجلّي .
فإذا انتهى السالك إلى الغاية التي حدّها الحق وشاءها ، انسلخ عن التجلّي حكم تلك الصفات الكونيّة ، فيعود عودا معنويا إلى حضرة الغيب بتفصيل يطول وصفه ، بل يحرم كشفه .
وهكذا حكم التجلّيات الإلهيّة مع أكثر العالم فيما هم فيه ؛ فإنّ أوامر الحقّ الإرادية الذاتيّة تنفذ فيهم وهم لا يشعرون بسرّ موردها ومصدرها .
فإن كان المتجلّى له في حال جمع متوحّد مع التعرّي عن أحكام التعلّقات الكونيّة على نحو ما مرّ ذكره ، فإنّ أول ما يشرق نور التجلّي على قلبه الوحدانىّ النعت ، التامّ التجلّي ، المعقول « 4 » عن صداء الأكوان والعلائق توحّدت أحكام الأحديّات الكلّيّة المتشعّبة من الأحديّة الأصليّة في المراتب التي اشتملت عليها ذاته كحكم أحديّة عينه الثابتة وأحديّة التجلّي الأوّل الذي ظهر به عينه له ، وبهذه الأحديّة من حيث التجلّي المذكور قبل العبد الإمداد الإلهي الذي كان به بقاؤه إلى ساعته تلك ، ولكن بحسب الأمر الغالب عليه وأحدية
.............................................................
( 1 ) . ق : هنا .             ( 2 ) . ق : الأبصار .
( 3 ) . ق : القديم .
( 4 ) . كذا في الأصل والمصقول أنسب .
41

الصفة الحاكمة عليه حين التجلّي الثاني ، الحاصل لدى الفتح ، بل المنتج له ، فالذي للعين الثابتة في التجلّي الأوّل تقييده بصفة التعيّن فقط ، والذي للصفة الغالبة الوجوديّة صبغ التجلّي بعد تعيّنه بوصف خاصّ يفيد حكما معيّنا أو أحكاما شتّى ، كما سبق التنبيه عليه .
فإذا حصل التوحيد « 1 » المذكور ، اندرجت تلك الأحكام المتعدّدة المنسوبة إلى الأحديّات والمتفرّعة منها في الأصل الجامع لها ، فانصبغ المحلّ والصفة الحاكمة بحكم التجلّي الأحدي الجمعي ، ثم ينصبغ التجلّي بحكم المحلّ .
ثم أشرق ذلك النور على الصفات والقوى ، وسرى حكمه فيها ، فتكتسى حالتئذ سائر حقائق ذات المتجلّى له وصفاته حكم ذلك التجلّي الوحداني ، وتنصبغ به انصباغا « 2 » يوجب اضمحلال أحكام تلك الكثرة وإخفاءها دون زوالها بالكلّيّة ؛ « 3 » لاستحالة ذلك .
ثم لا يخلو إمّا أن يتعيّن التجلي بحسب مرتبة الاسم « الظاهر » ، أو بحسب مرتبة الاسم « الباطن » أو بحسب مرتبة الاسم « الجامع » ؛ لانحصار كلّيّات مراتب التجلّي فيما ذكرنا .
فإن اختصّ بالاسم « الظاهر » وكان التجلّي في عالم الشهادة ، أفاد المتجلّى له رؤية الحقّ في كلّ شيء رؤية حال فظهر سرّ حكم التوحيد في مرتبة طبيعته وقواها الحسّيّة والخياليّة ، ولم يزهد في شيء من الموجودات .
وإن اختصّ بالاسم « الباطن » وكان إدراك المتجلّى له ما أدركه بعالم غيبه وفيه ، أفاده معرفة أحديّة الوجود ونفيه عن سوى الحقّ دون حال ، وظهر سرّ التوحيد والمعرفة اللازمة له في مرتبة عقله ، وزهد في الموجودات الظاهرة ، وضاق عنه كلّ كثرة وحكمها .
وإن اختصّ التجلّي بالاسم « الجامع » وأدركه المدرك من حيث مرتبته الوسطى الجامعة بين الغيب والشهادة وفيها ، استشرف على الطرفين ، وفاز بالجمع بين الحسنيين ، ولهذا المقام أحكام متداخلة وأسرار غامضة يفضي شرحها إلى بسط وتطويل ، فأضربت عن ذكرها طلبا للإيجاز . واللّه وليّ الهداية .
ثم نقول : وهذه التجلّيات هي تجلّيات الأسماء ، فإن لم يغلب على قلب المتجلّى له حكم
.............................................................
( 1 ) . ق : التوحد .             ( 2 ) . ب : انصباغات .
( 3 ) . ق : الكليّة .
42

 صفة « 1 » التعيين ، وتطهّر « 2 » عن سائر التعلّقات « 3 » بالكلّيّة حتى عن التوجّه إلى الحقّ باعتقاد خاصّ ، أو الالتجاء إليه من حيث اسم مخصوص ، أو مرتبة وحضرة معيّنة ، فإنّ التجلّي حينئذ يظهر بحسب أحديّة الجمع الذاتي ، فتشرق شمس الذات على مرآة حقيقة القلب من حيث أحديّة جمع القلب أيضا وهي الصفة التي صحّ بها للقلب الإنساني مقام المضاهاة وأن يتّسع لانطباع التجلّي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى والعالم الأسفل بما اشتملا عليه ، كما ورد به الإخبار « 4 » الإلهي بواسطة النبي صلّى اللّه عليه وآله
بقوله : « ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقيّ النقيّ »
« 5 » وأن يكون مستوى له وظاهرا بصورته ، ثم تتبحّر « 6 » ساحة القلب بالاستواء الإلهي ، وتتفرّع جداوله بعد التبحّر « 7 » والتوحّد « 8 » بحسب نسب الأسماء علوا في مراتب صفاته الروحانيّة ، وسفلا في مراتب قواه الطبيعيّة « 9 » ، وتحرق حينئذ أشعّة شمس الذات ، المسمّاة بالسبحات متعلّقات مدارك البصر ، وتقوم القيامة المختصّة به ، فيقول « 10 » لسان الاسم « الحقّ » :لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ« 11 » فإذا لم يبق نسبة كونيّة يظهر لها حكم وعين ودعوى ، أجاب الحقّ نفسه بنفسه ، فقال :لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِفإنّه قهر بالحكم الآخر من تجلّيه الأوّل المستجنّ فيمن حاله ما ذكرناه « 12 » آنفا أحكام الأكوان ودعاوي الأغيار المزاحمين لمقام الربوبيّة ، والمنازعين لأحديّته بإخفاء كثرتهم وحكمها .
فإذا استهلكوا تحت قهر الأحديّة وصاروا كأنّهم « 13 » أعجاز نخل خاوية ، ولم تر لهم من باقية ، ظهر سرّ الاستواء الإلهي الجمعي الكمالي ، على هذا القلب الإنساني ، فينطق لسان مرتبة المستوي بنحو ما نطق عقيب الاستواء الرحماني فيقول :لَهُ ما فِي السَّماواتِ وهي مرتبة العلوّ من صفات الإنسان المذكور الذي هو مستوى « 14 » الاسم « اللّه » وصاحب مرتبة
..........................................................
( 1 ) . ق ، ه : صفة على التعيين .        ( 2 ) . ق : تظهر .
( 3 ) . ق : العلائق .                        ( 4 ) . ب : وردت الأخبار .
( 5 ) . إحياء علوم الدين ، ج 3 ، ص 12 .
( 6 ) . ق : تتبخّر .                          ( 7 ) . ق : التبخّر .
( 8 ) . ب : التوحيد .                        ( 9 ) . ق : الطبيعة .
( 10 ) . ق : فنقول .                        ( 11 ) . غافر ( 40 ) الآية 16 .
( 12 ) . ق : ذكره .                        ( 13 ) . ه . ق : كأنّها .
( 14 ) . ق : مستولى .
43

المضاهاة كما بيّن وَما فِي الْأَرْضِ وهو مرتبة سفله وطبيعته من حيث الاعتبار أيضا وما بينهما وهو مرتبة جمعه وَما تَحْتَ الثَّرى وهو نتائج أحكام طبيعته التي سفل « 1 » عن مرتبة الطبيعة من كونها منفعلة عنها ؛ إذ رتبة المنفعل تحت مرتبة الفاعل من كونه فاعلا وتمّ الأمر وحينئذ يظهر قرب الفرائض المقابل لقرب النوافل المشار إليهما في الحديثين المشهورين بـ " كنت سمعه وبصره " 
و بقوله : " إنّ اللّه قال على لسان عبده : سمع اللّه لمن حمده " 
ثم يقول لسان « 2 » مرتبة الاسم « اللّه » :اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى« 3 » لانقلاب كلّ صفة وقوّة من صفات العبد وقواه اسما من أسماء الحقّ ويبقى العبد مستورا خلف حجاب غيب ربّه فينشد لسان حاله حقيقة لا مجازا، شعر:
تسترت عن دهري بظل جناحه 4 ..... فعيني ترى دهري و ليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما...... و أين مكاني ما درين مكاني ما درين 
مكاني لأنّه تنزّه عن الكيف والأين ، وحصل في العين ، واحتجب « 5 » من حيث مرتبته « 6 » عن عقل كلّ كون وعين ، في مقام العزّة والصون . 
ثم يتلى عليه من تلك الإشارات بلسان الحال « 7 » قوله تعالى :وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ« 8 » وهي الأحكام الكونيّة المظهرة حكم الكثرة من حيث ظهورها بهذا الإنسان ونسبة الفعل فيها إليه فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً« 9 » بأحديّة الجمع الإلهي كما مرّ ذكره ،أَصْحابُ الْجَنَّةِ، وهم أهل الستر الإلهي الغيبي المشار إليه: بـ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا« 10 » 
وأيّ مقيل ومستقرّ خير وأحسن من الثبوت في غيب الذات وستره والتحرّز من عبوديّة « 11 » الأكوان والأغيار ، وقيام الحقّ عنه بكلّ ما يريده سبحانه منه ؟ 
ثم قال :وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ« 12 » فالسماء بلسان المقام المشار إليه لمرتبة العلوّ لا محالة ، والعلوّ في
........................................................................
( 1 ) . ق : تسفل .                          ( 2 ) . ق : بلسان .
( 3 ) . طه ( 20 ) الآية 8 .               ( 4 ) . ق : جنابه .
( 5 ) . ق : فاحتجب .                       ( 6 ) . ه : مرتبة .
( 7 ) . ق : الجمال .                         ( 8 ) . الفرقان ( 25 ) الآيات 23 - 25 .
( 9 ) . الفرقان ( 25 ) الآية 23 .         ( 10 ) . الفرقان ( 25 ) الآية 24 .
( 11 ) . ق : التجرد من عبوديته .
( 12 ) . الفرقان ( 25 ) الآيات 23 - 25 .
44

الحقيقة للمراتب المحكمة « 1 » بالتأثير في سائر الموجودات الأثر مخصوص بها ، وعلوّ درجة المؤثّر على درجة المؤثّر فيه معلوم . 
فالغمام هو الحكم العمائيّ المنبّه عليه في التعريفات النبويّة والإلهيّة وقد أشرت إلى أنّه النفس الرحماني وحضرة الجمع ، وأنّه النور الكاشف للموجودات والمحيط بها والمظهر بفتحه ، وانشقاقه تميّزها العلمي " 2 " الأزلي ، ولذلك أخبر سبحانه عن نفسه ، وحكم في آخر الأمر يوم القيامة بقوله :هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ« 3 » الآية . 
فيفصّل بين الأمور ، ويميّز الخبيث من الطيّب ، فظهر في الخاتمة سرّ السابقة الأولى ، وتمّت المضاهاة المظهرة حكم الأمر الجامع بين الأوّل والآخر « 4 »، والظاهر والباطن ، فافهم .

لا حلول ولا اتّحاد 
ثم نقول : ولا شكّ أنّ مرتبة هذا العبد المشار إليه وأمثاله من جملة المراتب الداخلة تحت الحيطة العمائيّة المذكورة ، فيظهر بما قلنا تميّز مرتبته من حيث نسبته العدميّة وظلمته الإمكانيّة ، من مرتبة موجده برجوع الحكم الوجودي المستعار إلى الحقّ الذي هو الوجود البحت والنور الخالص " 5 " 
وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ التي هي مظاهر الأسماء حاملة للرسالات الذاتيّة في المنازل التي لها في مقام هذا العبد الجامع الحائز من حيث كونه نسخة ومرآة تامّة صورة حضرة ربّه حين تقديس ربّه إيّاه عن الظلمات البشريّة والأحكام الكونيّة . 
فإذا استقرّت الأسماء في المنازل المذكورة ، - وذلك بانقلاب صفاته وقواه أسماء وصفات إلهيّة كما أومأت إليه - ترتّب حينئذ حكم الآية التي تلي هذه الآيات 
وهي قوله تعالى :الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ« 6 » الساترين - كما قلنا - بكثرتهم أحكام الأحديّة عَسِيراً فإنّه يعسر على الشيء ذهاب عينه ، ويعسر على السالك صاحب هذا الحال قبل التحقّق بالمقام المذكور الانسلاخ والتخلّي ممّا « 7 » قلناه أشدّ العسر 
.........................................................
( 1 ) . ق : المتحكّمة .
( 2 ) . ق ، ه : العلمي الغيبي .
( 3 ) . البقرة ( 2 ) الآية 210 .
( 4 ) . ق ، ه : الآخر والباطن .
( 5 ) . ق : الخاص .
( 6 ) . الفرقان ( 25 ) الآية 26 .
( 7 ) . ق : ما .
45

[ يصعب ] التحقّق والتحلّي « 1 » بما وصفنا أشدّ الصعوبة 
ولكن « عند الصباح يحمد القوم السّرى » 
جعلنا اللّه وسائر الإخوان من أهل هذا المقام العليّ وأرباب هذا الحال السنيّ . آمين

علم اللّه حقيقة وعلم العبد مجاز 
ثم نقول : فإذا انتهى السالك إلى هذا المقام المستور ، وتحقّق بما شرحناه من الأمور ، ورأى بعين ربّه ربّه ، وتحقّق بعكس ذلك أيضا ، أضيف العلم والمعرفة إليه من حيث ربّه لا من حيث هو ولا بحسبه ، وكذا سائر الصفات . 
ثم يعلم « 2 » على هذا الوجه نفسه أيضا التي هي أقرب الأشياء الكونيّة نسبة إليه ولكن بعد التحقّق بمعرفة الربّ على النحو المشار إليه . 
ثم يعلم ما شاء الحقّ أن يعلمه به من الأسماء والحقائق المجرّدة الكلّيّة ، بصفة وحدانيّة جامعة كلّيّة نزيهة البتّة « 3 » ، فيكون علمه بحقائق الأشياء وإدراكه لها في مرتبة كلّيّتها حاصلا بالصفة الوحدانيّة الجامعة الإلهيّة ، الحاصلة لدى التجلّي المذكور الصابغ له ، والمذهب بأحديته حكم كثرته الكونيّة الإمكانيّة ، وحكم أحديّاته المنبّه عليها من قبل ، عند الكلام على سرّ الأثر والمناسبة ، فتذكّر . 
ثم يدرك أحكام تلك الحقائق وخواصّها وأعراضها ولوازمها بأحكام هذا التجلّي الأحدي الجمعي ، والصفة الكلّيّة المذكورة التي تهيّأ بها للتلبّس بحكم هذا التجلّي الذاتي ، والنور الغيبي العلمي المشار إليه .

سرّ الاستفاضة من العلم اللدنّيّ 
وسرّ ذلك وصورته : أنّ الإنسان برزخ بين الحضرة الإلهيّة والكونيّة ، ونسخة جامعة لهما و « 4 » لما اشتملتا عليه كما ذكر « 5 » ، فليس شيء من الأشياء إلّا وهو مرتسم في مرتبته التي هي عبارة عن جمعيّته . 
والمتعيّن بما اشتملت عليه نسخة وجوده ، وحوتها مرتبته
............................................................
( 1 ) . ق : التجلّي .
( 2 ) . ب : يعرف .
( 3 ) . ب : بهيّة إليه .
( 4 ) . ق ، ه : لم يرد .
( 5 ) . ق : ذكره ، ب : ذكرنا .
46

في كلّ وقت وحال ونشأة وموطن إنّما هو ما يستدعيه حكم المناسبة التي بينه وبين ذلك الحال والوقت والنشأة والموطن وأهله ، كما هو سنّة الحقّ من حيث نسبة تعلّقه بالعالم وتعلّق العالم به وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ، فما لم يتخلّص الإنسان من ربقة قيود الصفات الجزئيّة والأحكام الكونيّة ، يكون إدراكه مقيّدا بحسب الصفة الجزئيّة الحاكمة عليه على الوجه المذكور ، فلا يدرك بها إلّا ما يقابلها من أمثالها ، وما تحت حيطتها لا غير . 
فإذا تجرّد من أحكام القيود والميول « 1 » والمجاذبات الانحرافيّة الأطرافيّة الجزئيّة ، وانتهى إلى هذا المقام الجمعي الوسطي المشار إليه ، الذي هو نقطة المسامتة الكلّيّة ، ومركز الدائرة « 2 » الجامعة لمراتب الاعتدالات كلّها ، المعنويّة والروحانيّة ، والمثاليّة والحسّيّة ، المشار إليه آنفا ، واتّصف بالحال الذي شرحته ، قام للحضرتين « 3 » في مقام محاذاته المعنويّة البرزخيّة ، فواجههما « 4 » بذاته كحال النقطة مع كلّ جزء من أجزاء المحيط ، وقابل كلّ حقيقة من الحقائق الإلهيّة والكونيّة بما فيه منه من كونه نسخة من جملتها ، فأدرك بكلّ فرد من أفراد نسخة وجوده ما يقابلها من الحقائق في الحضرتين ، فحصل له العلم المحقّق بحقائق الأشياء وأصولها ومبادئها ؛ لإدراكه لها « 5 » في مقام تجريدها ، ثم يدركها من حيث جملتها وجمعيّتها بجملته وجمعيّته ، فلم يختلف عليه أمر ، ولم ينتقض عليه حال ولا حكم بخلاف من بيّن حاله من قبل ، ولولا القيود الآتي ذكرها ، لاستمرّ حكم هذا الشهود ، وظهرت آثاره على المشاهد ، ولكنّ الجمعيّة التامّة الكماليّة تمنع من ذلك ، لأنّها تقتضي الاستيعاب المستلزم للظهور بكلّ وصف ، والتلبّس بكلّ حال وحكم . 
والثبات على هذه الحالة الخاصّة المذكورة - وإن جلّ - يقدح فيما ذكرنا من الحيطة الكماليّة والاستيعاب الذي ظهر به الحقّ من حيث هذه الصورة العامّة الوجوديّة التامّة ، التي هي الميزان الأتمّ ، والمظهر الأكمل الأشمل الأعمّ . 
ثم نقول : ومن نتائج هذا الذوق الشامل ، والكشف الكامل الاستشراف على غايات
................................................................
( 1 ) . ق : الميال .
( 2 ) . ق : الدائرة الكبرى .
( 3 ) . ب : الحضرتين .
( 4 ) . ب : فواجهها .
( 5 ) . ب : لإدراكها .
47

المدارك الفكريّة « 1 » ، والاطّلاعات النظريّة وغير النظريّة ، التي لا تتعدّى العوارض والصفات والخواصّ واللوازم ، كما سبق التنبيه عليه . 
فيعرف صاحبه غاية ما أدرك كلّ مفكّر بفكره ، واطّلع عليه بحسّه ونظره ؛ ويعرف سبب تخطئة الناظرين بعضهم بعضا ، وما الذي أدركوه وما فاتهم ، ومن أيّ وجه أصابوا ؟ ومن أيّة [ جهة ] أخطئوا ؟ وهكذا حاله مع أهل الأذواق - الذين « 2 » لم يتحقّقوا بالذوق الجامع - وغير هم من أهل الاعتقادات الظنّيّة والتقليديّة ؛ فإنّه يعرف مراتب الذائقين والمقلّد وما [ هو ] الحاكم عليهم من الأسماء والأحوال والمقامات ، الذي أوجب لهم تعشّقهم وتقيّدهم بما هم فيه ، ومن له أهليّة الترقّي من ذلك ، ومن ليس له ، فيقيم أعذار الخلائق أجمعين ، وهم له منكرون ، وبمكانته جاهلون . 
فهذا يا إخواني حال المتمكّنين من أهل اللّه في علمهم الموهوب ، وكشفهم التامّ المطلوب ، ولا تظنّوها الغاية التامّة فما « 3 » من طامّة إلّا فوقها طامّة ، ولهذا التحقّق والاستشراف لم يقع بين الرسل والأنبياء والكمّل من الأولياء خلاف في أصول مأخذهم ونتائجها وما بيّنوه من أحكام الحضرات الأصليّة الإلهيّة ، وإن تفاضلوا في الاطّلاع والبيان . 
وما نقل من الخلاف عنهم فإنّما ذلك في جزئيّات الأمور والأحكام الإلهيّة المشروعة ؛ لكونها تابعة لأحوال المكلّفين وأزمانهم ، وما تواطؤوا عليه وما اقتضته « 4 » مصالحهم ، فتتعيّن « 5 » الأحكام الإلهيّة في كلّ زمان بواسطة رسول ذلك الزمان بما هو الأنفع لأهله حسب ما يستدعيه استعدادهم وحالهم وأهليّتهم وموطنهم . 
وأمّا هم فيما بينهم بعضهم مع بعض عليهم السّلام فيما « 6 » يخبرون به عن الحقّ ممّا عدا الأحكام الجزئيّة المشار إليه فمتّفقون ، وكلّ تال يقرّر قول من تقدّمه ، ويصدّقه ؛ لاتّحاد أصل مأخذهم وصفاء محلّهم حال التلقّي من الحقّ عن أحكام العلوم المكتسبة والعقائد
...............................................................
( 1 ) . ق : الذكرية .
( 2 ) . ح . س : الذين لم يتحقّق ، ق : لم يتحقّقوا .
( 3 ) . ب : وأمن .                ( 4 ) . ق : أقبضته .
( 5 ) . ب : فتعيّن .                ( 6 ) . ه : ما .
48

والتعلّقات وغير « 1 » ذلك ممّا سبق التنبيه عليه . 
وهكذا أكابر الأولياء - رضي اللّه عنهم - لا يتصوّر بينهم خلاف في أصل إلهي أصلا ، وإنّما يقع ذلك - كما قلنا « 2 » - في أمور جزئيّة ، أو بين المتوسّطين وأهل البداية من أهل الأحوال وأصحاب المكاشفات الظاهرة ، الذين يبرز لهم الحقائق والحضرات وغيرهما ممّا لا يدرك إلّا كشفا في ملابس مثاليّة . 
فإنّ هذا النوع من الكشف لا يتحقّق بمعرفته ومعرفة مراد الحقّ منه إلّا بعلم حاصل من الكشف المعنوي الغيبي المعتلي عن مراتب المثل والموادّ ، وإخبار « 3 » إلهي برفع الوسائط ، معتل « 4 » عن « 5 » الحضرات القيديّة « 6 » والأحكام الكونيّة . 
ومن هذا الذوق يعلم أيضا سرّ الكلام والكتابة « 7 » الإلهيّين ، وحكمهما في القلوب بصفة العلم والإيمان ، وحقيقة قرب الفرائض والنوافل وثمراتهما ، وسرّ خروج العبد من حكم القيود الكونيّة والتقيّدات الأسمائيّة والصفاتيّة إلى فسيح حضرات « 8 » القدس ، وتحقّقه بمعرفة الأشياء كما سبقت الإشارة إليه . 
ولهذا الذوق والمقام المثمر له ، فوائد عزيزة وثمرات جليلة ، ولا نحتاج « 9 » في هذا الموضع إلى التنبيه على غير ما أشرنا إليه ، ممّا استدعاه السرّ العلمي الذي جاء هذا الكلام شارحا بعض أحكامه في بعض مراتبه ، وأذكر « 10 » من نفائس أسرار هذا المقام وتتمّاته عند الكلام على قوله تعالى :اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ« 11 » ما تستدعيه الآية ، وحسب ما يقدّر الحقّ ذكره إن شاء اللّه تعالى .
.............................................................
( 1 ) . ق : نحو .        ( 2 ) . ق : قلت .
( 3 ) . ق : أو الأخبار .  ( 4 ) . ه : معتلى .
( 5 ) . ق : على .       ( 6 ) . ق : التقيدية .
( 7 ) . ق : حضرة .     ( 8 ) . ق : حضرة .
( 9 ) . لا يحتاج ، ه : لا نحتاج .
( 10 ) . ق : سأذكر ، ه : ذكر .
( 11 ) . الفاتحة ( 1 ) الآية 6 .
49

وصل 
لا بدّ قبل الخوض في تفصيل بقيّة قواعد هذا التمهيد الكلّي من التنبيه على ألفاظ يسيرة يتكرّر ذكرها في هذا الكتاب ، وسيّما فيما بعد ، ربما توجب شغبا واشتباها على من لا معرفة له باصطلاح أهل الذوق ، فإذا نبّه عليها لم تعتص عليه معرفة المقصود منها ، واستغنى أيضا عن تكرار جميعها بذكر أحدها حين الكلام على المرتبة التي هي أصلها . 
اللهمّ إلّا أن يكون في الأمر المتكلّم فيه مزيد غموض ، فإنّي أتحرّى الإيضاح بذكر النعوت ؛ خوفا من نسيان المتأمّل ما سبق التنبيه عليه .

1 - الغيب المطلق 
فاعلم أنّي متى ذكرت الغيب المطلق في هذا الكتاب فهو إشارة إلى ذات الحقّ سبحانه وتعالى وهويّته من حيث بطونه وإطلاقه وعدم الإحاطة بكنهه وتقدّمه على الأشياء وإحاطته بها ، وهو بعينه النور المحض والوجود البحت ، والمنعوت بمقام العزّة والغنى .

2 . البرزخ الأوّل 
ومتى ذكرت البرزخ الأوّل ، وحضرة الأسماء والحدّ الفاصل ، ومقام الإنسان الكامل من حيث هو إنسان كامل ، وحضرة أحديّة الجمع والوجود ، وأوّل مراتب التعيّن ، وصاحبة الأحديّة ، وآخر مرتبة الغيب ، وأوّل مرتبة الشهادة بالنسبة إلى الغيب المطلق ومحلّ نفوذ الاقتدار ، فهو إشارة إلى العماء الذي هو النفس الرحماني ، وهو بعينه الغيب الإضافي الأوّل بالنسبة إلى معقوليّة الهويّة التي لها الغيب المطلق ، فإن أطلقت ولم أنعت ، أو قلت : الغيب الإلهي ، فإنّي أريد الغيب المطلق . 

3 . ومتى أضفت شيئا إلى الطبيعة ، فقلت : الطبيعي ، فالمراد : كلّ ما للطبيعة فيه حكم ، والطبيعة عندنا عبارة عن الحقيقة الجامعة للحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، والحاكمة على هذه الكيفيّات الأربع . والعنصري : ما كان متولّدا من الأركان الأربعة : النار ، والهواء ، والماء ، والتراب ، والسماوات السبع وما فيها عند أهل الذوق من العناصر ، فاستحضر ما نبّهت عليه ، وما سوى هذا الغيب والنفس من المراتب فإنّي أعرّفها عند ذكري لها بما يعلم منه المقصود . 

وها أنا أوضّح الآن ما تبقى من أسرار العلم المحقّق ومراتبه والكلام ، ثم أذكر القواعد الكلّيّة التي تضمّنها هذا التمهيد ، وبدء الأمر الإيجادي وسرّه ، ثم يقع الشروع في الكلام على أسرار :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ« 1 » ثم أذكر المفاتيح المتضمّنة « 2 » سرّ ما حوته الفاتحة ، والوجود الذي هو الكتاب الكبير على سبيل التنبيه الإجمالي ، وحينئذ أشرع في الكلام على الفاتحة آية بعد آية إن شاء اللّه تعالى .

أسرار علم التحقيق 
وإذا تقرّر هذا ، فاعلم أنّ العلم حقيقة مجرّدة كلّيّة ، لها نسب وخواصّ وأحكام وعوارض ولوازم ومراتب وهو من الأسماء الذاتيّة الإلهيّة ، ولا يمتاز عن الغيب المطلق إلّا بتعيّن « 3 » مرتبته من حيث تسميته علما ، وموصوفيّته بأنّه كاشف للأمور ومظهر لها ، والغيب المطلق لا يتعيّن له مرتبة ولا اسم ولا نعت ولا صفة ولا غير ذلك إلّا بحسب المظاهر والمراتب ، كما سنشير إليه .


لا يجوز تعريف العلم 
والعلم هو عين النور لا يدرك شيء إلّا به ولا يوجد أمر بدونه ، ولشدّة ظهوره لا يمكن
...........................................................
( 1 ) . الفاتحة ( 1 ) الآية 1 .
( 2 ) . ق : المضمّنة .
( 3 ) . ق : بتعيين .


تعريفه ؛ إذ من شرط المعرّف أن يكون أجلى من المعرّف وسابقا عليه ، وما ثمّة ما هو أجلى من العلم ولا سابق عليه إلّا غيب الذات ، الذي لا يحيط به علم أحد غير الحقّ . 
وتقدّم نسبة الحياة عليه تقدم شرطي باعتبار المغايرة لا مطلقا ، ومع ذلك فلا يثبت تقدّمه إلّا بالعلم .

لم جاء التعريف أحيانا ؟ 

فالمعرّف للعلم إمّا جاهل بسرّه ، وإمّا عارف يقصد التنبيه على مرتبته من حيث بعض صفاته ، لا التعريف التامّ له ، ولهذا التعريف التنبيهي سرّ وهو كون المعرّف العارف إنّما يعرّف بحكم من أحكام العلم وصفة من صفاته حكما آخر أو صفة أخرى من أحكام العلم أيضا وصفاته ، فيكون القدر الحاصل من المعرفة بالعلم إنّما حصل به لا بغيره فيكون الشيء هو المعرّف نفسه ، ولكن لا من حيث أحديّته ، بل من حيث نسبه ، وهذا هو سرّ الأدلّة والتعريفات والتأثيرات كلّها على اختلاف مراتبها ومتعلّقاتها . 
ومن هذا السرّ ينبه الفطن قبل تحقّقه بالمكاشفات الإلهيّة لسرّ قول المحقّقين : « لا يعرف اللّه إلّا اللّه » ولقولهم : « التجلّي في الأحديّة محال » مع اتّفاقهم على أحديّة الحقّ ودوام تجلّيه لمن شاء من عباده من غير تكرار التجلّي ، سواء كان المتجلّى له واحدا أو أكثر من واحد ، فافهم وتدبّر هذه الكلمات اليسيرة ؛ فإنّها مفاتيح لأمور كثيرة ، وأسرار كبيرة .


ما في الوجود من العلم 
ثم نقول : فالظاهر من الموجودات ليس غير تعيّنات نسب العلم الذي هو النور المحض ، تخصص « 1 » وتخصّص بحسب حكم الأعيان الثابتة ، ثم انصبغت الأعيان بأحكام بعضها في البعض بحسب مراتبها التي هي الأسماء ، فظهرت به - أعني النور - وتعيّن بها وتعدّد . 
فمتى حصل تجلّ ذاتي غيبي لأحد من الوجه الخاصّ يرفع أحكام الوسائط ؛ فإنّه يقهر - كما قلنا - بأحديّته أحكام الأصباغ العينيّة الكونية ، المسمّاة حجبا نوريّة إن كانت أحكام
..........................................................
( 1 ) . ق : في تخصّص .


الروحانيّات ، وحجبا ظلمانيّة إن كانت أحكام الموجودات الطبيعيّة والجسمانيّات ، فإذا قهرها هذا التجلّي المذكور ، وأظهر حكم الأحديّة المستجنّة في الكثرة اللازمة لذلك الموجود المتجلّى له على نحو ما مرّ ، اتّحدت أحكام الأحديّات المذكورة من قبل في الأصل الجامع لها ، وارتفعت موجبات التغاير بظهور حكم اتّحاد الأحكام المتفرّعة من الواحد الأحد ، كما سبقت الإشارة إليه فسقطت أحكام النسب التفصيليّة والاعتبارات الكونيّة بشروق شمس الأحديّة ؛ فإنّ العالم محصور في مرتبتي الخلق والأمر ، وعالم الخلق فرع وتابع لعالم الأمر ،وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ« 1 » ، فإذا ظهرت الغلبة الإلهيّة بحكم أحديّتها المذكورة ، فني من لم يكن له وجود حقيقي - وهي النسب الحادثة الإمكانيّة - وبقي من لم يزل وهو الحقّ ، فظهر حكم العلم الإلهي وخاصّيّته بالحال للأزلي « 2 » لم يتجدّد له أمر غير « 3 » ظهور إضافته إلى العين المتعيّنة فيه أزلا ، الموصوفة الآن بواسطة التجلّي النوري بالعلم ؛ لما تجدّد لها من إدراكها عينها وما شاء الحقّ أن يطلعها عليه في حضرة العلم اللدنّي بصفة وحدتها ونور موجودها « 4 » ، وما قبلت من تجلّيه الوجودي الذي ظهر به تعيّنها في العلم « 5 » الأزلي . 
ثم ليعلم أنّ لهذا العلم الذي هو نور الهويّة الإلهيّة حكمين أو قل : نسبتين - كيف شئت - : 
نسبة ظاهرة ، ونسبة باطنة ، فالصور الوجوديّة المشهودة هي تفاصيل النسبة الظاهرة ، والنور المنبسط على الكون - المدرك في الحسّ ، المفيد تميّز « 6 » الصور بعضها من بعض - هو حكم النسبة الظاهرة من حيث كلّيّتها وأحديّتها . 
وإنّما قلت : « حكم النسبة الظاهرة » من أجل أنّ النور من حيث تجرّده لا يدرك ظاهرا ، وهكذا حكم كلّ حقيقة بسيطة وإنّما يدرك النور بواسطة الألوان والسطوح القائمة بالصور ، وكذا سائر الحقائق المجرّدة لا تدرك ظاهرا إلّا في مادّة ، والنسبة الباطنة هي معنى النور ومعنى الوجود الظاهر وروحه الموضح للمعلومات المعنويّة والحقائق الغيبيّة « 7 » الكلّيّة ، التي
.............................................................
( 1 ) . يوسف ( 12 ) الآية 21 .
( 2 ) . ق : الأزلي .
( 3 ) . ق : عن .
( 4 ) . ق : موجدها .
( 5 ) . ق : العلمي .
( 6 ) . ق : تمييز .
( 7 ) . ق : العينية .


لا تظهر في الحسّ ظهورا يرتفع عنها به حكم كونها معقولة ، وتفيد « 1 » أيضا - أعني هذه النسبة الباطنة العلميّة النوريّة - معرفة عينها ووحدتها وأصلها الذي هو الحقّ ونسب هويّته التي هي أسماؤه الأصليّة ، أو قل : شؤونه - وهو الأصحّ - ومعرفة تمييز بعضها من بعض وما هو منها فرع تابع ، وأصل متبوع ؛ وكذلك تفيد معرفة الحقائق المتعلّقة بالموادّ والنسب التركيبيّة وما لا تعلّق له بمادّة ولا شيء من المركّبات ، وما يختصّ بالحقّ من الأحكام ويصحّ نسبتها إليه ، وما يخصّ العالم « 2 » وينسب إليه ، وما يقع فيه الاشتراك بنسبتين مختلفتين . هذا إلى غير ذلك من التفاصيل التابعة لما ذكر . 
فصور الموجودات نسب ظاهر النور ، والمعلومات المعقولة هي تعيّنات نسبه « 3 » الباطنة التي هي أعيان الممكنات الثابتة ، والحقائق الأسمائيّة الكلّيّة وتوابعها من الأسماء . 
فالعالم بمجموع صوره المحسوسة وحقائقه الغيبيّة المعقولة ، أشعّة نور الحقّ ، أو قل : 
نسب علمه ، أو صور أحواله ، أو تعدّدات تعلّقاته ، أو تعيّنات تجليّاته في أحواله المسمّاة من وجه أعيانا ، فظاهر « 4 » العلم صورة النور ، وباطنه المذكور معنى النور ، غير أنّ ظهور صورة النور توقّف على امتياز الاسم « الظاهر » بسائر توابعه المنضافة إليه عن معنى النور ، فصار الباطن بما فيه متجلّيا ومنطبعا في مرآة مّا ظهر منه . 
وهكذا كلّ نسبة من نسب ما ظهر مرآة لنسبة مّا من النسب الباطنة النوريّة العلميّة ، مع أحديّة الذات الجامعة لسائر النسب الباطنة والظاهرة وقد أخبر الحقّ سبحانه أنّه :نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ« 5 » ، ثم ذكر الأمثلة والتفاصيل المتعيّنة بالمظاهر على نحو ما تقتضيه مراتبها كما سبق التنبيه عليه ؛ ثم قال في آخر الآية :نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ« 6 » فأضاف النور إلى نفسه مع أنّه عين النور ، وجعل نوره المضاف إلى العالم الأعلى والأسفل هاديا إلى معرفة نوره المطلق ، ودالّا عليه ، كما جعل المصباح والمشكاة والشجرة وغيرها من الأمثال هاديا إلى نوره المقيّد وتجلّياته المتعيّنة في مراتب مظاهره ، وعرّف
................................................................
( 1 ) . ق : تقيد .              ( 2 ) . ب : يختص بالعالم .
( 3 ) . ق : لنسبه .             ( 4 ) . س : فالظاهر .
( 5 ) . النور ( 24 ) الآية 35 .
( 6 ) . النور ( 24 ) الآية 35 .


يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء 7 فبراير 2024 - 0:22 عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 7 فبراير 2024 - 0:18 من طرف عبدالله المسافربالله

 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي


أيضا على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه وآله أنّه النور وأنّ « 1 » حجابه نور وأخبر : أنّه أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً« 2» وإِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ«3» وأنّه وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً" 4 ". 
والرحمة الشاملة عند من تحقّق بالذوق الإلهي والكشف العلمي « 5 » هو الوجود العامّ « 6 » ، فإنّ ما عدا الوجود لا شمول فيه ، بل تخصيص تمييز ، فدلّ جميع ذلك عند المنصف « 7 » - إذا لم يكن من أهل الكشف - على صحّة ما قصدنا التنبيه عليه بهذه التلويحات، فتدبّر ذلك وافهم ما أدرجت لك في هذه المقدّمات تلمح أسرار عزيزة إن شاء اللّه تعالى.

نعوت العلم 
ثم اعلم أنّ النعوت اللازمة للعلم - من قدم وحدوث ، وفعل وانفعال ، وبداهة « 8 » واكتساب ، وتصوّر وتصديق ، وضرر ومنفعة ، وغير ذلك - ليست « 9 » عين العلم من حيث هو هو ، بل هي أحكام العلم وخواصّه ، بحسب متعلّقاته وبحسب المراتب التي هي مظاهر آثاره ، فما لا يعقل حكم الأوّليّة فيه من المراتب ، ولا يدرك بدؤه ، ويشهد منه صدور أثر العلم وحكمه ، يوصف ويضاف العلم إليه بنسبة القدم . 
وحكم العالم فيما نزل عن الدرجة المذكورة ينعت بالحدوث ، وما لا يتوقّف حصوله على شيء خارج عن ذات العالم يكون علما فعليّا ، وما خالف في هذا الوصف وقابله كان علما انفعاليّا . والعلم الذي لا واسطة فيه بين العبد وربّه ، وما لا تعمّل له في تحصيله - وإن كان وصوله من طريق الوسائط - « 10 » فهو العلم الموهوب ، والحاصل بالتعمّل ومن « 11 » جهة الوسائط المعلومة فهو المكتسب . 
وتعلّق العلم بالممكنات من حيث إمكانها يسمّى بالعلم الكوني ، وما ليس كذلك فهو
..........................................................
( 1 ) . ق ، ه : لم يرد .                    ( 2 ) . الطلاق ( 65 ) الآية 12 .
( 3 ) . فصّلت ( 41 ) الآية 54 .         ( 4 ) . غافر ( 40 ) الآية 7 .
( 5 ) . ب ، ه : العلى .                     ( 6 ) . ب : العالم .
( 7 ) . ق : المصنّف .                      ( 8 ) . ق : هبة .
( 9 ) . ق : ليس .                           ( 10 ) . ق : المعنوية .
( 11 ) . ق : هي . 
53

العلم المتعلّق بالحق أو بأسمائه وصفاته ، التي هي وسائط بين ذاته الغيبيّة «1» وبين خلقه .
فإذا تحقّقت ما أشرت إليه ونبّهت عليه في هذا التمهيد عرفت أنّ العلم الصحيح - الذي هو النور الكاشف للأشياء عند المحقّقين من أهل اللّه وخاصّته - عبارة عن تجلّ إلهي في حضرة نور ذاته ، وقبول المتجلّى له ذلك العلم هو بصفة وحدته بعد « 2 » سقوط أحكام نسب الكثرة والاعتبارات الكونيّة عنه كما مرّ ، وعلى نحو ما يرد « 3 » ذلك بحكم عينه الثابتة في علم ربّه أزلا من الوجه الذي لا واسطة بينه وبين موجده ؛ لأنّه في حضرة علمه ما برح ، كما سنشير إليه في مراتب التصوّرات إن شاء اللّه تعالى . 
وسرّ العلم هو معرفة وحدته في مرتبة الغيب ، فيطّلع المشاهد - الموصوف بالعلم بعد المشاهدة بنور ربّه - على العلم و « 4 » مرتبة « 5 » وحدته بصفة وحدة أيضا كما مرّ ، فيدرك بهذا التجلّي النوري العلمي من الحقائق المجرّدة ما شاء الحقّ سبحانه أن يريه منها ممّا هي في مرتبته أو تحت حيطته . 
ولا ينقسم العلم في هذا المشهد إلى تصوّر وتصديق كما هو عند الجمهور ، بل « 6 » تصوّر فقط ؛ فإنّه يدرك به حقيقة التصوّر والمتصوّر « 7 » والإسناد ، والسبق والمسبوقية وسائر الحقائق مجرّدة في آن واحد بشهود واحد غير مكيّف وصفة وحدانيّة . 
ولا تفاوت حينئذ بين التصوّر والتصديق ، فإذا عاد إلى عالم التركيب والتخطيط وحضر مع أحكام هذا الموطن يستحضر تقدّم التصوّر على التصديق عند الناس بالنسبة إلى التعقّل الذهني ، بخلاف الأمر في حضرة العلم البسيط المجرّد « 8 » ، فإنّه إنّما يدرك هناك حقائق الأشياء ، فيرى أحكامها وصفاتها أيضا « 9 » - كهي - مجاورة لها ومماثلة . 
ولمّا كان الإنسان وكلّ موصوف بالعلم من الحقائق « 10 » ، لا يمكنه أن يقبل لتقيّده « 11 » بما بيّنّاه في هذا التمهيد إلّا أمرا مقيّدا متميّزا عنده ، صار التجلّي الإلهي - وإن لم يكن من عالم
................................................................
( 1 ) . ق : الغنية .                           ( 2 ) . ق : قبل للمتن .
( 3 ) . ق : مرّ و .                           ( 4 ) . ق : في .
( 5 ) . ب : العارف في مرتبة .             ( 6 ) . ق : بل هو .
( 7 ) . ب : المتصورات .                   ( 8 ) . ق : المجردة .
( 9 ) . ق : أيضا حقائق .                    ( 10 ) . ق : الحق .
( 11 ) . ه : لتقييده .
54


التقيّد « 1 » - ينصبغ عند وروده - كما مرّ - بحكم نشأة المتجلّى له وحاله ووقته وموطنه ومرتبته والصفة الغالب حكمها عليه ، فيكون إدراكه لما تضمّنه « 2 » التجلّيات بحسب القيود المذكورة وحكمها فيه . 
وفي الانسلاخ عن هذه الأحكام ونحوها يتفاوت المشاهدون مع استحالة رفع أحكامها بالكلّيّة ، لكن يقوى ويضعف ، كما ذكرته في مسألة قهر أحديّة التجلّي أحكام الكثرة النسبيّة . 
وبمقدار إطلاق صاحب هذا العلم في توجّهه وسعة دائرة مرتبته وانسلاخه عن قيود الأحكام بغلبة صفة أحديّة الجمع ، يعظم إدراكه ومعرفته وإحاطته بما انسحب عليه حكم هذا التجلّي من المراتب التي هي تحت حيطته ، ويصير حكم علمه بالأشياء - التي علمها من هذا الوجه بهذا الطريق - حكم الحقّ سبحانه في علمه الأحدي الأصل والمرتبة ، كما سبق التنبيه عليه في المتن والحاشية ، وإليه الإشارة بقوله تعالى :وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ« 3 » فافهم . 
لكن تبقى ثمّة فروق أخر أيضا ، كالقدم والإحاطة وغيرهما تعرفها - إن شاء اللّه تعالى - إذا وقفت على سرّ مراتب التمييز الثابت بين الحقّ والخلق عن قريب . 
ثم نقول : فهذا العلم الحاصل على هذا النحو هو الكشف الأوضح الأكمل الذي لا ريب فيه ولا شكّ يداخله ، ولا يطرق إليه احتمال ولا تأويل ، ولا يكتسب بعلم ولا عمل ولا سعي ولا تعمّل ، ولا يتوسّل إلى نيله ولا يستعان « 4 » في تحصيله بتوسّط قوىّ روحانيّة نفسانيّة أو بدنيّة مزاجيّة ، أو إمداد أرواح علويّة ، أو قوى وأشخاص سماويّة أو أرضيّة، أو شيء غير الحقّ  
والمحصّل له والفائز به أعلى العلماء مرتبة في العلم ، وهو العلم الحقيقي ، والمتجلّي به هو مظهر التجلّي النوري وصاحب الذوق الجمعي الأحدي وما سواه - ممّا يسمّى علما عند أكثر العالم وكثير من أهل الأذواق - فإنّما هو أحكام العلم في مراتبه التفصيليّة وآثاره من
................................................................
( 1 ) . ق : التقييد .
( 2 ) . ق : تضمّنته .
( 3 ) . البقرة ( 2 ) الآية 255 .
( 4 ) . ق : تسعان .
55

حيث رقائقه وأشعّة أنواره ، وليس هو حقيقة العلم .

مراتب العلم 
ومراتب العلم متعدّدة ، فمنها معنويّة وروحانيّة وصوريّة مثاليّة بسيطة بالنسبة ، ومركّبة مادّية . 
فالصوريّة كالحروف والكلمات المكتوبة والمتلفّظ بها ونحوها من أدوات التوصيل الظاهرة . 
والمعنويّة هي المفهومات المختلفة ، التي تضمّنها « 1 » العبارات والحروف المختلفة ، بحسب التراكيب والاصطلاحات الوضعيّة ، والمراتب التي هي محالّ ظهور صفات العلم ومجاليه، كالقوّة الفكريّة وغيرها من القوى والمخارج والتصوّرات. 
وروح العلم هو حكمه الساري من رتبته «2»، وسرّ وحدته ، بواسطة الموادّ اللفظيّة والرقميّة ونحوهما ممّا مرّ ذكره. 
وبهذا الحكم يظهر نفوذه فيمن أحيا اللّه به قلبه وأنار نفسه ولبّه بزوال ظلمة الجهل من الوجه الذي تعلّق به حكم هذا العلم وتبديل تلك الصفة بحالة أو صفة نيّرة وجوديّة علميّة .

العلم يصحب التجلّي الذاتي 
فمتى حصل تجلّ ذاتي غيبي على نحو ما سلف شرحه فإنّ العلم يصحبه ولا بدّ ؛ لأنّ صفات الحقّ سبحانه وتعالى ليس لها في مرتبة غيبه ووحدته تعدّد ، والصفة الذاتيّة كالعلم في حق الحقّ لا تفارق الموصوف ولا تمتاز عنه . 
فمن أشهده الحقّ تعالى ذاته شهودا محقّقا ؛ فإنّ ذلك الشهود يتضمّن العلم ، ويستلزمه ضرورة ، ولتقيّد حكم التجلّي بحسب المشاهد وقيوده المذكورة كانت النتيجة العلميّة في كلّ مشهد وتجلّ نتيجة جزئيّة ؛ إذ لولا تلك القيود والأحكام اللازمة لها كان من أشهده الحقّ تعالى ذاته برفع الوسائط علم علم الحقّ سبحانه وتعالى في خلقه إلى يوم القيامة ، كما علمه
...........................................................
( 1 ) . ق : تضمّنتها .
( 2 ) . ق : مرتبته .
56

القلم الأعلى ، ولكن بحسب المرتبة الإنسانيّة الكماليّة من حيث جمعيّتها الكبرى وحيازتها سرّ الصورة . ولولا الأحكام التمييزيّة الثابتة بين الحقّ سبحانه وما سواه - الآتي ذكرها - كان الأمر أجلّ وأعظم . 
هذا ، مع أنّ للكمّل من هذا الأمر المشار إليه حظّا وافرا ، ولكن عدم الانفكاك التامّ عن القيود من كلّ وجه ، ومقام الجمعيّة الذي أقيموا فيه ، المنافي للانحصار تحت حكم حالة مخصوصة وصفة معيّنة ومقام مقيّد متميّز « 1 » - كما مرّ ذكره - يقضيان بعدم دوام هذه الصفة واستمرار حكمها وإن جلّت ، وهكذا أمرهم وشأنهم مع سائر الصفات والمراتب . والمانع لغير الكمّل - ممّا أشرنا إليه - الحجب الكونيّة والقيود المذكورة ، وكونهم أصحاب مراتب جزئية ، لا استعداد لهم للخروج من رقّها ، والترقّي إلى ما فوقها .

أحكام العلم ونسبه 
ثم نقول : والعلم وإن كان حقيقة واحدة كلّيّة فإنّ له أحكاما ونسبا تتعيّن بحسب كلّ مدرك له في مرتبته « 2 » ، وبتلك « 3 » النسبة المتعيّنة بحسب « 4 » المدرك وفي مرتبته لم يتجدّد عليها - كما بيّنّا - ما ينافي الوحدة العلميّة الأصليّة غير نفس هذا التعيّن الحاصل بسبب المشاهد وبحسبه كما أنّ حقيقة العلم لا تتميّز « 5 » عن الغيب المطلق إلّا بما أشرت إليه في أوّل الفصل . 
فإذا شاء الحقّ تكميل تلك النسبة العلميّة في مظهر خاصّ وبحسبه ، فإنّ ذلك التكميل إنّما يحصل بظهور أحكام العلم وسراية آثاره إلى الغاية المناسبة لاستعداد المظهر ، والمختصّة به . 
وهكذا الأمر في سائر الحقائق ؛ فإنّ كمالها وحياتها ليس إلّا بظهور أحكامها وآثارها في الأمور المرتبطة بها التي هي تحت حكم تلك الحقيقة ، وبحسب حيطتها ولكن بواسطة مظاهرها .
...............................................................
( 1 ) . ب : مميّز .             ( 2 ) . ه : مرتبة .
( 3 ) . ق : تلك .               ( 4 ) . ق : فحسب .
( 5 ) . ق : لم تتميز ، ه : لا تميّز .
57

فكمال العلم هو بظهور تفاصيله ونسبه ، والتفاصيل بحسب التعلّقات ، والتعلّقات على قدر المعلومات ، والمعلومات تتعيّن بحسب حيطة المراتب التي تعلّق بها العلم ، وبحسب ما حوت تلك المراتب من الحقائق ؛ فإنّ سائرها تابع للعلم من حيث أوّليّته وأحديّته وإحاطته وتعيّنها بالنسبة إلى كلّ عالم حسب قيوده المذكورة. 

فإذا حصل التعلّق من تلك النسبة الوحدانيّة العلميّة بالمعلومات على نحو ما مرّ ، تبعه التفصيل إلى الغاية التي ينتهي إليها حكم تلك النسبة ، فإذا فصّل المدرك ذلك بحسب شهوده الوحداني ، وكسا العلم صورة التفصيل والظهور من الغيب إلى الشهادة ، حتى ينتهي إلى الغاية المحدودة له ، كان ذلك تكميلا منه لتلك النسبة العلمية بظهور حكمها وسراية أثرها بمتعلّقاتها وفيها ، وتكميلا لمرتبته أيضا ، من حيث مقام علمه وحكمه فيه ، وما يخصّه من الأمور التابعة لتعيّنه " 1 " . 
فمتى تكلّم عارف بعلم ذوقي وأظهره ، وكان محقّقا صحيح المعرفة ، فلما ذكرنا من الموجبات وهكذا كلّ مظهر بالقصد والذات حكم حقيقة من الحقائق ، أو حاضر مع الحقّ تعالى من كونه محلّا ومجلى لظهور تلك الحقيقة ، دون سعي منه أو تعمّل ، ولكن كلّ ذلك بالإذن المعيّن ، أو إذن كلّي عامّ . وما ليس كذلك من العلوم والعلماء فليس بعلم حقيقي إلّا بنسبة بعيدة ضعيفة ، ولا يعدّ صاحبه عند أكابر المحقّقين عالما بالتفسير المذكور ؛ فإنّ صاحب العلم الحقيقي هو الذي يدرك حقائق الأشياء كما هي وعلى نحو ما يعلمها الحقّ بالتفصيل المشار إليه ، مع رعاية الفروق المنبّه عليها . 
ومن سواه يسمّى عالما بمعنى أنّه عارف باصطلاح بعض الناس ، أو اعتقاداتهم ، أو صور المفهومات من أذواقهم ، أو ظنونهم ، ومشخّصات صور أذهانهم ، ونتائج تخيّلاتهم ونحو ذلك من أعراض العلم ولوازمه وأحكامه في القوابل . وما هو فيه هذا الشخص من الحال إنّما هو استعمال من المراتب الإلهيّة له ولأمثاله من المتكلّمين بالعلوم ، والمظهرين أحكام الحقائق والظاهرة بهم وفيهم . 
فإن رقّاه الحقّ إلى مقام العلم الحقيقي فإنّه يعلم أنّ الذي كان يعتقد فيه أنّه علم محقّق
...............................................................
( 1 ) . ق : لنفسه .
58

كان وهما منه وظنّا ، سواء صادف الحقّ من بعض الوجوه وأصاب ، أو لم يصادف ، بل وجد ما كان عنده علما من قبل ظنّا فاسدا ، ويدرك حينئذ ما أدركه أمثاله من أهل هذا الذوق العزيز المنال حسب ما شاء الحقّ سبحانه أن يطلعه عليه . 
و « 1 » إن لم تتداركه العناية الإلهيّة ، فإنّه لا يزال كذلك حتى ينتهي فيه الحكم المراد ، ويبلغ فيه « 2 » الغاية المقصودة للحقّ تعالى من حيث المرتبة المتحكّمة فيه ، وهو لا يعرف في الحقيقة حال نفسه ، ولا فيما ذا ولما ذا يستعمل ، وما غاية ما هو فيه، وما حاصله، أو حاصل بعضه على مقتضى مراد الحقّ تعالى ، لا ما هو في زعمه حسب ظنّه. 
وهكذا حكم أكثر العالم وحالهم في أكثر ما هم فيه مع الحقّ سبحانه بالنسبة إلى باقي الحقائق أيضا غير العلم ، كما لوّحت بذلك في سرّ التجلّي ؛ فليس التفاوت إلّا بالعلم ولا يعلم سرّ العلم ما لم يشهد الأمر من حيث أحديّته في نور غيب الذات على النحو المشار إليه . 
وإذا عرفت الحال في العلم ، فاعتبر مثله في جميع الحقائق ، فقد فتحت لك بابا لا يطرقه إلّا أهل العناية الكبرى والمكانة الزلفى . 
فاعلم ، أنّ الفرق بين المحقّق المشار إليه وغيره هو خروج ما في قوّته إلى الفعل ، وعلمه بالأشياء علما محقّقا ، واطّلاعه على إثباتها ، بخلاف من عداه ، وإلّا فأسرار الحقّ مبثوثة ، وحكمها سار وظاهر في الموجودات ، ولكن بالمعرفة والاطّلاع والإحاطة والحضور يقع التفاوت بين الناس ، واللّه وليّ الإرشاد .
...........................................................
( 1 ) . كذا في الأصل . الظاهر زيادة الواو .
( 2 ) . ق : به .  

وصل من هذا الأصل 
وإذ أومأنا إلى سرّ العلم وما قدّر التلويح به من مراتبه وأسراره ، فلنذكر ما تبقى « 1 » من ذلك ممّا سبق الوعد بذكره ، ولنبدأ بذكر متعلّقاته الكلّيّة الحاصرة التي لا تعلّق للعلم بسواها إلّا بتوابعها ولوازمها التفصيليّة . 
فنقول : متعلّقات العلم 
العلم إمّا أن يتعلّق بالحقّ ، أو بسواه ، والمتعلّق بالحقّ إمّا أن يتعلّق به من حيث اعتبار غناه وتجرّده عن التعلّق بغيره من حيث هو غير ، أو من حيث تعلّقه بالغير وارتباط الغير به ، أو من حيث معقوليّة نسبة جامعة بين الأمرين ، أو من حيث نسبة الإطلاق عن النسب الثلاث ، أو من حيث الإطلاق عن التقيّد « 2 » بالإطلاق وعن كلّ قيد ، وانحصر الأمر في هذه المراتب الخمس فاستحضرها . 
ثم نقول : والمتعلّق بالأغيار إمّا أن يتعلّق بها من حيث حقائقها التي هي أعيانها ، أو يتعلّق بها من حيث أرواحها التي هي مظاهر حقائقها ، أو من حيث صورها التي هي مظاهر الأرواح والحقائق . وللحقائق والأرواح والصور من حيث أعيانها المفردة المجرّدة أحكام ، ولها من حيث التجلّي الوجودي الساري فيها والمظهر أعيانها باعتبار الهيئة المعنويّة الحاصلة من اجتماعها أحكام ، ولكلّ حكم منها أيضا حقيقة هي عينه . 
لكن لمّا كانت التابعة أحوالا للمتبوع وصفات ولوازم ونحو ذلك « 3 » ، سمّيت التوابع نسبا وصفات وخواصّ وأعراضا
........................................................................
( 1 ) . ق : يبتني .
( 2 ) . ه : التقييد .
( 3 ) . ه : ذلك سميت الأصول المتبوعة حقايق .
60

ونحو ذلك . 
وبعد معرفة المقصود فلا مشاحّة في الألفاظ ، سيّما وأهل الاستبصار يعلمون ضيق عالم العبارة بالنسبة إلى سعة حضرة الحقائق والمعاني ، وكون العبارات لا تفي بتشخيص ما في الباطن على ما هو عليه . 
ثم نرجع ونقول : ومظاهر الحقائق والأرواح - كما قلنا - الصور وهي : إمّا بسيطة بالنسبة ، وإمّا مركّبة ، فظهور الأحكام المذكورة في عالم الصور إن تقيّد بالأمزجة والأحوال العنصريّة وأحكامها والزمان المؤقّت ذي الطرفين فهو عالم الدنيا ، وما ليس كذلك فإن تعيّن ظهور محلّ « 1 » حكمه فهو من عالم الآخرة ، وحضراتها هي الخمسة المذكورة في صدر الكتاب . 
فللأولى منها - الذي هو الغيب - علم الحقّ وهويّته والمعاني المجرّدة والحقائق ؛ وللثانية الشهادة والاسم « الظاهر » ونحو ذلك . 
وما نسبته إلى الحسّ أقوى ، له الخيال المتّصل ونحوه . وما نسبته إلى الغيب أقوى ، فهو عالم الأرواح . والمتوسّط باعتبار الدائرة الوجوديّة بين مطلق الغيب والشهادة من حيث الإحاطة والجمع والشمول هو عالم المثال المطلق المختصّ بأمّ الكتاب الذي هو صورة العماء ، وله ما مرّ ، وبما لا يمكن ذكره . 
وكلّ ذلك إمّا أن يعتبر من حيث النسبة الفعليّة، أو الانفعاليّة، أو الجامعة بينهما في سائر المراتب المذكورة، وتمّ الأمر. 
ثم نبيّن الآن صورة الإدراك بالعلم ، وما يختصّ بذلك من أدوات التفهيم والتوصيل والكلام والألفاظ والعلامات ، ونحو ذلك .

صورة الإدراك بالعلم 
ثم نقول : إذا علم أحد شيئا ممّا في الحضرة العلميّة المشار إليها بالاطّلاع والكشف المذكور ، فإنّما يعلمه بما تعيّن به ذلك المعلوم من الصفات والمظاهر في المراتب التصوريّة « 2 » العامّة والخاصّة ، وبحسب أنواع التركيب « 3 » في التشكّلات التي هي أسباب الظهور ،
..................................................................
( 1 ) . ق : محل ظهور .
( 2 ) . س : التصورية . الخاصة ، ق : التصورية العامة و .
( 3 ) . ق : و .
61

و « 1 » بحكم التخصيص المنسوب إلى الإرادة ، وبحسب القرب والبعد وما يتبع ذلك من القوّة والضعف ، والجلاء النوري والاحتجاب ، وما « 2 » سواها ممّا سيذكر « 3 » عن قريب ، إن شاء اللّه تعالى . 
فأمّا التصوّرات : فأوّل مراتبها الشعور الإجمالي الوجداني « 4 » باستشراف العالم بما في ظاهره وباطنه من سرّ الجمعيّة وحكم النور وأشعّته على الحضرة العلميّة من خلف أستار أحكام كثرته ، وهذا ليس تصوّرا علميّا ، وإنّما هو إدراك روحاني جملي من خلف حجاب الطبع والعلائق ، فليس هو من وجه من أقسام التصوّرات ، وإذا « 5 » أدخل في مراتب العلم فذلك باعتبار القوّة القريبة من الفعل ؛ فإنّا نجد تفرقة بين هذا الشعور الذي سمّيناه علما بالقوّة القريبة من الفعل ، وبين حالنا المتقدّم على هذا الشعور ، وهذا فرقان بيّن غنيّ عن التقرير . 
ثم يلي ما ذكرنا التصوّر البسيط النفساني الوجداني ، « 6 » كتصوّرك إذا سئلت عن مسألة أو مسائل تعرفها ؛ فإنّك تجد جزما بمعرفتها ، وتمكّنا من ذكر تفاصيلها ، والتعبير عنها ، مع عدم استحضارك حينئذ أجزاء المسألة وأعيان التفاصيل، وإنّما تتشخّص في ذهنك عند الشروع في الجواب قليلا قليلا. والتصوّرات البديهيّة كلّها داخلة في هذا القسم. 
ثم يليه التصوّر الذهني الخيالي ، ثم التصوّر الحسّي ، وليس للتصوّر مرتبة أخرى إلّا النسبة المتركّبة من هذه الأقسام بأحديّة الجمع ، وهذا من حكم العلم وأشعّة أنواره في مراتب القوى . 
فإذا شاء الحقّ توصيل أمر إلى إنسان بتوسّط إنسان آخر أو غير إنسان مثلا ولكن من هذه المراتب ، تنزّل الأمر المراد توصيله من الحضرة العلميّة الغيبيّة تنزّلا معنويّا ، دون انتقال ، فيمرّ على مراتب التصوّرات المذكورة ، فإذا انتهى إلى الحسّ تلقّاه السامع المصغي بحاسّة
........................................................
( 1 ) . ق : لم يرد .
( 2 ) . ق : لم يرد .
( 3 ) . ق : نذكر .
( 4 ) . ق ، ه : الوحداني .
( 5 ) . ق : فإذا .
( 6 ) . ق ، ه : الوحداني .
62

سمعه أوّلا إن كانت الاستفادة من طريق التلفّظ أو بحاسّة البصر إن كانت بطريق الكتابة أو ما يقوم مقامها من حركات الأعضاء وغيرها . ثم انتقل إلى مرتبة التصوّر الذهني الخيالي . 
ثم انتقل إلى التصوّر النفساني ، فجرّدته النفس عن شوائب أحكام القوى ، وملابس الموادّ ، فلحق بمعدنه الذي هو الحضرة العلميّة بهذا الرجوع المذكور . بل عين ارتفاع أحكام القوى والموادّ عنه ، وتجرّده منها هو عين رجوعه إلى معدنه، فإنّه فيه ما برح، وإنّما الأحكام اللاحقة به قضت عليه بقبول النعوت المضافة إليه من المرور والتنزّل وغيرهما. 
فإذا لحق بالمعدن « 1 » بالتفسير المذكور أدركه المستفيد من الكتابة أو الخطاب ونحوهما من أدوات التوصيل الظاهرة في مستقرّ بحكم عينه الثابتة المجاورة لذلك الأمر في حضرة العلم ، كما سبق التنبيه عليه ، إلّا أنّ ذلك الأمر يكتسب بالتعيّن الإرادي حال التنزّل والمرور على المراتب هيئات معنويّة وصفات انصبغ بها ، فيصير لذلك الأمر تميّز وتعيّن لم يكن له من قبل ، وذلك بالآثار الحاصلة ممّا مرّ عليه ، وتنزّل إليه [ و ] بذلك الحكم التمييزي تأتّى للنفس ضبطه وإدراكه وتذكّره في ثاني حال ، وتعذّر ذلك من قبل ، لعدم تعيّنه ، مع ثبوت المجاورة المذكورة في الحضرة العلمية ، وذلك للقرب المفرط وحجاب الوحدة ؛ إذ الغيب الإلهي الذي هو المعدن قد عرّفناك أنّه لا يتعدّد فيه شيء ولا يتعيّن لنفسه ، والقرب المفرط والوحدة حجابان ؛ لعدم التعيّن والتميّز وكذلك البعد المفرط والكثرة غير المنضبطة . 
ولهذه الأمور طرفان : الإفراط ، والتفريط ، كما ذكر في النور المحض والظلمة المحضة وحال البصر والبصيرة في المدركات العاليّة جدّا الشديدة الظهور وفي الحقيرة . 
فافهم ما أدرجت لك في هذا الفصل تعرف سرّ الإيجاد والتقييد « 2 » والإطلاق والإفادة والاستفادة ، وغير ذلك من الأسرار الباهرة التي يتعذّر التنبيه عليها تماما ، فضلا عن الإفصاح عنها . 
ثم اعلم ، أنّ الفائدة ممّا ذكرنا إنّما تتحصّل « 3 » بالقرب المتوسّط ، والسرّ الجامع بين الأطراف ، وحينئذ يصحّ الإدراك والوجود وغيرهما ، فالأطراف كالأحديّة ( والكثرة ) ، والبعد المفرط والقرب المفرط ، والنور المحض والظلمة المحضة ، وغير ذلك ممّا أومأت
....................................................................
( 1 ) . ق : بالمنزل .
( 2 ) . ق : التقيد .
( 3 ) . ق : تحصل .
63

إليه من المراتب المتقابلة ؛ فإنّه لا يكون في جميعها « 1 » من حيث انفرادها قرب متوسّط ، ولا أمر يتعلّق به الإدراك أو يثبت له . 
والقرب لا يصحّ إلّا بين اثنين فصاعدا ويتفاوت من حيث الأمر الذي نحن بصدد بيانه بحسب قرب النفس من الحضرة النوريّة العلميّة وبعدها بما سنشير إليه ، وبحسب نسبة المدرك من المقام الأحدي الذي هو أوّل مراتب التعيين الآتي تفصيل حكمه وحديثه ، وبمقدار حظّه من الصورة الإلهيّة ؛ فإنّ كثرة الحجب وقلّتها ، وضعف الصفاء وقوّته تابعة لما ذكر . 
وسرّ ذلك : أنّ للحضرة الإلهيّة حقيقة وحكما ولها مظاهر ، فالقرب الإلهي المذكور راجع إلى أمرين لا ثالث لهما ، غير نسبة جمعهما « 2 » : 
أحدهما : الأحديّة الإلهيّة الأولى وسيأتي من حديثها ما ييسّر « 3 » اللّه ذكره - إن شاء اللّه تعالى - وأتمّ الموجودات حظّا من هذا المقام عالم الأمر ، وأتمّ عالم الأمر قربا وحظّا ممّا ذكرنا العقل الأوّل والملائكة المهيّمة ، ومن الموجودات المتقيّدة بالصور العرش والكمّل والأفراد من بني آدم بعد تحقّقهم بمقام الفرديّة والكمال . 
وفي الجملة ، أيّ موجود كانت نسبته إلى مرتبة الأحديّة والتعيّن الأوّل أقرب وقلّت الوسائط بينه وبين موجده أو « 4 » ارتفعت فهو إلى الحقّ من حيث الاسم « الباطن » والحضرة العلميّة الأحديّة أقرب . 
والقرب الثاني هو من حيث اعتبار ظهور حكم الألوهيّة والتحقّق بصورتها ، فأيّ موجود كانت حصّته من الصورة أكثر ، وكان ظهور حقائق الألوهيّة فيه وبه أتمّ ، فهو إلى الحق من حيث الاسم « الظاهر » أقرب ، وحجبه أقلّ والمستوفي لما ذكر هو الإنسان الكامل ، فهو أقرب الخلق إلى الحقّ من هذه الحيثيّة وأعلمهم به ، ومرتبة البعد في مقابلة مرتبة القرب ، فاعتبر الأحكام فيها بعكس هذه ، تعرفها . 
ولا تفاوت بين الموجودات ونسبتها إلى الحقّ بالقرب والبعد بغير ما ذكرنا ، وما سوى ذلك ممّا يسمّى قربا إلهيّا في زعم المسمّي فإمّا أن يكون قربا من السعادة ، أو بالنسبة إلى
.................................................................
( 1 ) . ق : جمعها .
( 2 ) . ه : جمعها .
( 3 ) . ق : تيسّر .
( 4 ) . ق : و .
64

ما في نفس المعتقد والمقلّد و « 1 » المتوهّم من الحقّ لا غير . 
ثم أقول : فالمظاهر والصفات الظاهرة والمواد من الصور البسيطة والمركّبة آلات لتوصيل المعاني - وإن شئت قلت : سبب لإدراكها في حضرة الغيب - وذلك بالتفات الروح ووجه القلب من عالم الكون بالرجوع إلى الحضرة العلميّة النوريّة ، على صراط الوجه الخاصّ ، بالنحو المشار إليه . 
فإن كانت المناسبة بين العالم وما يراد معرفته ثابتة والنسبة القريبة قويّة ، فإنّ الحاجة إلى أدوات التوصيل تكون أقلّ ، حتى أنّه لتغني الكلمة الواحدة أو الإشارة في تعريف ما في نفس المخاطب من المعاني الجمّة ، وتوصيلها إلى المخاطب ، وفي تذكيره الأسرار العزيزة « 2 » والمعلومات الكثيرة ، وربما تكمل المناسبة ويقوى حكم القرب والتوحّد ، بحيث يقع الاستغناء عن الوسائط ما عدا نسبة المحاذاة المحقّقة المعنويّة والمواجهة التامّة ؛ لاستحالة الاتّحاد والمخاطبة في مقام الأحديّة . وحينئذ ينطق لسان « 3 » هذه المناسبة بنحو ما قال بعض تراجمة الحقائق والمراتب - علم سرّ ما قال أو لم يعلم - « 4 » :تكلّم منّا في الوجوه عيوننا * فنحن سكوت والهوى يتكلّمولسان مرتبة الإشارة « 5 » بقوله « 6 » :تشير فأدري ما تقول بطرفها * وأطرق طرفي عند ذاك فتعلملكن لا بدّ من حركة واحدة أو حرف واحد في الظاهر يكون مظهرا لتلك النسبة الغيبيّة ، حتى يظهر سرّ الجمع ، فيحصل الأثر والفائدة لتعذّر حصول الفائدة بأقلّ من ذلك ، كما سنومئ إليه ، فالكلمة الواحدة أو الحرف الواحد أو الحركة الواحدة إذا انضافت إلى حكم المحاذاة والمواجهة المذكورة المبقية للتعدّد والمثبتة « 7 » سرّ المخاطبة كفت في ظهور سرّ الخطاب ، وحصول الأثر الذي هو وصف الكلام ، وصار « 8 » الحرف الواحد هنا « 9 » أو الحركة
...................................................................
( 1 ) . ق : المتوهم ، بدون « واو » .         ( 2 ) . ق : الغريزة .
( 3 ) . ق : لبيان .                            ( 4 ) . ق : شعر .
( 5 ) . ق : للإشارة .                         ( 6 ) . ه : قوله : ق ، ه : شعر .
( 7 ) . ق : مثبت .
( 8 ) . ق : فصار .
( 9 ) . ق : منّا .
65

الواحدة مع نسبة المحاذاة كالكلمة المفيدة التي قيل فيها : إنّه لا تحصل الفائدة بأقلّ منها . 
وقد عاينّا ذلك مرارا كثيرة من غير واحد من الأكابر « 1 » المشاركين من أهل المكاشفات الإلهيّة . 
ومن أسرار هذا المقام أنّ الكلام من أثر المتكلّم في المخاطب وفعله ، ومنه اشتقّ اسمه ، ولا يصحّ الأثر إلّا بأحديّة الجمع ، مع تحقّق الارتباط والمناسبة كما مرّ بيانه في سرّ التجلّي وغيره . 
فمتى غلب حكم الوحدة الجامعة على حكم الكثرة التفرقة كان الأمر أقوى وأسرع ، ويضعف إذا كان الأمر بالعكس . 
والمختصّ بمرتبة الكلام من نسب القرب هو القرب من المقام الأوّل الأحدي الجمعي . 
وعدم تأثّر السامع من كلام من لا يعرف لغته واصطلاحه هو من كثرة الوسائط وحكم البعد وخفاء حكم الأحديّة والمناسبة ، وقد ظهر من أسرار هذا المقام حكمه في الأوامر الإلهيّة الواردة بالوسائط وبدونها ، فما لا يظهر للواسطة فيه عين أو سلطنة لا يقصى « 2 » ولا يتأخّر نفوذه ، والواصل من جهة الوسائط المخالف في النعت لما ذكرنا قد ينفذ سريعا إذا ناسب حكم الجمعيّة حكم الأحديّة مناسبة المرآة الصافية الصحيحة الهيئة في المقدار للصورة المنطبعة فيها ، وقد يتأخّر . وقد سبقت الإشارة إلى شروط الأثر وما أمكن ذكره من أسراره ، وقد لوّحت فيه وفي سرّ التجلّي المنتج للعلم بما يعرف منه المستبصر اللبيب سرّ الكلام ، وأصله ، وحكمه ، والخطاب والكتابة ، وغير ذلك من أمّهات الأسرار والعلوم . 
ثم نرجع إلى تتميم ما شرعنا في بيانه ، فنقول : وإن كان الأمر بخلاف ما ذكرنا في المناسبة - بمعنى أنّ المناسبة بين المتعلّم وما يطلب معرفته تكون شديدة ، وحكم النسبة القريبة ضعيفا - فإنّ المعرّف والمفيد يحتاج إلى تكثير أدوات التفهيم والتوصيل ، وتنويع التراكيب والتشكيلات الماديّة « 3 » من الحروف والأمثلة وغيرهما من الأشياء التي هي
............................................................
( 1 ) . ق : أكابر .
( 2 ) . ه : يعصي .
( 3 ) . ب : تشكلات المادّة .
66

منصّات ومظاهر للمعاني الغيبيّة ، ومع ذلك فقد لا يحصل المقصود من التعريف والإفهام ، إمّا لأنّ الأمر المراد توصيله وبيانه تكون مرتبته « 1 » مستعلية على مراتب العبارات والأدوات الظاهرة ، فلا تسعه عبارة ، ولا تفي بتعريفه أدوات التفهيم والتوصيل ، أو لقصور قوّة المتعلّم والمخاطب عن إدراك ما يقصد توصيله إليه ، وتفهيمه إيّاه ؛ لبعد المناسبة في الأصل. 

أدوات توصيل المعلومات 
وإذ قد ذكرنا من أسرار الكلام وأحكامه وصفاته ولوازمه ما قدّر لنا ذكره ، فلنذكر ما تبقى من ذلك ، ولنبدأ بتعريف أدوات توصيل ما في النفس إلى المخاطب ، فنقول : أدوات توصيل ما في النفس من معنى الكلام المقصود تعريف المخاطب به ثلاثة أقسام : 
أوّلها : الحركة المعنويّة النفسانية المنبعثة لإبراز ما في النفس من المعاني المجرّدة المدركة بالتصوّر البسيط . 
ويلي ذلك استحضار صور المعاني والكلمات في الذهن ، وهذه الحركة المشار إليها هي حكم الإرادة المتعلّقة بالمراد طلبا لإبرازه . 
والثالث : الحروف والكلمات الظاهرة باللفظ والكتابة ، أو ما يقوم مقامها من النقرات « 2 » والإشارة بالأعضاء بواسطة آلات وبدونها . 
والمراتب التي تمرّ عليها هذه الأحكام الثلاثة هي مراتب التصوّرات المذكورة ، وهذا من حكم التربيع التابع للتثليث ، وسيأتيك خبره . 
وإذ قد وضح هذا ، فاعلم أنّ الحقّ قد جعل الكلام في بعض المراتب والأحيان في حقّ من شاء من عباده طريقا موصلا إلى العلم ، كغيره من الأسباب المعقولة والمشهودة ، نحو التراكيب والتشكيلات والصفات والمظاهر المعيّنة للحقائق الغيبيّة في الشهادة والمعرفة لها ، كما جعل الحروف والكلمات عند انضمام بعضها إلى بعض بحدوث النسبة التركيبيّة والحكم الجمعي طريقا إلى معرفة معنى الكلام المجرّد الوحداني ، وكلّ ما تدلّ عليه تلك الكلمات ، كما جعل الحواسّ والمحسوسات وغيرها طريقا إلى نيل العلم ؛ إذ لحصول العلم
..........................................................
( 1 ) . ه : مرتبة .
( 2 ) . ب : الفقرات .
67

طرق كثيرة عند المستفيدين من الوسائط والأسباب . 
ومن الأمور ما سبق العلم الإلهي أنّها لا تنال إلّا من طريق الحواسّ مثلا أو غيرها من الطرق ، لكن إذا شاء الحقّ أن يعلمها أحد من عباده - المكرّمين ، المحقّقين ، المتحقّقين بمعرفته - دون واسطة ؛ لعلمه سبحانه أنّ هممهم قد خرقت حجب الكون وأنفت الأخذ عن سواه ، تجلّى لهم في مرتبة ذلك الطريق الحسّي أو ما كان ، ثم أفادهم ما أحبّ تعليمه إيّاهم ، فاستفادوا ذلك العلم منه سبحانه دون واسطة ، مع بقاء الخاصّيّة التي حكم بها العلم السابق على حالها ؛ إذ ما سبق به العلم لا يقبل التبديل . 
ومن عباد اللّه من يحصل لنفسه في بعض الأحيان عند هبوب النفحات الجوديّة الإلهيّة أحوال توجب لها الإعراض عمّا سوى الحقّ ، والإقبال بوجوه قلوبها - بعد التفريغ التامّ - على حضرة الغيب الإلهي المطلق ، في أسرع من لمح البصر ، فتدرك من الأسرار الإلهيّة والكونيّة ما شاء الحقّ . 
وقد تعرف تلك النفس هذه المراتب والتفاصيل أو بعضها ، وقد لا تعرف مع تحقّقها بما حصل لها من العلم . 
ولمّا كان كلّ متعيّن من الأسماء والصفات وغيرهما حجابا على أصله الذي لا يتعيّن ولا يتميّز إلّا بمعيّن ، « 1 » وكان الكلام من جملة الصفات ، فهو حجاب على المتكلّم من حيث نسبة علمه الذاتي ، فالكلام المنسوب إلى الحقّ هو التجلّي الإلهي من غيبه وحضرة علمه في العماء الذي هو النفس الرحماني ، ومنزل تعيّن سائر المراتب والحقائق ، فيتعيّن حكم هذا التجلّي بالتوجّه الإرادي للإيجاد أو للخطاب من حيث مظهر المرتبة والاسم الذي يقتضي أن ينسب إليه النفس والقول « 2 » الإيجادي ، فيظهر نسبة الاسم « المتكلّم » ثم يسري الحكم المذكور من المقام النفسي الرحماني المشار إليه الذي هو حضرة الأسماء إلى المخاطب بالتخصيص الإرادي والقبول الاستعدادي الكوني ، فيظهر سرّ ذلك التجلّي الكلامي في كلّ مدرك له وسامع حيث ما اقتضاه حكم الإرادة مع انصباغه بحكم حال من ورد عليه ، وما مرّ به من المراتب والأحكام الوقتيّة والموطنيّة وغيرهما ممّا تقرّر من قبل ،
.............................................................
( 1 ) . ب : متعيّن .
( 2 ) . ب : القبول .
68

هذا إن اقتضى الأمر الإلهي مروره على سلسلة الترتيب وما فيه من الحضرات ، وإذا « 1 » وصل من الوجه الخاصّ الذي لا واسطة فيه ، فلا ينصبغ إلّا بحكم حال من ورد عليه ووقته وموطنه ومقامه لا غير . 
والكلام في كلّ مرتبة لا يكون إلّا بتوسّط حجاب بين المخاطب والمخاطب ، كما أخبر سبحانه في كتابه العزيز ، ولذلك الحجاب مرتبة الرسالة بالنسبة إلى من هو محلّ ذلك الحجاب ، « 2 » والحجب والوسائط تقلّ وتكثر ، وأقلّها أن يبقى حجاب واحد وهو نسبة المخاطبة بين المخاطبين ، « 3 » فالحروف والكلمات المنظومة الظاهرة رسل وحجب للكلمات والحروف الذهنيّة ، والذهنيّة رسل وحجب للحروف المعقولة ، والحروف المعقولة تتضمّن رسالة معنى الكلام الوحداني ، ثم الكلام الوحداني يتضمّن رسالة المتكلّم به من حيث نسبة ما تكلّم به ، ثم المفهوم من المتكلّم به يتضمن مراد المتكلّم من حيث الأمر الخاصّ المفهوم من كلامه ، ثم الاطّلاع على ذلك الأمر الخاصّ يفيد معرفة الباعث على صدور ذلك الكلام من المخاطب ، إلى المخاطب ، وهذا هو سرّ الإرادة الذي « 4 » تنتشي منه صفة الكلام من كونه كلاما ، وفوقه مرتبة العلم الذاتي المحيط . وبالغايات وأحكامها يعرف سرّ أوّليات البواعث والمقاصد وعللها وأسرارها ؛ لأنّ الخواتم عين السوابق خفيت بين طرفي البداية والغاية للمزج وتداخل الأحكام وغير ذلك ممّا لا يقتضي الحال ذكره هنا ، وتظهر الغلبة في آخر الأمر للأوّل وسنومئ في آخر الكتاب في فصل «خواتم الفواتح» إلى بعض «5» أسرار هذا المقام إن شاء اللّه تعالى.
..............................................................
( 1 ) . ق : إن .
( 2 ) . ب : خطاب .
( 3 ) . ه : هي .
( 4 ) . في بعض النسخ : التي .
( 5 ) . ق : أخصّ .
69

وصل من هذا الأصل 
اعلم ، أنّه لا يظهر من الغيب المطلق إلى الشهادة أمر مّا ، سواء كان من الحقائق الأسمائيّة أو الصفاتيّة أو الأعيان الكونيّة المجرّدة إلّا بنسبة الاجتماع التابع لحكم حضرة الجمع المختصّ بالحدّ الفاصل الآتي حديثه . وحكم حضرة الجمع سار بالأحديّة من الغيب في الأشياء كلّها ، معقولها ومحسوسها . 
ويتعيّن ذلك الاجتماع من حيث العموم بين الإرادة الكلّيّة الإلهيّة أوّلا ، ثم الطلب والقبول الاستعدادي من الأعيان الممكنة ثانيا ، ومن حيث الخصوص بين نسب الإرادة المطلقة من حيث مرتبة كلّ فرد فرد من أفراد الأسماء والصفات وكلّ عين من الأعيان الممكنة الكامنة قبل ظهور حكم الجمع والتركيب بعضها مع « 1 » بعض . والظاهرة بواسطتهما « 2 » بعضها لبعض ، فافهم . 
والمتعيّن والمراد من حيث بعض الأسماء والصفات والمراتب بكلّ اجتماع واقع بين كلّ اجتماع حقيقتين فصاعدا هو ما حدث ظهوره في الوجود الخارجي من الأمور الجزئيّة والصور والتشكّلات والأحوال الشخصيّة ونحو ذلك . 
وهكذا الأمر في الكلام الجزئي المركّب من الحروف الإنسانيّة ، لا يحصل الأثر والفائدة إلّا بالمركّب من « 3 » حرفين فصاعدا ، أو الاسمين ، أو الاسم مع الفعل ، كما سنلوّح لك بسرّه . 
وهكذا العمل بالحروف من جهة الروحانيّة والتصريف لا يحصل الأثر إلّا بحرفين
.............................................................
( 1 ) . ق : عن .
( 2 ) . ق : بوساطتها .
( 3 ) . هذا ينافي ما سيأتي .
70

فصاعدا ، والحرف الواحد عند العلماء به لا يؤثّر ، ومن جوّز تأثير الحرف الواحد كشيخنا وإمامنا رضى عنه اللّه ، فإنّه اعتبر الحرف المشخّص في الذهن مضافا إلى الحرف الظاهر في اللفظ أو الكتابة ، هذا قوله لي مشافهة رضى عنه اللّه ، فهما إذا حرفان ، فلم يحصل الأثر بالحرف الواحد أصلا باتّفاق المحقّقين . 
وأمّا ما ذكره أهل العربيّة في باب الأثر « 1 » المعهود في « ش » و « ق » و « ع » « 2 » فأجيب عنه بأنّ الأصل حرفان وحصل الاكتفاء بالحرف الواحد عند سقوط أحدهما بسبب الأمر ، رعاية للأصل ، وثقة بفهم السامع مراد المتكلّم ، فالفهم المعتضد بالقرينة أو المعرّف بالأصل ناب مناب الحرف الساقط ، ولولا ذلك لم يحصل الأثر كما « 3 » مرّ بيانه . 
والكلام - كما قلنا - هو تأثير من المتكلّم في المخاطب بقوّة تابعة لإرادته المتعلّقة بإيصال ما في نفسه وإبرازه إلى المخاطب . 
وهكذا لأمر في إيجاد الحقّ الأعيان الممكنة التي هي كلماته وحروفه وإظهاره لها من نفسه بالحركة الغيبيّة الحبّيّة المعبّر عنها بالتوجّه الإرادي الظاهر حكمه بواسطة جمع الأعيان بالوجود الواحد الشامل لها ، وتركيبها ؛ ليعرف سبحانه وليظهر حكم صفاته وأسمائه وكماله ، كما ستعلم بيانه « 4 » عن قريب إن شاء اللّه تعالى 

سرّ التركيب الستّة في العربيّة 
ثم نبيّن الآن سرّ التراكيب الستّة المختصّة بالكلام ، فنقول : 
هذه التراكيب مشهورة عند النحويّين ، وقد اتّفقوا في إفادة تركيبين منها ، واختلفوا في الواحد في بعض الصور ، واتّفقوا في عرو الفائدة من الثلاثة الباقية " 5 " : 
فالمتّفق عليه : تركيب الاسم مع الاسم ، ومع الفعل . 
والمختلف فيه في بعض الصور : 
الاسم مع الحرف في النداء . والعاري من الفائدة هو تركيب الفعل مع الفعل ، ومع الحرف ،
.............................................
( 1 ) . كذا في الأصل . لعلّه الأمر المعهود .
( 2 ) . هي صيغ الأمر من « وشى يشي » و « وقى يقي » و « وعى يعي » .
( 3 ) . ق : لما .
( 4 ) . ق ، ه : نبأه .
( 5 ) . حق العبارة هكذا : في عرو الثلاثة الباقية من الفائدة إلّا أن يكون « عري » بمعنى الخلع والنزع لا الخلوّ .
71

وتركيب الحرف مع الحرف . وأنا أظهر أصلها في العلم الإلهي المتكلّم فيه من حيث المرتبة التي وقع التصدّي لكشف بعض أسرارها إن شاء اللّه تعالى . 
اعلم ، أنّ الاسم في التحقيق هو التجلّي المظهر لعين الممكن الثابتة في العلم ، ولكن من حيث تعيّن ذلك التجلّي المنبعث من الغيب المطلق في مرتبة هذه العين التي هي مظهره ومعيّنته ، فالعين الممكنة التي هي المظهر اسم للتجلّي المتعيّن به وفي مرتبته والتجلّي من حيث تعيّنه ، اسم دالّ على الغيب المطلق غير المتعيّن . 
والتسمية عبارة عن نفس دلالة الاسم على الأصل الذي تعيّن منه ودلّ عليه، كما سنزيد في بيان ذلك في قاعدة الأسماء. 
والحرف « 1 » هو عين العين الثابتة من حيث انفرادها ، حتى عن أحكامها وتوابعها . 
والفعل هو نسبة التأثير ، وارتباط الحكم الإيجادي الثابت بين الحقّ لا من حيث هو لنفسه بل هو من كونه موجدا ، وبين العين لا من « 2 » كونها عينا فحسب ، بل من كونها موجودة للحقّ ، وقابلة حكم « 3 » إيجاده وأثره « 4 » باستعدادها المقتضي ترجيح إيجادها [ دون غيرها من الممكنات التي لم يتعلّق العلم بإيجادها ] « 5 » في دائرة هذا الظهور المنتقش الحكم في ذات القلم الأعلى ، فافهم ؛ فهنا أمور غامضة جدّا لا يمكن كشفها . 
وإذا تقرّر هذا ، فاعلم ، أنّ أوّل التراكيب الستّة المذكورة هو تركيب الاسم مع الاسم ، وهذا هو الاجتماع الأوّل الحاصل بين الأسماء الأوّل وأمّهات الصفات الأصليّة التي من حيث هي اقتضت الذات التوجّه إلى إيجاد الكون وإبرازه من الغيب ، وله النكاح الأوّل المشار إليه عقيب هذا الكلام . ومن جملة تنبيهاتي عليه قولي في غير « 6 » موضع : إنّ ظاهر الحقّ مجلى لباطنه وكالمحلّ لنفوذ اقتداره ، فافهم . 
والثاني : تركيب الاسم مع العين الثابتة من كونها مظهرا لعين الفعل الذي هو حكم الاسم « الموجد » و « الخالق » ونحوهما ، بصفة القبول والاستعداد المشار إليه .
.................................................
( 1 ) . ق : الحروف .
( 2 ) . ق : من حيث .
( 3 ) . ق : بحكم ، للمتن .
( 4 ) . ق : أثرها .
( 5 ) . ما بين المعقوفين غير موجود في « ه » .
( 6 ) . في الأصل : غير ما موضع .
72

يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 7 فبراير 2024 - 1:52 من طرف عبدالله المسافربالله

 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي

فهذان التركيبان يفيدان ضرورة وهو الواقع في المراتب الوجوديّة ، وباقي التركيبات - وهو انضمام عين ممكنة إلى عين من كونها عينا ممكنة فحسب ، وبالنظر إليها لا إلى الاقتضاء العلمي - لا يفيد . 
وكذلك نسبة معقوليّة التجلّي دون سراية حكم حضرة الجمع الموجب لارتباط الحقّ بالعالم أو معقوليّة معنى الإيجاد أيضا مضافا إلى الممكن دون سريان التجلّي الإلهي من حيث الألوهيّة « 1 » المثبتة للمناسبة والارتباط ، لا يفيد منه ، أي لا تحصل منه فائدة . 
وهكذا أيضا معقوليّة نسبة ارتباط تجلّ بتجل « 2 » آخر دون أمر « 3 » ثالث يكون مظهرا للفعل وسببا لتعيّن « 4 » التجلّي من مطلق غيب الذات ، مغايرا للتجلّي ، ومثبتا للتعدّد لا يفيد . 
وهكذا العين الثابتة إذا اعتبرت منضمّة « 5 » إليها صفة قبولها للأمر الإيجادي دون اقتران التجلّي الوجودي بها كما مرّ لا ينتج أيضا ولا يفيد ؛ فإنّ التجلّي مع التجلّي دون القابل ، هو كضرب الواحد في نفسه لا ينتج . 
وهكذا « 6 » أيضا سرّ عدم إنتاج اجتماع العين الممكنة بعين أخرى ، سواء كانت من توابعها كصفة قبولها للتجلّي الإيجادي المتقدّم ذكرها التابعة لها ، أو كانت عينا ممكنة منضمّة إلى عين أخرى متبوعة أيضا ، مستقلّة بنفسها . 
وأمّا مسألة النداء فنظيره قول الحقّ وأمره للعين بالتكوين من مراتب الأسماء الجزئيّة ومظاهرها ، فإنّه إن لم يكن سرّ التجلّي الذاتي من حضرة الجمع معقول السريان في ذلك القول لم ينفذ حكمه ، كتقدير قولهم : يا زيد ، إنّما يفيد ؛ لأنّه بمعنى أدعو زيدا ، أو أنادي زيدا ، ومثاله في التحقيق الأمر بالواسطة في عالمنا ، إن لم يقترن معه حكم الإرادة التي هي من الأسماء الذاتيّة ، لم ينفذ . ولذلك يقول الحقّ بلسان الاسم « الهادي » من حيث مقام النبي عليه السلام « 7 » لبعض الناس : « صلّ » فلا يصلّي ، ولا توجد الصلاة ونحو هذا ، بخلاف ما إذا انضافت إلى العين « 8 » المأمورة صفة الاستعداد والقبول للحكم الإيجادي بالتجلّي الذاتي المتعلّق بعين
......................................................
( 1 ) . ق : الألوهة .                      ( 2 ) . ه : بتجلّ .
( 3 ) . ق : أمر ما ، ه : أمره .          ( 4 ) . ق : تعيين ، ب : تعيّن .
( 5 ) . ه : متضمّنة .                      ( 6 ) . ق : وهذا .
( 7 ) . ق : صلّى اللّه عليه وسلم .
( 8 ) . ق : بعض .
73

الصلاة وظهورها في مرتبة المظهر المسمّى بالمصلّي ؛ فإنّه يظهر عين الصلاة لا محالة . 
ثم اعلم ، أنّ بين التركيب والجمع والاستحالة التي هي عبارة عن سريان أحكام أجزاء المركّب بعضها في بعض فرقانا في مراتب الصور لا في مراتب الأرواح والمعاني ، أذكره قبل إتمامي بيان سرّ الجمع والتركيب ليعرف ، فأقول : 
حكم الاجتماع فحسب هو كاجتماع أشخاص الناس للصورة العسكريّة والصفّ ، والدور للبلد ونحو ذلك . 
وحكم الاجتماع والتركيب معا كالخشب واللبن للبيت المبنيّ . 
وحكم الاجتماع والتركيب والاستحالة كالأسطقسات للكائنات ؛ فإنّ نفس اجتماعها وتركيبها بالتماس والتلاقي غير كاف لأن تكوّن منها الكائنات ، بل بأن يفعل بعضها في بعض ، وينفعل بعضها عن بعض ويستقرّ للجملة كيفيّة متشابهة هي كمال تلك الحركات الفعليّة والانفعاليّة ، وغايتها تسمّى مزاجا وحينئذ تستعدّ للصورة النوعيّة المتوقّف حصولها على ذلك الاستقرار بتلك الكيفيّة المزاجيّة ، عقيب تلك الحركات الفعليّة والانفعاليّة . 
والغرض من إضافة ذكر الاستحالة وحكمها هنا إلى الجمع والتركيب هو التنبيه على أنّها إحدى غايات حكم الجمع والتركيب ، وأنّ قولي « 1 » آنفا : « المراد من حيث بعض الأسماء والمراتب بكلّ اجتماع بين كلّ حقيقتين فصاعدا هو ما حدث ظهوره في الوجود الخارجي » ليس أنّ ذلك هو الغاية القصوى التي هي متعلّقة الإرادة ، ولذلك قيّدت الأمر « 2 » ببعض الأسماء والمراتب ، كما قلت الآن في نتيجة الاستحالة وحكمها : إنّها إحدى الغايات ، بل إنّما أومأت بذلك إلى سرّ التسوية الإلهيّة السارية الحكم في كلّ صورة أو كلّ [ ما ] مرتبطة به الصورة ، وذلك لتحصيل « 3 » الاستعداد الوجودي الجزئي بالتسوية المعبّر عنها في هذا المثال بالاستقرار الحاصل للجملة من حيث الكيفيّة المزاجيّة عقيب الحركات المذكورة في سائر مراتب النكاحات « 4 » ومراتب الحركات الثلاثة . ونسبة المزاج إلى كلّ منها بحسبه
................................................
( 1 ) . في أوائل هذا الوصل .
( 2 ) . أي المراد .
( 3 ) . ق : ليحصل .
( 4 ) . ق : النكاحات الثلاثة .
74
وهي : معنويّة ، وروحانيّة ، وصوريّة بسيطة ، ومركّبة . 
ثم إن كانت المادّة - مثلا - إنسانيّة ، استعدّت لقبول النفخ الإلهي ، ولسرّ قوله تعالى :ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ« 1 » كما تحصل التسوية للسالك بالتوجّه الصحيح والتفريغ التامّ وما مرّ ذكره من الشروط ، فيستعدّ لقبول التجلّي الإلهي مثمر ممّا « 2 » ذكره وغير ذلك ممّا لم يذكر ، وسنشير إلى غايات الإرادة الكلّيّة الإلهيّة بما ستعرف السرّ فيه ولو على وجه الإجمال ، ثم نرجع إلى إتمام ما قصدنا بيانه . 
فنقول : والتركيب إمّا معنوي ، وهو الاجتماع الحاصل للأسماء حال التوجه لإيجاد الكون ، ولهذا نبّهت على أنّ الفرق بين التركيب والجمع يظهر في مراتب الصور لا فيما فوقها من المراتب ، فافهم . 
وهذا الاجتماع المذكور هو مبدأ التصنيف والتأليف الربّاني للحروف العلميّة ؛ طلبا لإبراز الكلمات « 3 » الأسمائيّة والحقائق الكونيّة ، المعربة عن سرّ ذاته وحكمها بأسمائه وصفاته في موجوداته . 
ومادة هذا التأليف والإنشاء النفس الرحماني الذي هو الخزانة الجامعة ، وأمّ الكتاب على ما سيتلى عليك من أنبائه ما ييسّر « 4 » الحقّ ذكره . هذا هو حكم التركيب المعنوي الذي هو الاجتماع الأوّل ، والظاهر عنه وبعده . 
وإمّا صوري مادّي أو شبيه به ، فالشبيه بالمادّي كتوجّهات الأرواح النوريّة من حيث قواها ، وما سرى فيها من خواصّ الأسماء التي كان اجتماعها سببا لوجود الأرواح وظهور « 5 » عالم المثال ومظاهرها المثاليّة . 
ثم توجّهات الأرواح من حيث تقيّدها بمظاهرها المثاليّة بحسب صفاتها ، ومن حيث مراتب مظاهرها بقواها والخواصّ الحاصلة لها من المراتب الأسمائيّة لإنتاج الصور العلويّة والأجرام البسيطة بالنسبة .
..................................................
( 1 ) . المؤمنون ( 23 ) الآية 14 .
( 2 ) . ق ، ه : ما مر . وحق العبارة هكذا : المثمر ممّا ذكر وغير ذلك . . .
( 3 ) . ق : كمالات .
( 4 ) . ق : تيسّر .
( 5 ) . في بعض النسخ : لظهور .
75

وهذا هو مرتبة النكاح الثاني ، وما سبق التنبيه عليه هو حكم النكاح الأوّل الغيبي الأسمائي . 
والمادّي ما بعد هذين النكاحين المذكورين وهو اجتماع ما سلف ذكره لإنتاج الصور الطبيعيّة المركّبة ، ثم اجتماع الصور المركّبة الطبيعيّة بقواها وسائر ما مرّ حديثه لإظهار صورة الإنسان . 
فكلّ أثر وحداني وأصل من حضرة الجمع والوجود بحركة غيبيّة سار بأحديّة الجمع ، فإنّه يوجب للحقائق الظاهر تخصّصها بالتوجّه الإرادي اجتماعا لم يكن من قبل . 
فكلّ اجتماع على هذا الوجه تركيب ، ولكلّ تركيب صورة - و « 1 » هي نتيجة ذلك التركيب - ولكلّ صورة حكم تنفرد به وحكم تشترك فيه مع غيرها . 
والتركيبات من الحروف الإلهيّة العامّة الشاملة الحكم ، ومن الحروف الإنسانيّة الخاصّة في كلّ مرتبة من مراتب المخارج ، ومراتب العالم الكبير التي « 2 » هي مخارج صورة الحضرة الإلهيّة لا تتناهى ، فنتائجها المسمّاة صورا وكلمات لا تتناهى . 
وهكذا الأحكام اللازمة لها ، كالأسماء والصفات ، والخواصّ والكيفيّات ونحوها ، ولذلك لا تنفد الكلمات الإلهيّة والكونيّة ؛ لعدم تناهي الممكنات المنبّه على حكمها ، وعدم تناهي أنواع الاجتماعات والتراكيب ، فافهم . 
وإنّما يتناهى أصولها وكليّاتها ، فكلّ مدرك من الصور « 3 » - بأيّ نوع كان من أنواع المدارك والتصوّرات الإنسانيّة وسواء كان ذلك في مراتب وجود الإنسان ، أو فيما خرج عنه باعتبار - فليس إلّا نسبة اجتماعيّة في مرتبة مّا أو مراتب على اختلاف أنواع الاجتماعات وصنوفها ومراتبها التفصيليّة والكلّيّة المذكورة . 
فالتركيب الجمعي يحدث عين الصورة التي قصد المركّب والجامع إظهارها بالجمع و « 4 » التركيب الذي هو شرط في ظهور عين ذلك المركّب ، فمتعلّق الحدوث و " 5 " التركيب
..........................................................
( 1 ) . ق : لم يرد .
( 2 ) . ق : الذي .
( 3 ) . في بعض النسخ : الصوري .
( 4 ) . ق ، ه : أو .
( 5 ) . ق : هو التركيب ، ب : هو التراكيب .
76

والجمع والظهور [ تلك الصور ] لا الأعيان المجرّدة والحقائق الكلّيّة التي هي أصول المركّبات والمجتمعات في سائر مراتب الجمع والتركيب ، وموادّ عين الجمع « 1 » والمركّب . 

وليس للجمع « 2 » والتركيب - إذا تدبّرت ما نبّهت عليه - غير نسبة انضمام الحقائق المجرّدة بعضها إلى بعض بحركة منبعثة عن قصد خاصّ من الجامع المركّب ، فيحرّك أو يتحرّك لإبراز عين الصورة الوجوديّة أو الكلمة المراد ظهورها في النفس ، فتصير الكلمة مشهودة بواسطة النسبة الانضماميّة " 3 " بعد أن كانت غيبا . 
وهكذا الشيء الظاهر « 4 » بالإيجاد الإلهي في أيّ مرتبة ظهر من المراتب الوجوديّة حسب المشيئة والاستعداد ، فحدث - كما قلنا - التركيب الجمعي والإدراك والشهود والاجتماع بالحركة والقصد ، وظهر الحكم الساري اللازم لسائر ما ذكر في كلّ ما ظهر ، وكلّ ذلك نسب لا أعيان موجودة . 
فمتعلّق الشهود هو المركّب من البسائط ، مع أنّه ليس بشيء زائد على بسائطه « 5 » إلّا نسبة جمعها المظهرة الأمر الكامن فيها الذي لولا الاجتماع على النحو المقصود لم يعلم ولم يظهر عينه . 
فالبساطة حجابك ، وبالتركيب الذي هو ستر على الحقائق يرتفع ذلك الحجاب مع عدم تجدّد أمر وجودي ، هذا هو العجب العجاب . 
وإنّما الأمر عبارة عن نسبة جمع وانضمام أحدث في المجتمع حكما لم يكن يعرف ذلك له قبل الاجتماع كالأسماء والصفات وغيرها ممّا ظهر وتعلّق به الإدراك بواسطة التركيب . 
ولهذا كان الكتاب مشتقّا من الكتيبة « 6 » وهو اجتماع « 7 » الصورة « 8 » العسكريّة اعتبارا لانضمام الحروف والكلمات بعضها إلى بعض ، وذلك الانضمام مستلزم انضمام المعاني الغيبيّة المجرّدة بطريق التبعيّة ، كتحيّز الأعراض بتبعيّة الجواهر ؛ لأنّها « 9 » إذا فرضت مجرّدة
........................................................
( 1 ) . كذا في الأصل . و « المجتمع » أنسب .
( 2 ) . ق ، ه : الجمع .                  ( 3 ) . ق : الاجتماعية .
( 4 ) . ب : المظاهر .                   ( 5 ) . ب : بساطته .
( 6 ) . ب : الكتب .                      ( 7 ) . ق : الجمع وكذلك الكتيبة .
( 8 ) . ه : صورة .                      ( 9 ) . ق : لا انّها .
77

يكون التحيّز من صفاتها . 
ثم هذا الانضمام يتبعه حكمان مختلفان : النظم والاتّصال المسمّى بالجمع والتركيب ، والآخر الفصل والتمييز . 
ويتبع ذلك أمران : التبديل ، والتشكيل . 
فأمّا النظم فهو المعبّر عنه بالانضمام والجمع والتركيب ونحو ذلك وقد بيّنّا حكمه . 
وأمّا الفصل فهو كون أحكام المعاني والحقائق متداخلة ، وبعضها مرتبطا بالبعض ، من حيث المناسبة والتبعيّة . 
فلسان العلم بالأدوات المعرّفة والشارحة تعيّن الأحكام وتضيفها إلى أصولها ؛ فيرتفع الالتباس الحاصل بحكم الوجود الواحد الذي عمّها وجمعها بالتمييز ، فيعلم المتعلّم [ أنّ ] هذا الحكم - مثلا - إلى أيّة حقيقة يستند من الحقائق ، فينسبه إليها عن يقين « 1 » دون مزج ، فيصير كلّ معنى مضافا إلى أصله ، وكلّ أصل ممتازا بنفسه وما يتبعه - من الأحكام المختصة به - عمّا سواه ، وهذا من أكبر فوائد مقام الحضور بعد العلم الصحيح لمن يعلم ما أدرجت في هذا الفصل وما قبله من الأسرار . 
ثم نقول : ومتعلّق التبديل الواقع في الوجود بالاجتماع والاقتران والتحليل والتركيب والتعيّنات الظاهرة وأنواع التشكّلات هو الصور والأشكال الجزئيّة التي هي أحكام الحقائق والأشكال المعقولة الكلّيّة المجرّدة . 
فإنّ الأشكال الجزئية والتشخّصات المتعيّنة في الشهادة مظاهر أحكام الأشكال الكلّيّة الغيبيّة ، والحقائق البسيطة والكيفيّات المدركة التي هي أحوال للأمر المتشكّل من حيث هو متشكّل في مرتبة مرتبة ، وعين وعين ، والحقائق مشتركة في التجرّد والجوهريّة والصفة العينيّة ، متماثلة ومتّحدة « 2 » من حيث الوجود العام المشترك بينها ، ومن حيث السرّ الغيبي الإلهي الذي لا تعدّد لشيء فيه ، والاختلاف ظهر بالصور والأشكال الظاهرة فالمسمّاة حدودا ذاتيّة « 3 » للصور والأشكال لا للمتصوّر والمتشكّل ، ولكن لا يشهد هذا المتشكّل عيانا إلّا بالشكل « 4 » فيظنّ من لا يعرف أنّ المحدود هو المتشكّل من حيث ذاته ، إنّما هو الشكل إلّا
.........................................................
( 1 ) . ب : تعيّن .
( 2 ) ق : متّحدة ومتماثلة .
( 3 ) . ه : ذاتية إنّما هي ذاتية .
( 4 ) . ق : بالتشكل .
78

أنّه يتعذّر معاينته إلّا بالمتشكّل كما أنّ المتشكّل يتعذّر إدراكه إلّا بواسطة الشكل . 
وكذا يغلط من يعرف من حقائق الأشياء أعراضها وصفاتها ، ويظنّ أنّه قد عرف الصفة من حيث حقيقتها ، وهو لم يعرفها إلّا من حيث كونها صفة لموصوف مّا ، كما سبق التنبيه عليه ، وكما قلنا آنفا في الكيفيّات المدركة : إنّها أحوال للأمر المتشكّل من حيث هو متشكّل لا مطلقا ، فافهم . 
وهذه المعرفة متعلّقها النسب لا الحقائق ، وصاحبها إنّما عرف نسب الحقائق بقيود سلبيّة أو إضافيّة ، و « 1 » لم يعرف كنهها ؛ إذ معرفة كنه الحقائق لا تحصل إلّا بالطريق المذكور من قبل ، المختصّ بذوق الأكابر - رضي اللّه عنهم - ثم نقول : فأجزاء حدّ كلّ شيء بسيط ليست أجزاء لحقيقته ، بل لحدّه فحسب ، وهو شيء يفرضه العقل في المرتبة الذهنيّة ، فأمّا هو في ذاته فغير معلوم من حيث هو هو ، حتى تنتفي « 2 » عنه الأجزاء نفيا حقيقيّا ، أو تثبت « 3 » له ، ولهذا السرّ وما سبق بيانه في أوّل الكتاب تعذّرت معرفة حقائق الأشياء من حيث إطلاقها وبساطتها في حضرة الغيب الإلهي الذي هو معدنها الأعلى ، الوجه المنبّه عليه في سرّ العلم من قبل . 
فالمتشكّل في ضرب المثل إذا اعتبر مجرّدا عن الشكل « 4 » يكون في حضرة العلم الإلهي الغيبي ، فلا يتعيّن لنا ؛ لما بيّنّا ولا يمتاز ، فلا « 5 » ينضبط في تصوّر ، ولا يتأتّى تعريفه وتحديده وتسميته والتعبير عنه ؛ لعدم تحقيق « 6 » معرفته إلّا على وجه مجمل ، وهو أنّ ثمّة شيئا وراء هذا الشكل من شأنه أنّه متى اعتبر مجرّدا عن الصور والصفات والاعتبارات المعيّنة له والأشكال ، لا ينضبط في تصوّر ، ولا يمكن تعقّله على التعيين وشهوده ، فلا بدّ من أمر يظهر به الشكل الذي تقيّد به الأمر الموصوف بالتشكّل ، حتى تأتّى إدراك كلّ منهما - أعني الشكل « 7 » والمتشكّل - من حيث ذلك الأمر وهو نسبة الجمع . 
وأمّا اعتبار الشيء مجرّدا عن الشكل « 8 » وحكم التشكّل كما قلنا - فيتعذّر معرفة حقيقته
..........................................................
( 1 ) . ق : لم يرد .                         ( 2 ) . ق : ينقى .
( 3 ) . ب : ثبت .                           ( 4 ) . ق : التشكّل .
( 5 ) . ق : ولا .                            ( 6 ) . ق : تحقّق .
( 7 ) . ق : التشكّل .                         ( 8 ) . ق : التشكّل .
79

إن كانت له حقيقة يمتاز بها لذاته لا بتوسّط اعتبار وتميّز وتعيّن متعقّل ومظهر معرّف ، فافهم وتدبّر ما نبّهت عليه ، وتنزّه فيما ينفتح " 1 " لك من التفاصيل، واللّه وليّ الإرشاد والهداية.

قاعدة كلّيّة 
تتضمّن سرّ الحروف والكلمات والنقط والإعراب والوجود والإمكان والممكنات وما يختصّ بها من المراتب، وما تدلّ عليه وتستند إليه، وسرّ كون العالم كتابا مسطورا في رقّ منشور ، وغير ذلك. 
اعلم ، أنّ الوجود المنبسط هو النور ، وقد نبّهت على حكمه حين الكلام على سرّ العلم ، وهو الرقّ المنشور ، والانبساط المعبّر عنه بالنشر وقع على حقائق الممكنات . 
فكلّ حقيقة على انفرادها من حيث ثبوتها وتميّزها في علم الحقّ تكون حرفا غيبيّا - كما أشرت إليه في سرّ التراكيب الستّة - ومن حيث إنّ الحقائق : منها تابعة ، ومنها متبوعة ، والتابعة أحوال للمتبوعة وصفات ولوازم ، كانت المتبوعة باعتبار انضياف أحوالها إليها وتبعيّتها لها حال تعقّلها « 2 » خالية عن الوجود كلمة غيبيّة ، وباعتبار تعقّل الماهيّة المتبوعة منصبغة بالوجود ، مفردة عن لوازمها المتأخّر وجودها عن وجود الماهيّة المتبوعة تكون حرفا وجوديّا ، وباعتبار تعقّلها « 3 » - أعني الماهيّة المتبوعة - منضمّة إليها لوازمها التابعة حال اتّصافها بالوجود كلمة وجوديّة . 
والآيات من هذه الكلمات الوجوديّة ما يتضمّن معنى الدلالة على حقيقة صفة خاصّة أو حالة معيّنة أو نوع مّا مخصوص من أنواع اللوازم المضافة إلى أصل كلّي أو جنس معيّن بصورة هيئة من الهيئات الاجتماعيّة الواقعة بين الكلمتين فصاعدا ، معربة عن جملة من المعاني المفهومة ، المدركة بواسطة تلك الهيئة . 
والسور منها ما يتضمّن بيان أحكام مرتبة مّا من المراتب أو صفة كلّيّة أو حالة كلّيّة تستلزم صفات شتّى أو أحوالا متعدّدة مختلفة .
............................................................
( 1 ) . ه : يتفتّح .
( 2 ) . ق : تعلّقها .
( 3 ) . ق : تعلّقها .
80

والكتب المنزلة عبارة عمّا يتضمّن الترجمة عن صور الأحكام العلميّة الإلهيّة والأحوال الإمكانيّة المختصّة بمرتبة مّا من المراتب الكلّيّة وطائفة مخصوصة وأهل قرن معيّن أو قرون معيّنة . 
والقرآن صورة العلم المحيط بالأحوال « 1 » الإمكانيّة ، المختصّة بالموجودات « 2 » على « 3 » اختلاف طبقاتها من حيث الأخبار المختصّة « 4 » من حيث الحكم بأهل باقي العصر إلى الوقت المعيّن المقتضي انتهاء حكم الشرائع قاطبة ، وهو زمان طلوع الشمس من مغربها ، فافهم . 
والحضرات الكلّيّة التي إليها الاستناد والمرجع هي الخمسة المذكورة ، وسنعيد ذكرها ؛ عملا بالأحوط ، وخوفا من نسيان المتأمّل كما فعلت ذلك في عدّة أمور ربما ظنّ من لم يعرف المقصود أنّ ذلك تكرار عار عن الفائدة . 
فنقول : أوّلها الغيب الإلهي الذي هو معدن الحقائق والمعاني المجرّدة . 
ثم الإضافي وله عالم الأرواح وما ذكر من قبل . 
وفي المقابلة مرتبة الشهادة ، ولها الصور المركّبة الطبيعيّة والبسيطة بالنسبة . 
ثم التي نسبتها إلى الشهادة أقرب كما ذكر . 
وخامسها الأمر الجامع وقد مرّ ذكر الجميع . 
ونظيرها في عالم النفس الإنساني مراتب المخارج فأوّلها باطن القلب الذي هو ينبوع النفس ، وتقابله الشفتان مقابلة الشهادة للغيب ، والثلاثة الباقية : الصدر ، والحلق ، والحنك . 
فكما أنّ كلّ موجود لا بدّ وأن يستند إلى إحدى هذه المراتب الخمس ، أو يكون مظهرا لحكم جميعها كالإنسان الكامل ، كذلك كلّ حرف لا بدّ وأن يستند إلى إحدى هذه المخارج ، أو يستوعب حكم جميعها كحرف الواو ، وما سوى ما ذكر فمراتب تفصيليّة تتعيّن فيما بين هذه الأمّهات الأصليّة ونظائرها من المخارج المشار إليها . ولكلّ فرد من أفراد الموجودات العينيّة التي هي حروف النفس الرحماني من حروف النفس الإنساني خمسة أحكام ثبوتيّة في قوّة أحدها جمعيّة ما في الأربعة ، وحكم سادس سلبي سار في الخمسة من حيث
.............................................................
( 1 ) . ق : والأحوال .
( 2 ) . ق : لا توجد .
( 3 ) . ق : من حيث حتى .
( 4 ) . ق : والمختصة .
81

إنّ كلّ « 1 » ثبوت يوصف به أمر مّا يستلزم نفي ما ينافيه فإمّا من وجه واحد أو من وجوه بحسب المنافاة وحكمها . 

ولهذه الأحكام الستّة خمس علامات : ثبوتيّة ، مرتّبة « 2 » تجمع إحداها ما تضمّنته الأربع ، وعلامة سادسة سلبيّة تنتج حكما ثابتا « 3 » ؛ فإنّ ترك العلامة علامة ، فهذه اثنا عشر أمرا استحضارها يعين في فهم ما يذكر من بعد . 
فأمّا الأحكام الخمسة الثبوتية : فحكم الموجود « 4 » من حيث ماهيّته الثابتة في العلم . 
وحكمه من حيث روحانيّته . وحكمه من حيث صورته وطبيعته ؛ إذ لا بدّ لكلّ موجود من روحانيّة في قاعدة التحقيق ، ولا بدّ لكلّ روحانيّة من صورة تكون مظهرا لحكم الروحانيّة وإن لم تشترط في حقّ بعض الموجودات الروحانيّة صورة بعينها. 
والحكم الرابع من حيث التجلّي الإلهي الظاهر بها « 5 » والساري فيها بأحديّة الجمع اللازم للهيئة المعنويّة الحاصلة من اجتماع جميعها . 
والحكم الخامس من حيث المرتبة التي هي غاية . 
والسادس : السلبيّ قد سبق التنبيه على حكمه . 
وأمّا العلامات : فالنقط ، والإعراب أو ما يقوم مقامهما ، ولكلّ منها خمس مراتب أيضا وسادسة سلبيّة ، فالتي تختصّ بالنقطة كونها تكون واحدة واثنتين وثلاثا ، من فوق الحرف ومن تحته ، والسلبيّة عدم « 6 » النقط . 
والإعراب : الرفع ، والنصب والجرّ ، والتنوين ، والسكون الحيّ ، والسادسة السلبيّة : 
السكون الميّت ، وحذف الحرف القائم مقام الإعراب . 
فالرفع للمرتبة الروحانيّة . 
والنصب والجرّ للصورة الظاهرة والطبيعيّة . 
والسكون الحيّ للحكم الأحديّ الإلهي الأوّل المختصّ بحضرة الجمع العامّ الحكم على
........................................................
( 1 ) . ب : لكلّ .
( 2 ) . ق : مرتبيّة .
( 3 ) . ه : ثانيا .
( 4 ) . ب : الموجودات .
( 5 ) . ضمائر التأنيث راجعة إلى الموجودات .
( 6 ) . ق : عدميّة .
82

الأشياء ، فهو أمر معقول ثابت يرى أثره ولا يشهد عينه ، كما نبّه عليه شيخنا وإمامنا رضي اللّه عنه في بيت له غير مقصود ، بقوله ، ( شعر ) :والجمع حال لا وجود لعينه * وله التحكّم ليس للآحاد ولهذا السكون أيضا الرجوع إلى الحكم الثبوتي بالاستهلاك في الحق ، مع بقاء حكم وجود المستهلك ، وارتفاع أحكام النسب الكونيّة ، فالحركة التي هي عنوان الوجود خفيّة ، فالحكم موجود ، وليس لمن ينسب إليه الحكم عين ظاهرة وهذا هو حكم قرب الفرائض ، المشار إليه بأنّ العبد ليستتر «1» بالحقّ ، فيظهر حكمه في الوجود لا عينه كالبرازخ كلّها.
وممّا يختصّ بمرتبة السكون الحيّ التنوين ، وله الثبات والاستقرار في الغايات بانتهاء حكم الاستعدادات من الوجه الكلّي ؛ إذ الأمر من حيث التفصيل لا غاية له ولا انتهاء إلّا بالنسبة والفرض . 
والسكون الميّت كالموت والجمود والتحليل والفناء ونحو ذلك . 
ولمّا كان الحكم في الأشياء للمراتب لا للأعيان الوجوديّة من حيث وجودها ، كان ما يضاف من الحكم إلى الموجودات إنّما يضاف إليها باعتبار ظهور حكم مرتبتها بها ، والأثر الحاصل من المراتب إنّما هو باعتبارين : 
أحدهما اعتبار سريان الحكم الجمعي « 2 » الأحدي الإلهي الساري في الأشياء . 
والثاني اعتبار الأغلبيّة التابعة للنسبة الأوّلية ؛ فإنّ ثبوت الحكم والغلبة لبعض المراتب على بعض ، إنّما يصحّ بسبب الإحاطة ، ويظهر بحسب أوّليّتها . 
ولمّا كانت الخاتمة عين السابقة ، والغاية المعبّر عنها بالآخريّة هي نفس صورة كمال الأوّليّة ، لم تتميّز « 3 » ولم تتغاير إلّا بخفاء حكم الأوّلية بين معقول طرفي البداية والنهاية ، كما أومأت إلى ذلك آنفا . 
لذلك كان شكل التنوين ضعف شكل مجرّد الإعراب الدالّ على الحكم ، فتثنية التنوين للاعتبارين المذكورين ، وسنذكر ما تبقى من أسرار الحركات والنقط - إن شاء اللّه تعالى - .
............................................................
( 1 ) . ق : يستتر .
( 2 ) . ق : جمع .
( 3 ) . ق : لم يمتاز .
83

فنقول : اعلم أنّه قدّمنا أنّ كلّ صورة وجوديّة يتعلّق بها الإدراك - على اختلاف مراتبه - أنّها « 1 » عبارة عن اجتماع حقائق معقولة مجرّدة ظهرت بنسبة الاجتماع التابع لحكم أحديّة الجمع الإلهي المذكور ، وذلك الظهور قد يكون في بعض المراتب الوجوديّة ، وقد يكون في كلّها ، فللموجودات الغيبيّة التي هي حروف النفس الرحماني وحروف النفس الإنساني بحسب المراتب الخمس الكلّيّة المذكورة ، وبحسب نظائرها في « 2 » المخارج من حيث الحكم التركيبي والتأليف الاجتماعي ، والسرّ الجمعي - الذي يصبغ « 3 » به المتكلّم عين « 4 » الكلام ، ويسري أثره فيما يتكلّم به - تداخل ومزج . 
والغلبة والظهور في أحوال التركيب إنّما يكون لأحد الأشياء التي وقع بينها ذلك الامتزاج والتأليف ، فأمّا من حيث المرتبة فالحكم الجمعي المذكور ، وأمّا من حيث الظهور الوجودي فالأوّليّة . 
فالنقط والإعراب معرّفات لهذه الأمور تعريف تمييز وتعيين ، ومنبّهات على أصولها ، فالنقط للمراتب ، والحركات الإعرابيّة للأحكام والصفات . 
وللمراتب الخمس مراتب تالية لها وهي : مرتبة الفعل ، ومرتبة الانفعال ، ومرتبة جامعة تقتضي التكافؤ والاعتدال والمقاومة ، ومظاهرها في النسخة الإنسانيّة : الصوت ، واللسان ، والأسنان ، فافهم . 
وكما أنّ المراتب الخمس يكون ظهور حكمها - كما قلنا - باعتبار الأوّليّة والحكم الجمعي الأحدي ، فكذلك ظهور الأمر في هذه المراتب الثلاث يكون باعتبارين : أحدهما ظهور الغلبة المشار إليها من حيث القوى الروحانيّة ، والآخر من حيث القوى الطبيعيّة ؛ لأنّ اختلاف استعدادات الأعيان ، واختلاف تعلّقات الأسماء وتوجّهاتها لإيجادها يقتضي أنّ بعضها إذا وجد يتعيّن في مراتب الأرواح وينضاف إليها ، وبعضها في مراتب الطبيعة ، والظهور في إحدى المرتبتين المذكورتين أو فيهما معا - باعتبارين ومن وجهين - يستلزم الانصباغ بحكم إحدى النسبتين - وهما : الفعل والانفعال - أو الأمر الثالث الجامع باعتبار « 5 » ؛
...........................................................
( 1 ) . ب : معقول له .
( 2 ) . ق : من .
( 3 ) . ق ، ه : ينصبغ .
( 4 ) . ق : حين .
( 5 ) . ب : باعتبارين .
84

فإنّ تعيّن الحرف - مثلا - في المرتبة الفعليّة من حيث النسبة الروحانيّة لغلبة أحد الأحكام الخمسة من حيث الأوّليّة أو « 1 » الحكم الجمعي الأحدي المرتبي « 2 » ، نبّه على الحكم بالإعراب وعلى المرتبة بالنقطة ، وتكون واحدة من فوق الحرف ، وإن كانت الغلبة بالاعتبارين : 
الروحاني والطبيعي ، كانت نقطتين ، وإن كان الأمر بالعكس - بمعنى أنّ تميّز الحرف يكون في المرتبة الانفعاليّة بأحد الاعتبارين المذكورين أو كليهما - كان النقط من أسفل ، فإن انضاف إلى ذلك حكم الأوّليّة بالنسبة إلى المرتبة الروحانيّة والطبيعيّة هناك أيضا وحصل التناسب ، كان الإعراب أيضا من تحت الحرف كالنقط وهذا يكون إذا كان أحد الحكمين من الخمسة لمرتبة السكون الميّت ، والآخر للصورة الطبيعيّة وإن كان الأمر بالعكس في الاعتبارين وما يناسبهما من الأحكام الخمسة ، كان الإعراب والنقط فوق الحرف . 
وإن كانت الغلية لبعض الخمسة ما عدا السكونين ، ويكون التعيّن في المراتب من حيث النسبة الانفعاليّة ، كان الإعراب من فوق والنقط من أسفل وإن كان الأمر بالعكس كان النقط من فوق والإعراب من أسفل . 
وإن حصلت الغلبة في مرتبة الجمع والتكافؤ التي هي المرتبة الأخيرة من الثلاثة وكان الحكم من أحد الخمسة للسكون الحيّ ، كان النقط ثلاثا من فوق . 
ولمّا لم يظهر هذا الجمع التركيبي إلّا بحسب الاعتبارين المذكورين - وهما النسبة الروحانيّة والنسبة الطبيعيّة - لذلك « 3 » لم ينقط من الحروف ثلاث نقط إلّا الثاء والشين، فالثّاء لحكم جمع القوى الروحانيّة، والشين لحكم جمع القوى الطبيعيّة. 
والسرّ في أنّ النقط من أسفل لم تكن أكثر من اثنتين أنّ الامتزاج المذكور إنّما يقع بين الأرواح والطبائع ؛ لما بيّنّا ، ولأنّهما مظاهر المعاني والحقائق والمراتب ، فإن غلبت النسبة الروحانيّة بالتفصيل المقدّم ذكره ، كانت النقط من فوق ، وإن غلبت القوى الطبيعيّة ، كانت من تحت ؛ تعريفا لمرتبة الأرواح والطبائع . والنقطة الثالثة لمّا كانت منبّهة على التكافؤ الاعتدالي ، والسرّ الجمعي الأحدي الإلهي الذي تستند إليه سائر الأحكام والآثار - كما مرّ"
..............................................................
( 1 ) . ق : و .
( 2 ) . ق : والمرتبي .
( 3 ) . في بعض النسخ : هي لذلك .
85

ذكره في غير « 1 » موضع من هذا الكتاب - نبّه عليه من فوق لشمول حكمه . 
وأمّا من تحت فلا ؛ لأنّه الأمر الإلهي الذي يغلب ولا يغلب ، ولهذا تجعل فوق النقطتين اللتين : إحداهما للروحانيّة ، والأخرى للطبيعيّة ، وترسمان في صفّ واحد إشارة إلى تساويهما من حيث إنّ كلّ واحدة منهما من وجه تفعل في الأخرى ، وتؤثّر فيها ، وتجعل الثالثة فوقهما ؛ لما بيّنّا . 
والسرّ في أنّ الحكم الجمعي لا ينبّه عليه إلّا في الحرفين - وهما الثاء والشين - أنّ حكم الجمع الأحدي والاعتدال الوجودي في غير هاتين المرتبتين معقول غير مشهود ، ولهذا الاعتدال التامّ لا ينتج ولا يظهر له صورة ، وكذا الجمع الكلّي الشامل الحكم ، والكمال الذي لا أكمل منه ، لا يتعيّنان في الوجود ، وإنّما يشهد كلّ منهما بحسب المرتبة والمظهر الذي يظهر الكلّ فيه وبه ، لا بحسبه . 
وأمّا سرّ دلالة النقط على المراتب ، والخطوط الإعرابيّة على الأحكام ، فهو أنّ النقطة أمر معقول غير مشهود مع أنّه أصل سائر الخطوط والسطوح والدوائر ، فيظهر به جميعها ، وهو من حيث هو لا يظهر . كذلك المراتب حقائق معقولة غير مشهودة ، وهي أصل كلّ ما يشهد ، والحاكمة عليه ، ولمّا كان الخطّ عبارة عن نقط متجاورة ، لذلك كان دليلا على الحكم ؛ لأنّ الحكم نسبة معقولة بين حاكم ومحكوم عليه ، وبالحركة الإيجاديّة يحصل الاتّصال ، فيظهر عين الحكم والحاكم من كونه حاكما ، والمحكوم به وعليه ، فافهم واللّه المرشد . 
وأمّا سرّ التشديد فهو تلاقي حكم النسبة الجامعة من المراتب الثلاث لحكم مرتبة السكون الحيّ المختصّ بأحديّة الجمع الإلهي ، والظاهر منهما هو صاحب الأوّليّة ، فالحكم عين « 2 » الظهور . 
وأمّا سرّه في الموجودات فيعلم من نتيجة قرب النوافل وقرب الفرائض ، فقرب النوافل يختصّ بالطالبين ، وقرب الفرائض يختصّ بالمرادين المطلوبين . فإذا تعدّى المحقّق مقام « أو أدنى » وارتفع الخطّ الذي قسّم الدائرة قوسين ، فإنّ المطلوب يكون له الأوّليّة والظهور ، من حيث الحكم ، والطالب له الآخريّة ولوازمها ، ومن فهم سرّ
.........................................................
( 1 ) . في الأصل : غير ما موضع .
( 2 ) . ق : في الحكم حين ، ه : في الحكم عين .
86

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ« 1 » وعرف سرّ « قف إنّ ربّك يصلّي » يعرف ما أومئ « 2 » إليه . 
ثم نرجع ونقول : ولمّا كانت الصور منقسمة إلى مركّبة وبسيطة بالنسبة ، وكان البسيط لتشابه أجزائه وعروه عن الكيفيّات المختلفة من حيث ذاته لا يظهر للتركيب « 3 » فيه حكم محسوس ، بل يعقل ذلك فيه لا غير ، كانت الحروف المختصة به بحكم الأغلبيّة والمنضافة « 4 » إليه خالية عن النقط ؛ لأنّ النقط وضعت للتعريف ، ونسبة هذه الحروف إلى الطبيعة والصور إنّما كانت من وجه واحد واكتفي « 5 » في التنبيه على مرتبتها بمجرّد الصورة ، وعلى حكمها بالإعراب ، فحصل الاستغناء عن معرّف آخر . 
ثم إنّ الحروف - التي هذا شأنها - في الاصطلاح أربعة عشر حرفا وفي قاعدة التحقيق اثنا عشر حرفا فحسب ؛ لأنّ أحدها الألف وليس هو عند المحقّقين بحرف تامّ ؛ فإنّه عبارة عن امتداد النفس دون تعيّنه بمقطع خاصّ في مخرج من المخارج ، فهو والهمزة عندهم حرف واحد ، كما سنشير إليه . 
ولام ألف أيضا حرف مركّب من اللام والألف ، وله الدلالة على سرّ التركيب من حيث معقوليّته وعدم ظهور حكمه في المركّب، وله التعريف بسرّ الارتباط الواقع بين الحضرتين : الإلهيّة والكونيّة ، والامتزاج الحاصل بين البسائط والمركّبات ، وله أيضا أسرار غير ما ذكرنا لا يقتضي الحال ذكرها . 
ثم نقول : فالحروف الخالية عن النقط إذا اثنا عشر حرفا وتستند إلى البروج الاثني عشر المقدّرة المفروضة في العرش الذي هو أوّل الأجسام البسيطة وأعظمها صورة وحكما وإحاطة وعلامات البروج هي المنازل المشهودة في الفلك الثامن والمراتب المذكورة آنفا ، السارية الحكم في الحروف جميعها . « 6 » والموجودات أيضا اثنا عشر : الخمسة الأصليّة ، والاعتباران اللازمان لها ، والثلاثة التالية ، والاعتباران التابعان لها ، فصار المجموع اثني عشر .
.............................................................
( 1 ) . الأسرى ( 17 ) الآية 1 .             ( 2 ) . ق : أومأنا .
( 3 ) . ق : التركيب .                         ( 4 ) . ب : المضافة .
( 5 ) . ق : فاكتفى .                          ( 6 ) . ق : جميعا .


يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:10 من طرف عبدالله المسافربالله

 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي

وصارت الحروف المنقوطة أربعة عشر ؛ إشارة وعلامة على مراتب السماوات السبع ، والعناصر الأربعة والمولّدات الثلاث ، والفلك الثامن هو البرزخ الجامع وهو الأعراف ، فافهم . 
ولمّا كانت مرتبة الإمكان بما تحويه من الممكنات غيبا ولها الظلمة ، وكانت « 1 » الممكنات هي التي تتعيّن في النور الوجودي ويظهر أحكام بعضها للبعض بالحقّ وفيه ، وهو سبحانه لا قيد له ولا تميز « 2 » ، كان المثال الواقع في الوجود مطابقا للأصل . 
فالمداد مع الدواة نظير مرتبة الإمكان وما حوته من الممكنات من حيث إحاطة الحقّ بها وجودا وعلما . وحقائق الممكنات كالحروف الكامنة في الدواة ، كما نبّهت عليه في سرّ 
« كان اللّه ولا شيء معه » 
ونحوه « 3 » عند قولي : « وليس لشيء « 4 » في الغيب الذاتي الإلهي تعدّد ولا تعيّن وجودي » . والورق وما يكتب فيه كانبساط النور الوجودي العامّ الذي تتعيّن فيه صور الموجودات . والكتابة سرّ الإيجاد والإظهار . والواسطة والآلة : القلم الإلهي . 
والكاتب : الحقّ من كونه موجدا وخالقا وبارئا ومصوّرا ، كما نبّهت عليه في سرّ التراكيب الستّة والتميّز « 5 » والقدرة . ونظير الأنامل الثلاث الفرديّة الأولى التي وقع فيها وبها الإنتاج ، وقد مرّ ذكرها . والقصد : الإرادة . واستحضار ما يراد كتابته التخصيص الإرادي ، التابع للعلم المحيط بالمعلومات التي تظهر . 
وكما أنّ استمداد العالم الكاتب هنا ما يريد كتابته يرجع إلى أصلين : أحدهما : العلم الأوّلي ، والثاني : الحسّي المستفاد من المحسوسات ، كذلك الأمر هناك ، فنظير الأوّلي « 6 » علم الحق بذاته وعلمه بكلّ شيء من عين علمه بذاته . ونظير المستفاد من المحسوسات رؤيته سبحانه حقائق الممكنات « 7 » في حضرة الإمكان ، وتعلّق العلم بها أزلا تعلّقا ذاتيّا ، وإبرازها في الوجود على حدّ ما علمت وبحسب ما كانت عليه ، وهذا سرّ تبعيّة علم العالم للمعلوم .
...........................................................
( 1 ) . ق : فكانت .             ( 2 ) . ق : تمييز .
( 3 ) . ب : نحو ذلك .           ( 4 ) . ق : بشيء .
( 5 ) . ق : واليمين .             ( 6 ) . ق : الأوّل .
( 7 ) . ق : للممكنات .

ومن النسبة الجامعة بين هذين الأصلين العلمين تعلم أسرار كثيرة لا يقتضي الوقت والحال تفصيلها ، أحدها سرّ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ« 1 » ، فاعلم ما نبّهت عليه ، فلقد أدرجت لك في هذه القاعدة وتقاسيمها المتقدّمة أسرارا إن فكّ لك منها معمّاها ، انفتحت لك بها أبواب من المعارف عظيمة الجدوى ، عزيزة « 2 » المنال ، واللّه وليّ الهداية والإحسان .
.............................................................
( 1 ) . محمّد ( 47 ) الآية 31 .
( 2 ) . ق : وعزيزة .
87

قاعدة كلّيّة 
تحتوي « 1 » على ذكر مراتب التميّز الثابت بين الحقّ وما سواه ، وما يختصّ بتلك المراتب من أمّهات الأسرار بطريق التبعيّة والاستلزام . 
اعلم ، أنّ الحضرات الخمس الأصليّة التي سبقت الإشارة إليها - مع كونها الأمّهات لسائر المراتب والحضرات - فإنّ بعضها أيضا داخل تحت حيطة بعضها ، كالحضرتين اللتين هما عن جنبتي المرتبة الوسطى ، فإنّ إحداهما تندرج في مرتبة الاسم « الظاهر » المنعوت بالشهادة ، والأخرى في مرتبة الغيب الأصلي الذي تقابله الشهادة ، كما يندرج الوسط أيضا في الطرفين إذا اعتبر كونه ليس بشيء زائد عليهما بل هو نسبة هي جمعيّتهما الناتجة من بينهما . 
ثم إذا اعتبر الوسط أيضا أنّ حقيقته الاسم الظاهر والظهور وهما فرعان تفرّعا « 2 » عن الغيب الباطن ، الذي هو الأصل ؛ فإنّ الظهور لا يكون إلّا عن بطون متقدّم ، مفروض أو معلوم ، اندرجت الأربعة في الغيب الأوّل ، لكن معقوليّة « 3 » هذا الاندراج على هذا النحو ترفع « 4 » الأحكام والكثرة والكلام والاعتبارات والتفاصيل الأسمائيّة الإلهية والكونيّة والمراتب التي تنتهي إليها من هذه الخمسة الكليّة ، ولا يصحّ الشهود والكلام والحكم والتفصيل إلّا بها ، وباعتبار تعلّقها هي الحضرة الإلهيّة التي لها الغيب ، والحضرة الكونيّة التي تختصّ بالشهادة ، والسرّ الجامع بينهما . 
وإذا تقرّر هذا ، فاعلم أنّ الأمر الكلّي ينقسم بحسب هذه الأصول المذكورة ثلاثة أقسام :
........................................................
( 1 ) . ق : تحوي .
( 2 ) . ق : تفريعا .
( 3 ) . ق : معقوليّته .
( 4 ) . ق : برفع .
88

قسم يختصّ به الحقّ ، وقسم ينفرد به الكون ، وقسم يقع فيه الاشتراك في المقام النفسي العمائي الذي هو السرّ الجامع المشار إليه . 
فالمختصّ بالحقّ سبحانه أمور لا يشارك فيها ، وهي على نوعين : ثبوتيّة باعتبار ، وسلبيّة باعتبار ، فالثبوتيّة منها : إحاطته « 1 » الوجوديّة والعلميّة ، وتقدّم وجوده على كلّ متّصف بالوجود ، وأوّليّة الإرادة والطلب ، وقبوله في كلّ وقت وحال وموطن ومظهر ومرتبة كلّ حكم بحسب كلّ حاكم وما ذكر والجمع بين وجوب الوجود ووجوب الثبوت على الدوام . 
والسلبيّة منها : كونه سبحانه لا يتقيّد ، ولا يتميّز ، ولا ينحصر ، ولا أوّليّة لوجوده ، ولا يحاط به ، فهذه الأمور يستحقّها بكلّ وجه وعلى كلّ حال ، فإنّها من مقتضيات ذاته ليس أنّ تلك الأمور لم تكن ذاته تقتضيها ، بل عرضت في مرتبة المظاهر الكونيّة وبالنسبة إليها ، وأضيفت إليه « 2 » بسببها ؛ إذ لو كان كذلك ، لعاد إلى الحقّ من الأعيان والحقائق به أو بها جمعا وفرادى ما لم تكن ذاته تقتضيه أزلا ، فيكون سبحانه قد تجدّد له من غيره أو بغيره قبول حكم أو وصف ، وثبت « 3 » ذلك له بثبوت الغير لكن لو فرض زوال ذلك الغير لزال ذلك الأمر ؛ « 4 » لأنّ ذاته لم تكن تقتضيه بدون هذا الغير ، وهذا لا يصحّ ؛ لأنّه يلزم منه قيام الحوادث بذات الحقّ وقبوله للتغيّر « 5 » ، وأن يعاد فيحكم على الثابت نفيه بأنّه واجب الثبوت أو ممكنه ، وهذا من باب قلب الحقائق ، وأنّه محال . 
غير أنّ هنا سرّا دقيقا فيه - لعمر اللّه - تحقيق « 6 » ، وهو أنّ هذه الصفات بأسرها وسواها لا تعلم « 7 » ولا يظهر ثبوتها وتعيّنها إلّا في العماء الذي هو البرزخ المذكور ، الفاصل بين الغيب المطلق الذاتي والشهادة ، كما ستعرفه - إن شاء اللّه تعالى - فالثابت الآن للحقّ في كلّ شأن - كائنا ما كان - هو ما اقتضته ذاته أزلا ، وكذلك الثابت لغيره من حيث حقيقته ، والثابت نفيه أيضا عنه وعن سواه، فالمتجدّد إنّما هو ظهور تعيّن تلك الأمور ومعرفتها للأعيان وبها،
...........................................................
( 1 ) . ق : إحاطية .
( 2 ) . في بعض النسخ : إليها .
( 3 ) . يثبت .
( 4 ) . ب : الأمور .
( 5 ) . ب : للتغيير .
( 6 ) . ق : تحقين .
( 7 ) . ب : لم يعلم .
89

لا ثبوتها ونفيها لمن هي ثابتة له أو منفيّة عنه ، والظهور لا يكون إلّا في العماء المذكور وبه ، فافهم . 
وما يمتاز الكون به عن الحقّ ويخصّه من الأقسام المذكورة هو عدم كلّ ما تعيّن ثبوته للحقّ فيما مرّ ، ككونه « 1 » لا يتّصف بإرادة أولى ولا بوجود قديم و « 2 » غيرهما ممّا « 3 » مرّ ، وبانفراده بوجوب الثبوت دون وجوب الوجود ، وبالحدوث ، وبتقلّب الأحوال عليه ، بخلاف الحقّ سبحانه ؛ فإنّه لا يتقلّب في الأحوال وما سوا ما ذكر - من الصفات المشار إلى ثبوتها ونفيها - وأمور « 4 » تبدو في البرزخ الأوّل المذكور وهي مشتركة ذات وجهين وحكمين يصحّ نسبتها إلى الحقّ من وجه ، وإلى ما سواه من وجه . وثبوت هذه الأمور للحقّ في هذه المرتبة البرزخيّة بنسبة الاشتراك هو ممّا « 5 » اقتضت ذاته قبولها بهذا الشرط في هذه المرتبة البرزخيّة نسبة الاشتراك على الوجه الواقع ، وهي من أحكام إحدى صفات امتيازه المذكورة ، وهي قبول كلّ حكم في كلّ حال ومرتبة وزمان وموطن ومظهر بحسب كلّ حاكم . وحكم الأعيان الكونيّة في هذه الأمور المشتركة الواقعة في هذا « 6 » البرزخ على نحو ما ذكرنا في حقّ الحقّ من أنّ حقائقها اقتضت قبول كلّ ما ظهر قبولها له بالفعل بشرائطه ، وأنّ المتجدّد إنّما هو ظهور تلك الأمور ومعرفتها لا ثبوتها ونفيها لمن أثبتت له « 7 » أو نفيت عنه . 
ثم نقول : ولهذا البرزخ صفة الضياء . وما امتاز به الحقّ عن الخلق ، له مرتبة الغيب والنور المحض ، ومن شأنه أن يدرك به ولا يدرك هو ؛ ونظيره فيما نحن بصدد بيانه - من المراتب الإلهيّة المتعيّنة - « 8 » الأصل المنبّه على سرّه بالقسم الأوّل من الفاتحة ؛ ومن ورثته والقائمين بحقّ مظهريّته « السابق » ومن العبادات الواجبة « 9 » النهاريّة وكلّ عبادة لها درجة الأوّليّة . « 10 » وللحضرة الكيانيّة الأخرى الظلمة المنبّهة على مرتبة الإمكان والعدم المعقول ؛ ومن شأنها أن تدرك ولا يدرك بها ؛ ولها مرتبة القسم الأخير من الفاتحة والسؤال الذي متعلقه
..........................................................
( 1 ) . ق : لكونه .                        ( 2 ) . ق : لم يرد .
( 3 ) . ق : فيما .                          ( 4 ) . ق : فأمور .
( 5 ) . ب : ما .                            ( 6 ) . ه : هذه .
( 7 ) . ق : لم يرد .                        ( 8 ) . ق : المتعينة الإلهية .
( 9 ) . ق : الواجبات .
( 10 ) . في بعض النسخ : درجة أوّلية .
90

الهداية الحاصلة للذين ذكر وصفهم إلى آخر السورة بصفتي الإثبات والنفي التنزيهي ، وهو الانسلاخ من النسب الكونيّة والصفات العارضة ، والبقاء على الأصل الذي هو الثبوت الإمكاني المقابل للنور مقابلة العبوديّة الكاملة للربوبيّة ، وهو مقام الاستهلاك الثاني في الحقّ ، كما سألوّح ببعض أسراره من بعد عند الكلام على سرّ الهداية - إن شاء الله تعالى - مضافا إلى ما سلف ذكره في سرّ الفتح والعلم . 
ويختصّ بهذه المرتبة العبادات الليليّة والتي لها الآخريّة ؛ ومن القائمين بحقّ « 1 » مظهريّة هذه المقامات الكلّيّة « الظالم » . 
وأمّا البرزخ المنعوت بالضياء ، والمسمّى بالعماء ، فيستند « 2 » إليه مقامإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ« 3 » ومن شأنه أن يدرك ويدرك به ، ويختصّ به العبادات البرزخيّة الجامعة ، كالمغرب والصبح وكلّ ما لا يتقيّد بأوّليّة و « 4 » آخريّة . 
ومن الورثة القائمين بحجج الله وحقّ مظهريّة هذه المقامات الكبرى الإلهيّة « المقتصد » القائم في الوسط والموفي كلّ ذي حقّ حقّه ، كربّه الذي أعطى كلّ شيء خلقه ، فهذا مقام الفرديّة الأولى « 5 » ، الذي وقع فيه الإنتاج والتناسل بالنكاح الغيبي والروحاني والطبيعي والعنصري والجامع بين جميعها . 
ومن هذه تعرف شرائع الإسلام الخمس ، والصلاة « 6 » وغير ذلك ، وتعرف هذه من الحضرات الخمس الأصليّة ، وسيرد في الكلام على الاسم « الربّ » في قوله رَبِّ الْعالَمِينَ من ذلك ما ييسّر الله ذكره - إن شاء الله تعالى - ثم نقول « 7 » بلسان هذا المقام البرزخي الجامع : فالأحكام الإلهيّة تبدو من الحقّ من حضرة غيبه وترجع إليه كما أخبر ولكن بالممكنات ، وأحكام الممكنات يتّصل من بعضها بالبعض ولكن بالحقّ ، فللممكنات من الحقّ الإظهار الإيجادي ، والذي لحضرته منها القبول ، وكونها شرطا في رجوع أحكام الأسماء المتعيّنة بها وإظهار آثارها من الحقّ إلى الحقّ كما مرّ آنفا
...........................................................
( 1 ) . ق : الحق .                     ( 2 ) . ه : يستند .
( 3 ) . الفاتحة ( 1 ) الآية 5 .          ( 4 ) . ب : أو .
( 5 ) . ق : لا توجد .                   ( 6 ) . ق : صلوات .
( 7 ) . ب : فنقول .
91

وكما أشرنا « 1 » إليه في سرّ التصوّرات من قبل . وأوّليّة المرتبة في العلم للكون من حيث إنّ العلم إنّما تعلّق بالعالم على حسب ما اقتضته حقيقته وحقيقة التعلّق والمتعلّق من كونه متعلّقا ؛ فإنّ التعلّق تابع لما تعلّق به ولحكمه غير أنّ الحقّ علم حقائق الأشياء من ذاته ؛ لارتسامها فيه ، فلم يكن له علم مستفاد من خارج ، فهو تقدّم وتأخّر بالمرتبة والنسبة لا غير ، فافهم . والأوّليّة للوجود في الحقّ « 2 » كما ذكر في أوّل القاعدة . 
فلسان التقدّم الوجودي قوله :اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ *«3»، وقوله:هُوَ الْأَوَّلُ . . .وَالْباطِنُ" 4 "، 
وقوله صلّى اللّه عليه وآله : « كان الله ولا شيء معه » 
ولسان الاسم « الآخر » المشار إليهإِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ« 5 » وسَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ« 6 » ونحو ذلك 
وقوله صلّى اللّه عليه وآله : « إنّ الله لا يملّ حتى تملّوا » " 7 " 
، " ومن عرف نفسه عرف ربّه » " 8 " 
، " ومن تقرّب إليّ شبرا ، تقرّبت منه ذراعا » " 9 " 
ونحو ذلك ، فافهم ما دسست لك من الأسرار بلسان الإيماء في هذه القاعدة . 
واعلم أنّ مجموع ما ذكر - من التقدّم والتأخّر والتعلّق والإظهار والقبول وغير ذلك - واقع في كلّ نفس ، ولا ينفكّ مجموع الحكم عن مجموع ما تعلّق به ، فكلّ موجود فحكمه مع الأسماء حكمها مع المسمّى . والانفكاك محال من كلّ « 10 » وجه وعلى كلّ حال وتقدير وفي كلّ مرتبة . 
فالعالم بمجموعه مظهر الوجود البحت ، وكلّ موجود على التعيّن مظهر له أيضا ، ولكن من حيث نسبة اسم خاصّ في مرتبة مخصوصة من المراتب ، والوجود مظهر لأحكام الأعيان ، وشرط في وصولها من بعض الممكنات إلى البعض ، وفي العلم بنفس « 11 » وببعضها بعضا في البرزخ المذكور الذي هو المرآة الكلّيّة . 
ولهذا السرّ والمقام تفاصيل لا يسع الوقت ذكرها ، وإنّما أوردت هذا القدر وفاء لما
.......................................................... 
( 1 ) . ق : أشرت .                               ( 2 ) . ق : في الوجود للحق .
( 3 ) . الزمر ( 39 ) الآية 62 .                ( 4 ) . الحديد ( 57 ) الآية 3 .
( 5 ) . محمّد ( 47 ) الآية 7 .                  ( 6 ) . الأنعام ( 6 ) الآية 139 .
( 7 ) . ر . ك : المعجم المفهرس لألفاظ أحاديث مستدرك الوسائل ، ج 7 ، ص 539 .
( 8 ) . كشف المحجوب ، ص 247 .
( 9 ) . جامع المسانيد ، ج 13 ، ص 715 .
( 10 ) . ق : بكلّ .
( 11 ) . ق : بنفسها .
92

التزمته من تبيين الأشياء المتكلّم عليها من أصولها ، والتعريف بحقائقها ، وإلّا فالمتكلّمون على الفروع والأصول والتفاصيل نقلا وفهما وذوقا قد أكثروا من ذكر نتائج الحقائق والمقامات المتجلّية في مرتبة الخواطر والأفكار والقلوب ، ولكن قلّ من يعرّف بحقيقة المرتبة والمقام تعريف عليم خبير بحيث يتشخّص في نفس المخاطب كأنّه يراها رأي عين ، ثم يتكلّم على نسبها وتفاصيلها وأحكامها بكلام يظهر فيه اطّراد حكم الأصول التي أسّس عليها البيان التفصيلي ، بحيث لا تنقض الأصول عليه شيئا من الأمور التفصيليّة المسندة إليها ، بخلاف الأكثرين ؛ فإنّهم لم يستشرفوا على أمّهات الحقائق وأصول المقامات ، بل يتكلّمون على التفاصيل منتقلين من بعض الفروع إلى بعض آخر ، ولذلك يقع الخلاف بينهم ، ويرد النقض عليهم ، ويبدو حكم الحيرة فيهم عند المحاقّة، وفي الجملة ، فالغرض من تقديم هذه الأصول هو ما ذكرنا. 
وليتنبّه الواقف على هذا المسطور بما أوردنا ، فيعرف كيفيّة بروز العالم من الغيب إلى الشهادة بالنفس الرحماني ، ويعلم أوّليّة مقام الوحدة وما يتبعها ممّا ذكر ويذكر سرّ الأسماء وأسماء الأسماء ، وسرّ التسمية وسرّ التجلّي الساري ، وكون الموجودات كلمات الله التي لا تنفد ، وكون الإنسان نسخة الحضرتين المذكورتين . 
فانتشاء الحروف والكلمات من نفسه في مراتب المخارج نظير انتشاء الموجودات من النفس الرحماني ، وتعيّنها في المراتب الوجوديّة التي آخرها الشهادة ، عند الخروج من الغيب بالإرادة الإلهيّة والقول الأمري . 
والتغاير الواقع هناك بحسب المراتب الأسمائيّة ، وتنوّعات توجّهاتها ، واختلاف الحقائق الكونيّة ومراتبها واستعداداتها ، نظيره عندنا التغاير الواقع في الحروف الإنسانيّة بحسب المقاطع « 1 » والانتهاءات الحاصلة في المخارج ، فالنفس وإن لم يكن متناهيا فإنّه لا يمكن أن يتعيّن « 2 » منه في الوجود في كلّ زمان إلّا أمر متناه ؛ لتقيّد قبول القوابل والمراتب وتناهيها . 
ومن هنا يعلم سرّ 
" أكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة " 
فقيّد ولم يطلق رعاية للقابل ، مع عدم تناهي الممكنات والعلم الإلهي المتعلّق بها ، ولأنّ ما لا يتناهى لا يمكن دخوله في
...............................................................
( 1 ) . ق ، ه : التقاطع .
( 2 ) . ق : يعيّن .
93

الوجود دفعة واحدة ، كما مرّ . 
ثم نقول : فالنفس وإن كان حقيقة واحدة فإنّه يكتسب في المخارج أسماء مختلفة بحسب التميّز الحاصل بسبب المقاطع « 1 » ، فامتداد « 2 » زمانه دون تعيّنه بمقطع من المقاطع يسمّى ألفا ، وأوّل تعيّنه بأقرب المقاطع نسبة إلى القلب - الذي هو ينبوع النفس - يسمّى همزة ، ثم يقال - مثلا - باء وسين وميم « 3 » ونحو ذلك كما قيل في الأصل : قلم ولوح وعرش وغير ذلك . 
فكلّ حرف فإنّه لا يغاير النفس ، ولا يمتاز عنه إلّا بتعيّنه ، كذلك كلّ فرد من أفراد الأعيان الوجوديّة والحقائق الأسمائيّة ، لا يمتاز عن الوجود البحت ، المنعوت بالغيب والشهادة وغيرهما ، إلّا بالتعدّد والتعيّن « 4 » الواقع في مرتبة الغيب الإمكاني ، بالنسبة إلى الحقّ لا إلى الأشياء . والواقع في مرتبة الشهادة التي أوّلها التعيّن الأوّل الاسمي المتميّز من الغيب الإلهي في الغيب الإضافي الذي هو الحدّ المذكور . 
ونظيره في النفس الإنساني - كما قلنا - الهمزة ، فالهمزة نفس التعيّن فحسب ، فالمتعيّن « 5 » بذلك التعيّن المذكور التجلّي الذاتيّ الظاهر من الغيب المطلق المضاف إليه النفس ، ومن الموجودات الكونيّة القلم ، والمتعيّن الأوّل في نفسنا بالهمزة . 
والمعرف بأحديّته هو الألف ، والمتعيّن به من الحروف التامّة في الشهادة الباء ؛ فإنّ الهمزة والألف ليسا بحرفين كما سنومئ إليه - إن شاء اللّه تعالى - وبالجمع والتركيب والمراتب « 6 » المختلفة على الأنحاء المختلفة ، وسريان حكم الجمع الأحدي - كما بيّنّا من قبل - ظهرت الموجودات جميعها ، وظهرت صور الألفاظ والكلمات والحروف في المراتب الكلّيّة وفي المخارج ، حاملة للمعاني ودالّة عليها حمل الأعيان الكونيّة أحكام المراتب والأسماء ، وسرّ المسمّى من حيث دلالتها عليه وعدم مغايرتها له من وجه ، فاعلم ذلك واللّه المرشد .
........................................................
( 1 ) . ق : التقاطع .
( 2 ) . ق : امتداده .
( 3 ) . ق : جيم ، ب : ميم .
( 4 ) . ق : بالتعيّن والتعدد .
( 5 ) . ب : والمتعيّن .
( 6 ) . ق : في المراتب .
94

قاعدة كلّيّة 
تتضمّن سرّ الأسماء وأسماء الأسماء ومراتبها وكمالاتها والطلب المنسوب إليها المتعلّق بتحصيل ما فيه كمالها ، وفائدة التسمية ، والأسماء وما بينهما من التفاوت ، وغير ذلك من الأسرار التي ستعرفها حين التأمّل ، - إن شاء اللّه تعالى - اعلم ، أنّ الأسماء والحقائق - كما بيّنّا - بعضها أصلي متبوع ، وبعضها تابع تفصيلي ، كالأجزاء والفروع والصفات واللوازم ، وإن لم تكن في حضرة الأسماء تجزئة ولا انقسام . 
فالمتبوعة كأسماء الأعلام في العموم ، نحو قولك : شمس ، ونور ، وكأسماء الصفات للصفات ، مثل لفظ العلم لمعنى «1» العلم ، دون إضافته إلى الموصوف به المسمّى عالما . 
والتابعة كالصفات والأفعال ، فالصفات كالأحمر للمصوف بالحمرة " 2 " ، والحيّ للموصوف بالحياة ونحو ذلك . وأسماء الأفعال كالباعث والغافر ونحوهما . 
ولمّا كان الفعل يدلّ على الفاعل ، والنسبة والإضافة على الأمرين اللذين بهما ظهر عين تلك النسبة والإضافة ، لذلك انقسمت الأسماء من وجه إلى هذه الثلاثة الأقسام ، وقد سبق لنا فيها تنبيهات يكتفي بها اللبيب ، أحدها عند الكلام على التراكيب الستّة ، وقبل ذلك أيضا ، وآخرها عند الكلام على النفس الرحماني والحروف في القاعدة المتقدّمة على هذه القاعدة ، وسنزيد في بيان أسرارها ما ييسّر الحقّ ذكره - إن شاء اللّه تعالى - . 
ثم نقول : فصار لكلّ قسم من هذه الأقسام الثلاثة دلالة على الحقّ من حيث إنّ الدالّ على الدالّ على الشيء دالّ عليه ، وصارت الدلالة على نوعين : دلالة بوسط ودلالة بغير
...........................................................
( 1 ) . ق : للمعنى .
( 2 ) . ه : بالحمر .
95

وسط ، فالتي بالوسط دلالة التزام وتبعيّة ، والتي بغير وسط دلالة مطابقة ، والاستدلال يحصل بالأسماء التابعة التي قدّمنا أنّها كالصفات والأجزاء على الحقائق الأصليّة المتبوعة، بنحو ما نبّهت عليه في سرّ الشكل والتشكّل والمتشكّل. وبتلك الأسماء الأصليّة ومنها تظهر أعيان التوابع التفصيليّة ، وللتابعة حكمان « 1 » : الدلالة ، والتعريف بنفسها وأصلها ومراتبها « 2 » ، وتختصّ المتبوعة بكونها أصلا في وجود التوابع وفي إظهار سرّ كونها دلالة " 3 " ومعرفة كما مرّ . 
فكلّ تميّز وتعدّد يعقل - بحيث يعلم منه حقيقة الأمر المتميّز بذلك التميّز من حيث ذلك التميّز ، ولزوم التعدّد له ، وكونه شرطا في معرفة الأصل الذي هو منشأ التعدّد ومنبع التميّز « 4 » ، وأنّ ذلك الأصل له التقدّم بالمرتبة على التعدّد والتميّز « 5 » فهو اسم ؛ لأنّه علامة على الأصل الذي لا يمكن تعيّنه بدون المميّز والتميّز ، والتعدّد والتميّز حكمان لازمان للاسم ، واللفظ الدالّ على المعنى المميّز « 6 » الدالّ على الأصل هو اسم الاسم . 
وأمّا سبب تنوّعات الاسم فهو الكثرة الناشئة بسبب اختلاف الصفات والخواصّ والعوارض واللوازم والوجوه والاعتبارات الناتجة من تنوّعات الاجتماعات الواقعة في المراتب المختلفة للحقائق بحكم الكيفيّات والتراكيب الظاهرة بالاستعدادات المتفاوتة ، وسرّ الأمر الأحدي المختصّ بحضرة الجمع والوجود . 
فكلّ ما ظهر في الوجود وامتاز من الغيب - على اختلاف أنواع الظهور والامتياز - فهو اسم ، وفائدته - من كونه تابعا لما تقدّمه بالمرتبة والوجود جمعا وفرادى - الدلالة والتعريف كما بيّنّا وكلّ ما بطن فله مرتبة الأصالة والشرطيّة بالنسبة إلى ما هو تابع له وفرع من فروعه ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . 
ولمّا ظهر التعدّد والكثرة في الممتاز الأوّل من الغيب المطلق ، المنعوت بالوحدة ، السابق كلّ تعيّن وكثرة المميّزات « 7 » لما قلنا ، ظهر بسرّ الجمع والتركيب والشروط والأسباب الجزئيّة والكيفيّات اللازمة لكلّ حقيقة معنى ينفرد به دون مشارك ، وأفاد كلّ أمر مميّز
.........................................................
( 1 ) . ق : حكما .
( 2 ) . ق : مراتبهما .
( 3 ) . ق : دالّة .
( 4 و 5 ) . ق : التمييز .
( 6 ) . ب : المتميّز .
( 7 ) . المتميّزات .
96

ومعيّن من الأسماء في الغيب الإلهي حكما لم يشاركه فيه مميّز آخر ، مع اشتراك جميع الأشياء المميّزة في الدلالة والتعريف . 
وحصل بكلّ اسم فائدتان : 
إحداهما : ما اشترك فيه مع باقي الأسماء وهو الدلالة على أصله ، ومن هذا الوجه يكون الاسم عين المسمّى ، فتذكّر . 
والثانية : تعريفه بحقيقته ، وحقيقته « 1 » ما امتاز به من الصفات عن غيره ، فثبت له السموّ المشار إليه بما قلنا ، وبكونه مطلوبا للمرتبة الجامعة للأسماء لأن يظهر به هذا التميّز « 2 » المختصّ به ، الذي لولاه لم يعقل ، وذلك بطلب سابق على طلبه الاستعدادي ، كما ذكر ويذكر - إن شاء اللّه تعالى - فإذا عرفت سرّ هذا ، فاعلم أنّ لكلّ اسم من الأسماء الإلهيّة المتعلّقة بالعالم كمالا يخصّه ويرجع إليه ، وإنّما يحصل ذلك ويبدو ويتمّ بظهور أحكامه وآثاره في الأعيان الوجوديّة ، التي هي مجاليه ومعيّناته ، ومحالّ ظهور سلطنته بحكمه وأثره وذلك بسؤال الاسم بلسان مرتبته « 3 » من الاسم « اللّه » الذي هو حضرة الجمع والوجود إمداده لإظهار ما فيه كماله ؛ إذ لكلّ اسم لسان يخصّه من حيث مرتبته ، ولسان جمعيّة « 4 » هذه الأسماء هو القابل للنسب التفصيليّة وأعيان صورها « فأحببت أن أعرف » « 5 » ،وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ« 6 » ونحو ذلك ، وكلّ اسم يقول بلسان هذه الجمعيّة للنسبة التفصيليّة التي تحت حيطة مرتبته « 7 » هذه المقالة المذكورة . 
والأسماء طالبة من الاسم « اللّه » - كما قلنا - إظهار ما به يتمّ كمالها ، ويظهر سلطانها ، وذلك إنّما يحصل بسريان حكم كلّ فرد فرد منها في مجموع الأمر كلّه ، وعوده إلى الأصل منصبغا بحكم المجموع مع بقائها من حيث الحقيقة في الغيب الإلهي على حالها ، كما سبق التنبيه عليه عند الكلام على مراتب التصوّرات .
......................................................
( 1 ) . ه : بحقيقة وحقيقة .               ( 2 ) . ق : التمييز .
( 3 ) . ه : مرتبة .                      ( 4 ) . ه : جمعيته .
( 5 ) . ر . ك : رسائل ابن العربي ، ص 213 .
( 6 ) . الذاريات ( 51 ) الآية 56 .
( 7 ) . ه : مرتبة .
97

ولكلّ عين من أعيان الموجودات أيضا كمال لا يحصل لتلك العين إلّا بالوجود المستفاد من الحقّ ، فإمّا في بعض المراتب الوجوديّة وبحسب بعض المواطن ، أو في جميع المراتب وبحسب جميع المواطن لكن مبدأ هذا السؤال ومنشأه من مرتبة الأسماء ؛ إذ الاسم عند المحقّقين من وجه هو المسمّى ، كما نبّهت عليه آنفا وفي سرّ الحروف مع النفس الذي نسبتها إليه نسبة الأسماء إلى المسمّى والحكم هي كالحكم ، والمسمّى عالم بذاته ولوازمها أزلا بخلاف أعيان الموجودات ؛ فإنّ وجودها حادث ، فلا يصحّ لها في العدم « 1 » علم ؛ لانتفاء الشروط التي يتوقّف حصول العلم عليها ، كالوجود والحياة ، فلا يكون لها الأوّليّة إذا في مقام الطلب ؛ إذ طلب المجهول لمن هو عنده مجهول حال جهله به ومن حيث ما يجهله لا يصحّ البتّة . 
والمتعيّن بالسؤال الغيبي - المشار إليه من حضرة الجمع بالنسبة إلى كلّ اسم - هو ما يقتضيه أحكام ذلك الاسم من نسب مرتبة الإمكان المرتبطة ببعض الأعيان الممكنة التي هي محلّ ظهور حكم ذلك الاسم . 
والمتعيّن لكلّ جنس وصنف من أجناس العلم وأصنافه وأنواعه - من الأسماء التي هي تحت حيطة حضرة الجمع وأحكامها - هو ما يستدعيه استعداد ذلك النوع والصنف والجنس وما كان من نسب الحضرة المتعيّنة بسرّ الربوبيّة في مرتبة ذلك النوع أو تلك الحقيقة الكونيّة المستدعية والمعيّنة له ، فيظهر بهذا التعيّن والاستدعاء سلطنة الاسم « اللّه » و « الرّحمن » على الحقيقة الكونيّة بنفوذ الحكم فيها ، فيصحّ الربوبيّة لهذين الاسمين جمعا وفرادى من حيث تلك النسبة على تلك الحقيقة ، فيظهر بحسب الأثر المشهود في الحقيقة القابلة له اسم يضاف إلى الحقّ من حيث مرتبة أحد الاسمين : الاسم « اللّه » و « الرّحمن » كما نبّه سبحانه على ذلك بقوله :قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى« 2 » فافهم هذا السرّ؛ فإنّه في غاية الشرف والغموض. 
فالكلّ للكمال طالب ، وما ثمّ عائق من خارج ؛ فإنّه ما ثمّة إلّا حضرة « 3 » الأسماء
..........................................................
( 1 ) . في بعض النسخ : القدم .
( 2 ) . الإسراء ( 17 ) الآية 110 .
( 3 ) . الحضرة .
98

والممكنات المذكور شأنهما ؛ والسرّ الجامع بينهما - وهو الإنسان وله حكم ينفرد به - سنقصّ عليك من حديثه ما شاء اللّه تعالى . 
والذات من حيث نسبة الغنى وعدم التعلّق والمناسبة فلا كلام فيها ، كما قد علمته فيما « 1 » سلف ، والمسمّى معوّقا هو حكم بعض الأعيان في البعض ، ظهر بالحقّ على نحو خاصّ فيه كماله أيضا ، ككمال غيره في سوى ذلك . 
وهكذا الأمر في النقائص والحجب والآلام ، فافهم . ونتيجة الكمالين ما ذكرنا ، والغاية الكلّيّة ما ينتهي إليه كلّ موجود من الأمر والحال الذي يستقرّ عليه ، ويدوم حكمه من الوجه الكلّي في أيّ مرتبة وموطن وصورة كان ، لا التفصيليّ ؛ إذ ليس للتفصيل غاية إلّا بالنسبة والفرض ، فاعلم ذلك وتدبّر ما تضمّنته هذه القاعدة ، فلقد نبّهت فيها على أسرار شتّى من أسرار الأسماء بألسنة مختلفة ، بعضها أعلى من بعض ، والسرّ الأكبر لا تظفر به إلّا مبثوثا إن عملت بمقتضى ما وصّيت به في أوّل الكتاب واللّه وليّ الإرشاد. 

باب 
يتضمّن سرّ البدء والإيجاد ، وسرّ الوحدة والكثرة ، والغيب والشهادة ، والجمع والتفصيل ومقام الإنسان الكامل ، وسرّ الحبّ وأحكامه ، وسرّ بسم اللّه الرحمن الرحيم من بعض الوجوه ، وغير ذلك ممّا ستقف عليه - إن شاء [ اللّه ] تعالى - وإذ قد بيّنّا من سرّ العلم والكلام ومراتبهما وأحكامهما وما يختصّ بهما من اللوازم كأدوات التفهيم والتوصيل ، وسرّ الأسماء ومراتب التميّز ، وغير ذلك ما يسّر ذكره مع ما وقع في أثناء الكلام عليها وقبل ذلك من الأسرار التي قدّر الحقّ إبرازها وبيانها ، فلنذكر النتائج ، وثمرات الأصول ، وما بقي من أمّهات العلوم والحقائق التي سبق الوعد بذكرها ، مبتدئين بسرّ البدء والإيجاد ، ومستعينين باللّه ربّ العباد .

سرّ البدء والإيجاد 
فنقول : اعلم ، أنّ الحقّ علم كلّ شيء من عين علمه بذاته لم يتّصف بعلم مستفاد من غيره
..................................................................
( 1 ) . ق : ممّا .
99

ولا بغيره ، ثم أوجد العالم على نحو ما علمه في نفسه أزلا ، فالعالم صورة علمه ومظهره ، ولم يزل سبحانه محيطا بالأشياء علما ووجودا كما علم وأخبر وفهّم . وكلّ ما ظهر فإنّما ظهر منه ؛ إذ لم يكن لغيره وجود مساوق لوجوده ، 
كما أخبر الصادق المصدّق صلّى اللّه عليه وآله بقوله : «كان اللّه ولم يكن معه شيء» "1".
وقد أخبر سبحانه عن نفسه ناعتا لها ، فقال :هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ« 2 » ونبّه في موضع آخر من كلامه على صفات كماله ، فقال :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" 3 " . 
فعلم المحقّقون من خاصّته ، والمعنيّ « 4 » بهم من أهل قربه وكرامته بما كشف لهم ، وأطلعهم عليه من أسرار وجوده أوّلا ، وربما أخبر ثانيا : أنّ المراتب - وإن كثرت - فإنّها ترجع إلى هاتين المرتبتين وهما : الغيب والشهادة والحقيقة الجامعة بينهما ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك . 
فكلّ شيء فله ظاهر وهو صورته وشهادته ، وباطن وهو روحه ومعناه وغيبه ، فنسبة جميع الصور - على اختلاف أنواعها الخفيّة والجليّة - إلى الاسم « الظاهر » المنعوت بالشهادة ، ونسبة جميع المعاني والحقائق المجرّدة التي هي أصول لما ظهر من الصور الجزئيّة المتعيّنة ، أو أسباب أو شروط كيف شئت " 5 " قلت إلى الغيب والاسم " الباطن " . 
وكلّ شيء موجود فهو من حيث معناه أو روحانيّته ، أو هما معا متقدّم على صورته ، تقدّما بالمرتبة والشرف ، وله درجة الأوّليّة باعتبار . 
وللصورة من وجه آخر تقدّم على المعنى والروحانيّة ولو من حيث التقدّم العلمي ؛ فإنّ العلم بالجزء متقدم على العلم بالكلّ ، والعلم بالظاهر متقدّم على العلم بالباطن وشرط في معرفته ، ومن حيث إنّ الأرواح الإنسانيّة إنّما تتعيّن بعد الإنشاء المزاجي وبحسبه أيضا ، فظهر أنّ كلّ واحد من الصور والحقائق الباطنة أوّل من وجه وباعتبار ، وآخر أيضا من وجه وباعتبار .
........................................................
( 1 ) . طبقات الشافعية ، ج 3 ، ص 364 .
( 2 ) . الحشر ( 59 ) الآية 23 .
( 3 ) . الحديد ( 57 ) الآية 3 .
( 4 ) . ق : المعتني ، ه : المغني .
( 5 ) . ق : شئت و .
100

ولمّا صحّ أنّ الحقّ وسع كلّ شيء رحمة وعلما ، والرحمة - كما قدّمنا - هي الوجود الشامل ؛ فإنّ ما عداه لا شمول فيه ولا عموم ، ظهرت إحاطة الاسم « الرّحمن » بالأشياء . 
ولمّا كان لكلّ شيء خصوصيّة يمتاز بها ، وحصّة متعيّنة « 1 » من الوجود المطلق لا يشارك فيها ، علم عموم حكم اسم « الرّحيم » أيضا على كلّ شيء بالخصوص ، فصحّ أنّ الحقّ محيط بالأشياء كلّها علما ووجودا من حيث ذاته ، ومن حيث أسمائه الكلّيّة المذكورة في هاتين الآيتين . 
ثم نقول : وكلّ ما ظهر وشوهد فمن بطون متقدّم على الظهور تقدّم الغيب على الشهادة ، سواء « 2 » كان التقدّم والأوّليّة - في جميع ما مرّ ذكره في هذا الباب - عند القائل « 3 » به بالوجود ، أو بالمرتبة ، أو بهما معا . 
فالاسم « الظاهر » وسائر ما ظهر به من الصور كانت غيبا في غيب الحقّ ، وكانت مستهلكة تحت قهر الوحدانيّة التي هي أقرب النعوت نسبة إلى الغيب الإلهي المذكور ، فمنعها حجاب الوحدانيّة والاستهلاك بالقرب المفرط من إدراكها ذاتها وربّها . 
ثم أظهرها الحقّ بنور تجلّيه لما ميّزها حسب ما علمها ، فاستنارت بنوره ، وظهرت بظهوره ، فصارت مشهودة موجودة بعد أن كانت باطنة مفقودة ، وسمّيت المرتبة الجامعة لها من حيث نسبة ظهورها شهادة ، كما سمّيت المرتبة الباطنة المتقدّمة عليها الحاوية لكلّ ما ظهر غيبا . 
والغيب غيبان : إضافي ، وحقيقي .
فالإضافي : ما يرد تفصيل حكمه . والحقيقي هو حضرة ذات الحقّ وهويّته .

سرّ الوحدة والكثرة 
ومن المتّفق عليه أنّ حقيقته لا يحيط بها علم أحد سواه ؛ لأنّه لا يتعيّن عليه حكم مخصوص ، ولا يتقيّد بوصف ، ولا يتميّز ، ولا يتعيّن ، ولا يتناهى ، وما لا يتميّز بوجه لا يمكن
................................................................
( 1 ) . ق : معيّنة .
( 2 ) . في الأصل : وسواء .
( 3 ) . ق : القابل .
101

تعقّله ؛ إذ العقل لا يحيط بما « 1 » لا ينضبط ولا يتميز عنده ، فإن تعيّن ولو بنسبة مّا ، أو من وجه مّا علم بتعيّنه من حيث ما تعيّن به ، وبحسبه لا مطلقا . 
وهذا القدر من المعرفة المتعلّقة بهذا الغيب إنّما هي معرفة إجماليّة حاصلة بالكشف الأجلى ، والتعريف الإلهي الأعلى الذي لا واسطة فيه غير نفس التجلّي المتعيّن من هذه الحضرة الغيبيّة غير المتعيّنة ، وقد سبق التنبيه عليها وعلى كيفيّة حصولها ، ثم الاستدلال عليه ثانيا بما ظهر منه « 2 » ، وامتاز عنه من الأسماء والآثار الوجوديّة ، والتجليات النوريّة المظهريّة ، ونحو ذلك ، كما لوّحت به في سرّ التشكّل والمتشكّل والشكل من قبل ؛ فإنّ هذا الغيب هو أصل كلّ ما ظهر وعلم وسواهما أعني ما انفرد الحقّ بمعرفته هو مقام الغنيّ عن العالمين والنسبة التي لا تعلّق لها بالسوى ؛ لارتفاع المناسبة ، كما مرّ بيانه . فأمّا من حيث نسبة تعلّقه بالعالم وتعلّق العالم به من جهة الألوهيّة « 3 » وحكمها ، وسرّ المناسبات المذكورة في سرّ العلم والتأثير ، فمحكوم عليه بما ظهر به وأظهره ، وأخبر وعلّم وجلّى لمن شاء من عباده من غيب ذاته مهما تجلّى . 
وأقرب المراتب نسبة إلى هذا الغيب العماء الذي هو النفس الرحماني ، وإليه تستند الأحديّة التي هي أوّل أحكام التعيّن الأوّل ، وأقربها نسبة إلى إطلاقه . 
وهو أعني حضرة العماء حضرة الأسماء كلّها والصفات ، وصاحبة النعوت المذكورة من قبل ، وهو أوّل مرتبة الشهادة بالنسبة إلى الغيب الإلهي المذكور . وإلّا فهو غيب بالإضافة إلى ما تحته وهو آخر مرتبة الشهادة أيضا من حيث انتهاء كلّ كثرة صوريّة أو معنويّة عند التحليلين إليها . 
والكثرة المشهودة في العالم منبثّة من الأحديّة المذكورة ، وظاهرة بها باعتبار ، ولكن لا بمعنى أنّ الواحد من حيث هو واحد يكون منبعا للكثرة من حيث هي كثرة ؛ إذ لا يصحّ أن يظهر من شيء - كائنا ما كان - ما يضادّه من حيث الحقيقة ، كما مرّ ، ولا خفاء في منافاة الوحدة للكثرة ، والواحد للكثير ، فتعذّر صدور أحدهما عن الآخر من الوجه المنافي .
........................................................... 
( 1 ) . ق : إلّا بما .
( 2 ) . ب : منه وعلى كيفيّة حصولها .
( 3 ) . ق : الألوهة .
102

لكن للواحد والوحدة نسب متعدّدة، وللكثرة أحديّة ثابتة، فمتى ارتبطت إحداهما بالأخرى، أو أثّرت ، فبالجامع المذكور . 
وصورته فيما نروم بيانه : أنّ للواحد حكمين : أحدهما : كونه واحدا لنفسه فحسب من غير تعقّل أنّ الوحدة صفة له ، أو اسم ، أو نعت ، أو حكم ثابت ، أو عارض ، أو لازم ، بل بمعنى كونه هو لنفسه هو ، وليس بين الغيب المطلق الذي هو الهويّة وبين هذا التعيّن الاسمي الأحدي فرق غير نفس التعيّن ، كما أنّه ليس لشيء في هذا الغيب تعيّن ، ولا تعدّد وجودي فيكون الحقّ ظرفا لغيره ، تعالت أحديّته عن ذلك . 
ثم نقول : والحكم الآخر من الحكمين المضافين إلى الواحد هو كونه يعلم نفسه بنفسه ، ويعلم أنّه يعلم ذلك ، ويعلم وحدته ومرتبته ، وكون الوحدة نسبة " 1 " ثابتة له ، أو حكما ، أو لازما ، أو صفة لا يشارك فيها ، ولا تصحّ لسواه .
وهذه النسبة هي حكم الواحد من حيث نسبته " 2 " . 
ومن هنا أيضا يعلم نسبة الغنى عن التعلّق بالعالم ، ونسبة التعلّق به المذكور من قبل ، ومن هذه النسبة انتشت « 3 » الكثرة من الواحد بموجب هذا التعدّد النسبي الثابت ، من حيث إنّ معقوليّة نسبة كونه يعلم نفسه بنفسه ، وكونه واحدا لذاته « 4 » لا شريك له في وجوده مغايرة لحكم الوحدة الصرفة، فالتعدّد بالكثرة النسبيّة أظهر التعدّد العيني " 5 ". 
وهذان الحكمان اللازمان للواحد مسبوقان بالغيب الذاتي المجهول النعت الذي لا يصحّ عليه حكم مخصوص ، ولا تتعيّن له - كما قلنا - صفة مميّزة من وحدة أو كثرة أو غيرهما . 
وحكم الوحدة بالنسبة إلى العدد هو كونها من شأنها أن يعدّ بها ، وأن تظهر العدد ، لا أنّها منه ، والاثنينيّة علّة للعدد أيضا ، ولكنّها كالعلّة " 6 " الماديّة ، 
والثلاثة أوّل العدد التامّ ، وأوّل كثرته ، وأوّل تركيباته ، فافهم . 
وإذ قد نبّهنا على مرتبة الوحدة بهذه الإشارة الوجيزة ، فلننبّه أيضا على مرتبة الكثرة
............................................................ 
( 1 ) . ه : نسبته .
( 2 ) . ه : نسبة .
( 3 ) . في بعض النسخ : انتشأت .
( 4 ) . ب : بذاته .
( 5 ) . ق : النسبي ، ب : الغيبي .
( 6 ) . ب : كالعدد .
103


ليتمّ التنبيه عليهما ، فلا يخفى حكمهما بعد ، فنقول : 
الكثرة على قسمين : 
أحدهما : كثرة الأجزاء والمقوّمات التي تلتئم فيها « 1 » الذات كجزئي المادّة والصورة ، أو الجوهر والعرض بالنسبة إلى الجسم على اختلاف المذهبين ، وكالأجناس والفصول بالنسبة إلى الأنواع الحاصلة منهما ، وبالجملة ، كثرة يفتقر إليها أوّلا ؛ ليتصوّر حصول الشيء منها ثانيا . 
والقسم الثاني : كثرة لوازم الشيء وهو أن يكون للشيء « 2 » الواحد في نفسه الوحدة الحقيقيّة ، أو المركّب من أجزاء أو مقوّمات تلزمه بعد وجوده - كيف ما كان - معان وأوصاف في ذاته ، ولا تكون ذاته ملتئمة منها ، سواء كان في نفسه ملتئما من غيرها أو لم يكن بل تتبع ذاته ضرورة ووجودا بحيث لا يتصوّر وجود ذلك الشيء أو تعقّله إلّا وتلزمه تلك المعاني ، كالستّة - مثلا - التي لا يتصوّر وجودها إلّا أن تكون زوجا ، لا أنّ الزوجيّة جزء من أجزاء الستّة ، بل هي لازمة لها لزوم اضطرار وتأخّر في الرتبة تتضمّن « 3 » أيضا معقوليّة النصف والثلث ، والفرديّة التي في الثلاثة والخمسة وغير ذلك . 
ومن هنا يتنبّه الفطن الذي لم يبلغ درج التحقيق لمعرفة سرّ الإحاطة مع كون المحيط ليس ظرفا للمحاط به ولا المحاط به جزءا من أجزاء المحيط ، وكون الصفات اللازمة للواحد غير قادحة في أحديّته وغير ذلك .

سرّ الغيب والشهادة 
وحيث وضّح ما رمت التنبيه عليه من سرّ الوحدة والكثرة ؛ ليكون معرفتهما عونا على فهم ما أذكره في سرّ بدء الأمر الذي هو مفتاح الكتاب الكبير المسمّى بالعالم ، ليتدرّج منه إلى معرفة نسخته ونسخة النسخة ، حتى يحصل الانتهاء إلى النسخة الأخيرة التي هي الفاتحة [ التي يكون ] المراد بيان بعض أسرارها كما سبق الوعد ، فنقول : 
اعلم ، أنّ الحقّ سبحانه نظر بعلمه الذي هو نوره في حضرة غيب ذاته نظر تنزّه في الكمال
.............................................................. 
( 1 ) . ق : بها .
( 2 ) . ق : الشيء .
( 3 ) . ق : أيضا وتتضمّن .
105
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافربالله في الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:23 عدل 1 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

 التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي

الوجودي الذاتي المطلق الذي لا يتوقّف ثبوته له على أمر خارجي ؛ إذ ما ثمّ ما يخرج عنه ، وبهذا « 1 » صحّ الغنى « 2 » المشار إليه ، وليس هذا النظر عن حجاب متقدّم ، ولا أمر خارج متجدّد لم يكن حاصلا من قبل « 3 » - تعالى الحقّ عمّا لا يليق به - فلا تجدّد هناك ، ولا قبليّة ولا بعديّة إلّا بالنسبة ، ولكن لسان علم « 4 » المشاهد في عالمنا الآن - بعد معرفة الأمور وما بينها من التفاوت في الحكم والنعت ، والتقدّم والتأخّر ، وإدراكه لها في الحضرة العلميّة النوريّة الغيبيّة - يعرب عن أسرار الحقائق على مقدار ما تحتمله العبارة ، ويقتضيه حال المخاطب والمخاطب حين الخطاب ، ومراتبهما ومواطنهما ؛ إذ لكلّ ممّا ذكرنا فيما نروم بيانه حكم يوجب أثرا في الأمر « 5 » المعبّر عنه يخرجه عمّا كان عليه من النزاهة ، والإطلاق السابق للتقيّد « 6 » اللاحق له والعارض بسبب الموادّ والكيفيّات المختلفة حسب ما تقتضيه أدوات التوصيل « 7 » والقيود المذكورة ، كما أومأت إلى ذلك في سرّ الكلام من قبل . 

وبالجملة ، فقوى نشأة الإنسان تضعف عن ضبط كلّ ما تدركه نفس العارف حال المشاهدة والتجريد ، وعن كمال محاكاته والتعبير عنه ، وإبرازه على نحو ما تعلّق به الشهود ، ولذلك لا يستحضر حال الرجوع إلى عالم الشهادة إلّا كلّيات ما شاهده ، وبعض الجزئيّات لا كلّها ؛ لعدم مساعدة القوى الطبيعيّة ، وقصورها عن مدى مدرك البصيرة ، وضيق فلكها بالنسبة إلى فسيح مسرح النفس ، وسعة دائرة مرتبتها في حضرة القدس . 
وحال العارف فيما ذكرنا كحال الكاتب المجيد ذي الارتعاش في كونه يعرف الكتابة معرفة تامّة في نفسه « 8 » ، ولا يقدر على إظهارها على نحو ما يعلمها ؛ لعدم مساعدة الآلة له على ما يريد ، فمن « 9 » لا يعرف مراتب الوسائط والآلات ، وحكمها ، وقصورها بالنسبة إلى ما في نفس مستعملها ينسب القصور إلى المستعمل وليس كذلك ، وإنّما العيب من الآلة وقصور استعدادها الجزئي المجعول الوجودي أو الغيبي الكلّي الخارج عن دائرة الوجود
............................................................. 
( 1 ) . ب : لهذا .                                      ( 2 ) . ب : المعنى .
( 3 ) . ق : قبل للحقّ .                                 ( 4 ) . ق : عالم .
( 5 ) . في بعض النسخ : الأمور .                      ( 6 ) . ه : للتقييد .
( 7 ) . ق : التفصيل .                                 ( 8 ) . ب : نفسها .
( 9 ) . ق : ومن ، ب : ممّن ..
106

والجعل عن حسن المؤاتاة التامّة للفاعل على ما يريد إظهاره بها ، وهنا سرّ جليل إن بحثت عليه « 1 » وصلت إليه - إن شاء اللّه تعالى - وإذا تقرّر هذا ، فلنرجع إلى ما كنّا بسبيله من كشف بدء الأمر وتفصيله ، فنقول : فشاهد الحقّ بالنظر المذكور على النحو المشار إليه كمالا آخر مستجنّا في غيب هويّته غير الكمال الأوّل الوجودي الذاتي الوجوبي ، وإذا رقيقة متّصلة بين الكمالين اتّصال تعشّق تامّ ، فكان ذلك الكمال المستجنّ كمال الجلاء والاستجلاء الآتي حديثه ، فاستدعت واستتبعت تلك النظرة العلميّة المقدسّة عن أحكام الحدوث من حيث النسبة الشهوديّة التي لمّا ظهر تعيّنها عندنا فيما بعد وعقلت ، عبّر عنها بالاسم « البصير » - انبعاث تجلّ غيبي آخر ، فتعيّن ذلك التجلّي لنفسه - منصبغا بصبغة « 2 » حبّية متعلّقة بما شاهده العلم - يطلب « 3 » ظهوره ، وذلك لتقدّم مرتبة العلم على مرتبة المحبّة ؛ إذ المجهول مطلقا لا تتعلّق به محبّة أصلا ، كما أشرنا إليه في الطلب الأسمائي والكوني « 4 » في كتاب مفتاح غيب الجمع « 5 » . 
ولمّا لم يكن في الغيب إلّا ما هو معلوم للحقّ ومشهود له ؛ لإحاطته بالأشياء وارتسامها في ذاته كان ذلك تقدّما بالنسبة ، والمرتبة كتقدّم الإرادة على القدرة ونحو ذلك ، فنظير العلم في ذلك نسبتا « 6 » حكمه وحكمته اللذين كانت الرؤيتان منّا - البصريّة ، والعقليّة - مظهرين ونظيرتين لهما . 
فعلم أنّ حصول المطلوب يتوقّف على تركيب مقدّمتين ؛ إذ الواحد من حيث وحدانيّته وفي مقام أحديّته لا ينتج غيره ، ولا تظهر عنه كثرة ، فلا يصحّ معه إلّا هو فقط ، وعلم أنّ الكمال المطلوب لا يظهر بدون الكثرة ، فعلم أنّ ما لا يحصل المطلوب إلّا به فهو مطلوب . 
ولم يتعيّن من مطلق الغيب حالتئذ إلّا مقدّمة واحدة وهي التجلّي بالباعث الحبّي ، فلم ينفذ الحكم ؛ لما ذكرنا من سرّ الوحدانيّة ، وسرّ «7» الغنى الذاتي الغيبي الوجودي أيضا الذي له السلطنة حالتئذ ، والإحاطة بما ذكرنا من النسب.
............................................................
( 1 ) . كذا في الأصل . والأنسب « عنه » .
( 2 ) . ق : بصفة .
( 3 ) . ق : بطلب .
( 4 ) . ق : والكوني و .
( 5 ) . المقصود منه كتاب مفتاح غيب الجمع والوجود الذي شرحه ابن الفناري .
( 6 ) . في الأصل : من نسبتي حكمه وحكمته .
( 7 ) . ه : لسرّ .
107

وهذا من سرّ أحديّة التراكيب الستّة غير المفيدة والمنتجة وهو قولي : اتّصال أحكام التجلّيات بعضها ببعض دون أمر آخر يكون مظهرا لحكمها المسمّى فعلا لا يفيد ولا ينتج ، وعين الفعل هو التجلّي بنسبة التأثير الواصل من الحقّ - من كونه موجدا وخالقا - إلى المفعول فيه ، أو به ، أو معه ، أو له على اختلاف المراتب . 
ف « فيه » إذا كان هو المقصود أو من جملة المقصود . و « به » إذا كان الواسطة و « 1 » الشرط ، و « معه » إذا كان جزء علّة أو « 2 » أحد الأسباب ، أو مرادا باعتبار . و « له » إذا كانت فائدة ذلك الفعل تعود عليه ، أو كانت « 3 » غايته ، وهو سرّ إيجاد الحقّ العالم للعالم « 4 » ، وسرّ الأمر بالعبادة لأجل العابد لا للمعبود ؛ لأنّه يتعالى من حيث عزّه وغناه [ عن ] أن يكون فعله لغرض ، بل رحمة ذاتيّة بالكون ، وقس على ذلك باقي مراتب الفعل ؛ فقد فتحت لك الباب . 
ثم نقول « 5 » : والموجب الآخر لتأخّر حصول النتيجة ونفوذ الحكم بمجرد التجلّي الحبّي هو : أنّه لو فرضنا وقوع الأمر بهذه المقدّمة الواحدة أو إمكانه ، لسبق « 6 » إلى مدارك بعض من يتعيّن بذلك الحكم ويظهر عينه أنّ الأمر الإيجاديّ والإنشاء الكوني إنّما متعلّقه وغايته تحصيل ما يختصّ بحضرة الحقّ لا غير ، فكان ذلك نوع نقص متوهّم في مرتبة الغنى الكمالي الوجودي الذاتي « 7 » ، وتعالى ذلك الجناب عمّا « 8 » لا يليق به . 
فلمّا لم ينفذ حكم التجلّي المذكور ؛ لهذه الموانع وغيرها ممّا لا يمكن ذكره ، عاد يطلب مستقرّه من الغيب المطلق ، كما هو سنّة سائر التجلّيات المتعيّنة بالمظاهر وفيها عند انقضاء حكمها في المتجلّى له ، فإنّها بالذات هي تطلب الرجوع والتقلّص إلى أصلها عند انقضاء « 9 » حكمها بالمظاهر وفيها ؛ لعدم مناسبتها عالم الكثرة ، وهذا هو سبب الانسلاخ الحاصل للتجليّات التفصيليّة بعد التلبّس بأحكام المتجلّى له ، وعودها إلى الغيب « 10 » الذي ذكرته في سرّ التجلّي والمتجلّى له ، وفي مراتب التصوّرات وسبب تجرّد الأرواح الإنسانيّة عن
.......................................................
( 1 ) . ب : أو .                                 ( 2 ) . في بعض النسخ : و .
( 3 ) . ق : كان .                               ( 4 ) . ق : لعالم .
( 5 ) . ق : أقول .                               ( 6 ) . ق : ليسبق .
( 7 ) . ب : والذاتي .                           ( 8 ) . ق : بما .
( 9 ) . ب : انقضائها .
( 10 ) . ق : النسب .
108

النشآت التي تتلبّس بها ، بعد الاستكمال بها واستصحابها زبد أسرار كلّ نشأة ، ولطائف خصائص كلّ صورة وموطن ، وعودها إلى أصلها منصبغة بأحكام الكثرة ، لا بصورتها القادحة في وحدتها ، فتذكّر . 
ثم نقول : فحصلت بهذا العود المذكور حركة غيبيّة ، ودورة مقدّسة شوقيّة سرى حكمها فيما حواه الغيب من الحقائق الأسمائيّة والكونيّة ، ومرّ ذلك التجلّي في عوده على سائر التعيّنات العلميّة ، فمخضها بتلك الحركة القدسيّة الغيبيّة الشوقيّة ، فانتشت بتلك المخضة البواعث العشقيّة ، والحركات المعنويّة الحبّية من سائر الحقائق تطلب من الحقّ - بحكم ما سرى فيها من أثر التجلّي الحبّي - ظهور أعيانها وما فيه كمالها ، فصار ذلك مفتاح سائر الحركات الدوريّة الإحاطيّة ، المظهرة للخفيّات ، والمخرجة ما في قوّة الإمكان والغيب إلى الفعل من أعيان الكائنات ، وكانت النسبة الجوديّة من جملة الحقائق المستهلكة تحت قهر الأحديّة الغيبيّة ، فانبعث لسان مرتبتها - لحبّ ظهور عينها وكمالها المتوقّف على نفوذ حكمها على نحو ما ذكر - يطلب إسعاف السائلين ، فحصلت المقدّمتان : إحداهما : الطلب الذي تضمّنه التجلّي الحبّيّ ، والأخرى الطلب الاستعدادي الكوني بصفة القبول الذي بيّنّا أنّه مظهر الفعل ، فتعيّنت النسبة - المسمّاة عندنا الآن قدرة - تطلب متعلّقا تعيّنه لها الإرادة ، فتمّت الأركان ؛ لأنّ التجلّي الذي أوجب للعلم شهود ما ذكر هو تجلّي الهويّة منصبغا بحكم نسبة الحياة المظهر عين « 1 » النور الوجودي الغيبي ، ثم أظهر التجلّي الحبّي بالعلم نسبة الإرادة التي هي عنوان السرّ الحبّي ، ثم تعيّنت القدرة كما بيّنّا . 
فتمّت الأصول التي « 2 » يتوقّف عليها ظهور النتيجة المطلوبة ، وهما « 3 » المقدّمتان كلّ مقدّمة مركّبة من مفردين ، فصارت أربعة ، وتردّد الواحد منها - وهو سرّ أحديّة الجمع - من حيث نسبة الإرادة الصابغة بحكمها الثلاثة الباقية حين خفائها في الثلاثة ؛ لحصول الأثر وكماله ، فحصلت الفرديّة ، ثم ظهر بتلك الحركة الغيبيّة الذي « 4 » هو الترداد سرّ النكاح ، فتبعتها « 5 » النتيجة
...........................................................
( 1 ) . ب : عن .
( 2 ) . ه : الذي .
( 3 ) . كذا في الأصل .
( 4 ) . كذا في الأصل .
( 5 ) . ق : تبعتها .
109

تبعيّة استلزام لا تبعيّة ظهور ، وبقي تعيين المرتبة التي هي محلّ نفوذ الاقتدار بالحركة الحبّية ، ليظهر عين المراد بحسب أحكام الأصول المذكورة التي هي النسب الأصليّة والأسماء الذاتيّة اللازمة حضرة الوحدانيّة الغيبيّة ، حاملا خواصّها ومظهرا أسرارها ، وما عدا هذه الأسماء من الأسماء لهما « 1 » ، فهي التالية لها إن كانت كلّيّة ، وإلّا فهي الأسماء التفصيليّة المتعلّقة بعالم التدوين والتسطير ، والمتعيّنة فيه ، وقد كنّا بيّنّا أنّه لا يمكن تأثير الشيء في نفسه من حيث وحدته وبساطته ، فاقتضى الأمر تمييز مقام الوحدة عمّا يغايرها ممّا « 2 » هو دونها في المرتبة ، ليتميّز منها ما يصلح أن يكون محلّا لنفوذ الاقتدار ، فإنّ المتكافئين فيما هما « 3 » فيه متكافئان - بنسبتين « 4 » كانتا « 5 » أو أمرين وجوديّين - لا يكون اختصاص أحدهما بالمؤثّريّة في الآخر بأولى من صاحبه ، فلا بدّ من موجب أو معنى كماليّ يرجّح أحدهما على الآخر به ، يصحّ له أن يكون مؤثّرا ، وينزل الآخر عنه بالمرتبة لعود « 6 » تلك الصفة الكماليّة أو الأمر المقتضي للترجيح فيكون محلّا لأثر هذا المؤثّر المرجّح « 7 » . 
ولمّا لم يكن في الغيب الإلهي تعدّد وجودي لشيء مّا ؛ لتقدّمه على كلّ شيء وكونه منبع التعدّد والمعدودات كان هذا تعدّدا معنويّا من حيث النسب ، وترجيحا واقعا بين الأحوال الذاتيّة ، فكانت الكثرة في مقام المقابلة من الوحدة ، وعلى إحدى جنبتي الوحدة أحكامها ونسبها ناظرة إلى الكثرة ، وعن الجانب الآخر نسبة الظهور تنظر إليها الكثرة ، والجميع ناظر إلى مقام كمال الجلاء والاستجلاء وكلّ ذلك نظر تودّد وتعشّق بعين المناسبة والارتباط الغيبي ، فسرى الحكم الذاتي الأحدي الجمعي في النسبة العلميّة « 8 » بالشروع في تحصيل المقصود وإظهار عينه ، فانقسم الغيب الإلهي شطرين . ومع أنّ السرّ الحبّي له السلطنة في الأمر فلم يخل من حكم قهري هو من لوازم المحبّة والغيرة التابعة للأحديّة ، فتعلّق - أعني الحكم القهري الأحدي - بالكثرة من حيث ما ينافيها عزّا وأنفة من مجاورة الكثرة لها ، بعد ظهور تعيّنها ؛ إذ قبل التعيّن لم يظهر للمنافاة والغيرة حكم ولا لأمثالهما من النسب .
..........................................................
( 1 ) . كذا . ق : لا توجد .                     ( 2 ) . ه : عمّا .
( 3 ) . ه : هو .                                  ( 4 ) . ق : نسبتين .
( 5 ) . ق ، ه : كانا .                         ( 6 ) . ق : لعون ، ب : لفوز .
( 7 ) . ق ، ه : المترجّح .                     ( 8 ) . في بعض النسخ : العامية .
110


ومن هنا يتنبّه اللبيب إلى سرّ منشأ التنزيه ومبدأ وسرّ الرحمة والغضب ، والسبق المشار إليه ، والرضا والسخط ، و « 1 » الجلال والجمال ، و « 2 » القهر واللطف ، كيف قلت ، فإنّ الجميع يرجع إلى هذين الأصلين ، وأتمّ العبارات عنهما وأشدّها مطابقة « 3 » ما ورد به التعريف الإلهي ، أعني الرحمة والغضب ، فافهم ، واللّه المرشد . 
ثم نقول : فانفصلت في أحد الشطرين نسبة الوحدة التي تستند إليها الكثرة من حيث أحكامها المتعدّدة بسائر توابعها ، فتعيّنت مرتبة الاسم الظاهر بالانفصال المذكور من حضرة الغيب فتعيّن التعيّن « 4 » لنفسه وللمتعيّن به قبل أن يظهر التعدّد للمعدود في مقام الكمّ والكيف وأخواتهما ، كمتى ، وأين ، وامتاز بالشهادة عن الغيب ، فتعيّنت للباطن مرتبة جملية بامتياز الظاهر عنه ، وشوهد بغيب الظاهر من حيث ظهوره ما أظهر من الأحكام والصفات والصور واللوازم التابعة له فعلم [ بالشهادة الظاهرة منه فعلم الشهادة بالغيب ] « 5 » المستبطن فيه ، وجميع ما انفصل في الشطر المختصّ بالاسم الظاهر ، فإنّما هو في تبعيّة كمال الجلاء والاستجلاء وخدمته ، وبقي الشطر الآخر على إطلاقه في مقام عزّه « 6 » الأحمى ، وكماله المنزّه عن النعوت والقيود والأحكام وتعلّقات المدارك ، ما عدا التعلّق الإجمالي المشار إليه . 
وتسميته شطرا ليس لتعيّنه وتقيّده ، بل لمّا تعيّن منه شطر ، صار « 7 » دليلا عليه ؛ [ لأنّه الأصل ، فالمتعيّن منه دليل عليه ] « 8 » من حيث إنّه غير متعيّن ، فكان هو الدليل والمدلول كما سبق التنبيه عليه في سرّ العلم ، وكلّ دليل فإنّه حجاب على المدلول مع أنّه معرّف له من الجهة التي من حيث « 9 » هي تدلّ عليه ، فافهم . 
ثم إنّه اخترع له ، فظهر بحسب حكمه في كلّ ما تعيّن به ، ومنه اسم يدلّ عليه دلالتين : 
دلالة الحكم المختصّ بالأمر المتعيّن ، ودلالة أخرى إجماليّة تعرّف أنّه أصل كلّ ما تعيّن . 
وهذا هو سرّ التسمية ، فافهم .
...........................................................
( 1 ) . ب : أو .                                      ( 2 ) . ق : أو .
( 3 ) . ق : مطابقا .                                 ( 4 ) . في بعض النسخ : فتعيّن لنفسه .
( 5 ) . ما بين المعقوفين غير موجود في ه .
( 6 ) . ب : عزته .
( 7 ) . ب : صادر .
( 8 ) . ما بين المعقوفين ساقط من المطبوعة .
( 9 ) . ب : حيثها .
111


ثمّ إنّه لم يكن بدّ من حافظ يحفظ الحدّ الفاصل بين الشطرين ، ويمنع الشطر المنفصل من الامتزاج والاتّحاد بما انفصل عنه بعد التعيّن والامتياز ، ليبقى الاسم « الظاهر » وأحكامه على الدوام ، ويستمرّ نفاذ حكم التجلّي الإيجادي والحكم التعيّني ، فإنّه إن لم يكن ثمّة حافظ « 1 » يمنع ممّا ذكرنا « 2 » اختلّ النظام ؛ لأنّ في الممتاز المنفصل ما يطلب الغيب الأوّل طلبا ذاتيّا ، فإنّه معدن الجميع ، والأشياء تحنّ إلى أصولها والجزئيّات إلى كلّيّاتها ، فكانت الأحديّة نعت ذلك الحدّ المشار إليه ، فهو معقول غيبي لا يظهر له عين أصلا وهكذا كلّ فاصل يحجب « 3 » بين أمرين إنّما يظهر حكمه لا عينه ، وكان الحافظ لهذا الحدّ هو الحقّ ، ولكن من حيث باطن الاسم « الظاهر » وهي النسبة الباقية منه في الغيب الذي به صحّ بقاؤه ودلالته على المسمّى الذي هو الباطن أيضا .

سرّ الإنسان الكامل 
وهذه النسبة الباطنة من الظاهر لا تقبل الانفصال من الغيب . فإنّها عبارة عن الأمر الجامع بين الظاهر والباطن المطلق ، والفعل والانفعال ، والطلب والمطلوبيّة ، ولهذه النسبة وجه يلي الظاهر ، ووجه يلي الباطن المطلق ، فأحد وجهيه « 4 » يلي الإطلاق الغيبي والآخر له التقيّد والتعدّد الشهادي . فأشبهت الهويّة التي انفصل منها الشطر المذكور من حيث اتّحاد الشطرين في الأصل وكون التغاير لم يكن إلّا بالامتياز وهو نسبة عدميّة ، لا أمر وجودي ، فتلك الحقيقة الحافظة المذكورة هي مرتبة الإنسان الكامل الذي هو برزخ بين الغيب والشهادة ، ومرآة تظهر فيها حقيقة العبوديّة والسيادة ، واسم المرتبة بلسان الشريعة العماء ونعتها الأحديّة ، والصفات المتعيّنة فيها بمجموعها هي الأسماء الذاتيّة ، والصورة المعقولة - الحاصلة من مجموع تلك الأسماء المتقابلة ، وأحكامها ، والصفات ، والخواصّ اللازمة لها من حيث بطونها - هي الصورة الإلهيّة « 5 » المذكورة . 
وهذه الأسماء وما يتلوها في المرتبة من الأسماء الكلّيّة لا ينفكّ بعضها عن بعض ،
..........................................................
( 1 ) . ق : حافظه .
( 2 ) . في بعض النسخ : ذكر .
( 3 ) . ق : يحجر .
( 4 ) . ق : وجهة .
( 5 ) . ق : الألوهية .
112

ولا يخلو أحدها عن حكم البواقي ، مع أنّ الغلبة في كلّ مرتبة وكلّ شأن كلّ آن بالنسبة إلى ما هو مظهرها « 1 » لا تكون إلّا لواحد منها ، وتكون أحكام البواقي مقهورة تحت حكم ذلك الواحد ، وتابعة له ، ومن جهته يصل الأمر الذاتي الإلهي إلى ذلك المظهر المستند إلى الحقّ من حيث ذلك الاسم وتلك المرتبة من حيث وجوده ومن حيث عبوديّته ، فيقال « 2 » له - مثلا - « عبد القادر » و « عبد الجواد » إلى غير ذلك من الأسماء . 
ومن لم يكن نسبته إلى أحد الأسماء أقوى من غيرها ولم ينجذب من الوسط إلى إحدى المراتب لمزيد مناسبة أو حكم أو تعشّق مع قبوله آثار جميعها والظهور بجميع أحكامها دون تخصيص غير ما يخصّصه الحقّ من حيث الوقت والحال والموطن ، مع عدم استمرار حكم ذلك التخصيص والتقيّد به فهو عبد الجامع . 
والمستوعب لما ذكرنا بالفعل دون تقيّده بالجمع ، والظهور ، والإظهار والتعرّي عنه ، وغير ذلك مع التمكّن ممّا شاء متى شاء ، مع كونه مظهرا للمرتبة والصورة بحقيقة العبوديّة ، والسيادة اللتين هما نسبتا مرتبتي الحقّ والخلق « 3 » - هو الإنسان الكامل ومن الأسماء « 4 » القريبة النسبة إلى مرتبته « عبد « 5 » اللّه » . وكمال الجلاء هو كمال ظهور الحقّ بهذا العبد الذي هو الإنسان المذكور . وكمال الاستجلاء هو عبارة عن جمع الحقّ بين شهوده نفسه بنفسه في نفسه وحضرة وحدانيّة ، وبين شهوده نفسه فيما امتاز عنه ، فيسمّى « 6 » بسبب الامتياز غيرا ولم يكن قبل الامتياز كذلك ، وعبارة عن مشاهدة ذلك الغير أيضا نفسه بنفسه من كونه غيرا ممتازا ، ومشاهدته من امتاز عنه أيضا بعينه وعين من امتاز عنه أيضا ، فتميّز الواحد عمّن ثناه بالفرقان البيني « 7 » - الذي حصل بينهما وظهر بينهما « 8 » منهما - وانفرد كلّ بأحديّته وجمعيّته . 
ولمّا كانت أعيان الموجودات - التي هي نسب العلم ومظاهر « 9 » أحكام الكثرة وأحديّتها -
........................................................
( 1 ) . ق : مظهر لها .                                     ( 2 ) . ق : فقال .
( 3 ) . في بعض النسخ : الحقّ هو .                      ( 4 ) . ه : أسماء .
( 5 ) . ق : عند .                                       ( 6 ) . ق : فسمّي .
( 7 ) . ق : النسبي ، ه : النبي .                          ( 8 ) . ب : بنيتهما .
( 9 ) . ق : مظاهره .
113

مستجنّة في غيب الحقّ ، وكانت من حيث التعدّد النسبي مغايرة للأحديّة التي هي أقرب النعوت نسبة إلى إطلاق الحقّ وسعته وغيبه « 1 » ، كانت معقوليّة النسبة - الجامعة لتعيّناتها وأحكامها المتعددة المختصة بها ، من حيث تساوي قبولها للظهور بالتعين واللاظهور بالنظر إليها -مسمّاة بمرتبة الإمكان، والكثرة صفة لازمة لها لزوم الزوجيّة للأربعة ، كما مرّ . 
فظهر التغاير بين مرتبتها وبين مرتبة الوحدانيّة من هذا الوجه ، فتعلّقت المشيئة بتميّز « 2 » مقام الوحدانيّة عمّا لا يناسبها من الوجه المغاير ، وهو أحد حكمي الوحدة التي هي منشأ الكثرة المذكورة فإنّ المغايرة غير حاصلة من الوجه الآخر المختصّ بالحضرة العلميّة الذاتيّة الغيبيّة ؛ لعدم التعدد هناك ، ولهذا ما برحت الأشياء من حيث حقائقها في الغيب ، ولم تفارق الحضرة العلميّة من الوجه الذي لا يتعدّد لنفسها ولا يتكثّر وجودها ، وامتازت باعتبار آخر للمغايرة المذكورة ، فظهر بالإيجاد كمال مرتبة الوحدانيّة بانفصال ما قويت نسبته من الكثرة عنها ، وسرى حكم الوحدانيّة في كلّ نسبة من نسب الكثرة من الوجه الذي تكثّرت به ، وظهر سلطان الأحديّة على الكثرة « 3 » ، فعلم كلّ متكثّر أنّه من الوجه غير متكثّر ، وكثير ، وأنّ لكلّ موصوف بالكثرة أحديّة تخصّه ، وظهر لمجموع أجزاء الكثرة أحدية مساوية للأحديّة المنفيّ « 4 » عنها التعدّد ، فاتّصل الأمر بعد بلوغ الكثرة إلى غايتها بالأصل الذي منه انبعث الوحدة والكثرة ، وما تعيّن وظهر بهما فهو « 5 » الغيب الإلهي ، معدن سائر التعيّنات ، منبع « 6 » جميع التعدّدات الواقعة في الحسّ وفي العقول والأذهان ، فافهم . 
ثم نقول : فلمّا امتاز الاسم « الظاهر » من الغيب المطلق حاملا صورة الكثرة المعبّر عنها بالإمكان ، وتميّزت مرتبته في العماء الذي هو منزل التدلّي النكاحي الغيبي ومحلّ نفوذ الاقتدار ، انفصل مع الاسم « الظاهر » سائر التوابع واللوازم المنضافة إليه ، فشهد الحقّ نفسه بنفسه في مرتبة ظاهريّته الأولى الممتازة من غيب باطنه وهويّته ، فظهرت ذاته له بأسمائه الذاتيّة ونسبها الأصليّة الظاهر تعيّنها بحكم المقام الأحدي الذاتي ، والتعيّن الأوّل الذي هو الحدّ المذكور ، وذلك في حضرة أحديّة الجمع الذي هو العماء .
......................................................
( 1 ) . ق : غيبه و .
( 2 ) . ق : تمييز .
( 3 ) . ق : كثرة .
( 4 ) . في بعض النسخ : المنافي .
( 5 ) . ق : وهو .
( 6 ) . ق : ومنبع .
114

فأوّل المراتب والاعتبارات العرفانيّة المحقّقة لغيب الهويّة الاعتبار المسقط لسائر الاعتبارات ، و « 1 » هو الإطلاق الصرف عن القيد والإطلاق ، وعن الحصر في أمر من الأمور الثبوتيّة والسلبيّة كالأسماء والصفات ، وكلّ ما يتصوّر ويعقل ويفرض بأيّ وجه تصوّر ، أو تعقّل أو فرض . 
وليس لهذا المقام لسان ، وغاية التنبيه عليه هذا ومثله ، ثم اعتبار علمه نفسه بنفسه وكونه هو لنفسه هو ، فحسب ، من غير تعقّل تعلّق ، أو اعتبار حكم ، أو تعيّن أمر ثبوتي أو سلبي - كائنا ما كان - ممّا يعقله غيره بوجه من الوجوه ما عدا هذا الاعتبار الواحد المنفيّ حكمه عن سواه . ومستند الغنى « 2 » والكمال الوجودي الذاتي والوحدة الحقيقيّة الصرفة 
قوله « 3 » : « كان اللّه ولا شيء معه » 
ونحو ذلك من الأمر الذي يضاف إليه ، هذا الاعتبار الثاني . 
ويليه مرتبة شهوده سبحانه نفسه بنفسه في مرتبة ظاهريّته الأولى بأسمائه الأصليّة ، وذلك أوّل مراتب الظهور بالنسبة إلى الغيب الذاتي المطلق ، وقد أشرت إليه ، وجميع ما مرّ ذكره من التعيّنات إلى هنا « 4 » هي تعيّنات الظاهر بنفسه لنفسه على النحو المشار إليه قبل أن يظهر للغير عين أو يبدو لمرتبته حكم ، فافهم . 
واستخلص المقصود من الكلام غير متقيّد « 5 » بالألفاظ كلّ التقيّد ؛ فإنّها أضيق ما يكون ، وأضعف في مثل هذا المقام و « 6 » الإفصاح عن كنهه على ما هو عليه ، فمن خرق له حجابها ، استشرف من هذا الباب على العجب العجاب . و « 7 » اللّه المرشد بالصواب . 
ثم نقول : ويلي ما ذكرنا مرتبة شهود الظاهر نفسه في مرتبة سواه من غير أن يدرك « 8 » ذلك الغير نفسه ، وما ظهر من الأمر به أو له ؛ لقرب نسبته وعهده ممّن امتاز عنه ، ولغلبة حكم الغيب المطلق ، والتجلّي الوحداني المذكور عليه ، وهذا صفة المهيّمين في جلال جمال الحقّ وحالهم « 9 » ، ثم ظهر حكم تعلّق الإرادة بنسبتي التفصيل والتدبير ، لإيجاد عالم التدوين
..................................................
( 1 ) . في بعض النسخ : لم يرد .                      ( 2 ) . ق : « الغنى و » .
( 3 ) . ه : وقوله .                                  ( 4 ) . ب : هي هنا .
( 5 ) . ب : مقيّد .                                   ( 6 ) . ق : لم يرد .
( 7 ) . في بعض النسخ : لم يرد .                     ( 8 ) . ب : يذكرك .
( 9 ) . ق : حالتهم .
115

والتسطير ، وإبراز الكلمات الإلهيّة التي هي مظاهر نوره ، وملابس نسب علمه ، ومرائي أسمائه ، ومعيّناتها « 1 » في رقّ مسطوره ، فكان ثمرة هذا التعلّق الإرادي شهود الظاهر نفسه في مرتبة الغير الممتاز عنه في الشهادة الأولى . ليظهر حكم الغيب بظهوره في كلّ نسبة ظهر تعيّنها في مرتبة الظهور بحسب تعيّنها الثبوتي في العلم ، وبحسب التوجّه الإرادي نحو تلك النسبة . وليشهده أيضا كما قدّمنا ما امتاز به عنه في مرتبة الشهادة ، وتعيّنت له نسبة ظاهرة سمّي بها خلقا وسوى ، فيدرك بهذا التجلّي عينه ، ومن امتاز عنه ، وما « 2 » امتاز به عن غيره . 
وهنا سرّ عزيز ، وضابط شريف أنبّه عليه ، ثم أذكر « 3 » من سرّ الترتيب الإيجادي ما يستدعي هذا الباب ذكره من كونه مبدأ لتفسير البسملة . 
فنقول : كلّ موجود أو أمر يكون جامعا لصفات شتّى أو نسب متعدّدة ، فإنّ وصول حكمه وأثره إلى كلّ قابل في كلّ شأن أو آن وشأن أيضا إنّما يتعيّن بحسب أوّليّة الأمر الباعث له على هذا « 4 » الحكم والتأثير ، وبحسب الصفة الغالبة الحكم عليه بالنسبة إلى باقي صفاته حال التحكّم والتأثير في القابل ، وبحسب حال القابل واستعداده . ولا يخلو كلّ توجّه صادر من كلّ متوجّه [إلى كلّ متوجّه « 5 »]، إليه من أن يتعين بحسب أحد هذه الأمور الثلاثة ، ويبقى حكم الأمرين الآخرين. 
وأحكام باقي النسب والصفات التي للقابل تابعة لغلبة أحد هذه الأصول ، وكذلك صورة ثمرة ذلك التوجّه تكون تابعة لحكم الأغلبيّة المذكورة ، وظاهرة هي بحسبها ، وإن « 6 » انعجن فيها حكم باقي النسب والصفات ، ولكن يكون حكمها خافيا « 7 » بالنسبة إلى حكم ذلك الأمر الواحد الغالب ، وتبعا له ، ولا يثمر توجّه متوجّه إلى متوجّه إليه قطّ إلّا إذا كان متعلّق التوجّه أمرا « 8 » واحدا ، ومهما تعلّق بأمرين فصاعدا فإنّه لا يثمر ولا ينفذ له حكم أصلا ، وسببه أنّ الأثر من كلّ مؤثّر [ في كلّ مؤثّر « 9 » ] فيه لا يصحّ إلّا بالأحديّة ، والنتيجة تتبع الأصل .
........................................................... 
( 1 ) . في بعض النسخ : متعيّناتها .
( 2 ) . ب : به ومن .                     ( 3 ) . ب : أذكره .
( 4 ) . ق : ذلك .                      ( 5 ) . ما بين المعقوفين ساقط من المطبوعة .
( 6 ) . ب : أو إن .                    ( 7 ) . ب : حكمها يكون خائفا .
( 8 ) . ه : أوامر .                  ( 9 ) . ما بين المعقوفين ساقط من المطبوعة .
116

وبيانه أنّ مبدأ التوجّه الإلهي للإيجاد صدر من ينبوع الوحدة بأحدية الجمع ، وتعلّق بكمال الجلاء والاستجلاء المعبّر عن حكمه تارة بالعبادة ، وتارة بالمعرفة ، وهو قوله تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ« 1 » الآية . بالتفسيرين ، والظاهر بهذا التوجّه من غيب الحقّ هو الوجود المنبسط على الأعيان لا غير . 
ولمّا كان العالم بما فيه ظلّا لحضرة الحقّ ومظهرا لعلمه ، سرى الحكم واطّرد فيما هو تابع للعلم وفرع عليه ، فاعلم ذلك ، وإذا تقرّر هذا فلنعد إلى ما كنّا فيه من بيان سرّ بدء الأمر لنستوفيه . 
فنقول : فانسحب « 2 » حكم التوجّه الإلهي الأحدي لإيجاد عالم التدوين والتسطير على الأعيان الثابتة بعد ظهور الأرواح المهيّمة « 3 » التي مرّ حديثها منصبغا بحكم كلّ ما حواه الغيب ممّا تعيّن به ، وامتاز عنه من وجه ، فكان توجّها جمعيّا وحدانيّ الصفة : 
فأمّا جمعيّته فلما حواه الغيب ممّا أحاط به العلم وتعلّق بإبرازه . وأمّا أحديّته فلأنّ الإرادة وحدانيّة ، ومتعلّقها من كلّ مريد في الحال الواحد لا يكون إلّا أمرا واحدا ، والمريد الحقّ سبحانه واحد « 4 » ، فإرادته واحدة لا محالة ، ومتعلّقها لا يكون في كلّ شأن إلّا أمرا واحدا هو غاية ذلك التوجّه الإرادي ونتيجته ، ومنزل التوجّه الإلهي ، ومحلّ نفوذ اقتداره ليس إلّا أمرا واحدا وأنّه العماء وقد مرّ حديثه ، فأنتج التوجّه الإلهي المذكور - كما قلنا في مقام عالم التدوين والتسطير - نتيجة وجوديّة متوحّدة حاملة كثرة غيبيّة نسبيّة ، فسمّاها الحقّ قلما وعقلا . 
فعقلا من حيث الوجه الذي يلي ربّه ، ويقبل به ما يهبه ويمدّه ، ومن حيث إنّه أوّل موجود متعيّن عقل نفسه ، ومن تميّز عنه ، وما تميّز به عن غيره بخلاف من تقدّمه بالمرتبة وهم المهيّمون . 
وقلما من حيث الوجه الذي يلي الكون ، فيؤثّر ويمدّ ، ومن حيث إنّه حامل للكثرة
..........................................................
( 1 ) . الذاريات ( 51 ) الآية 56 .
( 2 ) . ق : فانسجب .
( 3 ) . في بعض النسخ : المهيمنة .
( 4 ) . ه : فواحد .
117

الغيبيّة الإجماليّة المودعة في ذاته ليفصلها فيما يظهر منه بتوسّط مرتبة « 1 » وبدونها ، فلمّا كان هو ثمرة التوجّه المقدّم ذكره ، ظهر مشتملا على خاصيتي الجمع والأحديّة ، كما نبّهت عليهما « 2 » ، وظهر به سرّ التربيع من حيث التثنية الظاهرة في وجوده ، التالية للمقام الأحدي المذكور من حيث التثنية المعقولة في التوجّه المنبّه عليه ، المنتج له ، لكن لمّا كان الواحد من هذه الأربعة هو « 3 » السرّ الذاتي الجمعي - وهو ساري الحكم في كلّ شيء من المراتب والموجودات ، فلا يتعيّن له نسبة ولا مرتبة مخصوصة - كان الأمر في التحقّق مثلّثا ، وذلك سرّ الفرديّة الأولى « 4 » المشار إليه من قبل ، فلمّا انتهى حكم الإرادة بنفوذ حكمها من هذا الوجه ، وظهر القلم الذي كان متعلّقها ، تعيّنت نسبة أخرى بتوجّه ثان من حيث التعيّن لا من حيث الحقّ ؛ فإنّ أمره واحد ، فظهر وتعيّن من الغيب تجلّ « 5 » ذو حكمين : أحدهما : الحكم الذاتي الأحدي الجمعي ، والآخر من حيث انصباغ عين ذلك الحكم بما مرّ عليه وامتاز عنه وهو القلم ، فتعيّن بحكم التثليث المذكور في المرتبة التالية لمرتبة القلم وجود اللوح المحفوظ حاملا سرّ التربيع ؛ لأنّه انضاف إلى حكم التثليث المشار إليه حكم المرتبة اللوحيّة، فحصل تربيع تابع للتثليث فتعيّنت المرتبة الجامعة لمراتب الصور والأشكال، أعني التثليث والتربيع. 
وظهر في اللوح تفصيل الكثرة التي حواها العماء ، فكملت مظهريّة الاسم « المفصّل » كما كملت بالقلم - المذكور شأنه - مظهريّة الاسم « المدبّر » من حيث اشتماله على خاصيّتي الجمع والأحديّة المنبّه عليهما . 
ثم تعيّنت مرتبة الطبيعة باعتبار ظهورها من حيث حكمها في الأجسام ، وللطبيعة هنا ظاهريّة الأسماء الأول الأصليّة التي سبق التنبيه عليها . 
ثم تعيّنت مرتبة الهيولى المنبّهة على الإمكان الذي هو مرتبة العالم . 
وبه وبالجسم الذي تعيّنت به مرتبة بعد هذه المرتبة الهيولانيّة - ظهر سرّ التركيب
..............................................................
( 1 ) . ق : مرتبته .                          ( 2 ) . في بعض النسخ : عليها .
( 3 ) . ق : و .                              ( 4 ) . ق : الأوّل .
( 5 ) . ه : تجلّي .
118

المعنوي المتوهّم الحصول من ارتباط الممكنات بالحقّ وارتباطه من حيث ألوهيّة بها، فافهم.
ثم ظهر العرش الذي هو مظهر الوجود المطلق الفائض . ونظير القلم وصورة الاسم « المحيط » ثم الكرسيّ الذي هو مظهر الموجودات المتعيّنة من حيث ما هي متعيّنة ونظير اللوح المحفوظ . 
فللتثنية الأولى : الباء التي هي أوّل المراتب العدديّة . 
وللتثليث الحامل للكثرة المذكورة : السين . 
وللتربيع الجامع بين إجمال « 1 » الكثرة وتفصيلها : الميم . 
وللاسم « اللّه » من حيث جمعيّته : ثم النفس الذي ظهرت به ، ومنه الموجودات ، ولا يتعيّن له في عالم الصور مرتبة ظاهرة . 
ثم يلي ما ذكرنا مرتبة الاسم « الرّحمن » المستوي على العرش ، ثم الاسم « الرّحيم » المستوي على الكرسي كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى .
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى