اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني

اذهب الى الأسفل

26112023

مُساهمة 

الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني Empty الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني




الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني

موسوعة القرآن العظيم ج 2  د. عبد المنعم الحفني

الباب الثامن عشر المعاملات 
أولا : الإسلام السياسي القرآن والسياسة 

2168 - ( الأساس الموضوعي للدولة الإسلامية )

* الآية :إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ( النساء 58 ) ، من أمهات الأحكام ، وتتضمن جميع الدين والشرع ، والخطاب فيها لحكّام المسلمين خاصة ، ولمن يدرّسون القانون في الجامعات ، والآية وإن كانت لها أسباب النزول ، إلا أنها عامة في جميع الناس ، فهي تتناول مختلف الولاة فيما لديهم من الأمانات في الحكم ، وفي القضاء ، وفي تعاملات الشرطة ، وتحقيقات النيابات ، وعلاجات المرضى ، والتدريس لطلاب العلم ، والتربية للأولاد ، وتأدية الوظائف ، والتعاملات العائلية بين الأزواج والأبناء والآباء ، وعلاقة الدولة بالمواطنين ، وعلاقات الدول ببعضها البعض إلخ ، فكل شؤون الناس ودائع في أيدي المتصرّفين ، وكذلك الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والإفتاء ، كل ذلك أمانات .
والأمانة تكون في كل شئ ، وتردّ إلى أصحابها ، سواء الأبرار أو الفجّار ، فالآية شاملة لكل أمانة ، وفي الحديث : « عهد اللّه أحق ما أدّى » ، والمسؤولية في الحكم من نصيب الجميع ، كقوله صلى اللّه عليه وسلم : « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » ، فالأب والأم ، والمرأة والرجل ، والحاكم والمحكوم ، والناس جميعا رعاة وحكّام على مراتبهم ، والحكم من أكبر الأمانات .

   * * *

2169 - ( الإسلام ضد الترف والبذخ )

يأتي عن الترف في القرآن ثماني مرات ، وفيها جميعا تدين الآيات المترفين وتسفههم ، وتحطّ من شأن الترف . والترف هو التنعّم المبطر المفسد المطغى ، يقال : أترفه المال يعنى أبطره وأفسده وأطغاه ؛ وأترف الرجل ، أي أصرّ على البغى ؛ واستترف : بغى وطغى وتغطرس ؛ والمترف : المتنعّم ، يصنع ما يشاء ولا يمنع ، وهو الجبّار . يقول تعالى :وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً( 16 ) ( الإسراء ) ، يعنى هلاك الأمم إنما بمترفيها ، وهم الفسّاق في كل شعب ، والظالمون به ، والسماح لهؤلاء بأن يتلقفوا سدّة الحكم ، وأن تكون بأيديهم مقاليد الدولة ، هو إعمال لدمار الدولة بإرادة الشعب ، لأنه الذي انتخبهم ، أو لأنه لم يعترض عليهم ، فسبّب الأسباب وساقها إلى غاياتها ليحق على الشعب الوعيد . والمترفون يشكّلون الطبقة الغنية في كل شعب ، وهم شراره ، وتأميرهم على الشعب هو أن يصبحوا فيه أمراء ، أي حاكمين مسلّطين ، وفي قراءة أخرى للآية : « أمّرنا مترفيها » يعنى أكثرناهم في الدولة فصارت لهم السلطة ، وفي قراءة أخرى للآية : « أمرنا مترفيها » يعنى مكّناهم أن يملكوا ثروة البلد ويقبضوا على زمام الحكم فيه ، وما فاز شعب كان الحكم فيه للمترفين ، وهم المسرفون ، جباة المال ، وفارضو الضرائب ، وأصحاب القوانين الجائرة ، وفي معنى ذلك قول القائل في الآية : إذا أراد اللّه أن يهلك أمة أو دولة ، غضبا منه تعالى على أهلها ، مكّن لأكابر مجرميها فمكروا فيها ، فحقّ عليها الوعيد ، كقوله تعالى :وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها( الأنعام 123 ) .
وتدميرها هو استئصالها بالهلاك ، وفي رواية لزينب بنت جحش : أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم خرج يوما فزعا محمر الوجه ، يقول : « لا إله إلا اللّه ، ويل للعرب من شرّ قد اقترب » ، قالت له : يا رسول اللّه ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : « نعم ، إذا كثر الخبث » ، والخبث هو فساد الحكم ، وظهور طبقة المستغلين دعاة الإلحاد والإباحية ، وبظهورهم تظهر المعاصي ، فإذا لم يرفضها الشعب ويغيّرها ، كانت مدعاة لهلاك الجميع ، الطالحين والصالحين على السواء .

والترف - يعنى الاشتغال بالمال واللذات ، يقول تعالى :وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ( 116 ) ( هود ) ، فالترف يؤدى إلى ارتكاب المظالم ، وما ظلم الظالمون إلا لأنهم يريدون المال ليترفوا ، فلما آل المال إليهم ارتكبوا الجرائم فصاروا مجرمين .
والمترفون دائما وأبدا مع الباطل ضد الحق ، ومع الشرّ ضد الخير ، ومع الكفر ضد الدين ، ومع الشيطان ضد اللّه ، وحزبهم هو حزب الشيطان ، وهم طغمة من الطغاة ، وما كان نبىّ ولا مصلح ، ولا داعية حق أو خير أو إصلاح ، إلا خرج المترفون ضده ، وألغوا فيه ، يقول تعالى :وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ( 33 ) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ( 34 ) ( المؤمنين ) ، فانظر إلى منطقهم المغلوط ومذهبهم المادي الخائب ، وتأمل احتفالهم بالأكل والشرب كالبهائم ، فما أن يحلّ بهم عذاب الدنيا إذا هم يجأرون ويولون الدبر ، وأمثالهم دمّروا بما أترفوا فيه ، واستبدلهم اللّه بأقوام غيرهم ، يقول :وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ ( 11 ) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ( 12 ) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ( 13 ) ( الأنبياء ) ، مثل أقوام نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وموسى ، وعيسى ، من الأمم القديمة ، والاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا من الأمم الحديثة ، وما نتوقعه لأمم أخرى حالية على رأسها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ، ودول حلف الأطلنطى ، والكثير من أمة محمد ، وعلى رأسها دول بعينها كتركيا وغيرها ، وكل هؤلاء والغون في الترف .
وركضهم في الآية إنما فرار من الثورة ، أو من ملاحقات شعوبهم ، أو انقلاب المخابرات عليهم في بلادهم وفي بلاد غيرهم .

ويقاوم المترفون التغيير ، لأنه قد يأتي بنظم قد تقضى على امتيازاتهم ونفوذهم ، أو تقوّض طبقتهم ، أو تصادر ثرواتهم ، فكرهوا التغيير وقاوموه جهدهم ، قال تعالى :وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ( 34 ) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ( 35 ) ( سبأ ) ، وقال :وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ( 23 ) ( الزخرف ) ، والأمة يعنى وجدوا آباءهم مجمعين على مذهبهم هذا الفاسد . والأمة أيضا هي الطريقة والدين ، فهم سائرون على طريقة الآباء في الاستئثار بكل شئ ، وآخذون بملّتهم في دحض الحق ، وإعلاء الطغيان وسحق المطحونين والفقراء ، يعوّقون ما فيه صلاح أممهم ، وتقدّم شعوبهم ، ولا أعدى للتقدم والعلم والمنطق والعقل ، ولحركة الحياة ، من المترفين .
   * * *

2170 - ( التعاون الطبقي وليس الصراع الطبقي )

الطبقةclassهي المرتبة ، والاصطلاح محدث ، منه الطبقة الاجتماعية ، وطبقة العمال ، والقرآن يستخدم اصطلاحا أفضل من اصطلاح الطبقة هو الدرجة ، كقوله تعالى :وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ( الأنعام ) ؛ والطبقة اصطلاح فيزيائى ، والدرجة اصطلاح كيفى قيمي ، بمعنى الرتبة والمنزلة والقيمة ، نقول « الطبقة العليا من المجتمع » ونقصد شريحة الأغنياء والحكّام ، ولا نقول الدرجة العليا من المجتمع ، بينما نقول درجة الحرارة ، والدرجة المئوية ، ونقصد الحالة ، ونقول استدرجه ، أي رقّاه من درجة إلى درجة أعلى ، فالدرجة للكيف والقيمة ، بينما الطبقة للوضع الاجتماعي ، وفي القرآن يقول تعالى في الأنبياء :وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ( البقرة 253 ) ، بمعنى فضّل بعضهم على بعض ، فكأن استخدام مصطلح الدرجة به معنى المفاضلة ، بينما استخدام مصطلح الطبقة هو استخدام توصيفى ، ومن ذلك قوله تعالى :يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ( 11 ) ( المجادلة ) ، أي يرفعهم في الثواب في الآخرة ، وفي الكرامة في الدنيا ، ويرفع المؤمن العالم والطالب للحق على المؤمن العامي المفرّط في الحق ، ويرفع المؤمنين الذين أوتوا العلم على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم ، وفي الحديث :« فضل العالم العابد مائة درجة » .
وهذه المفاضلة من الفضل وهو التقوى والبرّ ، والقرآن يأمر بالتعاون في البرّ ، وليس التعادى والتصارع ، وفلسفة القرآن هي التعاون بين مختلف فئات الأمة ، وطبقات المجتمع ، كقوله :وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ( 2 ) ( المائدة ) ، والكلام في الآية مقطوع من أوله ، فهو أمر لجميع الخلق بالتعاون في الخير ، والتحاثّ على ما يزيده ، والنهى عمّا يعارضه ، وفي الحديث : « الدال على الخير كفاعله » ، وأيضا « الدال على الشرّ كصانعه » ، فكأن شعار القرآن : التعاون الطبقيclass co - operation، وليس الصراع الطبقيclass struggleالذي تقول به الاشتراكية العلمية ، والحوار والجدل هما منهج التعاون ، ولذلك كانا منهج القرآن ، وليس الصراعstrifeإذن هو منهج القرآن .
والقرآن يسمى « الرسل » النصارى « حواريين » ، كقوله تعالى :قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ( آل عمران 52 ) ، وفي الإغريقية هم « رسل » ، ومفردها « رسولapostolos» ، وهم في اللاتينيةdiscipuliأي رسل ، واسم « الحواريين » ينفرد به القرآن ، من الحوار : وهو السؤال والجواب ، فمنهج المسيح في رؤية القرآن ، كان التعليم من خلال الحوار ، والحوار فيه إقرار بالأنت أو الآخر في مقابل الأنا ، على عكس الإملاءdictation، وهو الأمر يصدر عن المملى للتنفيذ ، ومنها الكلمة الإفرنجيةdictator، أي الطاغية أو الديكتاتور الذي دأبه إصدار الأوامر وعدم الاعتراف بالأنت أو الآخر ، فلا وجود إلا لأنا الديكتاتور ، وهو أنا متضخّم يشغل المساحة كلها بما فيها المساحة التي كان ينبغي أن تكون للأنت أو الآخر .
فانظر إلى طريقة القرآن في إطلاق الأسماء ، حيث يجعل الحواريين من الحوار ، في حين أنهم عند النصارى مجرد أتباع المسيح أو تلاميذه المتلقين عنه ! والذي يعنى القرآن هو هذا الحوار ، وفي القرآن هناك سورة تسمى « سورة المجادلة » ( السورة 58 ) ، يأتي في بدايتها :قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما( المجادلة 1 ) ، والمجادلة امرأة عرضت على الرسول صلى اللّه عليه وسلم مشكلتها وحاورته وجادلته فيها ، فسكت ، فلما عاودت كلامها قال لها « ما أوحى إلىّ في هذا شئ » ، فقالت : أوحى إليك في كل شئ وطوى عنك هذا ؟ ! قال :

« هو ما قلت » قالت : إلى اللّه إذن أشكو لا إلى رسوله ! والمجادلة بالفتح هي المساءلة للتعلم و للمحاجاة ، وهي الحوار أساسه المواجهة والمساءلة والمجاوبة والمناقشة والبحث لمعرفة الحق وإحقاقه .
وقد أخطأ المفسّرون إذ جعلوا معنى الحواريين أنهم كانوا يشتغلون بالحوارة أي القصارة ، أي تبييض الثياب ، وقال الصوفية هم الحواريون لأنهم بيّضوا قلوبهم ونفوسهم وطهّروهما عن كل دنس ! والصواب أنهم أصحاب الحوار مع المسيح ، وهو مفهوم القرآن عنهم ، وهنتنجتون الذي قال بصراع الحضارات أوحت إليه الفكرة قراءاته في التوراة ، فالصراع بين الحضارات وبين الأمم والطبقات هو مذهب التوراة ، ولذلك قال بالصراع اثنان من أشهر اليهود : « فرويد ، وماركس » ، والأول في مجالي النفس والاجتماع ، والثاني في مجالي الاقتصاد والحضارة ؛ وبتأثير تعاليم التوراة قال « دارون » المسيحي بالصراع للبقاء متابعا « بولس الرسول » - وكان يهوديا قبل أن يتنصّر ؛ واستمد فوكوياما نظريته في نهاية التاريخ من نبوءة ملاخى في العهد القديم ، ومن رؤيا يوحنا في العهد الجديد ، وقوامها الصراع الحضارى ، فالثقافة اليهودية النصرانية الأوروبية لحمتها وسداها إذن القول بالصراع ؛ وأمّا الثقافة الإسلامية القرآنية ، وثقافة أهل السنة ، فقوامها الحوار بين الحضارات والتعاون بين الشعوب والأفراد ، وفي القرآن :وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ( 13 ) ( الحجرات ) ، والتعارف أساسه التعاون الحضارى والاجتماعي والطبقي ، والأفضل هو الأتقى ، والمتّقون وصفهم فقال :فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ( 66 ) ( يس ) ، وقال :فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ( 148 ) ( البقرة ) ؛ وهذه إذن نظرية الأجناس في القرآن : أنه تعالى خلق الأبيض والأسود والأحمر والأصفر ، للتعارف والتعاون والتلاقح الحضارى والتثاقف ، وذلك هو طريق إعمار الأرض ، بينما هذه النظرية في التوراة أساسها الاستكبار العنصري ، والاستقواء والغزو ، وحرق الأرض ، وتدمير الأخضر ، وقتل الحياة .
وفي الإنجيل أن المسيح استعلى على الكنعانية ولم يشف ولدها بدعوى أنها كنعانية من قوم كالخنازير ، ولولا حجاج بطرس لمّا عاب عليه انصرافه عنها ، وذكّره بأن إيمانها يشفع لها ، لما شفى لها ولدها ، وكانت حجة المسيح أنه لم يبعث إلا لخراف إسرائيل الضالة ، ففرّق بين الأمم ، وفاضل بينها على أساس أجناسى وليس بمعيار التقوى ، أي البرّ كما جاء في القرآن .
وفي التوراة أن سام وذريته هم الأرفع شأنا ، واليهود على رأسهم ، وأن الشعوب دون سلالة سام هي الأدنى منزلة ، وتخدم اليهود ، فهذا هو قدرها وقدرهم ، فالثقافة العبرانية الأوروبية قوامها الحتمية التاريخية والفيزيائية ، والثقافة العربية الإسلامية قوامها الفكر المنفتح ، والمجتمع غير المغلق ، والاختيار الحر ، والمسؤولية ، والتطور إلى الأحسن ، والقول بالعالمية ؛ والربّ في اليهودية هو ربّ بني إسرائيل ، وفي النصرانية هو المسيح ، وأتباعه هم المسيحيون ، كما أن اليهود أولاد يهوذا ، والإسرائيليين بنو إسرائيل ؛ وفي القرآن الربّ هو ربّ العالمين ، أي ربّ جميع الناس ، والمسلمون هم الذين أسلموا أمرهم له .
فيا أيها المسلمون ، أرأيتم ما أنتم فيه من خير ، وما أوتيتم من رحمة ، وما أصدقتم من بيّنة ؟ ! وللّه الحمد والمنّة !

* * *

2171 - ( القرآن يساوى بين الخادم وسيده )

ليست الاشتراكية بشيء إن كانت تساوى بين الناس في المظهر دون المخبر ، وفي الملكية دون السلوك ، فأما الإسلام فإنه الدين الذي حرّر الرقيق وأعلن أن الكل سواء ، وساوى بين الخادم والسيد مخبرا لا مظهرا .
فعن أبي هريرة أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين ، أو لقمة أو لقمتين ، فإنه ولى حرّه وعلاجه » . وفي رواية مسلم قال : « فليقعده معه فليأكل » ، وبرواية أحمد والترمذي قال : « فليجلسه معه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله » ، وفي رواية لأحمد قال : « فادعه فإن أبى فأطعمه منه » ، وعند ابن ماجة : « فليدعه فليأكل معه » ، وقوله : « فليناوله أكلة أو أكلتين » يعنى إن رفض فليعطه بعض الطعام .
والتعليل في كل الأحوال بسبب أنه عانى من حرّ الطبخ على النار فلا أقل من أن يطعم منه ، وفي ذلك تسكين لنفسه وكفّ عن شرّه . والتسوية مع الخادم في المسكن ، وكذلك في الملبس من خصائص الإسلام ، وفي قوله في حديث أبي ذرّ :

« أطعموهم مما تطعمون » إلزام بمواكلة الخادم ، وأهل العلم على وجوب إطعامه من غالب قوت صاحب البيت أو المال ، وكذلك كسوته ، وأن لا يستأثر عليه بشيء ، وإجلاسه معه أفضل أو هو بالخيار .
   * * *

2172 - ( ما ملكت أيمانكم في المصطلح العمالى الإسلامي )

لاصطلاح « ما ملكت أيمانكم » معان كثيرة ، فقد يعنى الإماء ، كقوله تعالى :فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ( 3 ) ( النساء ) ، وملك اليمين في العدل ، قائم بوجوب حسن الملكة والرفق بالرفيق ، وهؤلاء هم طبقة العمال من العهد القديم ، فرض على المسلمين فيهم حسن الملكة والمعاشرة ، وطيب الرعاية والمعاملة ؛ واليمين مخصوصة بالمحاسن ، وتقدر عليها ، وهي المنفقة والمتصدّقة ؛ والقسم يسمى يمينا ؛ والتعبير بملك اليمين من أجمل ما قرأت في اللغات .
وفي الآية :وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً( 36 ) ( النساء ) قرن تعالى بين عدم الشرك به وبين الإحسان إلى كل هؤلاء ومنهم ملك اليمين ، وهم الشغّيلة ، وكانوا يعملون عمّالا في مهنهم ، وخدما وفلاحين ، فهم البروليتاريا الإسلامية ، إلا أن البروليتاريا في الاصطلاح الاشتراكى هي طبقة المضطهدين ، بينما البروليتاريا الإسلامية طبقة متميزة لها عملها الخاص ، والحراك الاجتماعي فيها سريع ، وتحرير الرقاب فضل ومنّة وكفّارة ذنوب .
والمسلم مأمور أن يحسن إلى عمّاله ، والعمال عند المسلمين هم إخوة أصحاب الأعمال ، يقول أبو ذرّ : كان بيني وبين رجل من « إخواني » كلام ( يعنى من 
الرقيق ) ، فشكانى إلى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، فقال له النبىّ صلى اللّه عليه وسلم - أي قال لأبى ذر : « يا أبا ذرّ ! إنك امرؤ فيك جاهلية .
هم إخوانكم ( يقصد الرقيق ) ، جعلهم اللّه تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم ، فإن كلّفتموهم فأعينوهم » أخرجه مسلم ، فنهى عن الإساءة إليهم ، وحضّ على مشاركتهم الطعام واللباس ، ورفع شعار « المذهب الاشتراكى » بفارق في الزمن يزيد عن ألف وأربعمائة سنة ، حيث يقول شعار الاشتراكية : « من كل حسب جهده إلى كل حسب عمله » ، وهو في القرآن :لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها( 286 ) ( البقرة ) ، يتكرر ست مرات .
وروى أبو هريرة : أنه ركب بغلة ذات يوم ، فأردف غلامه خلفه ، فقال له قائل : لو أنزلته يسعى خلفك ! فقال أبو هريرة : لأن يسعى معي ضغثان من نار ( يعنى موقدان من نار ) ، يحرقان منى ما أحرقا ، أحبّ إلىّ من أن يسعى غلامي خلفي ! » . فالفارق بين العدل الاجتماعي والمساواة في الاشتراكية العلمية ، وبينهما في اشتراكية الإسلام ، أنهما في اشتراكية الإسلام عن « اعتقاد إيماني » ، ومن صميم الاعتقاد في إلهية اللّه ووحدانيته ، وهما أساس الإسلام ، وهي أمور تعوز الاشتراكية العلمية .
وفي الحديث عند أبي داود : « من لا يحكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون ، واكسوه مما تكسون ، ومن لا يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذّبوا خلق اللّه » ، ولا يلائمكم » يعنى ولا يوافقكم ، والملايمة هي الموافقة ، فلا وجود لعقد الإذعان أو السخرة في الإسلام ! وعن أبي هريرة الحديث : « للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلّف من العمل إلا ما يطيق » أخرجه مسلم .

وقال صلى اللّه عليه وسلم : « لا يقل أحدكم عبدي وأمتي ، بل ليقل فتاي وفتاتى » وهو قمة في أدب التخاطب والإشارة إلى طبقة العمال ، ويندب أصحاب الأعمال والمالكين لليمين .
إلى مكارم الأخلاق ، ويحضّهم عليها ، ويرشدهم إلى الإحسان والتواضع حتى لا يروا لأنفسهم مزية على عبيدهم أو بالأحرى عمّالهم ، لأن الكل عبيد اللّه ، والمال مال اللّه ، ولكنه تعالى سخّر بعضهم لبعض ، ولذلك جعلهم طبقات أو درجات ، فلمّا كانوا طبقات سخّرهم لبعضهم البعض ، قال :وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا( 32 ) ( الزخرف ) ، يعنى ليعمل بعضهم عند بعض ، فيكون كل واحد سببا لمعاش الآخر ، فلا سيد ولا مسود ، وكان عمر يكره أن يقال لأحد سيد ، ونهى عن ذلك ، إتماما للنعمة وتنفيذا للحكمة ، وهو القائل : لقد خلقنا اللّه أحرارا ولم يخلقنا تراثا وعقارات ، فمتى استعبدتم الناس وقد خلقهم اللّه أحرارا ؟ ! ! باللّه كم هو رائع عمر هذا ! - وفي رواية مسلم - الحديث : أن قهرمان للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ( والقهرمان أعجمية بمعنى الخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده ) دخل عليه ، فسأله النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أول ما سأله : « أعطيت الرقيق قوتهم » ؟ فقال القهرمان : لا . فقال له النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « فانطلق فاعطهم » وقال : « كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم » ! ومرة ثانية فلنلاحظ الفرق بين مصطلح « العمال » أو « الشغّيلة » كما يرد 
عنهم في التاريخ الاقتصادي في أمريكا وأوروبا ، وكانوا يسمونهم « العبيد » أيضا كما جاء عنهم في كتب التاريخ ، وكما روت عنهم التوراة والأناجيل والرسائل النصرانية ، وبين اصطلاح « ملك اليمين » في القرآن والإسلام ، فالأول - أي اصطلاح « العمال » - اصطلاح اقتصادى واجتماعي ، والثاني - أي « ملك اليمين » - اصطلاح ديني أخلاقي .
ثم انظر إلى اصطلاح « الرقيق » الإسلامي بمعنى العبيد أو المماليك ، وابحث كيفما شئت في كافة اللغات ، فلن تجد له مثيلا ولا ضريبا ، ولا في التوراة والأناجيل ، والرقيق من رقّ ضد غلظ وثخن ، تقول رقيق الحال يعنى فقيرا ، ومنه رقاقة الخبز المنبسطة ، والرقّة هي الرحمة ، ورقّ وجهه استحيا ، ورقّ قلبه أي حنّ ، فكما ترى أن العربية لغة عبقرية ، ولذلك جاء القرآن بما هو معروف عن لغته هذه الجميلة ، ودلّت اللغة العربية كما يعرضها القرآن ، على الروح العربية ، على عظمة أهلها ورفعة أخلاقهم ، والحمد للّه ربّ العالمين .

   * * *

2173 - ( السّخرة في القرآن تبادل للمنافع وليست استعبادا للناس )

اصطلاح القرآن لتقسيم العمل هو السّخرة ، وهي في اللغة استعباد للعامل ، فقناة السويس شقّت بالسخرة ، أي لم يكن العمال يحصلون على أجور لقاء عملهم ، وفي القرآن :نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ( 32 ) ( الزخرف ) ، يعنى أن اللّه قضى بقسمة العملdivison of labourبين الناس ، بحيث يحتاج كل إنسان إلى آخرين يقدمون له مختلف الخدمات ، ويبيعونه ما يحتاج من أدوات وسلع ، فلا يستغنى أحدهم عن غيره ، وكلّ يعمل في اختصاصه ، وبحسب وسعه ، ويتبادل والآخرين المنافع ، وهذا هو المعنى الجديد الذي يقدّمه القرآن للسخرة .
وكان التقسيم الطبيعي للعمل وفق الجنس والسن ، فالرجال اختصوا بالقنص لأنهم أشداء ، وكبار السن وكل إليهم صيد البر والبحر ، والنساء كان من نصيبهن تربية الصغار وجنى الثمار وجمع المحاصيل .
ولمّا اكتشفت المعادن جرى التقسيم الثاني للعمل فاشتغل النساء بالحقول ، والرجال بتشييد المباني وأعمال التعدين ، وانفصلت الحرف عن الزراعة .
ثم ظهرت الصناعات اليدوية وجرى معها التقسيم الثالث للعمل ، وصار هناك آلات وعمّال مدربون يعملون جماعات عليها ، وانفصل العمل الذهني عن العمل اليدوى ، وتولّدت طبقة جديدة هي طبقة التجار والصيارفة ، واستوجب الأمر لاستمرار التطور أن تقوم المدن الصناعية والطرق التجارية ، وأن يتبادل الناس الخدمات على أوسع نطاق ضمن عقد اجتماعي يضمن للجميع حكومة تحافظ على الأمن وتؤصّل للسلام 
الاجتماعي ، وتضمن حماية الحدود ، وأن تقوم على المجتمع دولة قوية لها جيش يحمى الحدود والذمار والمصالح ، وفي هذا الإطار الضخم من العلاقات الاجتماعية المتشابكة فإن كل إنسان مسخّر لكل الناس ، ومن هذا المعنى فإن العمل واجب وضرورة ، والعمل المقصود هو العمل الاجتماعي ، ومعنى السخرة فيه أن الإنسان محكوم عليه بالعملwork condemned to، وفي قراءة لقوله تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) ( الذاريات ) قال ابن عباس « إلا ليعملون » ، وفي الأمثال : « العمل عبادةlaborare est orare، واللّه يقول :أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً( 115 ) ( المؤمنون ) ، فلم يكن الخلق عبثا ، ولا هو سدى ، واللّه تعالى عمل ويعمل ، وهو العامل الأكبر ، والبنّاء الأكبر ، والمهندس الأكبر ، والعمل آصرة اجتماعية تجمع الناس وبها يرتقون عن مرتبة البهائم ، لأن عمل الإنسان مقصود ، وعن إرادة واختيار ، ولنفع الناس ، ومن أجل ذلك كان تحيّز الناس لبعضهم البعض ، فيكون بعضهم سببا لمعايش آخرين .
وقد تقرأ « سخريا » بالكسر وليس بالضم ، من السخرية أي الاستهزاء ، كما في قوله تعالى :وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ( 62 ) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا( 63 ) ( ص ) ، وفي قوله تعالى :إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ( 109 ) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ( 110 ) ( المؤمنون ) ، فكأن « سخريا » بالضم والكسر مثل عصىّ وعصىّ ، والمعنى إذن المعروف والمتداول للسخرة ، أي الاستعباد ، ليس من معاني القرآن فيما يخص عمل الإنسان للإنسان ، إلا فيما يخص تسخيره للطبيعة ، أي استغلالها ، وقد سخّر اللّه الشمس والقمر دائبين ( إبراهيم 33 ) ، يعنى لمن يجعل لهما إرادة في ذلك ؛ وسخّر البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتأكلوا منه لحما طريا ( النحل 14 ) ، وسخّر الأنهار والسحاب والنجوم والطير ، وسخّر للإنسان كل ما في الأرض ، فسخّر الإنسان بدوره الطبيعة لمصلحته ، فلما سخّر الإنسان الإنسان كتسخيره للطبيعة قامت الثورات ، لأن السّخرة استعباد ، ولم يتحدث في ذلك بشكل مستفيض إلا القرآن ، فألغى السخرة بتاتا ، وساوى بين الجميع ، وجعل العمل مشاعا وتبادل منافع بين الناس لا غير ، وهذا هو المعنى الجديد الذي صرف القرآن إليه مصطلح السخرة : تبادل المنافع ، والحمد للّه ربّ العالمين .
   * * *

2174 - ( للفقراء حقّ في مال الأغنياء )

* الآية :وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ( 19 ) ( الذاريات ) أصل من أصول اشتراكية الإسلام ، والمجتمع الاشتراكى كما في المراجع الاشتراكية ، فيه أن الحكم لديكتاتورية العمال ، يعنى أن المجتمع الاشتراكى ما يزال فيه النزاع والصراع ، بخلاف المجتمع الإسلامي ، ويزيد المجتمع الإسلامي على المجتمع الاشتراكى بأنه مجتمع متكافل ومتعاون ، والاشتراكية فيه اشتراكية تعاونية تكافلية ، والمال في المجتمع الإسلامي التعاوني هو مال اللّه ، والإنسان مستخلف عليه ، والسائل في الآية هو الذي يسأل الناس لفاقته ، فوجبت نفقته على المجتمع أو الدولة ؛ والمحروم في الآية هو الذي حرم العمل لبطالة متفشية ، فوجب على الدولة أو المجتمع أن يوجد له العمل ، أو يوجب له النفقة ، ويقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على التقريب بين الطبقات والدخول ، وتسهيل الحراك الاجتماعي ، ومن شأن تطبيق عدالة الإسلام الاجتماعية ، أن يمتنع وجود فئتى السائلين والمحرومين ، ولا شك أن نظام الضريبة التصاعدية ، ونظام زكاة الأموال ، خير نظام يضمن أن يكون في مال الغنى حق لكل سائل ومحروم ، لأنه من خلال النظام الضرائبى العادل ، والزكاة المفروضة ، لا يصبح المال دولة بين الأغنياء ، فيحرم منه الفقراء ، فيتكففون الناس ويسألون .
   * * *

2175 - ( الناس مختلفون ولذلك خلقوا )

في فلسفة الإسلام أن اللّه تعالى لم يشأ أن يخلق الناس على لغة واحدة ، أو ثقافة واحدة ، أو حضارة واحدة ، أو من جنس واحد ، أو ملّة واحدة ، قال :وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ( 118 ) ( هود ) ، يعنى خلقهم على مذاهب وملل ، وأجناس وشيع ، وأمم وشعوب ودول ، وأفراد وجماعات ، وتوجهات شتّى ، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ونأى به عن الاختلاف فلم يجعله ديدنه ، وارتقى عليه وتجاوزه ، وتسامح وتراضى .
وقانون الحياة إذن هو الاختلاف ، ولم يخلق الناس للائتلاف ، فلا بد من التباين ، وبه تكون استمرارية الحياة .

   * * *

2176 - ( من فلسفة الإسلام السياسي أن خلقنا الله أمما )

يقول تعالى :وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً( 118 ) ( هود ) ، فنبّه إلى أنه جعلنا أمما شتّى ، بلغات شتّى ، وألوان شتى ، فمنا الأحمر ، والأبيض ، والأصفر ، والأسود ، ومنا الأمم الغنية ، والأمم الفقيرة ، والمتقدمة والمتخلفة ، والنامية ، والمستعبدة ( بالفتح ) والمستعبدة ( بالكسر ) ، لنتمايز وتتباين حضاراتنا فنتبادل المنافع .
   * * *

2177 - ( الحكومة ضرورة لكل أمة )

الناس لا بد لهم من وازع ، أي حكومة تحكمهم وتكفّهم عن بعضهم البعض .
ومصطلح « الوازع » من مصطلحات الإسلام السياسي ، كقوله تعالى :وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ( 17 ) ( النمل ) ، وقوله :وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ( 19 ) ( فصلت ) ، و « يوزعون » تعنى يردّ أولهم إلى آخرهم ويكفّون .
وفي كل المهن والحرف ، والأمم والدول ، يوجد الوزعة من كل الرّتب ، ولكل صنف من الناس وزعة في رتبتهم ومواضعهم . ويقال وزعته أوزعه وزعا أي كففته .
والوازع في الحرب : 
الموكل بالتنسيق بين وحدات الجيش وفصائله وكتائبه ؛ وفي الشعر :ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى * من الناس إلا وافر العقل كاملهوالآية دليل على ضرورة الحكومة كنظام من شأنه أن يزع الناس ويمنعهم من إيقاع الظلم ببعضهم البعض . والقرآن وازع أكثر من الحكومة ، لأن القرآن يربّى الضمير ، والضمير وازع أكثر من القانون ، وطلب رضا اللّه وازع أكثر من الخوف من عقابه أو العقاب العام .
   * * *

2178 - ( ظلم الأمم والحكّام مهلكة لهم )

في الحديث : « إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم اللّه بعقاب من عنده » ، وفي القرآن :وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ( 117 ) ( هود ) ، يهلكهم بالفساد ، والفساد مدعاة للكفر ، كما أهلك قوم شعيب ببخس الميكال والميزان ، وقوم لوط بالشذوذ الجنسي وإتيان الذكران ، وآل فرعون بالجبروت والطاغوت ، وقوم نوح بالاستكبار والاستعلاء إلخ ، وهكذا تكون الأمم والشعوب والدول ، فهي إما هؤلاء وإما هؤلاء ؛ ومعنى الظلم انتقاص الحقوق ، وخاصة حقوق الطبقات الفقيرة ، والعملة المستضعفين ، والنساء المغبونات ، والأطفال المنبوذين .
   * * * 

 2179 - ( القرآن ضد الشعوبية )

الشعوبية : تعنى العنصرية . والشعوبية : فرقة من الفرق السياسية في تاريخ الإسلام ، وكانت تقول بأفضلية العجم على العرب ، وسبق الثقافة الأعجمية على العربية ، وتزعم - كما هو الآن - أن لغاتها لغات حضارات ، والعربية لغة بدو تقصر تعابيرها عن مواكبة التطور .
والقول بالشعوبية مستمد من الآية من القرآن :يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( 13 ) ( الحجرات ) . والشعوب مفردها شعب ، وأصله القبيلة العظيمة ، فالشعب العربي أبو القبائل والأمم والدول العربية ؛ والشعوب الجرمانية هي القبائل من أصول جرمانية أو هندو أوروبية .

والشعب هو الجمهور والسواد ، والشعب أكبر من القبيلة ، ثم الفصيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ . والآية نزلت تعارض العنصرية والاستعلاء الاجتماعي ، وكان الرسول صلى اللّه عليه وسلم قد أمر بنى بياضة أن يزوّجوا أبا هند وكان من الموالى ، يعنى العملة أو الشغّيلة ، فرفضوا وقالوا نزوّج بناتنا موالينا ؟ فأنزل اللّه الآية .
 أو أنها نزلت في ثابت بن قيس بن 
شمّاس ، رفض أن يفسح مكانا لأحدهم ، وقال ابن فلانة ؟ ! فطلب منه الرسول صلى اللّه عليه وسلم أن ينظر في وجوه الناس ، وسأله : ما رأيت ؟ قال : رأيت أبيض وأسود وأحمر . فقال : « فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى » ! فنزلت الآية في ثابت ، كما نزل في الرجل الذي لم يتفسّحوا له :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ( 11 ) ( المجادلة ) ، ففي الآية الأولى : رفض للعنصرية ، وأن معيار المفاضلة هو التقوى أي البرّ ، وفي الآية الثانية المعيار هو الإيمان والعلم .
والقرآن لا يدعو إلى المساواة بين الناس عشوائيا ، فهناك مفاضلة ، وهناك الفاضل والأفضل ، ولكن وجه الفضل ليس المال أو الحسب والنسب ، وإنما هو خشية اللّه ، والعمل الطيب ، والعلم ؛ والهرم الاجتماعي في الإسلام لا يقوم الأغنياء وأصحاب السلطة على قمته ، وإنما المؤمنون الأتقياء ، العاملون في صلاح الناس ، والدائبون على العلم يتعلمونه ويعلّمونه ؛ والحكومة المناسبة التي يدعو إليها القرآن ، هي هذه الحكومة التي هذا المعيار هو معيارها ، واليوتوبيا الإسلامية أساسها ثلاثة لا رابع لها : الإيمان ، والعلم ، والعمل ؛ فلا شعوبية ولا عنصرية في القرآن ، ومن ثم في الإسلام .
ولما كان فتح مكة ، اعتلى بلال ظهر الكعبة فأذّن ، فقال أحدهم - وهو بن أسيد بن أبي العيص : الحمد للّه الذي قبض أبى حتى لا يرى هذا اليوم ! وقال الحارث بن هشام : ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذّنا ؟ ! وقيل كلام كثير من غيرهم ، وبلغ الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فدعاهم فأقرّوا ، فنزلت الآية تزجر عن التفاخر بالأنساب ، والتكاثر بالأموال ، والازدراء بالفقراء ، وتجعل رأس الأمر في التقوى ، وقد كذب اليهود عندما ادّعوا أنهم الأصلح بلا سبب ، وكذبوا لما قالوا : حتى لو فعلوا الشرّ فهم الأفضل ! وكذبت الأناجيل لمّا جعلت الكنعانية أقل شأنا من الإسرائيلية ، لا لشئ إلا لأن الأولى كنعانية ، والثانية عبرانية ! وكذب من قال بعلو الجنس الأبيض ، أو الجنس الآرى ، عن كل الأجناس ، وانظر إلى تعاليم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين يقول خطيبا في أهل مكة : « يا أيها الناس : إن اللّه قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل برّ ، تقىّ ، كريم على اللّه ؛ وفاجر ، شقىّ ، هيّن على اللّه ، والناس بنو آدم ، وخلق اللّه آدم من تراب ، قال اللّه تعالى :يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( 13 ) ( الحجرات ) ، فجعل الرسول صلى اللّه عليه وسلم الجاهلية بمعنى الحضارة العنصرية ، وهي الحضارة النصرانية الأوروبية الأمريكية الآن - حضارة العولمة ، ونبّه إلى عيبة هذه الحضارة الجاهلية : الاستعلاء والاستكبار العنصريين .
ونادى الرسول صلى اللّه عليه وسلم بإعلانه العالميuniversal declarationلحقوق الإنسان ، وأسمّيه البيان أو البلاغ أو المانيفستو الإسلاميIslamic manifesto، قال :

« يا أيها الناس ، ألا إن ربّكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربىّ على عجمىّ ، ولا لعجمىّ  على عربىّ ، ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود ، إلا بالتقوى . ألا هل بلّغت » ؟ قالوا : نعم . قال : « ليبلّغ الشاهد الغائب » ، يبلّغه قديما وحديثا : قيل وفي هذا الإعلان ورد : « إن اللّه لا ينظر إلى أحسابكم ، ولا إلى أنسابكم ، ولا إلى أجسامكم ، ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ، فمن كان له قلب صالح تحنّن اللّه عليه . وإنما أنتم بنو آدم وأحبّكم إليه أتقاكم » .
ويلخص ذلك علىّ بن أبي طالب ، ويجمع مذهب وفلسفة القرآن أو الإسلام في اللاعنصرية ، شعرا ، فيقول :
الناس من وجهة التمثيل أكفاء * أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة * وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب * يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم * على الهدى لمن استهدى أدلّاء
وقدر كلّ امرئ ما كان يحسنه * وللرجال على الأفعال سيماء
وضدّ كلّ امرئ ما كان يجهله * والجاهلون لأهل العلم أعداء
وبعد ، فهذه هي ثقافة القرآن اللاعنصرية ، أفترون لها مثيلا في الثقافات اليهودية أو النصرانية ، أو في ثقافة العولمة ، وثقافة التنويريين والعلمانيين والملحدين ، وثقافة أوروبا وأمريكا ؟ فالحمد للّه على القرآن والإسلام .
   * * *

2180 - ( الخليفة ونظرية الخلافة في القرآن )

* الآية :إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً( 30 ) ( البقرة ) أصل القول بوجوب قيام الحكومة الإسلامية ، وأن يكون على رأسها خليفة ، وهو في اللغة من يقوم مقام آخر ، وفي الفقه الإسلامي هو رئيس الدولة الذي له سلطات الفصل في المنازعات ، ومراعاة التوازن بين الطبقات ، ومحاربة الفساد ، ومقاومة الظلم ، وإقامة العدل ، وحفظ الأمن والحدود ، وإشاعة السلام ، وإتاحة التعليم للجميع ، والتقريب بين الناس في الدخول ، ومنع الاستقلال والاحتكار ، وحفظ وحدة الدولة ، وإنشاء المستشفيات والمدارس ودور الأيتام إلخ ، والمساكن لمحدودى الدخل ، وهو أمر لا يستطيعه واحد بمفرده ، وإنما تؤلّف له حكومة هي حكومة الخلافة ، والمعنىّ بالخلافة في الآية هو آدم ، أو البشر من أولاده وذريته ، تصير لهم الخلافة من اللّه في الأرض ، ومهمتهم فيها : 1 - الإعمار ، كقوله :أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها( 61 ) ( هود ) ، وهو الإصلاح والارتقاء والتحضّر ؛ 2 - السيطرة على المقدّرات وتنميتها والهيمنة على الأرض ومصادرها ، كقوله :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً( 13 ) ( الجاثية ) ؛ 3 - التمكين من هذه السيطرة ، كقوله :وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ( 10 ) ( الأعراف ) ؛ 4 - معرفة اللّه وشكره وعبادته ، كقوله :وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ( 52 ) ( إبراهيم ) ، وقوله :وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ( 152 ) ( البقرة ) ، وقوله :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( 56 ) ( الذاريات ) .
وفي تاريخ مصطلح « الخليفة » ، وهو مصطلح قرآنىّ خالص ويخصّ الإسلام وحده لا غير ، يأتي أنه لمّا مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتولى أبو بكر بعده ، نادوه فقالوا : « يا خليفة اللّه » ، باعتبار الآية :إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً( 30 ) ( البقرة ) ، أو الآية :يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ( 26 ) ( ص ) ، فقال لهم أبو بكر مصححا : « لست خليفة اللّه ! ولكني خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم » ، وذلك هو الصحيح ، فما ينبغي أن ينسب البشر إلى من « ليس كمثله شئ » ، والبشر يخلفون ويستخلفون بعضهم البعض ، ولكنه تعالى لا يخلفه أحد ، وفي الآيتين اللتين ذكر فيهما الخليفة ، لم يأت أنه جعل آدم ولا نصّب داود خليفة له ، وعلى العكس فإنه الذي يستخلفهم ، أي ينصبّهم خلفاء ، أو يجعلهم خلائف لبعضهم البعض ، كقوله :إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ( 133 ) ( الأنعام ) ، وقوله :وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ( 165 ) ( الأنعام ) .

ونظرية الخلافة في القرآن ليست من النظريات الثيوقراطية التي تقول بولاية الفقيه ، فالخلافة متاحة لأىّ من أفراد الشعب طالما تتوفر فيه شروطها ، ومنها : العلم ، وطلاقة اللسان ، ورحابة الصدر ، واتساع الأفق الفكري ، والمعرفة بأصول الحكم ، وممارسة الخدمة العامة ، والاشتغال بأمور السياسة ، والتمكن في علم الاقتصاد ، وإتقان اللغات ، وإتقان الكلام والخطابة إلخ . والفقيه قد يمهر في الدين ولكنه يجهل في العلوم الأخرى .
ولمّا سأل قوم طالوت نبيّهم أن يعين لهم رئيسا عليهم ، لم يرشح نفسه للرئاسة ، واقترح عليهم طالوت رئيسا ، وأسس اقتراحه على ثلاث ميزات فيه ، قال :إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ( 247 ) ( البقرة ) .
وفي القرآن أن الخلائف - جمع خليفة - يتمايزون ، كقوله :الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ( 165 ) ( الأنعام ) ، فبحسب مفهوم كل خليفة عن الخلافة ، واتساع وضيق هذا المفهوم ، وعمله بمقتضاه ، تكون درجته بين الخلفاء .


يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 26 نوفمبر 2023 - 12:01 عدل 2 مرات
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 26 نوفمبر 2023 - 11:41 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني

2180 - تابع ( الخليفة ونظرية الخلافة في القرآن )

ومهمة الخلافة في المقام الأول : حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي ، ويتضمن ذلك التزام الحاكم والمحكوم بمبدإ الشورى ، وأن الحاكم وكيل عن الأمة أو الشعب ، وللأمة أو الشعب حق إلغاء هذه الوكالة وعزل الخليفة أو الحاكم ، كما أن له حق محاسبته ، ومساءلته . وتستمد شرعية إقامة الحكومة الإسلامية من إجماع المسلمين بعد وفاة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم على وجوب انتخاب رئيس للدولة ، ولم يعوّلوا على القوة ، وأن يغتصب أحدهم الحكم عنوة ، ولم يرضوا بتحكيم العقل ، وإنما كان إصرارهم على تحكيم الشرع ، وضمان أن يكون الحكم للّه ولرسوله بالقرآن والسنّة .
ورفضت المعتزلة فكرة قيام حكومة إسلامية ، بدعوى أن العقل وحده يمكن أن يرجع إليه في كل مسائل الدنيا مثلما يرجع إليه في كل مسائل الآخرة ، والقاعدة الشرعية التي يحتكمون إليها : أن كل ما هو شرعي لا يصادر العقل ، وكل ما هو عقلي لا يصادم الشرع ، ولا خصومة بين العقل والشرع .
وذهب البعض إلى القول بأن الدولة الإسلامية قد يكون من الواجب إقامتها ، ولكن نظام الخلافة ليس أنسب أنظمة الحكم ، وكان الخوارج على الرأي بأنه ما من ضرورة لوجود خلافة ولا أية حكومة ، فكانت هذه الفرقة هي أول فرقة فوضوية في العالم قبل مجىء الفوضويين الروس في القرن التاسع عشر .
ومن أكبر المعارضين لنظام الخلافة والدولة الإسلامية الشيخ على عبد الرزاق في كتابه « الإسلام وأصول الحكم » ، بدعوى أن الإسلام نظام ديني لا شأن له بالحكم ، وأن أبا بكر لم يخلف الرسول صلى اللّه عليه وسلم حقا بعد وفاته ، فالوحي انقطع بوفاة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وإنما كان أبو بكر منشئ دولة ، وهو عمل سياسي محض لا عمل ديني .

وساعد الخلفاء من بعد أبي بكر على تثبيت فكرة الخلافة لميول في أنفسهم للحكم الاستبدادى ، فعلّموا الناس أن طاعة الخلفاء يوجبها الدين ، وواضح أن هذا الكلام متأثر بالفكر الأوروبى القائم على فكرة فصل الدين عن الدولة ، والأمر يختلف في الإسلام ، فالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم كان المبشّر والنذير ومؤسّس الدولة الإسلامية ، وهو الذي أرسى قواعد دعائم الوحدة الدينية للأمة ، وأول من صاغ مصطلح الأمة الإسلامية ، والدين والدولة إذن متلازمان في الإسلام .
وإذا كان الأمر شورى في الخلافة فقد أكد ذلك عمر بن الخطاب حينما حدد صفات معينة ينبغي أن تتوافر في كل من الناخب والمرشح للخلافة .
وفي كتاب « الأحكام السلطانية » للماوردي من هذه الشروط : أن لا يكون الناخب ولا المرشح للخلافة فاسقا فيما يعمل أو يعتقد ، وأن يكونا على درجة من العلم .
ومن شروط الناخب أن يكون لديه الوعي والقدرة على اختيار الخليفة من بين المرشحين وإن كثروا ، وأن تكون للمرشح الرخصة والصلاحية لتولى منصب الخلافة والرئاسة .
وكانت الطريقة التي اتبعها عمر بن الخطاب ، من أحسن طرق انتخاب الخليفة ، وكانت على مرحلتين ، في الأولى ترشّح 
أهل الشورى القادرون على التمييز فعلا بين المرشحين للخلافة ، وفي الثانية يكلّف هؤلاء باختيار الأصلح من بين أصحاب الأسماء المعروضة ، ومن شروط الترشيح بالإضافة إلى ما سبق : أن يكون المرشح ذكرا ، لأن المرأة تقصر جهودها دون الوفاء بمتطلبات أعباء المهنة وخاصة في الحرب ، إلا أنها يمكن أن تنتخب ، وليس من بين آيات القرآن ما يمنع أن تكون المرأة خليفة ، وخاصة أن ملكة سبأ أظهرت من الحنكة والدراية ما يفوق ما يتمتع به الرجال منهما . ويجوز للمرأة في الإسلام أن تؤم النساء دون الرجال ،  وهناك الحديث الذي يمنع صراحة رئاسة المرأة للرجال - وإن كان حديثا ضعيفا .
وقد ثبت أنه لا إجماع على بطلان خلافة المرأة ، فبنجلادش حكمتها امرأة ، وتركيا ، وإندونيسيا ، وباكستان . ومن شروط الخليفة اكتمال العقل ، وأن لا يشكو عاهة ، وأن يكون مسلما ، وفي بلد كمصر هناك أقلية نصرانية ، ومن غير المعقول أن يختار خليفة من بينهم وليس من الأغلبية ، كما أن النصراني لا يصلح خليفة لبلد توجهاته إسلامية .
والخليفة المرتقب من أهم صفاته المعنوية : حبّه للعدل بالمعنى المطلق ، أو بالمعنى الاجتماعي ، وأن يشتهر عنه العزوف عن الجور ، وأن يتصف بالحكمة وبعد النظر والميل إلى الإنصاف ، وأن يكون وطنيا صادقا في وطنيته ، شجاعا غير هيّاب ، كيّسا فطنا أريبا .
ويتم ترشيحه للمنصب من قبل جماعة ، ويكون انتخابه بالأغلبية ، ثم تكون البيعة له من قبل أهل الحلّ والعقد . وفي الخلافة الصحيحة تقوم سلطة الخليفة على صحة عقد الوكالة من الأمة له ، بأغلبية الأصوات ، وبموافقة أهل الحلّ والعقد ، وهم نوّاب الشعب الذين يضعون للخلافة شروطها في كل حين ، ويؤكدون على بعضها بحسب حاجات الوقت ، فإذا رأى هؤلاء أن من بين المنتخبين من قد لا يوافقه شرط ، فيلزم حينئذ أن يعرضوا عليه شرطهم أولا ليروا رأيه فيه ، فإن لم يوافق أسقطوه من الاختيار وعهدوا بذلك إلى التالي عليه في الحصول على الأصوات المؤيدة .
وإذا تساوى عندهم اثنان من المرشحين في عدد الأصوات ، وفي توافق الصفات طبقا للشروط ، فقد يأتي اختيارهم للأنسب بحسب حاجات الوقت ، فإن كانت البلد في وقت حرب اختير الأشجع ، أو في وقت كثر فيه الجدل في مختلف الموضوعات فقد يكون الأنسب للاختيار هو الأعلم .
وفي كل الأحوال فإن الدافع للاختيار هو الصالح العام ، وإذا كان الدستور يشترط تعيين نائب للخليفة ، وهذا ضروري ، فإن من الأصلح أن يكون انتخاب النائب مترافقا مع انتخاب الخليفة ، ولمّا كان هذا النائب يمكن أن يؤول إليه الحكم في حالة مرض أو وفاة الخليفة ، فإن شروط اختياره يجب أن تكون بنفس القدر من الدقة التي لشروط اختيار الخليفة ، مع التنبيه إلى أن نظام الوراثة للخلافة باطل شرعا بطلانا تاما ، وأن الخلافة لمدة أربع أو خمس أو ست سنوات لا غير ، ثم يعاد النظر في الخليفة ، 
فإن كان محسنا وأفضل من المرشح الجديد لها، أعيد اختياره، وفي كل الأحوال لا يزيد استمراره في الحكم لأكثر من مدتين.
وبمجرد إعلان اختيار الأمة للخليفة ، تلتزم بمبايعته والخضوع له في حدود الشرع ، والمبايعة هي إقرار للاختيار ، فإذا تولى الخلافة يصبح رئيسا للدولة ، وبذلك يصبح الخليفة مفوضا منها في كل الأمور العامة في غير افتيات عليه أو معارضة له ، ليقوم بما وكل إليه من وجوه المصالح وتدبير الأعمال ، واختيار الوزراء المناسبين ، بشرط موافقة أهل الحل والعقد ونواب الأمة على اختياراته .

   * * *

2181 - ( الاستخلاف من أصول الحكم في الإسلام )

في كل الدول الديموقراطية يحكم الرئيس وله نائب ، ويتم انتخاب الاثنين معا ، ونائب الرئيس هو المستخلف بعد الرئيس .
وفي الإسلام : قيل إن العمل جرى على الاستخلاف بثلاث طرق ، الأولى : طريقة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، وفيها أشار وألمح إلى أن يخلفه أبو بكر ولكنه لم يصرّح ، وقال لعائشة لمّا مرض واشتد مرضه : « ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا » ، ثم قال : « ويأبى اللّه والمؤمنون إلا أبا بكر ! » ، وقال : « معاذ اللّه أن يختلف الناس على أبى بكر ! » فتأكد أن المراد بالخلافة هو أبو بكر ؛ والثانية : طريقة أبى بكر ، وقد سمّى عمر خليفة من بعده ؛ والثالثة : طريقة عمر ، وكان يرى ضرورة الاستخلاف وقال لابنه : « لو كان لك راعى غنم ، ثم جاءك وتركها ، لرأيت أن قد ضيّع ، فرعاية الناس أشد » . وقال : إن اللّه يحفظ دينه » .
وفي رواية قال : « أن لا أستخلف فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يستخلف ؛ وأن استخلف فإن أبا بكر قد استخلف » ، فالفعل والترك عند عمر كان مشكلا ، وإنما يزيله أن دليل الترك فعله النبىّ صلى اللّه عليه وسلم فلم يستخلف ، ودليل الفعل يؤخذ من عزمه صلى اللّه عليه وسلم على الاستخلاف ، بما قاله لعائشة عن عزمه ، وهو لا يعزم إلا على جائز ، ولقد فهم أبو بكر من عزمه صلى اللّه عليه وسلم جواز الاستخلاف ، فاستعمله ، وقبله الناس ؛ ورجح عند عمر الترك ، ولكنه لم يرد أن يترك الناس كالراعى الذي يترك غنمه ، فحصر الاستخلاف في ستة ، أمرهم أن يختاروا منهم واحدا ، واختار عمر الستة بحيث اجتمع في كل واحد منهم أنه من أهل بدر ، ومن أهل أحد ، وترك لهم أن يقدّموا منهم الأفضل للخلافة ، فكان طريق عمر طريقا وسطا ، فقد رأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين ، فجعل الأمر معقودا للستة ، اقتداء بالنبىّ صلى اللّه عليه وسلم وأبى بكر ، فأخذ طرفا من فعل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وهو ترك التعيين ، وأخذ طرفا من فعل أبى بكر وهو العقد لأحد الستة وإن لم ينصّ عليه .

وعلى ذلك فإن الأمر في الإسلام بشأن الرئيس يجوز فيه : أن يسمّى الرئيس من يخلفه ، بشرط أن لا يكون من أهله ولا أولاده ، وأن يكون أفضل من يراه صالحا للرئاسة بعده ؛ أو أن يعهد الرئيس إلى جماعة لينتخبوا من بينهم أفضلهم للرئاسة كما فعل عمر .
وبناء عليه فالاستخلاف جائز في الإسلام ، وينعقد بعقد الصفوة ، أهل الحل والعقد ، لواحد لا يستخلف غيره ، أو ينعقد بجعل الأمر شورى بين عدد محصور أو غير محصور ، وفي كل الأحوال يجب تنصيب رئيس للبلد ، فذلك واجب شرعا وعقلا ، لمن يستحق عقد الرئاسة له .
   * * *

2182 - ( الشورى من أسس الإسلام السياسي )

الاستشارة مأخوذة من قول العرب : شرت الدابة ، وشورتها ؛ إذا أحطت بها علما عن تجربة ، كأن أجريها لأعلم كيف تجرى وسرعتها إلخ ، والمسافة التي تقطعها يقال لها مشوارا .
والشورى من قواعد الشريعة ، كقوله تعالى :وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ( 38 ) ( الشورى ) ، وقوله :وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ( 159 ) ( آل عمران ) ، وفي الخبر . ما تشاور قوم قط إلّا هدوا لأرشد أمورهم ،
ويقال : إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن * برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة * فإن الخوافي قوّة للقوادم
والمشاورة تكون من كل أمور الدنيا وأخصّها السياسة ، والنبىّ صلى اللّه عليه وسلم كان يستشير ، وكذلك الصحابة من بعده ، وتشاوروا في نظام الخلافة ، وفي الردّة ، وفي الميراث ، والحدود ، وفي الحرب والسلام . وما أخطأ امرئ قط إذا حزبه أمر فشاور فيه ذوى الرأي وفعل الذي يرون ، فإن أصاب فهم المصيبون ، وإن أخطأ فهم المخطئون .
والمشورة بركة ، واصطلاح الشورى أكبر وأعمق من اصطلاح الديموقراطية ، والديموقراطية أو حكم الشعب يقوم على الشورى ظاهرا ، وتطبيقا فإن مجالس الشعب هي مجالس أصحاب المصلحة الواحدة .
وفي التاريخ الإسلامي كان أهل الحلّ والعقد المرجعية في الشورى ، بينما في المجالس النيابية المرجعية للحزب الذي يمثّل أصحاب المصلحة ، فبئست شورى الديموقراطية ! وفي الحديث : « إذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم سمحاؤكم ، وأمركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير لكم من بطنها .
وإذا كان أمراؤكم شراركم ، وأغنياؤكم بخلاءكم ، وأموركم إلى نسائكم ، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها » .
وحتى في الزواج فإن البكر تستأمر ، يعنى تستشار ، والمشورة حقّ في الطلاق :فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ( 233 ) ( البقرة ) . وفي كل الأمم فإنهم إذا لم يتشاوروا شقّ عليهم ، كقول ملكة سبأ :يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ( 32 ) ( النمل ) .

والأمر من اللّه بالشورى حتى بالنسبة للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم وهو الموحى إليه ، كما في الآية السابقة من سورة آل عمران . والشأن مع المستشار كالشأن في الشورى ، والاختيار للمجالس النيابية في ظل الديموقراطية لا يشترط له الأصلح ولا الأكثر علما ، بينما في الإسلام تشترط العلمية كصفة أساسية في المستشارين الذين هم أعضاء المجالس النيابية ، فما بالنا بمجلس نيابى فيه أميون ، ونصفه لا يحملون الابتدائية ؟ ! وفي الحديث : « المستشار مؤتمن » ، لأنه من أهل العلم والخبرة ، وقلما يكون ذلك إلا في عاقل ، وما كمل علم امرئ ولا دينه ما لم يكمل عقله ، فإذا استشير العاقل ، العالم ، الخبير ، التقىّ ، واجتهد في الصلاح ، وبذل جهده ، حسنت مشورته ، ويقال :
شاور مشيرك في الخفىّ المشكل * واقبل نصيحة ناصح متفضّل
فاللّه قد أوصى بذاك نبيّه * في قوله « شاورهم » و « توكّل »
وما أحرى أن يكون هذان البيتان شعارا للمجلس النيابي في بلادنا ! وإنه لأمر غريب أن تؤلف وزارات في بلادنا ، ويختار لها وزراء ، بلا استشارة من أحد ، مع أنه ما ندم من استشار ، ولا خاب من استخار ، وما شقى عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأى . واستن عمر الشورى لانتخاب رئيس الدولة لأول مرة في العالم .
والشورى تقوم على اختلاف الآراء ، والرأي فيها بالأغلبية ، وما ينتهى إليه المشيرون من رأى يلزم الكل ، وعلى الحاكم أن يعزم على تنفيذه ، وينهض عليه ، ويمضى فيه ، ويتوكل على اللّه كقوله تعالى :فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ( 159 ) ( آل عمران ) ، والعزم هو ما بعد الشورى ، وهو الحزم ، أي التنفيذ بلا هوادة .

   * * *

2183 - ( البيعة لولى الأمر والانتخاب الحر )

المبايعة مصطلح إسلامي ويضاهى إدلاء الناخب بصوته في الانتخابات الرئاسية وفي أوقات الأزمات والاستفتاءات الوقتية ؛ وفي اللغة المبايعة معاهدة ، سميت بذلك تشبيها للمعاوضة المالية ، كما في قوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ( 111 ) ( التوبة ) .
وانتخاب الرئيس أو مبايعته يعاوضها أن يكون هذا الرئيس في خدمة شعبه ، وأن لا يطغى ولا يظلم ، ولا يطمع أن يكون رئيسا أبديا ، أو أن يؤول الحكم إلى أبنائه من بعده ، وأن يقوم بما هو مفروض عليه من تأمين الناس والبلاد ، وأن يضمن لغير القادر التعليم والعلاج ومعاش البطالة والشيخوخة ، وأن تكون الملكية من حق الجميع ، وفرص الحكم على المشاع بين الناس ، ومصادر الثروة القومية في أيدي أبناء الأمة ، وأن 
يرسّخ وطنية الحكم وشعبيته ، ويحارب الفقر والجهل ، ويضمن للناس فرص العمالة ، ويدعو إلى تشريع ضرائبى عادل يوازن توزيع الثروة القومية بين الشعب ، وأن يسهّل الحراك الاجتماعي ، ويقرّب بين الطبقات والدخول ، فلمثل هذا الرئيس تبايع الأمة .
ونحن كمسلمين علينا واجب الانتخاب ، وفي الحديث : « ما من مسلم إلا وللّه عزّ وجلّ في عنقه بيعة » ، وللرئيس المرشّح أن « يشترط لنفسه » ، يعنى أن يكون له « برنامج انتخابى » ، فعن عبد اللّه بن رواحة أنه قال للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ليلة العقبة : اشترط لربّك ولنفسك ما شئت » ، يعنى أنه حرّ أن يقنن للبيعة بما يرى ، فقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « اشترط لربىّ أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا .
واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم » ، يعنى أن برنامج الرسول صلى اللّه عليه وسلم كان الإقرار بوحدانية اللّه ، وبما يفرضه هذا الإقرار من التزامات معينة ، والأخذ بتشريعات محددة ، وأن يكفل الناس للدعوة والدعاة الأمن والأمان .
وسألوا النبىّ صلى اللّه عليه وسلم :
فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ - يعنى ما هو المقابل الذي سيعود علينا ؟ فقال : « الجنة » ، يعنى رضا اللّه في الدنيا والآخرة ، ولهم فيهما ثوابهما .
فقالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل . - يعنى نعم العوض ، ويلزمنا هذا العهد لا نتحلل منه ولا نتهاون بشأنه ، ونزلت الآية :إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ( 111 ) ( التوبة ) ، والآيةإِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ( 10 ) ( الفتح ) .
والبيعة المشار إليها هي بيعة الرضوان ، وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية ، والذين بايعوه صلى اللّه عليه وسلم ألف وأربعمائة من الصحابة ، فنزلت الآية :لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ( 18 ) ( الفتح ) .

وللبيعة صيغة قولية ، وهي البيعة على السمع والطاعة فيما يستطيعون ، وعلى الهجرة ، وعلى الجهاد ، وعلى الصبر وعدم الفرار ولو وقع الموت ، وعلى بيعة النساء على الإسلام .
ويبدو أن البيعات في الإسلام كانت ثلاثا ، 
فالأولى : « بيعة العقبة أو الرضوان » ، وتسمى « بيعة الأنصار » ، وكانت قبل الهجرة إلى المدينة ، وبايعوا على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وعلى أن يقولوا الحق ولا يخافون في اللّه لومة لائم ، وعلى أن يمنعوه إذا قدم عليهم يثرب ، فيمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم ، فهذه بيعة الأنصار له ؛ 
والبيعة الثانية : هي « بيعة الحرب » ، وكانت بعد فرض الحرب على المسلمين بعد الهجرة ، وبايعوه على الإسلام والجهاد ، وعلى عدم الفرار والموت ، ومن ذلك كانت الأنصار تقول يوم الخندق .نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما حيينا أبدا
والبيعة الثالثة : هي « بيعة النساء » ، وكانت بعد فتح مكة ، بعد أن نزلت الآية :يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ( الممتحنة ) ، وفي رواية أحمد عن إحداهن قالت : أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في نساء لنبايعه ، فأخذ علينا ما في القرآن ، وقال : فما استطعتن وأطقتن . 
وفي رواية أخرى قالت :فلما شرط علينا أن لا نشرك باللّه شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزنى ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ، قال : « ولا تغششن أزواجكن » . وفي رواية أخرى بزيادة : « فيما استطعتن » . وفي رواية أخرى قالت : ونهانا عن النياحة .
فهذه هي الصيغ القولية للبيعة الإسلامية ، وهي برنامج عمل تنصلح به المجتمعات في السلم والحرب ، وتندرج تحتها صيغ فعلية في كل مجالات النشاط الإنسانى : التعليمي والاقتصادي والاجتماعي والحربي ، وعلى مثل ذلك تكون المبايعة لرئيس الدولة هي مبايعة على السنّة ، ومن قبل اللّه تعالى ، وتخلو من العورات التي تحفل بها الدساتير والشرائع الوضعية . 
وواضح أن حق الانتخاب مكفول للنساء دون تمييز ، ومطلوبات المرأة في المبايعة وإن كانت توافق مطلوبات الرجال ، إلا أن بها بعض الخصوصية التي تتعلق بطبيعة النساء ، كما أن مطلوبات الجميع في السلم تتباين عن مطلوباتهم في الحرب ، والبيعات الثلاث لذلك من أجلّ ما يمتدح به الإسلام ، وليس لهن نظير البتة في اليهودية ولا في النصرانية ، ورحم اللّه شوقى وهو يقول :الدين يسر والخلافة بيعة * والأمر شورى والحقوق قضاءفهذا هو الإسلام ، وهذا هو القرآن الذي تضمّن كل ذلك ودعا إليه ! والحمد للّه على نعمة الإسلام ونعمة القرآن !
   * * *
17 - ( دليل على خلافة أبى بكر )
* الآية :وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً( 69 ) ( النساء ) دليل على خلافة أبى بكر ، وذلك أن اللّه تعالى لمّا ذكر مراتب أوليائه في كتابه ، فبدأ بالأعلى منهم وهم النبيون ، ثم ثنّى بالصدّيقين ولم يجعل بينهما واسطة ، والمسلمون مجمعون على تسمية أبى بكر بالصدّيق ، كما أجمعوا على تسمية محمد صلى اللّه عليه وسلم رسولا ، وإذا ثبت هذا وصحّ أنه الصدّيق ، وأن اسم الصدّيق ليس لأحد غيره في الإسلام ، وأنه الثاني بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، لم يجز أن يتقدم بعده أحد في الخلافة ، وبذلك تصحّ خلافته للرسول صلى اللّه عليه وسلم .
   * * *    

2184 - ( دليل على أن أبا بكر هو الخليفة )

في قوله تعالى :إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا( 41 ) ( التوبة ) ، أن « ثاني اثنين » تدل على أن الخليفة بعد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم هو أبو بكر الصدّيق ، لأن الخليفة لا يكون أبدا إلا الرجل الثاني ، ليقوم بالأمر بعد وفاة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، كقيام النبىّ صلى اللّه عليه وسلم به أولا ، فلما مات النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ارتدّت العرب كلها ، ولم يبق الإسلام إلا بالمدينة ومكة ، فقام أبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ، ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبىّ صلى اللّه عليه وسلم، فاستحق من هذه الجهة أن يقال في حقّه « ثاني اثنين » و « خليفة رسول اللّه ».
   * * *

2185 - ( أبو بكر خليفة رسول اللّه وليس خليفة اللّه )

خلقنا اللّه تعالى خلفا بعد خلف ، يقول :هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ( 39 ) ( فاطر ) ، والخلف هو التالي للمتقدّم ، فلما قيل لأبى بكر : يا خليفة اللّه ، قال : « لست بخليفة اللّه ، ولكني خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأنا راض بذلك » ، وقياسا ، يكفى حديثا أن يسمى رئيس الدولة الإسلامية « خليفة » فقط ، أو أن يعطى أي اسم آخر ، كاسم رئيس الجمهورية ، أو الأمير ، أو الإمام ، أو حتى الملك ، بشرط العمل بمقتضى الشرع ، وفي إطار ثقافتنا وتاريخنا .
   * * *

2186 - ( آية الخلافة في استخلاف الشعوب وليس الحكام )

* الآية :وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً( 55 ) ( النور ) يفسّرها الحديث : « زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها » ، فالمعنىّ في الآية هو الأمة أو الشعوب الإسلامية ، والاستخلاف هو استخلاف للشعوب وليس لأفراد الحكام ، واستخلاف الشعوب هو أن يملّكوا البلاد وينفرد أهلها بحكمها .
وهذا ما وعد به نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم ، وما يترسّمه نظام الخلافة أو نظام الحكم ، وما تنهض له الدعوة ، وما تطبّقه الشريعة ، وأثبتت الأيام أن كل ما وعد منها نفّذ بقدره وعلى حاله .
والخلافة للخلفاء الأربعة تعنى أنها « خلافة النخبة » بمبايعة الشعب ، وأن يكون أساس الحكم الشورى ، فالمبدأ إذن في الإسلام : أن الحاكم ينتخب من النخبة ، والآية عامة لأمة الإسلام غير مخصوصة بالخلفاء الأربعة فقط ، ومن الأصل المعلوم التمسّك بالعموم .

وقوله صلى اللّه عليه وسلم : « الخلافة من بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا » ليس المقصود به أن يملّك على المسلمين ملوكا ، وإنما الخلافة من بعد وفاته تكون لأصحابه من النخبة ، وتدور في دائرتهم ، لاستكمال ما بدأه ، ولترسيخ المفاهيم والدين ، ثم تكون ملكا للشعب ينتخب من يشاء من الأصلح . والحديث صادق في مجموع سنين خلافة الخلفاء : سنتان لأبى بكر ، وعشر سنوات لعمر ، واثنتا عشرة سنة لعثمان ، وست سنوات لعلىّ ، فالمجموع ثلاثون سنة ، ثم بعد ذلك غلبت الشعوب للأسف على أمرها ، وصار الملك نهبا لمن يغتصبه ، ثم صاروا يحتكرونه لأبنائهم ، وحسبنا اللّه !
   * * *

2187 - ( بيعة الرضوان تحت الشجرة أول انتخاب حرّ في التاريخ )

الرضوان : مصدر من الرضا ؛ والبيعة : هي التولية ؛ وبيعة الرضوان : هي التي دعا إليها الرسول صلى اللّه عليه وسلم لمّا أرسل عثمان بن عفان ليبلّغ عنه أنه يريد مكة لأداء العمرة ، وأنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظّما لحرمته ، فاحتبست قريش عثمان عندها ، فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم قتلوه ، وقال : « لا نبرح حتى نناجز القوم » ، ودعا إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان ، أي التي يبتغى بها « رضوان اللّه » ، وتمت « تحت الشجرة » ، فكان الناس يقولون :
إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بايعهم على الموت ، وقال آخرون : لم نبايع على الموت ولكنا بايعنا على أن لا نفر . ولم يتخلّف أحد من المسلمين ممن كانوا مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلا الجد بن قيس ، وكان تعداد من معه نحو ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة . وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « اللهم إن عثمان في حاجة اللّه تعالى وحاجة رسوله » ، وضرب بإحدى يديه على الأخرى . وكان الناس قبل أن يسألهم البيعة قد تفرّقوا يطلبون ظلال الشجر ، فلما سألهم البيعة أحدقوا به ، وكانت هذه البيعة أول انتخاب حرّ في التاريخ . 
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمن بايعوا : « أنتم خير أهل الأرض اليوم » ، وقال : « لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة » ، ونزل فيهم قوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً( 10 ) ( الفتح ) ، وقوله :لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ( 18 ) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً( 19 ) ( الفتح ) ، فالذي بايع إنما بايع اللّه بواسطة رسوله ، كقوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ( 111 ) ( التوبة ) ، وفي الحديث : « من سلّ سيفه في سبيل اللّه فقد بايع اللّه » ، وتمت البيعة تحت شجرة سمرة بالحديبية . وكان أول من بايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبو سفيان الأسدي ، فهو أول حرّ ينتخب في أول انتخاب حرّ في التاريخ .
   * * *    

2188 - ( أول دعاية انتخابية في التاريخ )

هي دعاية عمر بن الخطاب لأبى بكر ، فلما مات النبىّ وارتبك الناس من يختارون بعده خليفة ، اعتلى عمر المنبر ، وكان ذلك في الغد من وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فتشهّد وأبو بكر صامت لا يتكلم ، فقال : « كنت أرجو أن يعيش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد بذلك أن تكون وفاته صلى اللّه عليه وسلم بعدهما : عمر وأبى بكر ، وقال : « فإن يك محمد صلى اللّه عليه وسلم قد مات ، فإن اللّه تعالى قد جعل بين أظهركم نورا ، به تهتدون بما هدى اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، وإن أبا بكر صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثاني اثنين ، فإنه أولى الناس بأموركم ، فقوموا فبايعوه » - فقاموا وبايعوه .
وكانت طائفة من الناس قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بنى ساعدة ، وأما في هذه البيعة ، فبايعه الناس عامة . وكانت خطبة عمر أول دعاية انتخابية في التاريخ ، وجرت وقائعها في التاسع من مايو سنة 632 ميلادية ، أي منذ نحو 1370 سنة ! ! ولم تكن الانتخابات معروفة في أي مكان في العالم في ذلك الوقت !
   * * *

2189 - ( الردّة وأهلها والمرتد )

الردّة الاسم من الارتداد ، والمرتد الذي حاد عن دينه ، وفي الآية :وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ( 217 ) ( البقرة ) ، تحذير من المشركين أنهم سيدأبون على قتال المسلمين ليردّوهم عن دينهم إن كان بوسعهم ذلك ؛ والمرتد هو الذي يطاوعهم عليه فيبطل عمله ويحبط ويفسد في الدنيا والآخرة ، والحبط أصلا نوع من الفساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها الكلأ ، فتنتفخ أجوافها وربما تموت من ذلك ، والآية إذن نوع من التهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام ، وإلا فالمرتد بعد إيمان فإنه كافر ، إلا إن كان مكرها ، كقوله تعالى :مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ( 106 ) ( النحل ) ، و « الكفر من بعد إيمان » في الآية تاريخيا ، هو الذي كان من بعض المسلمين لما ارتدوا عن بيعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وقيل كانوا أربعة ، هم : عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ، ومقيس بن صبابة ، وعبد اللّه بن خطل ، وقيس بن الوليد بن المغيرة .
وأما « الكفر عن إكراه » فهو الذي أباه عمّار بن ياسر ، وكانت قريش قد أخذوه وأباه ياسر ، وأمه سمية ، وصهيبا ، وبلالا ، وخبّابا ، وسالما ، فعذّبوهم ، وقتل ياسر وسمية فكانا أول قتيلين في الإسلام ، وكانت قريش تغصبهم على أن ينطقوا كلمة الكفر ، فأبوا رغم العذاب ، إلّا 
عمّارا ، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه ، وهذه هنة في شخصية عمار ، وسنجده من بعد بسبب هذا الضعف فيه ، ينضم إلى الفتنة ويقاتل المسلمين مع علىّ .
وقيل إن الرسول قال لعمّار من بعد يطمئنه : « كيف تجد قلبك ؟ » قال عمار : مطمئن بالإيمان ! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : 
« فإن عادوا فعد » .
وفي الارتداد عن غصب قيل إن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قال : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » ، والغصب هو أن يخشى المسلم على نفسه القتل ، فيظهر الشرك ويكون مرتدا في الظاهر ، بينما هو على الإسلام فيما بينه وبين اللّه ، ومثلإِلَّا مَنْ أُكْرِهَ( النحل 106 ) قوله :« إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً» ( آل عمران 28 ) ، والمكرهون على الكفر هم « المستضعفون » في الآية :إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ( 98 ) ( النساء ) ، والمكره المستضعف هو الذي لا يمتنع عن فعل ما يؤمر به سواء كان رجلا أو امرأة أو ولدا .
والإكراه في الفعل والقول سواء ، ولا إثم على من يكره في هذه الحالة ، كدليل على الكفر ، على أن يشرب الخمر مثلا ، أو أن يترك الصلاة ، أو يفطر في رمضان ، إلا أن يؤمر بقتل ، فعليه في هذه الحالة ، الصبر على البلاء ويسأل اللّه العافية .
وأما من يؤمر بزنا فيستحيل أن يفعله ، لأنه لن ينتصب أصلا مع التهديد ، ولا زنا بلا انتصاب ، فإذا كان المكره امرأة وأكرهت على الزنا فلا حدّ عليها ، لقوله تعالى :إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ، ولقوله :فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 33 ) ( النور ) . ولما عذّب المشركون سمية أم عمار ، سبّوها وقالوا لها إنها أسلمت من أجل الرجال ، فحاولوا معها الزنا ، وربطوها بين بعيرين ، وعرّوها ، وطعنوا فرجها بحربة حتى خرجت الحربة من فمها ، ولم تنطق سمية كلمة الكفر .
والذي يكره على الكفر ويجريه على لسانه ، عليه أن ينطق به كالمعاريض - جمع معرض ، من التعريض وهو خلاف التصريح ، تقول عرفت ذلك في معراض كلامه ، ومعرض كلامه ، يعنى أثناء كلامه ، فإن قيل له : قل : لا أقر بمحمد نبيا ، أو قل : إن عيسى ابن اللّه ، فليقل ذلك بلا اكتراث ولا احتفال ، وكأن الكلام لا يعنيه ، وقيل لي إن المسلمين في البوسنة كانوا : يجبرون على نطق الكفر ، فكانوا يقولونه بلا اهتمام ، ويحرّفون في الكلام ، وقلوبهم تستغفر ، والقرف يتملكهم .
فمن يجبر على الكفر واختار القتل فأجره عند اللّه . وأما من شرح صدره للكفر ونطق به عن رضا ، محبة في الحياة الدنيا على الآخرة ، فهؤلاء طبع اللّه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، ولم يكونوا من المسلمين أصلا ، وكانوا من الغافلين الخاسرين والمنافقين .

فأمّا الآية :لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ( 66 ) ( التوبة ) ، فلم يكن كفر هؤلاء المعتدين أو المعذبين ارتدادا ، وكان جرمهم كما تقول الآية :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ( 65 ) ( التوبة ) ، والآية نزلت في غزوة تبوك ، فبينما كان المسلمون متجهين إليها سخر منهم نفر من المنافقين كانوا في صحبتهم ، وقالوا : انظروا هذا ، يفتح قصور الشام ويأخذ حصون بنى الأصفر ! يريدون بذلك الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فالتفت إليهم معاتبا ، فقالوا : إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال لهم نبي اللّه : « أبا للّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون » ؟ ! ، وقيل الذي كان يخوض ويلعب هو وديعة بن ثابت وكان من المنافقين ، والهزل بالكفر كفر ، والهزل أخو الباطل والجهل .
وقوله : « لا تعتذروا » دليل على أنهم أكثر من واحد ، وقيل كانوا ثلاثة ، هزئ اثنان ، وضحك واحد ، فالذي عذر هو الذي ضحك ولم يتكلم ، قيل هو مخشى بن حمير ، أو ابن مخشى ، أو هو مخاشن بن حمير ، أو ابن خمير ، والإجماع على أنه تاب وسمّى نفسه عبد الرحمن ، ودعا أن يقتل شهيدا ، واستشهد باليمامة فيما بعد ، والمؤكد أنه كان منافقا قبل أن يتوب ، لأن الآية التالية تقول :الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ( 67 ) ( التوبة ) ، فثبت ذلك عليه وعلى شريكيه ، وكفر هؤلاء لم يكن إذن من باب الارتداد ولكنه من الطبع ، فإن يكن قد أعلنوا الإسلام إلا أنهم لم يكونوا قد آمنوا .
وقد عفا اللّه عن مخاشن هذا لمّا تاب ، لأنه فقط لم ينطق كلمة الكفر واكتفى بالضحك ، وأما الاثنان الآخران فكانا منافقين عن حق ، فصدق عليهم الكفر عن حق ، واستحقا اللعنة ووعدا النار خالدين فيها .

و « المرتد بعد إيمان » يستتاب ولو مائة مرة ، والأمر فيه على اختلاف بين الفقهاء وقالوا يقتل ، بالحديث : « من بدّل دينه فاقتلوه » ، ولا يوجد في القرآن نصّ بذلك ، إلا أن عمله يحبط ، والإجماع على أن المرتدة لا تقتل ، وقد نهى الرسول صلى اللّه عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ، وابن عباس لم يقتل المرتدة ، وفعل علىّ نفس الشيء .
ومن قال بالقتل يحتج بالحديث : « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان . . . » الحديث .
ومن قال بأن أعماله تحبط في الدنيا والآخرة ، قال إنه إذا عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله ، فإذا مات وهو مرتد ، قيل : يرثه أهله من المسلمين ، وإلّا ورثه أهله من الكفّار .

وفي الآية :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ( 54 ) ( المائدة ) دليل آخر عن أن القتل ليس شرعة اللّه في المرتد ، وقيل الآية من إعجاز القرآن لأنها أنبأت عن الردّة تكون في غير عهد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كحركة كبرى ، وقد جرت في عهد أبى بكر ، وأهل الردّة كانوا بعد موته صلى اللّه عليه وسلم ، فلما قبض ارتدت العرب إلا مسجدين : مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، وقيل ومسجد جؤاثى - من جواثا بالمدينة ، ومنه جمعت أول صلاة جمعة .
وكان المرتدون على قسمين ، فقسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها كما يطالب العلمانيون الآن ، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها ، وقالوا نصوم ونصلى ولا نزكّى ، فقاتلهم أبو بكر جميعا ، وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش على ما هو مشهور من أجنادهم ، وكانت عاقبة المرتدين استبدالهم من اللّه بمن يحبهم ويحبونه ، ويلتزمون بشريعته ويؤدون الزكاة على ما شرع ، والمقصود بهم مستقبلا أبو بكر وأصحابه ، ونعتهم بأن من أخلاقهم أن يرأفوا بالمؤمنين ويرحموهم ويلينوا لهم ، ويغلظوا على الكافرين ، ويجاهدوا في سبيل اللّه بلا خوف من ملامة ، وهي صفات ألصق بأبى بكر وعمر وعثمان ، والأحرى أن الآية عامة في كل من يجاهد الكفر إلى قيام الساعة .

   * * *


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد 26 نوفمبر 2023 - 12:03 عدل 2 مرات

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 26 نوفمبر 2023 - 11:48 من طرف عبدالله المسافربالله

الباب الثامن عشر المعاملات أولا الإسلام السياسي من 2168 إلى 2210 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني

2190 - ( لم ترتد امرأة من المهاجرات بعد إسلامها )

لما نزلت الآية :إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ( 10 ) ( الممتحنة ) هاجرت نساء كثيرات من مكة إلى المدينة ، وهربن من أزواجهن ، منهن : سبيعة بنت الحارث الأسلمية وكانت تحت صيفي بن الراهب ، وقيل مسافر المخزومي ؛ وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها ؛ وأميمة بنت بشر امرأة ثابت بن الشمراخ ، فتزوجها سهل بن حنيف .
ولم يعرف أن مسلمة ارتدت بعد إسلامها إلا ثلاث : أم الحكم بنت سفيان ، وكانت تحت عياض بن شداد فقيل إنها ارتدت ؛ وبروع بنت عقبة وكانت تحت شماس بن عثمان ؛ وعبدة بنت عبد العزّى بن نضلة ، وكانت تحت عمرو بن عبد ود ، وهؤلاء لم يكنّ مهاجرات ، ولكن كافرات ، ولم يعرف لهن إسلام ، وكل امرأة كافرة ظلت بمكة فلا يعتد بها زوجة لمسلم ، وقد طلق عمر امرأتين له بمكة مشركتين هما : قريبة بنت أبي أمية فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة ، وأم كلثوم بنت عمرو الخزاعية ، أم عبد اللّه بن المغيرة ، فتزوجها أبو جهم بن حذافة وهما على شركهما . فكما أن كل امرأة قيل إنها ارتدت لم تكن في الحقيقة مسلمة ، ومنهن من كانت تضمر الإضرار بزوجها ، أو تلتمس الدنيا ، على عكس المهاجرات من مكة اللاتي أعلنّ إسلامهن وتقدّمن للامتحان وأثبتن أنهن إنما هاجرن حبا للّه ولرسوله .
   * * *    
2191 - ( تغيير المجتمعات للأفضل بتحضير الرأي العام للثورة )
هذه قاعدة من قواعد الاجتماع الإنسانى ، كقوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ( 11 ) ( الرعد ) ، فلكى تنجح الدعوة للإصلاح وتؤتى ثمارها لا بدّ أولا أن يفهمها الكافة ويعلموا بصحة ما تنادى به ، وعندئذ يوجد الميل القوى في المجتمعات للتحوّل عن الوضع الذي هي عليه ، فالاشتراكية مثلا لا بدّ لكي تنجح أن يكون هناك رأى عام يساندها ، ورؤية واضحة لما تدعو إليه ، ويتم ذلك خلال ما يقال أنه مرحلة التحول الاشتراكى ، والآية تخبر أن اللّه لا يفرض الصواب على الناس فرضا ، فلا بد أن يتوفر الميل إلى إتيانه أولا ، واللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يقع منهم التغيير أولا ، وهذا المبدأ من النواميس الكونية ، وهو حقيقة أو بدهية ، كقوله :سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً( 38 ) ( الأحزاب ) .
   * * *

2192 - ( المجتمعات كالأفراد لها آجال )

تبيّن بعد لأىّ لعلماء الاجتماع أن المجتمعات كالأفراد لها آجال ، وفي القرآن :وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ( 34 ) ( الأعراف ) ، والأمم تشيخ ، ولها مراحل شباب ، وطفولة ، وكذلك الحضارات ، فالحضارة اليونانية سادت لفترة ثم شاخت ومرضت وانتهى أمرها ، وتلتها الحضارة الرومانية ، وقبل ذلك كانت الحضارة المصرية القديمة ، والفارسية ، ثم كانت الحضارة الأوروبية وهي حضارة يهودية نصرانية ، وحتى الآن لم يزل الإسلام يحاول أن يبسط نفوذه ، ولا تزال الحضارة الإسلامية في عنفوانها ، والناس يخلطون بين الحضارة الإسلامية والحضارة العربية ، وكلاهما لم يمت ، فما تزال الحضارة العربية تستوعب غيرها من الحضارات ولها إسهاماتها العالمية ؛ ولم تمت الحضارة الإسلامية ولكنها تمتد ، وتظهر عند شعوب لم يكن لها حساب ، كالألبان ، والبوسنيين ، والشيشان ، والأفغان إلخ .
وفلسفة القرآن في قيام الحضارات وازدهار الشعوب تختلف مثلا عن فلسفة « شبنجلر » الذي يقول بمثل ذلك ، غير أنه لا يربط بين الحضارات ، وعنده أن نهاياتها جبرية كما يقول فوكوياما ، فالحضارة لها صيف وربيع وخريف وشتاء تفقد فيه روحها وتجف ، ولم يقل لنا شبنجلر لما ذا تجف وتصبح مدنية بعد أن كانت حضارة ؟ والإسلام والقرآن يبين ذلك ويفسّره ويوضحه ويوجزه في هذه العبارة : أن كل حضارة مآلها إلى الزوال فقط إذا عتت وظلمت ، وأنكرت اللّه كما تفعل أمريكا الآن .

   * * *

2193 - ( نظام الحكم الملكي والجمهوري الوراثى )

في الآية :إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً( النمل 34 ) ،المقصود بالملوك الطغاة ، ويجمع في يده كل السلطات ، ويقيل الوزارات ويكلّفها ، ويختار الوزراء ، ويفصّل القوانين على هواه ، ويزوّر الانتخابات ، ويعيّن المحافظين والنواب وقواد الجيش والشرطة ، ويجعل من نفسه حاكما أبد الدهر ، ولا يستقيم له ذلك إلا بالإفساد ، وإذلال الرافضين ، واتهام المنكرين ، وممالأة الأعداء ، وأن يكون عميلا للمخابرات الأجنبية ، وحافظا لمصالح الدول الكبرى .
والنظامان الملكي والاستبدادى من أسوأ أنظمة الحكم ، وهذا شأن كل نظام سياسي يفرضه شخص واحد ، أو حزب واحد ، أو أسرة واحدة ، والأدهى أن يكون نظاما وراثيا ، وهو في الغالب هكذا ، ومن شأنه الحط من أقدار الشعب ، فأن يملك رجل واحد أو يحكم حزب واحد أو أسرة واحدة ، بلدا بأسره ، فهذا هو نظام الرقيق على مستوى سياسي كبير .
والإسلام لا يعرف هذا النظام ، لأن الإسلام مبنى على الشورى الملزمة ، والسلطة فيه لأهل الذكر والحل والعقد ، وهم أصحاب أعلى الثقافات وأوسع الخبرات ، بمعنى أن الحكومة في ظل النظام الإسلامي هي « حكومة خبراء » ، ولم تسقط الدولة الإسلامية إلا عندما فهمت الخلافة أو الإمامة أو سلطة الحكم في الدولة ، على أنها نظام ملكي ، أو استبدادي ، أو جمهورى وراثى .

   * * *

2194 - ( الهدية للحاكم وحكم الإسلام فيها )

الحاكم الدنيوي يقبل الهدية من مرءوسية وأصحاب المصلحة ، والحاكم بشرع اللّه لا يقبلها ، وإذا قبلها فبشروط . ولمّا أرسلت ملكة سبأ إلى سليمان بهدية ، كقوله تعالى :وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ( 35 ) ( النمل ) ، كان ذلك من حسن نظرها وتدبيرها ، لأن الصالحين لا يرضيهم المال . وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم يقبل الهدية ، ولكنه كان يثيب عليها ، يعنى يردّ الهدية بهدية ، ولم يكن يقبل الصدقة ، وكذلك سائر الأنبياء والصالحين ، وأهل الفكر ، وأصحاب المذاهب والمبادئ .
وفي الحديث : « نهيت عن زبد المشركين » ، يعنى عطايا من لا يؤمنون باللّه . والهدية في حدّ ذاتها ، وبين الأنداد والإخوان ، مندوب إليها ، وتورث المودة ، وتذهب العداوة ، وفي الحديث : « تصافحوا يذهب الغلّ ، وتهادوا تحابوا تذهب الشحناء » ، والشحناء هي البغضاء ، وفي رواية : « تهادوا فإنه يضعّف الود ويذهب بغوائل الصدر » ، ويضعّفه يعنى يزيده ، وفي رواية قال صلى اللّه عليه وسلم : « تهادوا بينكم فإن الهدية تذهب السخيمة » ، والسخيمة الغلّ .
والخلاصة : أن الهدية لا تجب من صغير إلى كبير ، ولا من متعلم إلى عالم ، ولا من تابع إلى سيده ، فهذه رشوة ، وأما الهدية فتكون بين الإخوان والأنداد وهي آصرة .

   * * *    

2195 - ( من دلائل نبوّة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم خلافة الخلفاء )

في الآية :وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً( 55 ) ( النور ) وعد من اللّه تعالى أن يستخلف المؤمنين في الأرض ، يعنى أن يرثوا الحكم وتكون لهم الغلبة ، ويسود دينهم ، وتعلو ثقافتهم .
وهذا الوعد قد حققه اللّه تعالى للمسلمين ، فأظهر اللّه نبيّه على جزيرة العرب ، فوضع العرب جميعا السلاح وآمنوا ، واتّسع ملك المسلمين من الصين حتى الأمريكتين ، وما يزال يتسع يوميا ، وفي ذلك دلالة ، أولا : على صدق القرآن وأنه من عند علّام الغيوب ؛ وثانيا : على صدق النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وأنه مرسل من عند اللّه ويوحى إليه ، ثم إن الآية ثالثا : دليل على خلافة الخلفاء بعد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم ، استخلفهم ربّهم ورضى أمانتهم ، وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم ، ولم يفضّل عليهم أحدا ، واستقر الأمر لهم وقاموا بسياسة المسلمين .
   * * *

2196 - ( لا حكم إلا للّه : كلمة حق أريد بها باطل )

هي قول العاصي يتعلّل بها :لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ( 57 ) ( الزمر ) ، كتعلّل القدرية في قوله تعالى :سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا( 148 ) ( الأنعام ) ، إلا أنها كما قال علىّ بن أبي طالب للخوارج : « كلمة حق أريد بها باطل » ، فقد قالوا : « لا حكم إلا للّه » ، وقولهم ظاهر البطلان ، لأن من سيتولى الحكم هم أنفسهم وليس اللّه ، وكذلك الذي يقول : « لو أن اللّه هداني » ، أو « لو شاء اللّه » ، فإن اللّه لا يضلّ ، ولا يشاء الكفر ، والذي ضلّ هو المتعلل بهذا القول المتهافت ، فاللّه يهدى بإرسال الرسل ، وهذه هداية الدلالة ، ثم يهدى بإعانة من يريد الهداية ، وهذه هداية المعونة ، وكذلك في الأحكام ، فاللّه تعالى يشرّع ، ولكن الحاكم هو الذي يطبّق الشرع ، فقد يفعل ذلك عن حقّ ، وقد يفعله عن باطل ، فإذا فعله عن حق أعانه اللّه ، وإذا فعله عن باطل أبلسه وأرداه في النار .
   * * *

2197 - ( الأراذل والأرذلون من مصطلحات الإسلام الثورة )

هذا مصطلح إسلامي خالص ، وهو في التاريخ من مصطلحات الثورات ، ولأن كتّاب الثورات من الطبقة المثقفة الذين تربّوا على الاستكبار على ثقافة الشعب ، ولغته وعاداته ، فقد وصفوا الطبقات الدنيا من الشعب ، وهم عصب الثورات الشعبية عبر التاريخ كله ، بأنهم الرعاع ، أو الدهماء ، أو الغوغاء ، فأما الرعاع فهم العامة ، وأما الدهماء فهم السواد ، وأما الغوغاء فهم السفلة ؛ وفي اللغات الأوروبية همpopulace، أوmobأوpopulaccio، أوVolk؛ وفي المصطلح السياسي فإن حكومة أو حكم الرعاع هوmobocracy، ومثل هذه الحكومة لا تسود إلا بالانقلابات الشعبية ، كالتي كانت أيام الرومان ، وفي الثورة الفرنسية ، الثورة والروسية ، والثورة الصينية ، والثورة المصرية ، ويضيف المقريزي والجبرتى إلى هذا الاسم للحكومة الشعبية ، اسم « حكومة الأوباش » ، فأما القرآن ، فمصطلحه هو الأراذل ، والأرذلون ، كقوله :قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ( 111 ) ( الشعراء ) ، وقالوا :وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا( 27 ) ( هود ) ، من رذل ورذل رذالة ، أي استحق الاحتقار ، فالأراذل هم المحتقرون ، وهم كذلك بسبب احترافهم للحرف ، ومنهم عند الجبرتى الحمّارون ، والحجّامون ، والحطّابون ، والحمّالون ، والسوقة عموما ، وفي المصطلح الديني كذلك هم « ضعفاء الأمة » ، من طبقة العبيد ، والموالى ، والرقيق ، والإماء ، والمكاتبين ، والأجراء ، وبالاختصار هم « الشغّيلة » ، والناس بحسب هذا المصطلح إما « مستكبرون » وإما « مستضعفون » ، والمستضعفون : هم الأتباع والأجراء ، والمستكبرون : هم الأسياد .
والإسلام دين وثورة ؛ والإسلام الثورة : جاء يخلّص هؤلاء الضعفاء أو المستضعفين ، كقوله تعالى :وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ( 5 ) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ( 6 ) ( القصص ) ،
أي أن هدف الإسلام هو : 
إقامة الميزان الاجتماعي والسياسي على الأرض ، وأن يكون النظام الحاكم هو النظام الذي يمثّل الأغلبية ، وهم الذين دأب المستكبرون العرب على تسميتهم بالأراذل ، والمستكبرون الإفرنج دأبوا على تسميتهم بالرعاعmob؛ والأراذل في عهد النبىّ صلى اللّه عليه وسلم كانوا « الموالى » ، والموالى هم الرقيق والعبيد والأجراء : كعمّار بن ياسر ، وبلال ، وسلمان ، وصهيب إلخ ، وقد رفض النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أن يطردهم من صحبته كما طلب كبراء أهل مكة ، بدعوى خساسة أحوالهم وأشغالهم ، ولما دعا نوح مثلا لنفسه قال :وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ( 118 ) ( الشعراء ) ، يقصد « الأراذل » ، وهم الذين آمنوا به دون غيرهم ، وقال فيهم :وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ( 112 ) ( الشعراء ) ، فالداعية لا يسأل عمّا يعمل الذين يتّبعوه ، وإنما هو مكلّف بدعوتهم إلى ما يدعو إليه ، والاعتبار بأن يؤمنوا بدعوته ، وليس بالحرف والصنائع التي يمتهنونها ، وكأن كل هؤلاء الناقدين في القديم والحديث ، يتوجّه نقدهم لأشياع الثورة ، سواء كانت دينية أو دنيوية ، سياسية أو اجتماعية ، بأنهم ضعفاء يطمعون في العزّة والمال .
والناس يحاسبون عند اللّه لا بحجم ثرواتهم ، ولا بأنسابهم ، ولا بصنائعهم ، وإنما بإيمانهم وبأعمالهم الصالحة في خدمة إعمار الكون ، ولم يحدث في التاريخ كله أن طردت جموع العامل من دائرة المواطنة لأنهم الأقل في التحصيل أو في المنصب الاجتماعي . وحسبنا اللّه .
   * * *

2198 - ( معنى طاعة أولي الأمر )

حقّ على رؤساء الحكومات والوزراء أن يسيّروا نظام الدولة بالعدل ، والحكم أمانة ، ومن يتولى الحكم عليه أن يؤدى الأمانة ، كقوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ( 58 ) ( النساء ) والآية أصل من أصول الحكم ، وتخاطب كل الحكّام ، وفي المقابل فإن لهم عند الناس حسن الطاعة ، كقوله :أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ( 59 ) ( النساء ) ، والتقدير في الآية أن يطيع الناس اللّه فيما نصّ عليهم من العدل ، ويطيعوا الرسول فيما بيّن لهم من ذلك ، ويطيعوا أولي الأمر لأنهم قد آل إليهم الأمر أمانة ، فكل من يأمر بحق وكان عادلا ، فهو من أولي الأمر ، لأنه يحكم بما لا يخالف ما أوصى به اللّه ، وفي الحديث : « من أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن عصاني فقد عصى اللّه ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصى أميري فقد عصاني » ، والأمير في الحديث معناه القانون ، والطاعة : هي الإتيان بالمأمور ، والانتهاء عن المنهى عنه ، وهي العمل بالقانون وفي إطاره .
ولم تكن للعرب حكومات ولا رؤساء حكومات ، فكانوا يمتنعون على أمراء الرسول صلى اللّه عليه وسلم وهم المسؤولون عن تدبير الأمور لهم .
وتقوم المجالس الشرعية اليوم بتقنين الشريعة وتطبيقها على مقتضيات الأحوال ، والشريعة : هي العقل المستنير ، والرأي الراجح ، وصالح الناس ، وأساس ذلك العدل ، ولا توجد دولة بمعنى الدولة إلا إذا قامت على العدل .
وحقيقة الطاعة ، امتثال العدل ، كما أن المعصية ضدها ، والحاكم العادل هو الذي يرعى شعبه ويسوسهم للحق وبالحق ، ويشرّع ما يضمن لهم حقوقهم ، وفي الحديث : « ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » ، والمسؤولية إذن موزّعة بين الحاكم والشعب : « وما من راع إلا يسأل يوم القيامة : أقام أمر اللّه أم أضاعه » ، أي هو أدّى الأمانات وحكم بالعدل أم لا ؟ كالحديث : « إن اللّه سائل كل راع عما استرعاه ، حفظ ذلك أو ضيّعه » ، والحكم لذلك ليس استبدادا ، ولا هو احتكارا للسلطة ، ولكنه شورى ، ومسؤولية ، وتداول للسلطة .

   * * *

2199 - ( الطاعة للحاكم في المعروف )

لا يحكم الحاكم بهواه وإنما بالقانون ، ولا يفصّل الحاكم القوانين تفصيلا ثم يحكم بها فهذا احتيال ونصب ، وأية قوانين توافق عليها المجالس التشريعية ما لم تكن في صالح الشعب فهي جائرة وباطلة ، والذين يصوغونها يسميهم القرآن « المسرفين » ، وفيهم يقول تعالى :وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ( 151 ) ( الشعراء ) ، ويصفهم وهم المفسدون فيقول :أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ( 257 ) ( البقرة ) ، والطاغوت من الطغيان ، والطاغوت هو الحاكم المستبد رأس الضلال في أمّته ، والمسلم - كما جاء في الحديث : « عليه السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة » ، « إنما الطاعة في المعروف » ، « ولا طاعة لمن لم يطع اللّه » ، واللّه هو الحق ولا يأمر إلا بالحق ، والحاكم إذا كان طاغية وجب عزله إجماعا ، وعلى كل مسلم القيام بواجبه ذلك ، فمن قوى على الاضطلاع بواجبه فله الأجر والثواب ، ومن داهن فعليه الإثم ، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض .
   * * *

2200 - ( الساسة من طلاب الحكم )

هؤلاء هم « المنافقون » في المصطلح القرآني ، لأنهم في سبيل الاستحواذ على الحكم لهم طرقهم الملتوية ، وأساليبهم غير الشريفة ، وتمكين هؤلاء من الحكم منهىّ عنه ، وفي الحديث : « من سأل الإمارة وكل إليها » ، « ومن لم يسأل الإمارة أعانه اللّه عليها » ، فطلب الحكم إذن مكروه ، ومن يحرص على طلبه ويسعى فيه لا يعان ، فمثله يخشى أن لا يحصل منه العدل إذا ولى ، وفي الحديث : « إنّا لا نولّى من حرص » ، والحريص على الحكم إن لم يكن له من اللّه العون ، لا يكون فيه كفاية عليه ، فلا ينبغي أن يجيبه الشعب على سؤله ، ولا أن ينتخبه ، وعليه أن يقاطعه ويعتزله ، ويعتزل من يعينه .
والحكم فيه مشقة ، وله غواية ومنافع ، ويرضى النزعات إلى السلطة ، فما لم يكن اللّه قد أصفى نفس طالب الحكم من كل ذلك ، ووهبه حبّ الناس وخدمتهم ، لم يكن له منه عون ، فإذا فاز فإنه لا يفوز برضا اللّه ، ويبوء بسخطه ، ويخسر دنياه وعقباه ، وتزيد كراهية الناس له ، وما لم يكن المرشح للحكم يتصف بالتقوى ، فليس له أن يتعرض لطلب الترشيح أصلا ، وإن كان يريد الحكم ليعمل صالحا ، ويقيم معوجا ، ويعيد الحقوق لأصحابها ، ويرفع عن الناس الظلم والقهر ، ويمنع سلطان الأغنياء ، ويحمى البلد من الأجانب الطامعين ، ويعلّم الفقراء ، ويتيح لهم فرص العلاج والعمل ، ويعيد توزيع الثروة ، ويفرض الضرائب بالحق ، فلا ينبغي له أصلا أن يتعرض للطلب ، لأنه كما في الحديث : « لو غلب جوره على عدله فله النار » ، وفي الانتفاضات الشعبية فإن الأمم تختار حكامها تلقائيا ، ولا يرشّح الحكام أنفسهم ، وتظهر الأحداث مصداقية الحكومات الشعبية التي يختارها الشعب .
وأما في أنظمتنا شبه الإسلامية ، فإن نظام الأحزاب يرشّح للحكم أعضاءه ، ويستعين لفوزهم بالشفعاء ، ويقال فيهم « وكلوا إلى أنفسهم » ، ومن وكل إلى نفسه هلك ، ولذلك كان الدعاء : « ولا تكلني إلى 
نفسي » ، وقيل : إن الزعماء حقا هم الذين تختارهم شعوبهم للحكم ، وهم يخشون أن يحكموا ، وللحكم عندهم هيبة وخوف من الوقوع في المحذور ، فهؤلاء هم الذين نحن مأمورون بإعانتهم عليه إذا دخلوا فيه ، والأصل في ذلك أن من تواضع للّه رفعه ، وهذا محمول على غالب الزعماء ، لأن يوسف قال :اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ( 55 ) ( يوسف ) ، فزكّى نفسه استثناء من قوله تعالى :فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ( 32 ) ( النجم ) ، والصحيح أنه لم يطلب الحكم للدنيا ، ولا للحسب والنسب والأبهة والملك ، وإنما سأله بالحفظ والعلم ، فقال : « إني حفيظ عليم » ، فلو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحكم بالحقّ ، وليس هناك من يصلح له غيره ، ولا من يقوم مقامه ، لتعيّن ذلك عليه ، ووجب أن يرشّح نفسه له ، ويخبر بصفاته التي يستحقها من العلم والكفاية وغير ذلك .
وقيل إن يوسف كان نبيا ، ولا يعتدّ بقول نبىّ ، وإنما نحن بحيال بشر ولا ينبغي للبشر أن يزكّوا أنفسهم للحكم ، وإنما يزكّيهم الناس .

   * * *

2201 - ( حكومة الجاهلية )

من قوله تعالى :أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ( 50 ) ( المائدة ) ، وهي الحكومة التي تقوم في غير زمن الجاهلية ولكنها تعمل بنظام الجاهلية ، فتسنّ التشريعات لصالح الأغنياء ضد الفقراء ، وتملّك الأغنياء وترشّحهم للمناصب والمجالس التشريعية ، وفي علم السياسة :
فإن من يحكم هو من يملك ، وحكومة الأغنياء أو « الحكومة البلوتوقراطية » هي التي يتولاها الأغنياء ، وهم في أي مجتمع قلّة ، وهم الكبار من الملّاك ورجال الأعمال ، وحكومتهم لذلك تسمى أيضا حكومة القلة ، أو الحكومة الأوليجاركية ، والأغنياء كانوا يحكمون ويتحكمون في الجاهلية ، وكل زمن يسود فيه الأغنياء ويحكمون ويتحكمون يطلق عليه اسم الجاهلية ، ولم يسقط حكومة الأغنياء إلا النبىّ محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ومحا عن الإنسانية الجاهلية ، وعادت الجاهلية مرة أخرى تتحكم في العالم الإسلامي مع غلبة الرأسمالية ، ثم صار تحالف أغنياء العالم فيما يسمى « النظام العالمي الجديد » أو « نظام العولمة » ، وهو « إمبريالية جديدة » ، وأخضعت الأقلية الغنية حياة الأمة الأخلاقية والدينية والثقافية لمثل وقيم تجارة الجملة والسوق . والحكومة أو « الإمارة الجاهلية » قال فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أولها ملامة ، وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة » ، ونقيضها « إمارة الشورى » ، أو « حكومة الشورى » ، وقوامها الشورى ، والعدل ، والانتخاب الحرّ النزيه ، وتداول السلطة ، وفيها قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم : « نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحلّها ، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقّها ، فتكون عليه حسرة يوم القيامة » .
وفي الرواية عن أبي ذرّ بإخراج مسلم : أن أبا ذرّ 
قال للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم : يا رسول اللّه ، ألا تستعملني ؟ - يعنى سأله أن يخصّه بمنصب من مناصب الحكم ، فقال : « إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزىّ وندامة ، إلا من أخذها بحقّها ، وأدّى الذي عليه فيها » .
وقوله صلى اللّه عليه وسلم أصل عظيم من أصول الحكم ، فالحكم أولا : لا ينبغي أن يتولاه ضعيف ؛ وهو ثانيا : أمانة ؛ ثم هو ثالثا : مسؤولية سيسأل عنها يوم القيامة ، فمن طلب الحكم ودخل فيه بلا أهلية ، وبلا تقوى ، فلم يعدل ، وبغى وظلم ، وجار وطغى واستبدّ ، سيندم يوم القيامة ويجازى بالخزى ، وأما من كان أهلا له ، وعدل فيه ، فأجره عظيم ، وتظاهرت به الآيات والأحاديث ، وأفاض فيه القرآن ، ونوّهت به السنّة ، ولعل هذا هو سبب هرب الأكابر من تقلّد مناصب الحكم .
وفي بلادنا يقتتل الناس على كرسي الحكم ، وتسفك بسببه الدماء ، وتستباح الأموال والفروج ، ويعظم الفساد في الأرض بذلك ، ومن نكد الأيام أن حكّامنا لا يتركون الحكم إلا بالثورة عليهم وعزلهم ، أو بقتلهم ، أو بالموت يأتيهم من اللّه فيعسر حسابهم في القبر ويوم القيامة ، ويتركون الحسرة والندامة لأولادهم ولأهليهم من بعدهم ، ودعاء الناس عليهم ولعنتهم لأسمائهم ، وسوء سمعتهم ، وسقوطهم من التاريخ .

   * * *

2202 - ( بطانة الحاكم ومستشاروه )

نهى اللّه تعالى عن استخدام غير المسلمين كمستشارين للحاكم ، قال :لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ( 118 ) ( آل عمران ) ، وبطانة الحاكم خاصته الذين يستبطنون أمره ، وأصلها من البطن خلاف الظهر ، والآية فيها تحذير من الدخلاء ، جمع دخيل ، وهو الذي يدخل على الحاكم أو الرئيس في مكان خلوته ، ويفضى إليه بسرّه ، فيصدّقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر الشعب والناس ، ثم يعمل بمقتضاه .
وفي الحديث : « ما بعث اللّه من نبىّ ، ولا استخلف من خليفة ، إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضّه عليه ، فالمعصوم من عصم اللّه تعالى » ، والنبىّ معصوم ، ولا يلزم أن يقبل الشر ممن يشير به عليه ، ولكن الخوف على الحاكم أو الرئيس أن يقبل قول من لا يوثق به ومع ذلك يحسن الظن به ، وبطانته هم أولياؤه وأصفياؤه وهؤلاء قد يضمرون له الشرّ ويسيئون له النصح ، أو قد تكون لهم مصالح يراعونها ، وأهداف أخرى ومقاصد يتوخونها ، وربما منهم العملاء للدول الأجنبية ، واختراق حاشية الرئيس من الأعمال التي تجيدها مخابراتها ،
حتى قيل : 
إنه ما من دولة من دول العالم النامي إلا كان حاكمها نفسه من عملاء المخابرات ، وكانت بطانته من جواسيسهم عليه ، والآية والأحاديث تحذرنا من ذلك كل التحذير .
   * * *    

2203 - ( في الإسلام : رئيس الدولة من أفراد الأمة ويسرى عليه ما يسرى عليهم )

رئيس الدولة في الإسلام « وكيل عن الأمة » ، أو هو كالوصى ، ولا ميزة له على غيره من أفراد الشعب إلا باعتباره هذا : أنه « وكيل الأمة » ، أو « الوصي على أمورها » .
فإذا تعدّى الرئيس على أحد ، كان من الواجب أن يقتص منه ، وأن يكفل ذلك الدستور ، لأن القرآن والسنّة - ولهما المرجعية - قد فرضا ذلك ، فطالما أن الحاكمية للّه فلا فرق بين رئيس وعامل أمام أحكام اللّه ، وهي أحكام عامة تنطبق على الآحاد والجماعات ، وتسرى على الجميع .

وفي القرآن مثلان للرؤساء : الأول بلقيس ملكة سبأ ، وحكومتها ملكية مستنيرة ، والأمر فيها شورى ، قالت لشعبها :يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ( 32 ) ( النمل ) ؛ والمثل الثاني فرعون ، وحكومته ملكية مطلقة ، وأمور الدولة فيها يستأثر بها واحد دون الشعب ، يقول :ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ( 29 ) ( غافر ) ، وحكومة المستبد لا تستشير ، ولا تشاور ، ولا تقبل معارضة ، والمعارضة أصل من أصول نظام الشورى ، والمستبد دأبه أن ينكّل بالمعارضة ، وليس واجب رئيس الدولة تلمّس الأخطاء للمعارضة ، وتفصيل القوانين التي تلقى بالناس في السجون ، وإنما واجبه كما نصّ على ذلك عمر بن الخطاب : توعية الناس بحقوقهم ، وصون هذه الحقوق ، ورعاية « صالحهم » ، وليس إنزال العقاب بهم ، وفرض الضرائب على فقرائهم ، لصالح الأغنياء ، وإعفاء الأغنياء من كل ضرائب ورسوم جمارك ، وتسهيل استيلائهم على أموال البنوك ، وعلى الأراضي بالمجان .
وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينصف الناس من نفسه ، ويعطى القود من نفسه ، وفعل ذلك أبو بكر وعمر . وحسبنا اللّه ونعم الوكيل .

   * * *

2204 - ( في الإسلام : لكلّ درجات بحسب العمل )

في قوله تعالى :وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ( 19 ) ( الأحقاف ) ، وقوله :وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ( يوسف ) : أن الناس درجات في الحياة الدنيا - وحتى في الآخرة ، وإنما ليس بالمال ، أو بالحسب والنسب ، وإنما بالأعمال ، كقوله :يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ( 11 ) ( المجادلة ) ، والإيمان والعلم من الأعمال ، ولكل إنسان مهما كان - مرتبته عند اللّه ، والقول بالمراتب والدرجات من أساسيات الإسلام ، والدنيا والجنة درجات ، والنار دركات .
   * * *
2205 - ( القرآن ورجال السلطة والنظام )
ينهى اللّه عن مجالسة رجال السلطة ورموز النظام ، لأنهم يعادون الإسلام ولا ينصرونه ولا ينتصرون للمسلمين ، وفيهم يقول تعالى :لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ( 22 ) ( المجادلة ) ، يعنى من يحب اللّه ورسوله ، ويدعو أن يموت على الإسلام ، لا يمكن أن يوالى ، ولا أن يواد ، ويظاهر ، ويؤيد ، ويتعاون ، مع هؤلاء الذين يخالفون الإسلام ، ويبدون البغض للمسلمين ، ويشاقّون آيات اللّه وأحكام رسوله .
   * * *

2206 - ( صلح الحديبية كنموذج للصلح في الحروب )

هو الصلح الذي تم بين الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأهل مكة سنة ست هجرية ، وكان قد خرج إلى مكة في ذي القعدة ، واستنفر الأعراب حول المدينة للخروج معه فأبطأ عنه أكثرهم ، فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار وعددهم ألف وأربعمائة ، أو ألف وخمسمائة ، يقصد مكة معتمرا ، وساق معه الهدى وأحرم ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب ، فلما بلغ خروجه قريشا خرج جمعهم صادّين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن المسجد الحرام ودخول مكة ، وورد الخبر بذلك إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم وهو بعسفان ، فسلك طريقا يخرج في ظهور قريش ، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة ، ثم جرت السفراء بين رسول اللّه وبين كفّار قريش ، وطال التراجع والتنازع ، إلى أن جاء سهيل بن عمرو العامري ، فاتفقا على أن ينصرف النبىّ صلى اللّه عليه وسلم عامه ذلك ، فإذا كان من قابل جاء معتمرا ودخل هو وأصحابه مكة بغير سلاح ، على أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام ، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا ، وإذا جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما - من رجل أو امرأة ، ردّ إلى الكفار ، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يردّوه إلى المسلمين ، فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام ، وقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « اصبروا فإن اللّه يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه » ، فأنس الناس إلى قوله بعد نفار منهم .
وأبى سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح : من محمد رسول اللّه ، وقالوا له : لو صدّقناك بذلك ما دفعناك عمّا تريد ، فلا بد أن تكتب : باسمك اللهم » ، فأبى علىّ أن يمحو بيده « محمد رسول اللّه » ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أعرضه علىّ » ، فأشار إليه ، فمحاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده ، وأمره أن يكتب : « من محمد بن عبد اللّه » ، وردّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - نتيجة لهذا الصلح - أبا جندل بن سهيل إلى الكفار ، وعظم ذلك على المسلمين ، فأخبرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وأخبر أبا جندل - أن اللّه سيجعل له فرجا ومخرجا .
وفي رواية أخرى أن عليا هو الذي كتب الصلح بين النبىّ صلى اللّه عليه وسلم والمشركين ، فكتب : « هذا ما كاتب عليه محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم » ، فقالوا :

لا تكتب « رسول اللّه » ، فلو نعلم أنك « رسول اللّه » لم نقاتلك . 
فقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم لعلىّ : « امحه » ، فقال علىّ : ما أنا بالذي أمحوه ، فمحاه النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بيده . 
وكان فيما اشترطوا : أن يدخل المسلمون مكة فيقيموا فيها ثلاثا ، وفي رواية أخرى : أن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم أملى عليا : « اكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم » .
فقال سهيل بن عمرو : أما ، « الرحمن الرحيم » ، فما ندري ما « الرحمن الرحيم » ! ولكن اكتب ما نعرف : « باسمك اللهم » .
فقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « اكتب : من محمد رسول اللّه » ، قال سهيل : لو علمنا أنك رسوله لاتّبعناك ، ولكن اكتب اسمك ، واسم أبيك ، فقال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : « اكتب من محمد بن عبد اللّه » ، فاشترطوا على النبىّ صلى اللّه عليه وسلم : أن من جاء منكم لم نردّه عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا . فقال المسلمون : يا رسول اللّه ، أنكتب هذا ؟ قال : « نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده اللّه ، ومن جاءنا منهم فسيجعل اللّه له فرجا ومخرجا » .
فجاء عمر بن الخطاب فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : « بلى » ، قال : أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : 
« بلى » ، قال .
ففيم نعطى الدّنيّة في ديننا ونرجع ولمّا يحكم اللّه بيننا وبينهم ؟ فقال : « يا ابن الخطاب ، إنه رسول اللّه ، ولن يضيّعنى اللّه أبدا » ، فانطلق عمر وأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى .
قال أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : 
بلى . قال : فعلام نعطى الدّنيّة في ديننا ونرجع ولمّا يحكم اللّه بيننا وبينهم ؟ فقال : يا ابن الخطاب ، إنه رسول اللّه ولن يضيّعه اللّه أبدا ! فنزل القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ، فقال عمر : يا رسول اللّه ، أو فتح هو ؟ قال : « نعم » ، فطابت نفسه ورجع .
   * * *

2207 - ( الناس سواء تحت لواء القرآن )

المساواة مبدأ مقرر في الإسلام ، ففي القرآن :إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ( 13 ) ( الحجرات ) ، وفي الحديث : « الناس سواسية كأسنان المشط الواحد ، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى » ، وقال صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرهم بآبائهم ، لأن الناس من آدم ، وآدم من تراب ، وأكرمكم عند اللّه أتقاكم » .
والمسلم كالذمّى سواء بسواء حتى في العقيدة ، فالقاعدة في الإسلام أنه :لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ( 256 ) ( البقرة ) .
وتشريعات الملل الأخرى بحسب كتبهم يقر بها الإسلام ، ومن أصوله الإيمان بكل الرسالات ، كقوله تعالى :قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ( 136 ) ( البقرة ) ، فالقرآن يصادق على ما سبقه من كتب ويهيمن عليها ، كقوله تعالى :وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ( 48 ) ( المائدة ) ، وكل أصحاب ديانة إذن في أرض الإسلام - طبقا لذلك - يحكّمون نصوص ديانتهم ولا يخضعون لما يخالف 
شريعتها ، وهذه هي المساواة التي ما بعدها مساواة ، وانظر مثلا إلى النصراني المصري عندما يهاجر إلى أمريكا أو إنجلترا ، أو النصراني الذي يعيش في إسرائيل ، فهل تحكمه شريعته ؟
أبدا ، بل هو خاضع لشريعة البلاد التي يعيش فيها ، إلا في بلاد الإسلام ، فإن النصارى لهم شريعتهم وأحكامهم ومحاكمهم الملّية ومدارسهم ، وهذه هي ميزة الإسلام .
   * * *

2208 - ( طلب اللجوء السياسي )

هو أن يطلب فرد أو جماعة أجنبية الأمان من عدوان الدولة التابع لها ، لآراء يبديها معارضة ، وحق المعارضة يكفله الإسلام ، والرأي الآخر أصل من أصول الشورى ، ومن حق أفراد البلد المعادى أن يطلبوا الأمان في بلاد الإسلام ، ويسمى ذلك عقد الأمان ، بقوله تعالى :وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ( 6 ) ( التوبة ) ، ومن حق أي مسلم أو مسلمة أن يؤمّن أي فرد من الأعداء أو غيرهم يطلب منه الأمان أو اللجوء ، وفي الحديث : « ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ، وهم يد على من سواهم » ، وأجار الرسول صلى اللّه عليه وسلم من أجارته أم هانئ ، ومن أجارته ابنته زينب ، وأمر أن يؤمّن ، و « المؤمّن » : لا يجوز القبض عليه ، ولا تسليمه ، ولا أن يقتل ، ولا يعتدى على ماله ؛ ويسرى « عقد الأمان » بمجرد موافقة الدولة عليه ، وهو حق من الحقوق الإنسانية في بلاد الإسلام ، ولا يجوز طرد اللاجئ المؤمّن ، أو سحب حقّ اللجوء منه ، ما لم يثبت استغلاله لهذا الحق في التجسّس أو الإضرار بالمسلمين .
ويقال « للحربي » الذي يلجأ لديار الإسلام طالبا الأمان واللجوء أنه « مستأمن » ، ومدة إقامته سنة لا تزيد ، وطالما هو مقيم خلالها فهو مستأمن ، فإذا زاد عليها ونوى الاستيطان فهو « ذمّى » ، وله حكم الذمّى في تبعيته للدولة الإسلامية ، ولا يحق طرده بأي حال من الأحوال ، ولا إلغاء حقّه في اللجوء ، ولزوجته وأولاده حق اللحاق به .
والذمّى له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، وكذلك المستأمن اللاجئ ، وإذا مات لا تذهب ملكيته عن ماله وتذهب إلى ورثته ، فإذا لم يكن له ورثه ضمّ هذا المال إلى مال الدولة .

   * * *

2209 - ( الذمة هي العهد والأمان )

الذّميون أو أهل الذمة : هم من لا يدينون بالإسلام من أهل البلد الذي أغلبه من المسلمين ؛ وعقد الذمة : هو أن يلتزم أهل بلد ما أغلبهم من غير المسلمين بأحكام الإسلام جملة ، وإذا دخل الكتابي أو غيره في « عقد الذمة » ، وصار من « أهل الذمة » ، أمن على نفسه وماله وأهله ، وضمن حريته . 
والمسلمون يدفعون الزكاة ، والذميون يدفعون الجزية ، وسمّيت كذلك لأنها تجزئ عنهم ، أي تكفيهم أن يدفعوا الزكاة وأن ينخرطوا في الجيش ، وتعادل « البدلية » التي يدفعها المسلم إذا أراد أن يستعفى من الجندية .
وللذمّى ما للمسلم ، وعليه ما عليه ، ولا يجوز له أن يتصرف في معاملاته المالية إلا وفق تعاليم الإسلام ، فلا يتعامل مثلا بالربا ، وفي القصاص يقتص منه كما يقتص من المسلمين ، وتقام عليه الحدود مثلهم .
وللذمّيين كامل الحرية في إقامة ديانتهم وتأدية شعائرها ، ومراعاة شرائع الزواج والطلاق عندهم ، والقاعدة الإسلامية المطبقة معهم هي : « اتركوهم وما يدينون » ، فإن لجأ الذمّى إلى محاكم المسلمين وطلب أن تطبّق عليه شريعة الإسلام ، فالأمر معه إما بالقبول أو بالرفض ، كقوله تعالى :فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( 42 ) ( المائدة ) .

   * * *

2210 - ( الجزية زكاة وضريبة دفاع )

لا تقابل ولا تشابه بين الزكاة في الإسلام ، وبين الضرائب التي تتقاضاها الدولة الآن من المواطنين ؛ والجزية من الضرائب ، ويدفعها الذمّى نظير إعفائه من الجندية ؛ والفرق بين الزكاة والضريبة والجزية : أن الزكاة تدفع للّه ونبيّه ، وهي حقّ اللّه في المال ؛ وأما الضرائب فهي حق الدولة في المال ، وتدفع للدولة بنيّة أنها واجبة ، للصرف منها على وجوه إنفاقها ، وهي مورد من موارد الدخل العام وميزانية الدولة ، وأما الزكاة : فهي فرض على كل مسلم ومسلمة ، ولم تكن في دولة الإسلام ضرائب إلا ما عرفته بعد ذلك من طريق تقليدها للأمم ؛ وأما الجزية فهي أولا المقابل للزكاة التي يدفعها غير المسلم ، بالإضافة إلى أنها ضريبة دفاع في مقابل أن الدفاع عن البلد منوط بالمسلمين وحدهم دون غيرهم ، والنصاب المالى الذي يدفعه الذمي هو المقابل لنصاب الدم الذي يدفعه المسلم زودا عن الوطن .
ولذلك لم تفرض الجزية على النساء الذميّات ، ولا على الصبيان الذمّيين غير المكلّفين ، ولا على الأرقاء من أهل الذمة . وشرطها قوله تعالى :حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ( 29 ) ( التوبة ) ، يعنى عن قدرة وغنى ورضا ، فلا يدفعها الفقير غير القادر ، ولا صاحب العاهة الذي لا يتكسّب ، ولا الراهب الذي لا يعمل ، ولا المجنون فاقد الأهلية .
وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد فرضها دينارا في السنة ، على كل راشد قادر من أهل الكتاب من أهل اليمن الذكور ، وضاعفها عمر على الكتابيين من أهل الشام ، فراعى الرسول صلى اللّه عليه وسلم رقّة أحوال أهل اليمن ، وراعى عمر غنى أهل الشام ، وجعل عمر ذلك فيهم من قبل اليسار ، ومن ثم صارت الجزية تفرض بحسب الأحوال المادية لدافعها ، ولا حدّ لأقلها ولا لأكثرها ، والقاعدة فيها أنها لا يكلّف بها إلا قادر وفي حدود طاقته ، ولم يحدث أن فرضت جزية فوق أربعة دنانير في السنة على الموسرين ، وكان آخر ما أوصى به النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بخصوص أهل الذمة ، قوله : « احفظوني في ذمتي » ، وفي الحديث : « من ظلم معاهدا أو كلّفه فوق طاقته فأنا حجيجه » ، وقضى صلى اللّه عليه وسلم أن لا تؤخذ جزية إلا فيما زاد عن حاجة الذمّى من ماله ، وقال : « ليس في أحوال أهل الذمة إلا العفو » ، وتسقط الجزية عن الذمّى إذا أسلم وتصبح زكاة مال ، وفي الحديث : « ليس على المسلم جزية » ، وكان يهوديا قد أسلم في عهد عمر ، فطولب بالجزية فقال : « إنما أسلمت تعوّذا » ، يريد أنه أسلم ليعفى من الجزية ، وكان النبىّ صلى اللّه عليه وسلم قد قال : « إن في الإسلام معاذا » ، وأقرّ عمر اليهودي ، وأكد الحديث : « إن في الإسلام معاذا » ، وفرض ألّا تؤخذ جزية ممن يسلم من الذميين .
* * *

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2211 إلى 2248 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2249 إلى 2264 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2265 إلى 2281 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2312 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني
» الباب الثامن عشر المعاملات ثانيا الإسلام الاقتصادي من 2282 إلى 2351 موسوعة القرآن العظيم الجزء الثاني د. عبد المنعم الحفني

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى