اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

19102023

مُساهمة 

الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني Empty الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني




الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 1  د. عبد المنعم الحفني

721 . قصة قوم عاد

تأتى قصة عادAadفي القرآن في تسع عشرة سورة ، هي بحسب النزول : الفجر ، والنجم ، وق ، والقمر ، وص ، والأعراف ، والفرقان ، والشعراء ، وهود ، وغافر ، وفصلت ، والأحقاف ، والذاريات ، وإبراهيم ، والحاقة ، والعنكبوت ، وأخيرا الحج ،
ففي سورة الفجر يقول تعالى :أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ( 6 ) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ( 7 ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ ( 8 ) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ( 9 ) ، فكان اسم عاد : « عاد إرم » ، نسبة إلى عاد بن إرم ابن عوض بن سام بن نوح ، أو نسبة إلى قبيلة إرم ، وعاد إحدى بطونها ، والخطاب في الآيات للرسول صلى اللّه عليه وسلم ، ثم لأفراد المسلمين الذين يقرءون القرآن من بعد ، ولم ير الرسول صلى اللّه عليه وسلم عادا حتى يقال له : « ألم تر » ، والاستفهام لإعمال التفكير ، والرؤية المقصودة هي رؤية القلب ، وكان قوم عاد إرم عمالقة طوال القامة ، وجبابرة ، وكانت لهم أبنية عالية لتناسبهم ، أحجارها ضخمة يقوون عليها ، فكانت قراهم لذلك فريدة ليس لها مثيل .

وفي القرآن لدينا عادان :
عاد الأولى ، وهؤلاء هم عاد إرم ، وعاد الثانية أو الأخيرة ،
وهؤلاء هم ثمود ، كقوله تعالى :وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى ( 50 ) وَثَمُودَ فَما أَبْقى( 51 ) ( النجم ) ،
وسمّيت « عادا الأولى » لأنهم كانوا قبل « عاد الثانية » ، وكانوا أول أمة تبيد بعد نوح ، وفي ترتيب القصص القرآني فإن قصة عاد تأتى بعد قصة نوح ، وقبل قصة ثمود .
وثمود من ولد عادا ، وانحدروا من صلبه ، وكانوا جبابرة كأسلافهم قوم عاد ، وبنوا البيوت الضخمة بالحجارة ، فقطعوها من الجبال ونقلوها إلى الوديان ، وارتبط مصير عاد وثمود ، فارتبط اسماهما ، يأتيان في القرآن متقارنين غالبا ، وكانوا أول أمتين ضمن قائمة المكذّبين الكافرين باللّه والجاحدين بالرسل ، وأهلكت الأولى بالريح الصرصر ، والثانية بالصيحة :
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( 12 ) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ( 13 ) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ( 14 ) ( ق ) ،
فبعد قوم نوح في القائمة تأتى ثمود ، وأصحاب الرس ، أي البئر ، وكانوا من ثمود ، وقد تأتى عاد أولا ثم ثمود ، وقد تأتى ثمود أولا ثم عاد .
والعذاب الذي أصاب عاد عذاب معجز :كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ( 18 ) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ( 19 ) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ( 20 ) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ( 21 ) ( القمر ) ،
والريح الصرصر : شديدة الصوت ، تقول صرّ الباب ، أي له صرير ، أي صوت مزعج ، يعنى أنها ريح عاصف مدوية ، وكانت بدايتها يوم أربعاء ، قال المفسرون ذلك لأن الأربعاء هو يوم الشؤم عند العرب ، ووصف بأنه يوم نحس ، واستمر النحس وهو قوله :يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ،
وفي سورة فصّلت يأتي أنه استمر عدة أيام :فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ، وبلغ من شدة الريح فيها أنها كانت تقتلعهم كأنهم النخل المنقعر ، أي المنخلع عن أصله ، وكان أهل عاد طوال القامة ، وصفهم في سورة الفجر بأنهم أصحاب عماد ، والعماد هو القامة ، وفي سورة القمر شبّههم بالنخل من فرط طولهم ، فكانت الريح تنزعهم من الأرض ومن بيوتهم فتدق أعناقهم .
وفي سورة الفرقان :وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً ( 37 ) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ( 38 ) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً( 39 ) ( الفرقان ) ،
أي لم يكن هناك عذاب بلا جريمة ، وجريمة هؤلاء جميعا : أنهم كذّبوا الرسل ، فجعلهم اللّه آية ، أي عبرة لمن يعتبر ويتّعظ ، وضربت بهم الأمثال ، وكان عذابهم هو العذاب المتبّر ، أي الشديد الغليظ ،
وأصحاب الرس : هم بقايا ثمود ،وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً( الفرقان 38 ) ، أي أمما أخرى لا يعلمهم إلا اللّه ، بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس .
وفي سورة الأعراف نعلم عن عاد أكثر من ذلك :وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ ( 65 ) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ ( 66 ) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ( 67 ) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ ( 68 ) أَ وَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( 69 ) قالُوا أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 70 ) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ( 71 ) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ( 72 ) ،
فالنبىّ الذي أتاهم كان هودا ، وكان منهم ، والمستشرقون يدّعون أن هودا لم يذكر في التوراة ولكنه حتما يهودي للمشابهة بين هود ويهود أو يهودي ، والخطأ الذي يقعون فيه أن اليهود لا يرسلون إلى غير اليهود ، ثم إن مصطلح اليهود واليهودي كان بعد دولة يهوذا ، وهناك فرق زمنىّ شاسع بين هود وبين دولة يهوذا ودمارها ، وخروج اليهود منها ، ليكون من بينهم هود نبيا لقوم عاد ! وحسبنا اللّه في هؤلاء المستشرقين الجهلاء !
ورسالة هود إلى قومه هي نفس رسالة كل الأنبياء : أن اللّه واحد ، ولا معبود إلا اللّه ؛ وجوابهم عليها هو نفس الجواب مع كل نبىّ ، أن الداعي ليس سوى بشر منهم ، فلما ذا يختص بالنصح دونهم ؟
ولما ذا يؤثّر عليهم رسولا من هذا الإله الجديد ؟
ولما ذا يتركون آلهتهم إلى هذا الإله الواحد الغريب عنهم ؟
فذلك ما جعلهم يصفون دعوته بالسفه ، وذكّرهم هود بنعم اللّه عليهم منذ نوح ، وما آتاهم من بسطة الخلقة وبسطة العيش ، وكان ما يدعوهم إليه بسيطا ومعقولا ، بينما كانوا يجادلون فيما اخترعوه من أسماء لموجودات وآلهة وهمية ، وكلما تعقّد القول في المعبودات فاعلم أن دعاتها منتحلون كاذبون ملفّقون ، كشأن النصارى فيما يزعمونه عن طبيعة المسيح !
وما كان عذاب هؤلاء الكذّابين إلا لتكذيبهم وكذبهم .
وما كان إيراد قصصهم في القرآن إلا من قبيل ضرب الأمثلة .
والأمم الكافرة كثيرة ، وأبرزهم قوم نوح ، وعاد وثمود ولوط ، ذكرهم لما اتسموا به من كثرة وقوة ، فإن تكن للعرب كثرة وبأس ، فلهم عظة بقصص هؤلاء ، يذكرون تعزية للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وتسلية له ، ورفعا لمعنوياته ، وتبشيرا للمؤمنين به ، فكما جرى لهؤلاء الأحزاب أي الأقوام ذوى الكثرة والقوة ، وأصحاب الأنساب والأحساب ،
لا يستبعد أن يجرى للعرب مثله لو استمروا على كفرهم وتكذيبهم للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم :كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ( 12 ) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ( 13 ) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ( 14 ) ( ص ) ، ويتكرر وصفهم بالأحزاب في سورة غافر ، يصفهم بذلك مؤمن آل فرعون .
وفي سورة الشعراء تحفل الآيات عن عاد بالمعلومات عن حياتهم وطرق تفكيرهم ، تقول :كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ ( 123 ) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ ( 124 ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( 125 ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 126 ) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ( 127 ) أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ( 128 ) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ( 129 ) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ( 130 ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 131 ) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ( 132 ) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ ( 133 ) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 134 ) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 135 ) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ ( 136 ) إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ( 137 ) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( 138 ) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ( 139 ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ( 140 ) ،
وفي ذلك إخبار بأنهم كانوا من البنات ، وكانت بناياتهم إما مصانع لمختلف الصناعات والحرف ، وإما منازل للسكنى ، يختارون لها الهضاب ، ويعلون في البناء ، وإما قصورا مشيدة ، وإما دورا للهو والعبث ، يعنى أنهم كانوا أصحاب حضارة ، كأمريكا والغرب الأوروبى مع الفارق .
وكانوا يصنعون ويبنون للخلود ، وإذا بطشوا بطشوا جبّارين ، يصدق عليهم شبههم بأمريكا ، وأمريكا تتزعم العالم الآن في الدعوة إلى الليبرالية والإباحية والإلحاد ، ويصدق عليها قول هود :إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ( 137 ) ( الشعراء )
يعنى يسخرون من الدعوة إلى اللّه باعتبارها من السلفيات ، ولهذا كرهوا المسلمين لأن منهم بقية ما تزال على الدين ، وهؤلاء يدعون إلى الإيمان والتمسّك بالأخلاق ، وأمريكا وأتباعها يريدونها جاهلية .
وفي سورة فصّلت يؤمر النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن ينذر أهل مكة بما عذّب به قوم عاد :فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ( 13 ) ،فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ( 15 ) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ( 16 ) ،
والاستكبار اغترار بالقوة واستعلاء على الدول والشعوب ، كاستكبار أمريكا اليوم ، والدول الصناعية الكبرى التي يقال لها الدول الثماني ، وردّ اللّه عليهم بأنه أشد منهم قوة وقدرة ، وأنه إنما يؤخّر عذابهم إلى حين ، كقوله :فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً( الطارق 17 ) ، وقوله :وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا( 11 ) ( المزمل ) ،
ولن يكون عذابهم إلا في الدنيا والآخرة ، وعذاب الخزي الذي وعدت به عاد في الدنيا كان بالريح الصرصر ، وعذاب الآخرة أشد وأنكى .
وما يزال ربّنا يذكّر هؤلاء وهؤلاء بأنواع العذاب ، يقول :وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ( 21 ) ( الأحقاف ) ،
والأحقاف جمع حقف : وهو ما استطال من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلا ، وهي أرض من اليمن من حسمى ، في حضرموت ، بواد يقال له : مهرة .
وفي سورة الذاريات يصف الريح التي كان بها عذاب قوم عاد :وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ( 41 ) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ( 42 ) فأما أنها ريح عقيم فقد قيل إن ريح الجنوب النكباء ، لا تدع شيئا إلا وتعصف به وتأتى عليه وتجعله كالرميم - أي العظام البالية النخرة .
وتصفهم سورة إبراهيم وهم يستمعون لدعوة هود ، يقول :الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ( 9 ) ، يقول اللّه تعالى :فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْيعنى فعل المغتاظ ، يضع يده في فمه يعضّ عليها كلما ذكر الداعية معبوداتهم وسفّهها .

وفي سورة الحاقة تحديد أكثر لزمن العذاب وصفة الريح ، تقول :وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ( 6 ) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ( 7 ) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ( 8 ) ، فزيد في وصف الريح أنها « عاتية » لا تطاق من شدة هبوبها ، وأنها استمرت معهم بلا توقف ، لا تفتر ولا تنقطع طوال هذه المدة كلها ، ونكّلت بهم ولم تتركهم إلا صرعى كأنهم جذوع نخل منقعر .
وما أيسر ما يطاح بجذوع النخل إذا انقعرت . وما كان يوم النحس هذا عند عاد إلا مثالا باهتا ليوم القيامة الذي تكذّب به ،
كقوله تعالى :كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ( 4 ) ( الحاقة ) ،
والقارعة هي التي تقرع الناس لأهوالها ، وهي يوم القيامة ، فالذي فعلته عاد وثمود أنهما كذّبا بيوم الدين ، وبالقيامة ، وبالبعث والنشور والحساب .
وفي سورة العنكبوت يأتي أن مساكن عاد كانت ما تزال لها آثار ، وأن مشاهد هذه المساكن تؤكد أنهم كانوا قوما على دراية وعلم ، وهو معنى مُسْتَبْصِرِينَ، وصفوا كذلك لأنهم لم يكونوا حمقى ليكفروا ، فالمسألة معهم أنهم صدّوا عن السبيل - صدّتهم الغواية - فكفروا :وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ( 38 ) .
وفي سورة الحج ، وهي سورة مدنية من أواخر السور ، يأتي آخر ما يذكر عن قوم عاد :وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ( 42 ) ، والخطاب فيها للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، يعزّيه اللّه تعالى ويسليه في هذه الآية بما حدث للأنبياء من قبله ، فقد كذّبوا فصبروا ، إلى أن أهلك اللّه المكذّبين .
وقصة عاد اشتملت عليها ست وخمسون آية ، كانت مع غيرها من القصص الأخرى ، صورة لما كانت عليه الأمم السابقة ، وهي قصص للعبرة لمن يريد العظة والعبرة في كل الأمصار والأزمان ، واختلفت بعض كلماتها في الروايات المتعددة لها ، ولكن المعاني لم تختلف ، وكانت الآيات تتكرر أحداثها وإنما من زوايا مختلفة ، وفي سياقات متباينة ، تضيف إلى الصورة العامة للقصة وتبنى عليها . والحمد للّه ربّ العالمين .

  * * *

722 . قصة إدريس

يذكر القرآن إدريسIdrisضمن أنبياء آخرين ، قال :وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ( 85 ) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ( 86 ) ( الأنبياء ) ،
وقال :وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا ( 56 ) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا( 57 ) ( مريم ) ،
وإدريس إذن كان من الصابرين - أي على طاعة اللّه واجتناب معاصيه ، وأدخله اللّه في رحمته ، أي جعله من أهل الجنة ، وكان صالحا ، وصدّيقا نبيّا . ولا شئ آخر يذكره القرآن عنه ، غير أنه في الأدب الديني له قصص ، لا سند لها ولا مرجع ، وكلها من الإسرائيليات عن الأدب اليهودي الديني الشفهى ،
قالوا : هو أول من خطّ بالقلم ، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط ، وأول من نظر في علم النجوم والحساب ؛ واسمه « إدريس » أعجمي بدليل عدم صرفه ، إلا أنهم قالوا أنه من الفعل درس دراسة ، فهذا الدارس ، لأن إدريس كان قارئا للكتب ، وباحثا في العلوم . وقيل فيه إنه اطّلع على الجنة والنار ، وصعد به إلى السماء الرابعة ، وقبضت روحه فيها ، وأنه يسكنها ، ولمّا كان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم في المعراج ، وعرّج به إلى السماء ، أتى على إدريس في السماء الرابعة ، أخرجه مسلم .
وقال أصحاب الإسرائيليات : إن إدريس هو النبىّ أخنوخ ، وقال نولدكه إن إدريس هو أندرياس ، أو أندراوس ، وأنه استشهد أو ربما غرق ، أو أنه رفع كما رفع إيليا والمسيح ، فذلك معنى قوله تعالى في القرآن :وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا( 57 ) .
واسم أخنوخ الذي قيل إنه إدريس معناه « الشاطر » ، ويترجمونه أحيانا « حنوك ، وابن أخنوخ هو متو شالح ( تكوين 5 / 18 - 21 ) ، قيل إن أخنوخ أو إدريس هو السابع من أحفاد آدم من نسل شيث .
وفي التوراة كما في القرآن أنه كان من الصدّيقين والصابرين ، صدق مع اللّه وصبر على طاعته ( تكوين 5 / 22 ) ، وعاش ثلاثمائة وخمسا وستين سنة ( تكوين 5 / 23 ) ، وكان الكاتب برناردشو يرى أن هذه السن هي المناسبة أن يعيشها المفكر ليفيد مما قرأه وخبره عن الحياة . وفي التوراة أيضا يأتي أنه رفع إلى السماء ، لأنه دعا ربّه أن لا يجرّب الموت ( رسالة بولس إلى العبرانيين 11 / 5 ) ،
وذلك طبعا من أكاذيب اليهود ، لأنه لا أحد إلا يموت :كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ( آل عمران 185 ) ، وعند العرب من أصحاب الإسرائيليات أن إدريس قبض في السماء الرابعة أو السادسة ، وذلك أنسب ، فأينما كان لا بد أن يموت ، واللّه تعالى وحده الذي يعلم أين نموت ، يقول :وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ( لقمان 34 ) .
وفي القصة أن أخنوخ أو إدريس رجا جبريل أن يحمله إلى السماء ليدعو اللّه أن يؤخّر أجله ، فيزداد شكرا وعبادة ، فقال جبريل : إن اللّه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها ؟ !
وتقول الرواية : إن جبريل حمله معه ، حتى إذا كانت السماء الرابعة التقى بملك الموت فعرف إدريس ، فقال لجبريل إن اللّه قد كتب أن أقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فكنت أعجب : وما الذي يأتي بإدريس إلى السماء الرابعة ؟
ثم إنه قبض روحه في السماء الرابعة ! ولأخنوخ أو إدريس سفر كالأسفار يسمى سفر أخنوخ من أسفار اليهود ، وأخنوخ نفسه كان من الأنبياء الصغار ، وسفره مثله صغير في حجمه من مائة وثمانية فصول ، كتبت بالأرامية ، ولها ترجمة يونانية غير كاملة ، والنسخة الكاملة مكتوبة بالحبشية ، وترجمت عن اليونانية التي ترجمت عن الآرامية ، وهي عبارة عن رؤى عن الآخرة والمسيح المنتظر ، ولهذا لم يعتبر اليهود هذه النسخة من النّسخ المعترف بها ، ومن الواضح أنها نسخة محرّفة ومكتوبة في العهد المسيحي ، ويزعم كاتب هذه النسخة أن المسيح كان موجودا قبل خلق العالم ، وأنه سيكون شاهدا على الناس ، وسيئول إليه أمر دينونتهم .

وربما لهذه الافتراءات على إدريس لم يذكر في القرآن إلا في آيتين ، واعتبره القرآن كذلك من الأنبياء الصغار ، ولم تكن له فيه مداخلات توضع موضع شك أو تكذيب ، فذكره في أضيق الحدود .
  * * *

723 . قصة قوم ثمود

ثمود في التاريخ والقرآن ثمودThamud، وقوم ثمودThamudenesمن واقع التاريخ وليسوا من أساطير الغابرين ، وثبت وجود ثمود في كتابات سرجون ( نحو 715 ق . م ) ، ومؤلفات أرسطو ، وبطليموس ، وبللينى ، وكانوا من الأقوام أو الشعوب البائدة ، وقيل كانوا ينسبون إلى ثمود بن عاد بن إرم بن نوح ، وكانوا في سعة من العيش ، فخالفوا أمر اللّه وأفسدوا في الأرض ، فأرسل إليهم صالحا نبيا .
قيل : هو صالح بن عبيد بن آسف بن كاشح بن عبيد ابن حاذر بن ثمود ، وكل هذه الأسماء لا تعدو أن تكون تكهنات لا يوجد ما يثبتها .
وكان قوم ثمود عربا ، وكان صالح أوسطهم نسبا وحسبا ، فظل يدعوهم إلى أن شاخ ، وما استجابوا له إلا قليل منهم كانوا مستضعفين .
وكانت مساكن ثمود - كما ثبت من الحفائر - بالحجر بين الحجاز والشام إلى وادى القرى ، وهم من ولد سام ، وسميت ثمود لقلة مائها ، من الثّمد وهو الماء القليل . والمستشرقون .
ومنهم فلا يشر ، وكوسان دى بيرسيفال ، وشبرنجر ، وجلازر ، وهوروفتس ، وكيتانى ، وجريمه ، ومينستر ، وفيلبى بيرجر ، على القول بأن قصة صالح من ثمود لها أساس من الواقع ، إلا أنهم متحيّرون : من أين استقى محمد اسم صالح ؟ ،
ومن أين أتى بقصة الناقة مع قوم ثمود ؟ ويعيبون على القرآن أنه يذكر أن العرب لم يأتهم نبىّ من قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم يأتي أن الأنبياء صالح وهود وشعيب كانوا عربا ، وهناك فرق بين أن يكون النبىّ من العرب ، وأن يكون من العرب ، فالعرب أشباه عرب ، وإن لم تكن لغتهم العربية ، ولا تعارض إذن كما يزعم المستشرقون .
وناقة صالح هي معجزته إليهم لمّا سألوه أن يأتيهم بمعجزة ، وقوله تعالى :أَخُوهُمْ صالِحٌ( الشعراء 142 ) لأنه منهم ، وكان لهم رسول أمين ، صدقهم القول وقدّم لهم خالص النصح : وكانت أحوالهم دليل فضل اللّه عليهم ، فقد كانت لهم جنات وعيون وزروع ونخل طلعها نضيد ، وبيوت فارهة ينحتونها من الجبال .
وكانت ناقة صالح كما طلبوها ، عشراء ، ترد الماء فتشرب ، وتغدو عليهم بمثله لبنا ، وكانت تشرب كفايتها من الماء أول النهار لتسقيهم اللبن آخر النهار ، وكان ما تشربه يعادل ما تشربه بقية مواشيهم وأرضهم وأهاليهم ، فجعلوا الماء قسمة بينها وبينهم ، واشترط عليهم صالح أن لا يمسّوها بسوء ، ولكنهم عقروها وندموا ، ولات حين مناص فقد أخذهم العذاب .
والذين أوعزوا بعقرها كانوا رهطا تسعة ، وهؤلاء كانوا المسرفين المترفين من ثمود أبناء الأشراف ، واتهموا صالحا بأنه مسحور ، وأن عقله قد بطل ، واستعجلوا بالسيئة قبل الحسنة ، واطيّروا به وبمن معه ، ودبّروا لقتله وأن يباغتوه وأهله ليلا ، ويشهدوا أنهم ما حضروه ولا رأوه ، وكانت الناقة فتنة فأوعزوا بقتلها ليوغروا الناس عليه ، وفي الأسطورة أن الذي قتلها اسمه قدار ، والعرب تسمى الجزّار قدارا ، تشبيها بقدار هذا قاتل ناقة صالح . فكانت عاقبة مكرهم أن دمّروا وقومهم أجمعون .
وكانت بيوت ثمود ما تزال بادية الأثر إلى عهد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، ولذا قال تعالى :فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا( النمل 52 ) ، وهذا هو الدرس المستفاد من القصة يعيه الذين يعلمون ، أن اللّه ينجّى المؤمنين ويعذّب المكذّبين .

  * * *
724 . أصحاب الحجر هم ثمود
الحجر يطلق على معان ، منها حجر الكعبة ؛ ومن معانيها الحرام كقوله تعالى :حِجْراً مَحْجُوراً( 22 ) ( الفرقان ) أي حراما محرّما ؛ والحجر : العقل ، كقوله :لِذِي حِجْرٍ( 5 ) ( الفجر ) .
والحجر ديار ثمود في الآية :وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ( 80 ) ( الحجر ) ، وسميت سورة الحجر باسم هذه الديار ، وكانت بين مكة وتبوك ، ويطلق على الوادي هناك اسم وادى الحجر .
وأصحاب الحجر هم قوم صالح ، وفي الآية أنهم كذّبوا المرسلين ، ولكنا لم نعرف منهم إلا صالحا وحده ، فمن جاءوا قبل صالح ومهّدوا له ، وكذلك من تبعوه من الأنبياء ، جميعهم كذّبوهم . ولما نزّل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم الحجر في غزوة تبوك ، أمرهم ألا يشربوا من بئرها ، ولا يستقوا منها ، ومن فعل ذلك وعجن عجينه بمائها ، كان عليه أولا أن يهرق الماء ، وأن يعلف الإبل العجين ثانيا ، وأن لا يستقى إلا من بئر تردها الناقة ، ونبّه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم على من كانوا معه ، لمّا مروا على الحجر ، فقال : « لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين ، حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم » .
ويأتي عن أصحاب الحجر في الآيات :وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ( 81 ) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ ( 82 ) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ( 83 ) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ( 84 ) ( الحجر ) ،
وآياته تعالى لهم هي الناقة ، وكانت فيها آيات جمّة خارقة ، جميعها من الغيب ، ولا يعلم الغيب إلا اللّه ، وفي تفسير ذلك قيل إن الناقة خرجت من صخرة ، وعند خروجها كانت على أهبة الولادة ، وكانت على هيئة عظيمة فلم تشبهها ناقة مما نعرف ، وكثر لبنها حتى كان يكفيهم جميعا .
وكانت لصالح آيات أخرى كالبئر وغيرها ، ولكن أصحاب الحجر أعرضوا عنها ولم يعتبروها ، وكانوا يتخذون من الجبال بيوتا ، أي ينحتونها في الجبال ، والنحت في الجبال يحتاج لقوة ، وعرفوا بطول القامة وبالقوة والبأس ، وعاشوا لذلك آمنين ، ولكنهم عبدوا غير اللّه ، وجحدوا رسالة صالح إليهم ، فأنذرهم ، ثم أتاهم العذاب في وقت الصبح ، وأخذتهم الصيحة فما أغنى عنهم ما كان لهم من أموال وحصون في الجبال ، ولا ما أعطوه من قوة ، وسبحان المعزّ المذلّ .

  * * *

725 . ثمود وأخوهم صالح وناقة اللّه

تناولت قصة « ثمود وصالح والناقة » : إحدى وعشرون سورة ، وكانت أول سورة تعرضها هي سورة الفجر ، ثم النجم ، ثم الشمس ، ثم البروج ، ثم ق ، ثم القمر ، ثم ص ، ثم الأعراف ، ثم الفرقان ، ثم الشعراء ، ثم النمل ، ثم الإسراء ، ثم هود ، ثم غافر ، ثم فصّلت ، ثم الذاريات ، ثم إبراهيم ، ثم الحاقة ، ثم العنكبوت ، ثم الحج ، وأخيرا التوبة .
وكانت القصة بحسب هذا الترتيب كالآتى :
في سورة الفجر في قوله تعالى :وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ( 9 ) : أن ثمود كانوا جبابرة يبنون بيوتهم من الصخور يقطعونها من الوادي ؛ وفي سورة النجم في قوله :وَثَمُودَ فَما أَبْقى( 51 ) أن من أوصافه تعالى أنه يميت ويحيى ، وأنه أهلك الذين لم يؤمنوا من الأمم القديمة ، ويضرب المثل بثمود فلم يبق على أحد منهم ؛
وفي سورة الشمس في قوله تعالى :كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها ( 11 ) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ( 12 ) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها ( 13 ) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها ( 14 ) وَلا يَخافُ عُقْباها( 15 ) :
أن ثمود كانت أمة يشيع فيها الطغيان والظلم ، وأن رسول هذه الأمة كان له آية معجزة هي الناقة ، وطلب منهم أن يتركوها لشأنها ترعى وتشرب من ماء اللّه ، فجحدوا ما قال واستصغروه ، وعقروا الناقة وذبحوها ، فاستوجبوا غضب اللّه عليهم ، فدمر قراهم ، وهدم ما كانوا يبنون حتى سوّاه بالأرض ، وهو اللّه الكبير المتعال والمنتقم الجبار ،
وكل عقاب ينزله بالمستعجبين لعقابه ، هو المتحمّل لنتائجه ، لأن لكل عقاب خطير كهذا ، نتائج خطيرة مثله ، ولا بد أن يتحملها من هو أهل لها ، وذلك هو اللّه ؛
وفي سورة البروج في قوله تعالى :هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ( 17 ) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ( 18 ) : أن ثمود كانوا مثل قوم فرعون ، بهم بأس وقوة وبطش ، فكذبوا المرسلين ، واللّه يعلم ما يدبّرون ، فأنزل بهم العذاب وأحاط بهم ؛
وفي سورة ق في قوله تعالى :كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ( 12 ) : أن ثمود كانوا مثل قوم نوح وأصحاب بئر الرس من المكذّبين ، وهؤلاء سبقوا ثمود ،
وفي سورة القمر في قوله تعالى :كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ( 23 ) فَقالُوا أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ( 24 ) أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ( 25 ) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ( 26 ) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ( 27 ) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ( 28 ) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ ( 29 ) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ( 30 ) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ( 31 ) :
أن ثمود كذّبوا كافة إنذارات نبيّهم صالح ، واستكثروا أن يعظهم واحد منهم ، وأن يسألهم أن يتّبعوه وهو الواحد وهم الكثرة ، ولو فعلوا لضلوا وفقدوا عقولهم ، وقالوا : هل من العقل أن نقبل أن يخصّ من بيننا بالرسالة ؟

واتهموه بأنه كذّاب في ادعائه النبوة ، وأنه والغ في الكذب ، واللّه يعلم من الكذّاب ، ويوم القيامة يعلمون كذلك . وطلبوا مكابرة آية منه عبارة عن ناقة لها بركات وكرامات خاصة ، وقبل نبيّهم صالح طلبهم بعد استئذان ربّه ، واشترط عليهم أن يكون لها يوم لا تشرب فيه ماءهم وتدر عليهم لبنها ، وأن يكون لهم يوم يشربون فيه الماء فلا يسقون اللبن ، وارتضوا الاتفاق ،
إلا أنهم نقضوه بعد فترة ، وتصدّى أشقاهم وأسوأهم للناقة فعقرها ، وما كان من الممكن أن ينقضوا العهد لو لم يكونوا من الكفرة المكذّبين ، فعذّبهم اللّه ، وأرسل عليهم صيحة اخترقت حاجز الصوت ، فحطّمت هياكلهم ، وفتتت أجسامهم حتى صارت كالهشيم المحتظر ، أو كيابس أوراق الشجر من نوع ما يوضع في حظائر الحيوان ؛
وفي سورة ص في قوله تعالى :كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ( 12 ) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ( 13 ) : انضم من المكذّبين إلى ثمود : قوم نوح ، وقوم عاد ، وآل فرعون وأصحاب الرس ، وقوم لوط ، وأصحاب الأيكة ، وأولئك هم الأقوام الذين اشتهروا في الديانات بأنهم تحزّبوا ضد أنبيائهم ، وأنهم عذّبوا أيما عذاب ؛
وفي سورة الأعراف في قوله تعالى :وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ( 73 ) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( 74 ) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ( 75 ) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ( 76 ) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 77 ) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ( 78 ) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ( 79 ) :
 أن صالحا كان أخا لهم ، يعنى من ثمود نفسها ، وأن دعوته كانت التوحيد ، وأن بيّنته كانت الناقة جعلت آية ومعجزة ، وسيّبت حرة للّه تدرّ لبنها على من يطلبه من فقرائهم ومستضعفيهم ، وهؤلاء كانوا المصدّقين والمؤمنين ، بينما الأغنياء استكبروا وكانوا عاتين ، وعقرا الناقة نكاية في صالح ، وفي الفقراء والمستضعفين ، لأنهم صدّقوا صالحا ،
وكانت الناقة تدرّ عليهم لبنها وتسقيهم ، وتحدّوا صالحا أن يأتيهم عذاب اللّه ، فارتجت الأرض من تحتهم وتزلزلت من قبل أن تأتيهم الصيحة ، وفرّوا إلى بيوتهم يخلدون فيها منتظرين ، وصالح يزعق فيهم : لقد أبلغتكم رسالة ربّى ونصحت لكم ولكنكم لا تحبون الناصحين ؛
وفي سورة الفرقان في قوله :وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ( 38 ) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً( 39 ) : أن المكذّبين من الأمم القديمة لم يقتصروا على عاد وثمود وغيرهم ممن ذكرنا ، ولكنهم كانوا كثيرين ، وإنما الذين ذكروا بأسمائهم كانوا لضرب الأمثال ، وجميعهم تبّروا تتبيرا وأهلكوا هلاكا ؛ وفي سورة الشعراء في قوله :كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ( 141 ) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ ( 142 ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( 143 ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 144 ) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ( 145 ) أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ ( 146 ) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 147 ) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ( 148 ) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ ( 149 ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 150 ) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ( 151 ) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ( 152 ) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ( 153 ) ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 154 ) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ( 155 ) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 156 ) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ ( 157 ) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ( 158 ) :
أن المرسلين إلى ثمود لم يقتصروا على صالح وإنما أبرزهم صالح ، ووعظهم بالحسنى ، وذكّرهم أنه لا يطلب منهم عطاء ، ولا مالا ، ولا جاها ، فأجره على اللّه . وحذّرهم أن اللّه لن يتركهم هكذا يرفلون في النعيم ولا يعرفون الفضل له ، فلقد أعطاهم الكثير ، فبساتينهم وارفة ، ومجاريهم عامرة بالماء ، وزروعهم صحيحة ، ونخلهم وافر الغلة وتمره حلو المذاق ، وبيوتهم فارهة بنوها من صخور الجبال ، فكان عليهم أن يؤمنوا ويشكروا ولا يطيعوا المسرفين منهم ، الذين أعملوا في الأرض الفساد ولا يصلحون ، فاتهموه بأنه مسحور مضيّع العقل ، وأنه لا يعدو أن يكون بشرا مثلهم ، وأولى به أن تكون له آية ، إن كان صادقا ،
فكانت آيته الناقة ، لها شرب في يوم معلوم ولهم شرب ، واشترط أن لا يمسوها بسوء وإلّا نالهم عذاب يوم مشهود ، فعقروها ، فأخذهم العذاب ، فكان عذابهم أو قصتهم آية ، وما كان أكثرهم مؤمنين ؛
وفي سورة النمل في قوله :وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ ( 45 ) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 46 ) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ( 47 ) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ( 48 ) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ ( 49 ) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 50 ) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ( 51 ) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 52 ) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ( 53 ) :
أن ثمود حيال ما يدعوهم إليه صالح صاروا فريقين كما أسلفنا :
فريق المترفين وأصحاب الجاه والسلطان ، وهؤلاء هم المنكرون المعارضون ،
وفريق الفقراء المستضعفين المضطهدين الكادحين ، وهؤلاء آمنوا ،
وكانت للفريق الثاني في الناقة منافع ، فكانوا يستطعمونها ، وأعلن المستقوون الحرب على المستضعفين ، واستعجلوا السيئة ، وبرروا بغضهم للدعوة والداعي بأنهم اطيّروا به وبمن معه ،
وكان على رأس حزب المترفين تسعة أنفار من المفسدين ، ممن نسميهم « كبراء البلد » ، تآمروا على قتل صالح وأهله ، فباغتهم اللّه ودمرهم جميعا ، وبيوتهم الخاوية أثر من الآثار تشهد عليهم ، ونجىّ اللّه المؤمنين ؛ ولكل ما سبق يأتي في سورة الإسراء : أنه ما منع اللّه أن تكون للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم آية ،
إلا أن الأولين كذّبوا بآياته ، مع أنها آيات يخوّف اللّه بها المكذّبين ، كقوم ثمود ، آتاهم الناقة ضخمة يراها كل ذي عين مبصرة ، وكانت آية في شكلها وطعامها ولبنها ، إلا أنهم لم يؤمنوا وعاندوا :وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً( 59 ) ؛
وفي سورة هود : تختلف المشاهد والكلمات وزوايا الرؤية ولا تختلف المعاني ، فاعتراضهم على دعوته ينبع من أن مضمونها متعارض مع مضمون ما كانوا يعبدون وآباؤهم ، فلما ذا يريدهم أن يؤمنوا بإله واحد ؟
وأن يفترضوا أن الوجود في الدنيا إنما بغاية استعمارها ؟
وذكّروه بأنه كان في موضع الاحترام والتقدير منهم ، فلما ذا يختار أن يعارضهم ؟
وارجعوا ذلك إلى أسباب خفية مريبة ، فأقواله : كانت ثورة تقلب المجتمع قلبا ، وتلغى الطبقات ، وتؤاخى بين الفقير والغنى ، وتؤسّس الاجتماع على التكافل ، وهذه مبادئ خطيرة لن يرضوها ، ولن يتخلى هو بدوره عنها ، لأنها من اللّه تعالى ، فهكذا خلق العالم ، وهكذا ينبغي أن يكون .
والإيمان هو شرط قيام « مدينة اللّه » التي يحلم بها المصلحون .
وكان ما كان من أمر الناقة ، يقول اللّه تعالى :وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها 
فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ( 61 ) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ( 62 ) قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ( 63 ) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ ( 64 ) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ( 65 ) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ( 66 ) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ( 67 ) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ( 68 ) .
والجديد في هذه الآيات عمّا سبقها أنه حدد لهم لوقوع العذاب ثلاثة أيام ، والعدد ثلاثة من أعداد اللّه كالعدد سبعة ، ولولا أن نزل العذاب كوعد صالح لكان قد لحقه الخزي ، ولكنه اللّه غالب أمره ،
ونجّى اللّه صالحا والمؤمنين ، وأمات الظالمين بالصيحة ، جعلتهم جاثمين هامدين ، كأن لم يكونوا من أهل الدنيا ، وكانت لهم من قبل حركتهم ومعايشهم فيها ، وكانت جريمتهم أنهم كفروا فبعدا لهم .
وكتب اللّه نفس المصير لمدين شعيب ، كقوله :وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ( 94 ) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ( 95 ) ( هود ) ؛
وفي سورة فصّلت ذكر أن العذاب كان بالصاعقة ، فقال :فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ( 13 ) ، وقال :وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ( 17 ) ولا فرق بين الصاعقة والصيحة ، فالصاعقة من الصعق وهو شدّة الصوت ، تقول صعق الرعد أي اشتد صوته ، وإذن لم يخطئ القرآن كما يقول المستشرقون ، والصاعقة تصف الصيحة ، وفي التعريف أن الصاعقة هي صيحة العذاب .
وفي سورة الذاريات إضافة أخرى هي وصف للجثوم ، تقول :وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ( 43 ) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ( 44 ) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ( 45 ) ، يعنى أن جثومهم كان عجزا عن القيام ، حيث الصيحة أصابتهم بالعىّ الحركي .
ثم في سورة إبراهيم لمحة أخرى ، تقول :أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ( 9 ) ، فلما جاءتهم الدعوة « ردّوا أيديهم في أفواههم » ،
أي عضّوا على أيديهم غيظا ؛ وهذه لمحة جديدة من لمحات ما فعلت ثمود تعبيرا عن ضيقهم بصالح تنضاف للمحات الأخرى وتنفرد بها الآية ؛ وفي سورة الحاقة تأتى معلومة جديدة عما
كذّبوه من الدعوة ، بقوله تعالى :كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ( 4 ) ،
وما كذّبوه هو قول صالح بيوم القيامة ، وصفتها الآية بأنها « القارعة » ، لأنها تقرع الناس بالذعر ، وتقرع السماوات بالانفطار ، والأرض بالتصدّع ، والأجرام بالتشقق والانتثار ؛
وفي سورة العنكبوت : يأتي وصفهم بأنهم كانوا مستبصرين ، يعنى كانوا أهل علم ودراية ، فقد كانت لهم عمارة متقدمة في البناء دلت عليها مساكنهم ، وأصحاب العمائر مخططون ومهندسون ومع ذلك غووا الضلال وعتوا مفسدين ، قال تعالى :وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ( 38 ) ؛
وأخيرا يجيء في سورة التوبة عن ثمود - وهي السورة قبل الأخيرة من سور القرآن بحسب التنزيل : أن كفار مكة ما كان لهم أن يكذّبوا وقد عرفوا ما حاق بالأمم السابقة قبلهم :قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( 70 ) ،
والدرس المستفاد من كل هذه الآيات قوله تعالى في سورة الحج :وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ( 42 ) ، فهذه ست وعشرون آية في ثمود وصالح والناقة ، وفيما كان منهم ، عرضها القرآن للعظة والاعتبار ، ولتسلية الرسول صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين . والحمد للّه رب العالمين .

  * * *
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 19 أكتوبر 2023 - 14:53 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

726 . قصة الرهط التسعة مع النبىّ صالح

أرسل النبىّ صالحSalihإلى ثمود برسالة التوحيد :فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ( 45 ) ( النمل ) ، فقدّموا الكفر وأخّروا الإيمان ، ودعاهم صالح أن يستغفروا لعلهم يرحمون ، فكانت حجّتهم عليه :اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ( 47 ) ( النمل ) .وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ( 48 ) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ( 49 ) ( النمل ) ،
والرهط : هم الجماعة ، قيل هم تسعة ، والجمع أرهط وأراهيط ، وكانوا رؤساء يتبع كل واحد منهم رهط . والمدينة هي مدينة صالح ، وهي الحجر جنوبي تيماء من وادى القرى .
وهؤلاء التسعة كانوا من أولاد المترفين ، وهم أصحاب المال والسلطان ، وكل فساد في الأرض لا يتأتّى إلا من المترفين ، ومن سيطرة رأس المال على مقدّرات الناس ، وعلى التشريع والحكم ، ومن ذلك قوله تعالى :وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ( 116 ) ( هود ) ،
وقوله :وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ( 34 ) ( سبأ ) ، وقوله :وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً( 16 ) ( الإسراء ) .
والكلام في أسماء هؤلاء التسعة ، وهم الرؤساء ، نوع من الرجم بالغيب ، ولا تنضبط الرواية فيهم ، وكلها من باب التخمين ، ولا يعلم أسماءهم إلا اللّه ، وإلا وهب بن منبه - هذا اليهودي الذي أسلم وملأ كتب تفسير القرآن بالإسرائيليات ، قال : أسماؤهم : الهذيل بن عبد ربّ ، وغنم بن غنم ، ورياب بن مهرج ، ومصدع بن مهرج ، وعمير بن كردبة ، وعاصم بن مخرمة ، وسبيط بن صدقة ، وسمعان ابن صفى ، وقدار بن سالف ، وهؤلاء التسعة لمّا أعياهم أمر صالح تآمروا عليه ، والأشرار دائما أغبياء ، ولو كان التسعة على شئ من ذكاء ، لقارعوا الحجة بالحجة ، ولكن الطريقة السهلة للشرير الغبي هي اللجوء للقتل ، وهو إعدام للخصم وجوديا ، ظنا بأن الحال سيبقى بعد قتله على ما هو عليه ، غير أن ظهور النبوّات ، وخروج المفكرين والمصلحين بالثورات ، لا يكون دائما إلا بعد نضوج مواصفات التغيير في المجتمع، وسواء كان على يد صالح أو غير صالح، فسيتم ذلك إن آجلا أو عاجلا.

والتسعة الأشرار ، أو عصابة التسعة ، تقاسموا أن يبيّتوا لصالح ولأهله ، والتبييت : هو المباغتة ليلا ، والإجهاز عليهم وقتلهم ، فإذا سئلوا ، يتعلّلون لمن يطالب بالثأر لصالح ، أنهم ما كانوا حاضرين ، وهو ما يسميه أهل القانون « إثبات الغياب عن مسرح الجريمة وقت ارتكابها » .
وهؤلاء التسعة وأرهطهم هم أنفسهم الذين دبّروا قتل الناقة ، فلمّا أنذرهم صالح بالعذاب وأمهلهم ثلاثة أيام ، قدّروا أن يتخلصوا منه ، ومكر اللّه تعالى بهم كما مكروا بصالح والناقة ، وما كان لهم أن يأمنوا مكر اللّه وله المكر جميعا ، والمكر لا يحيق إلا بأهله ، فلم يشعروا بما يحاك لهم ، فجاءتهم الصيحة بغتة فأهلكتهم أجمعين ، ودمّروا تدميرا ، وهلك التسعة فيمن هلك ، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ، وقد خلت الحجر عن أهلها ، وصارت العمائر خرابا وآثارا لا يسكنها ساكن ، وفي ذلك آية لقوم يعلمون ويستخلصون العظات والعبر ، ونجىّ اللّه الذين آمنوا بصالح ، وكانوا من المتّقين ؛
وقيل رجما بالغيب إنهم كانوا نحو أربعة آلاف ، وقيل أيضا بلا سند ولا مرجع : أن قتل الناقة كان يوم أربعاء ، وأن هلاك من هلك كان يوم أحد ، وأن الصيحة جاءتهم صحوة ، وكان صالح قد خرج بمن معه إلى حضرموت ، ومات هناك ، فسميت لذلك حضرموت ! وبنى من بقي من ثمود مدينة إلى جوار حضرموت سميت على ما قيل « حاضورا » .
وهكذا تنتهى قصة التسعة باندحار الشرّ ، وإفلاس الأشرار ، وانتصار قوى الخير وجنود اللّه ، والعاقبة دائما وأبدا للمتّقين ، ولعل أعداء الإسلام الآن يبلسون كما أبلست عصابة التسعة ، وندعو اللّه أن ينصر المسلمين ، والحمد للّه رب العالمين .

  * * *   
قصة هود

727 . هود في التوراة والقرآن

يكذّب المستشرقون من أمثال : هيرشفيلد ، وفون كريمر ، وجايجر ، وسيل ، ومولين ، وهوروفتس ، وجود نبىّ اسمه « هودHud» ، ومرجعهم في ذلك التوراة ، ومع ذلك فقد نسبوا « هودا » كما ورد عنه في القرآن - هكذا يقولون - إلى عابر ، أحد أجداد إبراهيم الذي ينسب إليه العبرانيون ، ولا أدرى من أين أتوا بهذا الكلام من القرآن ؟ ومن أي سورة ؟ فلا يوجد في القرآن ذكر لعابر ! !
وعابر في التوراة هو الجد السابع لإبراهيم ( التكوين 11 / 14 - 26 ) ، ومع ذلك يأتي في التوراة أيضا أن اسم العبرانيين أضفاه عليهم الكنعانيون ، فسمّوا إبراهيم : إبراهيم العبراني ( تكوين 10 / 24 و 11 / 14 و 14 / 13 ) ، لأنه عبر نهر الفرات إلى فلسطين ، أو لأنه كان بدويا رحّاله ، يسافر عابرا وينتقل من مكان إلى مكان ، ومن أرض إلى أرض .
واسم « العبراني » ليس إذن اشتقاق من اسم جدّ أكبر اسمه عابر كما يزعمون .
ويدأب المستشرقون أن ينسبوا كل ما يأتي به القرآن إلى اليهود ، واختلقوا لذلك أنسابا لهود ، فقالوا : إن الاسم « هود » من « هود » العربية بمعنى اليهود ، وقالوا : إن « القرآن » يأتي فيه اسم « هود » بمعنى اليهود ثلاث مرات ، كقوله تعالى :وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا( البقرة 135 ) فمحتمل أن معنى « هود » هو « النبىّ اليهودي » ، وخاصة أنه أرسل إلى قوم عاد باليمن وحضرموت وعمان ، وهؤلاء كان بهم كثرة من اليهود .
إلا أن « هودا » صيغة جمع ، والمفرد هائد ، فلو كان المقصود باسم النبىّ هود أنه من اليهود ، لكان اسمه هائد وليس هودا صيغة الجمع . ويريح هيرشفيلد دماغه ويعلن ببساطة أنه لا وجود لنبىّ باسم هود ، وأن الاسم ملفّق ، وحكايته على منوال حكاية محمد مع أهل مكة ، وأن محمدا اخترع هذه القصة وألّفها خصيصا لهم ليقنعهم برسالته هو نفسه ! !
مع أن القرآن قد ورد به قوله تعالى :وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ( العنكبوت 38 ) ، يعنى أن آثار مساكنهم كانت ما تزال موجودة أيام النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، يراها العرب في رواحهم ومجيئهم رأى العين ، ويعرفون أنها أطلال مدينة عاد ، فلو كانت قصة هود رمزية، فهل كان يرد ضمنها الإشارة إلى مساكن قوم هود إن لم يكن لهؤلاء الناس وجود أصلا؟!

  * * *

728 . أصحاب الأيكة

يأتي عن أصحاب الأيكةPeople of the Thicketأربع مرات في القرآن في قوله :وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ ( 78 ) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ( 79 ) ( الحجر ) ؛
وقوله :كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ( 176 ) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ ( 177 ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( 178 ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 179 ) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ( 180 ) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ( 181 ) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ( 182 ) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( 183 ) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ( 184 ) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ( 185 ) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ ( 186 ) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 187 ) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ ( 188 ) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 189 ) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ( 190 ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ( 191 ) ( الشعراء ) ؛
وقوله : وكَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ( 12 ) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ( 13 ) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ ( 14 ) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ( 15 ) ( ص ) ؛
وقوله :كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( 12 ) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ( 13 ) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ( 14 ) ( ق ) .

وتناول المستشرقان دالمان وهوروفتس قصة أصحاب الأيكة وجعلا منها مسألة كبرى يدللون بها على غموض القرآن ، وأن آياته ليست كما وصفت :آياتٌ بَيِّناتٌ( العنكبوت 49 ) ،
وأن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لم يوضح المقصود بأصحاب الأيكة كما قالت الآية :وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ( النحل 44 ) ؛ ويعلم اللّه أن هذين المستشرقين لكاذبان ،
ففي سورة الشعراء يأتي أن أصحاب الأيكة هم أهل مدين ، بدليل أن نبيهم كان شعيبا ، وكل نبىّ يكون من قومه ، والعهد بالقرآن أن ينسب النبىّ إلى قومه ، فيقول مثلا : « أخوهم شعيب » ، كما في الآية 84 من سورة هود ،
ولكنه في سورة الشعراء الآية 177 لم يفعل ذلك وقال : « شعيب » فقط ، والسبب أنه تعالى نسبهم إلى ما يعبدون وهي الأيكة ، وإن كان شعيب أخاهم على الحقيقة نسبا ، والمستشرقان لم يفطنا لذلك فظنا أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين ، والصحيح أنهم أمة واحدة ، وإنما جاء وصفهم في كل مناسبة بما يناسبها ، فلما كانت مناسبة الوعظ فقد وعظهم بنفس ما وعظ به أهل مدين ، فدلّ ذلك على أنهم أمة واحدة .
والأيكة شجرة ، قيل أنهم عبدوها - أي أنزلوها من أنفسهم منزلة التقديس ، فعبادة الطبيعة عموما من العبادات القديمة ، وما تزال عند بعض الناس إن لم نلحظها عندهم ،
وقامت فلسفة ماكس مولر على قوله : بعبادة الطبيعةNaturismus، وفي علم النفس والطب النفسي لدينا تعشّق الأشجارDendrophilia: وهو الكلف الشديد عند بعض الناس وبعض الشعوب ، بالأشجار ، كلفا لا يعلم له سبب ، ويذهب بعض علماء النفس إلى القول بأن تعشّق الأشجار أو عبادتها هو نوع من الولع الجنسي ، حيث تكون الأشجار رمزا للقضيب ، ويكون تعشق الأشجار في حقيقته تعشقا للقضيب ، وتعشق القضيب أو عبادته كانت من العبادات القديمة ، ونراه كثيرا عند بعض الرسّامين ، وعند المرضى النفسيين ، فإذا كان الكلف مرضيا بلغ حدّ الهوس ، وتحفل الآثار المصرية واليونانية والرومانية بصور وتماثيل لعبادة الأشجار من هذا النوع المرضى ، ويروى أطباء النفس عن حالات لمرضى يتحدثون مع الأشجار ويواعدونها ويبثونها لواعج أشواقهم ، ويحتكون بها ويقبّلونها ، وقد يستمنى المريض أثناء ذلك .
فلا عجب إذن أن يكون أصحاب الأيكة من هؤلاء ، أو أنهم كانوا من الأثرياء من أصحاب الغياض ، كقولنا الآن من « أصحاب الضياع » .
والأيكة هي الغيضة ، والغيضة هي مجتمع الشجر حيث مغيض الماء ، وهو مكان تجمّع الماء. والغيضة أيضا هي الغوطة .
وكانت مدين مشهورة بغياضها أو أيكها ، وربما سميت مدين باسم الأيكة لكثرة الأيك بها ، فدلّ شجر الأيك على القرية ورمز لها وصار اسمها .
وقد نسأل عن كنه هذا الشجر ، فنقول إنه ربما شجر الدوم ، وهو وإن ندر الآن ، إلا أنه ما يزال يوجد منه ببلادنا ، وهو شجر عظيم الهيئة ، ويسمونه أيضا المقل ، من فصيلة النخليات ، وسوقه متشعبة ، ويستخرج من ثماره نوع من الدبس - أي العسل ، ويناسب المناخ الحار .
وربما كانت الأيكة غيضة من أشجار السدر والأراك ونحوهما من نواعم الأشجار ، مما ينبت عادة في أمثال هذه البيئة ، والسدر هو النبق ، والأراك واحدته أراكة ، وهو شجر له شوك ، وسيقانه طويلة ، ويكثر ورقه وتشتبك أغصانه ، وتتّخذ منها المساوك ( جمع سواك ) .
وتلك الأنواع من الأشجار : المقل ، والسدر ، والأراك ، قديمة ، وكانت في الماضي تنبت بكثرة في بيئات كبيئة مدين ، وهي نادرة الآن . وكانت تتميز بالأغصان الملتفة ، فتتشابك الأشجار مع بعضها البعض ، وتصلح أن يستظل بها ، والآيات في قصة أصحاب الأيكة تتحدث عن يوم الظلة ، وهو يوم عذاب أهل مدين الذي حاق بهم لمّا كذّبوا نبيّهم وسلكوا معه كالأراذل ، ومنعوا الناس الحقوق ، وعاثوا في الأرض مفسدين ، وأنكروا اللّه ، وأصرّوا على الإنكار ، واستبدّ بهم الاستكبار حتى التحدّى أن ينزل شعيب عليهم كسفا من السماء .
ومن فضائل تلك الآيات أمثال هذه المصطلحات الإسلامية : « يوم الظلة » و « أصحاب الأيكة » ، وذهب قولهم :فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ( 187 ) ( الشعراء ) مثلا من فرائد الأمثال التي يستشهد بها .
والكسف جمع كسفة وهي القطعة والجانب من الشيء ، تقول أعطاني كسفا من ثوبه يعنى قطعا منه .
وفي يوم الظلة هذا أسقط اللّه عليهم هذه الكسف التي سألوه إياها ، حتى أنهم استظلوا منها تحت هذا الأيك الكثير ، ثم جاءتهم الصيحة أو الرجفة فأخذتهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، والديار هي القرى حيث مساكنهم .

ولم يكن من فراغ أن المستشرقين قالوا بأنه من غير الواضح أن أصحاب الأيكة هم أهل مدين ، فمن العرب من ذهب هذا المذهب أيضا ، وقال : إن الظلة ، كانت سحابة غطّت قرية الأيكة فعظمت بها الحرارة ، حتى أن النار اشتعلت في الأيك فأتت عليه وعلى أصحابه ، فكان عذابهم في هذا اليوم هو عذاب الحريق .
وأما عذاب أهل مدين فكان بالصيحة أو الرجفة التي أخذت الظالمين منهم . وبناء عليه فإن أصحاب الأيكة غير أهل مدين .
غير أن النقد الموجه لهذا القول أنه لا ذكر للحريق في يوم الظلة ، ويجوز أنهم استظلوا من وقدة الشمس بالأيك ولكن عذابهم كان بالصيحة أو الرجفة ، والرجفة لها صيحة أو ضجيج عظيم .
ويضعف من هذا الرأي أن عذاب الصيحة كان للظالمين فقط من أهل مدين ، بينما أخذ أصحاب الأيكة جميعا .
وقد يردّ على ذلك بأنه لا تعارض بين أن يقال إن الظالمين من أهل مدين هم الذين أخذوا بالصيحة وانتقم منهم ، وبين أن يقال إن أصحاب الأيكة - وهم من أهل مدين ، قد شملهم هذا العذاب أيضا ولكنهم خصّوا بعذاب أكبر لعظم جرمهم ، ولأنهم ظلموا أكثر من غيرهم ، ولربما كان « عذاب الصيحة » لذلك للسواد من الناس ، بينما « العذاب العظيم » الذي هو « عذاب التحريق » لخاصة الذين وصفوا بأنهم أصحاب الأيكة ، وهم طبقة الملّاك من أصحاب الغياض .
وفي الآية :وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً( هود 84 ) أنهم بنو مدين ، كما يقال مضر والمراد بنو مضر ، أو أن مدين مدينتهم فنسبوا إليها .
وجريمة هؤلاء كما في الآيات التي تحكى عنهم ، هي نفس جريمة أصحاب الأيكة التي تذكرها آياتهم وتتكامل تماما مع آيات أهل مدين .
والآيات في الحالتين تأتى بعد الآيات عن قوم لوط ، وهذا التجاور في الآيات ينبئ عن تجاوز في المكان ، بمعنى أن قرى قوم شعيب وأصحاب الأيكة كانت قريبة من قرى لوط . فإن كان قوم شعيب بخلاف أصحاب الأيكة فهما على الأقل جماعتان لأمة واحدة ، فكان نبيّهما واحدا .
والآيات في القرآن التي تشير إلى تجاور قرى لوط وقرى شعيب تشملها أربع سور ، هي :

الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والعنكبوت ، ويثبت هذا التجاور المكاني أكثر بالآية :وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ( 79 ) ( الحجر ) ، والإمام المبين هو المكان الواضح المشرف على طريق ،
وكل من يسير في هذا الطريق يرى آثارهما :وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ( 76 ) ( الحجر ) ، والسبيل هو الطريق ، والمقيم أي القائم بمعنى أنه ما يزال موجودا .

  * * *   

729 . شعيب أو يثرون في القرآن والتوراة

شعيب هو نبىّ أهل مدين ، أو بنى مدين ؛ وفي التوراة ( تكوين 25 / 2 ) أن شعيبا كان من نسل مدين بن إبراهيم من زوجته قطورة ، وكانت قد ولدت له ستة من الأبناء ، ومدين رابعهم ، وأنجب مدين عيفة ، وعفر ، وحنوك ، وأبيداع ، وألداعة ، ومن هؤلاء كان بنو مدين الذين أرسل إليهم شعيب ، واسمه بالمديانى يثرونJethro،
وفي التوراة هو يثرو ، ومعناه بالعربية الفضل أو ذو الفضل ، أي المتفضّل على الناس ، أو صاحب الفضيلة والإحسان ، وأما الاسم شعيب فهو عربى خالص ، والمستشرقون يتعجبون من أين جاء به محمد ؟
فلا توجد مراجع معروفة فيها ذكر لاسم شعيب هذا ، ولكنه في العربية تصغير لشعب ، وتقال للمصلح ، فيكون شعيب أنه مصلح صغير ، فالاسم العربي أليق به ، وكان شعيب من الأنبياء الصغار حقا ، فلم يكن له كتاب ، وما كان المؤمنون به كثرا .
فلما كثرت أقواله عن اللّه دعوه رعوئيلReuel، يعنى خليل اللّه ، وتقوم شهرة شعيب عند الإسرائيليين على استضافته لموسى بعد هروبه من مصر ، وقد ظل يرعى له غنمه مدة أربعين سنة في زعمهم ، وتروى التوراة قصة موسى في سفر الخروج في الفصول الثاني والثالث والثامن عشر ،
فلمّا قتل موسى المصري منتصرا للإسرائيلى مثله ، وشاع الخبر وطلبه فرعون ، هرب إلى مدين ، وأسست التوراة شعيبا « كاهن مدين » ، فهو ليس من الأنبياء عندهم .
وكانت له سبع بنات جئن يوما يستقين ويملأن المساقى ليسقين غنم أبيهم ، فطردهم الرعاة ، وكان موسى بالقرب فرأى ذلك ، وقام مروءة يسقى لهن ، فهو القوى الذي لا يغلب ، وقصّت البنات القصة على أبيهن ، وأنهن لذلك عدن مبكّرات ، ووصفن موسى بأنه مصرى ، وأرسل له الأب ابنته صفورة يدعوه مكافأة له ، واستضافه ، وزوّجه هذه الابنة ، واسمها يعنى العصفورة ، فربما كانت ضعيفة البنية، وذهب موسى يوما في رعيه للأغنام بعيدا حتى جبل حوريب، وهناك كلّمه الربّ وعهد إليه ليتوجه إلى مصر نبيا.
فلما عاد موسى بعد الخروج من مصر ، ونزل عند جبل حوريب ، وسمع شعيب بعودته ، وكانت زوجة موسى عنده وقد صار له منها ولدان ، فأخذهم شعيب إلى موسى ، وعند جبل حوريب شاهده يقضى بين الناس ، ونصحه أن يعيّن قضاة لهذه المهمة ويتفرغ لتعليم الفرائض والشرائع ، وفعل موسى ما أشار به عليه ، وهذا هو كل ما ذكرته التوراة عن شعيب .
وأما في القرآن فالأمر مختلف ، والحكاية تروى بكاملها وببلاغة لا مثيل لها ، وتترى أحداثها وتحفل بالتفاصيل ، قال :وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ( 22 ) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ( 23 ) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ( 24 ) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 25 ) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ( 26 ) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 27 ) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ ( 28 ) فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ( 29 ) ( القصص ) .
وفي هذه الآيات وغيرها مما سنورده بعد ، يظهر جليا التفاوت بين روايتي القرآن والتوراة ، ورواية القرآن طويلة وفيها صراعات وخلافات ، ورواية التوراة قصيرة ولا نعرف ما دار بين شخوصها ، وفيها أن بنات شعيب كن سبعة ، وذهبن جميعا يستقين ؛ وفي رواية القرآن أنه لم يكن له إلا ابنتان ذهبتا للمورد ، والبنت الكبيرة كانت الناصحة لأبيها ، وطلبت منه أن يستأجر موسى ، فخير من يستأجر هو « القوى الأمين » ، فكأنها بذلك قد وصفت موسى خير الأوصاف ، وكأنه أعجبها ، وهذا ما جعل الأب يعرضها على موسى للزواج . وقصة القرآن تؤرّخ لأهل مدين في كل أحوالهم ، ومنها نلم بالكثير من عاداتهم وأعرافهم ، فالرعاء الذكور يسقون قبل الإناث ؛ ومورد الماء يجتمع عنده الناس ، فربما يستأجر القادر العاطل ؛ والنساء قد ترعى الأغنام وتزود عنها ، فلم يكن ذلك محظورا عندهم ولا العرف يأباه .
ومنذ البداية يظهر قوم شعيب بهتا مطلا لا مروءة عندهم ، ولا يصلح للتعامل معهم إلا القوى كموسى ، ولذا زحمهم موسى وغلبهم على الماء حتى سقى ، وهذا الغلب هو الذي وصفته إحدى ابنتي شعيب بالقوة ، فلما أمرها أبوها شعيب أن تستحضر موسى جاءته على استحياء في غير خراجة ولا ولاجة ، وعرض عليه شعيب أن يستأجره ، كما نصحته ابنته ، وأن يزوّجه إياها . وفي الإسلام عرض عمر ابنته حفصة على أبى بكر وعثمان ، وعرضت الموهوبة نفسها على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فقد يرى الولي أن يعرض وليّته ، وقد ترى المرأة أن تعرض نفسها ، اقتداء بالسلف الصالح ، ولا يعتد بأن شعيبا زوّج ابنته دون رأيها ، فإنها مما قالته عن موسى كانت راغبة فيه ، والرغبة رضا ، ورضا الولية شرط للزواج لأنها بلغت حدّ التكليف . وقوله : « أريد أن أنكحك » نستدل منه أن النكاح موقوف على التزويج والإنكاح .
وقوله : « إحدى ابنتي هاتين » يدل على أنه عرض لا عقد ، لأنه لو كان عقدا لعيّن المعقود عليها ، ولو أن سياق القصة يفهم منه أن المعروضة ضمنا هي التي أرسلها إليه لاستحضاره وهي الكبرى صفورة ، وهي التي خاطبته أن أباهما شيخ كبير ، وأنهما لا يسقيان حتى يصدر الرعاء ، وكثير من المفسرين قالوا إنها الصغرى وهذا غلط غالبا ، لأن الكبرى هي الأكثر حنكة ودراية ، وهي مشيرة أبيها الأمينة ، ولا يعتد باسمها صفورة يعنى العصفورة أنها الصغرى ، وواضح أن موسى دخل على امرأته بعد الاتفاق وحين العقد ، وكان صداقه رعيه الغنم وشروعه في الخدمة ، والرعى والسّقى والحرث مسمى الخدمة ، والأجل حدّده شعيب ثماني حجج ، فإن أتمّ موسى عشرا فمن عنده ، أي أنه وكل الاثنتين الزيادة إلى مروءة موسى ، ومن هذه المدة عرفنا أن العقد ثماني أو عشر سنوات .
وقام زواج موسى من ابنة شعيب على الكفاءة ، والكفاءة هي المعتبرة في النكاح ، ويصح جواز الموالى كموسى إن تحقق الأب من دينه ورأى من حاله وأعرض عما سوى ذلك .
ولم يشهد النبيّان على عقدهما أحدا من الخلق ، وكان شاهدهما اللّه ، فقالا معا : « واللّه على ما نقول وكيل » ، وينعقد النكاح في هذه الحالة دون شهود ، لأن عقده عقد معاوضة ، فلا يشترط فيه الإشهاد وإنما الإعلان والتصريح .
وقوله : « فلما قضى موسى الأجل » ، فيه أنه قضى الأجل الأبعد ، لأنه أجل المروءة ، وقضى عشر سنوات في خدمة شعيب ، « وسار بأهله » يعنى ذهب بزوجه وولديه وخرج من مدين ، وفي ذلك دليل على أن أهل الرجل تتبعه حيثما ذهب لما له من فضل القوامية .

فهذه هي الفوائد في قصة شعيب مع موسى في القرآن ، وليس منها شئ في قصة التوراة ، والتوراة في قصة موسى مع شعيب كالأرض الجرداء تخلو من الخير ولا تزوّد بإفادة .
ويقول تعالى مخاطبا موسى :فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ( طه 40 ) ، والسنين هي السنوات العشر التي قضاها وفاء لعقده مع شعيب ، وذلك قوله تعالى : « فلما قضى موسى الأجل » ، و « الفاء » عاطفة تفيد الترتيب والتعقيب ، و « لما » حرف وجود لوجود ، أو وجوب لوجوب ، أو ظرف لفعل وقع لوقوع غيره ، ولذلك فمدة إقامة موسى بمدين لم تكن أربعين سنة كما تقول التوراة ! ولكنها بالتأكيد عشر سنوات لا غير !

وأمّا قصة شعيب مع أهل مدين ، فإنهم كانوا أهله وفيهم عشيرته ، ولذا قال تعالى :وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً( الأعراف 85 ، وهود 84 ، والعنكبوت 36 ) ،
ومدين بقرب « معان » من طريق الحجاز ، ولذا قيل شعيب عربى ، وكذلك صالح وهود وإسماعيل ، اعتمادا على أن مدين من جزيرة العرب ، وهذه حجة لا يعتد بها ، فقد كانت خيبر من جزيرة العرب وكان أهلها يهودا ، وكذلك كانت لليهود قبائل وقرى في اليمن ولم يكونوا يمنيين .
ولا ذكر في التوراة لما كان شعيب ( يثرو ) يحدّث الناس به ، وكما قلنا : لم تكن له دعوة ، إلا أنه في القرآن يأتي تفصيلا عنه :وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 85 ) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( 86 ) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ( 87 ) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَ وَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ ( 88 ) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ( 89 ) وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ( 90 ) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ( 91 ) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ ( 92 ) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ( 93 ) ( الأعراف ) .
وفي هذه الآيات حسن مراجعه من شعيب لقومه ، وكانوا أهل كفر وبخس للمكيال والميزان ، ويعيبون الأشياء ويزهّدون فيها ، ويخادعون في قيمتها ، ويأكلون المال بالباطل ، ويفسدون في الأرض ، ويرتكبون المعاصي ، ويستحلّون المحارم وسفك الدماء ، ويقعدون بالطرق ، ويقطعون السبل ، ويسلبون الناس ، واشتغلوا عشّارين ومتقبّلين ومكّاسين .
والعشّار : هو الذي يتقاضى العشر كزكاة مال ، والمتقبّل : الذي يرضى لنفسه أن يأخذ من الجباية أكثر مما يقتضى ، والمكّاس الذي يأخذ ما لا يلزم شرعا من الوظائف المالية بالقهر والجبر .

وقول شعيب :أَ وَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ( 88 ) ( الأعراف ) أي لو كنا كارهين أن نخرج من قريتنا ، تجبروننا على الخروج وعلى ترك مساكننا وأهلينا ، أو أن نعود إلى ملّتكم ؟ وهذا هو الإكراه في الدين ، مارسه الآخرون ويمارسونه على المسلمين ، وما مارسه المسلمون عليهم يوما ، لا في الماضي ولا في الحاضر .
وقوله:« رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ »هي دعوة المسلمين دوما كلما حاق بهم الظلم وأحاط بهم الطغيان.
والصيحة التي نزلت بالظالمين هي الرجفة أو الزلزلة ، فإما أنها صيحة زلزلت الأرض من تحتهم ، أو أن الزلزلة كانت لها صيحة أي ضوضاء تصم لها الآذان ، وترجف المساكن ، ويستحيل بها العالي سافلا والسافل عاليا .

وفي كلمات مشابهة ومعان متماثلة ، مع بعض الاختلاف ، يأتي أيضا في شأن شعيب وأهل مدين قوله تعالى :وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ( 84 ) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( 85 ) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ( 86 ) قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ( 87 ) قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ( 88 ) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ( 89 ) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ( 90 ) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ ( 91 ) قالَ يا قَوْمِ أَ رَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ( 92 ) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ( 93 ) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ( 94 ) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ( 95 ) ( هود ) ،
وفي هذه الآيات : أن شعيبا أخ لأهل مدين ، والدعوة في الأبيات هي نفس الدعوة في الآيات السابقة ، وفيها من المأثورات من جوامع الكلم مثل قوله :بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، وقوله :وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وقوله :كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ.

ومما ترويه هذه الآيات من الأنباء عن مدين وشعيب : أن أهل مدين كانوا بخير ، يعنى في رغد من العيش ، إلا أن الفساد قد استشرى فيهم ، وأنزل أقوياؤهم الظلم بضعفائهم ، وما أثارهم على شعيب إلا أنه أراد إبطال عبادتهم للأصنام ، وما كانت عقيدتهم إلا نتاج نظامهم في الحكم القائم على تسيّد الأقوياء اجتماعيا وسياسيا ، وسيطرة الأغنياء على الاقتصاد ، فكرهوا من شعيب أن يبدّل فيما استقر فكرهم عليه ، وما قامت عليه مجتمعاتهم ،
وكان شعيب قد آمنت به قلة وطبّقوا طريقته المغايرة ، فدرّت عليهم الرزق الطيب الحلال ، فأطلع أهل مدين على ما فيه وأصحابه من الخير ، ودعاهم أن ينهجوا نهجه ، وما كان يطمع في أجر منهم إلا أن يصلحهم ما استطاع .
ولم يكن وصفهم له بالحليم الرشيد إلا تأنيبا ، فما كانوا يتوقعون منه وهو الحليم أن يطلب إليهم أن يطيعوه ، وأن يأمرهم أن لا يطففوا الكيل ولا أن يبخسوه ، وما انتظروا منه وهو الرشيد أن يطلب إليهم أن يغيّروا ما درجوا عليه وآباؤهم .
ويستمر حجاجه معهم ، يقول : لا تحملنكم معاداتى على ترك الإيمان فيصيبكم ما أصاب قوم لوط جيرانكم ، ولو استغفرتم وتبتم لرحمكم اللّه وهو الرحيم الودود .
ولكنهم لجّوا في جدالهم ، وذكّروه أنه فيهم الضعيف لولا رهطه ، أي عشيرته ، وإلا كانوا رجموه ، ومن الرجم أن يزلقوه بألسنتهم ، ومنه أن يرموه بالحجارة فقد كان عندهم من الصابئين ، وكان عذرهم أقبح من ذنبهم ، فأن لا يقربوه خوفا من عشيرته مع أن اللّه تعالى أحق أن يخشوه ، هو من قلة فهمهم وسوء تفكيرهم ، ولمّا أيس منهم لم يجد إلا أن يسلّم أمره إلى اللّه ،
فقال قولته المشهورة :اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ،وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ، أي استمروا واثبتوا إذن على ضلالكم فأنا ثابت على إيماني وقد صرت على بيّنة من ربّى .
وقوله من الدروس المستفادة ، فلا رجاء في فرض رأى على الناس بالقوة ، ولا سبيل لنشر دعوة إلا بالإقناع ، والأمر موكول لهداية اللّه لمن يشاء له الهدى .
ولم يهتد قوم شعيب أو أهل مدين - « أصحاب الأيكة » ، وجاء أمر اللّه فجعلهم مثلا في الغابرين ، وألحقهم بأهل ثمود جيرانهم ، فأصبحوا هلكى في ديارهم كأن لم يغنوا فيها ، فبعدا لهم ، والبعد هو اللعنة .

والدرس المستفاد من هذه القصة ومن غيرها ، عن الأمم التي لم تزل قائمة ، أو التي دالت وصارت حصيدا : أن أمثال هذه القصص لم تذكر في القرآن كأخبار أو معلومات ، وإنما عظة وعبرة ، وأن لكل أمة أعمالها تستوفيها ، وأن الظلم شرك باللّه ، وأن الحقّ لا بد أن يزهق الباطل ، ويمحو اللّه الباطل ، وأن الإسلام هو دين الحق ، وكان دين الأنبياء جميعا ، فمن تبعهم فقد أسلم لربّ العالمين . والقصة بذلك ذكرى للذاكرين .
  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الخميس 19 أكتوبر 2023 - 15:04 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب السابع القصص في القرآن من 721 الى 740 من موسوعة القرآن العظيم الجزء الأول د. عبد المنعم الحفني

730 . أصحاب مدين

هم المذكورون في الآية :وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ ( 42 ) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ( 43 ) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ( الحج ) ، ومدين على البحر الأحمر من أعمال السعودية ، وتحاذى تبوك ، وبها البئر التي استقى منها موسى ، كقوله تعالى :وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ( القصص 23 ) .
ومدين اسم قبيلة تسكن مدين ، وهم المعنيون بقوله تعالى :وَأَصْحابُ مَدْيَنَ، ويسمون أيضاأَهْلِ مَدْيَنَ( طه 40 ) ، وهم قوم النبىّ شعيب .

  * * *

731 . قصة القرية الظالمة

ترويها الآيات :وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ ( 11 ) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ( 12 ) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ( 13 ) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ( 14 ) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ( 15 ) ( الأنبياء ) ،
وقالوا اسم هذه القرية حضور ، وكانت بأرض الحجاز من جهة الشام ، وبعث إليهم نبىّ اسمه شعيب بن ذي مهدم ، وهو غير شعيب قوم مدين وقبر شعيب حضور هذا باليمن ، بجبل يقال له ضنين ، كثير الثلج .
ووقعت قصة هذه القرية قبل عيسى بزمن ، وبعد سنين من سليمان ، وقام أهلها بقتل نبيّهم ، وكان أصحاب الرّس قد قتلوا في نفس الوقت تقريبا نبيا لهم اسمه حنظلة بن صفوان ، وأنزل اللّه العذاب بقوم حضور على يد بختنصر ، فهذا وصف اللّه لها بأنها قرية ظالمة ، فقد كان أهلها مترفين ، فلما أحسّوا أنهم ارتكبوا الذنوب وكفروا باللّه ، لجأوا للفرار خوفا من انتقامه تعالى ، فطالت بهم الغربة بعيدا عن بلادهم ، ولم ينزل بهم أي عذاب ، فعادوا إلى ما أترفوا فيه ، وعمّروا مساكنهم من جديد ، فكان أن سئلوا مرة أخرى ، فاعترفوا هذه المرة بأنهم ظلموا أنفسهم حين لا ينفع الاعتراف ، فما زالوا يرددون أنهم « ظلموا أنفسهم » ، وما زالت تلك دعواهم « يا ويلنا » ، إلى أن حصدهم العذاب حصدا ، وهلكوا للأبد ، فتلك قصة القرية الظالمة .

  * * *

732 . تبّع وقومه : من يكونون ؟

يذكر تبّع وقومه في القرآن مرتين ، في الأولى قوله :أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ( 37 ) ( الدخان ) ؛ وفي الثانية قوله :وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ( 14 ) ( ق ) . والأقوال في تبّع كثيرة ولا شئ منها مؤكد ، والسياق في الآية الأولى فيه من قبل ذلك إنكار قريش للبعث ، قالوا :إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ ( 34 ) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ( 35 ) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ( 36 ) ( الدخان ) ،
وكان أبو جهل يقول : يا محمد ! إن كنت صادقا في قولك فابعث لنا من آبائنا قصىّ بن كلاب ، فإنه كان رجلا صادقا ، لنسأله عمّا يكون بعد الموت - وقول أبى جهل أضعف الشبهات ، لأن اللّه تعالى لا يعيد الناس إلّا للجزاء ، وأبو جهل يريد إعادتهم للتكليف ! وقوله كقول من قال : إن كان اللّه يقدر أن ينشئ بعدنا قوما من الأبناء ، فلم لا يرجع من مضى من الآباء؟! وهذا معنى فَأْتُوا بِآبائِنا.
والسؤال كان مطروحا على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وما يزال مطروحا من قبل ورثة علم أبى جهل ، وهم الملاحدة والعلميون والتنويريون ، ويجبهون به المسلمين في كل حين .
وردّه تعالى عليهم في الماضي وحتى اليوم والغد :أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ ( 37 ) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ( 38 ) ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( 39 ) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ( 40 ) ( الدخان ) ،
والردّ من نوع استفهام الإنكار ، فما هؤلاء الملحدون خير من قوم تبّع وغيرهم من الأمم البائدة ، وأسئلتهم ومطالبهم وحججهم هي نفس الأسئلة والمطالب والحجج ، وأولئك أبادهم اللّه وأهلكهم ، فكذلك يفعل في هؤلاء ، والنبت الخبيث يستأصله ، وما لا ينفع الناس لا يمكث في الأرض ، واستئصالهم لأنهم مجرمون ، والمجرمون نقيض المسلمين ،
واللّه يقول :أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ( 35 ) ( القلم ) ، وسبيل المجرمين الاستكبار على الحق ، وما كانوا ليؤمنوا باللّه ولا بمن يدعو إليه ، وفي التصنيف الإسلامي للأمم والناس : أن منهم « مجرمين » وهؤلاء هم المكذّبون للرسل ، أو المكذّبون للحق عموما ، ومن المجرمين عتاة يسميهم القرآن « أكابر المجرمين » ، يقول :وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها( الأنعام ) ،
وقانونه تعالى في الدعوات :وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ( الفرقان 31 ) ، والمجرمون هم الأخسرون ، والإنكار في قلوبهم متمكن ، ولذلك يفترون ، ولهم الصغار - أي المذلة - في الدنيا والآخرة ، ومن هؤلاء كان قوم تبّع ، ولم يكن أحد مثلهم في ظهور النعمة وكثرة الأموال ، ولا كان أحد يضاهيهم في العزة والمنعة .
« وتبّع » ليس اسما ينسبون له ، ولكنه لقب رجل من المؤمنين الصالحين ، كقوله تعالى : « قوم نوح » ، و « قوم لوط » ، و « قوم إبراهيم » ، و « قوم هود » ، و « قوم صالح » ، و « قوم يونس » ، وكان ملوك اليمن يقال لهم « التبابعة » ، والواحد تبّع ، كما نقول الخليفة ، أو كسرى ، أو قيصر ، أو رئيس الجمهورية .
وربما سمّى كل واحد تبّعا لأنه يتبع من قبله ، فهم خلفاء لبعضهم البعض ، واشتهر منهم : الحارث الرائش بن همال ذو السدر ، وأبرهة ذو المنار ، وعمرو ذو الأذعار ، وشمر بن مالك ، وقيل : كان منهم أيضا من يدعى أفريقيس بن قيس ، وهذا ساق البربر إلى إفريقية من أرض كنعان ، وقيل : وبه سميت إفريقية ! !

والظاهر من الآيات أن المقصود يتّبع واحد من هؤلاء الذين ذكرنا أسماءهم من المشهورين ، وكان العرب يعرفونه لا باسمه ولكن بلقبه ، فكان يقال : « تبّع » فقط دون أن يعقبه الاسم .
ومن التفسيرات العجيبة أن ابن كثير ينسب للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم حديثا يقول : « ولا أدرى أتبّع لعين أم لا » أو قال : « لا أدرى ألعين تبّعا أم لا ؟ » فنسب إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم أنه لا يدرى ! كالقائلين باللاأدرية !
فكيف يكون ذلك وكان جبريل يعلّمه ؟ وكان القرآن يتنزّل على قلبه ، لا بحرفه فقط ، وإنما به وبمعناه ؟ فهل لو كان لا يدرى في أمر كهذا تافه ، أيؤتمن على تبليغ رسالة ؟
ومما يذكره ابن كثير أيضا عن أحمد والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه الحديث : « لا تسبّوا تبّعا فإنه كان مؤمنا » ، فهو إذن عين ، يعنى شخصا بعينه ، قيل هو أبو كرب أسعد الذي كسا البيت حبرات ، وفي الحديث لعائشة : « لا تسبّوا تبّعا فإنه كان رجلا صالحا » ، يعنى : أنه كان عينا ، وقيل كان من قبائل حمير : فإن شاء القارئ أن يحتسب تبّعا اسما كان بها ، وإن شاء أن يحتسبه لقبا فالأمر سيان ، فالمهم هو العظة من ذكر قوم تبّع هذا .
وقيل إن أهل اليمن يفتخرون بهاتين الآيتين في هؤلاء القوم ، ففي الآية الأولى يأتي أنهم - قوم تبّع أو أهل اليمن ، وكانوا أعزّ من قريش وأكثر منعة ، وفي الثانية أدرجوا مع أصحاب الأيكة من أهل مدين وهؤلاء هم طبقة الملّاك أصحاب الأغياض ، وفي الآيتين أنهم كانوا على خير حال لولا الإنكار للحق .
غير أن الآيتين تشتملان على ذمّ ظاهر لقوم تبع ، واقتصر الذمّ عليهم دون تبّع نفسه ، وضرب اللّه بهم المثل لقريش لقربهم من ديارهم ، ولأنهم كانوا عظاما في أنفسهم ، فلما أهلكهم ومن قبلهم دلّ ذلك على أنهم كانوا مجرمين لا يفتخر بهم ، فبينما قوم تبّع لم يؤمنوا آمنت قريش ودخلت في الإسلام جميعها بعد الفتح .

والدرس المستفاد من قصة تبّع وقومه : ما حوته الآيات الثلاث الأخيرة عن القصة كما وردت في سورة الدخان ، وهي الآيات 38 و 39 و 40 : أن الناس ، من الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، عليهم أن يؤمنوا باللّه ، فالإنسان لم يخلق عبثا ، ولم يكن الكون بلا غاية ، والتفكير واجب ، والتدبّر ضرورة ، والعلم باللّه لا يتأتى إلا بالعلم بما خلق ، فكما أن هذا العالم مستمر في الوجود استمرارا حقا ، فخالقه لا بد هو الحق ، ولم يكن خلقه له إلا لإقامة الحق وإظهاره ، وتوحيد الخالق والتزام طاعته ، وما منع الناس أن يفعلوا ذلك إلا لأن أكثرهم لا يعلمون ، فالجهل سبب الإنكار ، ولقد أمروا أن يسيروا في الأرض ، ويعلموا عن الكون ، ويعرفوا قوانين اللّه فيه ، وإذن ما كان لهم أن ينكروا ، ويوم الفصل هو ميقات كل هؤلاء ، وميقات الطغاة الذين يمنعون شعوبهم أن تتعلم ، والمترفين الذين يجاهدون أن يظل الناس على جهلهم لتسهل قيادتهم ، ولتتيسر سرقتهم ، فلا يثورون ولا يتمردون ، ولا يطالبون بحق ، ولا بإبطال ظلم وإقامة عدل ، وحسبنا اللّه .
  * * *

733 . قصة أصحاب الجنة

الجنة : بستان من بساتين الأرض ، وهي أيضا نعيم اللّه في الآخرة ؛ وأصحاب الجنة : تطلق على أهل جنة الأرض ، وكذلك أهل جنة الآخرة .
وقصة أصحاب الجنة في القرآن : 
هي التي تعرضها سورة القلم من الآية 17 حتى الآية 32 ؛ والدرس المستفاد منها تعرضها السورة من الآية 32 حتى الآية 41 ، كالآتى :إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ ( 17 ) وَلا يَسْتَثْنُونَ ( 18 ) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ ( 19 ) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ( 20 ) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ ( 21 ) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ ( 22 ) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ ( 23 ) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ( 24 ) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ ( 25 ) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ( 26 ) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ( 27 ) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ( 28 ) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ( 29 ) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ( 30 ) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ ( 31 ) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ ( 32 ) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ( 33 ) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 34 ) أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ( 35 ) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 36 ) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( 37 ) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ ( 38 ) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ ( 39 ) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ( 40 ) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ( 41 ) ( القلم ) ،
كمثل لأهل مكة مضمونه : أنه تعالى ابتلاهم كما ابتلى أصحاب الجنة ، بالأموال والثمار ، ليشكروا لا ليبطروا ، فلما بطر أهل مكة نعمة اللّه عليهم ، ابتلاهم بالجوع والقحط كما ابتلى أصحاب الجنة .
والقرآن لا يهمه في القصص أماكنها أو أشخاصها ، وإنما اهتمامه بالدرس المستفاد ، ولكن المفسرين كدأبهم تكهّنوا : أين تكون هذه الجنة ، وفي أي زمان كان أهلها ؟
وقالوا : 
كانت بأرض اليمن بالقرب من الحجاز ، على مسافة قريبة جدا من صنعاء العاصمة ، وكانت لرجل يؤدّى حقّ اللّه فيها ، فلما مات آلت إلى ورثته ، فمنعوا الناس خيرها ، فكان هلاكها بما عصوا اللّه فيها .
وقيل : كانت هذه الجنة ببلدة اسمها « ضوران » ، بالقرب من صنعاء ، ووقعت في زمن قريب من زمن رفع عيسى عليه السلام . وقيل : كان أهلها بخلاء ، فإذا جدّوا التمر جدّوه ليلا حتى لا يدخل عليهم مسكين ، وأضمروا تنفيذ ذلك ، فغدوا على جنتهم فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت كالصريم - أي : كالأرض الجرداء .
وقيل : إن الطائف الذي طاف عليها كان جبريل فاقتلعها من جذورها .
وفي الأسطورة : أنه طاف عليها واقتلعها ووضعها حيث مدينة « الطائف » اليوم ، ولذا سمّيت الطائف ، وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غير الطائف .
وقيل : إن رجلا من قبيلة الصّدف يقال له الدّمون ، بنى حائطا حول البلدة وقال لأهلها ، بنيت لكم طائفا ، فسمّيت الطائف .
والدرس المستفاد من القصة : أن من حصد زرعا ، أو جدّ ثمرا ، فعليه أن يواسى منه المساكين ، وذلك معنى :وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ( الأنعام 141 ) ، وهذا الحصيد خلاف الزكاة ؛ وصاحب الأرض عليه أن يترك للمساكين ما أخطأه الحصّادون لقطا ، يتحرّاه المساكين بعض قوتهم .
غير أن أصحاب الجنة أقسموا أن يحرموهم منه ، وأن يجذّوا نخلهم مبكرين حتى لا يحضرهم مسكين ، وقدّروا أن لا يستثنون ، فعوقبوا على عزمهم ، فكأن الإنسان يؤاخذ بما عزم ، كقوله تعالى :وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ( 25 ) ( الحج ) .
وفي الحديث أن المسلمين يلتقيان بسيفيهما : « القاتل والمقتول في النار » ، قيل : هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟
قال صلى اللّه عليه وسلم : « إنه كان حريصا على قتل صاحبه » ، يعنى أنه عزم على ذلك ، وأصحاب الجنة قد غدوا على حرز قادرين ، أي عن قصد وقدرة في أنفسهم ، فعوقبوا باحتراق جنتهم ، فلما رأوا ما آلت إليه ، أدركوا خطأهم ، وأسباب حرمانهم من ثمرهم .
وفي الحديث : « إياكم والمعاصي ، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا كان هيئ له » ثم تلا :فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ.
وكان أوسط أصحاب الجنة أمثلهم وأعدلهم ، فقال : لولا تسبّحون ، يعنى : لولا أن قلتم سبحان اللّه والحمد للّه ، بدلا من أن تبيّتوا حرمان المساكين ؟
وتلاوموا ، وأقرّوا بذنبهم ، أنهم عصوا عندما حرموا الفقراء حقّهم ، وتابوا وأنابوا ورجعوا إلى اللّه !
والقصة وعظ كلها ، وتدعو للرجوع إلى اللّه عند كل ابتلاء ، سواء في الخير أو في الشر ، مثلما فعل أصحاب الجنة ، والرجوع إلى اللّه دأب المتّقين ، ويكافئهم ربّهم بالنعيم .
وقوله :أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، وقوله :ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، وقوله :أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ، وقوله :أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ، وقوله :سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ، وقوله :أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ كلها للتوبيخ والتقريع والإنكار عليهم ؛ والزعيم في الآيات : هو الضمين والكفيل ، والقائم بالحجة والدعوى .
وقوله :أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌذهبت مثلا جاريا .
والقصة بوقائعها ، والعظة المستخلصة منها ، والأسئلة التي تطرحها والردود عليها تجعل منها قمة في الإعجاز البلاغي ، وتصنعها قطعة حيّة من الحوار المنطقي المؤسّس على مقدمات سليمة وخواتيم لا تقبل الجدال ، فلا عجب أن ضربت مثلا لأهل مكة في حياة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وبعده لكل كفّار عنيد .

  * * *

734 . أصحاب الرّسّ كانوا من المكذّبين

يقص القرآن أحسن القصص ، ووجه الحسن في قصص القرآن أنها للتفكّر وللتدبّر وليست للّهو وإزجاء الوقت . ويأتي ذكر الكثير من الأنبياء في القرآن ، وبلغ عددهم فيه خمسة وعشرين نبيا ، وتناولت قصصهم ما جرى معهم من أقوامهم ، ومن الأقوام ما ذكر غير مرتبط بنبىّ من الأنبياء ، ومن ذلك أصحاب الرّسّ ،
قيل فيهم :وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ( 38 ) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً( 39 ) ( الفرقان ) ؛
وقيل :كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( 12 ) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ( 13 ) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ( 14 ) ( ق ) .
وهؤلاء الأقوام الذين وردت أسماؤهم سبقت إليهم الرسل ، فأنكروا عليهم وكذّبوهم ، فلم يكن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم عندما أنكره قومه بدعا إذن ، فموسى آتاه اللّه التوراة وجعل معه أخاه هارون ، فكذّبهما من أرسلا إليهم فدمّرهم اللّه تدميرا ؛ وقوم نوح كذّبوا الرسل فأغرقوا . ومن الذين أرسلت إليهم الرسل قوم عاد ، وقوم ثمود ، وأصحاب الرّسّ ، وأقوام بين ذلك كثيرون ، وكلهم تبّروا تتبيرا - أي أهلكوا إهلاكا ، كقوله :وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ( الإسراء 17 ) ،
وقوله :ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ( 42 ) ( المؤمنون ) ، والقرن هو الأمة من الناس يتعاصرون في الزمن الواحد ، فإذا ذهبوا وخلفهم آخرون فهم قرن آخر .
وأصحاب الرس ذكروا بين الأقوام ، وكانوا قرنا أدرجوا ضمن القرون ، وضربت لهم الأمثال ، أي الحجج ، والمثل يضرب للوعظ والتذكير ، فما آمنوا ، فحقّ عليهم العذاب ، ودمّروا تدميرا .

وفي التعريف بمعنى الرّس مذاهب كثيرة ، وفي كلام العرب الرّسّ هو البئر غير المطوية ، أي القديمة ، فمعنى أصحاب الرّس أنهم اشتهروا ببئر كانت لهم في واد يقال له الرّس ؛ أو أن نبيّا ظهر بينهم فعادوه وأنكروه واضطهدوه ، إلى أن رسّوه في هذا البئر حيا ، يقال رسّ الميت ، أي قبر ، ورسست رسّا ، أي حفرت قبرا .
وقيل : إنما غضب اللّه على أصحاب الرّسّ لمّا آذوا نبيّهم ، وكان اجتماعهم يكثر حول هذه البئر ، يسقون منها أغنامهم ، ويقعدون من حولها ، فلمّا اشتد طغيانهم ، وتمادوا في غيّهم ، واشتطّوا في أذى نبيّهم ، فبينما هم من حول البئر ومنازلهم مشرفة عليه ، انهارت بهم ، وخسف بديارهم ، وقيل : 
كان نبيّهم شعيب ، وأرسل إليهم وإلى أهل مدين وأصحاب الأيكة ، فربما الرجعة التي كانت بها أو منها الصيحة ، أودت بهم جميعا .
وقيل : ربما كانوا بقية من ثمود قوم صالح .
وقيل : 
بل أصحاب الرّس هم جماعة « صاحب يس » الذي قال لهم :يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ( 20 ) ( يس ) ، فقتلوه ورسّوه في بئر لهم يقال لها الرّس ، طرحوه فيها .
وقيل : إن القصة وقعت في أنطاكية ، وأن « مؤمن آل يس » الذي وأدوه في البئر كان اسمه حبيب النجّار .
وأغرب ما قيل ما نسب إلى علىّ بن أبي طالب ، فقد رووا عنه أن أصحاب الرّسّ كانوا قوما يقدّسون شجرة ، فكانوا يدعون عندها لتلبّى حاجاتهم ، فسبّ نبيّهم الشجرة وسخّفها لهم ، وكان من ولد يهوذا ، فقتلوه ورسّوه في بئر ، فأطلق عليهم أصحاب الرّس . وقيل فيهم : كانت جريمتهم التي دعا نبيّهم عليهم بسببها ، أن نساءهم كن مساحقات ، وذكورهم لواطيين ، فرسّوه في بئر عقابا له . وقيل : هم « أصحاب الأخدود » الذين ورد عنهم في سورة البروج .

وقيل : هم المقصودون بالآية :وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ( الحج 45 ) .
والخلاصة : أن أحدا لا يعرف ما هي حقيقة هؤلاء الناس ، وما قصتهم ، وما ذا فعلوا ؟
ويتبقى الدرس المستفاد من ذكرهم وآخرين من الأقوام معهم : أن لكل نبىّ عدوا من المجرمين من قومه سواء كان ذلك في زمنه ، أو فيما بعده من أزمان إلى قيام الساعة .
وأعداء محمد صلى اللّه عليه وسلم قديما كانوا قريشا من أهله ، ومن أهل الكتاب من غير أهله ، وما يزال أهل الكتاب حتى اليوم يناصبونه العداء ، ومنهم المستشرقون الغربيون ، ومنهم مثقفون من العرب أنفسهم ينهجون نهج المستشرقين وقد يدرجون ضمن المسلمين ، وهؤلاء يقال عنهم اليوم أنهم المستشرقون العرب أو المستشرقون الإسلاميون ، من تلاميذ المبشرين والمتأوربين والمتأمركين ممن تلقوا على الثقافة الغربية بأصولها المسيحية اليهودية ، فلما كانت المسيحية واليهودية تعاديان الإسلام ، عادى هؤلاء الإسلام كذلك ، ومن هؤلاء دعاة العولمة والعلمانية والليبرالية ، ومثلهم مثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها من راعيها ، فكذلك هؤلاء صاروا من الغى والضلال والجهل لا يفقهون مرامى معلّميهم ، وأهداف من يملى عليهم ، وهم كأصحاب الرّس ، ينكرون الإسلام ، ويقدحون في القرآن ، وفي النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، يريدون أن يرسّوا كل ذلك ويطفئوا نور اللّه ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون !

  * * *

735 . قصة البئر المعطلة والقصر المشيد

تنبّه إليها الآية :فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ( 45 ) ( الحج ) . والبئر المعطّلة : هي المتروكة ، الخالية من أهلها ودلائلها وأرشيتها ؛ والقصر المشيد : هو الحصين ، وفي الكلام مضمر محذوف أن القصر معطل مثل البئر . وقيل :
القصر والبئر بحضرموت معروفان ، فالقصر مشرف على قلّة جبل ، والبئر في سفحه ، وأصحاب القصر كانوا ملوك الحضر ، وأصحاب الآبار ملوك البوادي ؛ والقصر والبئر من الآثار ويشاهدان بحضر موت .
وقيل : بل المقصود بئر الرّس في الآية :وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ( الفرقان 38 ) ،
والآية :كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ( 12 ) ( ق ) ،
وكانت البئر بعدن بحضرموت ، في بلد يقال له حضور ، نزل بها من آمن بصالح ونجوا معه من العذاب ، فلمّا مات صالح سمّوا المكان « حضر موت » ، لأن صالحا مات فيه ، وحفروا بئرا حيث مات ، وبنوا عليها ، وأمّروا على حضر موت أحدهم ،
قيل : هو العلس أو الجهلس ابن جلاس بن سويد ، وجعلوا له وزيرا هو سنحاريب بن سوادة ، وكانت البئر تسقى المدينة كلها وباديتها ، وكانت لها بكرات منصوبة ، ورجال موكلون بها ، وأبازن من رخام - وهي شبه الحياض ، بعضها للناس ، وبعضها للدواب . وتقدم الملك في السن فكان يطلى وجهه ليظنوه ما يزال شابا ، فلما مات ، صنع أتباعه صنما يشبهه ، وجعلوا يتكلمون للناس من وراء الصنم كأنهم هو ، وادّعوا أن الملك لم يمت ولا يموت ، والناس بين مصدّق ومكذّب ، وكلما تكلم ناصح زجروه وقهروه ، فبعث اللّه إليهم نبيّا كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة ، قيل : كان اسمه حنظلة بن صفوان ، فأعلمهم أن الصنم لا روح فيه ، وأن ذلك كيد النهّازين والمحتالين من أصحاب المصلحة ، وحذّرهم سطوة ربّهم ونقمته ، فآذوه وعادوه ، وهو يتعهدهم بالموعظة ، حتى قتلوه في السوق ، فعند ذلك أصابتهم نقمة ، فباتوا شباعا رواء من الماء ، وأصبحوا والبئر قد غار ماؤها وتعطّل رشاؤها ، فصاحوا بأجمعهم ، وصرخ النساء والولدان ، وضجّت البهائم عطشا ، وعمّ الموت الجميع وشملهم الهلاك ، وخلفتهم في أرضهم السباع والضباع ، وتبدّلت جنّاتهم وأموالهم بالسّدر والشوك ، فلا تسمع فيها إلا عويل الرياح ، وعواء الذئاب .

وقيل : فأما القصر المشيد ، فقصر بناه شدّاد بن عاد بن إرم ، لم يبن في الأرض مثله فيما زعموا ، وأصبح حاله كحال هذه البئر في إيحاشه بعد الأنس ، وإقفاره بعد العمران ، فذكرهما اللّه في هذه الآية موعظة وعبرة وتذكرة .
  * * *
   قصة إبراهيم في القرآن 

736 . معنى الاسم : إبراهيم

تقول التوراة : كان اسم إبراهيم : أبرام وصار إبراهيم ، ومعنى هذا الاسم : « الأب الكبير » ، وبالسريانية « الأب الرحيم » وقيل : أصله « أبو رهام » ( تكوين 17 / 5 )
أي : « أبو الجمهور ، ويساوى عندنا قولنا :إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً( النحل 120 ) ، يعنى تجتمع فيه الفروع ، وينحدر من صلبه الكثيرون ، ولذا يقال عنه الأب الكبيرPatriarch، لأنه كان يحب أن تكون له أمة ، وأن يكثر أهله ، وكان يشملهم برحمته ، ويتسع لهم قلبه ، وربى أولاده فأحسن تربيتهم ، وتعهد أحفاده وعلّمهم علم الدنيا والآخرة ، فكان منهم الأنبياء ، فقيل عن إبراهيم إنه « أبو الأنبياء » ، ولو قلنا : إن آدم هو أبو البشر ، ونوحا هو أبو المؤمنين ،
فإن إبراهيم هو أبو الرحماء ، وتوجهت رحمته للأطفال خاصة ، وهو الذي كان يكنّ كل الحب لابنه إسماعيل ولمّا كان طفلا ، فجعل اللّه الفداء لطفل إبراهيم خاصة ، وجعل لافتدائه قصة هي قصة الذبيح ، وبسببها كان إبراهيم « أبو الأطفال » ، وفي الرواية في حديث الرؤيا عن سمرة : أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم رأى في الروضة إبراهيم عليه السلام وحوله أولاد الناس .

  * * *

737 . إبراهيم كان أمّة

قوله تعالى :إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً( النحل 120 ) ، يعنى كان إماما يجتبى ويقتدى للناس جميعا تأتم به ، واجتمعت فيه الصفات المؤهّلة للإمامة فكان كقوله تعالى :قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 120 ) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 121 ) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ( 122 ) ( النحل ) ،
ولهذا انعقدت له إمامة الدين وإمامة الدنيا وإمامة النبوّة ، وكان معلما وداعيا ، وكبيرا للمعلمين وللدعاة ، وكان مداد تعليمه :
الخير والدين ،
فكان أمة : لأنه جمع في نفسه كل صفات المؤمنين ، وكان مؤمنا وحده وكل الناس كفّار ، فكان إيمانه واجتماع أوجه الخير كلها فيه هو حسنة الدنيا أوتيها دون العالمين ، فالمؤمنون جميعهم يدعون :رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً( البقرة 201 ) ، ولم يتحقق ذلك بطريقة مرئية ومحسوسة إلا لإبراهيم وحده ، فآتاه اللّه حسنتى الدنيا والآخرة معا وحقّقهما له ، وهو الوحيد الذي وصفه اللّه تعالى فقال : « كان أمّة » فلم يجعل هذه الصفة لأحد سواه .

  * * *

738 . محاجاة اليهود والنصارى في إبراهيم

يحاجى اليهود والنصارى في إبراهيم ، وكلّ منهما ينسبه إليه ، فاليهود يزعمون أنهم ينحدرون منه وأنه أبوهم الأكبر ، والنصارى بدورهم ينسبون أنفسهم إليه ، مع أن إبراهيم كان قبل أن يوجد اليهود والنصارى ! والآية :يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ( 65 ) ( آل عمران 65 )
حجة على كل من اليهود والنصارى ، لأن التوراة والإنجيل أنزلا من بعد إبراهيم ، وليس في التوراة ولا الإنجيل اسم ديانة اليهود ولا ديانة النصارى ، والقرآن هو الوحيد الذي فرّق بين الملة والديانة ، فالملة بحسب النبىّ ، وأما الديانة فواحدة وهي « الإسلام » ، وكل نبىّ ذكر في القرآن دعا « للإسلام » ،
وقوله تعالى :أَ فَلا تَعْقِلُونَ( 65 ) يعنى تعقلون دحوض حجة النصارى واليهود وبطلان قولهم : يقول تعالى :ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( 66 ) ( آل عمران ) ،
والآية دليل على منع من لا علم له أن يجادل فيما لا يعلم ، وتحظر على من لا تحقيق عنده أن يخوض فيما لا يعرف ، وعلى عكس ذلك كان حضّه تعالى لمن عنده العلم والمعرفة أن يحاجج فيما يعلم ويعرف ، قال :وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( النحل 125 ) .

  * * *

739 . إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا

لليهود والنصارى دعاوى عريضة في إبراهيم ، ومن مزاعم اليهود أنهم وحدهم من نسل إبراهيم ( تكوين 17 / 18 ) ، وعند النصارى هو أبو بني إسرائيل ( أعمال 13 / 26 ) ، وأبو ملة اللاويين ( عبرانيين 7 / 5 ) ، وأبو المسيح ( متى 1 / 1 ) ، وأبو كل النصارى كمؤمنين ( غلاطية 3 / 29 ، ورومية 4 / 11 ) ،
والقرآن ينفى أن يكون إبراهيم يهوديا أو نصرانيا :ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( 67 ) ( آل عمران ) ، فنزّهه من دعاويهم الكاذبة ، وأوضح أنه كان على « الحنيفية » - أي « الإسلام » - ولم يكن مشركا .
و « الحنيف » : هو الذي يوحّد اللّه ، ويحجّ ، ويضحّى ، ويختتن ، ويستقبل القبلة ؛ و « المسلم » في اللغة : هو المتذلل لأمر اللّه ، المنطاع له .

  * * *

740 . الحنيفية ملة إبراهيم

كانت الحنيفية أول ملّة يعطى لها اسم ، وكان إبراهيم حنيفا ، والمسلمون أمروا باتباع الحنيفية :فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً( آل عمران 95 ) ، وأمر نبيّنا وأوحى إليه أن يتّبعها :وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً( النساء 125 ) ،
والملّة : هي الدين ، والملة الحنيفية : هي الملّة المائلة عن الأديان المكروهة إلى الحق الذي هو دين إبراهيم . وملة إبراهيم هي الوحيدة التي تسمى بالحنيفية ، وإبراهيم كان أول الحنفاء ، كقوله تعالى :كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً( آل عمران ) ،
وربما كانت الحنيفية قبل إبراهيم ، فلا بد أنه كانت هناك ثلة من المؤمنين وسط طوفان الكفرة الذين يملئون العالم ، إلا أن إبراهيم كان أبرز الحنفاء ، لأنه الذي أعلن الحنيفية ودعا لها ، وكان أول من قال :إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً( الأنعام 79 ) .

وقال :إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً( الأنعام ) .
وسمّى إبراهيم « حنيفا » لأنه حنف إلى دين اللّه وهو الإسلام ، فالناس كانوا يسمون الملل بأسماء كهذه تفيد استقبالهم للملة أو انحرافهم عنها ،
كالصابئة : فهم الذين صبئوا ، أي خرجوا عن ملّتهم إلى ملّة أخرى ، فهم صابئة وصابئون ، ومفردها صابئ ، فكذلك الحنيفية ، فكان اسمها من الحنف عن ملل الكفر إلى دين اللّه ؛ والحنف في اللغة هو الميل ، ومنه رجل حنفاء ، ورجل أحنف ، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها .

  * * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى