اتقوا الله ويعلمكم الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» الله لا يعرفه غيره وما هنا غير فلا تغفلوا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله

» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله

»  قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله

» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله

»  في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله

» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله

» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله

» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله

» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله

» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله

» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله

» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله

» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله

»  التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله

» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله

» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله

» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله

» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله

» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله

» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله

» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله

» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله

» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله

» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله

» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله

» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله

» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالسبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله

» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله

» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Emptyالخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله

المواضيع الأكثر نشاطاً
منارة الإسلام (الأزهر الشريف)
أخبار دار الإفتاء المصرية
فتاوي متنوعة من دار الإفتاء المصرية
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
السـفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
مكتب رسالة الأزهر
السـفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




البحث في جوجل

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

اذهب الى الأسفل

23102018

مُساهمة 

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي Empty السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي




السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

03 - الفص الثالث حكمة سبوحية فى كلمة نوحية
الفقرة الأولى:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد.
فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.
و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
(فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته:
وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة.
فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
(وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته.
فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال.
وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه.
ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل.
ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».
وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
(وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا.
وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
(فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
(قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد.
لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا».
و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
(فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، 
وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه .
فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.
ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس.
«فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم.
فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
(فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف.
فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.
«إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه.
فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
(وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله. 
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
(فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
(فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.
و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول:
«فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
(«و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي.
«زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا».
فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه، و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم.
«مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.
فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.
«قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو.
«لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها.
المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
(و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه.
«من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر.
«ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب.
«و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره.
فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
(«رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره» *.
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي  قلبي .
«مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس.
«و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية.
«إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك.
و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح ، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام.)

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
03 . نقش فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (التنزيه للمنزه تحديد للمنزه . إذ قد ميزه عما لا يقبل التنزيه .
فالإطلاق لمن يجب له هذا الوصف تقييد فما ثم إلا مقيدٌ أعلاهُ بإطلاقه .
واعلم أن الحق الذي يطلب من العباد أن يعرفوه هو ما جاءت به ألسنة الشرائع في وصفه .
فلا يتعداه عقل قبل ورود الشرائع ومعرفة ما تلقاها من الشرائع .
ولكن شرطها أن يرد علم ما جاءت به إلى الله .
فإن كشف له عن العلم بذلك فذلك من باب العطاء الإلهي الذاتي وقد تقدم في شيث .)

الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
 3 - فك ختم الفص النوحى
1 / 3  اعلم انه لما كان اول المراتب الإلهية التي بها ثبت اولية الحق ومبدئيته مرتبة احدية الجمع كما مر بيانه .
كانت صفة الفياضية والمصدرية تليه على ما بيّن وكان اول القوابل لذلك الفيض الذاتي الإلهي عالم الأرواح وهي أتم الموجودات طهارة من الكثرة الامكانية والتركيب والنقائص المكتسبة من الوسائط ، وكانت نسبتها ايضا من وحدانية الحق أتم من غيرها ، فارتباطها بالجناب الحق انما هو من هذا الوجه لا غير بهذا ما أدركت من الكمالات الإلهية شيئا سوى ما استفادته من نسبة ارتباطها بحضرة الوحدانية وقبولها الفيض الوجودي غير منصبغ بأكثر احكام الامكانية والوسائط . 
ولهذا كان علمها مقصورا على معرفة الحق من تجرده ونزاهته عن الكثرة والتركيب - لتضمنها صفة الافتقار - فظهرت بصفة التنزيه وانصبغت به .


صفة التنزيه
2 / 3  ولما كان نوح عليه السلام اول المرسلين واول احكام الرسالة مطالبة الرسول للامة بتوحيد الحق وتنزيهه عن الشريك والمثل والمنازع .
لزم ان يكون الغالب على حال نوح صفة التنزيه ، لأنه مبدأ ظهور الرسالة واول قابل لحكمها ، واول مطالب للخلق بالتوحيد المشار اليه ، فيه ظهرت اولية عالم الأرواح وصفتها القابلة اول الفيض الإلهي الوحدانى والظاهرة بحكمه وصفته .

3 / 3  ولهذا غلب عليه حال الغيرة والغضب على قومه لما شاهد انعكافهم على عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر حتى عاد عليهم بالهلاك بعد ان وصفهم بالظلم والنقائص .
كما فعلت الملائكة في حق آدم حيث ذموه ووصفوه بالنقائص ، فتداركهم الحق سبحانه بالتبكيت مع رعاية حسن مقاصدهم ، حيث كان الحامل لهم على ما ذكروه الغيرة على جناب الحق وكراهة ان يعصيه احد من خلقه . 
فافهم هذا تعرف سر الحكمة السبوحية واختصاصه بنوح عليه السلام .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 11:36 عدل 2 مرات
عبدالله المسافربالله
عبدالله المسافربالله
مـديــر منتدى الشريف المحـسي
مـديــر منتدى الشريف المحـسي

عدد الرسائل : 6813
الموقع : https://almossafer1.blogspot.com/
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

https://almossafer1.blogspot.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي :: تعاليق

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:15 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الأولى الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

03 - الفص الثالث حكمة سبوحية فى كلمة نوحية
الفقرة الأولى: الجزء الثاني
 كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية وفى كتاب فصوص الحكم


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:02 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:24 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)

03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية

هذا نص الحكمة النوحية .
ذكره بعد حكمة شيث عليه السلام، لأن نوح عليه السلام أول أولي العزم من الرسل، فهو أول المظاهر الآدمية من حيث الكمال المطلق.
وبه كانت زيادة آدم عليه السلام في شكره على إعطائه شيث عليه السلام، الذي هو عطية الله تعالى كما قال تعالى: " لئن شكرتم لأزيدنكم" [إبراهيم: 7]، ولهذا كان من أسماء نوح عليه السلام "یشکر من هو مظهر آدم عليه السلام بسبب كثرة شكره لربه" .
(فص حكمة سبوحية) بالتشديد كما مر بيانه (في كلمة نوحية).
إنما اختصت كلمة نوح عليه السلام بالسبوحية، لأن كمال، الثبوت الكوني في الوجود الإمكاني العيني بكمال ظهور الأحدية في حضرة الواحدية ذلك بكمال التسبيح والتنزيه والتقديس.
وكلما كمل ثبوت الوجود الإمكاني العيني قوي عزمه الباطني والظاهري، ولهذا كان نوح عليه السلام أول أولي العزم من الرسل لكمال تنزيهه بكمال ظهور الأحدية له وغلبة حكمها عليه على حكم الواحدية .

قال رضي الله عنه : "اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد و التقييد.  فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب.
ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان."
(اعلم) أيها المريد السالك (أن التنزيه) وحده أي تبعيد الله تعالی وتبرئته عن مشابهة الحوادث العقلية والحسية (عند أهل الحقائق) الإلهية والمعارف الربانية.
إذ عند غيرهم من علماء النظر هو غاية المراد (في الجناب الإلهي) سبحانه وتعالى
(عين التحديد والتقييد)، لأنه حصر ذات الإله تعالى في ماهية تخالف جميع ماهیات الحوادث العقلية والحسية والحصر قيد وهو ينافي الإطلاق، ولأنه حكم على الذات الإلهية بعدم المشابهة لشيء، فالذات محكوم عليها و كل محكوم عليه محدود و مقید والمحدود والمقيد حادث لا قدیم .
(فالمنزه) فقط لله سبحانه وتعالى (إما جاهل) بأن تنزيهه عين تشبيهه، لأنه ما زاد على أن جعل لله تعالى ماهية أخرى تخالف جميع ماهيات الحوادث في العوارض بعد موافقتها في كونها ماهية.
وما علم من جهله أن كل ماهية من ماهیات الحوادث كذلك وصفها تخالف جميع ماهيات الحوادث في العوارض بعد موافقتها في كونها ماهية.
وإن اشتبهت عوارض بعضها بعوارض بعض، فقد لا تشتبه كعوارض الليل وعوارض النهار، على أن اشتباه العوارض من قصور الإدراك.
فإن الله تعالى لا يتكرر تجليه مطلقا فلا تتكرر العوارض مطلقا، فالتنزيه وصف كل شيء حادث، لأنه عين التشبيه عند الحاذق النبيه الذي لا يحتاج إلى التنبيه .

وإما صاحب سوء أدب مع الله تعالى ورسله إن لم يكن جاهلا بأنه عین التشبيه حيث شبه الله تعالی بخلقه وساوى بينه وبين مصنوعاته عن قصد منه واختيار.
والوارد عنه تعالى وعن رسله عليهم السلام انفراده تعالى بالكمال المطلق الذي لا يتقيد ولا بالإطلاق فإن الإطلاق قيد بعدم القيود فهو إطلاق اعتباري.
وإطلاق الله تعالی حقیقي لا اعتباري فهو إطلاق عن القيود وعن الإطلاق، تنزه تعالى عن القيود فكان مطلقا .
وتنزه عن الإطلاق فكان مقيدا، فهو المطلق المقيد وما هو المطلق المقيد.
وهذا الإطلاق الحقيقي الذي لله تعالى على ما يأتي بيانه إن شاء الله قريبا (ولكن إذا أطلقاه)، أي الجاهل وصاحب سوء الأدب التنزيه فقط على الله تعالی

(وقال) ظاهرا وباطنا (به فالقائل بالشرائع المؤمن) منهما كالجهمية ونحوهم (إذا نزه) الله تعالی فقط (ووقف عند التنزيه) لله تعالى (ولم ير غير ذلك) حقا (فقد أساء الأدب) مع الله تعالى .
حيث قيد الله تعالى وحصر به الماهية الموصوفة بأنها لا تشابه جميع ما عداه من الماهيات الحادثة. ولا يقيد ويحصر إلا الحادث والله تعالی قدیم
(واكذب)، أي نسب إلى الكذب (الحق) تعالى حيث وصف تعالی نفسه تعریف لنا بما نعهد من الأوصاف بأنه سميع بصير قدیر مرید حي متكلم عليم له يد ووجه وعين وجنب إلى غير ذلك.

(و) أكذب (الرسل) أيضا (صلوات الله عليهم) حيث وصفوه تعالى بأن له ضحكا وفرحا وله نزول إلى سماء الدنيا وله قدم وأصابع ونحو ذلك، وإن كان هذا كله لا يشبه أوصافنا التي نعهدها لأنا حادثون وهو تعالی قدیم، ولكن في ذلك نفي التقييد بالتنزيه.
لأن المراد إثبات الإطلاق الحقيقي له تعالى لا التنزيه فقط ولا التشبيه فقط، فالرسل الباطنية وهي العقول شبه ثم تؤه، والرسل الظاهرية وهم الأنبياء عليهم السلام تنزه ثم تشبه، فالمنزه فقط مكذب للرسل الباطنية والظاهرية (وهو لا يشعر) بما يصدر منه لكمال جهله بمقتضى ما هو فيه.

(ويتخيل) بسبب قصوره (أنه) من كمال تنزيهه فقط (في) الأمر (الحاصل) المطلوب منه عقلا و شرعا (وهو في) الأمر (الفائت)، لأنه وقع فيما فر منه إذ هو فار من التشبيه والتحديد والتقييد واقع في ذلك بمجرد التنزيه (وهو كمن آمن ببعض) الكتاب الحق (وكفر ببعض) إذ العقل والشرع مطبقان على التشبيه والتنزيه معا لا التشبيه فقط ولا التنزيه فقط.

فأحدهما وحده إيمان ببعض الشرع وكفر ببعض قال تعالى:  أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)سورة البقرة.
(ولا سيما) يعني خصوصا (وقد علم) ذلك المؤمن القائل بالتنزيه فقط (أن ألسنة) جمع لسان (الشرائع الإلهية إذا نطقت في وصف الحق تعالی) للمكلفين (بما نطقت به من الأسماء والأوصاف (إنما جاءت) من عند الله تعالی (به) خطابة (في جهة العموم) من الناس (على) حسب مقتضى الأمر.

(المفهوم الأول) الذي لا يحتاج إلى تفكر ولا تدبر (وعلی) جهة (الخصوص) من الناس على حسب مقتضى (کل) أمر (مفهوم) لائق بالمقام (يفهم من وجوه)، أي اعتبارات (ذلك اللفظ) الوارد في الشرائع الإلهية (بأي لسان)، أي لغة واصطلاح (كان في وضع ذلك اللسان) الذي وردت تلك الشريعة به.
والحاصل أن كل شريعة من الشرائع التي أرسل الله بها الأنبياء عليهم السلام إلى أمم وردت على حسب لسان تلك الأمة، وعلى مقتضی خطاباتهم في لغتهم المعهودة فيما بينهم.

كما قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)" سورة إبراهيم.
فجميع ما نطقت به كل شريعة خطابا لمن هي لهم، فهي جارية على حسب فهم العامة منهم على حسب فهم الخاصة أيضا، من غير تقييد بفهم دون فهم، إذ لا حصر ولا قيد للأمر الإلهي والشأن الرباني .

فالمراد ما فهمه الجميع من حيث إنه بعض المراد وليس المراد ما فهمه الجميع من حيث إنه كل المراد، والأمر أعظم من أن يفهمه الجميع، فعلى كل واحد من العامة والخاصة أن يتقي الله ما استطاع بمقدار علمه وعمله، فلا يترك من قدرته شيئا في التقوى، وأن يعترف بالقصور والعجز علما وعملا ظاهرا وباطنا، ولهذا قال تعالى : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " [البقرة: 286]، يعني مقدار طاقتها فيما تعلم وتعمل من شريعتها الإلهية التي هي أعظم مما تعلم وتعمل.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية


(اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق) أي عند المطلعين بالحقائق الأسمائية (في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد) والله منزه عن التحديد والتقيد فنزه أهل الحقيقة عن التنزيه فهم ليسوا بمنزهين فقط، بل هم منزهون في مقام التنزيه والمشبهون في مقام التشبيه .

"ويقول محقق الكتاب :  ليس المراد بالشبيه والتنزيه هنا ما أراده المتكلمون عندما تحدثوا في الصفات الإلهية ونفوها و أثبتوها وعلى أي نحو أثبتها المثبتون أو نفاها النافون.
بل المراد بها معنى آخر لم يسبق ابن عربي إليه سابق، وهو المعنى الوحيد الذي يتمشى مع نظريته العامة وهي بمعنى "الإطلاق" أو "التقيد".
فالله متزه بمعنى أنه إذا نظر إليه من ناحية ذاته فهو بتعالي عن كل وصف وكل حد وتقييد.
وهو بهذا المعنى غني عن العالمين يحيط بكل شيء ولا يحيط به شيء ولا علم ساري في كل موجود غير متعين في موجود دون آخر. فلا يصدق عليه وصف إلا الإطلاق وفي الإطلاق غاية تنزيهة."
فلا يمكن معرفة الحق من غير تحديد وتقييد (فالمنزه) فقط (إما جاهل) أي غير قائل بالشرائع كالفلاسفة ومقلديهم الذين ينزهون الحق بمقتضى عقولهم عن الصفات التي أخبر الحق عن اتصاف نفسه بها فهم ضلوا وأضلوا.
(وإما صاحب سوء أدب) أي قائل بالشرائع (ولكن إذا أطلقاه) أي التنزيه على الله تعالى (وقالا به) أي اعتقد بأن الله منزه عن الصفات الوجودية كالحياة والعلم والسمع والبصر وغير ذلك .
فغير القائل بالشرائع فهر الجاهل أي الكافر لا كلام فيه لظهور بطلانه لذلك ترلي هذا القسم (فالقائل) أي المعتقد (بالشرائع المؤمن) عطف بيان للقائل بالشرائع (إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك) أي ولم يشبه في مقام التشبيه .

(فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الغائب وهو كمن آمن ببعض) الشرائع (و کفر ببعض ولا سيما) كالمعتزلة فإنهم أنكروا بعض الشرائع كصفات الله وبعض أمور الأخرة.

ولما قال ووقف عند التنزيه فقد أساء الأدب واكذب الحق و الرسل أراد أن يبين التشبيه والتنزيه حتى ظهر تكذيبه الحق والرسل فقال : (وقد علم) على البناء للمفعول (أن السنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالی بما نطقت به) هذه الألسنة من التنزيه والتشبيه (إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول) يفهمه كل من يسمع ذلك اللفظ .
(وجاءت به على الخصوص)أي الخواص من المحققين جاءت به على كل مفهوم بفهم من وجود ذلك اللفظ بأني لسان کان سواء كان ذلك عربيا كالقرآن العظيم أو غير عربي كسائر الكتب المنزلة (في وضع ذلك اللسان) فبين الله للعباد كلها على حسب مراتبهم بألسنة الشرائع في حق نفسه من التنزيه والتشبيه فمن وقف عند التنزيه ولم ير التشبيه .
وهو آمن ببعض وكفر ببعض لكنه لا يشعر بذلك وهو معذور بذلك لذلك لا يكفر بل هو مؤمن عند أهل الظاهر والباطن لكونه معتقدا بالشرائع كلها في ظنه .
وإنما جاءت في عموم الناس على المفهوم الأول وعلى خصوصهم على كل مفهوم يفهم من وجود ذلك اللفظ.



شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.
وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية

قال رضي الله عنه : "اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب."
قلت: لما قال فص حكمة سبوحية تكلم في معنى السبوح وهو المنزه، فشرع في تحقيق التنزيه وسمى صاحبه إما جاهلا وإما صاحب سوء أدب.
أما جهله، فمن جهة أن يقول إن الله تعالى منزه عن كل صفة تشاركه في التسمية بها خلقه ، فيلزم هذا القائل أحد أمرين:
إما أن لا يتسمى الحق تعالی أنه سميع بصير متكلم بل ولا حي عالم مريد قادر، فإن هذه الأسماء يصح إطلاقها على خلقه.
أو ينفي هذه الصفات عن خلقه وذلك ممنوع لأن الشريعة المطهرة جاءت على وفق التسمية بهذه الأسماء لخلقه.
اللهم إلا أن يقولوا: إن هذه الأسماء من الأسماء المشتركة.
فيقال لهم: سلمنا ذلك لكن هل يفهم منها حالة إطلاقها على الحق جل جلاله ما كان من وضع واضع اللغة أو غيره؟
فإن كان هو بعينه، فالتنزيه مناف لما دل عليه الوضع.
أو لا يكون معناها ما دل عليه الوضع اللغوي؟
فلا يكون قد خاطبنا باللسان العربي وقد قال تعالى: " بلسان عربي مبين" (الشعراء: 195).
هذا إذا تكلمنا معهم بمبلغ عقولهم فهم جهال, وإن تكلمنا بما يقتضيه الشهود، فالحق تعالی موصوف بهذه الصفات ولا يخلو منه مكان ولا زمان.
فقول القائل في التنزيه: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا وسط، أو أن يقال إنه لا يرى كما يقوله المعتزلة ومن تابعهم لا في الدنيا ولا في الآخرة فهم جاهلون بالله تعالى، فإن الحق خلاف ما قالوه.
قال: وإما أن يكون صاحب سوء أدب، وهولاء، الذين هم أصحاب سوء الأدب، على قسمين:

"القسم الأول :" إما أن يقولوا على الله تعالى من تنزيهه ما يتحققون خلافه فلا يكون ما قالوه تنزيها بل كفرا، وهذا القسم قليل أن يوجد.
القسم الثاني: أن يروا من يعتقد نفي الصفات التي أثبتها لنفسه عنه تعالى فيوافقونهم في القول تملقا ونفاقا وهم يعتقدون الحق ويظهرون خلافه، فإذن المنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب.
قوله رضي الله عنه : "ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك، فقد أساء الأدب وأكذب الحق تعالی والرسل، صلوات الله عليهم، وهو لا يشعر، ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت. وهو كمن آمن بعض وکفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطفت في الحق تعالی بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان. "
قلت: إذا أطلقه المذكوران، وهما الجاهل وصاحب سوء الأدب، أي إذا أطلقاه وقالا به، فنقول للمؤمن منهم بالشرائع: وقوفك عند التنزيه إن لم ترى غیره فقد أساءت الأدب.

لاستلزام ما قلت به تکذیب الحق تعالی ورسله الكرام وأنت لا تشعر لأنك سددت باب الصفات التي وردت عن الله تعالى على ألسنة رسله.
وسددت باب ما اقتضاه الكشف والشهود، فإن من انشق حسه ورأي بظاهره ظاهر الحق تعالى من حيث دخول ظاهريته في ظاهر الحق حتى لا يرى الحق إلا الحق تعالى، ومن سد البابين المذكورين فهو على غاية من سوء الأدب.

فأما سوء الأدب الخاص، برد ما جاءت به الرسل عن الله تعالی فذلك أنها أتت بها على العموم في المفهوم الأول يعني بلا تأويل بل على ظاهره .
وذلك هو مفهوم العموم أي العامة، لأن الرسل، عليهم السلام، أمروا أن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم، فكلامه تعالى على قدر عقول العامة، فهو محمول على مفهومهم. فمن خالف ذلك فقد أساء الأدب على الله تعالی.

وأما سوء الأدب المختص بما إذا حمل ما جاءت به الرسل من الصفات على مفهوم الخصوص، فهو أن يحمل الصفات على كل مفهوم مفهوم مما يحتمله اللفظ في تلك اللغة التي جاءت بها الرسل الكرام.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.وهو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما و قد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


3. فصّ حكمة سبوحية في كلمة نوحية  


قد سلف في سرّ إضافة هذه الحكمة السبّوحية إلى الكلمة النوحية ما فيه مقنع ومطَّلع على حقائقه ونقول في مرتبة السبّوحيّة وهي النزاهة والطهارة اللازمة مرتبة الواحدية والأحدية والبساطة والنوريّة :

اعلم : أنّ كلّ تنزيه من كل منزّه لكلّ منزّه تحديد منه له بتمييزه إيّاه عمّا تميّزه تنزيهه عنه ، وحصوله فيما عيّنه له من وجوه التنزيه . وكذلك الإطلاق إن يجب أيضا تقييد له بالإطلاق ، فأتم اللامقيّد أعلاه بإطلاقه نظرا عقليّا فكريا .
ثمّ إنّ الله تعالى طلب من الخلق معرفته بقوله : " أحببت وأردت أن أعرف ، فخلقت الخلق وتعرّفت إليهم " أي بألسنة الشرائع المنزلة " فعرفوني " أي على ما عرّفتهم فيما تعرّفت .
وقيل إنزال الشرائع كان العلم به تعالى بوجوه التنزيه عن سمات الحدوث والتركيب والافتقار ، وإطلاق الاقتدار وهو التنزيه المشهور عقلا ، فلا يتعدّاه عقل أصلا .
وأمّا العارف بالله حقيقة فهو جامع بين معرفتين : معرفة يقتضيها العقل والدليل ، ومعرفة يقتضيها الشرع لا يبلغها التأويل . وطريق العقل المنوّر الكامل فيها أن يردّ علم ذلك عن الدليل العقلي وتعليمه إلى الله ويؤمن به وبكلّ ما جاءت به الشرائع المنزلة

على ألسنة الرسل على الوجه الذي أراده الله من غير تأويل بفكره ولا تحكَّم على ذلك برأيه وأمره ، لأنّ الشرائع إنّما أنزلها الله تعالى لعدم استقلال العقول البشرية بإدراك حقائق الأشياء على ما هي عليه في علم الله ، وأنّى لها ذلك وقد تقيّدت بما عندها من إطلاق ما هنا لك ؟ فإن وهبها الله تعالى علما بمراده من الأوضاع الشرعيّة ، ومنحها اطَّلاعها على حكم من الأحكام الدينية الأصلية الأصيلة والفرعية المرعيّة من حقائق الإخبارات الإلهيّة التي يتخيّلها العقل بقوّته الفكرية ، فذلك من قبل الفيض الإلهي الرحماني والتعليم السبحاني الربّانيّ .
فلا تضفها إلى فكره ، فتنزيهه الفكري يجب أن يكون مطابقا لما أنزله على ألسنة الرسل عليهم السّلام في كتبه المنزلة عليهم ، وإلَّا فهو منزّه عن تنزيه العقول البشريّة بأفكارها ، فإنّها مقيّدة بأوطارها ، واستعلت على جوّ أو كارها وأكوارها ، وكوشفت وشوفهت بها تحدّث الحقائق عن أخبارها ، فإنّها حينئذ يكشف الغطاء عن بصائرها وأبصارها ، فهي حديدة وتطلع ، فتطَّلع على الحكم المودعة الإلهيّة في صور الأوضاع الشرعيّة وإخباراتها على وجوه سديدة ، وينزّه الحقّ إذ ذاك عن التنزيهات العرفية بالأفكار العاديّة ،

ولهذا قال الشيخ رضي الله عنه : " اعلم : أنّ التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد ، فالمنزّه إمّا جاهل وإمّا صاحب سوء أدب عن أمور بموجب استحسانه واستقباحه لفكره العاديّ وعقله العرفي ، وخصّه بأمور سواها بحكمه وأمره ، والتنزيه تحديد من المنزّه ، لأنّه تمييز ، والتمييز تحديد ، والتخصيص تقييد له تعالى بما ميّزه عنه وتحديد بما سواه ، وهذا مناف للإطلاق الحقيقي الإلهي الذاتي » .

ثمّ هذا المنزّه إمّا أن يكون عارفا بأنّ الله مطلق الذات بالإطلاق الذي لا يقابله تقييد ، بل بالإطلاق عن الإطلاق والتقييد والجمع بينهما على وجه الحصر والتحديد ، فهو لا ينزّهه إذا عمّا اقتضته ذاته ، فتنزيهه إذن عن شيء مع ذلك سوء أدب وتحكَّم على الحقّ بأن يكون على وجه وهو على خلاف ما عرف من الإطلاق الذي يقتضيه لذاته ،
وإن لم يكن عالما بحقيقة الإطلاق الذاتي المذكور الذي لله تعالى ، فهو جاهل بحقيقته تعالى وبالتنزيه الحقيقي الذي يقتضيه تعالى لذاته بتحكيم رأيه وفكره على ما وردت به الشريعة من أمره ف " ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه ِ " ، وقدروا الإدراك العقليّ الفكريّ فوق طوره ، فافهم .

قال الشيخ رضي الله عنه : " ولكن إذا أطلقاه وقالا به ، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزّه ووقف عند التنزيه ، ولم ير غير ذلك ، فقد أساء الأدب ، وأكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ، ويتخيّل أنّه في الحاصل وهو في الفائت ، وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض " .
قال العبد : الجاهل الحقيقة الحقّ وصاحب سوء الأدب إذا أطلقاه في التنزيه ، واقفين على مقتضى معتقدهما من التنزيه ، ولم يشهدا سوى مشاهدهما المعيّنة ، فقد فقد كلّ واحد منهما الحق المطلق بمعلومه ، وحصره في مفهومه ، وأساء الأدب ، وأكذب الحقّ والرسل بالعجب والعجب ، لأنّه تعالى نزّه وشبّه وجمع بين التنزيه والتشبيه في أنّه واحدة فقال : "لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه "وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فشبّه وهو جمع بينهما .

بل في نصف هذه الآية وهو قوله : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " جمع بين التنزيه والتشبيه على قول من يقول منّا : إنّ الكاف في « كمثله » غير زائدة ، فإنّ فيه نفي مماثلة الأشياء لمثله ، فمثله هو المنزّه وهو إثبات للمثل المنزّه ، وهو عين التشبيه في عين التنزيه بمعنى أنّ المثل إذا نزّه فبالأولى أن يكون الحقّ منزّها عن كلّ ما ينزّه عنه مثله ، لأنّ تنزيه المثل المثبت في هذه الآية موجب لتنزيهه بالأحرى والأحقّ . وكذلك النصف الثاني مصرّحا بالتشبيه ظاهرا .

ولكنّه عند التحقيق وتدقيق النظر الدقيق عين التنزيه الحقيقي في صورة التشبيه وصيغته ، لأنّ قوله : " هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " إثبات لخصيص أو لخصيصيّة بإثبات السميعية والبصيرية ، بمعنى أنّه لا سميع ولا بصير في الحقيقة إلَّا هو ، فهو السميع بعين كلّ سمع سميع ، والبصير بعين كلّ بصر بصير .
فهو تنزيهه تعالى عن أن يشتركه غيره في السمع والبصر ، وهو حقيقة تنزيهه لنفسه وتنزيه المحقّقين ، فافهم .
فلمّا أقرّت العقول بالعجز عن إدراك الحقائق على سبيل الإحاطة والحصر إلَّا طائفة جاهلة بحقيقة الأمر ، عادلة عن طريقة السرّ ، فإنّهم قالوا : إنّ العقول كافية في إدراك عقولنا فلا معقول عليه ،مع اعتراف أفاضلهم وأكابرهم بأنّ الفكر قوّة جزويّة.

أنّ ما يصل إليه الإنسان بفكره ليسير بالنسبة إلى ما لم يصل إليه ، وأنّ العقول المتعيّنة في القوى المزاجية ، المقيّدة الجزوية مقيّدة جزوية كذلك بحسبها ، وأنّى للأفكار المقيّدة الجزوية أن تدرك الحقائق المجرّدة المطلقة من حيث هي كذلك ، إلَّا أن تنطلق عن قيودها أو تتقيّد المطلقات المجرّدة بحسب شهودها ووجودها ، فافهم .

قال رضي الله عنه : « ولا سيّما وقد علم أنّ ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق بما نطقت به إنّما جاءت به في العموم على المفهوم الأوّل ، وعلى الخصوص على كلّ مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأيّ لسان كان في وضع ذلك اللسان".
قال العبد أيّده الله به : اعلم : أنّ المعرفة الحاصلة للعقلاء توجب باتّفاقهم وتقتضي باجتماعهم وإطباقهم تنزيه الحقّ عن صفات المحدثات والجسمانيات ، وسلب النقائص عن جنابه ، ونفي النعوت الكونية الحدوثية عنه ، فالعقول مطبقة على ذلك .
ولو كان المراد الإلهي من معرفته هذا القدر ، لكان بالعقول استغناء واكتفاء عن إنزال الشرائع والكتب ، وإظهار المعجزات والآيات لأهل الحجب ، ولكنّ الحقّ سبحانه وتعالى غنيّ عن تنزيه العقول بمقتضى أفكارها المقيّدة بالقوى المزاجية .
ويتعالى عن إدراكها ما لم تتّصل بالعقول الكلَّية ، فاحتاجت من حيث هي كذلك في معرفتها الحقيقة إلى اعتناء ربّاني «وإلقاء رحمانيّ يهيّئ  استعدادا لمعرفة ما لا تستقلّ العقول البشرية بإدراكه مع قطع النظر عن الفيض الإلهي . فلمّا جاءت ألسنة الشرائع بالتنزيه والتشبيه والجمع بينهما.

كان الجنوح إلى أحدهما دون الآخر باستحسان عقلي فكري تقييدا أو تحديدا للحق بمقتضى الفكر والعقل من التنزيه عن شيء أو أشياء أو التشبيه بشيء أو أشياء ، بل مقتضى العقل المنصف المتّصف بصفة نصفة أن يؤمن بكلّ ما وردت به الشرائع على الوجه المراد للحق من غير جزم بتأويل معيّن ولا جنوح إلى ظاهر المفهوم العامّ مقيّدا بذلك ، ولا عدول إلى ما يخرجه عن ظاهر المفهوم من كل وجه محدّدا لذلك ، ولكنّ الأحقّ والأولى والأجدر والأحرى أن نأخذ القضيّة شرطيّة .



يتبع الجزء الجزء الثاني 
.

الفقرة الثانية على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم






عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:00 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:27 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية : الجزء الثاني

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
3 -  فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
السبوح المنزه عن كل نقص وآفة . ولما كان شيث عليه السلام مظهر الفيض الإلهي الرحمانى ، والفيض لا يكون إلا بالأسماء الداخلة تحت اسم الرحمن والرحمانية تقتضي الاستواء على العرش لأن الفيض كما يكون بالأسماء كذلك لا يمكن إلا على القوابل ، فحكمة العطايا والوهب اقتضت التعدد الأسمائية ووجود المحل الموهوب له ، وأصل القابلية للطبيعة الجسمانية فغلب على قومه حكم التعدد والقوابل .
حتى إذا بعد عهد النبوة وتطاول زمان الفترة اتخذوا الأصنام على صورة الأسماء وحسبوا الأسماء أجساما وأشخاصا والمعاد جسمانيا محضا لاقتضاء دعوته ذلك ، فأوجب حالهم أن يدعوا إلى التنزيه وينبهوا على التوحيد والتجريد ويذكروا الأرواح المقدسة والمعاد الروحاني ، فبعث نوح عليه السلام بالحكمة السبوحية والدعوة إلى التنزيه ورفع التشبيه ، فكنسبته عليه السلام في الدعوة إلى الباطل إلى شيث عليه السلام نسبة عيسى إلى موسى عليه السلام .
قوله رضي الله عنه : اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد " .
معناه أن التنزيه تمييزه عن المحدثات والجسمانيات وعن كل ما لا يقبل التنزيه من الماديات ، وكل ما تميز عن شيء فهو إنما يتميز عنه بصفة منافية لصفة التميز عنه ، فهو إذن مقيد بصفة ومحدود بحد فكان التنزيه عين التحديد غاية ما في الباب أن المنزه نزهه عن صفات الجسمانيات فقد شبهه بالروحانيات في التجريد ، أو نزه عن التقييد فقد قيده بالإطلاق والله منزه عن قيدى التقييد والإطلاق ، بل مطلق لا يتقيد بأحدهما ولا ينافيهما.
( فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب ) إذا وقف عند التنزيه ولم يقل بالتشبيه ، وهو معنى ( ولكن إذا أطلقاه وقالا به ) أي لم يتجاوزا إلى التشبيه والجمع بينهما ، لأنه إن لم يتبع الشرائع ونزهه تنزيها يقابل التقييد ، بأن جعله منزها عن كل قيد مجردا فهو جاهل ، وإن كان متبعا للشرائع .
كما قال رضي الله عنه : فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ، ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت ، وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض " .
فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل ، لأن الكتب الإلهية والرسل ناطقة بالجمع بين التشبيه والتنزيه وهو يخالفهما ( ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ ، بأى لسان كان في وضع ذلك اللسان ) المراد من العموم عامة الناس ومن الخصوص خاصتهم ،
والمفهوم الأول ما يتبادر إلى الفهم عند سماع اللفظ ، وهو المعنى الذي يستوي فيه الخاصة والعامة .
والمفهوم الثاني الذي يفهم من وجوه ذلك اللفظ مختص بالخاصة ، ولا يجوز أن يتكلم الحق بكلام يختص فهمه ببعض الناس دون البعض ، ولا يفهم العامة منه شيئا أو يفهم ما ليس بمراد وإلا لكان تدليسا ، بل الحق من حيث هو مطلع على الكل يكلمهم بكلام ظاهر ما يسبق منه إلى الفهم وهو لسان العموم ، وله وجوه بحسب تركيب اللفظ والدلالات الالتزامية لا يفهمها إلا الخصوص ، وبحسب مراتب الفهم وانتقالاته تتفاوت الدلالات وتزيد وتنقص .
فللحق في كل مرتبة من مراتب الناس لسان ، ولهذا ورد قوله عليه الصلاة والسلام « نزل القرآن على سبعة أبطن » وقوله « ما من آية إلا ولها ظهر وبطن ، ولكل حرف حد ولكل حد مطلع » فمن الظهر إلى المطلع مراتب غير محصورة ولكن يجب أن يفهم أول المعاني من ذلك اللفظ بحسب وضع ذلك اللسان ، وترتب عليه سائرها بحسب الانتقالات الصحيحة فيكون الحق مخاطبا للكل بجميع تلك المعاني ، من المقام الأقدم الذي هو الأحدية إلى آخر مراتب الناس الذي هو لسان العموم ، كقوله مثلا " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ".
فالمفهوم الأول ليس هو مثل الذي وصف بصفاته شيء إذ لا نظير له من غير قصد إلى مثل ونظير ، أو ليس مثله شيء على أن الكاف زائدة وهو محض التنزيه وهو السميع البصير عين التشبيه لكن الخاصة يفهمون من التنزيه التشبيه ومن التشبيه بلا تشبيه التنزيه ، فإن الكاف والمثل لو حملا على ظاهرهما كان معناه ليس مثل مثله شيء فيلزم ثبوت المثل والتشبيه بلا تشبيه ، وتعريف السميع البصير الدال على القصر يفيد أنه لا سميع ولا بصير إلا هو وهو عين التنزيه فافهم .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)


3 - ﻓﺺ ﺣﻜﻤﺔ ﺳﺒﻮﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻧﻮﺣﻴﺔ
ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺒﺪﺋﻴﺔ، ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻭﻟﻬﻢ ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ - ﻷﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻛﻤﺎﻻﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻭﻧﻘﺎﺋﺼﻬﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﻬﻢ ﻭﺇﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﺑﺤﺴﺐ ﻭﺟﻮﺩﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﻌﻴﻨﺔ ﻭﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﺪﺓ ﻭﻛﻞ ﻣﻨﺰﻩ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺰﻩ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺺ - ﺃﺭﺩﻑ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ (ﺍﻟﺴﺒﻮﺣﻴﺔ) ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ (ﺍﻟﻨﻔﺜﻴﺔ) ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺡ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ - ﻭﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺃﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻤﻨﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻭﻳﻨﻔﻰ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺠﻠﻲ ﺇﻟﻬﻲ ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻣﻪ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ ﻭ ﻫﻮ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻨﻬﺎ - ﻗﺎﺭﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺴﺒﻮﺣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ (ﺍﻟﻨﻮﺣﻴﺔ) ﻟﻠﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
ﻭﻣﻌﻨﻰ (ﺍﻟﺴﺒﻮﺡ) ﺍﻟﻤﺴﺒﺢ ﻭﺍﻟﻤﻨﺰﻩ، ﺍﺳﻢ ﻣﻔﻌﻮﻝ، ﻙ (ﺍﻟﻘﺪﻭﺱ) ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ.
(ﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺎﺏ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪ. ﻭﺍﻟﻤﻨﺰﻩ ﺇﻣﺎ ﺟﺎﻫﻞ ﻭﺇﻣﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻮﺀ ﺃﺩﺏ). ﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻘﻂ، ﺃﻭ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻻﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ.
ﻭﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻟﻠﺠﻨﺎﺏ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻭﺗﻘﻴﻴﺪ ﻟﻪ، ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻴﺰ ﺍﻟﺤﻖ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺮﺍﺗﺒﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺒﻌﺾ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ، ﻛﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺍﻟﺴﻤﻊ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ.
ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ.
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺑﺬﻭﺍﺗﻬﻢ ﻭﻭﺟﻮﺩﺍﺗﻬﻢ ﻭﻛﻤﺎﻻﺗﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻟﻠﺤﻖ، ﻭﻫﻮ ﻇﺎﻫﺮ ﻓﻴﻬﻢ ﻭﻣﺘﺠﻞ ﻟﻬﻢ: (ﻭﻫﻮ ﻣﻌﻬﻢ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ).
ﻓﻴﻪ ﺫﻭﺍﺗﻬﻢ ﻭﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻭﺑﻘﺎﺅﻫﻢ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺻﻔﺎﺗﻬﻢ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻬﺮ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻛﻠﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﻟﻠﺤﻖ ﺑﺎﻷﺻﺎﻟﺔ، ﻭﻟﻠﺨﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ.
ﻓﺎﻟﻤﻨﺰﻩ ﺇﻣﺎ ﺟﺎﻫﻞ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ، ﺃﻭ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻣﻈﻬﺮﻩ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺟﺎﻫﻼ ﻭﺣﻜﻢ ﺑﺠﻬﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﻴﺪﻩ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺮﺍﺗﺒﻪ، ﻓﻬﻮ ﺟﺎﻫﻞ ﻭﺻﺎﺣﺐ ﺳﻮﺀ ﺃﺩﺏ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﻪ، ﻓﻘﺪ ﺃﺳﺎﺀ ﺍﻷﺩﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺭﺳﻠﻪ ﺑﻨﻔﻴﻪ ﻋﻨﻪ ﻣﺎ ﺃﺛﺒﺘﻪ ﻫﻮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻲ ﺟﻤﻌﻪ ﻭﺗﻔﺼﻴﻠﻪ. ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ.
ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻷﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻓﻼ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻭﻻ ﺗﻨﺰﻳﻪ ﺇﺫ ﻻ ﺗﻌﺪﺩ ﻓﻴﻪ ﺑﻮﺟﻪ ﺃﺻﻼ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎ ﻟﻠﻤﻨﺰﻩ: (ﻭﻏﺎﻳﺔ ﻣﻌﺮﻓﺘﻚ ﺑﻪ ﺃﻥ ﺗﺴﻠﺐ ﻋﻨﻪ ﻧﻘﺎﺋﺺ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺳﻠﺐ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻦ ﺭﺑﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻠﻴﻪ، ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﻗﺎﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: "ﺳﺒﺤﺎﻧﻲ" ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﻧﻲ. ﻫﻴﻬﺎﺕ ﻗﺪ ﻭﻫﻞ ﻳﻌﺮﻯ ﻣﻦ ﺷﺊ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻟﺒﺴﻪ، ﺃﻭ ﻳﺆﺧﺬ ﺷﺊ ﺇﻻ ﻣﻤﻦ ﺣﺒﺴﻪ؟ ﻭﻣﺘﻰ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﺤﻖ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻠﺒﻬﺎ ﻋﻨﻪ ﺃﻭ ﺗﻌﺮﻳﻪ؟ ﻭﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ.
ﻓﺎﻟﺘﻨﺰﻳﻪ ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﻬﻴﺮ ﻣﺤﻠﻚ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺗﻪ. ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻨﺤﻪ ﻟﻚ ﻭﻫﺒﺎﺗﻪ).
ﻭﺍﻟﺒﺎﺭﻱ ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ
قال الشيخ رضي الله عنه :(ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن، إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك، فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل، صلوات الله عليهم، وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض). أي، الجاهل وصاحب سوء الأدب إذا أطلقا التنزيه وقالا به،
كل منهما إما أن يكون مؤمنا بالشرائع والكتب الإلهية، أو غير مؤمن بها. فالمؤمن إذا نزه الحق ووقف عنده ولم يشبه في مقام التشبيه ولم يثبت تلك الصفات التي هي كمالات في العالم، فقد أساء الأدب وكذب الرسل والكتب الإلهية فيما أخبر به عن نفسه بأنه (الحي القيوم السميع البصير).
ولا يشعر بهذا التكذيب الصادر منه، ويتخيل أنها له حاصلا من العلوم والمعارف وأنه مؤمن وموحد، وما يعلم أنها فائت منه، وهو كمن آمن ببعض، وهو مقام التنزيه، وكفر ببعض، وهو
مقام التشبيه.
وغير المؤمن، سواء كان قائلا بعقله كالفلاسفة أو لم يكن كمقلديهمالمتفلسفة، فقد ضل وأضل، لأنه ما علم الأمر على ما هو عليه، وما اهتدى بنور الإيمان الرافع للحجب. وإنما ترك هذا القسم لوضوح بطلانه.
قال الشيخ رضي الله عنه :( (ولا سيما قد علم) على البناء للفاعل أو المفعول. (إن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق بما نطقت به، إنما جاءت به في العموم) أي، في حق عامة الخلائق. (على المفهوم الأول، وعلى الخصوص) أي، وعلى لسان الخاصة.
(على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.) أي، وقد علم هذا العالم المنزه أن الكلام الإلهي وإن كان له مفهوم عام يفهمه كلمن يسمعه لسبق الذهن إليه عند سماعه، لكن بالنسبة إلى طائفة معينة، من الموحدين والمحققين وباقي علماء الظاهر، له مفهومات خاصة و وجوه متكثرة ومعاني متعددة، يتجلى الحق لهم فيه، يعلمون ذلك أولا يعلمون. بل بالنسبة إلى كل شخص منهم، كما قال تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها.)
وقال جعفر الصادق، عليه السلام: (إن الله تعالى قد يتجلى لعباده في كلامه
لكنهم لا يعلمون) ولما كان هذا المعنى غير مختص بالقرآن، بل هو من خاصة كلامه تعالى، قال: (بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان). وقد نبه النبي، صلىالله عليه وسلم، بقوله: "إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا."


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
الفص النوحي
فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية

أي: ما يتزين به، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بتنزيه الأسماء والصفات الإلهية عن النقائص الإمكانية، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى نوح عليه السلام لغلبة التنزيه في دعوته لقومه.
لغلبة التشبيه عليهم حتى اعتقدوا في الأسماء الإلهية أنها أجسام فاتخذوا الأصنام صورا لها يعبدونها فوجب أن يدعوهم إلى التنزيه المحض في بعض الأحيان، وإن كان اعتقاده التنزيه، لم يكن بحيث يمنع من ظهوره في المظاهر.
أو من إثبات الصفات الوجودية التي بها مناسبته للخلق لكنه لم يتعرض لذلك في دعوته في بعض الأحيان خوفا من استقرار التشبيه عليهم؛ لغلبته فيهم لكنه قد دعاهم أيضا حينا إلى التشبيه المحض في الظاهر ليجذبهم إلى إجابته بما يناسبهم.
قال رضي الله عنه : (اعلم أيدك  الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.  وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.(
(اعلم أن التنزيه) أي: المطلق المانع من ظهور الحق في المظاهر، ومن إثبات الصفات الوجودية له (عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي) قيد بذلك؛ لأنهم قائلون بمطلق التنزيه في الذات من حيث هي (عين التحديد) له بتناهي ظهوره، وهو أنه ظاهر لذاته في ذاته لا غير، وعين (التقييد) له بوجوه المباينة مع الخلق مع امتناع ذلك في شأنه بالإجماع، أما عندنا فلوجوب ظهوره في المظاهر، وأما عند المتكلمين.
فلأنه يستدل عليه بخلقه، ولا بد من مناسبة الدليل للمدلول، وأما عند الحكماء فلا بد من مناسبة الفاعل للمنفعل، فلا ينبغي أن يبالغ فيه بحيث ينفي عنه التشبيه الموجب لظهوره في المظاهر.
أو للصفات الوجودية له لدلالة النصوص على ذلك كأية النور، وكقوله تعالى: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" [الأنفال: 17]، وكقوله: «جعت فلم تطعمني، ومرضت فلم تعدني»، وكقوله: "كنت سمعه وبصره" ، و كحديث التحول في الصور يوم القيامة.
بل إنما يجب نفي التشبيه الموجب لكونه جسما أو عرضا، أو ما في حكمهما كاعتقاد أهل الشرك والمشبهة، (فالمنزه) أي: القائل بالتنزيه المطلق (إما جاهل) بما له من الصفات الوجودية كالمعتزلة والفلاسفة، أو بظهوره في المظاهر كعامة المتكلمين، (وإما صاحب سوء أدب) يعرف صفاته الوجودية، وظهوره من ظواهر النصوص لكنه يقتصر في الاعتقاد، أو القول على التنزيه المحض كمن يقتصر في اعتقاد السلطان، أو مدحه له أنه ليس بكلب، ولا فأرة، ولا حمار.
ولذلك ضم المحققون إلى قوله: "سبحان الله" [الصافات: 159]، قول: "والحمد لله "[الصافات: 182]، أو "بحمده" [الإسراء: 53].
ثم أشار إلى أن الجهل والإساءة لا يفضيان إلى الكفر إذا لم ينضم إلى أحدهما إنکار الشرائع الواردة بإثبات الصفات الوجودية، أو بالظهور.
فقال: (ولكن إذا أطلقاه) أي: اعتقد إطلاق التنزيه، (وقالا به) أي: اقتصرا عليه في الذكر بأن قالا: سبحان الله فقط؛ فلا يخلوا، إما أن يقولا: بالشرائع مع التأويل أو بإنكارهما مطلقا.
(فالقائل بالشرائع): وإن أولها على خلاف الواقع، ولو من وجه المؤمن كالمعتزلة، وكالفلاسفة لو لم يقولوا: بقدم العالم، ونفي حشر الأجساد، ونفي العلم بالحوادث الجزئية ممن يعترف بالشرائع، ويأوها بخلاف منکریها، فإنهم كفرة، ولظهور أمرهم لم يتعرض لهم.
ثم القائل بالشرائع، وإن قلنا بإيمانه فإيمانه ناقص؛ لأنه (إذا نزه، ووقف عند التنزيه) في المدح، (ولم ير غير ذلك) في الاعتقاد، وفيه إشعار بأن المنزه إذا لم يقف عنده، ولم يكن يرى غيره بل أثبت الصفات الوجودية، وظهوره في المظاهر فهو كامل الإيمان ليس داخلا في قوله : (فقد أساء الأدب)  بالاقتصار على الصفات السلبية، وإثبات الغير مع الله من كل وجه مع الإجماع على نفي الضد عنه، (وأكذب الحق والرسل) فيما ورد في الصفات الوجودية والظهورية، وإن أول تأويلها غير مطابق للواقع، ولو من وجه، (وهو لا يشعر) بتكذيبه لتأويله، (ويتخيل أنه بتأويله (في) الاعتقاد (الحاصل) مطابقته للواقع، وهو في الاعتقاد (الغائب) المطابقة، وإن طابق باعتبار ذاته لكن لا يطابق باعتبار أسمائه المقتضية لظهوره في المظاهر؛ ولذلك (فهو كمن آمن ببعض) من الكتاب، (وكفر ببعض)؛ لأنه آمن ببعض الوجوه المفهومة منه، وهو وجه التأويل المطابق من وجه دون وجه، وكفر ببعض الوجوه المفهومة منه، وهو وجه الظاهر المطابق لظهوره في المظاهر.
(ولا سيما وقد علم) بمقتضى قوله : "إن للقرآن ظهرا وبطئا، وحدا ومطلعا" (أن ألسنة الشرائع الإلهية) أي: ألفاظ الكتاب والسنة (إذا نطقت في الحق تعالی بما نطقت به) سواء كانوا مما يدل على ظهوره في المظاهر، وعلى الصفات الثبوتية أم لا، (إنما جاءت به) أي: بذلك المنطوق.
(في العموم) أي: في حق العوام الذين لا يطلعون على التأويلات (على المفهوم الأول) الظاهر المطابق لاعتبار ما من اعتبارات الحق، وإلا كان تضليلا لهم محضا.
(وعلی الخصوص) أي: وفي حق الخصوص، ولفظه على تشير إلى أن هذه الوجوه كلها غالية عليهم؛ لغلبة روحانيتهم على نفوسهم الحاجبة عن الأسرار (على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ) بطريق المطابقة، والتضمن والالتزام ما لم يتناقض بخلاف الحشوية المنتصرين على الظواهر والباطنية المقتصرين على التأويلات، وفي معناهم أهل الطامات من المتصوفة لكن تأويل الباطنية بكل حال باطل، وتأويل أهل الطاقات قد يصح لو اعترفوا بالظاهر.
(بأي لسان كان) من العربية، والعبرية، والسريانية، وفيه تعريض بأهل التشبيه من المسلمين واليهود يعتبر كل مفهوم له (في وضع ذلك اللسان) أي: مما لوضعه فيه دخل بأي طريق كان مما ذكرنا المناسب للموضع، وكل منها يجب الإيمان به بمقتضى الحديث السابق، وكيف لا؟
فإنه مظهر من مظاهر الحق.

.
يتبع الفقرة الثانية الجزء الثالث

عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:08 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:45 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الثانية : الجزء الثالث
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل وهو من الفائت. وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.).

03 - فصّ حكمة سبّوحيّة في كلمة نوحيّة
فصّ حكمة سبّوحيّة في كلمة نوحيّة ووجه المناسبة بين الاسم والكلمة هاهنا ظاهر لما عرفت في بيان الترتيب أنّ الكلمة النوحيّة هي المبيّنة لحقائق التنزيه ، الداعية إلى لطائف معاني التسبيح وخصائص كماله .
على أنّ هاهنا تلويحا من تحليل الاسم ، وهو أنّ السين والباء - الذين بهما امتاز الاسم عن الكلمة وظهر حقيقتهما - إنّما تقوّمتا بالمد والنون الذين بهما ظهرت الكلمة .
التنزيه عين التحديد
ثمّ إنّ أصول أرباب الحقائق تقتضي أنّ كلّ معنى فيه تقابل - وإن كان من المفهومات العامّة - إذا نسب إلى الحضرة الإطلاقيّة والجناب الإلهي ، يكون تخصيصا وتحديدا لذلك الجناب ، ولهذا تسمعهم يقولون : « هو خالق العدم ، كما هو خالق الوجود » فبناء على ذلك الأصل قال : (اعلم أنّ التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد ) وذلك لأنّ التنزيه عبارة عن تبعيده تعالى عن المواد الهيولانيّة وما يستتبعه من التحدّد والتحيّز ، وعن الصور الكونيّة المنوّعة والحوادث الإمكانيّة المعيّنة وما يستدعيه من التقيّد والتشخّص .
والأوّل تنزيه المجتنبين عن التجسيم من المتكلَّمين ، والثاني تنزيه الحكماء .
ولا شك أنّ تبعيده عن المواد يقتضي إثبات نسبته إليها ، وانتهاء حدّه عندها ، وذلك عين التحديد ، كما أنّ إطلاقه عن الصور الكونيّة المنوّعة والعوارض الحادثة المشخّصة إنّما يستدعى تخصيصه بالإطلاق وتمييزه به ، وهو عين التقييد .
المنزّه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب
( فالمنزّه إمّا جاهل ) إذا حصّل ذلك بفكره ونظره ( وإمّا صاحب سوء أدب ) إذا قلَّد فيه الرسل وأهل الحقّ .
ولا يتوهّم من هذا الكلام أنّ المنزّه مطلقا يكون جاهلا وصاحب سوء أدب - فإنّ الموحّد أيضا لا بدّ له من التنزيه كما سيجيء تحقيقه - ( ولكنّ ) إنّما ينسب إليه ذلك ( إذا أطلقاه ) عن التشبيه (وقالا به) ، أي ذهبا إليه ، على ما هو مذهب الفريقين .
واعلم أنّ هذا الترديد بمعنى منع الخلوّ ، أي لا يخلو أمر المنزّه عنهما ، وقد يستجمعها ، فإنّ المتيقّن بنظره ممن لم يقل بالشرائع ، إذا فكَّر وأدّاه إلى التنزيه ، ووقف عنده ولم ير غير ذلك فقد جهل الحقّ ، والمقلَّد القائل بالشرائع إذا نزّه بتقليده الرسل وأهل الحق فقد أساء الأدب بنسبته إلى الرسل ، ( والقائل بالشرائع ، المؤمن ) أي المتيقّن بفكره ( إذا نزّه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك ، فقد أساء الأدب وأكذب الحقّ  والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر ، ويتخيّل أنّه في الحاصل ) مما أوتي به الرسل (وهو في الفائت) من ذلك ( وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض ) فهو من المستجمعين بين الجهل وإساءة الأدب .
ثمّ لمّا استشعر ما يتمسّك به ذلك القائل من أنّ مؤدّى ألسنة الشرايع إنّما هو المفهوم الأوّل من مدلولاتها الوضعيّة ، والحكم إنّما يترتّب على الظاهر منها ، تعرّض لذلك بما يوهنه مشوّقا إلى ما يعلم منه مبدأ تقاعد الكلّ عند معتقداتهم الجزئيّة المتخالفة .
وبلوغ الكمّل إلى ما يحيط منها بالكلّ بقوله : ( ولا سيّما وقد علم ) - أي المنزّه القائل ، المؤمن المتيقّن ، إذا كان متفطَّنا - ( أنّ ألسنة الشرايع الإلهيّة إذا نطقت في الحقّ تعالى بما نطقت به ) سريانيّا كان أو عبرانيّا أو يونانيّا أو عربيّا مبينا ( إنّما جاءت به في العموم ) من العباد والمكلَّفين ( على المفهوم الأوّل ) من الدلالات الوضعيّة الحقيقيّة أو العقليّة المجازيّة التي في ذلك اللسان.
(وعلى الخصوص) من أهل الحقائق وعلى لسان الخواصّ من العباد واستعمل « على » موضع « في » مستشعرا منها معنى العلوّ (على كلّ مفهوم يفهم) ثانيا أو ثالثا أو رابعا ، إلى أن ينتهي إلى الذوق الإحاطي الجمعي ، وكلّ ما انتقل إليه فهم من تلك الأفهام مراد للحقّ ، ولكن ينبغي أن تكون تلك الانتقالات صحيحة ( من وجوه ذلك اللفظ ، بأيّ لسان كان في وضع ذلك اللسان ) بمفردات حروفه ومركَّبات كلماته .
وإنّما قلنا أنّ كل ذلك مراد مجيء به ( فإنّ للحقّ في كل خلق ظهورا ) بحسب عموم رحمته الوجوديّة وشمول رأفته الشهودية ( فهو الظاهر في كلّ مفهوم ) من أوّل مراتبه للعامّة من العباد ، متدرّجا فيها ، مترقّيا إلى آخر ما تنتهي إليه درجات معتقدات الخواصّ منهم في ذلك ، وهو مكاشفات الكمّل ، المحيطة بالكلّ ، كلّ ذلك مجالي ظهور الحقّ .
( وهو الباطن عن كلّ فهم ) من أفهام القاصرين عن درجة الكشف العلي والذوق الإحاطيّ فهم محاطون لمفهوماتهم ومعتقداتهم ، عاكفون لديها ، عابدون إياها (إلَّا عن فهم من قال: إنّ العالم) بأعيانه ومفرداته الخارجيّة والذهنيّة ونسبه الكونيّة والإلهيّة (صورته وهويّته) لبلوغ فهمه ذلك إلى ما لا يحيط به مفهوم ولا يحصره صورة من العقائد ، إذ الصورة الإحاطيّة هي له ، فله أحديّة جمع العقائد كلَّها .
وفي قوله : « من قال » دون « فهم » أو « شهد » لطيفة لا بدّ من الاطلاع عليها : وهي أنّ القول أعلى درجات قوس الإظهار - يعني الشهود والكشف - وأتمّ مراتبه ، إذ ليس له في الخارج عين وراءه ، وهو المراد بـ « عين اليقين » ، فإنّه ليس لليقين عين غير الكلام ، ومن هاهنا ترى سائر الآيات كريمة المشتملة على عقائل المعارف ونفائس العقائد مصدّرة ب « قل » .
( وهو ) أي العالم بجمله وتفاصيله ( الاسم الظاهر ، كما أنّه ) أي الحقّ الظاهر بصورته في العالم ( في المعنى روح ما ظهر فهو الباطن ) .
وإذ ليس هاهنا محل تفصيل الاسم عن المسمّى ، ما أورد لفظ " الاسم " .
هذا تحقيق معنى الاسمين بمفرديهما ، وهما الكاشفان على ما حقّقه عن طرف التشبيه فقط ، فأراد أن ينبّه على التنزيه الذي في عين هذا التشبيه المذكور ، كما هو مقتضى أصوله الممهّدة بقوله : ( فنسبته لما ظهر من صور العالم ) ( نسبة المدبّر للصورة ) ، في عدم تحدّده بها ودوام تصرّفه فيها ، وامتيازه بحقيقته عنها .
إذا تقرّر هذا فنقول : إذا أريد تمييز شيء من تلك الصور وتحديد حقيقتها لا بدّ وأن يجمع بين طرفيها ، ( فيؤخذ في حدّ الإنسان - مثلا - ظاهره وباطنه ) كما يقال في حدّه : « إنّه الحيوان الناطق » معربا عنهما بالترتيب ، أمّا الأوّل فإنّ ظاهره ليس إلَّا الجسم الناميّ المتحرّك الحسّاس ، وأمّا الثاني فإنّ باطنه ليس إلَّا « مدرك المعقولات » وما يحذو حذوها (وكذلك في كلّ محدود) حتّى يتمّ تحديد تلك الحقيقة وتحصيل صورة تطابقها .
( فالحقّ ) لما كان له أحديّة جمع الصور بمعانيها ( محدود بكل حدّ ) ، فحدّ جميع صور العالم من حدّه .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل وهو من الفائت. و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
 
الفص النوحي  03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
قال الشيخ رضي الله عنه : "اعلم أيدك اللَّه بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد و التقييد. فالمنزه إما جاهل و إما صاحب سوء أدب. و لكن إذا أطلقاه و قالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم يَرَ غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحقَّ و الرسلَ صلوات اللَّه عليهم و هو لا يشعر"
السبوح : بمعنى المسبح اسم مفعول کالقدوس بمعنى المقدس ومعناه المنزه عن كل نقص وآفة .
ولما كان الغالب على نوح عليه السلام تسبيح الحق وتنزيهه لتمادي قومه على التشبيه وعبادة الأصنام، أرسل إليهم ليعالجهم بالضد.
وصف حكمته بالسبوحية ، ولما كان بعد مرتبته المبدئية والمفيضية مرتبة الأرواح المجردة والأملاك النورية التي من شأنها تسبيح الحق وتقديسه كما قالوا :"ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"آية 30 سورة البقرة. أردف الحكمة النفثية بالحكمة السبوحية .
فقال : (اعلم أن التنزيه) سواء كان من النقائص مطلقا أو من الكمالات الخلقية (عند أهل الحقائق) العارفين بالأمور ما هي عليه (في الجناب الإلهي) المطلق عن كل قيد حتى قيد الإطلاق (عين التقييد والتحديد) .
فإنه تخصيص وتقييد للحق سبحانه بما عدا ما نزه عنه (فالمنزه إما جاهل) منشأ تنزيهه الجهل مما ورد في الشرائع من التنزيه والتشبيه والجمع بينهما (وإما) عالم به لكنه (صاحب سوء وأدب) ينفي ما يثبته بالحق سبحانه على ألسنة رسله .
ويرد ما ورد دالا على التشبيه إلى التنزيه بضرب من التأويل الذي يستحسنه عقله العليل.
فتنزيه الجاهل وصاحب سوء الأدب ليس على ما هو الأمر عليه.
(ولكن إذا أطلقاه)، أي قائلا : التنزيه مطلقا غير مقيد ببعض المراتب (وقالا به) كذلك مطلقا أو مقيدا ببعض المراتب الإلهية و اثبتنا التشبيه في المراتب الكونية فتنزيه كلاهما "المطلق و المقيد" واقع على ما هو.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالقائل بالشرائع) العالم بها (المؤمن) بما جاء به النبي (إذا نزه) الحق سبحانه (ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك) من مراتب السفيه وربما ورد دالا على التشبيه إلى التنزيه بضرب من التأويل والتمويه.
(فقد أساء الأدب وأكذب الحق) تعالى (والرسل صلوات الله عليهم وهو لا يشعر) بتلك الإساءة وهذا التكذيب.
قال الشيخ رضي الله عنه : (و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت. و هو كمن آمن ببعض و كفر ببعض، و لا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، و على الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.)
(ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت وهو كمن آمن ببعض) وهو مقام التنزيه (وكفر ببعض) وهو مقام التشبيه (لا سيما وقد علم) على البناء للمفعول أو الفاعل.
قال الشيخ رضي الله عنه : (أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به إنما جاءت به في العموم)، أي في فهم عوام الخلائق على المفهوم الأول من اللفظ المنطوق به (و) أو ردته (على) أهل (الخصوص) دالا (على كل مفهوم يفهم من وجوه) احتمالات (ذلك اللفظ) مهما لم يرد فيها نص بتعيين وجه مخصوص (بأي لسان كان).
ذلك اللفظ عربي أو غير عربي ولكن ينبغي أن يفهم (في وضع ذلك اللسان) لا في وضع لسان آخر فلا يعتبر في الكلام العربي الخالص ما يفهم بحسب وضع لغة العجم مثلا .
وإنما قلنا : مراد الحق سبحانه بالنسبة إلى العموم وهو المفهوم الأول وبالنسبة إلى الخواص جميع وجوه احتمالات اللفظ .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:09 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 15:56 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد ."
(فإن للحق) سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى (في كل خلق) محسوس أو معقول (ظهورا) مخصوصا، لأنه تعالى هو القيوم على كل شيء فالشيء في الحقيقة توجه إرادته تعالى وقدرته على ذلك المعدوم الصرف المكشوف عنه بعلمه سبحانه في حضرة الأزل، وذلك التوجه اقتضى هذا الظهور المخصوص للحق تعالی، فلا شيء غير التوجه المذكور قال تعالى :"كل شىء هالك إلا وجهه" [القصص: 88] (فهو)، أي الحق تعالی (الظاهر) فقط ولا شيء معه في ظهوره من حيث الحقيقة (في كل أمر (مفهوم) لأهل الخصوص وأهل العموم (وهو) تعالی أيضا (الباطن) فقط ولا شيء معه في بطونه سوى العدم الموهوم (عن كل فهم) من أفهام الخاصة أو العامة، لأنه المطلق الحقيقي كما قدمناه (إلا) أنه لا بطون له (عن فهم من قال) تبعة الإشارة قوله تعالى"قل انظروا ماذا في السموات والأرض" [يونس: 101]. 
وقوله : "وهو الله في السموات وفي الأرض" [الأنعام: 3].
وقوله: "فأينما تولوا فثم وجه الله" [البقرة: 115].
وقوله : "كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص: 88] ونحو ذلك .
(إن العالم) العلوي والسفلي المعقول والمحسوس جميعه (صورته) سبحانه وتعالى باعتبار صدوره عن أسمائه الحسنى (وهويته) باعتبار أنه نوره، أي وجوده وثبوته كما قال تعالى:" الله نور السموات والأرض" [النور: 35].
أي منورهما على معنى أنه موجدهما ومثبتهما بوجوده وثبوته، فإن من قال إن العالم صورته تعالی وهويته على التنزيه المطلق فإن الحق غالب عنده من أمره (وهو)، أي العالم عنده حينئذ (الاسم الظاهر) للحق تعالی من حيث إنه يظهر بما فيه من الآثار.
فالآثار اسم الاسم بمنزلة حروف الاسم المكتوبة للملفوظة والملفوظة للمحفوظة وبالعكس فهو المعروف سبحانه وتعالى من هذا الوجه (كما أنه) تعالى (بالمعنى) المشتمل عليه لفظ صور العالم (روح) جميع ما ظهر من الصور العقلية والحسية الروحانية والجسمانية (فهو) تعالى من هذه الجهة (الباطن) فلا يعرف أبدا .
(فنسبته) سبحانه (لما ظهر من) جميع (صور العالم) الروحاني والجسماني العقلي والحسي (نسبة الروح المدبر للصورة) الجسمانية فهو تعالی روح الروح والجسد من حيث التدبير للأرواح والأجساد فيؤخذ سبحانه (في حد)، أي تعريف
(الإنسان مثلا)، وكذلك غيره من أنواع العالم (باطنه)، أي الإنسان كروحه وعقله ونفسه (وظاهره) کصورته وأعضائه وقواه (وكذلك) يؤخذ تعالى في حد (كل محدود) من العالم (فالحق) تعالی حینئذ بهذا الاعتبار المذكور (محدود بكل حد) لدخوله في تمام ثبوت كل شيء وتحققه ظاهرة وباطنة، إذ لا قيام لشيء ولا وجود له إلا به تعالى، والشيء من نفسه عدم صرف.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا) خاصة ظهور الحق في العموم غير ظهوره في الخصوص.
فتجلى الله تعالى في الكلام العزيز لعباده على حسب استعداداتهم فكلمهم على قدر عقولهم، فإذا كان للحق في كل خلق ظهورة خاصة (فهو الظاهر في كل مفهوم) أي في كل يفهم من اللفظ الذي نطق في حقه (وهو الباطن عن كل فهم) أي لا يفهم ظهوره في كل مفهوم (إلا عن فهم من قال إن العالم صورنه وهويته) أي إلا من عرف أن العالم بأعراضه مظهر صفاته و بجوهره مظهر ذاته فما في العالم شيء، إلا وهو دليل على صفاته ووحدانيته ذاته وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد .
فإن من عرف هذا يظهر له الحق في كل مفهوم فتجلى الله له في كلامه كما تجلى له في عالمه (وهو) أي العالم مظهر (الاسم الظاهر كما أنه) أي كما أن الحق (بالمعنی روح ما ظهر فهو الباطن) والروح مظهر الاسم الباطن فإطلاق الروح على الحق مجاز (فنسبته لما ظهر) أي نسبة الحق إلى كل ما ظهر (من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة) فحذفت صلة النسبة وهي إلى الصورة لدلالة الصورة عليها فإذا كانت نسبة الحي إلى صورة العالم نسبة الروح إلى صورته
فيؤخذ الحق (في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره) فإن حذ الإنسان مركب من الحيوان الناطق فكان بروحه مظهرة لاسمه الباطن وبصورة جسده مظهرة لاسمه الظاهر فعلم أن الحق هو الظاهر والباطن بدلالة حد الإنسان.
(وكذلك) يومئذ في حد (كل محدود) إذ ما من شيء إلا وله ظاهر و باطن (فالحق محدود) أي معلوم (بكل حذ) وهو على طريق الاستدلال من الأثر إلى المؤثر.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإن للحق في كل خلق ظهورا فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته وهويته، وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنی روح ما ظهر، فهو الباطن فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدير للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق تعالی محدود بكل حد."
قال رضي الله عنه : وذلك لأن للحق تعالى في الخلق ظهورا، فهو الظاهر في كل مفهوم فإذن لا يتخصص مفهوم دون مفهوم آخر بالحمل عليه حتى لو كان المفهوم في لغة مثلا مغايرا للمفهوم في لغة أخرى حمل المعنى على كل واحد من المفهومین ولم يضر اختلاف اللغتين ، فكيف إذا كانت اللغة واحدة فأحرى أن يحمل على كل مفهوم من مفهوماتها.
ثم استطرد الشيخ، رضي الله عنه، في الكلام بذكر الباطن في قوله: وهو الباطن عن كل فهم، فإن هذا معنى آخر غير ما كان فيه، فإن كلامه في ذم من اعتمد التنويه فقط وذكر الباطن هو مناسب لمن اعتمد التنزیه فقط .
فكان حقه أن لا يذكره لكن أراد أن أن يذكر ذلك، ليستثني القائلين: بأن العالم صورته وهويته جامعين لذلك مع أن يروا أنه بالمعنی روح ما ظهر فهو الباطن، فنسبته لما ظهر من العالم نسبة الروح المدير للصورة وحينئذ كيف كان القائل، فهو صادق، لأنه إن نزه صادف الحق من حيث باطن العالم، وإن شبه صادف الحق من حيث ظاهر الحق.
وقوله رضي الله عنه : فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره وكذلك كل محدود والمراد أن الجميع حق فيكون المحدود ليس هو غير الحق فيكون الحق محدودا بكل حد.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإنّ للحق في كلّ خلق ظهورا ، فهو الظاهر في كل مفهوم ، وهو الباطن عن كل فهم إلَّا عن فهم من قال : إنّ العالم صورته وهويّته ، وهو الاسم الظاهر".
فنقول : إن شاء الحقّ ، ظهر في كل صورة ، وإن لم يشأ لم تنضف إليه صورة ، بل الحق أنّ الحق منزّه في عين التشبيه ، ومطلق عن التقييد والحصر في التشبيه والتنزيه ، وذلك لأنّ التنزيه عن سمات الجسمانيات وصفات المتحيّزات تشبيه استلزامي ، وتقييد تضمّني بالمجرّدات العريّة عن صفات الجسمانيات من العقول والنفوس التي هي عريّة عن سمات المتحيّزات ، بريّة عن أحكام الظلمانيات .
وإنّ نزّه الحقّ أيضا منزّه عن الجواهر العقليّة والأرواح العليّة والنفوس الكلَّية ، فذلك أيضا تشبيه معنوي بالمعاني المجرّدة عن الصور العقلية والنسب الروحانية والنفسانية .
وإن نزّه عن كل ذلك ، فذلك أيضا إلحاق للحق بالعدم ، إذ الموجودات المتحقّقة الوجود ، والحقائق المشهودة على النحو المعهود منحصرة في هذه الأقسام الثلاثة ، والخارج عنها تحكَّم وهمي ، وتوهّم تخيّلي لا علمي ، وذلك أيضا تحديد عدمي بعدمات لا تتناهى ، وتقييد بعقائد تتباين وتتنافى ، وعلى كل حال ، فهو تحديد وتقييد ، وذلك تنزيه ليس في التحقيق وجه سديد ، وحقيقة الحق المطلق تأباه وتنافيه وتباينه ولا توانيه . ولا سيّما وقد نزلت الشرائع بحسب فهم المخاطب على العموم ولا يسوغ أن يخاطب الحق عبده بما يخرج عن ظاهر المفهوم ، فكما أمرنا أن نكلَّم الناس بقدر عقولهم ، فلا يخاطبهم كذلك إلَّا بمقتضى مفهومهم ومعقولهم ، ولو لم يكن المفهوم العامّ معتبرا من كل وجه ، لكان ساقطا وكانت الإخبارات كلَّها مرموزة ، وذلك تدليس ، والحق تعالى يجلّ عن ذلك ، فيجب الإيمان بكل ما أخبر به من غير تحكَّم عقلي ولا تأويل فكري ، إذ " ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه ُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به ".
وحيث أقرّت العقول بالعجز عن إدراك الحقائق فعجزها عن إدراك حقيقة الحق أحقّ في أصحّ المذاهب والطرائق ، فلا طريق لعقل ولا وجه لفكر مفكَّر أن يتحكَّم على الذات الإلهي بإثبات أمر لها أو سلب حكم عنها إلَّا بإخباره عن نفسه .
فإنّ الذات المطلقة غير منضبطة في علم عقلي ولا مدركة بفهم فكري ، ولا سيّما لا وجه للحكم بأمر على أمر إلَّا بإدراك المحكوم به ، والمحكوم عليه ، وبالحكم حقيقة ، وبحقيقة النسبة بينهما . وهذا مقرّر عقلا وكشفا دائما ، فليس لأحد أن يتحكَّم بفكره على إخبارات الحقّ عن نفسه وتأوّلها على ما يوافق غرضه ويلائم هواه ومدركه ، فإنّ الإخبارات الإلهية مهما لم يرد فيها نصّ بتعيّن وجه وتخصيص حكم .
فهي متضمّنة على جميع المفهومات المحتملة فيها من غير تعيين مفهوم دون مفهوم ، وهي إنّما تنزل في العموم على المفهوم الأوّل وفي الخصوص على كل مفهوم يفهمه الخاصّ من تلك العبارات ، والحق إنّما ذكر تلك العبارات عالما بجميع المفهومات ، محيطا بها وجميعها مراد له بالنسبة إلى كل فاهم ، ولكن بشرط الدلالة اللفظية بجميع وجوه الدلالة المذكورة على جميع الوجوه المفهومة عنها في الوضع العربي أو غيره أيّ لغة كانت تلك الإخبارات بها .
لأنّ للحق ظهورا في كل مفهوم ومعلوم وملفوظ ومرقوم ، وفي كل موجود موجود ، سواء كان من عالم الأمر ، أو من عالم الخلق ، أو من عالم الجمع ، فهو الظاهر في الكلّ بالكل ، وعين الكلّ والجزء ، وكل الكلّ ، فهو الظاهر في كل فهم بحسبه غير منحصر فيه ولا في غيره من المفهومات ، وهو الباطن من كل فهم ومفهوم إلَّا من رزقه الله فهم الأمر على ما هو عليه ، وهو أن يرى أنّ العالم صورة الحق وهويّة العالم هويّة الاسم «الظاهر» ، وصورة العالم هو الاسم « الظاهر » ، وهويّة العالم هو الاسم « الباطن » وهو من حيث هو المطلق عن التقيّد بالظاهر والباطن والحصر في الجمع بينهما وهو غير المتعيّن المطلق مطلقا في عين تعيّنه بعين كلّ عين من أعيان العالم ، فافهم .
قال رضي الله عنه : " كما أنّه بالمعنى روح ما ظهر ، فهو الباطن " .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ الحق من حيث كونه عين العالم كان العالم صورته وهويّته ، وكان هو الاسم الظاهر عينه من هذا الوجه ، وهو من كونه عين معنى العالم وحقيقته هو روح العالم والاسم الباطن عينه .
قال رضي الله عنه : «فنسبته لما ظهر من صورة العالم نسبة الروح المدبّر لصورته».
قال العبد : لا يسبق إلى فهمك من هذه النسبة المذكورة ، وقوله : « ما ظهر » عالم الأجسام فقطَّ ، بل جميع ما يسمّى عالما من عالم المعاني فما دونه من العوالم العقلية والروحية والنفسية والطبيعة الجسمانية والعنصرية والمثالية والخيالية والبرزخية والحشرية والجنانية والجهنّمية وصور كثيب الرؤية وصور التجلَّيات الجلالية والجمالية والكمالية والجنابية والجهنّمية.
وصور كثيب الرؤية وصور التجلَّيات الجلالية والجمالية والكمالية أبد الآبدين ودهر الداهرين ، كل هذه ظاهريّة الحق ، ونسبته إلى الكل كنسبة الروح المدبّر لهيكله ، فالمسمّى عالما هو صورة الحقّ والحق روحه المدبّر له ، فمن عرف شيئا من العالم ، وعرفه عريّا عن الحق ، فما عرفه ولا عرّفه على ما هو عليه ، وكذلك بالعكس من عرف الحق في زعمه وعرفه بريّا عن العالم وعريّا عنه ، فما عرفه ولا عرّفه .
قال الشيخ رضي الله عنه : « فيؤخذ في حدّ الإنسان مثلا باطنه وظاهره ، وكذلك كل محدود ، فالحق محدود بكل حدّ » أي لكل محدود.


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قوله رضي الله عنه : فإن للحق في كل خلق ظهورا خاصا ، وهو الظاهر في كل مفهوم وهو الباطن عن كل فهم ، إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته وهو الاسم الظاهر ".
تعليل لكون المفهوم الأول الذي هو مفهوم العامة مرادا للحق من كلامه ، وكذا المفهومات التي يفهم منها فيه الخاصة ، ولها مفهومات لا يفهم الخاصة أيضا إلا خواص الخاصة الأوحديون العارفون الراسخون في العلم المرادون بقوله :" وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلَّا الله والرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ " إن لم تقف على قوله إلا الله ، وإن وقفت فالراسخون الذين " يَقُولُونَ آمَنَّا به "هم الخاصة.
وأما الذين يبتغون التأويل بالفكر ويحملون معنى كلام الله على معقولهم كأرباب المعتقدات المتبعين للمشابهات الواقفين مع عقولهم كالمتشبهين بالخواص ، فهم الذين في قلوبهم زيغ ، فإن للحق في كل خلق ظهورا بحسب استعداد ذلك الخلق ، فهو الظاهر في كل مفهوم بقدر استعداد الفاهم .
وذلك حده كما قال تعالى :" فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها " وهو الباطن عن كل فهم بما زاد عن استعداده ، فإن رام ما فوق حده بالفكر وهو الذي بطن عن فهمه زاغ قلبه ، إلا فهم العارف الذي لا حد لفهمه وهو الفاهم باللَّه من الله لا بالفكر فلا يبطن عن فهمه شيء .
فيعلم أن العالم صورته وهويته أي حقيقته باعتبار الاسم الظاهر ، فإن الحقيقة الإلهية المطلقة لم تكن هوية إلا باعتبار تقيدها ولو تقيد الإطلاق كقوله :" هُوَ الله أَحَدٌ " وأما من حيث هي هي فهي مطلقة مع تقيدها بجميع القيود الأسمائية ، فالعالم هويته أي حقيقته بقيد الظهور ( كما أنه بالمعنى ) أي كما أن الحق بالمعنى ( روح ما ظهر ) أي حقيقته بقيد البطون ( فهو الباطن ) وذلك أيضا هويته ( فنسبته لما ظهر من صور العالم ، نسبة الروح المدبر للصورة ) لما أثبت للحقيقة الإلهية هوية باعتبار اسمه الظاهر وهوية باعتبار اسمه الباطن شبه نسبة باطنيته إلى ظاهريته من صور العالم بنسبة الروح الإنسانى المدبر لصورته إلى صورته .
واللام في لما ظهر بمعنى إلى أي نسبته مع قيد البطون إلى نفسه مع قيد الظهور ( فيؤخذ ) أي فكما يؤخذ ( في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره وكذلك كل محدود ) فكذلك يجب أن يؤخذ في حد الحق جميع الظواهر وجميع البواطن ، حتى يكون محدودا بكل الحدود.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا خاصا) تعليل على أن المراد مفهوم عموم الناس وخصوصهم، سواء كان ذلك الكلام عربيا كالقرآن، أو غير عربي كالتوراة والإنجيل. أي، الحق يتجلى لعباده على ما يعطيه استعداداتهم، فله فيكل خلق ظهور خاص.
(فهو الظاهر في كل مفهوم ، وهو الباطن عن كل فهم) أي، فهو المتجلي فيكل مفهوم ومدرك من حيث كونه مدركا، وهو مختف وباطن عن كل فهم، لعدم إدراك الفهوم جميع تجلياته وظهوراته في مظاهره. (إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته ومظهر هويته). أي، هو مختلف عن كل فهم إلا عن فهم من يعرف أن العالم صورته ومظهر هويته، فإنه حينئذ يشاهده في جميع المظاهر، كما قالأبو يزيد، قدس الله سره: (الآن، ثلثين سنة ما أتكلم إلا مع الله، والناس يزعمون أني معهم أتكلم).
واعلم، أن هذا الفهم إنما هو بحسب الظهوروالتجلي لا بحسب الحقيقة، فإن حقيقته وذاته لا يدرك أبدا ولا يمكن الإحاطة عليها سرمدا. ولا بحسب مجموع التفصيل أيضا، فإن مظاهر الحق مفصلا غيرمتناهية وإن كانت بحسب مجموع الأمهات متناهية.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن). أي، العالم، بأسره، عبارة عن اسمه (الظاهر)، كما أن الحق من حيث المعنى والحقيقة روح العالم. وهذا الروح هو عبارة عن اسمه (الباطن.)
واعلم، أن الاسم (الظاهر) اقتضى ظهور العالم، و (الباطن) اقتضى بطون حقائقه. والمقتضى وهو إن كان باعتبار غير المقتضى، لكون الربوبية غير المربوبية، لكنه باعتبار آخر عينه وهو أحدية حقيقة الحقائق، لذلك جعل العالم عين الاسم الظاهر وروحه عين الاسم الباطن.
(فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة). أي، إذا كان العالم صورة الحق وهو روحه، فنسبة الحق إلى كل ما ظهر من صور العالم نسبة الروح الجزئي المدبر للصورة المعينة إليها في كونه مدبرا، كما قال: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض). و (اللام) في (لما ظهر) بمعنى (إلى). وقوله:
(للصورة) متعلق ب (المدبر). وصلة (النسبة) محذوفة، أي إلى الصورة.
(فيؤخذ في حد الإنسان، مثلا، باطنه وظاهره وكذلك كل محدود). (الفاء) للسببية.
ولما كان ظاهر العالم ظاهر الحق وباطنه باطن الحق، والباطن مأخوذ فيتعريف الإنسان وتحديده لأنه معرف بالحيوان الناطق، والناطق باطنه والحيوان ظاهره. أو الهيئة الاجتماعية الحاصلة من الجنس والفصل ظاهره الذي به سر
الأحدية فيه وحقائقهما المشتركة والمميزة باطنه، فالحق مأخوذ في حده وكذلك فيكل محدود، إذ لا بد في كل من المحدودات من أمر عام مشترك وأمر خاص مميز، وكلاهما ينتهيان إلى الحق الذي هو باطن كل شئ.
(فالحق محدود بكل حد) لأن كل ما هو محدود بحد مظهر من مظاهره:
ظاهره من اسمه الظاهر وباطنه من اسمه الباطن، والمظهر عين الظاهر باعتبار الأحذية، فالحق هو المحدود.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال رضي الله عنه : "فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم".
قال رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا) فكيف لا يكون له ظهور في مفهومات كلامه، (فهو الظاهر في كل مفهوم) من تلك المفهومات، وظهور الصورة موجب للعلم بذي الصورة فهو موجب للإيمان : وهو التصديق بأنه من صوره.
قال رضي الله عنه : (وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته:
وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
ثم أشار إلى أنه لغاية ظهوره بكثرة المظاهر بطن عن أكثر الإفهام فقال: (وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم، من قال: إن العالم صورته) أي: مظهر لوجوده (وهويته) أي: محل الإشارة الحسية إليه، وإن كان في نفسه منزها عن الصور، وقبول الإشارة الحسية فإنه لقبول ظهوره في العالم يقبل ظهوره في المفهومات بخلاف من أنكر ظهوره في العالم، فإنه ينكر ظهوره في المفهومات أيضا فيبطن عن فهمه، وكيف لا يكون العالم مظهرا له. (وهو الاسم الظاهر) أي: سبب تسميته بالظاهر.
ثم شبه بطونه في المفهومات ببطونه في العالم مع غاية ظهوره فيهما؛ فقال: (كما أنه) أي: الحق مع غاية ظهوره في صور العالم (بالمعنی) أي: بالحقيقة.
(روح ما ظهر) أي: روح تلك الصور التي ظهرت منه يدبر فيها تدبير الروح للبدن، وروح كل شيء باطنه (فهو الباطن) باعتبار حقيقته لا صورة له ولا ظهور، وإذا كان هو الباطن بالنسبة إلى العالم مع ظهور صورة ظاهرة، وباطنة فيه باعتبار أرواحهم وأجسامهم (فنسبته) من حيث المعنى والحقيقة التي بها بطونه المطلق (لما ظهر من صور العالم الروحانية والجسمانية التي هي مظاهر باطنه من وجه، ومظاهر ظاهرة (نسبة الروح) الإنساني (المدبر للصورة) الإنسانية، إذ بوجوده قوام وجود كل شيء، إذ لو فرض له عدم أو غيبة لانعدمت الأشياء، وإذا كان الحق بمنزلة الروح الأرواح الأشياء، وأجسامها لا تحقق لها بدولة (فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه) باعتبار ظهور باطنه في روحه، (وظاهره) باعتبار ظهور ظاهره في جسمه، وليس المراد بالحد التعريف.
ولذلك قال: (وكذلك كل محدود) في الموجودات يؤخذ فيها ظاهر (الحق) باعتبار جسمه وباطنه باعتبار روحه أو قوته بالحق باعتبار ظهور باطنه وظاهره في الموجودات
(محدود بكل حد) تعريفي للمظاهر مع أنه ليس بمحدود في نفسه لا باعتبار التناهي، ولا باعتبار الحد التعريفي.

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:33 عدل 4 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:09 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة : الجزء الثاني

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
وإنّما قلنا أنّ كل ذلك مراد مجيء به ( فإنّ للحقّ في كل خلق ظهورا ) بحسب عموم رحمته الوجوديّة وشمول رأفته الشهودية ( فهو الظاهر في كلّ مفهوم ) من أوّل مراتبه للعامّة من العباد ، متدرّجا فيها ، مترقّيا إلى آخر ما تنتهي إليه درجات معتقدات الخواصّ منهم في ذلك ، وهو مكاشفات الكمّل ، المحيطة بالكلّ ، كلّ ذلك مجالي ظهور الحقّ .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو الباطن عن كلّ فهم ) من أفهام القاصرين عن درجة الكشف العلي والذوق الإحاطيّ فهم محاطون لمفهوماتهم ومعتقداتهم ، عاكفون لديها ، عابدون إياها (إلَّا عن فهم من قال: إنّ العالم) بأعيانه ومفرداته الخارجيّة والذهنيّة ونسبه الكونيّة والإلهيّة (صورته وهويّته) لبلوغ فهمه ذلك إلى ما لا يحيط به مفهوم ولا يحصره صورة من العقائد ، إذ الصورة الإحاطيّة هي له ، فله أحديّة جمع العقائد كلَّها .
وفي قوله : « من قال » دون « فهم » أو « شهد » لطيفة لا بدّ من الاطلاع عليها : وهي أنّ القول أعلى درجات قوس الإظهار - يعني الشهود والكشف - وأتمّ مراتبه ، إذ ليس له في الخارج عين وراءه ، وهو المراد بـ « عين اليقين » ، فإنّه ليس لليقين عين غير الكلام ، ومن هاهنا ترى سائر الآيات كريمة المشتملة على عقائل المعارف ونفائس العقائد مصدّرة ب « قل » .
( وهو ) أي العالم بجمله وتفاصيله ( الاسم الظاهر ، كما أنّه ) أي الحقّ الظاهر بصورته في العالم ( في المعنى روح ما ظهر فهو الباطن ) .
وإذ ليس هاهنا محل تفصيل الاسم عن المسمّى ، ما أورد لفظ " الاسم " .
هذا تحقيق معنى الاسمين بمفرديهما ، وهما الكاشفان على ما حقّقه عن طرف التشبيه فقط ، فأراد أن ينبّه على التنزيه الذي في عين هذا التشبيه المذكور ، كما هو مقتضى أصوله الممهّدة بقوله : ( فنسبته لما ظهر من صور العالم ) ( نسبة المدبّر للصورة ) ، في عدم تحدّده بها ودوام تصرّفه فيها ، وامتيازه بحقيقته عنها .
إذا تقرّر هذا فنقول : إذا أريد تمييز شيء من تلك الصور وتحديد حقيقتها لا بدّ وأن يجمع بين طرفيها ، ( فيؤخذ في حدّ الإنسان - مثلا - ظاهره وباطنه ) كما يقال في حدّه : « إنّه الحيوان الناطق » معربا عنهما بالترتيب ، أمّا الأوّل فإنّ ظاهره ليس إلَّا الجسم الناميّ المتحرّك الحسّاس ، وأمّا الثاني فإنّ باطنه ليس إلَّا « مدرك المعقولات » وما يحذو حذوها (وكذلك في كلّ محدود) حتّى يتمّ تحديد تلك الحقيقة وتحصيل صورة تطابقها .
( فالحقّ ) لما كان له أحديّة جمع الصور بمعانيها ( محدود بكل حدّ ) ، فحدّ جميع صور العالم من حدّه .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، و هو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته و هويته: و هو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر،فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن للحق في كل خلق) سواء كان من العوام أو من الخواص (ظهورا خاصا) واستعدادا معينا لفهم ما يفهم.
فأستعداد العموم لا يتجاوز فهم المعنى الأول و استعداد أهل الخصوص يعمه وسائر وجوه اللفظ (فهو الظاهر في كل مفهوم ) يتجلى به على الفاهم بحسب استعداده (وهو الباطن عن كل فهم إلا من فهم من قال إن العالم) کله روحا ومثالا وحسين (صورته) التي هي عين هويته فإن هويته المطلقة إذا ظهرت بذاتها مقيدة بأحوالها فإنها باعتبار تقييدها تظهر ، وصورة لنفسها باعتبار إطلاقها.
وهذا معنی قوله : وهويته، فالقائل بأن العالم صورته (وهويته) شاهده عينا في كل صورة ويراه ظاهرا في كل مظهر.
فلا يكون باطنا عنه بهذا الاعتبار وإن كان باعتبار کنه حقيقته وعدم تناهي تجلياته وظهوراته باطن عنه أيضا .
(من صور العالم) في التدبير والتصرف (نسبة الروح المدبر للصورة)، أي إلى الصورة التي تدبرها الروح فاللام في الموضعين بمعنى إلى.
(وهو)، أي العالم هو (الاسم الظاهر) له سبحانه (كما أنه) سبحانه (بالمعنی) المجرد عن الصور المختفي فيها (روح ما ظهر) من الصور.
(فهو)، أي الحق سبحانه من حيث أنه روح ما ظهر هو (الباطن، فنسبته لما ظهر)، أي ما ظهر فالحق سبحانه له ظاهر و باطن وكل ما له ظاهر وباطن يجب أن يؤخذ في حده ظاهرة وباطنه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره و باطنه، و كذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد ) .
(فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه) الذي هو وجه المجرد (وظاهره) الذي هو بدنه العنصري فإن الإنسان عبارة عن أحدية جمعهما .
فلو اقتصر على أحدهما لم يحصل حد الصور (وكذلك كل محدود) غير الإنسان إذا كان له ظاهر وباطن ينبغي أن يؤخذ في حده ليتم التحديد .


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:14 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:18 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الرابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الرابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه»"
قال رضي الله عنه : (وصور العالم) كثيرة جدا (لا تنضبط ولا يحاط بها) من حيث كلياتها وجزئياتها يعني لا يقدر أحد غير الله تعالى أن يضبطها ويحيط بها (ولا تعلم)، أي لا يعلم أحد غير الله تعالی (حدود)، أي تعاریف (کل صورة منها)، أي من صور العالم إلا على قدر ما حصل لكل عالم) في الخلق بحسب ما علمه الله تعالى (من صوره)، أي العالم (فكذلك)، أي لكون الأمر كذلك (يجهل حد)، أي تعريف (الحق) سبحانه لأنه المطلق في ذاته المقيد بكل صوره في صفاته ، فلا يعرف حتى تعرف كل صورة لأنه محدود بحد كل صورة أي معرفة بتعريفها فهو مجهول الحد.
قال رضي الله عنه : (فإنه لا يعلم حده)، أي تعريفه (إلا بعلم حد)، أي تعريف (کل صورة) من صور العالم (وهذا)، أي علم حد كل صورة (محال) لا يتصور في العقل (حصوله) الأحد من الخلق لأن العلم بذلك إن حصل كان صورة من جملة الصور، فإن علم
حده احتاج علم العلم أيضا إلى أن يعلم حده، وهكذا فلا بد أن يتقاصر علم المخلوق عن معرفة حد صورة من الصور فلا يعلم حد كل صورة، وهذا في صور العالم الموجود فكيف بما مضى (و) ما سيأتي في الحق سبحانه (محال) لترتبه على المحال.
(وكذلك)، أي كما أن من نزه الحق تعالی فقط وما شبهه فقد قيده وحصره (من شبهه) فقط (وما ژهه فقد قيده وحده)، أي حصره (وما عرفه)، لأنه تعالی غیر مقيد ولا محدود ولا محصور فالذي عرفه مقید محدود محصور فهو غيره تعالى وقد اشتبه عليه به تعالى.
(ومن جمع في معرفته) الله تعالى (بين التنزيه) له تعالى عن كل معقول وكل محسوس (والتشبيه له تعالی) بكل معقول وكل محسوس فالتنزيه ظهور أحدية الحق تعالى، والتشبيه ظهور واحديته، والأحدية والواحدية حضرتان للحق تعالى لا بد من نسبتهما إليه لتحقيق معرفته.
فالأحدية حضرة ذاته الغيبية المجردة عن النعوت والأوصاف الغنية عن العالمين، والواحدية حضرة ذاته العلية من حيث اتصافها بالأوصاف وتسميتها بالأسماء وصدور الأفعال عنها والأحكام، فلا بد من الإيمان به تعالى في الحضرتين .
(ووصفه) تعالى (بالوصفين) : الوصف التنزيهي والوصف التشبيهي، لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " [الإخلاص: 3 - 4] (علی) حسب (الإجمال) في معرفته تعالى (لأنه يستحيل) عقلا (ذلك) الوصف بالتنزيه والتشبيه معا (على التفصيل) في كل ظهور من ظهوراته تعالى وكل تجلي من تجلياته (لعدم الإحاطة) من أحد من الخلق (بما في العالم) كله (من الصور) المختلفة، ومن عرفه كذلك بالتنزيه والتشبيه على مقتضى ما ظهر له من إطلاقه عن قيد التنزيه وقيد التشبيه (فقد عرفه) سبحانه وتعالى (مجملا لا ) عرفه (على التفصيل كما عرف) ذلك الإنسان (نفسه) فإنه من عرفها أي أدركها إدراكا (مجملا)، لأنه عرف صورة ظاهرة ذات أعضاء و قوی، ووراء ذلك أمر آخر باطنی يسمى نفسا وعقلا وروحا .
وهذا الظاهر صورة ذلك الباطن وذلك الباطن مستولي على الظاهر ومتصرف فيه، وحده، ولا ظهور له في غيره من غير حلول فيه ولا اتحاد منه، فإن الإنسان ينزه باطنه عما ظهر منه ويشبه باطنه بما ظهر منه، فظاهره غير باطنه فهو المنزه، وظاهره عین باطنه فهو المشبه.
وهذه المعرفة إجمالية (لا على) مقتضى (التفصيل) حيث لا يمكنه ذلك في نفسه فكيف في ربه.
(ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق سبحانه بمعرفة النفس) إجمالا بإجمال وتفصيلا بتفصيل.
(فقال: من عرف نفسه) بأنه ما هية غيبية هي سر من أسرار الله تعالی ظاهرة له في صورة بشرية جسمانية ولم تتغير عما هي عليه بسبب ظهورها ذلك، كما لم يتغير النجم في السماء عن كبره الذي يبلغ مقدار الدنيا وأزيد من ذلك بسبب ظهوره لأهل الأرض مقدار الدرهم الصغير بل هذا الصغر هو ذلك الكبر بعينه .
ولكن القصور في الإبصار بسبب حجاب البعد عن شهود مطالع الأنوار (فقد عرف ربه) بأنه ماهية غيبية مطلقة عن جميع القيود وعن هذا الإطلاق أيضا، ومع ذلك فكل شيء صورة ظهوره، وكل محسوس ومعقول مطلع من مطالع نوره.
وهو على ما هو عليه من إطلاقه الحقيقي وإن ظهر كيف ما ظهر فإنه المتصرف في القلوب والمقلب للأبصار في الغيوب، يخلق لعباده رؤية يرونه بها مشتملة على الصور والمقادير بحسب ما سبقت به أقضية الأزلية والتقادير، ويخلق الهم قطعة وجزم بأن ما رأوه غيره، فيضلهم به ويمنع عنهم خيره، ويخلق لهم جهلا بما تقوله العارفون، ويخلق لهم تكذيبا وجحودا لما خلقه من المعرفة والكشف الصحيح في قوم يعلمون "لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون " [الأنبياء: 23].

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا يعلم حدود كل صورة منها) أي من صور العالم حد الحق (إلا على قدر ما حصل لكل عالم) بالحد (من صوره) أي من صور العالم (فلذلك) أي فلأجل عدم انضباط صور العالم لأنها جزئيات غير متناهية (بجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده) من حيث مظاهره (إلا بعلم حد كل صورة وهذا) أي العلم بحد كل صورة (محال حصوله فحد الحق) الموقوف على المحال (محال) حصوله وليس المراد بالحد هو المصطلح عند علماء الرسول وهو المركب من ذاتيات المحدود تعالی عن ذلك .
وإنما المراد آثار أسمائه وصفاته يستدل بها على صفات الله تعالى وأسمائه على وجه التحديد والتعيين وإنما خصر عدم الانضباط إلى الصور دون المعاني لأن معاني المعالم أمور كلية منضبطة عند العقل لكن الصور أجزاء للحد فلا يحصل الحد بدون انضباطها.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحده وما عرفه) حق معرفته وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض کالمنزه الواقف عند تنزيهه (ومن جمع في معرفته) أي في معرفة الحق (بین التشبيه والتنزيه ووصفه بالوصفين) أي التنزيه والتشبيه (على الإجمال) وإنما قال على الإجمالي (لأنه يستحيل ذلك) أي التوصيف بالوصفين (على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل) فما أمكن للإنسان في مقام توصیف الحق بالوصفين من العلوم إلا العلم الإجمالي.
(ولذلك) أي ولأجل كون الجمع بين التنزيه والتشبيه والوصف بهما سببا لمعرفة الله تعالى لا غير (ربط النبي معرفة الحق بمعرفة النفس. فقال "من عرف نفسه فقد عرف ربه) .
لأن باطن النفس الإنسانية تنزيه لكونه مخلوقا على صفة الله تعالی و ظاهرها تشبیه فمن جمع في معرفة نفسه بينهما ووصف نفسه بهما فقد جمع في معرفة ربه بينهما ووصف ربه بهما ونال بمعرفة نفسه درجة الكمال في العلم بالله تعالى.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قلت: هذا الكلام ظاهر مما سلف، وليفهم أنه يعني أن من حصره في الصفات كالحنابلة وغيرهم فيما ينقل عنهم أنه جاهل وذلك معروف.
قال: ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ووصفه بالوصفين على الإجمال فقد عرفه، ثم أجاب عن سؤال مقدر.
كأن قائلا قال له: فلم لا يعلم على التفصيل؟
فقال: لأنه يستحيل ذلك لعدم الاحاطة بما في العالم من الصور وأقحم في الكلام أن الانسان أيضا إنما عرف نفسه على الاجمال لا على التفصيل.
قوله رضي الله عنه : ولذلك ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الحق بمعرفة النفس
فقال: «من عرف نفسه عرف ربه» وقال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق" وهو ما خرج عنك "وفي أنفسهم" وهو عينك و"حتى يتبين لهم" أي للناظر و"أنه الحق" (فصلت: 53) من حيث أنك صورته وهو روحك.
فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدير الصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدير لها لم تبق إنسانا.
ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان " جسد أو جثة "، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.
قلت: جميع هذا الفصل ظاهر لا يحتاج إلى شرح

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال الشيخ رضي الله عنه : « وصور العالم لا تنضبط ، ولا يحاط بها ولا يعلم حدود كلّ صورة منها إلَّا على قدر ما يحصل لكلّ عالم من صورة ، فلذلك يجهل حدّ الحق ، فإنّه لا يعلم حدّه إلَّا بعلم حدّ كلّ صورة ، وهذا محال حصوله ، فحدّ الحق محال " .
قال العبد : لمّا كانت صورة العالم ظاهرية الحق ، وهويّته باطنه ، لزم أن يكون الحدّ الكامل لكل شيء هو بذكر حدّه آخذا ظاهره وباطنه ، والحق باطن الكلّ ، فإن لم يكن مذكورا في حدّ كل محدود ، لم يكن الحدّ كاملا .
وهو تعالى إنّ حدّ ، حدّ بجميع الحدّ على الحدّ الذي ذكرنا ، لا على الحدّ الرسمي للحدود في عرف الحكمة الرسميّة المنطقيّة ، ولكنّ الحقّ يتعيّن في كل محدود بحسبه وقدره ، فلا ينحصر في حدّ ولا في جميع الحدود المحدودة ، ولا ينحصر حدّه أيضا في الجمع من جميع الحدود إن انحصرت ، ولكنّها لا تنحصر أصلا .
فلا يحدّ الحقّ أبدا ، فهو حدّ كل شيء وليس له حدّ ، فلو حصل لنا الإحاطة بحدود جميع صور العوالم وأرواحها وحقائقها ومعانيها ، وانضبطت لنا حدودها ظاهرة وباطنة ، لتأتّى لنا من حدّه حدّه تعالى ، ولكنّها لا تنضبط ولا يحاط بها أبدا فلا يحدّ الحق .
وأيضا : فإنّ الحق لا يتميّز بخصوصية تفصّله عن خصوصيّة ، وإلَّا لكان محدودا مقيّدا بتلك الخصوصيّة ، ولمّا لم تنحصر الصور ولم تنضبط التعيّنات غير المتناهية ، لم يكن حدّ الكلّ إلَّا بكلَّيّته مجملا ، وذلك أيضا اعتبار يعتبر مجملا ، فلم يكن حدّ الحق .
وأيضا لأنّه تعالى أحديّة جمع جميع الحقائق الخصوصيّة والاشتراكيّة كلَّها ما تناسب وتشاكل وتباين وتنافي وتضادّ وتناقض ، فلا يعلم حدّه ، لكون الحدود مصوّرة للمحدودات ومتحقّقة فيها فهي غير معلومة ، ولا يحاط بها في نفس الأمر ، فلا يلزم من عدم الإحاطة بالحدود والمحدودات ولا من عدم علمنا بالحدود كلَّها على سبيل الحصر كونه تعالى محدودا بحدود المحدودات كلَّها من كونه تعالى عين الكلّ إلى ما لا يتناهى مطلقا عن الانحصار في الحدود والمحدوديّة واللامحدوديّة . ذلك مبلغنا من العلم ولا يبلغ كلّ ما فيه ، وهذا غاية البيان ، والله المستعان .
قال رضي الله عنه : "وكذلك من شبّهه وما نزّهه ، فقد قيّده وحدّده وما عرفه ، ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ، ووصفه بالوصفين على الإجمال ، لأنّه يستحيل ذلك على التفصيل  لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور ، فقد عرفه مجملا لا على التفصيل".
قال العبد : وكما تقدّم القول في المنزّه بالتنزيه العقلي أنّه ناقص المعرفة ، لكونه مقيّدا للمطلق ومحدّدا لما لا حدّ له بما يخرجه ويميّزه عن جميع ما ينزّهه عنه ، فكذلك المشبّه من غير تنزيه غالط ، لأنّ التشبيه تقييد وتحديد أيضا للمطلق الذي لا حدّ له بقيده وحصره ، وهو المطلق بالذات والوجود ، لأنّه وصفه بوصف ذي حدّ ، وحدّه بحدّ ذي وصف معيّن ، وقيّده بذلك ، ذاهلا عن ضدّ ما قال به أو نقيضه وهو التنزيه ، ولقبوله تعالى الوصفين معا على الوجه الأكمل الأجمع .
وذلك لأنّ المشبّه يشبّهه تعالى بالجسمانيات ، ويحصره في ذلك المنزّه بنزهه عنها كذلك ، فكل واحد منهما يقيّده إذن بمفهومه ، ويحدّده بمعلومه ، وحقيقته تعالى تقتضي الإطلاق والحصر .
ثم إنّ التشبيه يقتضي : مشبّها ، ومشبّها به ، ومشبّها ، وفيه اشتراك للحق بما يشبّه فيه بما يشبّهه به فيما يشبّهه به شبهه ، وحيث ورد التنزيه والتشبيه معا في إخباره تعالى عن نفسه في مفهوم العموم وفي معلوم أهل الخصوص ، أخبر عن نفسه في التشبيه في عين التنزيه والتنزيه في عين التشبيه ، وذلك في كتبه المنزلة ، وعلى ألسنة رسله المرسلة .
فالأخذ بأحدهما دون الآخر كفر به وبما أخبر عن نفسه من حيث أحد الوجهين ، وجنوح عن حق الإيمان ، ولكنّا آمنّا بما جاء عن الحق وشبّهنا كما أخبرنا به تعالى عن نفسه على الوجه الذي أراده من غير تحكَّم عقلي ولا تأويل فكري وعلى مقتضى المفهوم الأوّل من اللفظ والعبارة ، ونزّهنا أيضا من حيث ما ورد التنزيه في القرآن المجيد من غير تحكَّم عقلي ولا تسلَّط فكري ولا تأويل تقييدي بأمر دون أمر ، فقد وفّينا الحقيقة مقتضاها وأعطينا من الله في حق كل مرتبة ما أتاها ، ومن جمع بين المعرفتين منّا ، ولم يحصر الأمر وأطلق ، فهو الإمام العلام ، حسنة الليالي والأيّام .
ثمّ إنّ الواصف للحق بالوصفين إمّا أن يصف بهما إجمالا وهو الممكن في حق العارفين ، ولكن منهم من يصفه بهما امتثالا واتّباعا لما جاء به الشرع المطهّر ، وذلك ، المؤمن بكل ما ورد من الله على مراد الله ولم يحصر في أمر دون أمر ، إنّما هو عبد الله لا شائبة فيه للفضول .
ولا شانئة التحكَّم بمقتضى العقول ، ومن وصفه منّا بهما معا محقّقا بأنّ كل ذلك مقتضى الحقيقة وأنّ الهويّة تقبل الأضداد والأمثال لكونها محيطة بالكلّ ، وشاملة للجميع ، حاصرة غير محصورة .
كان كامل المعرفة تامّ الكشف ، عامّ الشهود ، أستاد الطريقة ، كأبي سعيد الخرّاز ، حين سئل : بم عرفت الله ؟
قال : بجمعه بين الأضداد : " أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ " وصف هويته الأحدية الجمعية بالأوليّة والآخرية والباطنية والظاهرية مع ما بين هذه النسب من التضادّ والتنافي ، بقوله تعالى : "هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ " فجعل هويّته الأحدية موضوعة ، وحمل عليها هذه النسب بلا تقييد ، فهو الوصف بهما إجمالا .
وأمّا وصفه تعالى بالكلّ على التفصيل فليس إلَّا لله إلى ذلك سبيل ، لامتناع تفصيل ما لا يتناهى دفعة واحدة بطريق التوصيل ، ولكنّ الحق يفصّل ويوصل أبد الدهر من غير تناه ولا انقطاع . ولو فرضنا الإحاطة بكلّ ما حصل في الوجود من الحدود .
فوصفه بكل ذلك على الإجمال أو على التفصيل تعريف وتحديد أيضا بالمتناهي المحدود ، لكون الحاصل في الوجود ، إذ ذاك وعنده من الشهود مجملا أو مفصّلا محصورا بانتهائه إلى ما لم يدخل بعد في الوجود ممّا لم يوجد في مرتبة من المراتب .
فالحصول على المعرفة والتعريف ، والوصول إلى التحديد والتوصيف على التفصيل ممتنع مستحيل ، وإن عرف بكل ما دخل في الوجود ما لم يدخل كان مجملا أيضا ، وإن عرف بالتفصيل في الأوّل مفصّلا وفي الثاني الباقي مجملا ، كان مركَّبا من المجمل
والمفصّل ، وما في التحصيل حينئذ تفصيل لتوصيل من كل وجه ، والجمع أكمل وأشمل ، فتحقّقه .
قال رضي الله عنه : « ولذلك ربط النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم معرفة الحق بمعرفة النفس.  فقال : « من عرف نفسه ، فقد عرف ربّه » .
قال العبد : معرفة العبد ربّه من معرفة نفسه على وجهين :
أحدهما : معرفة النظير .
والثاني : معرفة النقيض فيعرف ربّه بالكمالات الحاصلة فيه بأنّه للحق على الوجه الأكمل الأحقّ ، ويعرف أيضا بنقائض ما هو عليه من النقائص ، وسلب جميع ما هو عليه من صفات النقص عن الجناب الإلهي .
وهذا أيضا معرفة مجملة بالربّ ، حاصلة من معرفة مجملة أيضا كذلك بالنفس ، فكما لم يعرف النفس على التفصيل ، كذلك لم يعرف الحق على التفصيل ، وإنّما لم يعرف نفسه على التفصيل ، لأنّه على صورة ربّه ، وصورة العالم ، وكلّ واحد منهما غير متناهي التفصيل ، فالمعرفة التفصيلية تستحيل إلَّا ما شاء الله العليم القدير.
ولهذا ربط رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم معرفة الربّ بمعرفة النفس ، لأنّ الإنسان الذي هو أحدية جمع جمع الجميع ، إذا علم حقائق نفسه ، روحانيّها وطبيعيّها مع قواها ولوازمها ولوازم لوازمها وعوارضها ولواحقها على التفصيل أو على الإجمال ، كانت معرفته بربّه كذلك .
فقال : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ " وهو ما خرج عنك ظاهرا ، إذ لا خارج عنك معنى "وَفي أَنْفُسِهِمْ" ".
وهو عينهم التي هي صور أحدية جمع الآيات كلَّها .
والمعرفة الحقيقية بالربّ إنّما تكون بالجمع بين المعرفة بالآيات الإلهية في الصور الآفاقية التفصيلية في جميع عوالم الفرق والتفصيل ، وبين المعرفة بأحدية جمع الآيات الأحدية الجمعية التي في الصور الإنسانية ، فإنّ الله خلق آدم على صورة الله تعالى ، وخلق العالم على صورة الإنسان ، فالعالم هو الإنسان الكبير صورة لا معنى والإنسان هو العالم الصغير صورة لا معنى ، والعالم هو الإنسان الصغير معنى الكبير صورة ، والإنسان هو العالم الكبير معنى الصغير صورة ،فافهم.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
كما قال رضي الله عنه : فالحق محدود بكل حد وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا يعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل ، أي لكل عالم من صورته . فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده إلا على قدر ما حصل ، أي لكل عالم من صورته . فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة ، وهذا محال حصوله فحد الحق محال ".
أي لا يمكن لأحد الإحاطة بكل الظواهر والبواطن حتى يحيط بكل الحدود لأنها لا تنضبط ، فلا يعلم عالم حد الحق ومحال أن يعلم ، فلا يزال حده مجهولا محالا علمه ووجوده ، لأن مجموع الظواهر والبواطن ممكنات ليس بالمطلق ، فمجموع الحدود أيضا ليس بحده .
قوله: ( وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه ) ظاهر ، لأن من شبههه حصره في تعين ، وكل ما كان محصورا في حد فهو بهذا الاعتبار خلق .
ومن هذا يعلم أن مجموع الحدود وإن لم يكن غيره ليس عينه ، لأن الحقيقة الواحدة الظاهرة في جميع التعينات غير مجموع التعينات ( ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ووصفه بالوصفين على الإجمال ) بأن قال هو المنزه عن جميع التعينات بحقيقته الواحدة التي هو بها أحد المشبه بكل شيء ، باعتبار ظهوره في صورته وتجليه في صورة كل متعين على الإجمال.
قال رضي الله عنه : ( لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور ، فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل ) لأنك تعلم أنك واحد وتعبر عن حقيقتك بأنا ، وتضيف كل جزء من أجزائك على الإجمال إلى حقيقتك .
فتقول : عينى وأذنى وبصرى إلى آخر أجزائك . وتعلم أنك المدرك بالسمع والبصر ، فأنت غير جزء من أجزائك الظاهرة والباطنة ، وأنت الظاهر في صورة كل جزء منك بحيث لو قطعت علاقتك عنها لم يبق واحد منها وتغيب عن كل جزء منك على التفصيل ولا تغيب عن ذاتك قط ، فلا تغيب عن جزء ما من أجزائك على الإجمال .
( ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلَّم معرفة الحق بمعرفة النفس ، فقال « من عرف نفسه فقد عرف ربه » ) فإن الحقيقة التي تعبر عنها بأنا هو الرب في الكل إذا لم تتقيد بتعينك وغيره إذا قيدته فلم تكن غيرا إلا من حيث التقيد .
وهو أيضا من حيث التقيد المعين هو جميع التقيدات لا بدونها فإنه هو المتقيد بجميع التقيدات ألا ترى إلى قوله : " وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى "  فسلب الرمي عنه لأنه بدون الله لا شيء محض فلا يكون راميا ، وأثبت الرمي له باعتبار أنه هو ، بل هو الظاهر بصورته حتى وجد فرمى ولذلك قال " ولكِنَّ الله رَمى "  .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصور العالم لا ينضبط ولا يحاط بها، ولا يعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورة، فلذلك يجهل حد الحق. فإنه لا يعلم حده إلا ويعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله، فحد الحق محال).
أي، صور العالم وجزئياته مفصلا غير منضبطة ولا منحصر، والحدود لا تعلم إلا بعد الإحاطة بصور الأشياء وحقائقها، فالعلم بحدودها محال، فحد الحق من حيث مظاهره أيضا محال.
وفي قوله: (إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورة) إشارة إلى أن كلواحد من الموجودات أيضا لا يعلم من حيث حقيقته، لأن حقيقته راجعة إلى عين الحق وحقيقته، وهي غير معلومة للعالم.
قال رضى الله عنه: (ولست أدرك من شئ حقيقته وكيف أدركه وأنتم فيه)
(وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته
بين التنزيه والتشبيه ووصفه بالوجهين على الإجمال - لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور - فقد عرفه مجملا لا على التفصيل، كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل). أي، من شبهه مطلقا وما نزهه في مقام التنزيه،فقد قيده أيضا وحده في تشبيه وما عرفه، كالمجسمة.
ومن جمع في معرفته بين التشبيه والتنزيه ونزل كلا منزلته ومرتبته ووصف الحق بهما على الإجمال - لأنه يستحيل ذلك على التفصيل إذ كل منهما مراتب غير متناهية لا يمكن الإحاطة بها- فقد عرف ربه مجملا، كما عرف نفسه مجملا.
لأن المرتبة الإنسانية محيطة بجميع مراتب العالم، والإنسان لا يقدر أن يعرف تلك المراتب على التفصيل، بل إذا علمأن مرتبته مشتملة بمراتب العالم كلها، علما اجماليا، فهو عارف بنفسه معرفة اجمالية، إلا من له مقام القطبية، فإنه من حيث سريانه في الحقائق بالحق يطلع على المراتب كلها تفصيلا، وإن كان هو أيضا من حيث تعينه وبشريته لا يقدر) عليها دائما.
(ولذلك ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الحق بمعرفة النفس فقال:
"من عرف نفسه فقد عرف ربه".) أي، ولكون النفس الإنسانية مشتملة على جميع المراتب الكونية والإلهية، والحق أيضا مشتمل عليها بحسب ظهوراته فيها، وما يعرف العارف نفسه غالبا إلا مجملا كما لا يعلم مراتب ربه إلا مجملا، ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الرب بمعرفة النفس.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». "
ثم أشار إلى أنه لا يمكن تحديده بحدود المظاهر حدا مستجمعا لحدودها بقوله: (وصور العالم لا تنضبط) بما فيها من العوالم المشخصة، (ولا يحاط بها) عددا، (ولا يعلم حدود كل صورة منها) لعسر الاطلاع على ذاتيتها بل على أعراضها اللازمة الشاملة (إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورة) أي: من معرفة بعض حدود صور العالم
(فلذلك) أي: فللجهل ببعض صور العالم بل أكثرها (يجهل حد الحق) باعتبار ظهوره في المظاهر، (فإنه لا يعلم حده) الجامع لحدود الأشياء (إلا بعلم حد كل صورة) من صور العالم، (وهو) أي: علم حدودها كلها (محال حصوله للبشر، (فحد الحق) من حيث الظهور في جميع المظاهر حصول العلم به (حال) أيضا للبشر.
(وكذلك) أي: مثل المنزه على الإطلاق في الجهل، وإساءة الأدب بل أشد منه بكثير (من شبهه) على الإطلاق، حتى جعله من الأجسام، (وما نوهه) عن نقائص الإمكان (فقد قيده) بقيود يحتاج بها إلى مخصص يخصصه بها إذ جعله من الأجسام يستلزم تقيده بالصورة الجسمية والنوعية والشخصية مع العوارض المشخصة، (وحدده) بأن ألزمه التناهي في الذات بالمقدار لوجوب تناهي الأبعاد الجسمية بخلاف تجديد المنزه؛ فإنه متناه في الظهور في ذاته لا يتعداها إلى سائر المظاهر.
ولذلك (ما عرفه) أصلا بخلاف المنزه، فإنه عرفه من وجه هو الأصل بالنظر إلى الذات؛ فلذلك كان مؤمنا، وهذا كافر، (ومن جمع في معرفته بين التنزيه) باعتبار الذات والصفات السلبية، (والتشبيه) باعتبار ظهوره في المظاهر والصفات الوجودية (ووصفه بالوصفين) مقا بأن يقول: إنه حال ظهوره في المظاهر منزه عن الحلول فيها، والاتحاد من كل وجه بها، وإنه حال تنزهه عنها ظاهر فيها (على الإجمال).
بأن يقول: إنه منزه عن كل ما لا يليق به من النقائص الإمكانية، وظاهر بصور أسمائه التي لا تتناهي في صور العالم، وإنما قيد بالإجمال؛ (لأنه يستحيل ذلك) أي: وصفه بهما (على التفصيل) لتوقفه على المعرفة التفصيلية بصور العالم التي ينزه الحق عن وجوه إمكاناتها، وتشبه أسماؤه بما ظهر فيها من صورها لكنها في حق المخلوق محال (لعدم الإحاطة بما في صور العالم).
وقوله: (فقد عرفه) خبر لقوله: ومن جمع (مجملا لا على التفصيل)، لا باعتبار الذات، ولا باعتبار الظهور، وهي غاية ما يمكن للمخلوق من معرفته الحق (كما عرف نفسه) الناطقة مع دوام حضورها له بحيث لا يغفل عنها أصلا (مجملا لا على التفصيل).
ولذلك وقع فيه الاختلاف الذي قلما وقع مثله في موضع آخر.
(ولذلك) أي: ولأجل أنه لا يمكن معرفة الحق إلا على الإجمال كمعرفة النفس " من عرف نفسه عرف ربه " (ربط النبي معرفة الحق بمعرفة النفس) تنبيها على أنها مع غاية قربها، ودوام حضورها إذا لم تعرف إلا بالإجمال، فكيف يعرف الحق مع غاية بعده عن العقول والأوهام إلا بالإجمال.


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:38 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:30 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الرابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة الرابعة : الجزء الثاني


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ) لعدم تناهيها ، ( و ) على تقدير ضبطها (لا تعلم حدود كلّ صورة منها إلَّا على قدر ما حصل لكلّ عالم من صورة ) المناسبة لاستعداده (فلذلك يجهل حدّ الحقّ ، فإنّه لا يعلم حدّه إلَّا بعلم  حدّ كلّ صورة) من الصور المشتمل عليها
العالم بطرفيها الروحاني والجسماني ( وهذا محال حصوله ، فحدّ الحقّ محال ) .
فعلم من هذا أنّ من نزّه الحقّ مطلقا وما شبّهه - فقد حدّد ما لا يحدّ فما عرفه . فالتنزيه في عين التشبيه  
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكذلك من شبّهه وما نزّهه فقد قيّده وحدّده وما عرفه ، ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ) وقال بوجوده في كلّ عين ، منزّها عنه ، وشاهد بطونه في عين الظهور ووصفه ( بالوصفين على الإجمال  لأنّه يستحيل ذلك على التفصيل ، لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور ) حتّى يتمكَّن من مشاهدته في كلّ واحد مفصّلا ( فقد عرفه مجملا ، لا على التفصيل ، كما عرف نفسه مجملا ، لا على التفصيل ) إذ الإحاطة بما انطوى عليه ظاهرها - من القوى الجسمانيّة وآلاتها وأفعالها وباطنها من القوى الروحانيّة وأطوارها ومقاماتها مما لا يمكن إلَّا على ضرب من الإجمال .


قال الشيخ رضي الله عنه : (ولذلك ربط النبيّ عليه السّلام معرفة الحقّ بمعرفة النفس فقال  : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » ) وهذا غاية الإجمال حتّى أن الوصفين فيه مجمل .
وأمّا ما يدلّ على ضرب من التفصيل فما أفصح عنه التنزيل الكريم .



شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه. ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». )
قال الشيخ رضي الله عنه : (و صور العالم لا تنضبط و لا يحاط بها و لا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته. فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، و هذا محال حصوله: فحد الحق محال. و كذلك من شبهه و ما نزهه فقد قيده و حدده و ما عرفه.  و من جمع في معرفته بين التنزيه و التشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل.  و لذلك ربط النبي صلى الله عليه و سلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه». )


(فالحق سبحانه) إذن (محدود بكل حد)، يعني كل مأخوذ في حده فما لم يسمع جميع الحدود لم يتم حده لأن كل ما هو محدود بحد صورة من صوره وحد كل صورة من تفاصيل جزا، حدود الصورة.
(وصور العالم لا تنضبط) تحت حد و حصر (ولا يحاط بها ولا بعلم حدود كل صورة منها)، أي من صور العالم (إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صوره فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده)، أي حد الحق (إلا) و (یعلم حد كل صورة) من صور العالم.
(وهذا محال حصوله) لعدم تناهي تلك الصور (فحد الحق محال) وما تقدم القول في المنزه بالتنزيه العقلي أنه ناقص المعرفة لكونه مقيدا للمطلق أراد أن يشير إلى أن المشبه أيضا كذلك.


فقال : (وكذلك من شبهه مطلقة وما نزهه) في مقام التنزيه (فقد قيده) بما عدا صور التنزيه (وحدده) به (وما عرفه) على ما هو عليه في نفس التنزيه (ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه له) ونزل كلا منزلته ( وصفه).
أى الحق تعالى (بالوصفين)، أي التنزيه والتشبيه (على الإجمال) .


بأن قال : وهو المنزه عن جميع التعيينات بحقيقته الواحدة التي هو بها أحد والمشبه بكل شيء باعتبار ظهوره في صورته وتجليه في كل متعين .
وإنما قال على الإجمال (لأنه يستحيل ذلك)، أي وصفه بألوصفين (على التفصيل)، لأن وصف التفصيل إنما يتيسر باعتبار معرفة تفاصيل صور العالم وليس ذلك مما تفي به القوة البشرية (لعدم الإحاطة) بالفعل (بما في العالم من الصور) لكثرتها بحيث لا تدخل تحت الإحاطة إن كان المراد الصور الموجودة بالفعل، ولعدم تناهيها إن كان المراد أعم (فقد عرفه)، أي الحق سبحانه (مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه) أيضا (مجملا لا على التفصيل) لعدم الإحاطة المذكورة. فإن مرتبة الإنسانية الكمالية مشتملة أيضا على جميع صور العالم .


(ولذلك) الاشتمال (ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق سبحانه بمعرفة النفس) و جعل معرفة الحق مسببة عن معرفة النفس (فقال : من عرف نفسه فقد عرف ربه)) .

وكذلك الاشتمال أيضا سوى الحق سبحانه بين إراءتها آياته في الآفاق وبين إراءتها في الأنفس وجعل كلا منها سبة في إفادة معرفته . 
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:20 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 10:49 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الخامسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الخامسة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك.  فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : "وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظر «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة.
ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة."
وقال تعالى :(" سنريهم ") وهو وعد في الدنيا للمؤمنين ووعيد في الآخرة للكافرين " آياتنا " ، أي علاماتنا الدالة علينا، وهي صور العالم المعقولة والمحسوسة من حيث هي صور الحق تعالى لقيامها به تعالى، فإنه قيومها وصورة الشيء قائمة به، فهو تعالی ماهیتها وهي صورته.
وصور الشيء علامات عليه، وهي صور العالم عند الجاهل، والعالم معدوم، وهي صور الحق عند العارف ، والحق موجود، وهي عند الجاهل حجب الحق، وهي عند العارف مظاهر الحق، لأنها صوره، والصور مظاهر الذات ("وفي الأفاق") [فصلت: 53] جمع أفق بضمتين (وهو ما خرج عنك)، أيها الإنسان من جميع الحوادث المعقولة والمحسوسة .
كما قال تعالى: "ولقد رآه بالأفق المبين " [التكوير: 23]، وإنما كان مبينة، لأنه مرآة الأنفس ورؤية النفس في المرآة أبين وأوضح من رؤيتها بدون ذلك.
ولهذا لما أراد الله تعالى أن يوضح الأمر لإبراهيم عليه السلام، أراه جواب سؤاله في غيره فقال له :" فخذ أربعة من الطير" [البقرة: 260] إلى آخره، اعتناء به الكماله، وأراد أن لا يوضح الأمر كمال الإيضاح للغزير عليه السلام، فأراه جواب سؤاله في نفسه، فأماته الله مائة عام، فالأول أراه آياته في الآفاق والثاني أراه آیاته في نفسه ليتبين له أنه الحق.
(و) أراهم آیاته مرة ثانية (في أنفسهم وهو)، أي ما أراهم آياته فيه ثانية من الأنفس (عينك)، أي ذاتك وصفاتك وأسماؤك وأفعالك وأحكامك (حتى يتبين)، أي ينكشف ويظهر (لهم)، أي للناظرين المذكورين (أنه)، أي المرئي الهم بعقلهم وحواسهم هو (الحق) سبحانه وتعالى (من حيث إنك) يا أيها الإنسان (صورته) لقيامك ظاهرا وباطنا كقيام الصورة بالمتصور بها من غير حلول ولا اتحاد (وهو) سبحانه وتعالى (روحك) التي تدبر روحك ونفسك وعقلك وجسمك بما شاءت على مقتضى الحكمة الأزلية (فأنت) كلك بروحك ونفسك وجسمك (له) تعالى (كالصورة الجسمية لك) من حيث إنك ساتر له وحجاب عليه، ومع ذلك فأنت مظهر له ومجلى لأسمائه الحسنى.
(وهو) سبحانه (لك) يا أيها الإنسان (كالروح المدبر لصورة جسدك)، فإن الروح المدبر لصورة جسدك مستولي على جسدك باطنا وظاهرا، يتصرف فيك بما يشاء من غير أن يكون مشابها لروحك إذ لا حلول فيك ولا اتحاد، ولهذا قال : کالروح المدبر بكاف التشبيه للتقريب، ثم شرع في بيان كون الحق تعالی محدودة بكل حد فقال:
(والحد)، أي التعريف الذي لك (يشمل الظاهر) الصورة والأعضاء (والباطن) كالروح والنفس والعقل (منك) بلا شبهة وإلا لما كان حد تام (فإن الصورة الباقية) الجسمانية من الإنسان (إذا زال عنها الروح المدبر لها) بأن عزل عن الاستيلاء عليها والتصرف فيها بسبب الموت العارض لها (لم تبق) تلك الصورة المذكورة (إنسانا) بل تصير جمادة (ولكن يقال فيها إنها صورة تشبه صورة الإنسان) من حيث إنها كانت صورة إنسان فلما نزعت منها الإنسانية خرجت عن كونها صورة إنسان بالفعل فهي صورته بالقوة (فلا فرق) في التحقيق (بينها وبين صورة) مخروطة من خشب أو منحوتة من (حجارة).
على صورة الإنسان (ولا ينطلق عليها)، أي على تلك الصورة المفارقة لإنسانيتها (اسم الإنسان إلا بالمجاز) والعلاقة المشابهة من حيث الظاهر (لا بالحقيقة) إذ الإنسان اسم المجموع الصورة والحقيقة الروحانية المدبرة للصورة فعند النزاع تلك الحقيقة من الصورة لا تبقى الصورة وحدها يقال لها إنسان .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : (وقال الله تعالى) أي ولأجل هذا قال الله تعالى: "سنريهم آياتنا "[فصلت: 33] .أي دلائلنا لهم على معرفتنا (في الآفاق) وهو راجع إلى الآفاق باعتبار كل فرد .
أي كل فرد فرد من الآفاق أو باعتبار ما بعده ما خرج عنك (وفي أنفسهم) أي وسنريهم آياتنا في أنفسهم (وهو) أي كل فرد من الأنفس (عينك حتى يتبين لهم أي للناظرين) فيهما (أنه) أي الله تعالى (الحق من حيث إنك صورته) أي صفته (و) ينين (هو) أي الحق (روحك) .
لأن ظاهر العالم تشبيه وباطنه تنزيه فمن جمع في معرفة العالم بينهما ووصف بهما فقد جمع في معرفة رب العالمين بينهما ووصل إلى درجة الحقيقة في رتب العلم فما يعرف الحق أحد إلا بالعالم آفاقا كان أو أنفسا (فانت له) بجميع أجزائك من الروح والجسد (كالصورة الجسمية لك) أي لروحك.
(وهو لك) في التدبير والتصرف فيك وفي الآفاق (كالروح المدبر لصورة جسدك والحد يشمل الظاهر والباطن منك) أي وحدك وهو الحيوان الناطق يشمل ظاهرك وهو صورة جسدك ويشمل باطنك وهو روحك المدبر لجسدك وإنما يشمل حد الإنسان ظاهره وباطنه (فإن الصورة الباقية) وهو جسده بعد مفارقة الروح (إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق) هذه الصورة (إنسانا ولكن يقال فيها) أي في حق هذه الصورة.
(إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينهما وبين صورة من خشب أو حجارة ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة) باعتبار مجاورة الروح مدة (وصور العالم) وإن كانت متبدلة لكنه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قوله رضي الله عنه : ولذلك ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الحق بمعرفة النفس
فقال: «من عرف نفسه عرف ربه» وقال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق" وهو ما خرج عنك "وفي أنفسهم" وهو عينك و"حتى يتبين لهم" أي للناظر و"أنه الحق" (فصلت: 53) من حيث أنك صورته وهو روحك.
فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدير الصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدير لها لم تبق إنسانا.
ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان " جسد أو جثة "، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.
قلت: جميع هذا الفصل ظاهر لا يحتاج إلى شرح

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : "وقال تعالى : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ "  وهو ما خرج عنك "وَفي أَنْفُسِهِمْ " وهو عينك " حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ " أي للناظرين "أَنَّه ُ الْحَقُّ " أي من حيث إنّك صورته وهو روحك . فأنت له كالصورة الجسمية لك ، وهو لك كالروح المدبّر لصورة جسدك ، والحدّ يشمل الظاهر والباطن منك ، فإنّ الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبّر لها ، لم يبق إنسانا ، ولكن يقال فيها : إنّها صورة تشبه صورة الإنسان ، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ، ولا ينطلق عليها اسم إنسان إلَّا بالمجاز لا بالحقيقة " .
قلت : والمعرفة الحقيقية بالربّ إنّما تكون بالجمع بين المعرفة بالآيات الإلهية في الصور الآفاقية التفصيلية في جميع عوالم الفرق والتفصيل ، وبين المعرفة بأحدية جمع الآيات الأحدية الجمعية التي في الصور الإنسانية ، فإنّ الله خلق آدم على صورة الله تعالى ، وخلق العالم على صورة الإنسان ، فالعالم هو الإنسان الكبير صورة لا معنى والإنسان هو العالم الصغير صورة لا معنى ، والعالم هو الإنسان الصغير معنى الكبير صورة ، والإنسان هو العالم الكبير معنى الصغير صورة ، فافهم .
فالمعرفة الحقيقية في الجمع بين المعرفة التفصيلية الآفاقية وبين المعرفة الأحدية الجمعية ، والجامعة بين معرفة الجمع والتفصيل ، ومن رأى الآيات الربانية المفصّلة في العالم ، علم أنّ له ربّا عليما بحقائقه ، حكيما بأوضاعه وترتيبه في درج مراتب أصله ودقائقه ، ثم رأى من كل آية من تلك الآيات التفصيلية أنموذجا في نفسه .
فرأى في نفسه أحدية جمع تلك الآيات كلَّها ، فيرى ربّه قد استوى على عرش مظهرية الأحدية الجمعية الكمالية استواء أحديّا جمعيا قرآنيا ، واستوى على عرش مظهرية العالم ، استواء تفصيليا فرقانيا ، فتبيّن له أنّه الحق القيّوم بصورتك وصورة العالم بصورتك وهو روح الكلّ وروح روح العالم ،وهو أنت.
فأنت للحق ومنه بمجموع ظاهرك وباطنك وأحدية جمعك كالصورة الجسمانية لك من حيث ما يقوم بمصالحها وتربيتها ، وهو لك كالروح المدبّر لصورتك ، فإنّه مدبّرك بحقائق ذاته وصفاته وتوالي فيضه وتجلَّياته ، كما أنّ روحك يدبّر بإذن الله جثمانك بقواها الباطنة والظاهرة .
وكما أنّ روح العالم وهو الإنسان الكامل مدبّر العالم ، وهو صورته التفصيلية ، وصورة ربوبيّة الربّ للعالمين عين صورة ربوبيّته لك ، وبك يدبّر العالم ويدبّرك ، كما يدبّر روحك جسمانيّتك ، وحدّ الإنسان يشمل ظاهره وباطنه ، لأنّ الحق في مشرب التقحيق الأتمّ والكشف الأخصّ الأعمّ باطنك وهويّتك ، وأنت صورته .
لذلك يجب للمحقّق أن يأخذ الحق في كل حدّ لكل محدود ، وهو المعتبر في مشرب الكمال وإلَّا فليس بحدّ كامل ، بل هو الحدّ المتعارف بين حكماء الرسوم ، حدّ لحجابيات الأعيان لا غير ، فافهم إن كنت تفهم ، وإلَّا فاسكت ، فليس تمسك فادرج إلى غيره ،والله المستعان.
والدليل على أنّ الحدّ يجب أن يكون شاملا للظاهر والباطن أنّ الصورة الإنسانية إذا زال عنها الروح لا يصحّ أن يقال فيها : إنسان ، بل صورة إنسانية ، فلا فرق بينها وبين صورة إنسانية من خشب أو غيره ، وإن أطلق عليها اسم الإنسان فبالمجاز لا بالحقيقة ، فكذلك إن لم يشمل الحدّ للحق الذي هو لك كالروح المدبّر لجسمك ، لم يكن حدّا كاملا .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : " وقال تعالى " سَنُرِيهِمْ آياتِنا " أي صفاتنا " في الآفاقِ " وهو ما خرج عنك " باعتبار كون تعيناتها غير تعينك.
( " وفي أَنْفُسِهِمْ " - وهو عينك ) الذي ظهر فيك بصفاته وإلا لم توجد ( " حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ " - أي للناظر – " أَنَّه الْحَقُّ " - من حيث أنك صورته وهو روحك ) أي يتبين للناظر أنه الحق الذي ظهر في الآفاق والأنفس ، فالناظر وكل واحد من المنظور فيه صورة ، وهو روح الكل ، ولهذا قال ( فأنت له كالصورة الجسمية لك ) لأنك مظهره كما أن الجسمية مظهرك ( وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك ) لأنه الظاهر بصورتك المدبر لها.
قال رضي الله عنه : ( والحد يشمل الظاهر والباطن منك ) يعنى أن الظاهر كالحيوانية مأخوذ في حد الإنسان كالباطن ، أي النفس الناطقة المأخوذ عنها الناطق الباطن في الحد ( فإن الصورة الباقية ) ما دام حيا ( إذا زال عنها الروح المدبر لها لم يبق إنسانا ولكن يقال فيها إنها صورة تشبه صورة الإنسان ) إذ ليس فيها معنى الإنسان ( فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ، ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة ) .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "وقال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق) وهو ما خرج عنك (وفي أنفسهم) وهو عينك (حتى يتبين لهم) أي،للناظرين لهم (أنه الحق) من حيث إنك صورته، وهو روحك".
استشهاد بالكلام المجيد وتأكيد لهذه الرابطة. فإن إرائة الآيات في الآفاق، أي في الأكوان، ليس إلا ظهور الحق وتجلياته في حقائق الأكوان، وكل منها دال على مرتبة معينة وحقيقة خاصة إلهية، كما أن إرائة الآيات في الأنفس إنما هي ظهوره وتجلياته فيها بحسب مراتبها، والعالم كله مظهر الحق، فالنفس الإنسانية أيضا كذلك، فالعارف لنفسه عارف لربه.
ولما كان ما اشتمل عليه النفس الإنسانية في العالم الكبير موجودا مفصلا يسهل إدراكه، قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق) أولا، ثم أردفه بقوله: (وفي أنفسهم) أي، أعيانهم و ذواتهم (حتى يتبين) للناظرين فيهما (أنه الحق) الذي ظهر فيها وتجلى لهما رحمة على أعيانهما، فأوجد هما بوجوده وأظهرهما بنوره وأعطاهما آيات دالة على حقيقته ووحدته.
والضمير في قوله: (وهو ما خرج) عائد إلى (الآفاق). ذكره تغليبا للخبر وهو (ما) وضمير (وهو عينك) عائد إلى (أنفسهم). ذكره اعتبارا للمعنى، و إرادة فرد من أفرادها، كأنه قال: وهو أنت. ولما كان نفس الشئ عبارة عن عينه وذاته.
قال الشيخ رضي الله عنه (وهو عينك). والضمير في (أنه الحق) لله. أي، حتى يتبين لهم أن الله هو الحق الثابت في الآفاق وفي الأنفس. لكنه ساق الكلام بحيث يرجع ضمير(إنه) إلى (العين)، أي، حتى يتبين للناظرين أن عينك هو الحق من حيث إنك مظهره وصورته، فالحق روحك من حيث إنه يربك و يدبرك. فذكره أيضا لتغليب الخبر وهو (الحق).
(فأنت له، كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك).
ولما كان الاسم من وجه غير المسمى، جاء بكاف التشبيه هنا الموجب للمغايرة، ليعطى حق الوجهين: وجه أحدية العين، ووجه المغايرة. وقال:
(فأنت له) أي، نسبة عينك للحق كنسبة جسدك لعينك: فكما أن جسدكصورة عينك، كذلك عينك صورة الحق وهو ظاهر في عينك، كما أن عينك ظاهرة في جسدك. (وهو لك) أي، الحق لعينك كالروح المدبر لصورة جسدك. 
وقد مر بيان هذا المعنى في المقدمات من أن الحق يرب الأعيان الثابتة بأسمائه وصفاته، ويرب الأرواح بالأعيان، والأجساد بالأرواح، لتكون ربوبيته في جميع المراتب ظاهرة.
قال الشيخ رضي الله عنه (والحد يشمل الظاهر والباطن منك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها، لم يبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة تشبه صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة) . أي، التعريف الحدي يشمل الظاهر منك وهو بدنك، لأنك معرف بالحيوان الناطق والحيوان ليس إلا بدنك، إذ هو جسم نام حساس متحرك بالإرادة، والباطن أيضا هو روحك ونفسك المعبر عنها بالناطق. ولا يسمى ذلك البدن إنسانا بالحقيقة، إلا عند كونه حي إذا روح ونفس. وأما عند كونه ميتا فلا يسمى إنسانا إلا بالمجاز، باعتبار ما كان، إذ لا يصدق عليه أنه حيوان ناطق.
فلا فرق بين الصورة الإنسانية حينئذ، وبين صورة من خشب في الجمادية.
والغرض، أن الإنسان إنما هو إنسان بالروح، وروحه في الحقيقة هو الحق، لأنه روح الأرواح كلها، فلو نفرض مفارقة الحق منه، لا يبقى الإنسان إنسانا، ولذلك عقبه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : "وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» [فصلت: 53] من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك. "
وقال تعالى عطف على قوله: «ربط النبي» أي: ولذلك (قال تعالى: سنريهم ، آیاتنا [فصلت: 53]) أي: ظهور أسمائنا وصفاتنا ("في الآفاق") [فصلت: 53]، (وهو ما خرج عنك) من صور العالم، فأحال معرفته على معرفة الآفاق، ولا تعرف الأفاق إلا بالإجمال، فلا يعرف الرب إلا بالإجمال ("وفي أنفسهم" [فصلت: 53]، وهو عينك) أي: ذاتك فأحال معرفته عليها أيضا، كما أحال النبي معرفته عليها، وهي أيضا إجمالية (حتى يتبين لهم [فصلت: 53]، أي: للناظرين) في حقائقها الممكنة التي لا وجود لها بأنفسها فسر الضمير بالناظرين؛ لأن المعرضين عن النظر لا يتبين لهم ("أنه" [فصلت: 53]) أي: الظاهر فيها الذي أفاد لها الوجود ("الحق" [فصلت: 53]).
الذي وجوده ذاته لا باعتبار حلوله فيها، أو اتحاده من كل وجه بها بل ظهوره فيها (من حيث إنك) أيها العالم، والإنسان باعتبار ظاهر و باطنك (صورته، وهو) باعتبار المعنى والحقيقة (بروحك) الذي به قوام صورتك الروحانية والجسمانية، (فأنت) بها العالم والإنسان باعتبار روحك وجسمك (له كالصورة الجسمية لك ) أي: لروحك فإن الصورة الجسمية لك صورة لروحك من وجه يظهر بها في المنام ونحوه، وإن لم يكن لروحك لتجرده صورة أصلا.
(وهو) أي: الحق (لك) ما العالم، والإنسان باعتبار المعنى والحقيقة (كالروح المدبر الصورة جسدك)، وإن كان روحك مكتسبا للكمالات بهذا التدبير، والحق تعالى لا يكتسب شيئا من الكمالات بكن فقد صرت بروحك وجسمك مظهر الباطنة، وظاهره فأشبه مجموعك بمجموعه.
مع أنه باعتبار المعنى والحقيقة أشبه روحك في تدبيرك فيحصل تعريفه بظاهر وباطنك على سبيل التمثيل، فكأنه محدود بحدك في الظاهر والباطن.
(والحد يشمل الظاهر والباطن منك)، فإن الحيوان الناطق في حد الإنسان يشمل ظاهره: وهو الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة، وباطنه: وهو النفس الناطقة المدركة للكليات.
قال رضي الله عنه : (فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة. )
ثم استدل على أن الحد يجب أن يشمل الظاهر والباطن بقوله: (فإن الباقية) من الإنسان بعد موته لا يصدق عليها حد الإنسان على الحقيقة؛ لفوات الباطن، فإنه (إذا زال عنها الروح المدبر لها) الذي هو باطنها (لم يبق إنسانا)؛ لأنه لم يبق ناطقا، ولا حيوانات؛ الفوات هذا الباطن، (ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينها، وبين صورة) أخذت للإنسان (من خشب أو حجارة) لاستوائهما في عدم الناطقية والحيوانية.
(ولا ينطبق عليها) أي: على صورة الإنسان من خشب أو حجارة (اسم الإنسان إلا) بطريق (بالمجاز) أي: الاستعارة (لا بالحقيقة)؛ فكذلك صورة الميت لا تسمی بالإنسان إلا بالمجاز، وإن كانت العامة تنكر نفي الإنسانية عنها.
ثم أشار إلى أن حدود الأشياء، وإن زالت عنها بزوال أرواحها، فحد الحق لا يزول عنها ما دامت موجودة لا حال الحياة ولا بعد الممات.
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:43 عدل 5 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:15 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الخامسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الخامسة : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
وإليه أشار رضي الله عنه بقوله : ( وقال تعالى : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا " ) أي ما يدلّ على أحديّة جمع الحقّ ، بجمعيّته الإحاطيّة الأسمائيّة ( " في الآفاقِ")أي في أطراف محيط الاعتدال الكمالي الإنساني ( وهو ما خرج عنك ) أي عن مركز الاعتدال النوعي ( "وَفي أَنْفُسِهِمْ"  وهو ) أي أنفسهم أو الآيات التي فيها ( عينك ) أي عين تلك النقطة المركزيّة .
فإنّ سائر النسب فيها عينها ، ولهذا وحدّ ضمير الأنفس أو آياتها باعتبار مصدوق الخبر أعني المخاطب ، تنبيها إلى أنّ الكثرة التشبيهيّة فيها عين الوحدة التنزيهيّة ، كما فسرّ ضمير الجمع بالواحد في قوله : (" حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ " أي للناظر)  تنبيها على أنّ الوحدة التنزيهيّة عين تلك الكثرة والمنبّه على هذا التحقيق ما وقع في الآية الكريمة من هذا الأسلوب في قوله : ( " أَنَّه ُ الْحَقُّ " ) [ 41 / 53 ] أي الناظر ، على أنّ ما سبق في الآية مما يصلح لرجع هذا الضمير صيغ الجمع كالآفاق والآيات والناظرين فوحّد الضمير بذلك الاعتبار .
فعلم أنّ النقطة المركزيّة - أعني عين الإنسان الذي هو الناظر - قد تبيّن له باعتبار اتّصافه بالوصفين وجمعيّته للطرفين أنّه الحقّ ( من حيث أنّك صورته وهو روحك ) ضرورة أنّ عينك هو البرزخ بين الظاهر والباطن ( فأنت له كالصورة الجسميّة لك ، وهو لك كالروح المدبّر لصورة جسدك ) .
هذا طرف التنزيه ، وأمّا طرف التشبيه ، فقد بيّنه بقوله : ( والحدّ يشمل الظاهر والباطن منك ) حتّى يستجمع بين المادّة الجنسيّة والصورة الفصليّة ويستحصل منهما صورة مطابقة لك ، لكن لما كان الحدّ المستجمع بين الظاهر والباطن يحتاج في الإنسان إلى رابطة مزاجيّة ، تستدعي اقتران الصورة الفصليّة بالمادّة ، ولا استقرار لتلك الرابطة أصلا ، لا يمكن إطلاق ذلك الحدّ دائما على نشأته هذه.
قال رضي الله عنه : ( فإنّ الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبّر لها لم تبق إنسانا ) لانتفاء الصورة الفصليّة عنها ( ولكن يقال فيها : إنّها صورة ) تشبه صورة ( الإنسان ، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ) , ضرورة أنّ الباقي في الكل إنّما هو الصورة الجسميّة فقط ( ولا يطلق عليها اسم الإنسان إلَّا بالمجاز لا بالحقيقة).
لأنّه أوّل الأوائل في أزل الآزال ، فسائر الصور صورته الحقيقيّة ، بل عين تلك المادّة الأولى والقابليّة الذاتيّة ، لما تقرّر من أنّ الآخر عين الأوّل ، وهذا معنى البساطة التي ذهب إليها أهل النظر .



شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك.  فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك. والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة.  ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
قال رضي الله عنه : (وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «و في أنفسهم» و هو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظر «أنه الحق» من حيث إنك صورته و هو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، و هو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.)
وقال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق" آية 53 سورة فصلت.
أي صور تجلياتنا في الأكوان (وهو)، أي الآفاق (ما خرج عنك)، أي صوره.
إذ لا خارج عنك معنی يخاطب كل واحد تنبيها على أن نفس من عدا كل نفس داخلة في الآفاق بالنسبة إليه.
وأفرد الضمير وذكر نظرة إلى الخبر أو بناء على أن معنى الجمعية غير مقصودة وكذا الحال في قوله : (" وفي أنفسهم" وهو)، أي الأنفس (عينك حتى يتبين لهم، أي للناظر منهم) المتفكر في تلك الأيات أو المشاهد إياها لا المعرض الغافل، وللتنبيه على هذا المعنى غير أسلوب الخطاب .
وفي بعض النسخ، أي للناظرين، لكنه يخالف النسخة المقروءة على الشيخ المصنف وأسلوب الإفراد الذي اختاره أو (أنه)، أي الله سبحانه هو (الحق) المتجلي في الآفاق وفي الأنفس باسميه الظاهر والباطن .
وعلل التبيين بنونه: (من حيث أنك) بروحك وجسدك بل بعينك الثابتة أيضا (صورته)، واسمه الظاهر (وهو) باسمه الباطن المطلق (روحك) فليس في الأنفس إلا أسماؤه والظاهر والباطن.
وكذلك في الآفاق، إلا أنه لم يتعرض له لأن مقصوده من ذكره الآية تأكيد الحديث النبوي ولا ذكر فيه للآفاق (فأنت) بل الآفاق أيضا (له)، أي تلحق سبحانه (كالصورة الجسمية لك)، أي 
قال رضي الله عنه : (والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، و لكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها و بين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
لروحك فتعين بهذا الاعتبار اسمه الظاهر (وهو) سبحانه (لك) بل الآفاق أيضا (كالروح المدبر لصورة جسدك) فتعين بهذا الاعتبار أسمه الباطن (والحد) المنطبق عليك مثلا (يشمل الظاهر والباطن منك).
ويوجدان فيه ولا يقتصر على أحدهما (فإن الصورة الباقية) بعد زوال الروح (إذا زال عنها الروح المدبر لها لم يبق إنسانا) حقيقة فيصح الاقتصار في حدك على ظاهرك فقط (ولكن يقال فيها).
أي في الصورة الباقية (إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة) في انتفاء اسم الإنسانية عنهما (ولا ينطلق عليها)، أي على الصورة الباقية كما على الصورة الخشبية أو الحجارية.
(اسم الإنسان إلا بالمجاز) بناء على المشابهة (لا بالحقيقة) لعدم صدق حده عليه كذا لا يصح الاقتصار في حدا على باطنك وهو الروح فقط، لأن الحقيقة الإنسانية عبارة عن أحدية جمع الروح والبدن.
لأن الروح المجرد فقط على هذا القياس حد الحق سبحانه فإنه لا يصح أن يقتصر فيه على الظاهر أو الباطن فقط كما فعله أهل التشبيه فقط أو التنويه فقط إلا أن بينك وبين الحق سبحانه فرق ما، فإنه يمكن مفارقة روحك عن جسدك مع بقاء جسدك بعد هذه المفارقة .
فلا يصح إطلاق اسم الإنسان على جسدك إلا بالمجاز.

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:23 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:16 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السادسة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور."
(وصور العالم) كلها المعقولة منها والمحسوسة (لا يمكن زوال) قيومية (الحق) سبحانه (عنها أصلا) إذ لو زالت لما بقي شيء من تلك الصور مطلقا (فحد)، أي تعريف (الألوهية له)، أي للحق تعالى في نفس حدود صور العالم كلها (بالحقيقة).
إذ جميع الصور له وهو ماهيتها الواحدة القائمة كلها به باطنا وظاهرا روحانياتها وجسمانياتها (لا) حد الألوهية له (بالمجاز)، لأن جميع الصور للعالم المعدوم المعلوم بعلمه تعالى على طريقة المجاز وله تعالى بطريق الحقيقة فجميع حدود تلك الصور له حقيقة وللعالم مجاز (كما هو حد الإنسان).
أي تعريفه (إذا كان حيأ)، فإن ذلك الحد إنما هو الحقيقة الإنسانية وحدها التي بها تلك الصورة الآدمية إنسان على الحقيقة وإن كان يصلح للصورة الآدمية بطريق المجاز .
(وكما أن ظاهر صورة الإنسان) من أعضائه وجوارحه کیدیه ورجليه وعينيه وأذنيه (تثني) من الثناء وهو المدح (بلسانها) القابل أن يكون لها (على روحها)، أي روح تلك الصورة (ونفسها) من حيث إن كل واحد منها هو (المدبر لها)، أي لتلك الصورة الإنسانية الظاهرة المشتملة على تلك الأعضاء المذكورة، فاليد لا تقدر على التناول ونحوه إلا بإمداد من إمداد تلك الروح وتلك النفس.
وكذلك الرجل والعين ونحو ذلك، حتى أن الحياة والقوة السارية في اليد مثلا إنما هي من إمداد تلك الروح والنفس لها.
فربما يقال : إن تلك الروح الإنسانية الواحدة نفخت في كل عضو وجزء من الصورة الآدمية الظاهرة روحا على حدة، وتلك النفس الإنسانية الواحدة جعلت لكل عضو وجزء نفسة مخصوصة لائقة بذلك العضو وذلك الجزء والنفس الإنسانية هي الروح الإنسانية بعينها، غير أنها تنزل إلى حضرة الجسد كتنزل الله تعالى إلى اسمه الرحمن للاستواء على عرش الوجود الإمكاني.
قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله) تعالى (صور العالم) كلها المعقولة والمحسوسة (تسبح بحمده) لكونه موجدها ومدبرها وممدها على حسب ما يليق بها (ولكن) نحن (لا نفقه)، أي لا نفهم (تسبيحهم)، أي صور العالم (لأنا لا نحيط )علما (بما في العالم من الصور) كلها وإن كنا نسخة منها كلها ، فإنا مشتملون على جميع كليات العالم دون جزئیاته بجزئیات تليق بنا ، ولهذا قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" [غافر : 57] يعني من حيث جزئيات العالم وجزئيات الناس. وأما الكليات فهي متطابقة والمراد هنا تسبیح الجزئيات لا الكليات.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : (لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) أي لا يمكن أن يخرج عن حكومته وتصرفاته في حال الموت والحياة وحال التبدلات وانحلال التركيبات إلى الأجزاء وفي حال البقاء كما في الآخرة فإذا لم يمكن زوال الوهية الحق عن الممكنات في أي الأحوال كانت (فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز) إذ تحديده بالألوهية لا يمكن إلا بالمألوه .
فإن الأجساد الباقية بلا روح مأهولة له فحد الألوهية له ليس كحد الإنسان لعدم خلو المألوه عنه فلا يزال هذه بالألوهية عن الحقيقة أبدا وأما حد الإنسان فتارة يكون بالحقيقة كما إذا كان حيا، وتارة بالمجاز كما إذا كان ميتا (كما هو ).
عباره عن قوله : (حد الإنسان) ولم يرجع إلى شيء قبله إذا كان حيا أي كما أن حذ الإنسان حقيقة لا مجاز (إذا كان حيا) كذلك حد الحق بالألوهية حقيقة لا مجاز (وكما أن ظاهر صورة الإنسان يثني) أي يسبح (بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها) ولكن لا يفقه أحد تسبيح صورته إلا من تجلى الله تعالى له باسمه السميع .
وكما أن لكل واحد من أجزاء صورة الإنسان لسان خاص بثني به على مدبره .
كذلك الصورة المجتمعة من الأجزاء لها لسان خاص بثني به على مدبره وهذا التسبيح نابت لصورة الكافر لكن لا نفع له من ذلك التسبيح.
قال رضي الله عنه : (كذلك جعل الله تعالی صور العالم تسبح بحمده ولكن لا تفقهون) أي لا ندر کون بسماعكم أي لا تسمحون كل واحد منكم بل البعض منكم لا يسمعون وهر أهل الحجاب والبعض الآخر وهو أهل الكشف يسمعون (تسبيحهم) أي تنزيه بعض الموجودات دون بعض ولا يسمعون من يسمع منكم تسبيح كل واحد من الموجودات.
(لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور) كله حتى نسمع تسبيح جميع الصورة فما كان السماع إلا لأهل الكشف وبقدر الإحاطة فقد وقع من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين سماع تسبيح الجمادات .
وكذلك في بعض أهل الكشف فسبح الله تعالى جميع الموجودات حية في الحسن كان أو غير حي بلسان عربي فصيح بلغة فصيحة تكلم تسبيحهم كما تكلم لسان فمنا تسبيح خاص بنا لا يكون هذا التسبيح لغيرنا .
يسمع تسبيحهم أهل الكشف كما نسمع تسبيح لأننا الظاهر وليس التسبيح بلسان الحال الذي يقوله أهل النظر لسان الحال أنطق من لسان المقال.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قوله: وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا.
وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثنی بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.
فالكل ألسنة للحق ناطقة بالثناء على الحق.
وأما أن صورتهم هي التي يرونها فيه تعالى فلأن صور العالم كله هي صور معلومات الله تعالى وما في العلم شيء هو خارج عنه وإلا كان العلم ظرفا للمعلومات والذات المقدسة لا تغاير العلم.
فيلزم أن تكون الذات المقدسية ظرفا لغيرها وذلك ممنوع. فإذن إنما رأوا صورتهم فيه بمعنى لا يوجب الظرفية بل إذا رأوا صورتهم في علمه وليس علمه غيره فقد رأوا صورتهم فيه.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (« وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا ، فحدّ الألوهة له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيّا .
وكما أنّ ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها فالمدبّر لها ، كذلك جعل الله صورة العالم يسبّح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم ، لأنّا لا نحيط بما في العالم من الصورة).
قال العبد : لمّا كان الحق باطن الخلق ، والخلق ظاهر الحق ، فلا يمكن فرض زوال الحق عن العالم ، ولا فرض زوال العالم عن الحق ، وإلَّا لانعدم العالم بأسره .
لأنّ الحق تعالى هويّة الكلّ ، وهو المدبّر للكل ، والقيّام به ، وروحه الذي به حياته وبقاؤه ووجوده ، وفيه وبه شهوده ، والعالم مع قطع النظر عن الوجود الحق عدم محض لا يمكن شهوده ، ووجوده بالنظر إليه تعالى ، وترجيحه لجانب الوجود واجب الوجود .
فكما أنّه يؤخذ في حدّ الإنسان الصورة الظاهرة والهويّة الباطنة ، ولا يزول باطن الإنسان عن ظاهره في حدّه ، فكذلك الألوهة لا تزول عن العالم ، لعدم زوال الربّ عن المربوب ، والإله عن المألوه ، والعلَّة عن المعلول .
ولمّا كان العالم عبارة عن مجموع الصورة وأرواحها ، كذلك يثني على أحدية جمعها وجامع فرقها وصدعها بين معاني أصلها وصور فرعها ، وكذا أحدية جمع العالم وهو الإنسان الكامل جمعا وفرقا يثني على الله الذي هو عين أحدية جمع الجميع ، فالكلّ ألسنة الحق يثني بها على نفسه .
وقد استقصينا القول على ذلك في بيان مراتب الحمد في خطبة الكتاب .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : ( وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا ، فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا ) بناء على أن الحد يشمل الظاهر والباطن ، لأن صور العالم ظاهر الحق وروح العالم باطنه ولا يمكن زوال روح العالم عن صوره ، فحد الألوهية باعتبار الظاهر والباطن ثابت له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان حال حياته .
قوله ( وكما أن ظاهر صورة الإنسان يثنى بلسانها على روحها ونفسها المدبر لها ) معناه أن صورة الإنسان بحركاتها وإدراكاتها وإظهار خواصها وكمالاتها يثنى على روحها ونفسها .
فإن أعضاء الإنسان وجوارحه أجساد لو لا روحها لم تتحرك ولم تدرك شيئا ، ولا فضيلة لها من الكرم والعطاء والجود والسخاء والشجاعة والصدق والوفاء ، ولا ثناء إلا ذكر الجميل ، فهي تذكر روحها بهذه الصفات الجميلة التي هي اثنية فاتحة ( كذلك جعل الله صور العالم ) التي صورنا من جملتها ( تسبح بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم ) أي تثنى بخواصها وكمالاتها ، وكل ما يصدر عنها على روح الكل فهو بظاهره يثنى على باطنه فباعتبار تنزيه تلك الصور روحها عن النقائص التي هي أضداد كمالاتها مسبحة له ، وباعتبار إظهارها لتلك الكمالات حامدة ، لكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نفقة ألسنتهم.
كما لا يفهم التركي لسان الهندي ( لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور ) حتى نضبط أنواع التسبيح والتحميد فلا نحصيها ولكن نعلم على الإجمال.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
بقوله رضي الله عنه : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) لأنه بلا حق عدم محض، فكيف يمكن لها البقاء مع زوال الحق عنها. ولا ينبغي أن يتوهم منه أنه قائل بقدم الدنيا من أن الحق قديم فتكون صورته قديمة، لأن مراده عدم انفكاك الحق عن صور العالم إذا كانت موجودة. والصورة الدنياوية مبدلة بالصورة الأخروية، وهي الصورة الباقية للعالم أبدا، كما كانت في العلم أزلا.
قال الشيخ رضي الله عنه (فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز، كما هو حد الإنسان إذا كان حيا). وفي بعض النسخ: (فحد الألوهة).
(والألوهة) اسم للمرتبة الإلهية فقط. والألوهية اسم تلك المرتبة مع ملاحظة نسبة الذات إليها، كالعبودة والعبودية.
و (الإلهية) اسم نسبة الذات إليها. وهذه المرتبة لا تزال طالبة للمألوه، وليس ذلك إلا العالم.
ولما ذكر أن صورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها لأنه روحها، وذكر أيضاأن العالم صورته واسمه الظاهر ونسبته إلى العالم نسبة الروح المدبر للصورة،أنتج أن حد الألوهية له، أي، للحق بالحقيقة لا بالمجاز، كما أن حد الإنسان، إذا كان حيا، له بالحقيقة. فإن كلا من الصورة والروح المدبر لها، حاصل له دائما.
والضمير في قوله: (كما هو) عائد إلى (الحد) المذكور في قوله: (والحد يشمل الظاهر والباطن) أي، كما أن الحد حد بالحقيقة للإنسان، إذا كان حيا)٩( ولا يتوهم أن هذا الكلام يناقض قوله: (فحد الحق محال).
لأن الحد، هنا،للمرتبة باعتبار الحق والعالم، لا للحق من حيث ذاته
قال الشيخ رضي الله عنه (وكما أن ظاهر صورة الإنسان يثنى بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها،كذلك جعل الله صور العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم، لأنا لا نحيط بمافي
العالم من الصور). أي، كما أن ظاهر الإنسان يثنى على نفسه وروحه الذي يربه و يدبره بلسان صورته وقواها الجسمانية والروحانية، كذلك ظواهر العالم، من الإنسان والحيوان والنبات والجماد وغيرها، يثنى بألسنتهم وألسنة قواه الروحانية والجسمانية على روحه الحقيقي الذي هو الحق، تسبحه وتنزهه عن النقائص اللازمة لهم اللاحقة بهم.
ولكن لا يفقه ذلك التسبيح والتنزيه  إلا منتنور باطنه بنور الإيمان أولا، ثم الإيقان ثانيا، ثم العيان ثالثا، ثم يوجد أن نفسه وروحه ساريا في عين كل مرتبة وحقيقة كل موجود حالا وعلما، لا علما و شهودا فقط، كسريان الحق فيها، فيدرك تسبيح الموجودات بذلك النور
ويسمعه، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل).
وورد: (إن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس).
وقال أمير المؤمنين، على بن أبي طالب، كرم الله وجهه: (كنت مع رسول الله بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله حجر ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله). وأمثاله كثيرة في الأحاديث الصحيحة.
وقال الشيخ رضي الله عنه : في آخر الباب الثاني عشر من الفتوحات: (فإن المسمى بالجماد والنبات عندنا لهم أرواح بطنت عن إدراك غير أهل الكشف إياها في العادة، فلا يحس بها مثل ما يحسها من الحيوان. فالكل، عند أهل الكشف، حيوان
ناطق بل حي ناطق غير أن هذا المزاج الخاص يسمى إنسانا لا غير. ونحن زدنا من الإيمان
بالإخبار الكشف. فقد سمعنا الأحجار تذكر الله، رؤية عين، بلسان نطق تسمعه آذاننا منها، وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله مما ليس يدركه كلإنسان).
وقال في موضع آخر منه: "وليس هذا التسبيح بلسان الحال، كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له. هذا شأن من تحقق بالمراتب الثلاث الأول. وأما صاحب المقام الرابع، فهو مسبح لربه بلسان تلك الحقائق وحامد له في تلك المراتب، فهو العبد التام لله، يعبده في كل موطن ومقام عبادة جميع العالم، ويحمده حمدهم. ويرى جميع ما يراه بالبصر والبصيرة عند تحققه بمقام الجمادية، ويسمعما كان يسمع، ويعقل ما كان يعقل من غير خلل ونقصان. وفي هذا المقام يطوى الزمان والمكان. ويتصرف في جميع الأكوان تصرف النفوس في الأبدان، ويظهرفي الحالة الواحدة في مراتب الأرواح النورانية والنفوس القدسية الروحانية والأجسام الكثيفة الظلمانية". ولهذه المراتب أسرار آخر غامضة جدا يحرم كشفها.
فقوله: (لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور). تعليل عن لسان المحجوبين والمكاشفين أيضا. لأن المكاشف لا يقدر على كشف تفصيل الوجود بأسرها ولايعرف تسبيح كل منهم على التعيين إلا ما شاء الله.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : "وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور."
فقال رضي الله عنه : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) إذ لا تبقى بدون إشرافه عليها صورا كصورة المرآة، إذا لم يحازيها ذو الصورة (فحد الألوهية) "أي للعالم الذي هو الاسم الظاهر".
أي: ظهور الأسماء والصفات (له) أي: لكل ما في العالم بكل حال (بالحقيقة لا بالمجاز كما هو) أي: الحيوان الناطق (حد الإنسان) بالحقيقة (إذا كان حيا) لكنه يزول بالموت بخلاف حد الألوهية.
ثم استدل على أنك له كالصورة الجسمية لك، وإنه كالروح المدبرة لصورة جسدك بما أشار إليه النص الإلهي بقوله: (وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها، ونفسها، والمدبر لها)، وهو الحق (كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده) كأنها تسبح على روحها بما ظهر فيها من كمالاته.
(ولكن لا نفقه تسبيحهم) أي: تسبيح كل واحد بما فيه من الكمال المخصوص على التفصيل؛ (لأننا لا نحيط بما في العالم من الصور) المسبحة كل منها يسبحه بتسبيح خاص على وفق كماله المخصوص به.
وإذا كان من الأرواح صور الحق، والحق روحها المدبر لها.


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:26 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:23 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السادسة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وصور العالم لا يمكن زوال الحقّ عنها أصلا ) ،   لأنّه أوّل الأوائل في أزل الآزال ، فسائر الصور صورته الحقيقيّة ، بل عين تلك المادّة الأولى والقابليّة الذاتيّة ، لما تقرّر من أنّ الآخر عين الأوّل ، وهذا معنى البساطة التي ذهب إليها أهل النظر .
( فحدّ الألوهيّة له بالحقيقة ، لا بالمجاز ) لاستجماعه الظاهر والباطن مطلقا ، وصدق الحدّ إنّما يستدعي ذلك ( كما هو حدّ الإنسان إذا كان حيّا ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكما أنّ ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ) المحيي فالعالم في تسبيح وحمد دائم  ( ونفسها ) المدركة العاقلة ( و ) طبعها ( المدبّر لها ) فإنّ تلك الصورة بما صدر عن قواها وأعضائها من الأفعال مظهرة لكمالات مباديها ، معرّفة لخصائص أوصافها الوجوديّة ، وليس ذلك غير الثناء ، لكن لمّا كان ألسنتهم مقصورة على إظهار الأوصاف الوجوديّة المعربة عن طرف التشبيه فقط لا يكون ثناؤهم لتلك المبادي جامعا بين التسبيح والحمد ، بخلاف ثناء صور العالم للحقّ ، فإنّه جامع بينهما .
ولذلك قال الشيخ رضي الله عنه : ( كذلك جعل الله صور العالم يسبّح بحمده ، ولكن لا تفقه تسبيحهم) وإن كان لنا اطَّلاع على حمدهم وثنائهم ، لأنّه بمجرّد ما يشاهد من آثارهم وخواصّهم يعرف إظهارهم لكمالات الحقّ .
وحمدهم له وأمّا التسبيح فيحتاج أن نعلم جهاتهم الامتيازيّة المنزهة لهم عمّا يشاركهم ، وذلك يتوقّف على معرفة ما وراء ذلك من الصور والمظاهر ، فيتوقّف على الإحاطة بجميع الصور ، ولا تفي بذلك القوّة البشريّة ( لأنّا لا نحيط بما في العالم من الصور ) .
هذا بالنسبة إلى مداركنا الجزئيّة ، وأمّا بحسب الأمر نفسه ، فالكلّ معبّر عن كمالاته ومفصح بأنّها ليست مقصورة على ما عبّر عنه.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.)
قال رضي الله عنه : (و صور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. و كما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها و نفسها و المدبر لها).
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصورة العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا) مع بقائها موجودة فإن وجود العالم وحياته بالحق سبحانه .
بخلاف جسد الإنسان فإن حياته بالروح وجوده، فتزول بزواله الحياة عن الجسد لا الوجود (فحد الألوهية له)، أي تلعالم الذي هو الاسم الظاهر (بالحقيقة) لعدم الاسم هو الباطن عنه (لا بالمجاز كما هو حد الإنسان) لصورته البدنية (إذا كان حيا) أن صدق حد الإنسان وإطلاق اسمه عليها حينئذ يكون بالحقيقة لا بالمجاز كما إذا كان مسيئة.


قال الشيخ رضي الله عنه : (وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها) يعني بلسان حركاتها وإدراكاتها وخواصها وكمالاتها (على روحها) الذي بها حياتها (ونفسها) الناطقة المتعلقة بها (و) عقلها (المدبر لها)، فإن أعضاء الإنسان وجوارحه أجسام لولا روحها لم تتحرك ولم تدر علما ولا فضيلة لها من الكرم والعطاء والجود والسخاء والشجاعة والصدق والوفاء فهی تثني على روحه وجسده الثناء الجميل
قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور.) 
قال الشيخ رضي الله عنه : (كذلك جعل الله صورة العالم نسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم) إذا كنا محجوبين غير مكشوفين لنا (لأنا لا نحيط) عند الحجاب (بما في العالم)، أي بشيء بما في العالم (من الصور) إحاطة تؤدينا إلى فهم سماع ما يجري على ألسنتها في مراتبها الحسية والمثالية والروحية.


وأما إذا من الله سبحانه بالكشف عن تلك الصور والإحاطة بها فقد تعلم ألسنتها ونفته تسبيحاتها.
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الثاني عشر من الفتوحات المكية :" المسمى بالجماد والنبات عندنا لهم أرواح بطنت عن إدراك غير أهل الكشف إياها في العادة فلا تحس بها مثل ما تحسها من الحيوان فإن الكل عند أهل الكشف حیوان ناطق غير أن هذا المزاج الخاص يسمى إنسانة لا غير ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف.
فقد سمعنا الأحجار تذكر الله رؤية عين بلسان ناطق تسمعه آذاننا منها وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله مما ليس بدر که كل إنسان . وقال في موضع آخر منه: وليس هذا التسبيح بلسان الحال كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له."
وقال رضي الله عنه في جواب السؤال الرابع والخمسين: فأما حديث الله في الصوامت فهو عند العامة من علماء الرسوم حدیث حال، أي يفهم من حاله كذا وكذا حتى أنه لو نطق لنطق بما فهم هذا الفهم منه .


قال القوم في مثل هذا :
قالت الأرض للوتد لم تشقني    ….. قال الوتد لها سلي من يدفني
فهذا عندهم حديث حال و علية خرجوا قوله تعالى : "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" [الإسراء: 44].
وقوله تعالى: "إنا عرضا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها" [الأحزاب: 72] أباة حال .
وأما عند أهل الكشف فيسمعون نطق كل شيء من جماد ونبات وحيوان يسمعه العبد بأذنه في عالم الحس لا في الخيال كما يسمع نطق المتكلم من الناس.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:27 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:33 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : ( (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
(فالكل)، أي جميع الصور (ألسنة) جمع لسان الحق سبحانه وتعالى على معنى أنه المتصرف بها فيما يريد إظهاره من علمه بمنزلة اللسان للإنسان (ناطقة بالثناء)، أي المدح (على الحق) تعالى، فهو الشكور يشكر نفسه بنفسه (ولذلك قال) سبحانه حامدا نفسه بنفسه (" الحمد لله رب") [الفاتحة: 2]، أي مالك ومدبر أمور جميع ( "العالمين") من كل نوع من أنواع الحوادث (أي إليه) سبحانه وتعالى (ترجع) من جميع العالمين (عواقب)، أي غايات (الثناء)، أي المدح فكل محمود في العالمين عاقبة الحمد الذي حمد به راجعة إليه سبحانه لكونه هو المنعم الحقيقي والكامل الحقيقي على الإطلاق (فهو تعالى (المثنی) بألسنة الأكوان أي المادح (و) هو أيضا (المثنى عليه)، أي على الممدوح بجميع المدائح.
ثم قال رضي الله عنه من نظمه في هذا المقام (فإن قلت: يا أيها الإنسان بالتنزيه) للحق تعالی فقط، أي التقديس والتسبيح عما أدركت بالفعل والحس من غیر تشبيه له تعالی بما أدركت بالعقل والحس (کنت مقيدا) له تعالى، لأن التنزيه قيد والمقصود رفع القيود.
(وإن قلت بالتشبيه) في حقه تعالی يعني أن يشبه شيئا مما أدركت بالعقل أو الحس (کنت محددا) للحق تعالى، أي حاصرة له في حد أي تعريف عقلي، واللله سبحانه وتعالى يستحيل في حقه ذلك (وإن قلت بالأمرين)، أي بالتنزيه مع التشبيه وبالتشبيه مع التنزيه، بحيث يكون الحق تعالی عندك موصوفة بهما معا، ويلزم من ذلك ارتفاعهما فيثبت الإطلاق الحقيقي وهو المراد في حقه تعالى ولهذا قال :
(کنت مسددا)، أي محفوظة من الخطأ والزلل (وكنت إماما)، أي مقتدی بك (في المعارف) الإلهية والحقائق الربانية (سيدا) تسود قومك بالعلوم والفضائل في الدنيا والآخرة.
(فمن قال بالإشفاع) بكسر الهمزة مصدر لشفع الواحد إذا جعله شفعة أي اثنين، يعني من قال بالتنزيه فقط أو قال بالتشبيه فقط فقد أشفع الواحد .
فجعله اثنين ففاته توحيده الذي يدعيه، وذلك فإن من قال بالتنزيه فقط فقد اعتقد بأنه تعالى منزه بتنزيهه ذلك والله تعالى منزه لا بتنزيه أحد، فمتى كان منزهة بتنزيه أحد عند أحد فقد أشفع ذلك المنزه، أي جعله اثنين بتنزيهه ذلك.
على معنى أنه اخترع منزها آخر معه وكذلك من قال بالتشبيه فقط فقد اخترع إلها آخر مشبها فأشفع الإله الواحد الحق ومن أشفع الإله الواحد الحق (كان مشركا) بكسر الراء مشددة ، أي ناسبا الشركة إلى الحق تعالى في الألوهية .
(ومن قال بالإفراد)، أي إفراد الحق تعالی بما هو عليه من الأزل لا يحكم عليه بالتنزيه فقط، ولا يحكم عليه بالتشبيه فقط بل أبقاه على ما هو عليه من الانفراد بما لا يعلمه إلا هو، وعبده بوصفه له بما وصف به نفسه في كتابه وعلى ألسنة رسله عليهم السلام، من تنزيهه مع تشبيهه وتشبيهه مع تنزيهه.
فكان حاكيا لا متحكما و متبعا لا مخترعا (كان موحدا) له سبحانه وتعالى بالتوحيد الصحيح من غير شائبة شرك.
(فإياك) يا أيها الإنسان (والتشبيه) الله تعالی فقط من غير تنزيه يشوبه فيزيل تقييده (إن کنت ثانيا) في زعمك للواحد الحق الذي أنت وعملك الباطل والظاهر صادر عنه فإنه لا ينفعك حينئذ إلا تنزيهك من داء التشبيه (وإياك) أيضا (والتنزيه) الله تعالی فقط من غير تشبيه يشوبه .
فيزيل منه التقيد الذي فيه (إن كنت) في اعتقادك (مفردا) بكسر الراء لله تعالى وأنت وعملك في بصيرتك داخل تحت قدرته محسوب من جملة أفعاله، فإنه لا يكشف لك عن حقائق تجلياته إلا تشبيهك وينفعك من داء تنزيهك.
فما أنت يا أيها الإنسان من حيث ذاتك المعروفة [وفيه لك] وصفاتك المفهومة منك وأسماؤك الظاهرة بك وأفعالك الصادرة عنك وأحكامك المشهودة فيك (هو)، أي الحق سبحانه وتعالى، لأنه غيب عنك وأنت شهادة لنفسك، فالذي نشهده منك ليس هو الحق الغائب عنك (بل أنت) من حيث ذاتك المجهولة لك وصفاتك المستورة عنك وأسماؤك المحجوبة فيك وأفعالك التي جميع ما تعرفه منك صادر عنها.
وأحكامك التي كل أمر ونهي واقع عليك وارد لك منها (هو)، أي الحق تعالی، لأنه غيبك وأنت شهادته فما ظهر منك لك فهو أنت وما غاب منك عنك فهو هو وأنت صورته عندك لا عنده وهو صورتك عنده لا عندك .
(وتراه)، أي تشهده بعين بصيرتك (في عيون)، أي حقائق (أمور)، أي أحوال وشؤون تظهر لك منك (مسرحا) بفتح الراء أي مطلقا من غير تقييد (ومقيدا) بصيغة اسم المفعول، فإذا نطقت وجدته عین نطقك بعد رفع ما أدركته من نطقك وهذا الإسراح أي الإطلاق، وقبل رفع ما أدركته من نطقك هو التقييد.
وهكذا إذا مشيت وإذا أكلت وإذا شربت وما أشبه ذلك، وأنت ضابط ببصيرتك إطلاقه الحقيقي المبرأ من التنزيه والتشبيه (قال) الله تعالى ("ليس كمثله")، أي كذاته أو صفاته ("شيء") مما هو صورته عندنا.
(فنزه) نفسه بنفسه (وهو) سبحانه وتعالى (السميع) الموصوف بالسمع فلا سمیع غيره، لأن تعريف الطرفين يفيد الحصر وهو (البصير) أيضا ، أي الموصوف بالبصر فلا بصير غيره (فشبه) نفسه بنفسه حيث أخبر أنه كل سميع وكل بصیر.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : (فالكل) أي جميع الموجودات (السنة الحق) محددة معرفة الحق (ناطقة بالثناء على الحق ولذلك) أي ولأجل أن الكل ألسنة الحق (قال الحمد رب العالمين أي إليه يرجع عواقب الثناء نهر المثني) من كل ألسنة (والمثنى عليه) بكل ألسنة فهو المثني على نفسه بلساننا لا نحن لأن لساننا لسانه وليس لنا لسان في الحقيقة حتى أثني عليه إذ استناد كل شيء ينتهي إليه.
(شعر : فإن قلت بالتنزيه) أي إن وقفت عند تنزيهك (كنت مقيدا) لله تعالى بالأمر العدمي (وإن قلت بالتشبيه کنت محددا) للحق بالصفات الثبوتية (وإن قلت بالأمرين) أي التنزيه والتشبيه (كنت مسددا).
أي ظفرت طريق الهداية (وكنت إماما في المعارف سیدا) لأجل تصديقك الرسل في كل ما جاؤوا به .
(فمن قال بالإشفاع) أي فمن ثبت عند التشبيه (كان مشركا) أي جعل غير الحق شريكا معه في وصفه وقد ذهل عن وحدة الحق الواجب علمها (ومن قال بالإفراد) أي ومن وقف عند التنزيه (كان موحدا) أي فقد جهل بكثرة أسمائه وصفاته فما عرف الحق حق معرفته.
ولما بين حال صاحب الجمع وحال المنزه والمشبه وكان المنزه فقط والمشبه فقط خارجا عن طريق الرسل حذر السالكين فقال : (وإياك والتشبيه إن کنت ثانيا) أي إن وصفت بصفات ثبوتية (وإياك والتنزيه إن كنت مفردا)
بكسر الراء أي لم تثبت معه غيره ثم رجع إلى بيان جمع التنزيه والتشبيه في أنفسنا فقال
(فما أنت هو) بتنزيه الحق عنك بسلب نفسك عنه من حيث بإمكانك وإحتياجك إليه (بل أنت هو) من حيث حقيقتك لأنك مخلوق على صفة الله تعالى: (وتراه) أي وأنت ترى الحق (في عين الأمور) أي في ذوات الأشياء (مسرحا) أي مطلقة (ومقيدا) أي منزها ومشبها بعين ما ترى في نفسك.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
ولذلك قال: "الحمد لله رب العالمين" (الفاتحة: 2) أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه.
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وإن قلت بالتشبيه كنت محددا وإن قلت بالأمرين کنت مسددا وكنت إماما في المعارف سیدا .
فمن قال بالإشفاع كان مشركا . ومن قال بالإفراد كان موحدا فإياك والتشبيه إن کنت ثانيا . وإياك والتنزيه إن کنت مفردا. فما أنت هو بل أنت هو وتراه في عين الأمور مسرحا ومقيدا.
قلت: بالغ الشيخ في التصريح بهذا المعنى وأكد فيه وبين أن الإنسان إذا أثنى على عقله ونفسه، فهو نظير تسبيح العالم الكبير ربه، تبارك وتعالى.
ولكن لا تفقهون تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور. وهذا واضح وأبيات الشعر مفهومة المعنى مما ذكر.
ولذلك قال: و افرد و بالإفراد يقع التنزيه فلذلك قال فنزه وافرد.
قوله: ولو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، يعني أن محمدا رسول الله جاء بالدعوتين: التنزيه والتشبيه، وهذا مبني على ما قرر من مفهوم قوله تعالى: "ليس كمثله شيء " فإنه عين حمل الآية على الأمرين معا، فجمع نبينا، عليه الصلاة والسلام، في دعوته.
وأما نوح، عليه السلام، فذكر رضي الله عنه : أنه ما جمع لهم وسنبين كيف ذلك .
وهو قوله:  فدعاهم جهارا، أي إلى التشبيه الذي تقدم ذكره لأنه الظاهر فناسب أن يقال في الدعاء إليه جهارا.
قال:  ثم دعاهم أسرارا، أي إلى حضرة التنزيه الذي تقدم ذكره أيضا لأنه الباطن فناسب أن يقال في الدعاء إليه أسرارا.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه :(فالكلّ ألسنة للحقّ ناطقة بالثناء على الحق . ولذلك قال : الحمد لله ربّ العالمين . أي إليه يرجع عواقب الثناء ، فهو المثني والمثنى عليه ») .
فقوله رضي الله عنه : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ " ثناء من الحق على نفسه بألسنة العالمين ، أو ثناء العالمين على الله بألسنة الحق ، أو ثناء الحق على الحق بألسنة الحق من كونه عين العالمين ومن كون العالمين عين الوجود الحق المتعيّن في أعيان العالمين ، فثناء من العالمين على الحق أو على العالمين من بعضه لبعض ، فتدبّره إن شاء الله تعالى ، فإليه يرجع عواقب الثناء ومصير المحامد على كل وجه .
قال الشيخ رضي الله عنه شعر :
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيّدا ......     وإن قلت بالتشبيه كنت محدّدا
وإن قلت بالأمرين كنت مسدّدا   ...... وكنت إماما في المعارف سيّدا
قال العبد أيّده الله به : قد أسلفنا أنّ تنزيه الحق عن أشياء وأمور تقييد ، وتمييز عمّا هو له وتجريد ، وأنّ تشبيه ما لا حدّ يحيط به تحديد ، وتعميم الحكم بوصفه بالجمع بينهما على وجه الإطلاق تعريف كامل وتوقيف شامل عند أرباب الوحدة والتوحيد ، وأصحاب الجمع والوجود والتفريد ، لأنّه عدم الحصر في الأمرين ولا في الجمع بين الطرفين .
والعارف المعرّف للحقّ بأحدية جمع الجمع هو الإمام الذي يصف كلّ واحد من الطرفين بما يخصّه ، ويسدّد النظر إلى الحقيقة بكل ما للطرفين من غير تمييز وتعيين وتنقيص ، فهو الفائز بالحسنيين والحائز للمعنيين ، فله السيادة في المعارف على الفريقين ، لكونه جامعا بين المعرفتين .
ولا يقال : إنّ الجامع بين التشبيه والتنزيه يكون محدّدا أو مقيّدا بالجمع بينهما ، لأنّ الجامع غير حاصر في أحدهما معيّنا ، ولا مطلقا غير معيّن كذلك ولا فيهما ، بل جمعه إطلاق الأمر عن الحصر في التنزيه والتشبيه والجمع بينهما ، فهو تنزيه بالإطلاق عن حصر تقييد التنزيه وتحديد التشبيه ، فافهم .
قال رضي الله عنه [ شعر ] :
فمن قال بالإشفاع كان مشرّكا   ..... ومن قال بالإفراد كان مفرّدا
يعني - رضي الله عنه - : صاحب شهود الشفع ، وهو الذي يرى حقا وخلقا ، وينزّه الحق عن الخلق ، مثبتا وجودين اثنين ، فهو ثنويّ مشرك قد أشرك الخلق بالحق في الوجود ، وعلى هذا المشرّك - بتشديد الراء - مثبت الشريك.
وقد يؤخذ اشتقاقه من الشرك ، وهو الحبالة ، ويكون حينئذ بمعنى المقيّد للوجود بالإشراك في الشفعية والحقيّة بالخلقية ، وهي الزوجية من العدد ، فهو جاعل للحق ثاني اثنين ، وذلك كفره أي ستره للوحدة الحقيقية بالشفعية العددية الاعتبارية . ومن أفرد بالتنزيه . 
وقال : الشفعية والزوجية للعدد ، والحق يتعالى عن المعدود والعدد ، فقد ميّزه أيضا عن التعديد والعدد ، وأخرجه عنه مع إثباته في الوجود ، ووقع من حيث لا يشعر في عين ما وقع صاحبه المشبّه ، لأنّ كلَّا منهما أثبت ثانيا للحق في الوجود كذلك ، وحيث أخرج الحقّ عن الوجود في عدد الشفع .
فهو كمن قال : إنّه ثالث ثلاثة من حيث لا يدري ، أو رابع أربعة ، لأنّ العدد إمّا زوج أو فرد ، فباعتبار أوّل عدد زوج كان ثالث الثلاثة ، وباعتبار أوّل عدد فرد كان رابع الأربعة.
وإن قال : إنّه ثالث اثنين أو رابع ثلاثة - على أنّه هو الموجود وحده مع اعتبار اثنين عدميّين ما لهما وجود ، أو ثلاثة كذلك - فلم يشرك ولم يكفر ، بل وحّد على الحقيقة .
قال رضي الله عنه شعر :
فإيّاك والتشبيه إن كنت ثانيا    ..... وإيّاك والتنزيه إن كنت مفردا
يعني رضي الله عنه  : إذا قلت بوجود الاثنينية في الوجود بأن تقول : وجود مطلق ، ووجود مقيّد  فلا تشبّه المطلق بالمقيّد ، وإلَّا كنت محدّدا للمقيّد بحدّ المطلق وبالعكس .
وإن قلت بإفراد الوجود للحق فلا تنزّهه ، لأنّ الحق الذي ليس معه شيء لا يتنزّه عن نفسه ومقتضى ذاته ، وما ثمّ غيره ، ثمّ التقييد والإطلاق نسبتان - كما علمت - ذاتيتان لوجود الحق ، فهو لا يتنزّه عن مقتضى ذاته .
قال رضي الله عنه شعر :
فما أنت هو ، بل أنت هو وتراه في    ..... عين الأمور مسرّحا ومقيّدا
يعني رضي الله عنه : اعلم : أنّ وجود الحق وهويّته كناية عن غيبه ولا تعيّنه الذي لا يتعيّن في كلّ تعيّن ، ولا يشهد .
و« أنت » كناية هو عينه المتعيّن في عيان الشاهد ، فنفيه رضي الله عنه « أنت » عن « هو » نفي تقييد التعيّن عن إطلاق الوجود الحقّ من حيث هما كذلك ، وإثباته رضي الله عنه « أنت » عين « هو » من حيث حقيقة الوجود الذي هو في المطلق مطلق وفي المقيّد مقيّد .
فالوجود هو من حيث إطلاق هويّته تعالى ينتفي تقييد التعيين عنه ، وهو من حيث الحقيقة والعين عين للكلّ ، فتارة يوضع المطلق ويحمل عليه المقيّد ، وبالعكس يوضع المقيّد ويحمل عليه المطلق ، وتارة ينفى كلّ منهما عن كلّ منهما باعتبارين مختلفين ، وهو من حيث الهويّة التي هي عين المطلق والمقيّد في الشهود - مطلق في الإطلاق والتقييد ، فالمقيّد هو الاسم « الظاهر » وهو العالم والخلق ، والمطلق هو الباطن الحقّ ، وحقيقة الوجود الحقّ وهويّته فيهما عينهما ، تعاليت وتباركت .
فـ « تراه في » ، يعني رضي الله عنه : في الحقيقة المحمدية البرزخية الجامعة بين الاسم الظاهر والاسم الباطن « عين الأمور » كلَّها « مسرّحا » مطلقا حقّا و « مقيّدا » خلقا ، لأنّ « أنت » و « أنت » و « هو » و « هي » و « نحن » وكاف المخاطب ، وتاءه ، وياء المخاطب المتكلَّم ، كلَّها كنايات عن عين واحدة ما ثمّ غيرها ، ظهرت في مراتب هي مقامات بطونه وظهوره ، ومرائي تجلَّيات نوره ، ومجالي تعيّناته في صور شؤونه وأموره وهويّة العين واحدة في الكلّ ، هو الأوّل الباطن ، والآخر الظاهر .
في الفرع والأصل ، فالحقيقة المتعيّنة في إنّيّة « أنت » عين المتعيّن في هويّة « هو » بحقيقتها وعينها ، ولكنّ الخلق من كونه خلقا غير الحق من كونه حقّا ، وكذلك الظاهر من كونه ظاهرا ما هو الباطن من كونه كذلك . فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : ( فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق ولذلك قال – " الْحَمْدُ " ) أي الثناء المطلق من كل واحد على التفصيل ( " لِلَّه رَبِّ الْعالَمِينَ " ) أي الموصوف بجميع الأوصاف الكمالية رب الكل بأسمائه باعتبار أحدية الجمع ( أي إليه ) باعتبار الجمع ( يرجع عواقب الثناء ) التفصيلي (فهو المثنى ) تفصيلا ( والمثنى عليه ) جمعا قوله نظما :
( فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا   ...... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا  ...... وكنت إماما في المعارف سيدا)
نتيجة لما ذكره ، فمن علم مقدماته علم معناه
( فمن قال بالإشفاع كان مشركا، ومن قال بالإفراد كان موحدا )
أي من قال بالاثنين وأثبت خلقا مباينا للحق في وجوده ، كان مثبتا لشريك له في الوجود قائلا بمتماثلين في الوجود مشبها .
ومن قال بأنه فرد لا يلحقه التعدد وأفرده من جميع الوجوه وجرده عن كل ما سواه وأخرج عنه التكثر للتنزيه ، فقد جعله واحدا منزها عن الكثرة مقيدا بالوحدة ، وقع بالشرك كالأول من حيث لا يشعر ، إذ التعدد والتكثر موجود فقد أخرج بعض الموجودات عن وجوده وثبت التماثل ، ولذلك قال : " فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا "
أي إن كنت مثنيا للخلق مع الحق فاحذر التشبيه ، بأن تثبت خلقا غيره بل اجعل الخلق عينه بارزا في صورة التقييد والتعين " وإياك والتنزيه إن كنت مفردا "
أي وإن لم تثبت الخلق معه ، فلا تجرده عن التعدد حتى يلزم وجود متعددات غيره ، لغلوك في التنزيه فتقع فيما تهرب منه أو تعطله فتلحقه بالعدم ، بل اجعله الواحد بالحقيقة الكثير بالصفات ، فلا شيء بعده ولا شيء غيره ، واجعله عين الخلق محتجبا بصورهم ، وهذا معنى قوله قدس الله سره .
"فما أنت هو بل أنت هو وتراه في  ..... عين الأمور مسرحا ومقيدا "
لأن أنت حقيقة بقيد الخطاب أي بكونها مخاطبا وهو تلك الحقيقة مقيدة بقيد الغيبة ، ولا شك أن المقيد بقيد الخطاب غير المقيد بقيد الغيبة ، بل أنت من حيث الحقيقة عين هو باعتبار التسريح والإطلاق ، وتراه في عين الأمور ، أي في صور أعيان الأشياء مقيدا بكل واحد منها مسرحا ، أي مطلقا بكونها في الكل إذ الحقيقة في صور الكل واحدة ، وكل مقيد عين المقيد الآخر وعين المسرح .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
كما قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء). أي، لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور النوعية التي هي الملكوت في الأجسام وهي الناطقة والمسبحة لا غير.
(فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق، ولذلك قال: (الحمد لله رب العالمين).
أي، إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه.
لما أسند الثناء والحمد إلى صور العالم وبين أن الحق روحها وليس المتصرف في الصورة إلاالروح، أنتج منها أن صور الكل ألسنة الحق، إذ باللسان يظهر النطق.
والناطق والحامد هو الحق يثنى ويحمد بنفسه على نفسه في مقام تفصيله، كما حمد وأثنى على نفسه في مقام جمعه بقوله: (الحمد لله رب العالمين) وفيه إشارة إلى أن الحمدفي هذا المقام أيضا إنما هو باعتبار أعيان العالمين، لأن ربوبيته يقتضى المربوبين.
فإليه يرجع عواقب الثناء، أي، إذا حققنا الأمر، وجدنا أن الثناء منته إليه، بمعنىأنه هو الذي يثنى في هذه الألسنة على نفسه وهو المثنى عليه بالحقيقة، فهو المثنى والمثنى عليه، لا غير شعر:
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وإن قلت بالتشبيه كنت محددا) ظاهر مما مر.
(وإن قلت بالأمرين كنت مسددا وكنت إماما في المعارف سيدا )
أي، إذا قلت بالتنزيه والتشبيه في مقاميهما كنت مسددا، أي، جاعلا نفسك على طريق السداد والصلاح. (وكنت إماما في المعارف) أي، في أهل المعارف سيدا باتباعك طريق الرسل، صلوات الله عليهم.
(فمن قال بالإشفاع كان مشركا ومن قال بالأوتار كان موحدا)
من قال بالإشفاع، بصيغة المصدر من (أشفع). أي، صار قائلا بالشفع، كان مشركا، أي، شرك مع الحق غيره بإثباته.
ومن قال بالإفراد، مصدر (أفرد)،كان موحدا، إذ لا يثبت معه غير.
(فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا وإياك والتنزيه إن كنت مفردا) مفردا على صيغة اسم الفاعل، أي موحدا. و (ثانيا) اسم فاعل من (الثنى.) أي، وإن كنت تجعل الواحد الحقيقي ثانيا بإثبات غيره معه.
ولما كان القولب الثاني مقصورا على طريقين: أحدهما أن يكونا قديمين، وهو قول المشركين، وثانيهما أن يكون الأول واجبا قديما والثاني فائضا منه محدثا بحيث لا يمكن أن يكون عين الآخر بوجه من الوجوه، وهو قول المؤمنين الظاهرين والحكماء المحجوبين.
وصرح بقوله: (وإياك والتشبيه إن كنت ثانيا). أي، قلت بالثاني بالمعنى الثاني، إذ بالمعنى الأول لا يقول إلا المشركون.
فإياك أن تشبه الغير الحادث الفائض من الحق بالحق في الوجود والصفات اللازمة له، لأن وجوده منه فهو قديم ووجودالغير ليس منه وهو حادث.
وجميع صفات الأول من ذاته، لا احتياج له فيها إلى غيره، بخلاف صفات الثاني.
وما للأول، من الصفات، على وجه الكمال، وما للثاني على سبيل العكس والظلال المستعارة، بل ليس إلا كالسراب يتوهم أنه موجود، وهو في الحقيقة معدوم، فلا تشبيه بينهما.
وإن كنت قائلا بالحقيقة الواحدة التي يظهر في مقام جمعه بالإلهية وفي مقام تفصيله بالمألوهية، فإياك أن تنزه فقط، بل لك أن تنزه في مقام التنزيه، وتشبه في مقام التشبيه.
(فما أنت هو، بل أنت هو وتراه في * عين الأمور مسرحا ومقيدا)
أي، فلست أنت هو، لتقيدك الظاهرة وإمكانك واحتياجك إليه، باعتبار أنك غيره، وأنت هو، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة بصفة من صفاته في مرتبةمن مراتب وجوده. فترجع ذاتك وصفاتك كلها إليه. قوله: (وتراه في عيون الأمور) أي، وترى الحق في عين الأشياء مسرحا ومقيدا، على اسم المفعول،أي، تراه مطلقا بحسب ذاته، ومقيدا بحسب ظهوره في صفة من صفاته. وعلى اسم الفاعل، أي، تراه مبقيا للوجود على إطلاقه في عين المقيدات ومقيدا له في مراتب ظهوراته. والثاني أنسب لتناسب الأبيات الأول. وعلى التقديرين هما منصوبان على الحال.


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:48 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:45 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة : الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
وإذا كان من الأرواح صور الحق، والحق روحها المدبر لها، (فالكل ألسنة الحق) ينطق بها نطق أرواحنا بألسنتنا (ناطقة بالثناء على الحق) الذي هو روحها؛ (ولذلك) أي: ولكون الكل ألسنة الحق.
""ولسان الحمد ثلاثة: "اللسان الإنساني" و"لسان الروحاني" و"لسان الرباني".
أما «اللسان الإنساني»:
فهو للعوام، وشكره بالتحدث بإنعام الله وإكرامه، مع تصديق القلب بأداء الشكر.
وأما «اللسان الروحاني»:
فهو للخواص، وهو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الأحوال، وتزكية الأفعال. .
وأما «اللسان الرباني»:
فهو للعارفين، وهو حركة السير، يصدق شکر الحق جل جلاله بعد إدراك الطائف المعارف، وغرائب الكواشف بنعت المشاهدة والغيبة في قربه، و اجتناء ثمرة الأنس، وخوض الروح في بحر القدس، وذوق الأسرار مع مباينة الأنوار.""
(قال الله تعالى: "الحمد لله " (الفاتحة: 2]) فأضاف مطلق الحمد من جميع الموجودات إلى الله تعالى، وبين جهة إضافته على الإطلاق إليه.
بقوله: ("رب العالمين" [الفاتحة: 2])، ولما كان بعض تلك المحامد من الخلق للخلق بحسب الظاهر، قال: (أي: إليه يرجع عواقب الثناء)؛ لأنه الحامد نفسه بألسنة بعض صوره على بعضها، إذ الحمد للصورة حمد لذي الصورة، (فهو المثني) من حيث هو روح الكل، والروح من كل شيء هو الناطق بلسانه، (والمثنى عليه) من حيث إن الكل إنما يثني على ذاته أو صوره.
وإذا عرفت أن المعرفة الصحيحة هي الجمع بين التنزيه والتشبيه دون التقييد بأحدهما؛ فانظر في لوازمها، (فإن قلت بالتنزيه) المحض (کنت مقيدا) للحق بمباينته للكل من كل وجه مع أنه لا بد من مناسبة الدليل، والمدلول، والفاعل، والمنفعل، والصورة، وذي الصورة، (وإن قلت بالتشبيه) المحض (کنت محددا) للحق في ذاته، وجعلته من الأجسام التي يجب تناهي أبعادها.
(وإن قلت بالأمرين) التنزيه باعتبار الذات، والصفات السلبية، والتشبيه باعتبار الصفات الوجودية والظهور في المظاهر الكونية (كنت مسددا) قائلا بأقوى الأقاويل لجمعه بين الدلائل العقلية الدالة على التنزيه، والسمعية الدالة على التشبيه، (وكنت إماما في المعارف سیڈا)، إذ تصير قائلا بالتوحيد، إذ لا يتصور بدون القول بالظهور، وإلا لوجب أن يقول الموحد: إن الموجود الواحد قد يكثر بالإفراد، وهو القول بتعدد الألهة، ولذا قال:
(فمن قال بالإشفاع) أي: بتعدد الوجود الواحد بناء على أنه كلي يكثر بالإفراد (كان مشركا) قائلا بتعدد الآلهة.
وهذا ما ذكره الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتاب «الصبر والشكر» في "الإحياء" في بيان کشف الغطاء عن الشكر حيث قال الفريق الثاني: الذين ليس هم عمی؛ ولكن بهم عور يبصرون بإحدى العينين.
وجود الموجود الحق فلا ينكرونه، والعين الأخرى إن تم عماها أثبت موجودا آخر مع الله، وهذا مشرك تحقيقا، كما كان الذي قبله جاحدا تحقيقا.
(ومن قال بالإفراد) أي: بأن الوجود فرد واحد از وأبدا ظهر في جميع الموجودات (كان موحدا) بتوحيد الخواص (فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا) قائلا بتعدد الوجود فإن القول: بالتشبيه معه يستلزم تشبیه وجود الحق بوجود غيره فيلزم تعدد الألهة، (وإياك والتنزيه إن كنت مفردا) فإن القول: بتنزيه الحق عن الظهور في المظاهر مع القول بوحدة الوجود، وحدة شخصية يستلزم القول بعدم تحقق الحوادث في الخارج، وهو سفسطة.
ثم قال لمن أفرد الوجود، وقال: بظهوره في المظاهر (فما أنت هو)؛ لأنه كل الوجود، ولست كله بل أنت صورة من صوره (بل أنت هو) إذ لا تحقق بشيء دونه كما تحقق لصورة المرآة بدون ذي الصورة، وهي كأنها ذو الصورة، (وتراه) أيها المفرد القائل: بظهوره في المظاهر (في عين الأمور مسځا) أي: مطلقا غير مقيد بها باعتبار ذاته (ومقيدا) بكل واحد باعتبار ظهوره في ذلك الواحد.



شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالكلّ ألسنة الحقّ ناطقة بالثناء عليه ، ولذلك قال : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ ") فالكلّ معبّر عن كمالاته ومفصح بأنّها ليست مقصورة على ما عبّر عنه . باللسان الجمعي القرآني الختمي ، مترجما عمّا نطق به ألسنة صور العالمين أجمعين .
من أنّ الحمد أي التعريف والإظهار الذي تؤديه ألسنة تلك الصور كلَّها لله ، الذي هو ربّهم ( أي إليه يرجع عواقب الثناء ) والتعريف بمحامد الأوصاف والأحكام الوجوديّة ، وإن نسبت تلك الأوصاف ابتداء إلى الصور الكونيّة والتعيّنات الإمكانيّة ، لكنّها من حيث أنّها أحكام وجوديّة لا يمكن أن تتعلَّق بها ، فيكون مرجعها هو الوجود الحقّ ضرورة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو المثني ) باعتبار إظهاره لتلك الكمالات في الصور التشبيهيّة ( والمثنى عليه ) باعتبار ظهوره في نفسه وتقويمه لتلك الصور في أرواحها التنزيهيّة  .
ثمّ لما انساق الكلام هذا المساق حان أن يفصح بالمقصود ويصرّح بما أشير إليه على ما هو مقتضى الصورة المنظومة من الكلام .
فقال الشيخ رضي الله عنه: ( فإن قلت بالتنزيه كنت مقيّدا ) ضرورة أنّ التنزيه يقتضي تقييد الحقيقة الحقّة وتعيّنه بالتعيّن الإطلاقي كما عرفت ( وإن قلت بالتشبيه قلت محدّدا ) لأنّ الصورة لا بدّ لها من الإحاطة والتحديد ، وفيما سبق من الكلام ما يدلَّك على تخصيص الثاني بـ « قلت » فلا نعيده هاهنا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإن قلت بالأمرين كنت مسدّدا ) أي موفّقا للصواب ، من القول والاستقامة من القصد ، وذلك لأنّك بجمعك بين الأمرين وصلت إلى مقتضى الذوق الإحاطيّ الختميّ ، ودخلت في الامّة الوسط الذي هو خير الأمم ، وإليه أشار بقوله :
ثمّ لمّا كان الجمع بين الأمرين يتصوّر على وجهين : أحدهما أن يعتبر التشبيه بإزاء التنزيه خارجا عنه وهو القول بالإشفاع والآخر أن يعتبر كلّ منهما في ضمن الآخر متّحدا به - وهو القول بالإفراد - قال  رضي الله عنه :
فمن قال بالإشفاع كان مشرّكا    .... ومن قال بالإفراد كان موحّدا  
فعلم من هذا أنّ من اعتقد أنّ العبد ثاني الحقّ لا يمكن له القول بالتشبيه ، وإلَّا يلزم أن يكون مشركا ، كما أنّ من اعتقد بإفراده معه لا يمكن له القول بالتنزيه - أي التنزيه الرسمي على ما ذهب إليه القائلون به - وإلَّا يلزم أن لا يكون مفردا ، وإليه أشار بقوله :
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا   .... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا   
فظهر من هذا أنّ التنزيه الذي لا ينافي التوحيد والإفراد ، غير هذا التنزيه ، بل ذلك هو التنزيه الذي في عين التشبيه ، وذلك التشبيه هو الذي يليق بالموحّد ، ولا يليق بالثنوي .
وتحقيق ذلك أنّ العبد غير الحق بمجرّد اعتبار التعيّنات النسبيّة والإضافات التي إنّما تتحقّق بمجرّد الاعتبار - كالغيبة والخطاب - وأمّا بالنظر إلى الأمر نفسه فهو عينه ، وهو معنى التنزيه في عين التشبيه ، والمشير إلى ذلك كلَّه قوله :
فما أنت هو بل أنت هو ، وتراه في   .... عين الأمور مسرّحا ومقيّدا 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. و لذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني و المثنى عليه).    
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالكل)، أي كل صور العالم (ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق سبحانه ولذلك قال : "الحمد لله رب العالمين") [الفاتحة:1].
يعني الثناء الشامل كل حامدية ومحمودية خالص لله لا يشاركه فيه أحد فكل ثناء من كل مثني يكون فيه ، لأنه لسان من ألسنته.
وكذا كل ثناء على كل مثنى عليه بكون عليه، لأنه بعض من صور تجلياته، وإلى هذا أشار بقوله : (أي إليه ترجع عواقب الثناء) مبنيا للفاعل كان أو للمفعول، وإنما قال عواقب الثناء لأن بعض الأثنية والمحامد حالة في بادئ نظر المحجوب وهو فيها راجع إلى الخلق وحالة ثانية تعقب الآلة الأولى بعد إمعان النظر أو ظهور نور الكشف راجع إليه سبحانه وتعالى.
والمراد بعواقب الثناء الأثنية والمحامد الغير الملحوظة باعتبار الحالة الأولى ولا شك أن الكل بهذا الاعتبار راجع إلى الحق تعالى (فهو المثنى والمثنى عليه) جمعة وتفصيلا.
قال الشيخ رضي الله عنه :
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... و إن قلت بالتشبيه كنت محددا
و إن قلت بالأمرين كنت مسددا ... و كنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... و من قال بالإفراد كان موحدا
فإياك و التشبيه إن كنت ثانيا ... و إياك و التنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو و تراه في ... عين الأمور مسرحا و مقيدا  
قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «و هو السميع البصير» فشبه.)
(فإن قلت بالتنزيه) من غير تشبيه (كنت مقيدا) للحق سبحانه بصور التنزیه
(وإن قلت بالتشبيه) من غير تنزیه (کنت محددا) له سبحانه بحضرة في صور التشبيه (وإن قلت بالأمرين) التنزيه والتشبيه وجمعت بينهما من غير تقييد بواحد بل ولا بالجمع أيضا (کنت مسددا) سددك الله على سواء الطريق إن كان اسم مفعول أو سددت نفسك عليه إن كان اسم فاعل.
(وكنت إماما) يقتدي به (في المعارف سيدا) مطاعا فيما أمر به فيها.
(فمن قال بالإشفاع)، أي جعل الحق الفرد شفعا بإثبات الخلق معه (كان مشركا) الخلق مع الحق في الوجود .
(ومن قال بالإفراد) بأن أفرد الحق و حکم بتفرده في الوجود ولم يثبت معه غيره (كان موحدا فإياك والتشبيه) بإثبات الخلق مع الحق وتشبيه الحق به (إن کنت ثابتا)، أي قائلا بإثنينية الحق والخلق بل ينبغي أن تجعل الخلق من صور تجلياته لا موجودة في حد ذاته.
(وإياك والتنزيه) عن الخلق (إن کنت مفردا) حاكمة بفرادنیته بل ينبغي أن يكون حكمك بفرادنیته باعتبار أنه منفرد بالوجود في مرتبتي جمعه وتفصيله لا موجود غیره (فما أنت هو) لتقييدك وإطلاقه لاحتياجك وغناه ""استغناؤه عن كل شيء"" .
(بل أنت هو)، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة ""صورته"" .
(وتراه في عين أمور مسرحا)، أي مطلقا بحسب ذاته ومقيدا بحسب تجلياته وهما حالان عن ضمير المفعول إن كانا اسمي مفعول.
وقد سبق معناه وعن ضمير الفاعل إن كانا اسمي فاعل ، أي حاكمة بإطلاقه في حد دانه (ومقيدا) بحسب ظهوراته ووقع في بعض النسخ عيون الأمر مسرحا و مقيدا وعلى هذا يكون مسرحا من الإسراح لا من التسريح ليصح الوزن.
وهكذا ينبغي أن يكون فإن المصراع الأخير على النسخة الأولى ليس على وزن سائر المصاريح كما لا يخفى على من له معرفة بالعروض (قال: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] فنزه) . على أن تكون الكاف زائدة فيفيد نفي المثل فيكون تنزيها أو بناء على أن نفي مثل المثل فإنه لو كان له مثل يلزم أن يكون لمثله وهو نفسه ..
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:34 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 12:35 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثنى، «وهو السميع البصير» فنزه وأفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (وقال تعالى): كذلك بمعنى آخر مفهوم من هذه الآية، ومعلوم أن الآيات القرآنية لا يحصرها معنى واحد ولا اثنان بل كل المعاني لها، ولكن يدرك منها العبد ما تيسر له بحسب استعداده كما يشير إليه قوله تعالى : "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله، مددا " [الكهف: 109] ("ليس كمثله ") [الشورى:11]، أي ليس مثل مثله.
فأثبت له مثلا، ومثله جميع العالم المخلوق على صورته من حيث ظهور العالم بتأثير الصفات الإلهية تفصيلا لها، لأن صورة الشيء تفصيل ذاته، ومثل مثله الإنسان الكامل، فإنه مخلوق على صورة جميع العالم ("شيء") إذ ليس وراء الله شيء غير مثله وهو جميع العالم، وأما مثل مثله الذي هو الإنسان الكامل فليس شيئا.
أي موجودة إذ لو كان شيئا لكان من جملة العالم وكان ناقصا لكمال العالم به، وليس هو كاملا في نفسه، وإذا لم يكن موجودة كان مفقودة والموجود عنده هو الحق، فالإنسان الكامل مفقود في عين وجوده والوجود عنده هو الله تعالى وحده (فشبه سبحانه وتعالى نفسه حيث أثبت له المثل (وثنى)، أي حكم على نفسه الواحدة أنها اثنان بإثبات المثل له (وهو)، أي مثل مثله
(السميع) لا غيره بسمعه القديم (البصير) لا غيره ببصره القديم (فنزه) سبحانه وتعالى ذاته العلية عن المثل ومثل المثل حيث نفى عنها القيود التي بها تكون مثلا ومثل مثل (وأفرد)، أي حكم على ذاته بأنها مفردة لا مثل لها ولا مثل مثل كما هي كذلك في نفسها.
والحاصل أن قوله تعالى: "ليس كمثله ، شيء"  [الشوری : 11].
إما أن تكون الكاف صلة فيكون التقدير ليس مثله شيء وهو المعنى الأول فيكون تنزيها.
"وهو السميع البصير"، أي لا غيره والخطاب لنا في لغتنا المفهومة بيننا، ونحن نعرف ما أطلعنا عليه سبحانه بفضله من كل مخلوق سميع بصير من إنسان وغيره ,
فيكون ذلك تشبيها، وإما أن تكون الكاف أصلية ليست زائدة فيكون التقدير ليس مثل مثله شيء وهو المعنى الثاني، وفيه إثبات المثال لا نفيه، بل نفي مثل المثل، فهو تشبيه لا تنزیه وقوله بعده "وهو السميع البصير" [الشورى:11].
أي ذلك المثل الذي لمثله، فهو تنزيه لزوال المثل ومثل المثل عنه، فحيث كان صدر الآية تنزيها كان عجزها تشبيها، وحيث كان صدرها تشبيها كان عجزها تنزيها للإشارة إلى أنه لا بد في حكم الشرع من التنزيه والتشبيه معا كما سبق، والانفراد بأحدهما إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض.
وقال تعالى في نظير ذلك : "هو الأول" [الحديد: 3]، يعني قبل كل شيء فنزه "والأخر" [الحديد: 3]، يعني بعد ذلك في الأول وهو كل شيء إذ لا آخر للأشياء، لأنها لا تتناهى فشبه، "والظاهر" فشبه، "والباطن" فنزه.
وقال : "هو الأول" ، يعني الموجود الأول بالتشبيه إلى الثاني فهو كل شيء إذ لا نهاية للأشياء، ولها بداية فشبه، "والآخر" يعني الموجود بعد ذهاب ذلك الأول فنزه "والظاهر" [الحديد: 3].
يعني بالإيجاد والإمداد فنزه "والباطن" [الحديد: 3] يعني المعلومات العدمية التي قال تعالى عنها " " كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص: 88] .
فكل شيء باطن فشبه وكذلك قال: "الله الصمد" ، أي المقصود بالحوائج كلها، والعالم يقصد بعضه بعضا كما هو المعروف فشبه.
ثم قال:"ولم يكن له كفوا أحد"  [الإخلاص: 2 و 4]، فنزه، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم التنزيه والتشبيه معا في كلمة قالها في مقام الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه"، فشبه بذكر الرؤية.
فإن المرئي الأشياء، أو نزه بكاف التشبيه لنفي ذلك المرئي، أو شبه بكاف التشبيه والرؤية، ونزه بذكر اسم الله وضميره، ونحو هذا كثير في الآيات والأحاديث.
لو أن نوح عليه السلام (جمع لقومه) حين دعاهم إلى توحيد الله تعالى (بين الدعوتين ): دعوة التنزيه ودعوة التشبيه (لأجابوه) لما دعاهم إليه لأنهم مشبهون بعبادة الأصنام فيحتاجون إلى التنزيه ليكمل لهم التوحيد المطلوب منهم .
ولا ينهون عن التشبيه في أول الأمر لأنهم ما عرفوا من الإله غيره، ولهذا دعا نبينا عليه السلام قريشا إلى إله السماء ووصفه لهم بأوصاف التشبيه ليقرهم على ما هم عليه من التشبيه، لأنه بعض المعرفة.
ثم زادهم التنزيه فأجاب من أجاب وكفر من كفر، ولم ينههم في أول الأمر عن التشبيه لئلا يوحشهم مما عرفوه من الإله، وأما نوح عليه السلام (فدعاهم جهارا) من حيث التنزيه (ثم دعاهم إسرار) من حيث التشبيه ، فقدم لهم التنزيه فظنوا أنه ينهاهم عن التشبيه الذي هو بعض المعرفة فتركوا إجابته .
(ثم قال لهم : استغفروا ربكم)، أي اطلبوا المغفرة من تشبهكم للحق تعالی كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله تعالى في اليوم مائة مرة» يعني كلما ترقیت مقاما في تنزيه الله تعالی وجدت الأول تشبيها بالنسبة إلى الثاني فأستغفر من الأول وهكذا.
فهو غين أنوار لا غين أغيار وفيهم غين أغيار وقد طلب نوح عليه السلام من قومه أن يفعلوا كذلك من أول الأمر وهو ممتنع عليهم القصورهم ("إنه ")، أي ربکم (" كان غفارا" ) [نوح: 10] لكل من استغفره (وقال) نوح عليه السلام أيضا ("رب")، أي يا رب ("إني دعوت قومي") إلى توحيدك ومعرفتك ("ليلا" )، أي من حيث ما غابوا عنه من تنزيه الله تعالى ("ونهارا " )، أي من حيث ما شهدوه من التشبيه لكن بعد التنزيه لا قبله ("فلم يزدهم دعائي") لهم إلى التنزيه قبل التشبيه ("إلا فرارا" ) عما دعوتهم إليه [نوح: 5- 6].
(وذكر عن قومه أنهم تصامموا)، أي لم يسمعوا (عن دعوته)، بتكلف منهم لذلك فذلك قوله تعالى: ("وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)") سورة نوح الآية.
(لعلمهم)، أي قومه علما روحانيا لم ينزل إلى نفوسهم ليشعروا به، فجهلت نفوسهم وعلمت أرواحهم بما يجب عليهم من إجابة دعوتهم إلى توحيد الله تعالى من حيث الغيب ومن حيث الشهادة تنزيها في الأول وتشبيها في الثاني .
كما قال ليلا ونهارا، فأمرهم بترك التشبيه ليطلعوا على التنزيه فتكمل لهم المعرفة بالتنزيه والتشبيه.
وأمره لهم بترك التشبيه ليس الترك التشبيه وإنما هو لتحصيل التنزيه، وإلا فالتشبيه بعض المعرفة، وهو لا يأمرهم ببعض المعرفة وينهاهم عن البعض الآخر.
وقد علمت أرواحهم منه ذلك وإن جهلت نفوسهم، فتاصمموا عن ظاهر ما أمرهم به من ترك التشبيه لعلمهم بأن ترکه غیر مراد.
فامتثلوا قلوبا وأرواحا وخالفوا نفوسا وأشباحا، لأن عند نفوسهم بعض المعرفة وهو التشبيه فلم يتركوا ذلك البعض.
لأنه لا يريد منهم ترك ذلك وإنما يريد الهم تمام المعرفة، فلو علموا أن ترك ذلك يوجب كمال المعرفة لتركوه وترکه ستره عنهم.
وهو قوله: "لتغفر لهم"  [نوح: 7]. فإن الغفر هو الستر من معرفتهم الناقصة کفر وجحود، فهذا هو الكشف عن حقيقة كفرهم.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى :" ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱]) من حيث أنه غني عن العالمين (فنزه "وهو السميع البصير") من حيث أسمائه ومظاهر صفاته وهو يقتضي إثبات المماثلة في السمع والبصر (فشبه) هذا ناظر إلى زيادة الكاف (قال الله تعالی "ليس كمثله شيء")
من حيث ألوهيته وتعلق قدرته إلى مقدوراته (فشبه وثني "وهو السميع البصير" ) إذ لا غير حتى يشترك معه من حيث أنه كان الله ولم يكن معه شيء (فنزه وأفرد).
أي فنزه الحق عن عدم السمع وعدم البصر وأفرد فيهما بحيث لا اشتراك لغيره فيهما هذا ناظر إلى عدم الزيادة .
وإنما كان قوله تعالى : "وهو السميع البصير" [الشورى : 11] تشبيها في الأول وبالعكس في الثاني .
وكذا قوله تعالى : "ليس كمثله شيء" تنزيها في الأون وبالعكس في الثاني .
لأن المراد بالتنزيه والتشبيه كلامان متغايران بالإيجاب والسلب مع اتحاد الموضوع والمحمول من جهة تغايرهما من جهة أخرى.
فأيهما سبق في حق الحق يقتضي تعقيبه بالآخر بلا نصل شيء خارج عنهما لوجوب اجتماعهما لكون أحدهما في المعنى جزءا من الآخر فلا يمكن حمل قوله في الموضعين على التنزيه مع وجود أداة الحصر فيهما .
وهما الضمير واللام في الخبر لئلا بفوت الجمع فما أنزل الله تعالى في حق نفسه كلاما إلا وهو على طريق الجمع ولا يخفى على من اطلع معاني كلام رب العزة وأسراره .
ولما أتم البيان في التنزيه والتشبيه أورد ما جاء من آيات القرآن العظيم في حق نوح عليه السلام وقومه ليظهر فضل القرآن على سائر الكتب المنزلة .
وبين ما قال إن ألسنة الشرائع الإلهية إنما جاءت في حق العامة على المفهوم الأول وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ .
فقال رضي الله عنه : (ولو أن نوحا جمع لقومه) أي لقومه الذين لم يجيبوا دعوته إذ القوم الذين أجابوه لا يحتاج في حقهم إلى الجمع (بين الدعوتين) أي دعوني التنزيه والتشبيه (لأجابوه) من كان شانه قبول الدعوة ولم تف الدعوة بدون الجمع ولو جمع لهذا الطائفة أجابوا دعوته لا بمعنى أنهم أجابوا كلهم .
كما أن رسول الله تعالی جمع بين الدعوتين ولم يجب من لا استحقاق لقبول الدعوة كأبي جهل وأضرابه .
فظهر أن الجمع لا يوجب إجابة الدعوة مطلقا ولم يفعل نوح عليه السلام كذلك لأنه لم يؤت بجوامع الكلم (فدعاهم جهارا) أي ظاهرا وهو دعوته قومه إلى الحق بالتشبيه.
(ثم دعاهم أسرارا) أي باطنا وهو دعوته بالتنزيه فقد دعاهم بالتنزيه والتشبيه لكنه لا على طريق الجمع لذلك أورد بثم المقتضي للتأخير والتراخي.
(ثم قال لهم) بعد الدعوة ("استغفروا ربكم" سورة هود : 3) .
يعني لما علم نوح منهم أنهم لا يجيبون دعوته أبدا ولا يصلون إلى المعارف الحاصلة من الإجابة وعلم أن طريق وصولهم إلى ما يدعو إليه قومه لا يكون إلا بالاستهلاك يدعوهم به ليحصل لهم هذا المقام فقال :
"استغفروا ربكم" أي اطلبوا ستر وجوداتكم بظهور الحق بالصفة النهارية حتى يحصل لكم الوصلة إلى الحق باستهلاككم فيه لعدم قابليتكم واستعدادكم إلى حصول كمالكم بغير هذا الطريق وهو الهلاك فإذا هلكوا فقد وصلوا كمالهم.
لكن لا يجديهم نفعا لعدم وقوعه في أوانه (أنه) أي الله تعالى (كان غفارا) أي ستارا لمن طلب الستر.
فدعاهم بثلث دعوات إلى الباطن وهو التنزيه وإلى الظاهر وهو التشبيه وإلى الفناء في الله تعالى وهو " استغفروا ربكم" ولم يف استعدادهم بقبول الإجابة بلبيك فقبلوا دعوته بالفعل وإن لم يعرفوا نبولهم وهو إفناء وجوداتهم في الله تعالى لذلك أغرقوا بالطوفان وقال: رب إني (دعوت قومي) أي أخبر عن دعوته قومه (ليلا ونهارا) أي تنزيها وتشبيها (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) صلة الفرار محذوفة للعموم وهي من وإلى إذ الفرار حركة لا بد له من البدء والغاية فكان المعنى في حق الخواص إلا فرارا من وجوداتهم إلى الله تعالى.
أي تركوها ووصلوا إلى الله تعالی نکان ابتداء الفرار وهو الستر من وجوداتهم وذواتهم وغايته الحق .
فكان هذا الكلام منه في حقهم مدحا وثناء لازمة يفهمه العلماء بالله .
وكذلك في حق العامة مدح لكون ابتداء فرارهم من ذنوب أنفسهم وانتهاؤه إلى جناب الحق بحسب مراتبهم وأما في حق قومه من المشركين فذم لـ فرارهم من الحق إلى اللذات الحسية.
(وذكر عن قومه أنهم تصاموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته فعلم العلماء بالله تعالی) أي كل واحد من العلماء من أي أمم كانوا ممن سمع كلام نوح عليه السلام من أي لسان كان علموا من وجوه نظم كلامه.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.  وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قوله رضي الله عنه : قال الله تعالى: "ليس كمثله شيء" فنزه، وهو السميع البصير (الشورى: 11) فشبه.
وقال تعالى": ليس كمثله شيء"  فشبه وثني وهو السميع البصير فنزه وأفرد.
وقوله: "وهو السميع البصير" (الشورى: 11) شبه، لأنه وصف الحق تعالی بالسمع والبصر وهي قد يطلق على العين والأذن.
قوله: قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وهنا جعل الكاف زائدة، فكأنه قال: ليس مثل مثله شيء فأثبت له مثلا لا يشبه ذلك المثل شيء .
ولذلك قال: وثني قوله: "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد هنا حمل السمع والبصر على معاني أسمائه تعالى، فالسمع والبصر هنا لا يطلق على الأذن والعين بل على معاني الأسماء الإلهية .
لو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (نوح: 10) وقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 5-6) .
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.
واعلم أن قوله عنهم في معنى قوله تعالى: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (نوح: 10) أي ستارا.
أنه إنما خص المعارف بأنها عقلية في قوله: "يرسل السماء علیکم مدرارا" (نوح: 11) وفسر ذلك بالمعارف العقلية والاعتبارية ولم يقل: إنها معارف إلهية كشفية لأن الغفر مشتق منه ما يدل على الستر.
والمعارف الإلهية لا تكون مع الستر الذي هو الحجاب، وإنما الذي يكون من المعارف مع الستر هي المعارف العقلية والاعتبارات الفكرية.
ثم قال لهم نوح: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" فخاطبهم بما لا يناسب حالهم وإلى هذا أشار، رضي الله عنه: والذي لا يناسب حالهم هو كونه فرق الدعوة فدعا مرة إلى اسمه الظاهر، تعالى، ومرة إلى اسمه الباطن، تعالى.
فلما لم يجيبوه وصف حالهم معه وحاله معهم، فقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا" (نوح: 5) . أي ظاهرا مرة وهو قوله: نهارا وباطنا مرة وهو قوله: لیلا أي إلى الاسم الظاهر مرة وإلى الاسم الباطن مرة "فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 6).
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته بكونهم جعلوا أصابعهم في آذانهم.
قال وإنما تصامموا عن دعوته، لأنهم علموا ما يجب عليهم إن هم سمعوها أي يتعين عليهم الطاعة، فسدوا آذانهم عن سماع دعوته حتى لا يقع عليهم لسان الذم.
فلذلك فسر قوله تعالى: "يرسل السماء عليكم مدرارا" (نوح: 11) بالمعارف العقلية لأنها جواب قوله تعالى: "فاستغفروا" والاستغفار هو طلب الاستتار كما تقدم.
ثم فسر الأموال في قوله تعالى: "ويمددكم بأموال وبنين" (نوح: 12) بأنها ما يميل بهم إليه وجرت عادة أهل الطريق أن يستمعوا في كلام الله تعالی بل وفي كلام كل متکلم أمورا تقتضيها مراتبهم من الكشف والشهود الجزئي والكلي.
ولا يلتفتون إلى كونها مخالفة لمفهوم العموم بعد أن يصح لهم نسبتها إلى الحق بطریق کشفي .
وليس لمن سلم إليهم أحوالهم أن ينكر عليهم بعد ذلك فإن الانکار بعد التسليم لا يقبل فإنه إنما سلم لهم في الكل لا في الكلي العام .
حتى يقال: إن وجود العام لا يستلزم الخاص.
وأما أن صورتهم هي التي يرونها فيه تعالى فلأن صور العالم كله هي صور معلومات الله تعالى وما في العلم شيء هو خارج عنه وإلا كان العلم ظرفا للمعلومات والذات المقدسة لا تغاير العلم.
فيلزم أن تكون الذات المقدسية ظرفا لغيرها وذلك ممنوع. فإذن إنما رأوا صورتهم فيه بمعنى لا يوجب الظرفية بل إذا رأوا صورتهم في علمه وليس علمه غيره فقد رأوا صورتهم فيه.
قوله: وولده، أي نتيجة فكرهم، لأنا قد قررنا أن معارفهم فكرية لأجل الاستغفار المستلزم للستر والستر من لوازم الفكر والفكر من لوازم الستر .


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : « قال الله تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه ، " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  فشبّه » يعني : على مفهوم العموم على أنّ الكاف زائدة ، وأنّ السميعيّة والبصيرية مشتركتان بين الحق والخلق .
ثم قال : « قال الله تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فشبّه وثنّى » .
يعني : أنّ الكاف غير زائدة ، يكون إثبات المثل المنفيّ عنه مشابهة شيء ما من الأشياء ، وذلك عين التشبيه والتثنية .
قال: " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزّه وأفرد " يعني على السميع البصير هو الحق في كل سميع بصير له الأذن والحدقة ، وليس السمع والبصر الآلة إلَّا ، للحق ، وفيه التنزيه الحقيقيّ وإفراد الوجود الحق بالانفراد .
وقد ذكرنا في أوّل هذا الفصّ ما فيه غنية عن التكرار ، وقد جمع الله تعالى في كل شقّ من الآية تنزيها في تشبيه وتشبيها في تنزيه ، فكان كلّ منهما ذاتيا للحقيقة والعين وهو الحق ، فافهم والله الملهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : « لو أنّ نوحا دعا قومه بين الدعوتين لأجابوه فدعاهم جهارا ، ثمّ دعاهم إسرارا ، ثمّ قال لهم "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه ُ كانَ غَفَّاراً ".
وقال : "إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ".
قال العبد : نوح عليه السّلام أوّل المرسلين أرسله الله تعالى إلى قومه ، وهم بالله مشركون ، يعبدون ودّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ، وعن حجّة محجّة المعبود الحق الواحد خارجون .
فلمّا رأى الله الواحد الأحد ضلالهم عن الهدى ، واتّباعهم للهوى ، وأنّ في دعوتهم إليه وإجابتهم لدعوته كمالهم وبها يصلح في الدنيا والآخرة أحوالهم .
أقام نوحا عليه السّلام ليدلَّهم على أحدية العين ، ويصرفهم عن الإطراق إلى الفرق والبين ، بعبادة التعيّنات الجزوية التقييديّة ، الظاهرة من صور النسب الأسمائية وحجابيّاتها التعديدية ، لكنّ الواجب في العبادة هو الواحد الذي هو أصل الكثير ، فإنّ عبدة الكثير ما لهم من نصير ، إذ الواحد الحق هو موجد الكثرة في عينه الواحدة ، فالحق الواجب على الكثرة عبادة الواحد الحق .
لا عبادة الصنميّات و التعيّنات الاسمية ، فلا جرم كانت دعوته ودعوة جميع الأنبياء والرسل والأولياء إلى الله الواحد الأحد ، وكانت دعوة نوح عليه السّلام إلى الأحدية والتنزيه ، عن حجابيّات الكثرة وآلهة التشبيه ، لتصرف وجوههم عن صنميّات العدد ، إلى عبادة الواحد الأحد.
فوعدهم وأوعدهم بما وعد وأوعد والقوم عنه معرضون ، وبتكذيبه مصرّحون ومعرّضون ، وبسخط قهر الأحدية متعرّضون ، لكونهم في خصوص قابليّاتهم مظاهر حجابيّة صور الأسماء ، وعبدة صنميّات الأهواء .
فلمّا دعاهم إلى ما يباين شهودهم كلّ المباينة وهم لا يشعرون ، وندبهم إلى ما ينافي معهودهم ومعبودهم فيما يشهدون .
فاستكبروا استكبارا واستكثروا من أذيّته استكثارا ، فلو كانت دعوته عليه السّلام دعوة جامعة بين وحدة الذات وكثرة الأسماء والصفات بالانتزاح من فرق الكثرة في عين الواحدة إلى جمع الوحدة في عين الكثرة المعدّة كما هو الأمر في نفسه لأجابوه ، وما نفروا عنه ، ولا هابوه ، ولا عيّروه ، ولا عابوه ، لأنّ الكثرة ظاهرة في الشهود ، والوحدة باطنة في عين الكثرة والوجود ، فالكثرة على ظاهر الوحدة ، والوحدة في باطن الكثرة .
كبطون الواحد الأحد آخرا فيما يتناهى من العدد ، واشتمال الواحد على النصف والثلث والربع من النسب أوّلا قبل ظهور العدد فيما يتعدّد ، فلو دعاهم على مقتضى الشهود المحمدي الجامع ، لوقعت الإجابة بمقتضى الواقع ، وانقادت ظاهريّاتهم ظاهرا بمناسبة الكثرة الظاهرة التي هم في إظهارها إلى كثرة الأسماء المذكورة في الدعوة الواحدة المشهودة .
وانقادت بواطنهم الأحدية أيضا إلى الوحدة ، لوجود المناسبة المشكورة ، ولكنّه عليه السّلام دعاهم إلى باطن السرّ ، وهم في شهود الظاهر وحجابيّة الأمر ، فأثّرت فيهم دعوته الإجابة بالنقيض ، وأثار بضدّ مراده  من الآثار .
فوقعت الإجابة منهم في صورة النفار ، وحصل الإقرار في صورة الإنكار والاستكبار ، لأنّ مضمون دعائه ينفّرهم عمّا هم عليه ملبّون ، ولدواعيه مجيبون وملبّون ، وعلى عبادته مكبّون ، فوجد النفار عمّا إليه دعاهم وهم في إجابة ما استولى عليهم ، فأصمّهم عن غيره وأعماهم ، فلم تكن الدعوة إذن أيضا باطلة ، ومن الإجابة بالكلَّية عاطلة ، وقد دعاهم جهارا ، إلى ما يزيدهم نفارا .
وهم في عين سماع ما جهر به الاسم الإلهي الظاهر ، وأظهره من صنميّات المظاهر ، فإنّ العالم صورة الكلام الإلهي الرباني الذي تكلَّم به في عين النفس الرحماني ، جهر به فسمعه القائمون بظاهريات حجابيات كلامه فأجابوه بالفعل والذات مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من مظاهر حجابيّات الكلمات والآيات ، الذين كانوا في عمارته وعبادته وتكميل أوضاعه وصورته وإسادته ، فأجابوا ظاهر دعوة الاسم الظاهر .
وكتابه المفصّل الفرقاني بظواهرهم ، وهم أهل الحجاب والكفر ، حجبوا عن الحق الواحد فيهم بالستر ، فستروا بكفر كثرتهم وجه أحدية الوجود ، وغلب عليهم الحال حال هذا الشهود ، فهم في عين الكشف محجوبون ، وفي الجهر مسرّون ، وفي عين الإقرار على صورة الإنكار مسرّون ، فما وفّوا المراتب حقّها على ما أراد الله من أمره ، و " ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه ِ "  فتوجّهت عليهم المؤاخذة والمطالبة الإلهية .
بإظهار الوحدة السارية في الكثرة الحجابية التي هم صورة تفصيلها الجمعية الظلالية ، فلو لا أنّ فيهم الجمعية ، لما طولبوا بما ليس فيهم ، و " لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا ما آتاها "  ، وتوانيهم ، فلو كانت الدعوة جمعية أحدية بين الكشف والستر ، والإسرار والجهر من الأمر ، لأجابوه إلى ذلك بمناسبة الجمعية التي فيهم ، ولما وقع الدعاء بالواسطة وهم في عين إجابة داعي الأمر المقترن بالإرادة الذاتية من غير واسطة .
لا جرم شغلوا بظاهر الداعي عن باطن الواقعة ، واستغرقهم الأمر الذاتي الإلهي الذي أجابوا له بالذات ، وسمعوه ، وبادروا إليه بالفعل والحال ، وأطاعوه وتبعوه ، لأنّ الأمر كان بلا واسطة كونيّة ولا حجابيّة مثليّة ، بل بتجلّ عينيّ وأمر إرادي ، فأطاعوه بالفعل والحال والذات ، لأنّ الله تعالى لا رادّ لأمره ولا معقّب لحكمه في الكائنات .
فلمّا لم تؤثّر دعوة نوح جهرا إلى سرّ ، وكشفا إلى ستر ، وهو أيضا عنهم بحجابية المثلية مستور ، وبكشف ذلك الستر عنهم مأمور ، فأخذ يدعوهم إلى التوحيد إسرارا خاليا عن الجهر ، فكانت الدعوة إلى السرّ بالسرّ ، فلم تؤثّر فيهم ، لاستغراقهم عن البطن بالظهر ، فكفروا بما جاء به الأمر فجهروا بإيذائه ، وظهروا بردّ دعائه ، وكان من دعوته في المقام الثاني من الإسرار صيانة للأسرار عن الأشرار أن قال : " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " الذي كشف لكم حجابيّات الآيات المتلوّة عليكم من هذا الكتاب المسطور الفرقاني في حجابية تعيّنات سور النفس الرحماني في صور الكفر والستر على عين الكشف والجهر "إِنَّه ُ كانَ غَفَّارا".
فاكفروا بهذا الكفر وآمنوا بما فيه من الستر ، يغفر لكم ذنوبكم ، ويكشف عليكم عيونكم ، ويظهر غيوبكم ، فإنّه كإستار الحقائق ذواتكم في غيب عينه « كان الله ولا شيء معه » من كونه ، فلمّا أحبّ أن يعرف ويعرّف إليكم منكم وفيكم بما عرف ، غلب عليكم نور التجلَّي ، وبهركم ما وقر وقرّ فيكم من أسرار التدلَّي والتولَّي ، فانقلبت حقيقة التلقّي ، بصورة الإعراض والتوقّي ، فحجبتم بالنور عن النور .
وكذلك دأب غلبة الوضوح ، وشدّة الظهور تورث في نور الأبصار الضعيفة ظلمة الحجاب ، وتؤثّر صورة الحيرة والارتباك والارتياب ، فاستولت عليكم هذه الحالة في أوّل شرّتكم ، فحجبتم عن الوحدة الأصليّة  الأصلية المستورة في كثرتكم فكفرتموه بحجابيّاتكم وسترتموه بإنانيّاتكم ، فوجبت المجازاة بالستر والغفران ، في مقابلة ما وقع من الكفر والطغيان ، والانحراف عن حقيقة الاعتدال الوسطي إلى حجابيّة الظاهرية والإطراف بالعصيان ، حتى يستركم عن نادية كثرة الفرقان ، ويجمعكم بجنان الوحدة والجمع من القرآن ، فإنّ في ذلك من الكمال ، ما ليس في ظاهرية الجلال والجمال ، وذلك هو مجتمع الأنوار والضلال ، والأمان من الحيرة والضلال ، فلم يعرفوا ما بيّن وقال ، وبهتوا في النور عن الضلال والاستظلال .
فقال كما قال عنه سلام الله عليه : " إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً "  .
قال رضي الله عنه : « وذكر عن قومه أنّهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته  .
قال العبد : فلمّا لم يفهموا عنه لسانه ، ولكنّهم علموا من حيث لا يشعرون شأنه ، عدل نوح عنهم إلى ربّه ،.

فقال بلسان سرّه وقلبه : " إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي " ليالي الغيب وهم في غيبة عن عينهم العينيّ ، وحضور من شهود نورك العيني الغيبيّ ، فلم يجيبوا إلى عبادة وحدانيتك ، وهاموا في كثرة تنوّعات تجلَّيات نورانيتك ، في ملابس حجب ظلمانيّتك ، واشتغلوا بنادية ما استعلوا بعباداتهم من الصور الأسمائية التعيينيّة ، وحجابيّات الكثرة الصنميّة من عزّاهم ولاتهم .
"ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً" في عالم الشهادة إلى شهود الوحدانية نهارا ، والأحدية الجمعية عنهم مستورة سترا لا يقبل الشهود والظهور بالنسبة إلى أن استغرقوا في شهود الكثرة والعدد ، واستهلاك أحدية نور التجلَّي في ظلمة ما يتعدّد ، فلم يصدّقوا حجّتي ، وصرفوا عن قصد محجّتي ، ولم يجيبوا إلى دعوتي " فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " وأخذ بأسماعهم صمم الصلابة والغشاوة عن استماع ندائي ودعوتي ، وعقل ألسنة عقولهم عن الإقرار والإجابة لدعوتي ، ما سمعوا من الكلام الجهر الذاتي الإلهي بلا واسطة ثبوتي .
" وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ " ذنوبهم في عصيانهم وطغيانهم ، " جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ " وهي صور نعمك الجزوية الوجودية ، وأيادي أسمائك الفرعية الشهودية ، ومواهبك التفصيلية الجودية ، في محالّ استمتاع ما أدعوهم إليه من نعم المعاني الأحدية الجمعية وتظاهروا بملابس نعم الجود ، الظاهر الموجود " وَاسْتَغْشَوْا " خلع الكشف الحجابي والشهود ، واحتجّوا فيما احتجبوا من الحجاب ، واستغشوا ظاهرا بصور الثياب بأنّهم مغمورون بنور التجلَّي ، ومعمورون بما يتمكَّن لهم من التمتّع والتملَّي ، " وَأَصَرُّوا " على إلهتهم ، وصبروا على آلهتهم " وَاسْتَكْبَرُوا " في أنفسهم بما عندهم منك "اسْتِكْباراً " واستكثروا من الإفك استكثارا " وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا " ولا تدعنّ على ما تدعون ، وتدعون لود ودّا ، ولا يسوغ لكم أن تسعوا في ترك سواع ، وإلَّا فأنتم في خسار وضياع ، ولا يغوثكم يغوث .
و لا يعوقكم عن مطالبكم يعوق ، ولا يسرّكم من نسر يمن ويسر ، وإنّكم إن أجبتموه إلى ما يدعوكم  إليه من التنزيه والتوحيد ، لوجب عليكم القيام بموجب التقليد ، والقعود على قواعد التقييد ، وقبول الإقبال على التوحيد ، والإعراض عن القول بالكثرة والتعديد .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قوله رضي الله عنه : ( قال الله تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ "  فنزه ) علم أن الكاف زائدة للتأكيد أي مثله شيء أصلا بوجه من الوجوه ، ومعنى التأكيد أن المراد بالمثل من يتصف بصفاته ، كقولك :
مثلك لا يفعل كذا ، أي من يتصف بمثل صفاتك من غير قصد إلى مثل بل من يناسبك في الصفات ، وإذا انتفى عمن يناسبه كان أبلغ في الانتفاء ، فيرجع معناه إلى قولك أنت لا تفعل كذا لاتصافك بصفات تأبى ذلك ( " وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  فشبه ) لأن الخلق سميع بصير .
( قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ "  فشبه وثنى ) على أن الكاف ليست بزائدة والمثل النظير فنفى مثل المثل وأثبت المثل فشبهه به وقال بالتشبيه إن المثل آخر يماثله ( " وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزه وأفرد ) إذ تقديم الضمير وتعريف الخبر يفيد الحصر أي وحده السميع البصير دون غيره ، يعنى لا سميع ولا بصير إلا هو ، فنزه عن المثل وأفرد فشبه في عين التنزيه ونزه في عين التشبيه ليعلم أن الحق هو الجمع بينهما .
قوله رضي الله عنه : ( ولو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه ) معناه أن نوحا عليه السلام بالغ في التنزيه لإفراطهم في التشبيه ، وهم أثبتوا التعدد الأسمائى واحتجبوا بالكثرة عن الوحدة فلو لم يؤاخذهم بالتوحيد الصرف والتنزيه المحض وأثبت التعدد الأسمائى ودعاهم إلى الكثير الواحد والكثرة الواحدة .
وألبس الوحدة صورة الكثرة وجمع بين الدعوة التشبيهية والتنزيهية كما فعل محمد عليه الصلاة والسلام لأجابوه بما ناسب التشبيه من ظواهرهم لألفتهم مع الشرك وبما ناسب التنزيه من بواطنهم ، ولكن اقتضى حالهم من التعمق في الشرك القهر بالغيرة الإلهية ، فلم يرسل إليهم إلا ليباريهم ولا يداريهم ( فدعاهم جهارا ) إلى الاسم الظاهر وأحديته القامعة لكثرات الأسماء الداخلة تحته .
فلم يجيبوه بظواهرهم لغلبة أحكام الكثرة عليهم وإصرارهم بها (ثم دعاهم إسرارا ) إلى اسمه الباطن وأحديته الغامرة لكثرات الأسماء المنسوبة إليه ، لعل أرواحهم تقبل دعوتهم بالنور الاستعدادي الأصلي .
فلم يرفعوا بذلك رأسا لتوغلهم في الميل إلى الكثرة الظاهرة وبعدهم عن الوحدة الباطنة ، واستيلاء أحكام التعينات المظلمة الجرمانية عليها (ثم قال لهم : " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " ) الواحد ليستركم بنوره عن هذه الحجب الظلمانية والهيئات الفاسقة ( "إِنَّه كانَ غَفَّاراً " ) كثير الستر لهذه الذنوب المربوطة .
وشكا إلى ربه لبعدهم عن التوحيد ومنافاتهم عن حاله ( وقال " دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا " ) إلى الباطن ( "ونَهاراً " ) إلى الظاهر ( " فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " ) لبعدهم عن التوحيد ونفارهم عما فيه ( وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته ) لأنهم فهموا بحكم ما غلب عليهم من الاحتجاب بالكثرة من الاستغفار الستر عما لا يوافقهم وينافي مقامهم وحالهم ودينهم من التوحيد الذي يدعوهم إليه ( لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته ) أي لما علموا بحسب اقتضاء حالهم ومقامهم أن إجابة دعوته في مقام التقييد الأسمائى . إنما يجب على هذه الصورة

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:53 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 17:42 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة الجزء الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة : الجزء الثانية
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فنزه، "وهو السميع البصير" فشبه.
قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وثنى، "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد).
اعلم، أن (الكاف) تارة تؤخذ زائدة، وأخرى غير زائدة. فعلى الأول معناه التنزيه، لأنه نفى أن يماثله شيء بوجه من الوجوه، وقوله: (وهو السميع البصير) تشبيه، لأنهمايطلقان عليه تعالى وعلى غيره من العباد. وعلى الثاني معناه: ليس مثل مثله شيء. فشبه بالمثل في نفى المثل عن المثل، وثنى أيضا بإثبات المثل.
ونزه بقوله: (وهو السميع البصير). فإن السمع والبصر في الحقيقة لله لا لغيره. وفي علم الفصاحة والبلاغة مبين أن الضمير إذا قدم وخبره معرف باللام، يفيد الحصر.
كقولك: فلان هو الرجل. أي، الرجولية منحصرة فيه وليست لغيره. كذلك هاهنا.
أي، هو السميع البصير لا غيره. فيفيد حصرهما فيه، وهو الإفراد والتنزيه عن النقصان، وهو عدم السمع والبصر. وإنما جعل السمع والبصر في الأولتشبيها وفي الثاني تنزيها، ليجمع بين التنزيه والتشبيه، وهو مقام الكمال.
ولما كان السمع والبصر راجعين إلى الحق في مقام الجمع، قال: (وأفرد) ولم يقل: ووحد. تنبيها على أن فردانيته لا يكون إلا في عين الكثرة، لأن الفردية يشتملعليها ضرورة لكونه عددا، والوحدانية تقابلها .
(فلو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، فدعاهم جهارا، ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا).
وقال: (دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا). ولما كانت هذه الحكمة في كلمة نوح ومرتبته، قال: إنه، عليه السلام، لو كان يجمع بين الدعوتين، أي لو كان يجمع في دعوته بين التشبيه والتنزيه كما جمع في القرآن بينهما، لأجابوه، لأنه لو أتى بالتشبيه، لحصلت المناسبة بينه وبينهم من حيث التشبيه، إذ كانوا مثبتين لأصنامهم الصفات الكمالية، لذلك قالوا: (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). فجعلوهم من المقربين عند الله والمقربين لغيرهم، وأثبتوا لهم الشفاعة كما قالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله).
والتقرب من الله والشفاعة عنده لا يكون إلالمن له الصفات الكمالية. فلو أتى بالتشبيه لصدقوه وقبلوا كلامه أيضا في التنزيه.
ولكن دعاهم جهارا، أي، ظاهرا إلى الظاهر المطلق من حيث صورهم و ظواهرهم ليعبدوا الله بظواهرهم بالعبادات البدنية والإتيان بالأعمال الحسية.
ثم دعاهم إسرارا، أي، باطنا إلى الباطن المطلق من حيث عقولهم وروحانيتها ليعبدوا الباطن المطلق عبادة الملأ الأعلى والملائكة المقربين. فلما لم يقبلوا دعوته،لرسوخ المحبة للمظاهر الجزئية التي هي معبوداتهم في قلوبهم وبواطنهم، قال:
(استغفروا ربكم إنه كان غفارا). أي، اطلبوا منه سر وجوداتكم و ذواتكم وصفاتكم بوجوده وذاته وصفاته. فنفرت بواطنهم منه، لأن الأنفس مجبولة على محبة أعيانها، أو لعدم قدرتهم بأنفسهم على ذلك. فلما رأى النفور عنهم، قال:
(إني دعوت قومي ليلا ونهارا). أي، في العلانية. أو ليلا، في الباطن والغيب بالدعوة الروحانية، ونهارا، أي في الشهادة والظاهر بالدعوة الحاصلة بالقوى الجسمانية.
(فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) من قبول الوحدة وشهود الحق المطلق الظاهر بصور الكثرة.
(وذكر نوح عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابةدعوته) أي، لما علموا أن إجابة دعوته واجبة عليهم، تصامموا وسدوا أسماع قلوبهم بعدم القبول لقوله.
كما قال: و (جعلوا أصابعهم في آذانهم.)

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «وهو السميع البصير» فنزه وأفرد.)
ثم استدل على أن كمال المعرفة في الجمع بين التنزيه والتشبيه مع أخذ كل منهما في الأخر؛ فقال: (قال تعالى: " ليس كمثله شيء" [الشورى:11]، فنزه)؛ لأنه نفي مثل المثل وإلا كان مثلا لمثله فلا يصح نفي مثل المثل مع تحقق المثل "وهو السميع البصير" [ الشورى:11]، (فشبه) بإثبات السمع والبصر له المناسبين لسمعنا وبصرنا من وجه فدل أول الآية على التنزيه وآخرها على التشبيه.
ثم أشار إلى أن عکس هذا أيضا مدلول الآية ليدل على أن كلا منهما في الآخر لا يفارقه؛ فقال: (قال تعالى: "ليس کمثله شيء [الشورى:11]، فشبه) بنفي مثل المثل بطريق دلالة المطابقة فدل على إثبات المثل، وهو صورته الظاهرة في المظاهر مع نفي المثل عنها بمعنى: أنه لا يماثلها صورة أخرى من كل وجه؛ لعدم تكرر التجليات مع عدم تناهيها، (وثنى) بجعل صورته الظاهرة مثلا له أي: مناسبا له لا متحدا معه بالنوع، فإنه محال (وهو السميع البصير [الإسراء: 1]، فنزه) بصيغة الحصر الدال على نفي السمع والبصر عن غيره.
(وأفرد) بأن كل سمع وبصر في الحقيقة راجع إلى سمعه وبصره؛ فسمع الحوادث وبصرها كصور المرآة لا حقيقة لها سوى ذي الصورة ففهم كل من التنزيه والتشبيه ، مما فهم منه الأخر بعد فهم كل منهما على حدة.
قال رضي الله عنه : (لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
ثم أشار إلى أن أحدية الجمع والفرق بين التنزيه والتشبيه مخصوصة بالكمال المحمدي لم تكن في دعوة نوح عليه السلام, بل كان في دعوته التفرقة لفظا بإيراد كل منهما في ألفاظ مختلفة .
فقال: (لو أن نواحا جمع لقومه بين الدعوتين) التنزيه والتشبيه في لفظ واحد (لأجابوه)؛ لأنها بقوة نوريتها كانت تجذب أرواحهم عن متابعة النفوس برفع الحجب الظلمانية عنها إلى ما فاضت هي منه فتتبعها النفوس.
لكن غلب عليهم ظلمة نفوسهم عند كون دعوته تفريقيا في اللفظ فجذبتهم ظلمتها إلى السفل الذي هو مقرها. (فدعاهم جهارا) من حيث التشبيه لما فيه من مناسبتهم على ما هو عادة المناظرين في إرخاء العنان مع الخصوم في بعض المقدمات هي ليستدرجوهم بذلك إلى مطالبهم، (ثم دعاهم إسرارا) من حيث التنزيه لما رآهم يصرون على الكفر عند الدعوة التشبيهية.
(ثم قال: "فقلت استغفروا ربكم" [نوح:10])، أي: اطلبوا منه ستر ظلمات نفوسكم ("إنه كان غفارا" [نوح:10])، إن طلبتم منه ذلك ليتيسر لأرواحكم الصعود إلى ما فاضت هي منه.
ثم أشار إلى تفرقة أخرى في دعوته بين الظاهر والباطن؛ فقال: (وقال: "قال رب إني دعوت قومي ليلا" [نوح: 5])، أي: إلى الباطن من حيث ظهوره في العقول والأرواح
("ونهار" [نوح: 5])، أي: إلى الظاهر من حيث ظهوره في صورهم وجثثهم ("فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" [نوح: 6])، عن الله إلى نفوسهم المظلمة لعجزهم عن رؤية الجمعية الإلهية في صورة التفرقة التي كانت في هذه الدعوة بحسب اللفظ، ولكنها لما كانت جمعية بحسب الحقيقة، أثرت في أرواحهم فأفادتهم من المعرفة ما علموا به، وجوب إجابة دعوته كما أشار إليه بقوله: (وذكر) نوح (عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته)؛ لاشتمالها على الجمع بين التنزيه والتشبيه في الحقيقة، وإن كانا على سبيل التفرقة في اللفظ، وإذا كانت دعوة جمعيته في الحقيقة تفريقية في اللفظ كانت مؤثرة في التفريق من وجه، والتغير من آخر.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
ثمّ لما أشار إلى أن الجامع هو الإمام السيّد ، بيّن ذلك بقوله : ( وقال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه ) بناء على ما تقرّر في فنون البلاغة أنّ انتفاء أمر عمّا يماثل الشيء يدلّ على انتفائه عنه بأبلغ وجه وأتمّ قصد ، كما يقال للجواد : « مثلك لا يبخل » لا على أنّ الكاف زائدة ، فإنّ أصول التحقيق يأبى ذلك   .
قال الشيخ رضي الله عنه : (" وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فشبّه) لأنّه من أوصاف العبد ، وهذا هو الجمع بين التنزيه والتشبيه على ما أشار إليه .
ولمّا كان مقتضى الكلمة المحمّديّة والقرآن الختمي أعلى من ذلك وهو التشبيه في عين التنزيه  ، والتنزيه في عين التشبيه قال : ( قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِشَيْءٌ " فشبّه وثنّى ) إشارة إلى ذلك ، وذلك لأنّ النفي إذا كان متوجّها إلى مثل مثله ، يدلّ على ثبوت المثل بالضرورة وعلى ثنويّة الموجود ، ويلزمه التشبيه في عين التنزيه ، والكثرة في نفس الوحدة .
وأمّا عكسه فيستفاد من قوله : ( " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزّه وأفرد ) وذلك من الحصر الدالّ عليه بخصوصيّة تركيبه ، وبديع نظمه وترتيبه .
فلئن قيل : أما صرح في نظمه أنّ الجمع بين التثنية والتشبيه ، والإفراد والتنزيه ممّا يحترز عنه في الاعتقاد ؟
قلنا : إنّه من خصائص القرآن الختميّ والاعتدال الحقيقيّ الجمعيّ أنّه قد التئمت الأضداد لديه وتعانقت فيه ، حيث لا يبقى للغير والسوي هناك عين ولا أثر ، كما قيل   :
تعانقت الأطراف عندي وانطوى   .... بساط السوي عدلا بحكم السويّة
فتأمّل .
ثمّ إنّ الإنسان من حيث هو هو إنّما يقتضي بحسب قبوله الذاتي هذا النوع من الكمال ، ولما كان زمان بعثة نوح عليه السّلام ما كان أوان ظهور ذلك الكمال ، بل حكم قهرمان الأمر فيه اختفاؤه ، ما أجاب قوم نوح له ( ولو أنّ نوحا جمع لقومه بين الدعوتين ) على ما هو مقتضى قابليّتهم الأصليّة ( لأجابوه ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فدعاهم " جِهاراً " ) [ 71 / 8 ] في مظاهر الصور ومواطن التشبيه تنزّلا إلى درك إدراكهم (ثمّ دعاهم ) بكلمته المبعوثة في زمانهم على لسانهم ( " إِسْراراً " ) [ 71 / 9 ] في مكامن المعاني ومسالك التنزيه ، تسليكا لهم إلى مراقي كمال حقيقتهم .
ثمّ إنّه لما شاهد منهم التصامم والتقاعد عن دعوته إيّاهم ، وعرف ممّا نوّر عليه من مشكاة نبوّته أنّهم إنّما عملوا ذلك لما في قوّة قابليّتهم من طلب القرآن الكماليّ الذي هو غاية حقيقتهم النوعيّة ، وعرف أيضا أنّ كلمته النوحيّة المبعوثة في زمانه ذلك على ألسنة قومه إنّما يفصح عن التنزيه الفرقاني ، وذلك هو الذي عليه كلمتهم ولسانهم في زمانهم .
فاقتضى ذلك أن يعتذر عن نفسه فيما صدر عنه من الإخفاء والفرقان ، فأشار إلى ذلك الاعتذار المترتّب على عرفانه بما رأى منهم بقوله : ( ثمّ قال لهم " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه ُ كانَ غَفَّاراً " ) [ 71 / 10 ] أي أمرهم بالستر لربّهم في صور الشعائر الشرعيّة ، إنّه قد بالغ في ستره نفسه ، على ما هو مقتضى بعثته ومؤدّى رسالته ونبوته .
ثمّ لمّا بلَّغ ما كان له أن يعبّر عنه لسان رسالته وما أنزل إليه أن يعلَّمهم به ويوقفهم عليه ، وشاهد منهم ما شاهد من النفار والفرار ، جاء يعرض ذلك أداء لحق التبليغ .
فلئن قيل : إذا كان نوح عارفا بالأمر على ما هو عليه من مشكاة نبوّته .
وعلم أنّ عدم إجابتهم دعوته إنّما هو لما في جبلَّتهم من طلب القرآن الكماليّ الجمعيّ ، وكان الأنبياء مبعوثين لتكميل أممهم ، فما سبب توقّفه في إبلاغهم القرآن الكمالي مع طلبهم إيّاه ؟
قلنا : إنّ الأمم وإن كان متوجّه طلبهم الأصليّ ذلك الكمال القرآنيّ .
ولكن لهم بحسب نشأتهم الطارية على أصلهم ألسنة بها يتدرّجون إلى مراقي فهمه ،والأنبياء مبعوثون بحسب تلك الألسنة ، فإنّ كل نبيّ إنّما أرسل بلسان قومه.
ولذلك وقف نوح موقف الاعتذار عن قومه ( و" قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " ) [ 71 / 6 ] ، أي ما رضوا بذلك ولا قنعوا بما بلَّغتهم من الدعوة الفرقانيّة ، لما في جبلَّتهم من الأهليّة للجمعيّة القرآنيّة الكماليّة ، بحسب قابليّتهم الأصليّة .
وإذ قد علم أنّ مقتضى تبليغه ومؤدّى أحكام رسالته إنّما هو الستر ، وما صدر عن قومه من الفرار عن دعوته وعدم السماع لها كلَّه يستلزم ذلك .
فهم أجابوه فعلا في صورة الإباء والإعراض ، أظهر ذلك أيضا ( وذكر عن قومه أنّهم تصامموا عن دعوته ، لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته ) أي هم علموا بحسب استعدادهم الأصلي أنّ الذي يجب عليهم في هذه الدعوة ، هو هذا النوع من الإجابة ، وهو الذي في صورة الإباء ، حتّى يعلم أنّهم ما قنعوا بهذا القدر من العرفان ، ولهم استيهال ما وراء ذلك من الكمالات المدّخرة لنوعهم .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : "و قال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثني، «وهو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه : فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».  وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته. فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من إجابة دعوته. " 
قال رضي الله عنه : (قال: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] فنزه) . على أن تكون
وقال رضي الله عنه: ("وهو السميع البصير" فشبه) بإثبات السمع والبصر له كما أنهما ثابتان للخلق فيكون تشبيها. (قال تعالى: "ليس كمثله  شيء" فشبه وثنى)، أي حكم بالاثنينية على أن تكون الكاف غير زائدة فيفيد إثبات المثل وتثنية الحق به .
وقال : ("وهو السميع البصير" فنزه)، حيث حصر السمع والبصر فيه فلا تشابهه الخلق فيهما (وأفرد)، أي حكم بتفرده بهما (فلو أن نوحا) عليه السلام (جمع لقومه بین الدعوتين) دعوتي التنزيه والتشبيه كما في هذه الآية ولم يقتصر على الدعوة إلى التنزيه الصرف أو التشبيه الصرف (لأجابوه) لمناسبة بواطنهم التنزيه وظواهرهم التشبيه .
لكنه لم يجمع بينهما بل فرق (فدعاهم جهارا) إلى الاسم الظاهر والتشبيه (ثم دعاهم أسرار) إلى الاسم الباطن والتنزيه فلم يجيبوه لما سيشير إليه الشيخ رضي الله عنه .
(ثم قال : "استغفروا ربكم") ، أي اطلبوا منه ستر وجوداتكم وذواتكم وصفاتكم
بوجوده وذاته وصفاته ("إنه كان غفارا") [نوح : 10]. كثير الستر لهذه الذنوب وشكى الى ربه ("قال رب إني دعوت قومي ليلا") من حيث حقائقهم الباطنة إلى التنزيه ( "ونهارا" ) [نوح :5] من حيث حقائقهم الظاهرة إلى التشبيه ("فلم  يزدهم دعائي إلا فرارا" ) [نوح: 6] ويفروا مما دعوتهم إليه.
(وذكر) نوح عليه السلام عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته إلى التنزيه حيث جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم (لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته) فتصامموا عنها لئلا يجب عليهم إجابتها.
وكان هذا العلم حاصلا لهم بحسب فطرتهم الأصلية وإن لم يعملوا بما اقتضاه لغلبة الظلمة الحجابية عليهم .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:39 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 17:44 من طرف عبدالله المسافربالله

الفقرة التاسعة الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة التاسعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة،بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : "فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية."
قال رضي الله عنه :(فعلم العلماء بالله تعالی) من أهل المعارف الإلهية والحقائق الربانية (ما أن إليه نوح عليه السلام) في ضمن عبارته (في حق قومه) الكافرين به (من الثناء عليهم)، أي مدحهم بإجابة دعوته أرواحا وإن خالفوه أشباحا.
وإن كانوا إنما مكلفون من حيث الأشباح لا من حيث الأرواح، ولهذا كانت العبارة بالذم للظ والإشارة بالمدح للباطن، والتكليف إنما هو بحسب الظاهر والباطن (بلسان الذم هو الظاهر بالنسبة إلى ما هو الظاهر لهم منهم لا بالنسبة إلى ما هو الباطن منهم عنده فإنه ممدوح لا مذموم.
فإن الجميع صادرون عن الحق تعالى، فكلهم کاملون کامل، ولا فرق بينهم من هذه الجهة كما قال تعالى : "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" [الملك: 3]، وإنما التفاوت بينهم بما وضعه فيهم من علمهم بأنفسهم وبغيرهم، فالكامل كامل في نفسه وفي رؤيته لنفسه ولغيره، والقاصر کامل في نفسه قاصر في رؤيته لنفسه ولغيره.
وكل واحد منهما قسمان:
فالأول عارف بأنه كامل في نفسه وفي رؤيته وغير عارف بذلك.
والثاني كذلك عارف بأنه كامل في نفسه قاصر في رؤيته وغير عارف بذلك.
ويخرج من هذا الثاني قسم ثالث غير عارف بأنه کامل في نفسه وعارف بأنه قاصر في رؤيته.
والكامل الحقيقي في نفس الأمر والكمال الشرعي في رؤية النفس والغير، وهو المطلوب ببعثة الرسل وإنزال الكتب.
إذ الأول لا دخل للتكليف به لأنه مما يلي الحق تعالى وهذا مما يلي العبد، وما يلي الحق للحق وما يلي العبد للعبد
وعلم نوح عليه السلام (أنهم)، أي قومه (إنما لم يجيبوا دعوته إلى توحيد الله تعالى، لأنه كامل وعارف بأنه كامل، والكامل عارف بمرتبتي الظهور والبطون لما فيها)، أي في دعوته (من الفرقان).
أي التمييز بين مرتبة الظهور ومرتبة البطون الكمال التفصيل بالتنزيه فقط والتشبيه فقط (والأمر) الإلهي الواحد (قرآن)، أي جمع للمرتبتين وإجمال في عين التفصيل بالتنزيه والتشبيه معا (لا فرقان) بالتمييز في كل مرتبة على حدة.
(ومن أقيم)، أي أقامه تعالی بجعله يشهد ذلك ولو بالروح دون : النفس (في) مقام (القرآن) الجامع (لا يصغي) إلى من دعاه (إلى) مقام (الفرقان) الفارق الذي يظهر فيه الكامل بصورة القاصر.
والكل في هيئة البعض كما إذا انقسم قلب الرضى بإزاء كل ذرة من أجزاء حجرها الدائر على ذلك القلب، فإنه كله بتمامه ماسك لكل جزء في الاستدارة على طريقة موزونة، فهو للکل قرآن ولكل ذرة فرقان ، ومن شهده قرآنا لا يرضى أن يشهده فرقانا (وإن كان)، أي الفرقان (فيه)، أي في القرآن، لأنه عينه إذ التفصيل في الإجمال.
(فإن القرآن)، أي الإجمال والكل (يتضمن الفرقان)، أي التفصيل وكل جزء (والفرقان) الذي هو التفصيل وكل جزء (لا يتضمن القرآن) الذي هو الإجمال والكل والمراد من حيث هو فرقان وتفصيل باعتبار صور ما تفصل إليها، وإلا فإن اعتبرت حقائق ما تفصل إليها.
فالقرآن في كل ما تفصل إليه الفرقان، وهو من هذه الجهة .و قرآن لا فرقان (ولهذا)، أي لكون القرآن جامعة للفرقان دون العكس (ما اختص بالقرآن إلا محمد ) دون غيره من المرسلین علیهم السلام (و) اختصت به أيضا هذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران : 110].
بإخبار الله تعالی عنها بذلك بقوله تعالى : "كنتم خير أمة أخرجت للناس" الآية دون غيرهم من الأمم فإنهم مأمورون بشهود الفرقان كما جائتهم بذلك أنبياؤهم.
فمأمور کل شاهد بترك ما شهده من حيث مغایرته للمشهود الآخر.
وهذه الأمة مأمورة بشهود الفرقان ، فمأمور کل شاهد منهم بإضافة المشهود الآخر إلى مشهوده الأول، فديننا اليسر ودينهم العسر، وعليهم التشديد وعلينا التخفيف .
(فليس كمثله)، أي ليس مثل أمره الظاهر بصورة كل شيء من محسوس أو معقول (شيء) إذ كل شيء تفصيل لأمره المجمل في حضرة على حدة (فجمع) سبحانه وتعالى الأمر كله (في أمر واحد) فمن كان في بعضه لا يترك ما هو فيه بل لا يقتصر على ما هو عليه ويضم إليه غيره ليكمل من قصوره ويتحقق بحقيقة ظهوره في مطالع نوره (فلو أن نوحا) عليه السلام (يأتي) إلى قومه (بمثل هذه الآية) الجامعة بين التنزيه والتشبيه معا (لفظ)، لأنه جاء بمثل ذلك معنى إذ الحق واحد والمرسلون كلهم مجمعون عليه من حيث الإيمان ولكن عباراتهم مختلفة (أجابوه) من غير تردد الما دعاهم إليه (فإنه)، أي من جاء بمثل هذه الآية وهو محمد صلى الله عليه وسلم (شبه) الله تعالی بإثبات المثل له (ونزه) الله تعالی بنفي المثل عن مثله فكيف عنه (في آية واحدة بل في نصف آية) إذ بقية الآية "وهو السميع البصير" [الشورى: 11].


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : (فعلم العلماء بالله تعالی ما أشار إليه نوح عليه السلام في من قومه من الثناء عليهم بلسان الذم) أي كل واحد من العلماء من أي أمم كانوا ممن سمع كلام نوح عليه السلام من أي لسان كان علموا من وجوه نظم كلامه .
فإن هذا الثناء دعاء عليه في حق بعضهم بالمفهوم ودعاء له في بعضهم بالإشارة كما سنذكره.
(وعلموا) أي العلماء بالله تعالى أضمر الفاعل للعلم به (أنهم إنما لم يجيبوا دعوته) بالقول (لما فيها من الفرقان) بين التشبيه والتنزيه (والأمر) أي الدعوة الموجبة للإجابة (قرآن) أي جمع بين التنزيه والتشبيه (لا فرقان ومن أقيم) من الله تعالی
(في القرآن) أي في مقام الجمع الأسمائي کنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (لا يصغي) أي لا يميل في دعوة أمنه (إلى الفرقان) .
أي إلى القوم الذي لا جمع فيه أي لا يدعو أمنه إلا بالجمع بين التنزيه والتشبيه لأجل عدم إقامة نوح عليه السلام في القرآن أي في الجمع الاسماني لا يدعو قومه به بل بالقول الفرقاني (وإن كان فيه).
أي وإن الفرقان في القرآن (فإن القرآن يتضمن الفرقان) لكون الفرقان جزءا من القرآن (والفرقان لا يتضمن القرآن) لوجود الجزء بدون الكل والمراد من القرآن والفرقان أعم من أن يكون تولية أو مقامية فإن مرتبة محمد عليه السلام قرآني متضمن أي جامع لجميع المراتب الفرقانية من الأنبياء وغيرهم .
كما أن القرآن القولي متضمن لجميع الفرقان القوني من الكتب المنزلة (ولهذا) أي ولكون القرآن يتضمن الفرقان (ما اختص بالقرآن إلا محمد عليه السلام) لكونه متضمنا لجميع الفرقان المرتبي فما أنزل الله تعالى القرآن إلا إلى القرآن .
(وهذه الأمة التي من خير أمة أخرجت للناس) أي اصطفيت وفضلت بأن يكونوا أمة لهذا النبي لقربهم إليه في المرتبة القرآنية (فليس كمثله شيء فجمع) محمد عليه السلام (الأمر) أي التنزيه والتشبيه (في أمر واحد) أي في كلام واحد .
(فلو أن نوحا أنه بمثل هذه الآية لفظة أجابوه) لفظا (فإنه) أي النبي عليه السلام (شبه ونزه في آية واحدة) وهي قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ". سورة الشورى : 11.
(بل) شبه ونزه (في نصف آية) وهو ليس كمثله شيء. لذلك قبل دعوته وكثر أمته يوما فيوما إلى يوم القيامة .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.
ولهذا ما يختص بالقرآن إلا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس" (آل عمران: 110).
فـ "لیس كمثله شیء" فجمع الأمرين في أمر واحد.
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
و نوح، عليه السلام، دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل "ليس كمثله شيء" فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إذ دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم، لذلك "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" (نوح: 7) وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي "ليس كمثله شیء" إثبات المثل و نفيه، وبهذا قال عن نفسه، صلى الله عليه وسلم، إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم، قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.
قلت: قوله،"ليس كمثله شيء" فنزه هنا وجعل الكاف زائدة فافهم.
وقوله: "وهو السميع البصير" (الشورى: 11) شبه، لأنه وصف الحق تعالی بالسمع والبصر وهي قد يطلق على العين والأذن.
قوله: قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وهنا جعل الكاف زائدة، فكأنه قال: ليس مثل مثله شيء فأثبت له مثلا لا يشبه ذلك المثل شيء .
ولذلك قال: وثني قوله: "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد هنا حمل السمع والبصر على معاني أسمائه تعالى، فالسمع والبصر هنا لا يطلق على الأذن والعين بل على معاني الأسماء الإلهية.
ولذلك قال: و افرد و بالإفراد يقع التنزيه فلذلك قال فنزه وافرد.
قولهولو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، يعني أن محمدا رسول الله جاء بالدعوتين: التنزيه والتشبيه، وهذا مبني على ما قرر من مفهوم قوله تعالى: "ليس كمثله شيء " فإنه عين حمل الآية على الأمرين معا، فجمع نبينا، عليه الصلاة والسلام، في دعوته.
وأما نوح، عليه السلام، فذكر رضي الله عنه : أنه ما جمع لهم وسنبين كيف ذلك .
وهو قوله:  فدعاهم جهارا، أي إلى التشبيه الذي تقدم ذكره لأنه الظاهر فناسب أن يقال في الدعاء إليه جهارا.
قال:  ثم دعاهم أسرارا، أي إلى حضرة التنزيه الذي تقدم ذكره أيضا لأنه الباطن فناسب أن يقال في الدعاء إليه أسرارا.
ثم قال لهم نوح: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" فخاطبهم بما لا يناسب حالهم وإلى هذا أشار، رضي الله عنه: والذي لا يناسب حالهم هو كونه فرق الدعوة فدعا مرة إلى اسمه الظاهر، تعالى، ومرة إلى اسمه الباطن، تعالى.
فلما لم يجيبوه وصف حالهم معه وحاله معهم، فقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا" (نوح: 5) . أي ظاهرا مرة وهو قوله: نهارا وباطنا مرة وهو قوله: لیلا أي إلى الاسم الظاهر مرة وإلى الاسم الباطن مرة "فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 6).
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته بكونهم جعلوا أصابعهم في آذانهم.
قال وإنما تصامموا عن دعوته، لأنهم علموا ما يجب عليهم إن هم سمعوها أي يتعين عليهم الطاعة، فسدوا آذانهم عن سماع دعوته حتى لا يقع عليهم لسان الذم.
قال: فعلم العلماء ما أشار إليه نوح، عليه السلام، من الثناء عليهم بلسان الذم، يعني أنه عذرهم وعلم أن مستندهم في سد آذانهم عن سماع دعوته أنه صحيح.
فكأنه قال: إنهم فعلوا ما يجب عليهم فعله ولم يدخلوا تحت ما يجب عليهم ما لا يلزمهم من اجابة دعوته المفترقة الجهات، وهذا الكلام صعب.
قال: لأنهم كانوا أهل قرآن وهو إنما أتاهم بالفرقان فلا جرم ما أجابوه.
وقول الشيخ، رضي الله عنه: فإن الأمر قرآن لا فرقان، يعني أن الحق هو الجمع بين الظاهر والباطن في الدعوة إلى التنزيه والتشبيه، والمراد هنا بالقرآن الجمع، لأنه مشتق من المصدر الذي اشتق منه قولك: قرأت الماء في الحوض إذا جمعته، فكأنه قال: الأمر جمع لا فرقان ، إذا كان الفرقان هو ضد الجمع وهو مثل فرق يفرق فرقا وفرقانا.
فقال الشيخ، رضي الله عنه: الأمر الإلهي قرآن لا فرقان ثم أخذ في تعريفنا مرتبة كل واحد من الاسمين المذكورين.
قال: ومن أقيم في القرآن وهو حضرة التوحيد لا يصغي إلى من دعاه إلى الفرق وإن كان الفرق في الجمع.
فلذلك قال رضي الله عنه: وإن كان فيه فإن القرآن يتضمن الفرقان بمعنى أن تفصيل الوحدانية هو بالأحدية وفي ضمنها وفي التفصيل يظهر الفرقان لكن يرجع بالأحدية كما ذكرنا، وأما الفرقان فلا يتضمن القرآن، لأن الفرقان صفة مسلوب عن موجب، والايجاب والسلب لا يجتمعان في الأقوال والأضداد لا تجتمع في الموصوفات ، إذا تحقق التناقض والتضاد.
قال: فالجمع اختص بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس" (آل عمران: 110) في «ليس كمثله شيء" فجمع الأمر في أمر وأحد، يعني أن قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" هو جامع المعنيين:
أحدهما أن يكون الكاف زايدة وهو معنی التنزيه
والثاني أن يكون الكاف غير زائدة ، وهو معنى التشبيه والكلمة واحدة، فاجتمع فيها الأمران كما هو الأمر في نفسه مجموعا في نشأة الإنسان الكامل.
قال: فلو أن نوحا أتي بمثل هذه الآية أجابوه أي يجمع الأمر في كلمة واحدة.
قوله: فإنه شبه ونزه في نصف آية، قلت: يعني قوله: "ليس كمثله شئ" .
قوله: ونوح دعا قومه إلى قوله: لیلا في نهار ونهارا في ليل، قلت: هذا الكلام ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال الشيخ سلام الله عليه : « فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذمّ وعلم أنّهم إنّما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان ، والأمر قرآن لا فرقان ، ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه ، فإن القرآن يتضمّن الفرقان والفرقان لا يتضمّن القرآن » .
قال العبد : علم المحقّقون من هذه الإشارات أنّ قوم نوح إنّما أجابوا لما دعاهم إليه في صورة الإعراض ، وأقرّوا بعين ما ادّعاه في ملابس الإنكار بنوع من الإشارة والإيماض ، وذلك لأنّه دعاهم إلى الاستغفار وهو طلب الغفر فتظاهروا بالاستتار عن تجلَّي الواحد القهّار ، في العكوف على عبادة حجابيّات الأغيار ، ممّا يحبّق من الخشب والأحجار ، فأجابوه بالفعل إلى ما دعاهم من الاستغفار ، فأثنى عليهم نوح عليه السّلام كذلك في صورة الذمّ .
كما ظهروا بصورة الجهل فيما عندهم من العلم لأنّ دعوته لهم كانت إلى التوحيد وتنزيه التجريد ، وذلك تمييز وتقييد ، وفرقان بيّن بين السادات والعبيد ، والضالّ والرشيد ، والغاوي والسديد ، والمقرّ المريد ، والمنكر المريد ، وأنّ سوس الأمر وأساسه على الجمع والقرآن ، ليس على الصدع والفرقان ، لأنّ الوحدة كما عرفت تضادّ الكثرة والتوحيد ينافي التعديد ويحادّ أمره ، والحق سبحانه وتعالى كما لا ضدّ له في ذاته .
فكذلك لا ضدّ له في صفاته ، فهذه الوحدة التي تقابل الكثرة وتضادّها لا تليق أن تكون صفة ذاتية لله تعالى فيحادّها ، وأنّها زائدة على ذات الواحد الموصوف بها ، ووحدة الله عن ذاته ليست عليها زائدة ، وإلَّا كانت عارضة وزائدة ، أو تكون كثرة منها فيها عليه عائدة ، بل هو تعالى منبع الوحدة والكثرة المتقابلتين ، وعين الحقائق المتباينة والمتماثلة ، وفي الحقيقة لا وجود للاثنينيّة إلَّا في التعيّن والتعقّل ، والحقيقة الأحدية تنقلب في صور الكثرة بالتحوّل والتبدّل ، في عوالم التمثّل والتخيّل ، والتصوّر والتشكَّل .
وليس الوجود إلَّا للأحد الصمد ، وأحديّته عين حقيقته فيما تجرّد وتوحّد ، وتنزّه وتفرّد ، وفيما تكثّر وتعدّد ، وتحدّد وتجدّد ، فله تعالى الإطلاق الحقيقي عن التقيّد بإحدى الجهتين ، لكونه أحدي الذات والعين بلامين ، في عين تعيّنه في الصورتين ، فالتنزيه والتشبيه طرفان ، والوحدة الذاتية والكثرة الأسمائية ذاتيّتان للذات الإلهية والعين الجمعية الأحدية ، فلها منها بها أقران ، فيرتقي الفرقان الظاهر في الكفر والإيمان ، والطاعة والعصيان بحقيقة الجمع والقرآن .
ولمّا كشف الله لنوح عليه السّلام عن سرّ ما هم عليه من الجمعية السارية فيهم والأحدية النورية المستهلكة الحكم في مظاهرهم ومرائيهم ، أثنى عليهم بلسان الحقيقة ، ولغة منطق طير الطريقة ، ثناء ظاهرا بصورة الذمّ ، وسرورا مستسرّا في هيئة الهمّ والغمّ ، كما يقتضي مقامه وحالهم فيما خصّ وعمّ .
ولمّا كانوا في ظاهرية الفرق ، ووقع منه الدعاء إلى الباطن الحق ، ولا يخلو الظاهر من باطن فيه قاطن ، فلم يكونوا إلَّا على جمع مستهلك فيهم كامن ، فلا بدّ لأهل الجمع المستهلكين في عبدانيّة حقائق الجمع ، الساري في صور الفرق والصدع أن لا يصغوا إلى ما يباين مشهودهم ومعهودهم من الأنباء .
فلم يستطيعوا إجابة نداء الجلاء ، ودعاء الفرق والتمييز والتنزيه والاعتلاء ، فردّوا دعوته إلى التمييز والتنزيه ، والفرق بين العين والعين والحق والخلق ، لكونهم في عين الفرق مجموعين ، وعلى جمع فرق الفرق مجمعين ، وعن إجابة دعاء تمييز التنزيه وعن سمع نداء التجريد والتوحيد معزولين ، فافهم .
قال الشيخ سلام الله عليه : "ولهذا ما اختصّ بالقرآن إلَّا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم وهذه الأمة التي هي خير أمّة أخرجت للناس ف " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " يجمع الأمر  في أمر واحد ، فلو أنّ نوحا أتى بمثل هذه الآية لفظا ، أجابوه ، فإنّه شبّه ونزّه في آية واحدة ، بل في نصف آية " .
قال العبد : قد علمت أنّ سائر عبيد الله الكمّل في المقامات التفصيلية النبوية وحكمهم وحكمهم في شرائعهم منزلة من سماوات الأسماء التفصيلية الفرعية ، فمقتضى الحكم الإلهي الكلَّي في أمم قبلنا إنّما هو الطاعة والدعوة إلى التنزيه وتجريد التوحيد ، لكون القوم ملبّين على عبادة صنميّات الكثرة والتعديد ، وملبّين لدعوة حجابيّات الصور الأسمائية ، ذاهلين بالكلَّية عن الحقيقة الأحدية ، التي هي أصل الكثرة الفرعية والجمعية ، الموجدة الموحّدة للتفرقة العددية ، وحقيقة التحقيق في الجمع بين المرتبتين جمعا إطلاقيا وإطلاقا أحديّا .
وإنّما وقعت واقعة الأصنام ، وعبادة الصور من عالم الأجسام ، لكون التجلَّيات التعيينية ، وظهور النسب المستهلكة للأعيان في عين الأحدية مرادة لله تعالى في أوّل الإرادة ، فظهرت حقائق الأسماء والنسب أوّلا في عالم الشهادة ، لأنّه أراد أن يعرف كمال العرفان ، وأن ينعت ويوصف ويظهر كلّ نسبة من نسب ذاته بلوازمها وإضافاتها وعارضاتها ولاحقاتها في صورة الجمع من عالم الملك والشهادة صورا ظاهرة متمايزة بشخصيّاتها ، متناظرة متشاكلة ومتنافرة بخصوصيّات ليست في صورة مظهرية عالم الأمر والملكوت ، القابلة لتجلَّيات الصور الأسمائية الفرقانية ، وكان في بدو الأمر توجّه المشيّة والإرادة إلى الظاهرية .
فلمّا ظهرت صنميّات حجابيّات الأسماء ، وأخرجت الحضرات ما عندها من التجلَّيات ، وتوجّهت نفوس أهل تلك القرون الأول بمقتضى انبعاث التجلَّي الأوّل إلى عبادة صنميّات صور الأسماء ، وتوفّرت الرغبات إلى تلقّي الأنباء ، من حجابيّات  مراتب الإلقاء لظهور سلطنة تلك الأسماء عليهم واستواء تجلَّياته على عروش قابليّاتهم كلّ الاستواء ، واستولى شهود أحديّة الكثرة أو كثرة الأحدية على جموعهم كلّ الاستيلاء ، فوجب لهذا أن تكون الدعوة إلى الكمال الجمعي بالنسبة إليهم مبنيّة على حكم التنزيه والتوحيد ، ومنبئة على التمييز والتجريد ، حتى تكاملت أقسام هذه الدعوة التنزيهية العقلية الروحانية إلى زمان عيسى عليه السّلام ولم يبق بعده إلَّا الدعوات الخاصّة بالجمع .
فكانت حكمة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم جامعة للأمر على ما هو عليه أحكامه الشرعية أيضا ، جامعة للمصالح الجمعية الكمالية بين ما تعلَّق منها بأرواحهم ، وبين ما اختصّ منها بأجسامهم وأشباحهم ، فجمع شرعه عليه السّلام بين الشرائع كلَّها ، وأتى بزيادات على الجمع عليهما ، فجعلها كلَّها لله لا لهم ، فما أبقى لهم حظوظا نفسانيّة في عين تقريرها وإثباتها لهم .
فقال : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ " وهو العدل من غير عدول وميل إلى جهة ولا جنوح وحيد إلى طرف من الروحانية والجسمانية ، " شُهَداءَ لِلَّه ِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ" ، فأمرهم بإقامة الشهادة لله بأنّ الذوات والصفات والأفعال والأخلاق والأعمال كلَّها لله ، حتى أنّ أنفسهم ما هي لهم ، بل لله ، فهم قائمون بشهادة الله عزّ وجلّ على أنفسهم وعلى الوالدين وهما :
الروح والطبيعية والأقربين : الحقائق الجسمانية والروحانية ، فجمعت حكمة المحمديين عليهم السّلام بين تنزيه في عين تشبيه ، وتشبيه في عين تنزيه في قوله : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " ، فأثبت المثل ونفى المثليّة عن المثل ، وهو السميع البصير ، فأتى بما يشتركه في العبيد عرفا ، ونزّه أن يكون معه غيره في ذلك ، فوضع هويّته موضوعة ، وحمل عليها السميع والبصير محمولا ، فلو كانت دعوة نوح عليه السّلام جامعة كذلك ، لأجابوه ظاهرا وباطنا ، قولا وفعلا ، ولكن لمّا كانت غير جامعة ، كانت الإجابة في صورة الصدّ والردّ والإنكار ، وعلى وجه النفار والفرار .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : ( فعلم العلماء باللَّه ما أشار إليه نوح في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم ) فإن العزيز الجليل لما تعزز بجلاله ، وأقام أهل الذل والتأخير في مرتبة خير من مراتب جميع الوجود كان هو المانع عن تقدمهم ، فيكون العالم باللَّه الهادي بهدايته يذمهم بلسان الاسم الهادي بذم هو عين الثناء والمدح بلسان التوحيد ، لعلمه بأن إجابتهم الداعي إلى المقام الأعلى ومقام الجمال والتقدم لا تكون إلا هذه الصنعة.
وكلما كان المدعو أصلب في دينه وأشد إباء الداعي إلى ضد مقامه كان أشد طاعة وقبولا لأمر ربه وحكمه حتى إن إباء إبليس عن السجود وعصيانه واستكباره بحسب ظاهر الأمر عين سجوده وطاعته وخدمته وتواضعه لربه باعتبار الإرادة ، فإن العزيز الجليل أقامه في حجاب العزة والجلال ذليلا محجوبا حتى يكون إبليس .
فلم يكن له بد من موافقة مراده لذلك أقسم بعزته ، فإن الإغواء مقتضى العزة والاحتجاب بحجب الجلال ( وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان ) أي التفصيل وترك شق من الوجود إلى شق آخر ، أي من صورة الكثرة إلى الوحدة ، ومن اسم المذل إلى المعز ، ومن المفضل إلى الهادي ( والأمر قرآن ) أي الأمر الإلهي ( لا فرقان ) أي والأمر الإلهي جامع شامل للمراتب كلها ، فللذئب دين وللغنم ، وكل يدين بدينه مطيع لربه مسبح له بحمده .
قوله ( ومن أقيم في القرآن ) أي في الجمع ( لا يصغى إلى الفرقان ) أي التفصيل (وإن كان فيه) أي وإن كان الفرقان في القرآن ( فإن القرآن يتضمن الفرقان ، والفرقان لا يتضمن القرآن ) أي فإن تفاصيل المراتب والأسماء المقتضية لها موجودة في الجمع والجمع لا يوجد في التفاصيل ، أو وإن كان الذي أقيم في القرآن ولا يصغى في الفرقان في عين الفرقان فإن التفاصيل موجودة في الجمع ، وأهل كل مرتبة في مراتب التفصيل أهل تفرقة فرقانية في عين الجمع كقوم نوح فإنهم أهل الحجاب وعباد الكثرات ، لا يجيبون إلى التوحيد وتنزيه التجريد .
ومن كان مرتبته الجمع كنوح عليه السلام يطلع على مراتبهم ويعذر الكل ، ويعلم أن إنكارهم عين الإقرار وفرارهم عين الإجابة ، كما قال على كرم الله وجهه : يشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذى الجحود ( ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلَّم ، وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ) أي ولأن القرآن يتضمن الفرقان إنما اختص به محمد عليه الصلاة والسلام وأمته لأنه الخاتم .
فكان جامعا لمقتضيات جميع الأسماء بجمع التنزيه والتشبيه في أمر واحد ، كما قال ( فليس كمثله شيء ، فجمع الأمور في أمر واحد ) وأثبت الفرق في الجمع والجمع في الفرق ، وحكم بأن الواحد كثير باعتبار والكثير واحد بالحقيقة ، ولهذا بعث عليه الصلاة والسلام بالحنيفية السمحة السهلة ، وأما صاحب الفرقان فأمره صعب ودعوته أصعب وأشق ، لأنه إن دعا إلى التنزيه والتوحيد والجمع بدون التفصيل أجابوه بمفهوم قوله : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " . فلا فرق بين الهادي والمضل ولا بين العاصي والمطيع ، بل لا عاصى في هذا الشهود كما أجاب قوم نوح دعوته ، وإن دعا إلى التشبيه والتفصيل أجابوه بمثل قول قوم موسى " أَرِنَا الله جَهْرَةً " - وقولهم – " اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ " - لأن الداعي في شق والمدعو في شق ، فكل يرجع جانبه ويخالف عن سمته إلى ما يقابله ، بخلاف من جمع بين الجمع والتفصيل والتشبيه والتنزيه .
( فلو أن نوحا عليه السلام يأتى بمثل هذه الآية لفظا لأجابوه ، فإنه شبه ونزه في آية واحدة بل في نصف آية ) أي كانت دعوة نوح عليه السلام إلى التنزيه المحض ، لكون قومه محتجبين بعبادة الأصنام لتأدية دعوة الأنبياء السالفة إلى نفى الكثرة الأسمائية المؤدية إلى ذلك ، فنفروا عن ذلك نفور الضد عن الضد .
فلو جمع بين التنزيه والتشبيه كما ذكر في الآية لأجابوه لوجود المناسبة

.
يتبع الفقرة التاسعة الجزء الثاني


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:56 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 18:08 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة التاسعة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله
الفقرة التاسعة : الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم".
أي، علم الراسخون في العلم بالله وأسمائه وصفاته الذين هم أصحاب الكشف والشهود، معنى ما أشار إليه نوح، عليه السلام، في حق قومه سرا بلسان الذم من حيث صورة الشريعة، وهو الثناء عليهم في الحقيقة.
وذلك لأنهم قبلوا دعوته بالفعل لا بالقول: فإنه دعاهم إلى الاسم الظاهر، وهو عالم الملك، ثم إلى الاسم الباطن، وهو عالم الملكوت، ثم إلى الفناء في الله، ذاتا ووجودا وصفة وفعلا، كما مر تقريره آنفا، ولم يف استعدادهم بالترقي إلى هذا الكمال، فسدوا آذانهم من إجابة دعوته مكرا منهم وحيلة ليدعو عليهم بظهور الحق بالتجلي الذاتي بصفة القهارية، فيحصل لهم الكمال المدعو إليه بلسان نبيهم بإجابة دعائه.
فدعا عليهم وأوصلهم بكمالهم رحمة منه عليهم في صورة النقمة. كما يشاهد اليوم فيمن ابتلي بامر منهي لا يقدر على استخلاص نفسه من تلك الخصلة الذميمة، ويحصل له الملامة بسببها كل حين، أنه يطلب من الحاكم إفناء نفسه بلسان قاله وحاله ليخلصه منها. وهذا حال العارفين منأمته.
وأما حال المؤمنين المحجوبين منهم والكافرين به فأيضا كذلك، وإن لم يعرفوا ذلك. فإن كل أحد له كمال يليق باستعداده.
والنبي رحمة من الله إلى أمته يوصل كلا منهم إلى كماله، لذلك دعا عليهم جملة.
والشيخ رضي الله عنه  نزل الآيات كلها بما يليق بحال الكمل المهديين منهم، لأنهم هم الأناسي في الحقيقة لا غير.
(وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان.) أي، وعلم نوح، عليه السلام، أنهم إنما لم يجيبوا دعوته بالقول لما فيها من الفرقان، أي بين الحق والخلق الذي هو المظاهر، أو بين التشبيه والتنزيه.
والكمال التام القرآن، أي الجمع بينهما، لأنه مأخوذ من (القرء) وهو الجمع.
وليس ذلك مقامه، وإلا كان الواجب عليه أن يأتي بالقرآن الجامع بين التشبيه والتنزيه ليؤمنوا به وبربه، إذ السعي والاجتهاد على الأنبياء، بكلما يقدرونه ،واجب عليهم.
ويجوز أن يكون (علم) بتشديد اللام، من (التعليم) عطفا على (أشار).
أي، أشار بهذا القول: وعلم العلماء أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لإتيانه بالفرقان.
(ومن أقيم في القرآن لا يصغى إلى الفرقان) أي، ومن أقيم في مقام الجمع بين التشبيه والتنزيه، كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لا يصغى إلى قول من يقول بالفرقان المحض كالمنزه وحده، كنوح عليه السلام، والمشبه وحده ، كقومه.
فمن يكون قائلا بالشق الآخر من الفرقان، وهو التشبيه، فهو بالطريق الأولى أن لا يصغى إلى قول من يقول بالتنزيه المحض فقط.
ومن أقيم في مقام الجمع الذي هو حق بلا خلق، كالمجذوبين والموحدين الصرفة، لا يقدر على إصغاء مرتبة الفرق بين الحق والخلق وبين التنزيه والتشبيه، كما يقدر على إصغائه الكامل، فإنه يرى الخلق في مقامه، والحق في مقامه، ويجمع بينهما في كل من المقامين، كذلك في التشبيه والتنزيه.
(وإن كان فيه، فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.)
(إن) للمبالغة. أي، وإن كان الفرقان حاصلا في القرآن. فإن القرآن لكونه مقام الجمع يتضمن الفرقان، وهو مقام التفصيل، فيجمع صاحبه بينهما. فما يحكم عليه الفرقان، من التشبيه والتنزيه، أجزاء لمقام القرآن دون العكس.
ويجوز أن يعود ضمير (كان) إلى (من). أي، وإن كان من أقيم في القرآن ومقام الجمع هو في حين الفرقان، لأنه محجوب بالحق عن الخلق، وبالجمع عن الفرق، (ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة التي هي "خير أمة أخرجت للناس".) أي، ولكون المقام القرآني الجمعي بين مقامي التنزيه والتشبيه أكمل من مقام كل منهما، ما اختص به إلا محمد، صلى الله عليه وسلم، لأنه مظهر الاسم الأعظم الجامع للأسماء، فله مقام الجمع وبتبعيته لأمته التي هي خير أمة.
(فليس كمثله، فجمع الأمر في أمر واحد).
(فجمع) يجوز أن يكون مبنيا للمفعول، أي، اختص محمد، صلى الله عليه وسلم، بهذا المقام. فذكر فيما أنزل إليه: (ليس كمثله شئ) فجمع بين مقامي التنزيه والتشبيه في كلام واحد. ويجوز أن يكون مبنيا للفاعل.
فمعناه: اختص محمد، صلى الله عليه وسلم ،بمقام الجمع، فجاء بقوله تعالى: (ليس كمثله شئ) فجمع بين المقامين.
فمقامه جامع بين الوحدة والكثرة، والجمع والتفصيل، و التنزيه والتشبيه، بل جميع المقامات الأسمائية، لذلك نطق القرآن المجيد بكلها.
(فلو أن نوحا، عليه السلام، أتى بمثل هذه الآية لفظا، أجابوه).
أي، بمثل قوله تعالى: (ليس كمثله شئ). (فإنه) أي فإن النبي، صلى الله عليه وسلم.
(شبه ونزه في آية واحدة بل في نصف آية).
الآية هي: (ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير). ونصفها: (ليس كمثله شئ). والنصف الآخر: "و هو السميع البصير". فإن في كل من النصفين تشبيها وتنزيها، كما مر بيانه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : "فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد."
فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من إجابة دعوته. (فعلم العلماء بالله) الواقفون على تأثيرات الدعوات في التعريف بقدر جمعیتها.
والتغير بقدر نوريتها (ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم) حيث علموا وجوب إجابة دعوته لما فيها من الجمعية الحقيقية (بلسان الذم) حيث لم ينقادوا لما علموا وجوبه، بل اتبعوا نفوسهم الأمارة، فاقتصروا على ما فيها من التفرقة بحسب اللفظ.
(وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته) بالقول فيه إشارة إلى أن معرفة أرواحهم وجوب إجابته، إجابة من وجه، بل من كل وجه لو لم يعقبهم ظلمات نفوسهم الأمارة التي أقرتها باقتصار النظر في اللفظ المفرق (لما فيها من الفرقان)، أي: ذكر التشبيه بلفظ والتنزيه بآخر، وكذا ذكر الظاهر بلفظ، والباطن بآخر فلم تتم نوریتها بحيث تجذب أرواحهم جدا قويا إلى ما فاضت هي منه من الحضرة الإلهية.
( والأمر) أي: الذي منه فيض أرواحهم (قرآن) جامع بين حضرة الوجوب، وهي حضرة التنزيه والبطون، وبين حضرة الإمكان، وهي حضرة التشبيه والظهور من غير افتراق بينهما، كما قال: (لا فرقان) فلو دعا بطريق القرآن لأثرت دعوته في رفع الحجب الظلمانية من كل وجه، فانجذبت أرواحهم إلى مقارها الأصلية، وتركت متابعة النفوس الأمارة، فلما دعا بطريق الفرقان بقیت الحجب.
وذلك لأن (من أقيم) أي: كان مقيما في الأصل (في القرآن)، وهي الأرواح قبل التعلق بالأشباح (لا يصغي إلى الفرقان) إصغاء ينجذب به لا محالة إلى مقره الأصلي، إلا إذا كان ممن سفل من رؤية التفرقة إلى رؤية الجمع، وإليه الإشارة بقوله: (ولو كان) أي: الفرقان المدعو إليه في دعوة نوح بحسب اللفظ (فيه) أي: في القرآن إذ كل كثرة ترجع إلى الوحدة فلو كانت أرواحهم كاملة لرجعت إلى القرآن عند رؤية هذا الفرقان (فإن القرآن يتضمن الفرقان)، فإن النظر إلى الأجزاء المتفرقة مفرق عن النظر إلى الهيئة المجموعية، إلا في حق الكمل الذين لا يحجبهم شيء عن شيء.
(ولهذا) أي: ولكون القرآن متضمنا للفرقان شاملا على أجزائه جامعا للمعارف (ما اختص بالقرآن) أي: الدعوة الجامعة بين التنزيه والتشبيه (إلا) من كانت نبوته جامعة الأسرار النبوة، وولايته الأسرار الولاية (محمد ، وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس)، وإذا كان القرآن مخصوصا بمحمد ، وهذه الأمة (وليس کمثله" [الشورى: 11]) أي: مثل محمد وأمته ("شيء" [الشورى:11]) في كمال النبوة والولاية وجمعيتهما، ولما كملت جمعيتهم إلى هذا الحد.
(فجمع الأمرين) أي: الأمر معارف من تقدم من الأنبياء والأولياء ""أي أمر التنزيه والتشبيه"" (في أمر واحد) جاء فيه بالتفرقة باعتبار، والجمعية بأخر فهذا اقتباس لطيف وإيهام بديع، وإذا كانت إجابة الأرواح المحتجبة بالحجب الكثيفة الظلمانية مختصة بالقرآن الجاذب بنوریته لها إلى مقارها، بحيث تتبعها النفوس الأمارة بالقسر.
قال رضي الله عنه : (فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : (فلو أن نوحا عليه السلام أتي بمثل هذه الآية لفظا)، وفيه إشارة إلى أنه جاء بهذه المعرفة معنی وحقيقة؛ ولكن كان لفظه قاصرا عنها موهما للتفرقة، (لأجابوه) بغلبة نورانیتها على ظلماتهم، إذ للجمعية نورهم عظيم، سيما إذا كانت جامعة للجمعية والتفرقة جميعا.
والآية كذلك (فإنه) أي: مثل هذه الآية (شبه) بقوله: ("وهو السميع البصير" [الإسراء: 1])، (ونزه) بقوله: "ليس كمثله شيء" [الشورى:11] ففيه تفرقة من وجه وإن كان (في آية واحدة).
ثم أشار إلى وجه الجمع بقوله: (بل في نصف آية)، وهو قوله: "ليس كمثله شيء" [الشورى:11]، إذ فيه نفي المثل وإثباته، وكذا في قوله: "وهو السميع البصير" [الإسراء: 1]، إثبات التشبيه ونفيه.




شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.  فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعلم العلماء باللَّه ما أشار إليه نوح في حقّ قومه من الثناء عليهم بلسان الذمّ ) في مقابلة ما صدر عنهم من إجابة دعوته في صورة الإباء والاستكبار ، والقيام بما يجب عليهم من عين العصيان والإصرار .
وأمثال هذه الإشارات إنّما يفهمها العلماء باللَّه ، ممن له ذوق المشرب الختميّ الإحاطيّ ، حتّى يعرف شرب كلّ من الأنبياء من ذلك المجمع المعتنق للأطراف ، وقدر ما لكلّ منهم من الدخل فيه ، فهذا دخل نوح فيه .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وعلم) أيضا أولئك العلماء ( أنّهم إنما لم يجيبوا دعوته ) بلسان التلقّي والإقبال على ما هو المفهوم من لفظ الإجابة مطلقا ( لما فيها من الفرقان ) على ما هو مقتضى بعثته من الستر والإخفاء ، الذي عليه قهرمان زمانه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والأمر ) في نفسه وبحسب الكمال الإنسانيّ الذي جبّل عليه حقيقته ( قرآن ) ضرورة أنّه الكون الجامع المتّصف بالوجود ، وهو إنّما يقتضي الوحدة الجمعيّة القرآنيّة ، إذ لا كثرة في الوجود و ( لا فرقان ) فيه أصلا ، فإنّه إنّما يقتضيه العدم ضرورة أنّه كونيّ .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن أقيم ) بحسب حقيقته الأصليّة ( في القرآن ) ويكون موطنه هناك ( لا يصغي إلى الفرقان ، وإن كان فيه ) بحسب نشأتها الطارية عليها في كلمته الظاهرة في ذلك الزمان ، وذلك هو الذي أوقع كلمته هناك بحسب تطوّراته الاستيداعيّة .
وذلك وإن كان لسانه المفصح عنه ولكن ما طلب فهمه ، إلَّا مقتضى حقيقته الأصليّة فلذلك ما أصغى إلى الفرقان لعدم دلالته على القرآن .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّ القرآن ) الجمعيّ الوجوديّ ( يتضمّن الفرقان ) الفرقيّ الكونيّ ، ضرورة أنّ الجمع يستوعب جميع ما في التفرقة من الأفراد ، مع الهيئة الجمعيّة التي ليس فيها شيء من ذلك ، فله دلالة عليه بالتضمّن ( والفرقان ) الفرقىّ ( لا يتضمّن القرآن ) الجمعيّ ولا دلالة عليه أصلا ، فلذلك ما أصغي إليه فظهر أنّ صاحب الجمعيّة هو القرآن ، فيكون القرآن أكمل من الفرقان .
وهاهنا تلويح له مزيد دخل في تبيين هذا الكلام وتحقيقه ، وهو أنّ الألف والنون - على أيّ ترتيب كان إذا كان تامّ الدلالة يدلّ على النفس والذات ، التي هي مبدأ ظهور الوجود ومصدر إظهار العلم ، الذي مظهره الكلام لا غير ، والذي يصلح لظهور ذلك فيه من الكائنات الإنسان ، وما يظهره من جوارحه أعني اللسان والبنان .
ثمّ إنّ الإنسان مشتمل عليها ظاهرا وباطنا : أمّا باطنا فلأنّ حقيقته هي البرزخ بين العلم والوجود ، وأمّا ظاهرا فلأنّ صورته كونيّة وجوديّة ، فهي مشتملة عليهما كما سبق بيانه ، ولذلك تراه محفوفا بهما  .
وأمّا البنان والبيان : وإن كان بحسب المعنى والبطون لهما الإحاطة بالعلم والوجود بسائر مراتبهما ، لكن صورتهما كونيّة صرفة ، فلذلك تراهما متأخّرين فيهما وفي الفرقان والقرآن ، اللذين بهما تمّ صور تنوّعاتهما .
ثمّ إنّ القرآن له خصوصيّة إلى الكمال الإنساني ، وهي أنّه إذا حوسب عقدا ما يمتاز به عن الإنسان ونسب إلى ما به يمتاز الإنسان عنه يكون ذلك نسبة النصفيّة التي هي أخصّ نسبة بالجمعيّة ، وذلك لأنّ النصف هو البرزخ الجامع وأمّا الفرقان فإذا حوسب كذلك يكون ذلك النسبة هو الثلثية ، التي هي التفرقة الصرفة .
وإذ قد عرفت إنّ الرسل إنّما أرسلت بلسان قومهم ، وهو ما ظهر عليهم في طيّ نشأتهم الطارية على أصلهم ، ليتدرّجوا بها إلى فهم القرآن الكماليّ الذي هو كمال آدم بحسب حقيقته الإنسانيّة ، ظهر لك أنّ صاحب القرآن لا يكون إلَّا خاتما .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا ما اختصّ بالقرآن إلَّا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ) الذي به تمّ دائرة الكمال الإنساني ، وبتلك النقطة حصل لها الصورة الجمعيّة الوحدانيّة وجودا وشهودا ، ظهورا وإظهارا ، شعورا وإشعارا وذلك لأنّ سائر الأنبياء لهم العلم بالجمعيّة القرآنيّة ، فلهم الظهور به ، ولكن أمر إظهاره متوقّف على أنّ أمم زمانه مستعدّون لأن يكونوا امّة الخاتم ، وإليه أشار بقوله رضي الله عنه: ( وهذه الامّة التي هي خير امّة أخرجت للناس ) بميامن مناسبتهم له وحسن تأسّيهم به .
ومن التلويحات التي لها كثير دخل ها هنا أنّ للإنسان من العقود ، التسعة المتّسعة للكلّ ، وأمّا محمد فقد اشتمل عليها بزيادة اثنين : أحدهما إشارة إلى كماله ، والآخر إلى ختمه ، ولا يخفى على الفطن أنّ العقد الإنسانيّ بضم هذا الواحد الكماليّ إليه قد بلغ إلى ما يرجع إلى الواحد الجامع بين الوحدة والكثرة ، فمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم هو الواحد الجامع إنسانا وبيانا ، ظهورا وإظهارا ، فهو المثل الذي لا يمكن مثله .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فليس كمثله شيء ، فجمع الأمر في أمر واحد ) لأنّه قد أدرج كلَّا من المتقابلين في الآخر ، والأمر لا يخلو منهما فجمع الكل في واحد .
وأمّا نوح : وإن كان له أيضا ذلك العقد الكامل رسالة ونبوّة ولكن ما ظهر في « محمد » من الزيادة الختميّة قد تبطَّن فيه منفصلا ، وما ظهر فيه من الكثرة الفرقيّة تبطن في « محمد » متوصّلا مجتمعا ، ولذلك ما كان له أن يظهر مثل ذلك الإظهار ، ولا أن يأتي بيانا تامّا وكلمة جامعة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلو أنّ نوحا أتى بمثل هذه الآية لفظا أجابوه ) وفي قوله : « لفظا » إشعار بما سبق من أنّ الرسل ما يظهرون الحقائق في صورة الألفاظ ذات الإنباء إلَّا مطابقين للسان أممهم الظاهرة به ، فلذلك ما أتى نوح بالقرآن لفظا ، وأتى به محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّه شبّه ونزّه في آية واحدة ، بل في نصف آية ) على ما سبق بيانه   .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن. ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد. فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.)
قال رضي الله عنه : (فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،)
قال رضي الله عنه : (فعلم العلماء بالله) وأسمائه وصفاته أو العلماء به لا لأنفسهم (ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم) معنی (لسان الذم) صورة .وعلموا، أي العلماء بالله . وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه (وعلم) باعتبار كل واحد هو عطف على قوله : علم العلماء عطف تفسير فإن فيه الثناء عليهم بلسان الذم
(أنهم)، أي قوم نوح عليه السلام (إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان) بين التنزيه والتشبيه فتارة دعاهم إلى التنزيه وتارة دعاهم إلى التشبيه ولم يجمع بينهما. (والأمر) في نفسه (قرآن) وجمع بينهما فإن التنزية إنما هو باعتبار الاسم الباطن والتشبيه باعتبار الاسم الظاهر وهو سبحانه باطن في غير ظاهريته وظاهر في عين باطنيته (لا فرقان) وتمييز بينهما.
قال رضي الله عنه : (و علم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان و الفرقان لا يتضمن القرآن. و لهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه و سلم و هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. فـ « ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.).
(وعلم) باعتبار كل واحد هو عطف على قوله : علم العلماء عطف تفسير فإن فيه الثناء عليهم بلسان الذم (أنهم)، أي قوم نوح عليه السلام (إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان) بين التنزيه والتشبيه فتارة دعاهم إلى التنزيه وتارة دعاهم إلى التشبيه ولم يجمع بينهما. (والأمر) في نفسه (قرآن) وجمع بينهما فإن التنزية إنما هو باعتبار الاسم الباطن والتشبيه باعتبار الاسم الظاهر وهو سبحانه باطن في غير ظاهريته وظاهر في "عين باطنيته " (لا فرقان) وتمييز بينهما.
(ومن أقيم في القرآن) والجمع بين التشبيه والتنزيه وإن كانت تلك الإقامة بحسب الفطرة الأصلية المعتبرة بالأمور العادية كما كانت لقوم نوح عليه السلام فإن كل من له جهة روحانية وجهة جسمانية فهو ممن أقيم بحسب فطرته الأصلية في القرآن وإن غلبت عليه إحدى الجهتين .
(لا يصغي إلى الفرقان) ولا يقبله بحسب فطرته الأصلية (وإن كان)، أي المقيم في القرأن بحسب فطرته (فيه)، أي في الفرقان بحسب الأمور العادية الخارجية عن فطرته فان ما بالذات لا يزول بالعرض، وإنما لا يصغي إلى الفرقان.
(فإن القرآن يتضمن الفرقان)، فإن الجزء لا يتضمن الكل فالقرآن أكمل من الفرقان و من الفطرة السليمة الإنسانية، لا يميل إلى المفضول مع وجود الفاضل.
فعلم من ذلك أن فرار قوم نوح و تصاممهم عن دعوته إلى الفرقان إنما كان لكونهم مقيمين بحسب فطرتهم وإن لم يشعروا بذلك في القرآن فذكروا فرارهم وتصاممهم، وإن كان بحسب الظاهر ذما لهم، فهو بحسب الحقيقة ثناء عليهم.
(ولهذا)، أي لكون القرآن أكمل من الفرقان (ما اختص بالقرآن) وما فاز به (إلا محمد صلى الله عليه وسلم ) بالأصالة (وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ) [آل عمران : 110] بالمتابعة .
والمراد بالقرآن الذي اختص به محمد صلى الله عليه وسلم وأمته إنما هو الحقيقة السوائية الاعتدالية الجامعة بين التنزيه والتشبيه وسائر المتقابلات بحيث لا يغلب أحد المتقابلين على الآخر في مرتبة من المراتب.
لأن مجرد الجمعية الفطرية المذكورة آنفا ، فإنها مشتركة بين جميع الأفراد الإنسانية (فقال "ليس كمثله شيء" [الشورى : 11]) .، أي التنزيه "ليس كمثله، شيء".
إلى آخره (فجمع الأمرين)، أي أمر التنزيه والتشبيه (في أمر واحد)، أي آية واحدة وهي مجموع تلك الآية أو كلام واحد وهو كل واحد من نصفيها وقوله بجميع الأمر. هكذا وقع في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه ويوافقه نسخة شرح الجندي رحمه الله .
وفي بعض النسخ فجمع بصيغة الماضي مصدرة بالفاء مبنية للفاعل أو المفعول ويوافقه نسخة شرح القيصري، أي فيما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم قوله : "ليس كمثله - شيء " إلى آخره فجمع فيه أمر التنزيه والتشبيه في آية واحدة أو كل من جزئيها .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:44 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 18:10 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة العاشرة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة العاشرة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : "ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل."
قال رضي الله عنع : ونوح عليه السلام (دعا قومه) إلى توحيد الله تعالى كما قال ("ليلا ") وهو ما غاب عنهم (من) حيث عالم (عقولهم) الفطرية (وروحانيتهم) الأمرية (فإنها)، أي عقولهم المذكورة وروحانيتهم (غيب) عنهم بحيث لا يشعرون بما تدریه وهو يدعوهم من هذه الحيثية بباطن کلامه (ونهارا دعاهم أيضا) وهو ما حضر عندهم وظهر لهم (من حيث ظاهر صورهم) النفسانية التي يعرفونها.
(وجثثهم) الجسمانية التي يشهدونها وهو يدعوهم من هذه الحيثية بظاهر کلامه (وما جمع) لهم (في الدعوة) بين الظاهر والباطن (بالتشبيه والتنزيه مثل) قوله تعالى ("ليس كمثله شيء")  [الشورى: 11] .
الجامع بين الظاهر وهو المثل المثبت والباطن هو الشيء الذي هو مثل المثل المنفي، والتشبيه بالأول والتنزيه بالثاني.
(فنفرت بواطنهم)، أي بواطن قوم نوح (لهذا الفرقان)، أي التمييز والتفصيل الذي جاءهم به، فإنهم دعاهم إلى التنزيه وحده من حيث عقولهم وإلى التشبيه أيضا وحده من حيث صورهم وأجسامهم.
ولم يجمع لهم بين الشيئين معا كما جمع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، فإن بعض الحق وحده إذا قرر وجدته النفوس نقصانا.
والحق الناقص ليس بحق، وهذا سبب نفور البواطن، فلو ذكر كله جملة أقبلت عليه، لأن عندها بعضه فتستأنس بما عندها فيما ليس عندها (فزادهم فرار) بكثرة دعوته إلى فرقانه و تکرار نفورهم من تفصيله وبيانه .
(ثم قال) نوح عليه السلام (عن نفسه دعاهم)، أي قومه (ليغفر)، أي ليستر الله تعالى (لهم) ما ظهر من التشبيه الذي هو بعض الحق (لا ليكشف) الله تعالى (لهم) ما ستر عنهم من التنزيه الذي هو بقية الحق الذي عندهم (وفهموا)، أي من حيث عقولهم الفطرية وروحانيتهم الأمرية لا من حيث عقولهم الخلقية وروحانيتهم الحيوانية (ذلك).
أي طلب الستر لهم عما كشف لهم من بعض الحق (منه)، أي من نوح عليه السلام (لذلك)، أي لأجل ما ذكر (وجعلوا أضيعه في آذانهم ) [نوح: 7].
حتى لا يسمعوا منه دعوة ترك بعض الحق الذي هم فيه من حيث أن ذلك كفر منهم ( استشواه)، أي طلبوا أن يكون غشاهم أي سترتهم عنه (ثيابهم) التي يلبسونها .
وهذه الأفعال التي صدرت منهم (كلها) هي (صورة الستر التي دعاهم إليها)، أي لأجلها كما قال :"لتغفر لهم".
أي لتسترهم (فأجابوا) هم من حيث ظهور الحقيقة الإلهية بهم وإن كانوا لا يشعرون (دعوته)، التي هي طلب المغفرة من الحق تعالی بهم (بالفعل) كما هو أبلغ إجابة من الحق تعالى لدعاء عبده فسترهم بأصابعهم و بثيابهم (لا بلبيك) التي هي إجابة من الحق تعالى لكل دعاء في العموم.
(ففي) قوله تعالى في دعوة نبينا محمد لأمته: (وليس كمثله، شيء ) [الشورى : 11] على زيادة الكاف، أي ليس مثله شيء أو على أصالتها، أي ليس مثل مثله شيء ومثل مثله (إثبات المثل) مفروضة في الأول ثم منفية وبلا نفي في الثاني
(ونفيه)، أي نفي المثل المفروض أولا والمنفي مثله ثانية، لأن نفي المثل نفي لمثله أيضا، ففي هذه الآية تشبیه وتنزيه معا وهو الكمال في الدعوة إلى التوحيد (ولهذا قال) نبينا (صلى الله عليه وسلم عن نفسه)، فيما ورد عنه في الحديث (أنه أوتي)، أي آتاه الله تعالی
(جوامع الكلم)، أي الكلمات الجوامع فكل كلمة من كلماته صلى الله عليه وسلم جامعة لعلوم كثيرة وأسرار غزيرة وإن حصرت علماء الرسوم جوامع الكلم في أحاديث مخصوصة فهو من القصور.
فإن كل حديث للنبي صلى الله عليه وسلم جامع للمعاني الكثيرة يعرف هذا أهل المعرفة الإلهية من غير ارتياب (فما دعا) نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا) أي غيبة على حدة (ونهارا) أي شهادة على حدة (بل دعاهم) صلى الله عليه وسلم ("ليلا")، أي غيبة والمراد تنزيهة في نهار)، أي شهادة .
والمراد في تشبيه (ونهارا)، أي شهادة وتشبيها (في ليل)، أي في غيب و تنزيه فجاء نبينا صلى الله عليه وسلم بالآيات والأحاديث المشتملة على التنزيه في التشبيه والتشبيه في التنزيه .
يعرف هذا أهل المعرفة الإلهية المتبحرون في الكشف عن معاني الكتاب والسنة دون القاصرين من علماء الرسوم.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (ونوح دعا قومه ليلا) إلى التنزيه (من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها) أي العقول (غيب) لا يكون الدعوة إلى مقام التنزيه إلا بها .
(ونهارا) إلى مقام التشبيه (دعاهم أيضا من حيث صورهم وجثثهم) فإنها ظاهر موجب للتشبيه (وما جمع في الدعوة بينهما مثل "ليس كمثله، شيء" فنفرت بواطنهم) أي عقولهم وقلوبهم .
(بهذا الفرقان) و لخشونة طبعهم المانعة للإجابة (فزادهم فرارا) فظهر الفرق بين المقام المحمدية والنوعية .
لأن دعوة محمد عليه السلام علة تامة مؤثرة موجبة للإجابة وأما دعوة نوح عليه السلام فليست علة تامة مؤثرة بل هي جزء من علة مؤثرة .
لذلك أسند الشيخ عدم إجابتهم ونفرتهم إليها فكان نوح على النصف من الدعوة .
لذلك لم يؤثروكم بين دعوة محمد صلى الله عليه وسلم  ودعوة نوح عليه السلام. فالمقصود بيان تفاوت المراتب فمقام نوح عليه السلام مرتبة من المراتب الإلهية ومر التنزيه يظهر منه الأحكام الإلهية بمقتضى مرتبة من غير نقص منها ولا زيادة عليها .
على أن الزيادة نقص .فعدم الجمع كمال بالنسبة إليه .والجمع نقص بالنسبة إلى مرتبته ومقامه. وهو تفضيل التنزيه إذ لا تفضيل في الجمع .
فلو أتي بالجمع فقد نقص عن مقامه لعدم إتيانه بالتنزيه على وجه التفضيل كما أن محمد عليه السلام لو لم يأت بالجمع لنزل عن درجته .
فمعنى قوله لو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه أي لو كان مرتبة نوح عليه السلام مقام الجمع لأجابوه فزال توهم النقص .
العقول الضعيفة فلو جاء محمد صلى الله عليه وسلم في زمن نوح وغيره من الأنبياء عليه السلام لأجاب قوم هذا الزمان لجمعه بين الدعوتين.
(ثم قال عن نفسه) أي ثم أخبر عن دعوته قومه (أنه دعاهم ليغفر لهم) أي ليستر لهم الحق حقيقة الأمر (لا ليكشف لهم وفهموا ذلك منه) أي قصد نوح عليه السلام من دعوته.
(فذلك) أي لأجل فهمهم معنى الدعوة (جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وهذه كلها صورة السر التي دعاهم إليها) هذا هو المعنى الذي يفهمه الخواص (فاجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك ففي " ليس كمثله شيء" إثبات المثل ونفيه) عند أهل الله تعالى لأن وجود المماثل عندهم اشتراك الغير في وصفه تعالى فكان الكاف حينئذ عندهم على تقدير عدم الزيادة لإثبات المثل في صفة لا لغيره .
وما هذا إلا وهو بعينه مذهب أهل الشرع لذلك أورد الدليل عليه بقوله : (وبهذا) أي بسبب كون إثبات المثل ونفيه في " ليس كمثله شيء". (قال) أي أخبر (عن نفسه) عليه السلام (أنه) أي الرسول (أوتي جوامع الكلم) وهو قوله: "أوتيت جوامع الكلم" يعني ما أنزل الله تعالى علي في حق نفسه أية بل نصف آية إلا وهي جامعة بين التنزيه والتشبيه .
ومن جملتها قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى : 11 . فإذا أوتي جوامع الکلم (فما دعا محمد عليه السلام قومه ليلا ونهارا) أي تفريقا بين الجمع (بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل) . أي دعاهم بالجمع بين الدعوتين.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلملذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
و نوح، عليه السلام، دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل "ليس كمثله شيء" فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إذ دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم، لذلك "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" (نوح: 7) وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي "ليس كمثله شیء" إثبات المثل و نفيه، وبهذا قال عن نفسه، صلى الله عليه وسلم، إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم، قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.
فقال نوح في حكمته لقومه: " يرسل السماء عليكم مدرارا" (نوح: 11) وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، و يمددكم بأمواله أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه.
فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم.
وولده وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة، بعيد عن نتائج الفكر. "إلا خسارا"(الإسراء: 82) . "فما ربحت تجارتهم" (البقرة: 16) فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم، وهو في المحمديين
"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (الحديد: 7) وفي نوح "ألا تتخذوا من دوني وكيلا". آية 2 الإسراء.
قال:  ولذلك أوتي، عليه السلام، جوامع الكلم وكذلك ورثته. وتعني بالحكم ما وافق لفظه معناه من غير خلل.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : « ونوح عليه السّلام دعا قومه ليلا ونهارا من حيث عقولهم وروحانيتهم ، فإنّها غيب ، ودعاهم أيضا ظاهرا صورهم وجثّتهم ، وما جمع في الدعوة مثل « ليس كمثله شيء » فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادتهم فرارا » .
قال العبد الغيب غيبان : حقيقي وإضافي .
والغيب الإضافي عالم الأمر والإبداع ومن الأرواح والعقول والنفوس ، ودعوة نوح من هذه الحيثيّة إلى ما تقتضيه النزاهة والقدس والتوحيد والتجريد وموجبات الانسلاخ عن الكدورات البشرية العنصرية والأوساخ .
فهي ليل من وجه باعتبار أنّ الحجب فيها متراكمة ، وأحكام الإمكان كظلمات مدلهمّة ، وعالم الإبداع والأمر أيضا ليل من وجه آخر من كونه غيبا بالنسبة والإضافة إلينا ، ونهار باعتبار أنّه أوّل مراتب الظهور والشهادة بالنسبة إلى الغيب الحقيقي وعالم المعاني .
ثمّ النهار بالاعتبار الحقيقي هو عالم الظهور التامّ والملك والشهادة ، ودعوتهم نهارا إنّما تكون بلسان عالم الشهادة بحكمه إحكام أحكام المصالح الجسمانية ، والاهتمام بإقامة إلهام الصورية المعيشية . وكانت دعوة نوح أوّلا على الوجه الأوّل ، وثانيا على الوجه الثاني ، ولم تكن بلسان الجمع بين الدعوتين في الحالين ، كما مرّ ، فوقعت منهم الإجابة كالدعوة بالفرق فعلا وقولا في صورة الردّ ، فتذكَّر وتدبّر .
قال سلام الله عليه : " ثمّ قال عن نفسه : إنّه دعاهم ليغفر لهم ، لا ليكشف لهم ، وفهموا ذلك منه عليه السّلام . لذلك " جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ "
قال العبد : أمّة نوح عليه السّلام ومن شاكلهم من عمرة حجابية عالم الملك والشهادة ، وعبدة صنميّات الصور التعيينية والطواغيت الظاهرة كانوا في ستر وحجاب عن ليالي غيبهم وملكوتهم ، وعن كل دعوة تقتضي تغليب طرف الروحانية والقدس والنزاهة والبساطة العقلية والأسرار الروحانية تعين أنوار نهار الكشف ، وشهود جهار التجلَّي من عالم الشهادة والملك ، مقبلين بوجوههم وقلوبهم على مقتضى الحال ومقام التجلَّي الكلَّي العامّ ، المقتضي لبقاء هذا النظام ، من عمارة موطن الدنيا والقيام بصورة المقام .
ولمّا دعاهم نوح عليه السّلام وغيره من الأنبياء عليهم السّلام ليلا يعني بلسان الغيب إلى الغفران والستر ، فهموا عنه ما يجب عليهم من الإجابة ، ولم يفهموا جلية الأمر على وجه الإصابة ، علموا ما يلزمهم من الإقلاع من الهوى ، والاتّباع للهدى .
ولم يعلموا أنّ الدعوة إلى الكشف المعنوي والنهار الحقيقي العقلي والاطَّلاع على حقائق الوحدة والبساطة ، وذلك هو النهار النوري الذي لا يشوبه كدر الظلمة ، لا كنهارهم الحجابي الذي يشينه السدن والظلمات المدلهمّة ، فإنّ النور فيها ممزوج بالظلم ، وجليّات تجلَّيات الوجود والشهود بها في جلباب صورة تمثّلية من نسب لنسب إلى العدم ، وإنّما كانت دعوتهم كذلك إلى التنزيه والوحدة والبساطة لكل الأمم يخطون بسير الكمال الجمعي والإحاطة و " كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه ِ " والمثل يميل إلى شاكلته.
فلمّا كان مقتضى حقائق الأنبياء الظهور بموجب التجلَّي الخاصّ بأهل الكمال من صور أحديّة الجمع الإنساني النبوي في مرتبة الفرقان الروحاني العقلي النوري ، والدعوة إلى النور والوحدة والنزاهة والجمع ، كذلك مقتضى حقائق الكفرة والمردة والفراعنة الظهور في المقابلة بموجب التجلَّي العامّ في عالم الحجاب والكثرة والفرقان والصدع .
فظهروا بصورة الحجاب والستر ، فوقعت الإجابة بالفعل إلى عين ما دعاهم من السّتر والغفران ، ولكن بصورة الردّ والصدّ والنكران ، والكفر والكفران ، فاستغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم ليستروا عن استماع ندائه ، فلو وقعت الإجابة لدعوته ببواطنهم وعقولهم قولا ، لانقادت ظاهريّاتهم إلى ما استجابت بواطنهم فعلا ، ففازوا
بسرّ من أسرار الجمع ، ولكن غلب عليهم حكم الفرق والصدع ، فلم يفهموا أنّ الدعوة إلى حضرة الكمال والجمع .
قال الشيخ رضي الله عنه : « وهذه كلَّها صورة الستر الذي دعاهم إليه فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبّيك . وفي " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ "  إثبات المثل ونفيه وبهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم عن نفسه : إنّه أوتي جوامع الكلم .
فما دعا محمّد عليه السّلام قومه ليلا ونهارا ، بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل " .
يعني رضي الله عنه : أنّ دعوة من أوتي جوامع الكلم تجمع صيغ كلّ دعوة ، وتشرّع صور أوضاع كلّ شرعة ، يدعوهم جهرا إلى الستر ، وسرّا إلى الجهر في عين سرّ في صورة الجهر ، وجهر في صورة الستر .
وغيبا في الشهادة إلى غيب الأمر إلى التنزيه الحقيقي في عين التشبيه ، وإلى التشبيه في عين التنزيه ، والإثبات في النفي ، والعرف في صورة النكر ، بخلاف دعوة غيره من المرسلين .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : " ونوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب ، ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وجئثهم ، وما جمع في الدعوة مثل – " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ " - فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا " ظاهر مما سلف لأنه تقرير له.
قال رضي الله عنه : " ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، لذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ، وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها ، فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك " .
لأن الكشف إنما يكون لمن غلبت روحانيته ونورانيته بغلبة نور الوحدة والقوة العقلية على ظلمة الكثرة والقوة الحسية وهم أهل الهيئات الظلمانية المحتاجون إلى سترها بالنور القدسي.
فلذلك فهموا من الستر بمقتضى حالهم الستر الصوري ، فأجابوا دعوته في صورة الرد والإنكار بالستر لغلبة حكم الحجاب عليهم وكونهم أهل علتهم وكونهم أهل المعصية المقبلين على عمارة عالم الملك والاحتجاب .
كما قال تعالى :« إنى جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم » فهم مدبرون بالطبع عما دعاهم إليه مقبلون إلى ضد جهته ، فلا تكون إجابتهم إلا في صورة التضاد إجابة فعلية ( ففي – " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ " - إثبات المثل ونفيه . وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلَّم إنه أوتى جوامع الكلم ، فما دعا محمد عليه الصلاة والسلام قومه ليلا ونهارا بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل ) أي في هذه الآية جمع بين التشبيه والتنزيه فهو كالنتيجة لما سبق التقرير له وبهذا الجمع أخبر عن نفسه أنه أوتى جوامع الكلم أي الأسماء الإلهية ومقتضياتها كلها ، فما دعا إلى الظاهر وأحكامه فقط وإلى الباطن وأحكامه ، بل جمع بين الباطن والظاهر بأحدية الجمع باطنا في الظاهر وظاهرا في الباطن ، أي الكل من حيث أنه واحد متجمل فيهما .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم.
فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (و نوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم و روحانيتهم، فإنها غيب، ونهارا دعاهم أيضا، من حيث صورتهم وحسهم) وفي بعض النسخ: (وجثثهم) جمع(الجثة). أي، أبدانهم.
ومعناه: تارة دعاهم من حيث عقولهم المعطية للتنزيه إلى مقام التنزيه، وأخرى من حيث صورهم الموجبة للتشبيه إلى مقام التشبيه.
(وما جمع في الدعوة بينهما مثل "ليس كمثله" فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا). معناه ظاهر، وقد مر تقريره أيضا.
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم قال، عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه، صلى الله عليه وسلم، لذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها، فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك). أي، أخبر عن نفسه كما قال: (إني دعوتهم لتغفر لهم). فدعاهم ليغفر لهم الحق، وما دعاهم ليكشف لهم حقيقة الأمر، والمغفرة، الستر والإخفاء.
فلما فهموا مقصوده ،أجابوا دعوته بمثل ما دعاهم به من الستر، فجعلوا أصابعهم في آذانهم، أي، ما قبلوا دعوته بالسمع والإطاعة بالقول.
واستغشوا ثيابهم، أي، طلبوا الاستتار بثياب وجوداتهم وحجب إنياتهم واستتار صفاتهم، لتظهر غيرة الحق فتفنيهم عن وجوداتهم ويستر في ذاته لذواتهم، واستتروا بالثياب المعهودة لقصور فهمهم عما أشار إليه نوح، أو الاستهزاء به مع فهمهم المقصود.
(ففي "ليس كمثله شيء" إثبات المثل ونفيه. وبهذا قال عن نفسه، صلى الله عليه وسلم، أنه أوتى جوامع الكلم). (أنه) بفتح الهمزة، إذ قال عن نفسه.
معناه: أخبر عن نفسه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فما دعا محمد، صلى الله عليه وسلم، قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار و نهارا في ليل). أي، جمع الله للنبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله: (ليس كمثله شئ) بين الإثبات للمثل وبين نفيه في آية واحدة، بل في نصف آية.
و(بهذا) أي، بسبب هذا الجمع بين التشبيه والتنزيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوتيت جوامع الكلم، أي، جميع الحقائق والمعارف. ولهذا جمع القرآن جميع ما أنزل من المعاني التي في كتب الأنبياء، عليهم السلام.
فدعا، صلى الله عليه وسلم، قومه إلى الظاهر في عين الباطن، وإلى الباطن في عين الظاهر. وهو المراد بقوله: (ليلا في نهار ونهارا في ليل).
أو إلى الوحدة في عين الكثرة، وإلى الكثرة في عين الوحدة. و (ما دعا ليلا ونهارا) أي، إلى الغيب والوحدة وحده، و إلى الشهادة والكثرة وحدها.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.)
قال رضي الله عنه : (ونوح الی دعا قومه ليلا) أي: إلى الباطن (من حيث عقولهم وروحانيتهم، فإنها غيب) فهي مظاهر الاسم الباطن .
(ونهارا) أي: إلى الظاهر (دعاهم أيضا من حيث) ظاهر (صورهم وحسهم) مظاهر الاسم الظاهر، (وما جمع في الدعوة) بين الظاهر والباطن في لفظ واحد (مثل) جمع (" ليس كمثله شيء" [الشورى:11]، فنفرت بواطنهم) أي: أرواحهم، وإن لم تشعر بذلك نفوسهم وقلوبهم (لهذا الفرقان) بين الظاهر والباطن في اللفظ حيث لم تجد ما كانت مقيمة فيه من الجمعية،
ولم تقدر على الانتقال من التفرقة؛ لغلبة الحجب النفسانية، وجودا بها عليها، (فزادهم فرارا) لما لم يجدوا المعشوق الروحاني الذي كانت أرواحهم مقيمين فيه فصعب عليهم ترك معشوق نفوسهم الأمارة من اللذات السفلية، فزادوا نزولا إلى أسفل سافلين.
قال رضي الله عنه : (ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه)
ثم أشار إلى أنه كان لأرواحهم منفر آخر وراء الفرقان المذكور، فقال: (ثم قال عن نفسه: إنه دعاهم ليغفر لهم) أي: ليستر عنهم المظاهر السفلية التي عشقوها لا من حيث هي مظاهر بل من حيث هي مفيدة لنفوسهم من اللذات السفلية الشاغلة عن اللذات العلوية.
(لا ليكشف لهم) عما فيها من أسرار الظهور الإلهي التي نزلت أرواحهم في أبدانهم؛ لكشفها لكن غفلوا عن جهة المظهرية فجعلوها مقاصد بالذات فأمرهم؛ ليطلبوا الستر عنها ليكشف لهم عن الذات الإلهية، لا في هذه المظاهر لما رآها شاغلة لهم عنها بالكلية، (وفهموا) أي: أرواحهم وإن لم تشعر بها قلوبهم ونفوسهم (منه ذلك صلى الله عليه وسلم ، لذلك " جعلوا أصابعهم في آذانهم  واستغشوا ثيابهم " . فهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل). أي: بفعل الستر لا بالطريق الذي أمرهم به، وهو الرياضة والاشتغال بحيث يسترهم ذلك عن المحسوسات، وهؤلاء اقتصروا على ظاهر الستر في غير الصورة المطلوبة عنادا منهم عند عدم رؤية الجمعية في الظاهر (لا بلبيك)، وهي الإجابة في الصورة المطلوبة بالطريق المأمور به.
فبهذا ظهر الفرق بين الدعوة النوحية الفرقانية، والدعوة المحمدية القرآنية ("ففي ليس كمثله شيء" [الشورى:11])، الذي هو دعوة محمد صلى الله عليه وسلم (إثبات المثل) بدلالة المطابقة، (ونفيه) بدلالة الالتزام، وإثبات المثل دليل الظهور ونفيه دليل البطون فجمع بينهما كما جمع بين التنزيه والتشبيه.
قال رضي الله عنه : (وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (ولهذا قال محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه: إنه أوتي جوامع الكلم) جمع بلفظ واحد بين التنزيه والتشبيه والظهور والبطون، وإذا كان محمد أوتي جوامع الكلم، (فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا) على سبيل التفرقة بين الظاهر والباطن، (بل دعاهم ليلا في نهار) فإن الباطن، إنما عرف بظهوره في الأرواح والعقول، فصار ظاهرا (ونهارا في ليل)، فإن الظاهر إذا تم ظهوره خفي فصار باطنا على أن الظهور في المظاهر موجب؛ لتقيد صوره بتلك المظاهر فهي حاجبه عن حقيقة الذات.
ولما أمرهم نوح عليه السلام التي بطلب الستر عن المحسوسات، وعدهم على ذلك حصول المعارف العقلية والتجليات الإلهية.

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 14:59 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 18:22 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة العاشرة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة العاشرة : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ونوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيّتهم ) دعوة تنزيه ( فإنّها غيب ) بالنسبة إلى هذه النشأة ( ونهارا ) أيضا ( دعاهم من حيث ظاهر صورهم وحسّهم) دعوة تشبيه ( وما جمع في الدعوة ) بينهما ، وما جعل الأمرين أمرا واحدا ، على ما هو مقتضى كمال الحقيقة الإنسانيّة ( مثل " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " [ 42 / 11 ] ، فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا ) حسبما يقتضيه الفرقان من التفرقة  .
( ثمّ قال ) معتذرا ( عن نفسه : إنّه دعاهم ليغفر لهم ) على ما هو مقتضى أمر قهرمان الوقت ودعاء ألسنة استعدادات أهاليه من الستر ، فإنّه مبدأ ظهور سلطان النبوّة وإظهار ما اتّفق عليه كلمة أعيان تلك الدولة ، يعني وضع الصور وإسبال الستائر ( لا ليكشف لهم ) على ما هو مقتضى أمر الولاية وسلطانها ، فإنّه إنّما يمكن ظهوره بعد ختم السلطنة الأولى .
واعتذر عن قومه أيضا بأنّهم عرفوا لسان دعوته (وفهموا ذلك منه صلَّى الله عليه وسلَّم ، لذلك "جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ" ، وهذه كلَّها صورة الستر التي دعاهم إليها ، فأجابوا دعوته بالفعل ، لا بلبّيك ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ففي " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " [ 42 / 11 ] إثبات المثل ونفيه ) على ما سبق بيانه بحسب المعنى الواحد ، لا على أن يكون الكاف زائدة على أحد التقديرين ، فإنّه يلزم أن يكون دلالته على المعنيين بحسب الوضعين المتغايرين وهو خلاف المقصود ، فإنّ المقصود أنّه جمع بين المتقابلين في معنى واحد ( ولهذا قال عن نفسه عليه السّلام أنّه أوتي جوامع الكلم ) بين المغفرة والكشف ، والإظهار والستر .
( فما دعا محمّد قومه ليلا ونهارا ) أي إخفاء وإظهارا (بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل) " يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ " [ 22 / 61 ] .
وإذ كان أمر نوح دعوته بالاستغفار وقد بيّن الاختلاف والتفاوت بين ما أتى به نوح عليه السّلام وما جاء به محمّد عليه الصلاة والسّلام في أصل التوحيد .
شرع يبيّن وجه سريانه في سائر ما يتفرّع عليه من الحكم ، من جملة ذلك ما أشير إليه بقوله :


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية. ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك )
(فلو أن نوحا) عليه السلام (أتي بمثل هذه الآية)، أي بما يماثلها (لفظا) وعبارة في الدلالة على التنزيه والتشبيه معا (أجابوه) كما أجاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم (فإنه)، أي محمد (شبه ونزه)، أي جمع بين التشبيه والتنزيه (في آية واحدة بل في نصف آية)، فلو جمع نوح عليه السلام أيضا كذلك أجابه قومه.
(ونوح عليه السلام دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانينهم)، وإنما جعلنا الليل إشارة إلى هذه الحيثية (فإنها)، أي عقولهم و روحانيتهم (غيب) غير مدرك بالحس فيناسب أن يجعل الليل إشارة إليها بغيبوبة الأشياء فيه عن الحس (ونهارا دعاهم أيضا من حيث صورهم وجثثهم) فإنها شهادة فيناسب أن يجعل النهار إشارة إليها. ومعناه : أنه عليه السلام دعاهم تارة من حيث عقولهم وأرواحهم المجردة القدسية المنزهة عن المواد الجسمانية إلى التنزيه ، فإنهم بهذا الاعتبار كان في استعدادهم إدراك التنزيه ذوقا ووجدانا فعاقتهم العوائق.
ودعاهم تارة أخرى من حيث صورهم وموادهم إلى التشبيه لأنهم بهذا الاعتبار کانوا مستعدين لإدراكه ذوفا (وما جمع) نوح عليه السلام بينهما (في الدعوة).
بل أداها بعبارة واحدة ليفهم منها (بالتنزيه) في عين التشبيه (والتشبيه) في عين التنزيه (مثل"ليس كمثله، شيء" فنفرت بواطنهم) عن دعوته (لهذا الفرقان) عنها لأنهم بحسب فطرتهم كانوا في القرآن كما سبق (فزادهم) هذا الفرقان (فرارا) عن قبول دعوته.
ثم قال نوح عليه السلام مخبرا (عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم) بالبناء للمفعول أو الفاعل، أي ليغفر لهم الحق سبحانه ويستر عنهم حقيقة الأمر لا ليكشف لهم عنها (وفهموا ذلك)، أي كون الدعوة للستر لا للكشف (منه)، أي من نوح (عليه السلام لذلك) الفهم
قال رضي الله عنه : («جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
أي من نوح (عليه السلام لذلك) الفهم ("جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم") [نوح:7 ] لئلا يصل إلى استماعهم لدعائه إياهم.
وقال بعضهم قدر الله أسرارهم جعلوا أصابعهم، أي صور النعم الجزئية الكونية التفصيلية التي هي فروع للأيادي الكلية الإلهية الجمعية في آذانهم، أي في حال استماع ما دعاهم إليه من تلك الأيادي الكلية فحرموا نسب اشتغال قابليتهم بتلك النعم الجزئية عن الإقبال على قبول هذه الأيادي الكلية.
"استغشوا ثيابهم" استتروا بثياب تعیناتهم وغشاوة إثباتهم فلا يصل إلى أسماعهم الصمايه إياهم إلى المرتبة الجمعية، ولا يظهر على أبصارهم أنوار ظهور جماله في المظاهر الكونية (وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم) نوح عليه السلام (إليها فأجابوا دعوته) إلى الستر (بالفعل لا بلبيك).
وقوله رضي الله عنه : (ففي " ليس كمثله شيء") [الشورى : 11]، كالنتيجة لما قبله و تمهيد لما بعده، أي في هذا الكلام الذي هو نصف اية (إثبات المثل) والتشبيه على تقدير كون الكاف"كمثله" غير زائدة (ونفيه)، أي نفي العلم والتنزيه على تقدير كونها "الكاف فى "كمثله" زائدة أو بناء على أن انتفاء، مثل المثل يستلزم انتفاء المثل .
(ولهذا) النوع من الإيجاز الجامعية في الكلام.
(قال صلى الله عليه وسلم) مخبرا (عن نفسه أنه أوتي جوامع الكلم) حيث قال : "أوتيت جوامع الكلم"، أي الكلمات الجامعة بين المعاني الكثيرة متقابنة كانت أو غير متقابلة (فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه) تارة (لي) إلى التنزيه (و) تارة (نهارا) إلى التشبيه كما دعا نوح قومه كذلك.
(بل دعاهم ليلا في نهار) إلى التنزيه في عين التشبيه (ونهارا في ليل)، أي التشبيه في عين التنزيه .


.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:48 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 18:33 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الحادية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الحادية عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال رضي الله عنه : "فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه.  فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري.
والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر."
قال رضي الله عنه : (فقال نوح) عليه السلام (في حكمته)، أي تتجه امتثال أمره (لقومه) على تقدير صدور ذلك منهم ("ويرسل ")، أي الله تعالى ("السماء") وهي ما علا وارتفع عن إدراكهم من الجناب الإلهي الأقدس (" عليكم" ) حيث نزهتموه عن تشبيهكم ثم شبهتموه من تنزيهكم . ثم نزهتموه ثم شبهتموه وهكذا.
فإن التنزيه محتاج إلى التشبيه والتشبيه محتاج إلى التنزيه، وكلاهما محال على الله تعالى، لأنهما حكمان عقليان، والله تعالى منزه عن الحكم العقلي، لأن كل معقول حادث كما أن كل محسوس كذلك.
إذ لا يرد على القديم حكم من الحادث، وليس في يد المكلف غير هذين الحكمين ونفيهما فالمطلوب نفيهما، ومن ضرورة نفي الشيء ثبوته قبل نفيه ("مدرارا")، أي كثير الدرور وهو الظل والسيلان.
(وهی)، أي التي يرسلها عليهم ربهم من الأمطار أمطار (المعارف) جمع معرفة (العقلية)، أي المنسوبة إلى العقل من حيث أنها تؤخذ به وتضبط بإدراكه (في المعاني) الإلهية التي يفهمونها من إشارات الوجود العلوي والسفلي (والنظر) بالبصر والبصيرة (الاعتباري) وهو المقتضي للعبور من الظواهر إلى البواطن وبالعكس من غير اقتضاء على أحدهما ("ويمددكم")، أي الله تعالى حينئذ ("بأموال") [نوح: 11].
نتيجة جمع مال (أي بما يميل بكم إليه) سبحانه من أعراض الدنيا (فإذا مال) ذلك المال بكم (إلى الله) تعالى بحيث أوصلكم إلى شهوده سبحانه في كل شيء من جهة أن كل شيء صورة مراده تعالی ومعلومه ومقدوره وذاته متجلية بذلك على ذاته فذاته من حيث هي متجلي عليها مرآة لذاته من حيث متجلية بتلك الصورة المرادة المعلومة المقدورة، وتلك الصورة هي المال الذي يميل بكم إلى الله تعالى وهي غرض الدنيا (رأيتم) بأبصاركم وبصائركم (صورتكم) الحسية والعقلية (فيه)، أي في الحق سبحانه وتعالى.
(فمن تخیل منکم) في نفسه بعد ذلك (أنه رآه) عز وجل (فما عرف) الحق سبحانه وتعالى ما رأى إلا صورته ظاهرة في الحق سبحانه الممسك لها كما تمسك المرآة الصورة الظاهرة فيها من غير أن تحل أحدهما في الأخرى (ومن عرف منكم أنه رأى نفسه) فقط على حسب تقلبات أطواره ظاهرة بمرآة الحق سبحانه .
(فهو العارف) بالله تعالى (فلهذا انقسم) جميع الناس إلى قسمين :
الأول (غير عالم) بالله تعالى وهم الذين يتخيلون أنهم يعرفون الله تعالى ويشهدونه، وهم لا يشهدون إلا أنفسهم على حسب استعدادهم في مرآة الحق تعالى.
(و) الثاني : (عالم) بالله تعالی وهم الذين يعرفون أنهم لا يعرفون إلا أنفسهم على حسب استعدادهم ظاهرة لهم في مرآة الحق تعالی.
كما قال عليه السلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه».
وقال تعالی عن قوم نوح عليه السلام: ("واتبعوا من لم يزده ماله") [نوح: 21] وهو ما ذكره من أنه كل ما يميل بكم إليه سبحانه (وولده وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري) من التشبيه والتكييف في جناب الحق تعالی.
(والأمر) المطلوب في معرفة الله تعالى (موقوف علمه) والتحقيق به (على المشاهدة) لآيات الله تعالى التي في الآفاق وفي الأنفس (عيد جدا عن نتائج الفكر)، لأن الفكر ظلمة النفس ولا يكتسب بالظلمة غير الظلمة ("إلا خسارا") [نوح: 21] .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال رضي الله عنه : (فقال نوح في حكمته لقومه) أي أشار نوح عليه السلام إلى قومه في حكمة دعوته قرمه ويزيل الماء به أي يرسل الله من عالم الأرواح عليكم (مدرارا وهي) أي المدرار (المعارف العقلية في المعاني) المعقولة.
(والنظر الاعتباري) أي المدرار هي النظر في الأشياء للاستدلال بها على وجود الصانع (ويمددكم بأموال أي بما يميل بكم إليه) أي ويمددكم الحق بسبب تجلي جمالي جاذب بكم إلى الحق.
(فإذا مال بکم) أي جعلكم موجها إلى جناب الحق وهي التجليات الجاذبة إلى الحق (إليه) أي إلى الحق (رأيتم صورتكم فيه) أي في الحق (فمن تخيل منكم أنه راه)، أي الحق (فما عرف ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف فلهذا انقم الناس) من أهل الكشف.
(إلى عالم غير عالم) كما مر في الفص الشيثي وهذا كله يستفاد من وجوه الكلام بند به حمه الخواص (وولده) أي المراد من قوله وولده (هو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري) أي العلوم الحاملة لهم بنظرهم الفكري (والأمر) أي ما دعا إليه نوح عليه السلام (موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الأفكار) فهم عصوه واتبعوا إلى نتائج أفكارهم وكانوا محرومين عن حكمة دعوته لعدم علمهم ما أشار إليه نوح عليه السلام ولعدم حصول هذا العلم بنظرهم الفكري (إلا خسارا) إلا ضياعا من عمرهم لصرفهم بما لا ينبغي لما أن في زعمهم .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
فقال نوح في حكمته لقومه: " يرسل السماء عليكم مدرارا" (نوح: 11) وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، و يمددكم بأمواله أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه.
فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم.
وولده وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة، بعيد عن نتائج الفكر. "إلا خسارا"(الإسراء: 82) . "فما ربحت تجارتهم" (البقرة: 16) فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم، وهو في المحمديين
"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (الحديد: 7) وفي نوح "ألا تتخذوا من دوني من دوني وكيلا" آية 2 الإسراء.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال رضي الله عنه : « فقال نوح عليه السّلام في كلمته لقومه : " يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً " وهي المعارف العقليّة في المعاني والنظر الاعتباري »
يعني رضي الله عنه : إن أجبتموني إلى مقتضى التنزيه العقلي ، وحجبتم عن شهود التشبيه الشخصي ، أنزل الله عليكم من سماء العقل والروح صوب المعارف العقلية ، وأمطار المعاني الفكرية والتنزيهية .
قال رضي الله عنه : " وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ " أي بما يميل بكم إليه » .
يعني رضي الله عنه : إذا بلغتم مبلغ العلم العقلي ، فسوف يمدّكم بأيدي أيده الوهبيّ ، فأمالكم إليه عن تصوّر التفرقة الحجابية .
قال : « فإذا مال بكم إليه رأيتم صوركم فيه » يعني صور أعيانكم الثابتة فيه .
"فمن تخيّل أنّه رآه ، فما عرف ، ومن عرف منكم أنّه رأى نفسه فهو العارف " .
يعني رضي الله عنه : لأنّ المتجلَّي في صور أعيانكم الثابتة إنّما يتجلَّى بحسب خصوصياتها لا بحسبه بلا صورة خصوصية ، فالمعرفة الصحيحة بالربّ الحقّ إذن للعبد هي بعين المعرفة بعينه الثابتة وهي نفسه .
قال رضي الله عنه : « ولهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم » .
يعني رضي الله عنه : فمن رأى الحقّ عينه ، رأى الحق ، ومن رأى أنّه رأى الحق ، فما رأى الحق ولا علمه .
قال رضي الله عنه : « وولده » وهو ما أنتجه له نظره الفكري ، والأمر موقوف علمه على المشاهدة ، بعيد عن نتائج الفكر إلَّا خسارا» .
يعني رضي الله عنه : لم يزد ماله الذي مال به وإليه عن الحق  وولده الذي هو من نتائج فكره العرفي العادي إلَّا خسارا ، لما أدّاه إلى التفرقة والصدع ، وأضلَّه عن الأحدية والجمع ، لأنّ الكمال في الشهود ، لا في الكفر والجحود .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قوله رضي الله عنه : ( فقال نوح عليه السلام في حكمته لقومه – " يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً " ) معناه أن نوحا عليه السلام لما رأى إجابتهم الفعلية بحكم مقامهم وحالهم ، حيث فهموا من الاستغفار طلب الستر ومن الغفران الستر وحملوا عليه قوله مستهزءين مستخفين لمنافاة حالهم حاله ، نزل عن مقامه ليمكر بهم فيهديهم من حيث لا يشعرون.
فتكلم بما ظاهره مناسب ما اختاروه من الظواهر ، وباطنه يناسب معقولهم الذي يتبعونه ويتلقونه بأفكارهم وعقولهم ، المشوبة بالوهم ، المحجوبة عن الفهم ، المشغولة عن نور القدس بظلمة عالم الرجس ، فقال – " يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً " - أي يستر الظلمات التي هي الصفات النفسانية والهيئات الفاسقة الجرمانية بنور الروح ، فيرسل من سماء العقل المجرد مياه العلوم.
( وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري ) المؤدى إلى الحقائق والمطالب النظرية (" ويُمْدِدْكُمْ " عند إدراككم المعارف العقلية والمعاني الكلية التنزيهية ، ويجردكم عن الغشاوى الطبيعية " بِأَمْوالٍ " - أي بما يميل بكم إليه ) من الواردات القدسية والكشوف الروحية والتجليات الشهودية الجاذبة إياكم إليه.
( فإذا مال بكم إليه ) أي جذبكم البارق القدسي والتجلي الشهودى إليه ( رأيتم صورتكم فيه ) كما مر ( فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف ) لأنه أكبر من أن يتجلى في صورة واحدة ( ومن عرف منكم أنه رأى نفسه ) أي رأى الحق في صورة عينه ( فهو العارف فلهذا انقسم الناس ) أي أهل الوجدان الذين هم الناس بالحقيقة ( إلى عالم باللَّه وغير عالم به ) .
كما هو الأمر عليه (وولده وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكرى ) أي ولما اشتد احتجابهم بالظواهر وتقيدوا بها كانت عقولهم مشوبة بالأوهام لم تتجاوز إلى المعارف المجردة الكلية في التنزيه عن مقتضيات أفكارهم العاديات والقياسيات العرفية المقيدة بالقيود الوهمية والتخييلية ، واحتجبت بالتعينات والتقيدات العقلية المطابقة لمدركاتها الوهمية والتخييلية والحسية في التقيد ( والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر ) فأنكروا لما دعاهم إليه أشد إنكار واتبعوا معقولهم العادي.
فشكا نوح إلى ربه بقوله : " رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتَّبَعُوا من لَمْ يَزِدْه مالُه ووَلَدُه "  " إِلَّا خَساراً " أي اتبعوا من ينزه الله التنزيه التقييدى الفكرى الموجب تشبيهه تعالى بالأرواح في التقييد ، فلم يزده ماله .
أي علمه، ومعقوله الفكرى وولده أي ما أنتجه فكره في المعرفة ، فهو معتقده من إله مجعول متصور ، إلا خسارا بزوال نور استعدادهم الأصلي لاحتجابهم بمعقولهم.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقال نوح في حكمته لقومه: "يرسل السماء عليكم مدرارا" وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري و "يمددكم بأموال" أي بما يميل بكم إليه. فإذا مال بكم إليه، رأيتم صورتكم فيه).
اعلم، أن السماء في الحقيقة عالم الأرواح، والأرض عالم الأجسام. ولا يفيض من عالم الأرواح إلا الأنوار الملكوتية والمعارف العقلية الموجبة للكشف واليقين، ليعتبروا بما حصل لهم ما لم يحصل ويؤمنوا بالحق وكمالاته بما أفاض عليهم من آياته.
فلما كان الأمر كذلك، أشار نوح إلى قومه وبين حكمة ما دعاهم إليه بقوله: (يرسل السماء عليكم مدرارا).
أي، يرسل الحق عليكم من السماء المعارف العقلية والعلوم الحقيقية، ويعطيكم النظر الاعتباري في الأشياء، ليستدلوا بوجودكم على وجود الحق، و بوحدتكم على وحدته، و بذواتكم على ذاته، وبما في عالم الشهادة، من الموجودات والكمالات،على ما في الغيب من العقول والنفوس وكمالاتهم. ويمددكم بأموال، أي، بتجليات حبية وجواذب جمالية، ليجذبكم إليه، ويوصلكم إلى مقام الفناء فيه،ويتجلى لكم بالتجلي الذاتي، وعند هذه التجلي تشاهدون أعيانكم في مرآة الحق.
وإنما فسر (الأموال) ب (ما يميل بكم إليه) تنبيها على أن (المال) إنما سمى مالا لميل القلوب إليه. وضمير (فيه) راجع إلى ما يرجع ضمير (إليه) وهو (الحق.)
قال رضي الله عنه : (فمن تخيل منكم إنه رآه، فما عرف، ومن عرف منكم إنه رأى نفسه، فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى عالم وغير عالم).
(الفاء) للتعقيب. أي، بعدأن رأى صورته في الحق من تخيل منكم أنه رأى الحق، فما عرف، لأن ذاته، من حيث هي هي، لا يمكن أن ترى. والرؤية إنما تحصل عند التنزل والتجلي بما يمكنأن يرى، كما قال، صلى الله عليه وسلم: (سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) وشبه برؤية القمر. ومن عرف منكم أنه رأى نفسه وعينه، فهو العارف بالحقيقة.
والآخر ليس بعارف كامل مع أنه من أهل الكشف والشهود، كما مر في (الفص الشيثي.)
قال الشيخ رضي الله عنه (و (ولده) وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الأفكار إلا خسارا).
إشارة إلى قوله تعالى: " قال نوح،رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا". أي، إنهم عصوني ولم تقبلوا منى ما يوجب المشاهدة والعيان، واتبعوا عقولهم ونظرهم الفكري الذي (لم يزده ماله) وهو علومهم العقلية، و (ولده) وهو نتائجهم الحاصلة من تركيب قياساتهم العقلية، (إلا خسارا) أي، ضياعا لرأس ما لهم من العمر و الاستعداد.
وذلك لأن المقام مقام المشاهدة وهو فوق طور العقل، والعقل بفكره ونظره لا يصل إليه. فمن تصرف فيما جاءت الأنبياء به بعقله أو اعتقد أن الحكماء والعقلاء غير محتاجين إليهم، فقد خسر خسرانا مبينا.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال رضي الله عنه : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال رضي الله عنه :  (فقال نوح في حكمته) أي: في بيان حكمة أمره بطلب الستر عن المحسوسات (لقومه) "يرسل السماء" [نوح: 11]، أي: سماء المبادئ العالية من الحضرة الإلهية والعقول المجردة، والأرواح الطاهرة الملكية "عليكم مدرارا" [نوح: 11])، أي: بأسرار الأسماء الإلهية والكونية، وهي المعارف العقلية عن العقول المجردة،
والمعاني المجردة عن الحضرة الإلهية (والنظر الاعتباري)، وهو الانتقال مما يرى في عالم الحس، أو عالم المثال إلى ما يناسبه عن حضرة الأرواح الطاهرة الملكية، ("ويمددكم بأموال" [نوح: 12]، أي: بما يميل بكم إليه) من تجليه (فإذا مال بكم إليه رأيتم صوركم فيه)؛ لأنه إنما يرى إذا فاضت منه صورة نورانية على العين الثابتة للرائي بما تناسب الحق.
وذلك مدد منه تعالى إياه بحسب استعداده الخاص الحاصل له عن الستر عن المحسوسات، فتنعکس تلك الصورة إلى مرآة الذات فيحجب عن رؤيتها حجب صور المرايا عن رؤية إجرامها، (فمن تخيل منكم) عند ذلك التجلي (أنه رآه ) .
أي: الحق من غير حجب صورته عن رؤيته، (فما عرف حقيقة) أمر التجلي، (ومن عرف منكم أنه رأى نفسه) في مرآته عند تجليه (فهو العارف) المطلع على حقيقة أمر التجلي.
قال رضي الله عنه :  (فلهذا) أي: فلانقسام أهل التجلي إلى من تخيل أنه رأى الحق، وإلى من يعرف، وإلى من لا يعرف، أنه لا يرى، وإنما يرى صورته في مرآته (انقسم الناس) كلهم (إلى عالم وغير عالم)؛ لأنه إذا تطرق الجهل إلى أهل التجلي فغيرهم أولی بذلك على أن أكثرهم يقلدونهم.
ثم قال نوح: "واتبعوا" [نوح: 21]، أي: قلدوا "من لم يزده ماله وولده" [نوح: 21]، أي: تجليه "إلا ځسارا" [نوح: 21]، إذ تخيل أنه رأى الحق فزعم أنه الإله، أو أنه على صورته فأمرهم أن يتخذوا صنما على صورته، ولكن لم يصرح به الشيخ نه استغناء عنه بما أشار إليه، وجاء للإشارة إليه بما هو عطف عليه وهو قوله: "وولده" [نوح: 21].
أي: واتبعوا یعنی: قلدوا من لم يزده (وولده، وهو ما أنتجه نظره الفكري) من المعارف العقلية، وهو وإن كان بمنزلة نور البصر؛ فلا يفيد بدون التنور بنور الشرع الذي هو بمنزلة نور الشمس ، ولو اجتمعا فلا يتم رفع الالتباس بدون نور الكشف.
لذلك قال: (والأمر) أي: أمر المعقولات (موقوف علمه) صافيا عن شوائب اللبس على المشاهدة الحاصلة بالتصفية، كما قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"[العنكبوت: 69] 
(بعيد عن نتائج العقل)  سيما إذا تجرد عن نور الشرع، وإذا كان في حق صاحب النظر هذا الحال لا جرم، ولم يزد في حق مقلده.



.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:11 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 22:22 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الحادية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الحادية عشر : الجزء الثاني

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال نوح في حكمته ) المترتّبة على الاستغفار مشيرا إلى غايته ( "يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ") أي يفيض عليكم من سماء القدس وعلوّ التنزيه إذا توجّهتم نحوه بالاستغفار ذوارف الحقائق التنزيهيّة وطريق استحصالها من الاعتبارات العقليّة التي هي مبنى قواعد النظر.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهي المعارف العقليّة في المعاني والنظر الاعتباري ) الذي منه يكتسب تلك المعاني ويستحصل تلك النتائج .
(" وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ " أي بما يميل بكم إليه) من العلوم اليقينيّة والعقائد الراسخة المميلة قلوبكم نحوه ، (فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه) ، إذ من شأن الأمور اللطيفة الخالية عن الاختلافات الهيولانيّة والاعوجاجات الجسمانيّة ، الصافية عن صدء الغواشي الغريبة والعوارض المشخّصة الظلمانيّة ، أن يرى الناظر فيها صورته ، والعقائد العلميّة الكليّة لها تلك اللطافة بأتمّ وجه ، فهي إنما يظهر لأربابها صورتهم - لاغير .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فمن تخيّل منكم أنّه رأى) أي رأى الحقّ (فما عرف) الحكمة الإلهيّة لجهله بتلك الضابطة الكلَّية ، ( ومن عرف منكم أنّه رأى نفسه فهو العارف ، فلهذا انقسم الناس إلى عالم وغير عالم ) ،  وإلَّا فالكل قد استحصل عقيدة واعتكف عندها واطمئنّ بها .
ومما يؤيّد هذا ما قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا من لَمْ يَزِدْه ُ مالُه ُ " ( و " وَلَدُه " وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري ) بمقدمتيه المزدوجتين ازدواج الأبوين.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والأمر موقوف علمه على المشاهدة ، بعيد عن نتائج الفكر " إِلَّا خَساراً " ) وضياعا لرأس المال ، يعني المقدّمات الحاصلة لهم والقواعد التي يميل إليها قلوبهم ويستنتجون بها العقائد ويستربحون بها الأموال .
وإذ كان ذلك في المعارف الإلهيّة مما لا يجدي بطائل ، وطريق النظر فيها منبتّ ما يفيض على السالك فيه بطلّ ولا وابل.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال رضي الله عنه : (فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه)
(وقال نوح عليه السلام) في بيان حكمته المقصودة له من الأمر بالاستغفار (لقومه "يرسل السماء ") : أي سماء الأسماء الإلهية الأرواح القدسية ("عليكم مدرارا " وهي)، أي المدرار من حيث ما نزل منها هي (المعارف العقلية في طور فهم المعاني) الباطنة عن المعاني الظاهرة (والنظر الاعتباري) الذي يعبر فيه من الظاهر إلى الباطن والصورة إلى المعنى.
وفي بعض النسخ والنظر بالاعتبار والمعنى واحد، وأما في طور فهم المعاني
الظاهرة النظر الغير الاعتباري المنتصر على الظاهر . فالمراد هي السحاب الكثير الدرور
قال رضي الله عنه : (فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ويمددكم بأموال أي بما يميل بكم إليه)، أي إلى الحق سبحانه من التجليات الحبية والجواذب الجمالية. فإن المال إنما سمي ما تميل القلوب إليه . (فإذا مال بكم إليه سبحانه) و أوصلكم إلى مقام الفناء فيه وتجلى عليكم بالتجلي الذاتي (رأيتم صورتكم فيه)، أي في الحق .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فمن تخيل منكم أنه رآه) أي الحق سبحانه (فما عرف) الأمر على ما هو عليه فإن الحق سبحانه أجل من أن تسعه صورة (ومن عرف منكم أنه رأى نفسه) في مرآة الحق أو الحق في مرآة نفسه لكن بقدر المرآة لا بحسب ما هو عليه في نفسه.
(فهو العارف) لا الأول الذي هو صاحب التخيل و إن كان هو أيضا صاحب الكشف والشهود ولما كان اعتقاد الأول أنه رأى الحق خيالا حقيقة له بخلاف الثاني.
قال رضي الله عنه في الأول : فمن تخيل و في الثاني فمن عرف (فلهذا انقسم الناس) الذين هم أصحاب الكشف والتجلي فإن من عداهم ليسوا بناس في الحقيقة. (إلى عالم) عارف بأن المرئي إنما هو صورته في الحق لا الحق (و) إلى (غير عالم)، يتخيل أن المرئي هو الحق سبحانه .
ثم أشار رضي الله عنه إني قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :"رب إنهم عصوني (واتبعوا من لم يزده ماله) وولده إلا خسارا" [ نوح: 21] فقال :
("وولده" وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري) وقياسهم العقلي في معرفتهم الحق سبحانه تنزيها وتشبيها.
(والأمر)، أي أمر التنزيه والتشبيه في معرفة الحق سبحانه على ما جاء بها الأنبياء عليهم السلام (موقوف علمه على المشاهدة ) العيانية والتجليات الذوقية الوجدانية (بعيد جدا عن نتائج الفكر) العقلية والقياسات البرهانية. فلذلك لم تزدهم تلك النتائج  
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:52 عدل 3 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 23:08 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال رضي الله عنه : "(إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم) فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف."
ولأن الفكر ظلمة النفس ولا يكتسب بالظلمة غير الظلمة ("إلا خسارا") [نوح: 21] .
حيث مال به المال عنه سبحانه لا إليه وحملة الفكر المتولد فيه على الزيغ فيما لديه كما قال تعالى عن أمثاله ("فما ربحت تجارتهم") [البقرة: 16] حيث لجأوا إلى سوق حضرة الله تعالی فکسدت عليهم ولم تنفق لأنها غير مرغوب فيها عند الله تعالى.
لأنها كلها زيغ وضلال (فزال عنهم) بمجرد موتهم وهلاكهم (ما كان في أيديهم) يتصرفون فيه بإذن الله وهم لا يشعرون لعمى بصائرهم  (مما كانوا) في حياتهم الدنيا (يتخيلون أنه ملك لهم) من الأموال التي أمدهم بها، والملك في الحقيقة كله لله لا الهم ولا لغيرهم (وهو)، أي هذا الملك الذي تخيلوه لهم محسوب (في) مقام الأولياء (المحمديين) من هذه الأمة، أي الذين هم على قدم محمد صلى الله عليه وسلم الوارثين في علمه لا نبوته.
لأنها ختمت به من قبيل قوله تعالى: ( "وأنفقوا" ) يا أيها المؤمنون بالغيب ("مما")، أي من الذي هو معقول أو محسوس من علم أو مال أو غير ذلك
وجعله سبحانه وتعالى تفضلا منه عليكم ("مستخلفين فيه") [الحديد: 7] عنه تعالى في الأرض كما قال : "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " [الأنعام: 165].
وأصل الخلافة في الأنبياء عليهم السلام ثم ورثها منهم المؤمنون.
قال تعالى : "إني جاعل في الأرض خليفة" [البقرة: 30] وذلك عن آدم عليه السلام. وقال تعالی: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض" [ص: 26] (فيه)، أي فيما ذكر (و) محسوس (في) حق قوم (نوح) عليه السلام من قبيل قوله تعالى : ("ألا تتخذوا من دوني ") [الإسراء: 2]، أي غيري (وكيلا) في جميع ما أنتم متصرفون فيه من مال غيره.
(فأثبت) تعالى على مقتضى هذه الآية (الملك) فيما هم متصرفون فيه لهم، أي لقوم نوح تقريرا لما تخيلوه في زعمهم، لأنه تعالی عند ظن عبده به كما ورد في الحديث: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» (و) أثبت (الوكالة) منهم في الحقيقة (الله) تعالی حينئذ (فيه)، أي في ذلك الذي لهم.
(فهم) في الحقيقة التي خلقوا عليها (مستخلفون) عنه تعالى (فيه)، أي في ذلك الملك بحسب زعمهم أن الملك لهم وإن لم يشعروا (فالملك) على مقتضى هذا الاختلاف الحقيقي (لله) لا لهم (وهو) سبحانه وتعالى على مقتضى حقيقتهم بحسب زعمهم ذلك (وكيلهم فالملك) على حسب هذه الوكالة الحقيقية وإن لم يشعروا بها (لهم) حيث زعموا ذلك و تخيلوه.
(وذلك) الملك الذي لهم في زعمهم هو (ملك الاستخلاف) الذي فيهم عنه تعالى وهم لا يشعرون به لا حقيقة الملك .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال رضي الله عنه : (إلا خسارا) إلا ضياعا من عمرهم لصرفهم بما لا ينبغي لما أن في زعمهم.
أن نظرهم الفكري وصل إلى الحق وصرفوا عمرهم في ذلك وما عرفوا أن حكمة دعوته لا بحصل بذلك وما عرفوا زوال ما في أيديهم من الملك الذي يتعلق به نظر هم الفكري (فما ربحت تجارتهم) وما كانوا مهتدين بما يدعوهم نوح عليه السلام إليه (فزال عنهم) بالطوفان (ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم) وما سبب تخيلهم إلا عدم علمهم ما أشار إليه نوح عليه السلام في دعوته من المفهوم الثاني وقصرهم بمقتضى عقولهم على المفهوم الأول وتصرفهم بنظرهم الفكري ولم يعتبروا بنظر الاعتبار .
وكانوا بعيدا عن طريق المشاهدة بذلك فإياك أن تقتصر کلام الله تعالى وكلام الرسول على المفهوم الأول فإن الأمر ما كان على طريق المشاهدة لا على طريق النظر ألا ترى قوم نوح عليه السلام كيف كان حالهم لصرفهم ما جاء نبيهم على المفهوم الأول بمقتضى عقولهم.
فلا يعرفون أن ما في أيديهم ليس بملك لهم لاتباعهم نظرهم فضلوا عن طريق الهدى وهو طريق المشاهدة.
(وهو) أي ما كان في أيديهم من الملك ليس بملك لهم حقيقة بل هو ملك لله وهم مستخلفون فيه ولم ينكشف لهم حقيقة الأمر ويدل على ذلك ما جاء (في المحمديين) أي في حق هذه الأمة (وأنفقوا مما جعلكم) الله (مستخلفين فيه).
فأثبت الملك لنفسه والوكالة لهم لكونهم عالمين الأمر على ما هو عليه في نفسه فأنزل الله كلامه في حقهم على الحقيقة (وفي نوح عليه السلام :" ألا تتخذوا من دوني وكيلا" [الإسراء: 2] فأثبت الملك لهم والوكالة الله فيه) أي في الملك فأخرج الله كلامه في حقهم على تخيلهم لا على الحقيقة فلما مكروا الله مكر الله معهم.
والمحمديون لما عرفوا بالكشف صدقهم الله وما مكر معهم في أن ما في أيديهم من الآلات البدنية والأولاد والأموال ليس ملك لهم (فهم مستخلفون فيه) أي فيما في أيديهم (فالملك لله) في الحقيقة (وهو وكيلهم فالملك لهم) أي الحق وكيل المحمديين والملك حينئذ لهم لأنهم لما جاء في حقهم "وأنفقوا".
فقد أثبت التصرف لهم في ملك الحق، ولما أخبر الله بهم عن معاملته مع قوم نوح عليه السلام بقوله: ألا تتخذوا وكيلا دعاهم إلى طريق المشاهدة .
وفي حق المحمديين معناه : استخلفوني فيما کنتم مستخلفين فيه و اترکوا تصرفكم في ملكي من الإنفاق وغيره . وأثبتوا إلى التصرف كما أثبت لكم .
بقولنا: وأنفقوا فإن ذواتكم وصفاتكم وأفعالكم كلها في الحقيقة وأنتم مستخلفون فيها فهو مالك الملك كلها .
وهو عزل الوكيل فكانت هذه الآية مكرا في قوم نوح عليه السلام وأمرا في حقنا إلى الفناء في الله فجاء المستخلف في حقنا صريحا بفتح اللام وضمنا بكسر اللام فنحن جعلنا الحق مستخلفة بفتح اللام بأمر الله تعالى بإثبات الملك كله لله في ضمن قوله تعالى: "ألا تتخذوا" فكنا وكيله . بقوله : "وأنفقوا" وكان وكيلنا بقوله : "ألا تتخذوا" مجازاة لنا وأما لهم فلا، لأن هذه الآية ما جاءت في حقهم إلا لإثبات الملك لهم والوكالة لله على زعمهم .
فالحق لا يكون وكيلا منهم إذ الوكالة باستخلاف الموكل فهم لم يجعلوا الحق مستخلفا فيما بين أيديهم فظهر أن الضمير في قوله: وكيلهم يرجع إلى المحمديين.
وبعضهم قال : يرجع إلى قوم نوح عليه السلام وهو صحيح لكن الأول أنسب بالمقام وهذا هو المعنى الذي يفهمه العلماء بالله .
لذلك نصبوا أنفسهم بأمر الله تعالى لإرشاد العباد إلى مثل هذه المعاني الشريفة والعلوم الحقيقة من لطائف القرآن وأسراره التي لا يحصل إلا بطريق التصفية. (وذلك) أي كون الملك للمحمديين والحق وكيلهم أو كون الملك لقوم نوح عليه السلام والحق وكيلهم على تقدير إرجاع ضمير وكيلهم إلى قوم نوح عليه السلام أو قوله: "ألا تتخذوا من دوني وكيلا" [الإسراء:2].
(ملك الاستخلاف) وهم الذين جعلوا الحق مستخلفا في ملك الحق الذين جعلهم الحق مستخلفين فيه وهذا هو معنى ملك الاستخلاف الذي يسر الله لعباده الكمل وهم الذين أفنوا أفعالهم وصفاتهم وذواتهم كلها في الله ولم يروا شيئا لأنفسهم حتى تعرفوا فيه فتركوا الحق ينصرف لهم في ملكه.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
"إلا خسارا"(الإسراء: 82) . "فما ربحت تجارتهم" (البقرة: 16) فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم، وهو في المحمديين .
"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (الحديد: 7) وفي نوح "ألا تتخذوا من دوني من دوني وكيلا" آية 2 الإسراء.
وفسر قوله تعالى: "إلا خسارا" بأن تجارتهم لم تربح لأن نتائج الفكر ما أدت إلى الحقيقة، فإذن عين ما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم لم يكن ملكا لهم
قال: وهو ملك المحمديين ملك الاستخلاف، فيصرفوا عن إذن صحيح وإن كان قد قرر لقوم نوح أن الملك حقيقة لهم لقوله تعالى: "ألا تتخذوا من دوني وكيلا" (الإسراء: 2) .فأثبت الملك لهم والله وكيل فقط.
فأثبت الملك لهم والوكالة الله فيهم. فهم مستخلفون فيه.
فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف. وبهذا كان الحق تعالی مالك الملك كما قال الترمذي، رحمه الله تعالی.
واعلم أن المستخلفين فهم أعظم درجة من المستخلفين فيما في أيديهم لكن قال رضي الله عنه، هنا: إن نسبة الملك إليهم مجاز وهو إليه حقيقة، لكن لما استخلفهم فيه استحقوا أن يكون الملك لهم وهو وكيلهم فيه، فالملك لهم وهو ملك الاستخلاف أيضا.
قوله: وبهذا كان الحق تعالی مالك الملك، لأنه ملکه حقيقة والذي نسبه الشيخ، رضي الله عنه، إلى الترمذي في قوله: "مكروا مكرا كبارا" (نوح: 22) .
فقد فسره بأن الدعوة إلى الله تعالی مكر من الله ومن الرسول بالمدعو.
وذلك لأن الدعوة تقتضي أن المدعو كان على غير هدى من الله تعالى من كل وجه وليس كذلك . بل إنما كان على غير هدى من الله تعالى من جهة الاسم الهادي وقد كان على هدى من الله تعالى بالهداية العامة.
و استنادهم فيها إلى الاسم المضل لا من كل وجه بل إذا اعتبرنا هداية الاسم الهادي، أما إذا اعتبرنا هداية الذات التي فوق الأسماء والصفات فلا ضلال والذات إليها المرجع والمآل.
فالدعوة تناقضها في أحكامها، فتكون الدعوة مكرا بالمدعو، ومن عرف أحكام الأسماء الإلهية لم يستصعب هذه المعاني وقد شرحت ما تضمنه الكتاب العزيز من الأسماء و اقتصرت منها على ما أورده الغزالي والبيهقي وابن برجان رحمهم الله عليهم، فكانت مائة وستة وأربعين اسما كشفت عن قناع معاني الأسماء بما لم يذكره أحد قبلي.
قال رضي الله عنه: إن قوله: "أدعو إلى الله" هو عين المكر. قال: وقوله "على بصيرة " (يوسف: 108) إشارة إلى أن الأمر له كله.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال رضي الله عنه : « فما ربحت تجارتهم فزال عنهم ما كان في أيديهم ممّا كانوا يتخيّلون أنّه ملك لهم » .
يعني رضي الله عنه : لمّا كانت غاية مطامح أبصارهم ، ونهاية مبلغ علومهم بأفكارهم هي الانحراف إلى الإطراف ، والميل بالمال عن الحق والاتّصاف ، بموجب الظلم والاعتساف ، والحقّ في أحدية جمع الاتئلاف والاختلاف ، فكان مثلهم كسراب بقيعة الخيال لاح وراح ، وما كان في أيديهم من غير الحق طاح وزاح "وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا من عَمَلٍ فَجَعَلْناه ُ هَباءً مَنْثُوراً "
قال رضي الله عنه : « وهو في المحمّديين وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه ِ " أي من المال الذي ملت بكم إليّ فيه من حيث أعلم ، وملتم أنتم إليه في بفكركم ، فميلوا إلي فيه بها بالاتفاق على الأنفاق .
قال رضي الله عنه : وفي نوح " أَلَّا تَتَّخِذُوا من دُونِي وَكِيلًا "  ، فأثبت الملك لهم والوكالة لله فيه ، فهم مستخلفون فيهم ، فالملك لله ، وهو وكيلهم ، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف».
قال العبد : شهود أهل الجحود يقتضي إثبات الملك لهم حقيقة ، وشاهد الحال يقضي بذلك لهم بمقتضى مشهودهم ومعهودهم ، وفي الحقيقة هم لله ، فهم مستخلفون من الله في أنفسهم بحسب ظنونهم ، إذ هو الظاهر بهم وفيهم ، فغلب عليهم الحال ، وتاهوا في تيه الضلال ، من حجابيّات ظنونهم ونيّاتهم وظلمات إنيّاتهم ، فحجبوا عن الحقّ المالك لهم وما في ملكتهم بتمليكه ، وهو مليكهم ومليك الممالك ومالك الملك والملكوت .
وله المالكيّة والملكيّة بالحقيقة على الإطلاق والاستحقاق ، ولم يعلموا أنّهم في مالكيّتهم لأملاكهم وفي أنفسهم مستخلفون ، وكذلك في أموالهم وولدهم ، وأنّ ذلك بتمليك الحقّ لهم من كونه عينهم لا من حيث أنفسهم عندهم من حجابيّاتهم ، ولو فهموا ذلك من دعاة الجمع
في عالم الفرق والصدع ، وأنّ الملك والملك للمليك المقتدر الذي له الملك والملكوت بالأصالة ، ولهم من حيث إنّه فيهم أعيانهم بالتمليك والإيالة والإنالة ، على ما تقتضيه حقيقة أحدية جمع اللاهوت من الاستخلاف والأدلة .
وأن لا بقاء لهم ولما في أيديهم إلَّا منه وبه ، ولما كان الكلّ بالأصالة ، وأنّ البقاء لله وحده ، ولا شيء بعده ، لكان الحق لهم في هذا الشهود ملك الملك ، فلم يزل ملكهم إلى الأبد ، ومتّعهم الله به في أعيانهم وبنيهم وأموالهم وأوطانهم إلى حين وأمد . والله على ما يشاء قدير .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال رضي الله عنه : ( إلا خسارا, فما ربحت تجارتهم ) وما كانوا مهتدين ( فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم ) وهو ما حصلوا بأفكارهم من معقولهم وما حسبوا النجاة فيه من الإله الاعتقادى وما توهموا أنه يمنحهم لأن الأمر كما قال موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر .
ولا يزيد الفكر فيه إلا احتجابا بصورة معتقدهم ( وهو في المحمديين ) الضمير راجع إلى ما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم ، أي ما تخيلوا أنه ملك لهم ثابت في المحمديين ، لقوله تعالى في حقهم " وأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه " أمرهم بالإنفاق ليرجع بسبب إنفاقهم ما منه إليه ، ولما استخلفهم استأثر بالملك وجعلهم خلفاء فيه لأن الملك للمستخلف لا للمستخلف ( وفي نوح عليه السلام ) .
أي وفي النوحيين أو في قوم نوح ، لأن هذا الخطاب لبني إسرائيل وما هم ذرية نوح حين قال – " وآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وجَعَلْناه هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ " ( ألا تتخذوا من دوني وكيلا ) ذرية من حملنا مع نوح ( وأثبت الملك لهم والوكالة لله فيه ) فإن الملك إنما يكون للموكل لا للوكيل ، فلم يجعلهم خلفاء متصرفين وجعلهم مالكين .
لأنه تعالى هو الظاهر في صورة أعيانهم وما ملكت أيمانهم ، فالكل مالكون بتمليكه إياهم لا بأنفسهم ، ولكن لا يشعرون ، فما استحقوا الخلافة لأنهم لا يعرفون قدر الملك ، واستحقها المحمديون لمكان عرفانهم ( فهم ) أي المحمديون ( مستخلفين فيهم ) في أنفسهم أي في قوم نوح وفي الأمم كلهم لأنهم من جملة الملك.
( فالملك لله وهو وكيلهم ) لأن الوكالة الثابتة في النوحيين ثابتة في حقهم ، لقوله : " لا إِله إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْه وَكِيلًا " - وقالوا – " حَسْبُنَا الله ونِعْمَ الْوَكِيلُ " وإذا كان الله وكيلهم فالملك لهم وهو عين الملك الذي قال فيه ( وذلك ملك الاستخلاف ) وهو في المحمديين . فهم فيه مستخلفون فيهم.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلا خسارا "فما ربحت تجارتهم" فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملكلهم). فمن تصرف فيما جاءت الأنبياء به بعقله أو اعتقد أن الحكماء والعقلاء غير محتاجين إليهم، فقد خسر خسرانا مبينا.
أي، ما حصل لهم في هذه التجارة إلا ضياع العمر والاستعداد. فإنهم أفنوا رأس ما لهم فيما لا يمكن حصوله لهم، فزال عنهم ما كان في أيديهم من الاستعداد والآلات التي يمكن بها أن يعبدوا الحق ويتبعوا الأنبياء ليحصل لهم الكشف عن حقيقة الأمر.
وكانوا يتخيلون أن ذلك ملك لهم، وما عرفوا أنه مستعار عندهم وملك للحق وسيرجع إليه. وأزال عنهم علم ما كان في نفس الأمر، لأنهم يتخيلون أنهم أدركوا الحقائق على ما هي عليه في نفس الأمر بعقولهم الضعيفة ونظرهم الفكرية، وحسبوا إنهم ملكوها وليس الأمر كذلك، فزال عنهم وفات علم الحقيقة.
(وهو في المحمديين) أي، ما كان في أيديهم من الملك هو ملك الله كما جاءفي حق المحمديين، أو علم الحقيقة وانكشافها على ما هي عليه لله، كما جاء فيحق المحمديين: ("وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه".)
فأثبت الملك لنفسه، وجعل المحمديين خلفاء عليه، وأمر بالإنفاق والتصرف تصرف الخلفاء في ملك المستخلف.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وفي نوح: "ألا تتخذوا من دوني وكيلا". فأثبت الملك لهم والوكالة لله فيه). أي، وجاء في حق نوح وقومه: (أن لا تتخذوا من دوني وكيلا). فأثبت الملك لقوم نوح على ما زعموا إن ما في أيديهم، من المال والعمر والآلات البدنية والقوى والكمالات، ملك لهم، وطلب منهم أن يتخذوه وكيلا في أمورهم وفي ملكهم.
وإنما قال: (وفي نوح) وإن كانت الآية في بنى إسرائيل، كقوله تعالى:
(وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا.)
لقوله بعدها: (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا).
فجعل بنى إسرائيلمن ذرية قوم نوح. (فهم مستخلفون فيهم، فالملك لله). أي، فالمحمديون مستخلفون،بفتح اللام، في أنفسهم وفي كل ما لهم من الكمالات. وإذا كان كذلك، فالملك لله وحده.
(وهو وكيلهم فالملك لهم، وذلك ملك الاستخلاف). أي، الحق وكيل قوم نوح
كما قال فيهم: (أن لا تتخذوا من دوني وكيلا). فالملك لهم. وذلك ملك الاستخلاف والتبعية لا الأصالة، لأن الملك بالأصالة لله وحده.
ولما عرف المحمديون هذا المقام بالكشف والشهود أن لا ذات ولا كمال ولا وجود إلا لله،جاء في حقهم من الله ما طابق كشفهم وفهمهم وما مكر معهم.
وقوم نوح لماتخيلوا أن ما في أيديهم ملكهم ولهم، جاء في حقهم ما صدقهم، مكرا من الله معهم وتجليا منه لهم على حسب اعتقادهم. فإن الحق لا بد أن يتجلى يوم القيامة على حسب اعتقاد المعتقدين، كما قال: (أنا عند ظن عبدي بي.).

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال رضي الله عنه : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال رضي الله عنه : ("إلا خسارا" [نوح: 21]) سيما إذا ترك تقليد الأنبياء عليهم السلام لأجله، فإذا بعد عن نتائج العقل المجرد عن نور الشرع والكشف، ("فما ربحت تجارتهم " [البقرة: 16]) في إتعابهم الأفكار في تحصيل المقدمات النظرية، "وما كانوا مهتدين" [البقرة:16]، إلى ما يطابق الواقع من تلك المعارف فكانوا خاسرين.
(فزال عنهم) بكشف الحجب بالموت عنهم، (ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم) يتصرفون فيه، وينتفعون به تصرف الملاك وانتفاعهم، (وهو) أي: تلك المعارف العقلية بنور الكشف ثابت (في المحمديين)؛ فإنهم مالكون لها ينتفعون بها، ويفيضونها على من يرونه أهلا لذلك بدليل قوله تعالى في شأنهم: ("وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" [الحديد: 7]).
فأمرهم بإنفاق العلوم العقلية، وهو شأن الملاك خلافة عن الله تعالی كأنهم قائمون قيامه في الملك ملكهم الاختيار في ذلك، وكذا (في) حق مؤمني قوم (نوح عليه السلام) إذ قال في حق أولادهم: ("وألا تتخذوا من دوني وكيلا" [الإسراء: 2])، "ذرية من حملنا مع نوح" [الإسراء: 3].
فهم أصل في ذلك الأمر أمروا ألا يتخذوا غير الله من أفكارهم وكيلا في تحصيل العلوم العقلية، ولم يبق لهم اختيار في الاستفاضة والإفاضة.
وإذا أمرهم الله أن يتخذوه وكيلا في تحصيل تلك العلوم وإفاضتها، (فأثبت الملك لهم) في تلك العلوم (والوكالة) في تحصيلها، وإفاضتها (الله) إذ جعل المالك وكيلا لا يتصور؛ لكنه لا شك في أنه مالك بالأصالة فهم مستخلفون (فيه) أي: في ملك تلك العلوم عن الله.
وإذا كانوا (مستخلفين) في ملك تلك العلوم، (فالملك) في تلك العلوم (الله) ومع كونه مالكا (هو وكيلهم)؛ لأنه قد ملكهم، (فالملك) بعد تملیکه إياهم ذلك (هم) لا بذاتهم.
ولذلك قال: (وذلك ملك الاستخلاف) فليس لهم التصرف في ذلك باختيارهم؛ بل الاختيار الله وإلا كانوا اتخذوا من دونه وكيلا من أنفسهم.

 .
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:14 عدل 5 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية عشر : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( " إِلَّا خَساراً " فما ربحت تجارتهم ) . وضياعا لرأس المال ، يعني المقدّمات الحاصلة لهم والقواعد التي يميل إليها قلوبهم ويستنتجون بها العقائد ويستربحون بها الأموال .
وإذ كان ذلك في المعارف الإلهيّة مما لا يجدي بطائل ، وطريق النظر فيها منبتّ ما يفيض على السالك فيه بطلّ ولا وابل وإذ تزلزلت تلك القواعد ، لأنّ مسلكهم ذلك مثار الشبه والشكوك التي بها يضطرب القواعد ويزول عن مستقرّها.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فزال عنهم ما كان في أيديهم ممّا كانوا يتخيّلون أنّه ملك لهم ) وهذا أيضا مما يدلّ على أنّ العقائد صور أنفس المعتقدين ، فهي عند ترقّيها بمدارج الكمال تتحوّل صورتها ، فلا بدّ من زوال تلك العقيدة التي هي صورتها أولا .
هذا ما في الكلمة النوحيّة والنوحيين من هذه الحكمة ( وهو في المحمّديين " وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه " [ 57 / 7 ] ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وفي نوح: " أَلَّا تَتَّخِذُوا من دُونِي وَكِيلًا " [ 17 / 2 ] ، فأثبت الملك لهم ) في الحكمة النوحيّة ( والوكالة لله فيه) وأمّا في المحمّديين ( فهم المستخلفون فيهم ) أي في أنفسهم وفي جميع الممالك ( فالملك لله ) .
(وهو) في النوحيّين ( وكيلهم ، فالملك لهم ، وذلك ملك الاستخلاف ) ، فإنّه ليس للعبد أن يملك بالاستحقاق قطعا . أي بما ظهر من هذه الحكمة وهو أنّ أحوال العقائد التي هي أملاك أصحابها النوحيين الخاسرين في التصرّف فيها ، وهي بالنسبة إلى أصحابها المحمّديين ممالك مستخلفين فيها ومنفقين منها كلَّها حقّ . كما سيجيء تحقيقه ففي هذه الصورة.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
قال رضي الله عنه : ("إلا خسارا"، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين).
فلذلك لم تزدهم تلك النتائج ("إلا خسارا")، أي ضياعا، ("فما ربحت تجارتهم" [البقرة: 16]) . التي كان رأس مالهم فيها العمر والاستعداد وما حصلوا به النتائج الفكرية (فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم) من رأس مالهم الذي هو العمر والاستعداد و مما حصلوا به من النتائج الفكرية به.
أما زوال رأس المال فلأنهم أضعوها في تحصل ما لا طائل تحته ، وأما زوال ما حصلوا به فلأنه لما ظهر الأمر على ما هو عليه في نفسه انقلب علمهم جهلا، وإنما قال : يتخيلون أنه ملك، لأن الملك كله في الحقيقة إنما هو لله سبحانه وليس لغيره إلا على سبيل التوهم والتخيل الغير المطابق للواقع.
ولما انجر الشيخ رضي الله عنه  الكلام إلى ذكر الملك وإثباته أراد أن يشير إلى تفاوت حال المحمديين والنوحيين فيه فقال : (وهو)، أي الملك وإثباته جاء (في) شأن (المحمديين)
قال رضي الله عنه : («و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
فقال الشيخ رضي الله عنه : (وهو)، أي الملك وإثباته جاء (في) شأن (المحمديين) ما يفهم من قوله تعالى : ("وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه") [الحديد: 7]. فأثبت فيه الملك لله تعالي. والاستخلاف للمحمديين كما هو الأمر عليه في نفسه .
(و) جاء (في قوم نوح "ألا يتخذوا من دوني وكيلا [الإسراء : 2]، فأثبت الملك لهم)، أي لقوم نوح عليه السلام كما يقتضيه تخيلهم (والوكالة الله فيه).
أي في ذلك الملك (فهم)، أي المحمديون (مستخلفون) بفتح اللام (فيه)، أي في الملك وفي أكثر النسخ فيهم، أي في أنفسهم وفي كل ما لهم من الأملاك (فالملك لله تعالی)، وهم خلفاؤه و وکلا وه في التصرف فيه (وهو)، أي الله سبحانه أيضا (وكليهم)، أي وكيل المحمديين لأن الوكالة الثابتة في النوحيين ثابتة في حقهم أيضا. قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : "فاتخذه وكيلا " [المزمل : 9]. فإن الأمة داخلة من حيث أمروا بمتابعته وإذا كان الله سبحانه وكيلهم (فالملك لهم و) تکن (ذلك ملك الاستخلاف) و بالتبعية لا بالأصالة كما تخيله قوم نوح.


.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:55 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 23:37 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال رضي الله عنه : "وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله. «ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". "
(وبهذا) الأمر المذكور، أي بسببه (كان الحق) سبحانه وتعالى (مالك الملك ) [آل عمران: 26]، فإن الملك الحقيقي لله سبحانه وقد استخلف فيه بنی آدم فلبني آدم الملك الحقيقي أيضا بطريق الاستخلاف والنيابة عن الحق تعالى.
فالحق تعالی مالك الملك لذلك وهو من أسمائه (كما قال) الإمام (الترمذي) رحمه الله تعالى في أسئلته وبسط الجواب عنها الشيخ المصنف قدس الله سره في الفتوحات المكية ("ومكروا" )، أي قوم نوح بنوح عليه السلام ("مكرا كبارا") [نوح: 22]، أي كبيرة فنسب الله تعالى الكبر إلى مكرهم لما يأتي في بيانه وسبب هذا المكر منهم (لأن الدعوة إلى الله) تعالى الحاصلة من نوح عليه السلام كذلك من جميع الأنبياء عليهم السلام لأممهم (مکر) في حقيقة الأمر من نوح عليه السلام كذلك جميع الأنبياء عليهم السلام بإذن الله تعالی فهي مكر من الله تعالى (بالمدعو) من قوم نوح وغيرهم
(لأنه)، أي المدعو (ما عدم) الله تعالى من البداية، لأن المدعو ظهور إلهي من بداية أمره تعالى (فيدعی) بنبي أو غيره (إلى الغاية) التي هي الله تعالى كما قال :
"وأن إلى ربك المنتهى" [النجم: 42]، ثم إن كل الدعاة إلى الله تعالی مأمورون بالدعوة على وجه المكر بالمدعو كما ذكر حيث قال حكاية عن نبينا عليه السلام بقوله تعالى: «قل هذه ، سبيلي (أدعوا إلى الله على بصيرة) أنا ومن اتبعني» [يوسف: 108] الآية .
وهم العارفون الوارثون (فهذا)، أي ما ذكر من الدعوة على بصيرة (عين المكر) الإلهي من الداعي والداعي فيه (على بصيرة) كما أمره الله تعالی بذلك (فنبه سبحانه) وتعالى في هذه الآية.
(أن الأمر) من حيث صور المدعوين والداعين (له) تعالى وحده (كله)، أي جميع ذلك الأمر فليس لأحد منه شيء كما قال تعالى النبيه وليس لك من الأمر شيء (فأجابوه)، أي أجاب قوم نوح نوح عليه السلام (مكرا) أيضا (كما دعاهم) هو أيضا (مكرا).


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.  «ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال رضي الله عنه : (وبهذا) أي وبسبب ملك الاستخلاف (كان الحق مالك الملك كما قال الترمذي) إذ الموكل ماله التصرف في الوكيل بجعله وكيلا فكان الحق مالكة لملكه في اصطلاح أهل الله في ملك الاستخلاف. (ومكروا) أي قوم نوح عليه السلام بنوح (مكرا كبارا لأن الدعوة) أي دعوة الأنبياء (إلى الله تعالی مکر بالمدعو) أي قومه "يقصد قوم نوح عليه السلام" .
(لأنه) أي الله تعالى وهر المدعو إليه (ما عدم من البداية) وهي ما يعبدون من الأصنام إذ لا ينكر أحد وجود الحق وربوبيته وإنما وقع الغلط في تعيينه وإضافة ربوبيته فبعضهم أضائها إلى أنفسهم وبعضهم إلى الأصنام أو غير ذلك والأنبياء يدعون قومهم من هؤلاء وهي البداية فلا عدم الحق من هؤلاء (فيدعى إلى الغاية ادعو إلى الله) وهو معبود بالحق
(فهذا) أي الدعوة من البداية إلى الغاية ذكر الإشارة باعتبار القول (عين المكر على بصيرة) لعلمهم ما يدعونه فکانت دعوة الأنبياء وإن كان مكرا لكونها على بصيرة حق واقع.
(فنبه) يعني لما دعا نوح عليه السلام قومه من البداية إلى الغاية نبه (أن الأمر له كله) لكون دعوته يشير ذلك وهو "استغفروا ربكم" حيث أضاف الرب إلى كل واحد منهم أي استروا كل واحد منكم ربكم الخاص بكم فشبه أن هوية الحق بالربوبية سارية في كل موجود و مكروا بسبب ذلك
(فأجابوه مكرا كما دعاهم) يعني لما نبه نوح عليه السلام في دعوته لقومه (مكرا) أجابوه مکرا كما دعاهم جزاء عن مكره .
لأنه وإن دعاهم إلى الله من حيث أسمائه لكنه نبه في دعوته ثبوت الحق في كل موجود فكانت الدعوة من حيث الأسماء مختفية مستورة بهذا التنبيه .
فلما علموا منه ذلك مكروا فقالوا: فالحق معنا ومع أصنامنا فنحن على دعوتك لم تركنا أصنامنا بل نعبد الحق في صورة أصنامنا .
لكون الحق ظاهرة في أصنامنا فلم يعلموا دعوة النبي بسبب التنبيه فأجابوا مكرا.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قلت : فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف. وبهذا كان الحق تعالی مالك الملك كما قال الترمذي، رحمه الله تعالی.
" مكروا مكرا كبارا" 22 سورة نوح.  لأن الدعوة إلى الله تعالی مکر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية .
"أدعوا إلى الله" 108 یوسف. فهذا عين المكر، على بصيرة فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم.
فجاء المحمدی وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسمائه.
فقال: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" 80 مریم. فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقین. فقالوا في مكرهم: " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء.
فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله.
في المحمديين: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" 23 الإسراء. أي حكم.
قال: فأجابوه مكرا كما دعاهم مکرا، ثم قال: من المحمديين ، أنه علم أن الدعوة من اسمه الهادي والمدعو هو من تبع الاسم المضل، فمن كانت نسبته في الحقيقة إلى الاسم الهادي وصورة الدعوة عامة لتعذر الإتيان بها خاصة لكل فرد فرد.
ثم شبه رضي الله عنه، هذه القصة بمضمون قوله تعالى: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" (مريم: 85) فجاء بحرف «إلى» التي هي للغاية وقرنها بالاسم الرحمن ولكن لما ذكر المتقين علمنا أن المحشركان من حضرة الاسم المنتقم، فإنه هو الذي يتقي منه ولا يكون الاتقاء من الاسم الرحمن.
فإذن المحشر كان من حضرة اسم إلى حضرة اسم وإذا اعتبرت الهوية لم يكن هناك حشر فمعاني الحشر على قاعدته هو مكر.
ثم عاد إلى قوم نوح وبين أنهم إنما أجابوا الداعي مكرا أيضا بما ذكر من نسبتهم لمن قال : "لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" (نوح: 23).
فكأنه قال: إنهم صرحوا بما كانوا واخفوه حالة مكرهم في الاجابة إذ قد علموا أن هذه التي دعوها آلهة هي عندهم ظهورات إلهية. والشيخ، رضي الله عنه، يسمى الظهورات مظاهر ومجالي، بناء على قاعدته من الإقرار بالأعيان الثابتة .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال رضي الله عنه : « وبهذا كان الحقّ ملك الملك » .
قال العبد : لمّا تحقّقنا أنّ ما بنا من نعمة فمن الله ، تحقّق أنّ الوجود الذي هو أفضل النعم وأشرف النسب والقسم من الله ، والوجود الحقّ هو المتعيّن في جميع صور النعماء والآلاء والأيادي ، وفي صور الملاذّ والملاهي ، في الصورة الثبوتية الأمرية والسلبية في المناهي ، وأنّ التعيّنات لا تبقى زمانين إلى أقصى ما أقصى به لا يتناهى .
وأنّ الوجود الحقّ يتبدّل ويتبذّل مع الآنات ملابس تعيّن وظهور وتنوّع بحلي ، وتحلّ وسفور في ستور من سرّ الخلق الجديد الذي هم منه في لبس ملابس من جميع الأمور فكما أنّ حقائق الأشياء مع قطع النظر عن الوجود المتعيّن بها وفيها نسب راجعة إلى العدم ، كذلك الوجود الحقّ يقتضي لحقيقته التجلَّى والظهور والتعيّن بصورة النور في المظاهر والمجالي .
على التواتر والتوالي ، من غير فتور إلى الأبد من أزل وقدم ، فلو كان مشهود العباد هو الحقّ الذي هو قوامهم وقيامهم ، وهو الحيّ القيّوم فيهم وقيّامهم ، فرأوا الملك والمال والولد والنعم لله حقيقة لا لهم دونه ، فإنّهم بلا « هو » عدم صرف والعدم لا يملك ، فالملك لله فيهم بالأصالة بلا شريك ، ولهم فيه لا بالحقيقة بل بالتمليك ، وأنّ المرجوع في كل ذلك إلى الله .
" أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الأُمُورُ و " هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ " وهو المليك المالك للملك والملكوت ، لكان الحقّ في تجلَّيه لهم بحسب ظنونهم فكان لهم مالا وملكا أبديّا وملكا سرمديّا وهم ملكه ، فهو ملك ملكهم ، إذا زال عنهم ما بأيديهم من مالهم وملكهم ممّا تخيّلوا أنّه لهم بالأصالة من كفرهم وشركهم فحجبوا في عين الكشف ، وسكروا بالوصف ، قبل الشرب والرشف .
قال أبو يزيد البسطاميّ سلام الله عليه في مناجاته إيّاه ومحاضرته لمولاه وقد تجلَّي له المليك المقتدر : « ملكي أعظم من ملك ، لكونك لي وأنا لك ، فأنا ملكك وأنت ملكي ، وأنت العظيم الأعظم وملكي أنت ، فأنت أعظم من ملكك وهو أنا » ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : « كما قال الترمذيّ » .
يعني رضي الله عنه الشيخ الكامل ، الإمام الفاضل ، قدوة الطائفة العالية ، أستاد الطريقة ، وبرهان الحقيقة ، محمّد بن عليّ الترمذيّ الحكيم المؤذّن ، وذلك أنّه ذكر من جملة ما أجمل في مسائله عن الخاتم المحمدي ، خاتم الولاية الخاصّة المحمدية قبل ولادة هذا الخاتم بمائتي سنة ، ثم لمّا ولد وبلغ ، أجابه فيها رضي الله عنه فقال : « مالك الملك » وقد ورد علينا وارد في هذا المقام حالا شهوديّا  . شعر :
يا منتهى السؤل أنت القصد والغرض .......      لي فيك عن كلّ شيء فاتني عوض
مالي سواك ومالي في هواك سوى    ..... سوء الظنون سواء في السوي عرض
الأبيات بطولها .
قال رضي الله عنه : " وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً " ، لأنّ الدعوة إلى الله مكر بالمدعوّ ، لأنّه ما عدم من البداية فيدعى إلى النهاية " أَدْعُوا إِلَى الله "  فهذا عين المكر "عَلى بَصِيرَةٍ "  فنبّه أنّ الأمر كلَّه له ، فأجابوه مكرا كما دعاهم مكرا " .
قال العبد : حقيقة الدعوة تقتضي الفرقان والتمييز والبينونة والتحييز ، ولا تتحقّق إلَّا في البين بين اثنين . فيدخل « من » و « إلى » لبداية دعائه في الأين .
وحقيقة المدعوّ عين الأمرين وعين الغاية والبداية في كل عين عين ، فالدعوة من عين أو أعيان مع كون الحقّ عين المدعوّ والمدعوّ عنه إلى الحق من كونه أيضا عينه كذلك مكر ، لكون المدعوّ إليه عين ما منه يدعو إلى عينه في نظر المكاشف وإلى غيره في عين غير المكاشف الواصف العارف ، فجاؤوا بأكبر نوع من المكر ، وهو إجابتهم للداعي لهم مكرا في صورة الردّ ، وإقرارهم بما يدعى الدعوة إليه ، في صور الإنكار والنكر والكفر .
فقابلوا مكر الداعي بهم من حيث لا يشعرون ، فأجابوه بالفعل مكرا في كل ما دعاهم إلى الله كذلك من حيث يعلمون ولا يعلمون .
والذي قال رضي الله عنه : « فنبّه أنّ الأمر كلَّه لله » .
يعني سلام الله عليه : أنّ كلَّا من الداعي والمدعوّ ، مأمور بما هو به ظاهر ، ويحكم سلطنته له تحت أمر قاهر وباهر ، فالداعي مأمور بالدعوة والأمر ، والمدعوّ مأمور بما خلق له ، وكلّ ميسّر لما خلق الله .
ولكنّ الله علم أنّ صلاح المستعدّين المستحيين في الدعوة بالإقلاع عن الانهماك في صور التفرقة والحجاب، وذلك أنّهم تناهوا في الخروج إلى أقاصي عوالم الإمكان والظهور، فلو تابوا إلى الله العالم بأحدية جمع الوحدة الباطنة في أعيان الكثرة.
لحصل لهم الكمال الجمعي في ذلك التناهي بالعروج ، والانتهاء في الرجوع إلى الأصل الباطن الذي منه البروز والخروج والدروج ، ولكنّهما الأهواء عمت فأعمت فأصمّهم الله وأعمى أبصارهم ، وحبّك الشيء يعمي ويصمّ عن غيره ولو بالنسبة والإضافة .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال رضي الله عنه : ( وبهذا كان الحق مالك الملك ، كما قال الترمذي ) وهو إشارة إلى ما ذكر الشيخ العارف محمد بن على الحكيم الترمذي من جملة سؤالاته لأنه التي سأل عنها الخاتم للولاية قبل ولادة الشيخ العارف محيى الدين بما يأتى سنة وهو قوله ما ملك الملك ، وإلى هذا المعنى أشار الشيخ العارف أبو يزيد البسطامي قدس الله روحه في مناجاته .
وقد تجلى له الملك الحق المبين فقال : ملكى أعظم من ملكك لكونك لي وأنا لك ، فأنا ملكك وأنت ملكى ، وأنت العظيم الأعظم وملكى أنت فأنت أعظم من ملكك وهو أنا .
قوله  رضي الله عنه : ( " ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً " - لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية – " أَدْعُوا إِلَى الله " - فهذا عين المكر – " عَلى بَصِيرَةٍ " - ) معناه أن الدعوة إلى الله دعوة منه إليه لأن الله عين المدعو والداعي والبداية والغاية لكونه عين كل شيء فهو مكر بالمدعو لأن المدعو مع الله فكيف يدعى إلى الله فقابلوا مكر الداعي بمكر أعظم من مكره .
فقالوا : " ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً " فإنهم إذا تركوهم ، فقد تركوا الحق وجهلوه بقدر ما تركوا من هؤلاء ، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله ، فهم مقرون بما يدعو الداعي إليه .
وفي صورة الإنكار مجيبون دعوته في صورة الرد من حيث لا يشعرون ، فإن الدعوة فرقان وهم في القرآن ، فكأنهم مع كفرهم يقولون قد أتينا الله ونحن معه فإن المدعو معه عين المدعو إليه في شهود المكاشف وغيره في اعتقاد غير المكاشف .
فعندهم أنه لو أجابوه ظاهرا لتركوا الحق إلى الباطل فلذلك كان مكرهم أكبر من مكره ، فقوله ادعوا إلى الله عين المكر على بصيرة أي على علم بأن الدعوة منه إليه ( فنبه عليه السلام أن الأمر له كله ) وأنه يدعو بأمر الله والمدعو يجيبه بالفعل وأنه مطيع بما أمر به واقف مع ما خلق له وأريد منه تحت حكم قاهر وسلطنة أمر باهر .
وهو معنى قوله ( فأجابوه مكرا كما دعاهم ) على ما ذكر آنفا لكنه يعلم أن صلاح المستعدين المجيبين في قبول الدعوة من حيث أنهم وقعوا في غاية التفرقة والحجاب وتعمقوا في أقاصى عالم الإمكان فلو أجابوا لخرجوا من التفرقة إلى الجمع ، وخلصوا من مهاوي الإمكان إلى ذرى الجمع ، وبلغوا كمالهم الجمعى الذي منه يبدأ الأمر وإليه عاد.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وبهذا كان الحق (ملك الملك) كما قال الترمذي) أي، وبسبب أن الحق
أثبت ملك الاستخلاف للعباد الكمل وجعل نفسه وكيلا منهم، وللموكل أن يتصرف في الوكيل بحسب العزل والإثبات كما يتصرف في الملك، صار الحق ملك ملكه.
وذكر الشيخ رضي الله عنه في اصطلاحاته: (مالك الملك هو الحق في حال مجازات العبد على ما كان منه مما أمر به). فمعناه: أن الحق جزى عبده على ما عمل مما أمر به.
واعلم، أن جزاء الأعمال الصادرة من العباد إنما هو بحسب نياتهم: فمن
كان عمله للجنة يجازيه بها، ومن كان عمله لله نفسه، ولا رغبة في الجنة ولا رهبة من النار، فالحق جزاؤه لا غير، كما جاء في الحديث القدسي: (من أحبني قتلته، ومن قتلته فعلى ديته ومن على ديته، فأنا ديته).
وقال أبو يزيد في مناجاته، عند تجلى الحق له: (ملكي أعظم من ملكك لكونك لي وأنا لك، فأنا ملكك وأنت ملكي، وأنت العظيم الأعظم، وملكي أنت، فأنت أعظم من ملكك وهو أنا.)
وقوله: (كما قال الترمذي) إشارة إلى ما سأل الشيخ الكامل المكمل،
محمد بن على الترمذي، قدس الله روحه، أسئلة لا يجيب عنها إلا أكابر الأولياء أوقطب الوقت. ومن جملتها: (ما ملك الملك؟
ولما ولد وبلغ الشيخ رضي الله عنه أجاب عنها. وفي كتاب الفتوحات، في المجلد الثاني، مذكورة مع أجوبتها.
قال الشيخ رضي الله عنه : (ومكروا مكرا كبارا، لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، لأنه ما عدم من البداية، فيدعى إلى الغاية "ادعوا إلى الله" فهذا عين المكر على بصيرة. فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم). أي، لما مكر نوح عليه السلام معهم، مكروا مكرا كبارا في جوابه. وذلك لأن الدعوة إلى الله مكر من الداعي بالمدعو، لأن المدعو ما عدم الحق من البداية حتى يدعى إليه في الغاية، لأنه مظهر هويته في بعض مراتب وجوده، فالحق معه بل هو عينه.
فالداعي إذا دعى، مظهرا ما يمكر به: فإنه يريد أن الحق ليس معه، وهو غيره، وهو عين المكر. لكن مثل هذا المكر من الأنبياء إنما هو على بصيرة.
كما قال رضي الله عنه : (ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). أي، يعلم النبي إنه مظهر هوية الحق، لكن يدعوه ليخلصه عن القيود وترتفع عنه الحجب الموجبة للضلالة، فيرى ذاته مظهرا للهوية، ويشاهد جميع الموجودات مظاهر الحق، ويعبده بجميع أسمائه وصفاته، كما عبده من حيث اسمه الخاص.
وفاعل (نبه) ضمير يرجع إلى نوح، أو إلى الحق. أي، نبههم على أن الملك كله لله، ليس كما تخيلوا أنه لهم.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال رضي الله عنه : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله. «ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ".)
قال رضي الله عنه : (وبهذا) أي: وبتلك المعارف الكشفية (كان الحق مالك الملك) تتصرف عبيده في معارفه تصرف الملاك، وينتفعون بها انتفاعهم، (كما قال الترمذي).
وقد روي عن أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه أنه قال في مناجاته حين تجلى له الملك الحق المبين: " ملكي أعظم من ملكك؛ لأنك لي، وأنا لك، فأنا ملكك وأنت ملكي، وأنت العظيم الأعظم".
وإلى هذا أشار الشيخ رضي الله عنه في اصطلاحاته إذ قال: مالك الملك هو الحق في حال مجازاة العبد على ما كان منه إذ أعظم المجازاة ما يكون بالمعارف الإلهية ؛ فافهم، فإنه مزلة القدم.
ولما فرغ عن بيان تقليدهم من لم يزده ماله وولده إلا خسارا شرع في بيان أخذهم بقول نوح الكلية على سبيل المكر والمكابرة بما ينجر إلى ما كانوا عليه من عبادة الأصنام فقال: ("ومكروا" [نوح: 22]).
أي: مكرت أرواحهم في إجابة دعوة نوح إذا أجابوه لا في التنزيه، ولا في الظهور في الكل، بل في بعض المظاهر، أو في الكل مع جعل المظاهر القاصرة كاملة بحيث تستحق العبادة فكان مكرهم ( "مكرا كبارا" [نوح: 22])، کابروا فيه مع نوح العلي وقصدوا بذلك جزاء مكره في دعوتهم إلى الله تعالی؛ (لأن الدعوة إلى الله) من حيث اشتمال هذا الاسم سائر الأسماء (مكر بالمدعو) لإصلاح أمره وإرشاده من حيث لا يشعر.
إذ لو قيل له: إنه يدعي من اسم إلى اسم مع أنه مع الله بكل حال لربما كابر وزعم أنه مع الاسم المدعو إليه، كالرحيم، والغفور من حيث إنه يراه غير مؤاخذ بذنوبه، مرزوقا معافي.
وإنما قلنا: إنه مكر بالمدعو؛ (لأنه) أي: اسم الله من حيث شموله للأسماء (ما عدم من البداية) التي فيها المدعو الآن؛ لأنه لا يخلوا عن تجلي اسم من الأسماء الإلهية (فيدعی إلى الغاية) التي فيها الله خاصة، بل هو فيهما بالتجلي؛ لكنه في الأول بالاسم القهري، وفي الثاني بالاسم اللطفي.
فهذا أي: الدعاء من بعض الأسماء إلى بعض في المعنى مع كونه في اللفظ ("أدعوا إلى الله" [يوسف: 18]) تعالی (عين المكر) بالمدعو لإصلاحه وإرشاده، كما قال: لكنه ("على بصيرة" [يوسف: 18]) من الداعي إذ علم بمكابرة المدعو لو صرح له بالمدعو إليه من الأسماء، (فنبه) روح المدعو بمكره على مكر الداعي، إذ علم (أن الأمر) أي: أمر البداية والغاية (له كله) .
إذ الكل من حيث مظاهر الأسماء الداخلة تحت حيطة هذا الاسم الكلي، وقد خصصه نوح اللي بالأسماء اللطفية، إذ دعاهم إليه من حيث تضمنه إياها خاصة.
(فأجابوه مکرا) بقبول دعوته في غير الصورة المطلوبة؛ لأنه دعاهم إلى التنزيه باعتبار ذاته، والتشبيه باعتبار ظهوره في المظاهر، وهم إنما قبلوا دعوته بتخصيص ظهوره ببعض المظاهر أو الكل مع جعل البعض القاصرة كأنها الكل حتى جعلوها مستحقة للعبادة .
وهو غلط إذ المظهر الكامل هو الإنسان فلا يليق به أن يعبد ما دونه، وهو أيضا لا يستحق العبادة من غيره؛ لأن غاية كماله أن يظهر بالعبودية التي هي أصله، وقصدوا بذلك أن يجيبوه مكرا (كما دعاهم مكرا) من بعض الأسماء إلى بعض، مع أنه أظهر أنه يدعوهم إلى الله الذي هو الكل

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:24 عدل 4 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة السبت 27 أكتوبر 2018 - 23:40 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة عشر : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وبهذا) أي بما ظهر من هذه الحكمة وهو أنّ أحوال العقائد التي هي أملاك أصحابها النوحيين الخاسرين في التصرّف فيها ، وهي بالنسبة إلى أصحابها المحمّديين ممالك مستخلفين فيها ومنفقين منها كلَّها حقّ . كما سيجيء تحقيقه ففي هذه الصورة.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كان الحقّ ملك الملك ، كما قال الترمذي ) في أسئلته ، وقد أجاب الشيخ عنها في الفتوحات "المكية " .
فإنّ الحكيم محمّد بن علي الترمذي قد سأل الخاتم للولاية عن أسئلته ، وكان قبل الشيخ بأربعمائة سنة تقريبا ، وصرّح بأنّ الخاتم هو الذي يجيب عنها ،ومن جملتها : « كم مجالس ملك الملك»؟
فأجابه أوّلا بأنّه على عدد الحقائق الملكيّة والناريّة والإنسانيّة ، واستحقاقاتها الداعية لإجابة الحقّ فيما سأله منه .
ثمّ بسطه بما معناه : إنّ الكلام هاهنا مسبوق بمعرفة ملك الملك ، وذلك موقوف على معرفة الملك ، وهو الذي يقضي فيه مالكه بما شاء فلا يمنع عنه . . . فالمأمور هو الذي يقال له الملك ، والآمر هو المالك . . . سواء كان المأمور دونه أو مثله أو أعلى . . . فإنّ قول العبد : « اهدنا » أمر منه ، وإن سمّي دعاء .
فإذا فهمت هذا وعلمت أنّ المأمور قد امتثل أمر آمره ، فأجابه فيما سأل منه ، أو اعترف بأنّه يجيبه إذا دعاه لما يدعوه إليه .
إذا كان المدعوّ أعلى منه فقد صيّر نفسه - هذا الأعلى - ملكا لهذا الدون ، وهذا الدون هو تحت حكم هذا الأعلى وقدرته وأمره ، فهو ملكه بلا شكّ ، وقد قرّرنا أنّ الدون الذي هو بهذه المثابة - قد يأمر سيّده ، فيجيب السيّد لأمره ، فيصير بتلك الإجابة ملكا له .
وإن كان عن اختيار منه فيصحّ أن يقال في السيّد : « إنّه ملك الملك » لأنّه أجاب أمر عبده ، وعبده ملك له ، والمأمور هو الملك ، فالسيّد عند الإجابة ملك الملك .
فعلم وجه التفاوت بين الكلمتين في هذه الحكمة .
ومن جملة تلك الحكم ما قال تعالى حكاية عن قوم نوح : ( "وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً "[ 71 / 22 ] لأنّ الدعوة إلى الله مكر بالمدعوّ ) ، " حيث قال نوح : « ربّ إنّي دعوتهم » مطلقا ، ولا شكّ أنّ الحقّ عين المدعوّ والداعي والبداية والنهاية ، فالدعوة مكر بالمدعوّ ضرورة ( لأنّه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية ) .
وأمّا محمّد فما أطلق في دعوته بل قال : ( " أَدْعُوا إِلَى الله " على بصيرة ) أي على وقوف وعلم بأنّه بحسب هويّته الجمعيّة عين الكلّ .
لكن الدعوة إنّما هي بحسب أسمائه المهيمنة في وقتها ، ( فهذا عين المكر على بصيرة ) وحيث قيّد دعوته بالبصيرة علم أنّه إذا كان عين الكل يستدعي أن يكون الدعوة حقّا ، إذ هي عينه .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فنبّه أنّ الأمر له كلَّه ) فليس للداعي دخل في الدعوة أصلا .
وإذ ليس في الدعوة النوحيّة هذا التنبيه ، بل إجمال من القول ، أجمل قومه أيضا في الجواب ، (فأجابوه مكرا ، كما دعاهم ) امتثالا لما أمرهم لسان الوقت وعملا بمقتضاه .
ولما كان في الدعوة المحمّديّة ذلك التفصيل ، فهم قومه منه ذلك.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله.
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
قال رضي الله عنه : (وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله. )
(وبهذا)، أي يكون الملك لله فإنه يستلزم أن يكون العبد ملكا لله ويكون الحق وكيلا له فإنه يقتضي أن يكون الحق ملكا للعبد فإن للموكل أن يتصرف في وكيله كما ينصرف المالك في ملكه.
(كان الحق) سبحانه (ملك الملك) بكسر الميم فيهما (كما قال) الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم (الترمذي) قدس الله تعالی سره في جملة سؤالاته التي سأل عنها الخاتم للولاية المحمدية قبل ولادة الشيخ المصنف رضي الله عنه بقرون كثيرة.
فأجاب عنها الشيخ رضي الله عنه حيث اطلع عليها، ويمكن أن يقال معنى قوله : وبهذا، أي بإثبات الملك لكل واحد من الحق والعبد، كان الحق سبحانه مالك الملك، فإن العبد أيضا قد يمتك الحق تعالی بل العبد المحض لا يملك إلا إياه .
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع والأربعين وأربعمائة من الفتوحات : اعلم أنه لا يملك المملوك إلا سيذه، ولهذا يسمى الترمذي الحكيم الحق سبحانه ملك الملك غير سيده لا يملك عبد.
فإن العبد في كل حال يفصد سیده فلا يزال تصرف سيده بأحواله في جميع أموره، ولا معنى للملك إلا التصرف بالقهر والشدة ومهما لم يقم السيد بما يطالبه به العبد فقد زالت سيادته من ذلك الوجه.
وأحوال العبد على قسمين : ذاتية وعرضية
وهو بكل حال بتصرف فيه سيده والكل عبيد الله تعالى، فمن كان دوني الهمة قليل العلم كثيف الحجاب غليظ القفا ترك الحق وتعبد عبید الحق ونازع الحق في ربوبيته فخرج من عبودينه .
فهو وإن كان عبدا في نفس الأمر فليس هو عبد مصطنع ولا مختص، فإذا لم يتعبد أحد من عباد الله كان عبدا خالصا لله تعالی فتصرف فيه سيده بجميع أحواله فلا يزال الحق في شأن هذا العبد خلاق على الدوام بحسب انتقالاته في الأحوال.
""وقال الشيخ رضي الله عنه : (قال صلى الله عليه وسلم "خادم القوم سيدهم" لأنه القائم بأمورهم لأنهم عاجزون عن القيام بما تقتضيه أحوالهم. فمن عرف صورة التصريف عرف مرتبة السيد من مرتبة العبد . فيتصف العبد بامتثال أمر سيده والسيد بالقيام بضرورات عبده . فلا يتفرغ العبد مع ما قررناه من حاله مع حال سيده أن يقتني عبدا يتصرف فيه لأنه يشهد عيانا أن ذلك العبد الآخر يتصرف في سيده تصرفه .
فيعلم أنه مثله عبد لله وإذا كان عبد الله لم يصح أن يتعبده هذا العبد فما ملك عبد إلا حجاب.).""
وقال أيضا في هذا الباب: لقيت سليمان الديبلي فأجرني في مباسطة كانت بيني وبينه في العلم الإلهي ..
فقلت له : أريد أن أسمع منك بعض ما كان بينك وبين الحق من المباسطة.
فقال: باسطني يوما في سري في الملك فقال لي: إن ملكي عظيم، فقلت له : ملكي أعظم من ملكك، فقال : كيف تقول، فقلت : له مثلك في ملكي وليس مثلك في ملكك. فقال : صدقت
قال رضي الله عنه : أشار إلى التصريف بالحال والأمر وهو ما قررناه وهذا قريب مما قاله أبو يزيد البسطامي قدس الله سره في مناجاته : "ملكي أعظم من ملكك" لكونك لي وأنا لك فأنا ملكك وأنت ملكي وأنت العظيم الأعظم وملكي أنت فأنت أعظم من ملكك وهو أنا .
"" فقال الشيخ رضي الله عنه : فإذا علمت هذا علمت قدرك ومرتبتك ومعنى ربوبيتك وعلى من تكون ربا في عين عبد وهو بالعلم قريب وبالحال أقرب وألذ في الشهود والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.""
ثم قال رضي الله عنه : («ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
ثم أشار رضي الله عنه إلى قوله تعالى حكاية عن شكاية نوح عليه السلام عن قومه ("ومكروا مكرا كبارا" نوح : 22). أي مكر قوم نوح عليه السلام في جواب دعوته مكرا عظيما.
كان نوح عليه السلام مكر بهم في الدعوة وذلك (لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو) وإمرار الأمر على غير ما هو عليه في نفسه (لأنه)، أي المدعو (ما عدم) على البناء للفاعل يعني ما فقد الله سبحانه (من البداية فيدعى إلى الغاية) فيجده فيها ، ولأنه أي الله سبحانه وتعالى ما عدم على البناء للمفعول من البداية فيدعي المدعو الى الغاية ليجده فيها بل هو عين المدعو منه والمدعو إليه كما هو عين المدعو والداعي.

قوله رضي الله عنه (أدعو إلى الله)، يدل على فقدانه عن بعض هذه المراتب وهو غير ما هو الأمر عليه في نفسه (فهذا عين المكر)، وقوله : (على بصيرة)، أي على علم بأن الدعوة منه وإليه وهو الداعي والمدعو (فنبه)، أي هذا القول أو الداعي أو الله سبحانه به (على أن الأمر له)، أي لله سبحانه (کله) فهو الموجود في البداية والمقصود في النهاية والداعي في مرتبة المدعو في أخرى، فحقيقة الدعوة أن يدعو اسم اسم من اسم إلى اسم آخر ، فقوم نوح ما فهموا حقيقتها بل حسبوها مكرا (فأجابوه)، أي قوم نوح عليه السلام (مكرا) به (كما دعاهم) مكرا (لهم) ومجيء جوابهم بعيد هذا .
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 13:59 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 28 أكتوبر 2018 - 0:18 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الرابعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الرابعة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)

قال رضي الله عنه : "فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود."
قال رضي الله عنه : (فجاء) الوارث (المحمدي) في هذه الأمة داعيا لها (وعلم أن الدعوة إلى الله) تعالى التي هي مأمور بها إرثا محمدية (ما هي) فيه (من حيث هويته) الشخصية الإنسانية (وإنما هي من حيث أسماؤه) التي هي ظهور أسماء الله تعالى بحسب استعداده (فقال تعالى) في الإشارة إلى ذلك ("يوم نحشر")، أي نجمع العباد ("المتقين") المحترزين من مخالفتنا التي منها دعواهم الاستقلال بأسمائهم التي هي أسماؤنا الظاهرة لهم في نفوسهم ("إلى") الاسم ("الرحمن") الذي هو موصوف بالرحمة العامة المستوي بها على العرش ("وفدا") [مريم: 85].
أي زائرین راکبین على نجائب أجسامهم النورانية لابسين ثياب نفوسهم الراضية المرضية متزينين بحلی حواسهم الظاهرة والخفية.
(فجاء) سبحانه وتعالى في هذه الآية (بحرف الغاية) وهو إلى (وقرنها)، أي الغاية (بالاسم) الإلهي الرحمن لا بالذات الإلهية .
(فعرفنا) من ذلك (أن العالم) كله معقوله ومحسوسه (كان تحت حيطة)، أي تصرف (اسم إلهي) حاکم علیهم بمقتضاه وهو الاسم الرحمن وقد (أوجب عليهم) كلهم ذلك الاسم الرحمن المتحكم فيهم (أن يكونوا متقين) ليظهر أثر رحمته فيهم فكانوا متقين كما أوجب عليهم من حيث لم يكشف لهم مما هو مقتضى أرواحهم المتصرفة في أجسامهم بإذن الله .
وإن جهلوا ذلك وجحدوه في عين ما هم فيه قائمون ومعلوم بأن الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى لا ما فعل والمؤاخذة بما كسب القلب والغفلة والزيغ في القلب.
قال تعالى: "ولكن يؤاگم بما كسبت قلوبكم" [البقرة : 225]. وفي آية أخرى: "لها ما كسبت"، أي للنفوس "وعليها ما اكتسبت " [البقرة: 286] . والتكليف كله على النفوس بما قصدت لا على أعمال الجوارح من حيث هي فقط، فالعالم كلهم متقون يحشرون إلى الرحمن وفدا من حيث هم في وجودهم، ومنهم ما هو كذلك من حيث كشفهم عنهم واطلاعهم على نفوسهم.
ومنهم ليس كذلك بل هم مجرمون فتن الله تعالى أبصارهم وبصائرهم فأراهم خلاف الأمر عليه في نفسه و أطلعهم على ما اقتضى زيغهم وضلالهم، فهم يساقون إلى جهنم وردا كما أخبر تعالی عنهم، وأهل الظاهر مع الظاهر وأهل الحقيقة مع الباطن.
(فقالوا)، أي قوم نوح (في مكرهم)الكبار الذي مكروه بنوح عليه السلام "لا تذرن" أي لا تتركن "آلهتكم" التي تعبدونها من دون الله ("ولا تذرن")، أي لا تتركن (ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) [نوح: 23] . وهي أسماء الأصنام لهم
(فإنهم)، أي قوم نوح (إذا تركوهم)، أي تركوا هذه الأصنام (جهلوا من الحق) سبحانه (على قدر ما تركوا من هؤلاء) الأصنام لأنهم ما علموا من الحق تعالى إلا مقدار ما علموا من هذه الأصنام .
وقد علموها مشبهة ومكيفة مثل جميع العالم والعالم جميعه ظهور الحق تعالى، والحق تعالی كما هو منزه عن كل ما ظهر مشبه أيضا بكل ما ظهر .
فهو منزه مشبه كما تقدم ذكره وقد علموه مشبها في بعض ما هو مشبه به، والتشبيه بعض المعرفة به، فلو تركوا ما هم فيه من بعض معرفته جهلوا على مقدار ما تركوا.
فلهذا السر، المخفي عنهم لم يتركوا أصنامهم وإن كان تمسكهم بأصنامهم بالنظر إلى نياتهم كفرة وزيغ وضلالا لما قدمناه من أن بعض معرفة الشيء نقص ونقص المعرفة كفر.
فلا يجحد کون ذلك البعض معرفة قليلة، ولا يقال بقبول ذلك في دين الله تعالى، ولكن هذا كشف عن حقائقهم لا عن أحكامهم كما بينته في كتابي الرد المتين على منتقص العارف محيي الدين .
و (فإن للحق) سبحانه وتعالى من حيث ظهوره (في كل معبود) من صنم أو کوکب ونحو ذلك (وجها خاصة) هو من ذلك الوجه حقيقة الحق تعالی ظاهرة بصورة ذلك المعبود .
کما قبل الحق تعالى أن يكون عالما بصورة ذلك المعبود قبل ظهوره بها من غير أن يتغير هو سبحانه عما هو عليه في نفسه (يعرفه)، أي ذلك الوجه (من عرفه) لصفاء البصيرة (ويجهله من جهله) لكدر البصيرة وانطماسها (في) الأولياء (المحمديين) .
ولم يقل : ويجحده من جحده، لأن الأولياء لا يجحدونه وإن جهلوه وإنما يجحده بعض العوالم ممن يزعم أنه من علماء الرسوم لقصورها عن درك الحقائق كما يشير إليه قوله تعالى : ( وقضى ) من الأزل وقدر (وألا تعب وأه) یا أيها المكلفون كلكم (و إلا إياه ) [الإسراء: 23] وحده (أي حكم) وحكمه تعالی
نافذ على كل حال فكيف تتصور عبادة غيره تعالى حينئذ.
فالعالم من الأولياء المحمديين (یعلم من عبد) في وقت عبادة عباد الأصنام مثلا للأصنام هل عبدت على الحقيقة الصورة الظاهرة الممسوكة بقدرة الحق سبحانه، أي عبد الحق تعالی الظاهر بها .
(و) يعلم ذلك المعبود الحق سبحانه (فی أي صورة ظهر) بفعله لا بذاته (حتی عبد) عند جميع العالمين (و) يعلم (أن التفريق) والتمييز (والكثرة) في المعبود الواحد (کالأعضاء) الكثيرة المختلفة مثل اليدين والرجلين والأذنين والعينين ونحو ذلك (في الصورة) الواحدة (المحسوسة) فإن كثرة أعضائها لا تنافي وحدة حقيقتها في الإنسان الواحد .
(وكالقوى) جمع قوة (المعنوية) كقوة البصر وقوة السمع وقوة اللمس وقوة الذوق وقوة الفكر وقوة الحفظ وقوة الخيال وما أشبه ذلك (في الصورة الروحانية الواحدة التي هي في باطن الصورة الجسمانية المحسوسة .
(فما عبد) على الحقيقة (غير الله) تعالى (في كل معبود) وعبده عابد مطلقا .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه : (فجاء المحمدي) للدعوة والمراد محمد عليه السلام وإنما جاء بياء النسبي إشارة إلى أن الداعي هو الروح الظاهر في صورة الجسد المحمدي وهو الروح الجزئي المنسوب إلى الروح الكلي لا الروح الكلية المحمدية .
(وعلم) هذا المحمدي قبل أن يؤمر بالدعوة (إن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسمائه) فصدقه الله فيما علم.
(فقال يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا فجاء بحرف الغاية وقرنها بالأسم فعرفنا أن العالم كان نحت حيطة اسم إلهي أوجب) ذلك الاسم (عليهم) أي على أهل العلم كله (أن يكونوا) أي أهل العالم (متقين) أي حافظين محترزین عبادة غير هذا الاسم الإلهي من الأسماء التي تحت حيطة .
فما مکر قوم محمد عليه السلام معه لانعدام موجب المكر وهو التنبيه في الدعوة إلى هوية الحق فدعا قومه إلى الله من حيث أسمائه بلا تنبيه إلى هويته.
فما مكر في الدعوة حتى أجابوه مكرا بخلاف دعوة نوح عليه السلام ولو دعا قومه بمثل هذه الدعوة لأجابوه بلا مکر وكم بين الدعوتين .
وما علم الدعوة مثل ما علم محمد عليه السلام فلا يدعو مثل ما دعاه محمد عليه السلام فكانت إجابة كل قوم بحسب دعوة نبيه (فقالوا) بعضهم لبعض (في مكرهم) مع نوح عليه السلام: ("وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) ") [نوح: 23] كل ذلك أسماء الأصنام والآلهة شاملة لها .
وإنما قالوا ذلك (فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء) وإنما لزمهم الجهل من هذا الترك لأنهم حصروا التقريب إلى الله والعلم به في الأصنام لذلك قالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله" [الزمر: 3]. فليس في شأنهم عرفان بغير هذه الطريقة فلم يقبلوا دعوة النبي البتة حذرا عن الجهل.
(فإن للحق في كل معبود وجها) و هو اسم جزئي من أسماء الله داخل تحت حيطة الاسم الجامع بربه ذلك المعبود (يعرفه) أي وجه الحق (من عرفه) أي الحق وهو مرتبة الكاملين .
(ويجهله) أي الوجه (من جهله) أي الحق وهم لا يعرفون الحق ولا الوجه لكنهم قالوا ذلك عن جعل مكرا معه .
وإنما قال في كل معبود ولم يقل في كل موجود مع أن وجه الحق لا يختص بالمعبود إشارة إلى أن كل موجود معبود إما بشخصه أو بنوعه أو بجنسه .
فما جاءت في حقهم الدعية من عبادة الأرباب الجزئية إلى الاسم الجامع. وجاء ذلك (في المحمديين "وقضى ربك") [الإسراء: 23] . فإن رب محمد هو الاسم الجامع ("ألا تعبدوا إلا إياه") [الإسراء: 23] .
أي حكم بالعلم الأزلي أن العبادة في أي معبود کانت لا يكون إلا إياه إلى غيره في الحقيقة .
وإن كان إلى غيره صورة فكانت العبادة في صورة الأصنام إلى الله تعالى حقيقة وإلى الأصنام صورة بالنص الإلهي.
لكن مثل هذه العبادة غير مقبولة عند الله بالنص الإلهي كما إن العبادة لا تكون إلا لوجه الله تعالى بالنص "فأينما تولوا فثم وجه الله" البقرة : 115. لكن الصلاة لا يجوز بالنص إلا بالتولي إلى الكعبة فما جاء نوح عليه السلام بمثل هذا الحكم حتى لا يعبد قرمه الأسماء الجزئية فإن ربوبية الرب بحسب مربوبه (فالعالم بالله) أي بالاسم الجامع (يعلم من عبد) بضم العين (وفي أي صورة ظهر حتی عبد) فإنه يرى الوجه المطلق أي الاسم الجامع في الوجه الخاص يعبده فيه.
وأما الجاهل فعبادته عن جهله ولا يعلم أي شيء يعيده (و) يعلم (أن التفريق والكثرة) الأسمائية بالنسبة إلى الاسم الجامع وهو قوله : "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " [الإسراء: 110].
(كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية) يعني أن جميع الأسماء والصفات أمور مجتمعة في حضرة الذات الإلهية کإجتماع أجزائنا في صورنا المحسوسة و كاجتماع قوى أرواحنا في صورنا من العقل والوهم والمفكرة وغير ذلك فمن شاهد حضرة الجمع فقد شاهد فيها جميع الأسماء مجتمعة وعبد جميعها من حيث الجمعية لا من حيث الانفراد .
فإنه لا يصلح أن يكون معبودة فإن كان كثرة الأسماء بالنسبة إلى حضرة الجمع متصلة كأعضائنا لا أمورا منفصلة (فما عبد غير الله في كل معبود).
لأن الأسماء حينئذ عين المسمى من وجه ولا يعرف هذا إلا من عرف الحق بالمشاهدة فإذا كان العبادة في كل معبود إلى الله لا إلى غير الله تعالى .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه :"فجاء المحمدی وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسمائه.
فقال: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" 80 مریم. " .
فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقین. فقالوا في مكرهم: " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء.
فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله.
قال رضي الله عنه : "في المحمديين: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" 23 الإسراء." أي حكم.
قال رضي الله عنه : "فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد"، وأن التفريق والكثرة کالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية.
قال رضي الله عنه : "فما عبد غير الله في كل معبود"، فالأدنى من تخيل فيه الألوهية فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره.
ولهذا قال تعالى: " قل سموهم" 33 الرعد. فلو سموهم لسموهم حجرا وشجرا وکوکبا.
ولو قيل لهم: من عبدتم؟
لقالوا إلها ما كانوا يقولون: الله ولا الإله.
والأعلى ما تخيل، بل قال: هذا مجلي إلهى فينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
وأما عنده من يري أن الشيء قبل وجوده ليس له ذات وهو صاحب المواقف، رضي الله عنه، وغيره من الأكابر، فهو يسميها ظهورات وبين القولين بون عظيم لمن يعرف غوره.
والجميع حق لعود مقاصدهم في التوحيد إلى ما لا يختلف، فتعود إلى معنى ما أشار إليه، رضي الله عنه، من أن هذه التي عددوها إنما هي مظاهر للحق تعالى، فلا جرم قالوا: "لا تذرن آلهتكم".
قال: لأنهم لو تركوها لجهلوا من الحق تعالى على قدر ما تركوه منها. قال وقد يكون مجهولا في أكثر المحمديين مع تلاوتهم قوله تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" (الإسراء: 23) . والقضاء حكم فقد حكم أن لا تعبد سواه، فما عبد أحد غيره تعالي غيرة منه ذاتية، وبين ذلك بقوله: وإن التفريق والكثرة کالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية ثم أخذ يبين اعتبارات القائلين بعبادة الأصنام وجعل منهم الأعلى والأدنى التفاوت عقولهم في الاعتبارات .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه : " فجاء المحمدي فعلم أنّ الدعوة إلى الله ما تكون من حيث هويّته" ,  وإنّما هي من حيث أسمائه فقال : " يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً " فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم ، فعلمنا أنّ العالم كان تحت حيطة اسم إلهيّ أوجب عليهم أن يكونوا متّقين " .
قال العبد : المشرب المحمدي الجامع لجميع الدعوات النبوية والأحكام التشريعية التكليفية هو أنّ الدعوة من حضرة إلى حضرة ، ومن مقام إلهيّ اسمي إلى آخر ، والمدعوّ إليه الله في الجميع إلَّا أنّ التعيّنات العينية في ملابس الصور العينية المقتضية للتمييز بـ « من » و « إلى » يتفاضل بعضها على بعض ، فالتجلَّي من حضرة أحديّة الجمع ليس كالتجلَّي في أحدية الفرق والصدع .
والداعون صنفان : أحدهما يدعو إلى الله بأمر الله ، وهمّه في القيام بما أمر من الدعوة ، ولا يلزمه كشف الحقائق على ما يقتضيها عند الله في نفس الأمر .
والثاني صنفان منهم : من كشف له الله حقائق ما أمر بتبليغه والدعوة ، ومنهم :
من ليس له ذلك وإنّما هو إنباء وإخبار من الله بذلك وأمر ونهي لا غير .
وهم أيضا على قسمين : قسم منهم من يكون إنباء الحق وإخباره له في الرؤيا والهاتف والوحي بواسطة الملائكة ، وهو غير مأمور بالتبليغ والرسالة . وصنف مأمور بالتبليغ والرسالة .
وهم صنفان : أولو العزم الذين أمروا أن يبلغوا إلى الأمم رسالة الله ، فإن لم يجيبوا بالمعجز قاتلوهم . وصنف ما عليهم إلَّا البلاغ ، فإن آمنوا أمنوا من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة أو فيهما معا ، وإن لم يؤمنوا لم يأمنوا كذلك .
والصنف الأوّل الأعلى هم الذين يدعون على بصيرة كمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم والمحمديين من الأنبياء والأولياء عالمين بأنّ الحق موجود في البداية والغاية .
وهو عين المدعوّ والداعي والمدعوّ إليه ، وهو على كشف وبصيرة أنّه مأمور بالدعوة والإبلاغ بأمر الله ومشيّته ، وأنّه تقع الإجابة ممّن شاء الله له ، وعنى منه الإجابة ظاهرا وباطنا ، وممّن لا يكون كذلك ، ولا تقع الإجابة إلى الداعي إلَّا في صورة الردّ والصدّ أو تكون الإجابة ظاهرا لا باطنا أو باطنا لا ظاهرا بالبعض أو بالكلّ ، ولا بدّ من ذلك .
وهو يدعو على بصيرة إلى اسم كلَّي محيط بكلّ مركَّب وبسيط ، وهو الاسم « الله » أو الاسم " الرحمن " ، " قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه ُ الأَسْماءُ الْحُسْنى " ، وأنّ مصير صور التفرقة والجمع إليه إنّما يكون على وجهين :
أحدهما : يوم نحشر المتّقين الذين اتّخذوا الله وقاية لهم عن آثار الأفعال والأحكام والأوصاف والأخلاق الحميدة في الإضافة فأضافوها إلى الله ، ففازوا بشهود الحق قائما على كل نفس بما كسبت ، وأنّ نواصيهم بيده تعالى والله هو الفاعل بهم وفيهم جميع أفاعيلهم فكلَّها من أعمال الله بهم وفيهم ، كما ثمّ أيضا كذلك.
" وَالله خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ "  فأضافوا ما أتوا به من المحامد والمحاسن والفضائل وصالحات الأعمال كلَّها إلى الله ، فخلصوا من ورطات الرياء والسمعة والشرك الخفيّ والجليّ وغير ذلك من العقبات الموجبة للعقوبات ، وجعلوا أنفسهم أيضا وقاية لله في إضافة النقائص والقبائح والمذام من الأعمال والأفعال والأخلاق والنعوت والأوصاف ، فحازوا بذلك أسرار شهود " وَما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ "  بكسر الميم .
وقوله : « والشرّ ليس إلَّا إليك ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلَّا نفسه » فنسبوا كلّ ذلك إلى أنفسهم ولم ينسبوا إلى الله .
ووقفوا وقاية عن إضافة النقائص من نقائص الكمالات التي اتّخذوا الله فيها وقاية ، فصار كل منهما وقاية لصاحبه مع أحدية العين في عين الفرق فبدّل الله سيّئاتهم حسنات ، لأنّه لا فاعل في الحقيقة إلَّا الله جمعا وفرقا ، حقّا وخلقا ، ففازوا بحمد الله بدرجة التحقيق وانتهجوا سواء الطريق ، والرحمن الذي وسعهم بحيطة بسط عليهم مضافا إلى ما بهم من النعم من بسطته .
والثاني : من أضاف الأفعال كلَّها إلى نفسه ، وهم على صنفين : منهم من سعد بالأعمال الصالحة والعبادات والطاعات ، فنجا .
ومنهم من شقي بأضداد أفعال أهل السعادة ، فهلك ولم يجد ملتجأ . والصنفان على أصناف لا يتدارك ولا يحصيها إلَّا الله ، وكلَّهم محجوبون ، ولأهل الكشف والحجب تماثيل وأمثله منصوبون ، وعند كشف الغطاء مطالبون ، فافهم والله الملهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : " فقالوا في مكرهم : لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا "، فإنّهم إذا تركوهم جهلوا من الحق قدر ما تركوا من هؤلاء ، فإنّ للحق في كلّ معبود وجها يعرفه من عرفه ، ويجهله من جهله."
قال العبد : لمّا كان الوجود الحقّ المتعيّن في خصوصيات قابليات كل معبود من حجر ومدر وشمس وقمر ظهورا ووجها خاصّا هو الوجه الحق الباقي إذا عادت حجابيّات الأشياء هالكة ، فمن أنكر وجهل وجه الحق في كل شيء ، فقد أنكر الحق المتعيّن في مظهريته ، والمتجلَّي من حقيقته لصور خلقيته.
فهو الظاهر في كل ظاهر ولا ظاهر إلَّا أفعاله ، فلا ظاهر إلَّا الله " وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى "  ، فظهرت الألوهية والمألوهية ، والعابدية والمعبودية ، والساجدية والمسجودية في كل عين عين ، فمن عبد حجابيّته وصنميّته ، أو عبد تخيّله وهواه في ذلك المعبود أنّه إله ، فقد عبد هواه ، وعبد الطاغوت ، وعبد صنميّات حجاب اللاهوت .
ومن عبد الله الواحد الأحد في كل ما عبد ، وعبد من غير حصر لله تعالى في صورة دون صورة وتعيينه في شيء دون شيء ، فذلك العارف الكاشف ، والعالم الواصف ، لا يحجبه شيء ، ولا يسعه نور ولا فيء ، ولا يحجزه ميّت ولا حيّ ، ولا يضرّه هداية ولا غيّ .
ذلك هو العبد الحقّ " في مَقْعَدِ صِدْقٍ " . " عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ "   فافهم .
وإذا علمت هذا فاعلم : أنّ لك نسبا في ربّك ليس لغيرك ، هو أحدية جمعك وبصورتك ظهر لك في كل معبود موجود ، وتجلَّى لك في كل مشهود معهود وغير معهود ، ولكن ظهوره بك في كلّ بحسب المظهر لا بحسبه ولا بحسبك ، فأنت حسبه إن كنت بحسبه ، وهو حسبك حسبا ، ونعم النسب التي بها جعل لك منه نسبا فأعطه ماله وهو أنت ، وخذه مالك وهو ربّك ، وقابل لتجلَّياتك لك به ، ولتجلَّياته بك لك من أحديّة جمع مظهريّتك عبدانيّة تناسب التجلَّي ، وقابل بكلَّك كلّ المتجلَّي ، تكن أديبا أريبا محبّا له في الكلّ حبيبا ، وقلبا كلَّيا متقلَّبا معه في شؤونه لبيبا ، تشاهد من تجلَّياته مشهدا غريبا ، وتكشف منك له حالا عجيبا ، والله الموفّق .
قال الشيخ رضي الله عنه :  "في المحمّديّين : " وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه ُ ".
أي حكم  فالعالم يعلم من عبد ؟ وفي أيّ صورة ظهر حتى عبد ؟
وأنّ التفريق والكثرة في الأعضاء كالصورة المحسوسة والقوى المعنويّة في الصورة الروحانيّة ، فما عبد غير الله في كل معبود".
قال العبد : جلّ جناب المعبود الحقّ أن يعبد سواه في كلّ معبود ، أو يوجد إلَّا إيّاه في كل موجود ، لأنّ الحقيقة تقتضي لذاتها أن تتفرّد بالوجود على الإطلاق ، وتقتضي بحقيقتها المعبودية بالاستحقاق ، فحيث وجدت الإلهة والعبادة ، فهي له والحقّ لها .
ولكنّ الكثرة المعهودة والتفرقة المشهودة تحجب العقول المنصبغة بأحكام العرف والعادة عن شهود الوجود الحقّ الواحد الأحد في الغيب والشهادة ، وتكون أحديّته الخصيصة بذاته المطلقة أحدية جمع لا تنافيها الكثرة ، والسلطان هو الواحد الحقّ المستوي ،والوحدة والإطلاق والتقيّد والكثرة هي المظاهر والعروش والأسرّة.
وكما أنّ صورتك المحسوسة واحدة ، لا شكّ في وحدتها جملة واحدة ، ولا تقدح في أحدية جملتك كثرة الأعضاء من حيث الاعتبار النسبي والتعقّل الإضافي المعهود ، لا في الوجود ، ولا في الأمر ، وليست في نفس الأمر كثرة إلَّا بالاعتبار ، عند ذوي العقول الرجيحة والاستبصار.
وكذلك صورتك الروحانية ولطيفتك الإنسانية جوهرة واحدة وحدة حقيقية ما فيها ما ينافيها ، ومع ذلك فوحدتها أحدية جمع أرواح وقوى كثيرة ، ولا تقدح كثرة قواها في أحدية هذه الجوهرة اللطيفة النورانية ،.
فكذلك لا تقدح كثرة مظاهر الأسماء وهم الأرباب في أحدية جمع الإله الربّ المعبود في الكلّ عند ذوي الألباب ، فهو المعبود في كل ما عبد ، والعابد في كل من عبد ، فأقرّ وما عند ، وهو الجاحد العاند فيمن جحد وعند ، فالكلّ منه وفيه وله ، وبه ومنه له ، وله فتنبّه أيّها الأنبل الأنبه ، فأنت المؤمّل المكمّل ، والمعروف المعرّف والمجهول المجهّل.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
ولهذا قال رضي الله عنه : ( فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته ) لأن الهوية الأحدية مع الكل سواء ( وإنما هي من حيث أسماؤه ) فيدعون من الاسم الخافض إلى الرافع ومن اسم المنتقم إلى الرحيم ومن اسم المضل إلى الهادي .
( فقال تعالى : " يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً " فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم ) ليعلم أن الرحمن اسم شامل لجميع الأسماء فيكون العالم تحت إحاطته ، إذ لا فرق بينه وبين اسم الله .
كما قال : " قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه الأَسْماءُ الْحُسْنى " وكل طائفة من أهل العالم تحت ربوبية اسم من أسمائه ومن كان تحت ربوبية اسم كان عبدا لذلك الاسم ، فيدعوهم رسول الله من تفرقة تلك الأسماء إلى حضرة جمع اسم الرحمن أو اسم الله وهي الدعوة على بصيرة .
لأنه تحصين من رق الآلهة المتشاكسة إلى عبودية الإله الواحد ، كما قال تعالى :" ضَرَبَ الله مَثَلًا رَجُلًا فِيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ "  واسم الرحمن يحكم على عباده بأن يكونوا متقين ويوجب عليهم التقوى ، وهو على معنى قوله :
( فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهى أوجب عليهم أن يكونوا متقين ) وحقيقة التقوى أن يجتنب الإنسان من إضافة الخيرات والكمالات والصفات الحميدة إلى نفسه أو غيره إلا إلى الله ، ويتقى به من أفعاله وصفاته فإنها شرور من معدن الإمكان ، فيطلع على سر قوله  : " وما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ " لأن الشرور أمور عدمية وأصله العدم ومنبعه الإمكان .
قوله ( فقالوا في مكرهم :" لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً "  فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء ، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله ) مر تقريره ( في المحمديين "وقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه " أي حكم ربك ) رب الكل أن لا موجود سواه فلا يرى في صورة الكثرة إلا وجهه فيعلم أنه هو الذي ظهر في هذه الصور فلا يعبد إلا الله لأن صور الكثرة في الوجود الواحد إما معنوية غير محسوسة كالملائكة وإما صورية محسوسة كالسماوات والأرض وما بينهما من المحسوسات .
فالأولى بمثابة القوى الروحانية في الصور الإنسانية ، والثانية بمثابة الأعضاء ، فلا تقدح هذه الكثرة في أحدية الإنسان وهو معنى قوله ( فالعالم يعلم من عبد وفي أيّ صورة ظهر حتى عبد ، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية ، فما عبد غير الله في كل معبود فالأدنى ) . أي الجاهل المحجوب.


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:37 عدل 4 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 28 أكتوبر 2018 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الرابعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الرابعة عشر : الجزء الثاني
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فجاء المحمدي، وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته، وإنما هي من حيث أسمائه، فقال : "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا"). فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي (أوجب عليهم أن يكونوا متقين).
فجاء القلب المحمدي، أو الداعي المحمدي، وعلم أن الدعوة إلى الله ليست من حيث هوية الحق، لأنها موجود في كل موجود، وإنما هي من حيث أسمائه، أي، يدعوا الخلق من الأسماء الجزئية التي يعبدونها إلى الاسم الجامع الإلهي وهو (الله) و (الرحمن). كما قال تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا). أي، نحشر الذين يتقون من الأمور المقيدة الحاجبة لهم عن أنوار الاسم الجامع الموجبة للظلمة والضلالة، إلى الاسم الجامع الرحماني. (فجاء بحرف الغاية) وهو (إلى). و (قرنها بالاسم الرحماني). ليعلم أن العالم من حيث إنه
أسماء إلهية، أي مظهر أسماء إلهية جزئية كانت أو كلية، تحت إحاطة اسم إلهي وهو (الله) و (الرحمن) أزلا.
فأوجب ذلك الاسم على أهل العالم أن يكونوا متقين محترمين عن عبادة أسماء الجزئية دائما، ليعبدوا الله بجميع أسمائه، لأن العابد لله عابد لجميع الأسماء لأنها داخلة فيه، وأما عابد (المنعم) مثلا، ليس عابد (المنتقم) فما يعبد الله من حيث جميع أسمائه.
لذلك قال: (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فقالوا في مكرهم: "لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا". فإنهم إذا تركوهم، جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها، يعرفه من عرفه ويجهله من جهله). أي، قال قومه في مكرهم معه، ليدعو عليهم: (لا تذرن آلهتكم).
وهي (ود) و (سواع) و (يغوث) و (يعوق) و (نسر). لأن هوية الحق ظاهرة فيهم، كما في غيرهم. فلوتركوهم، جهلوا من مظاهر الحق على قدر ما تركوا، لأن للحق في كل معبود وموجود وجها، إذ الوجه الباقي مع كل شئ يعرفه، أي، يعرف هذا المعنى من
عرف الحق ومظاهره، ويجهله من جهل الحق ومظاهره.
(في المحمديين: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه". أي، حكم) وجاء في حق المحمديين: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه). أي، حكم أزلا رب محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو الاسم (الله) الجامع، أن لا تعبدوا إلا الله الجامع للأرباب، ولا تعبدوا الأرباب المتفرقة.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية). فالعالم بالله ومظاهره يعلم أن المعبود هو الحق في أي صورة كانت، سواء كانت حسية كالأصنام، أو خيالية كالجن، أو عقلية كالملائكة.
ويعلم أن التفريق والكثرة مظاهر لأسمائه وصفاته، وهي كالأعضاء في الصورة الإنسانية: فإن العين مظهر للإبصار، والأذن للسمع، والأنف للشم، واليد للبطش، وكالقوى الروحانية، كالعقل والوهم والذاكرة والحافظة والمفكرة والمتخيلة، فإنها كلها مظاهر لصفات الروح. (فما عبد غير الله في كل معبود). إذ لا غير في الوجود.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين. فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فجاء) الداعي (المحمدي) لإزالة صورة المكر في هذه الدعوة مع دعاية أمر الإرشاد، ومنع المكابرة منهم.
(وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته) أي: تعيين الإلهية الشاملة للأسماء كلها اللطفية والقهرية، (وإنما هي من حيث أسمائه) يدعو من بعضها إلى بعض أي: من القهرية إلى اللطفية فاختار من اللطفية الاسم الجامع للأسماء اللطفية؛ (فقال: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا " [مريم: 85]، فجاء) في هذه الدعوة (بحرف الغاية)، وهو إلى من غير مكر، وهو أنه (قرنها) أي: الدعوة إلى الغاية بالاسم الرحمن الشامل للأسماء اللطفية دون اسم الله الشامل لها ولغيرها.
والآية وإن وردت في الحشر فهو مرتب على أمر الدنيا، إذ هي مزرعة الأخرة. (فعرفنا) من هذه الدعوة المحمدية الجامعة لأنواع الكمالات الدالة على أنه، إنما يدعو إلى الاسم الجامع للأسماء المفيضة لأنواعها، وهو الذي رحم به الكل أولا فيجب الرجوع إليه آخرا؛ لأن النهاية هي الرجوع إلى البداية " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة: 48].
وهذا يشير إلى أن كل واحد من شرعته جاء في بدايته (أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي) كلي رحم به على الكل فأخرجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود، والرجوع إليه لا يمكن إلا بنور الفطرة.
ولذا قال الشيخ رضي الله عنه : (أوجب عليهم أن يكونوا متقين) عن الحجب الظلمانية الحاصلة من الاعتقادات الفاسدة، والهيئات الرديئة من المعاصي الفرعية؛ ليمكنهم الوصول بنور الفطرة إلى ذلك الاسم راكبين مطايا الاعتقادات الطيبة والهيئات الصالحة.
فلذلك قال : "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" [مريم: 85]، (فقالوا في مکرهم) في إجابة نوح لما دعاهم إلى من تنزه عن الكل مع ظهوره في الكل: (" لا تذرن آلهتكم " [نوح: 23])، إذ هي المظاهر لا غير في زعمهم أو هي الكاملة في المظهرية بحيث تستحق العبودية من المظاهر القاصرة، وقد غلطوا إن الإنسان أكمل منهم مع أن أصل المظاهر العبودية؛ فحقها أن تكون عابدة لا معبودة.
("لا تذرن" [نوح: 23])، على الخصوص (" ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" [نوح: 23]، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق) أي: من تجلياته (بقدر ما تركوا من هؤلاء) لانحصار المظهرية فيها في زعمهم، أو لكونها مظاهر كاملة عندهم مستحقة للعبادة، (فإن للحق في كل معبود وجها) خاصا من تجلياته أراد بذلك أن يعبد فيها (يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله).
وليس ذلك الوجه في سائر المظاهر، وإلا لعبدت أيضا، وغلطوا في ذلك فإن الحق إنما أراد أن يعبده فيها من كان بينه وبين الحق حجاب فلا يراه إلا في هذه المظاهر القاصرة، ويقتصر نظره عليها والدليل على أنه المعبود فيها بالحقيقة ما ورد في كتاب
قال الشيخ رضي الله عنه : (المحمديين)، وهو قوله تعالى: ( "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " [الإسراء:23])، أي: حكم
قال الشيخ رضي الله عنه : ولا تبدل الحكم الله لكن عبادته بذاته حق، وعبادة المظاهر باطلة لما فيها من التفرقة "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" [يوسف: 39].
(فالعالم) بظهور الحق فيها (يعلم من عبد) فيها بالحقيقة، وإن قصد الغير؛ لكن الجزاء إنما يترتب على القصد إذ له تأثير في المقاصد "إنما الأعمال بالنيات"، لا على ما وقع في الحقيقة ولو قصدوا عبادة الظاهر فيها، فإن قصدوا ذلك لاختصاصها بالمظهرية أو الكمال مظهريتها فهو أيضا غلط فاحش، وإلا فلا معنى لعبادتها.
قال رضي الله عنه : (و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية،فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وفي أي: صورة ظهر) من الصور الموجبة للحجاب، والكشف الموجب لاعتقاد استحقاقها العبادة له فيها، أو للمظاهر نفسها (حتی عبد) فالذات من حيث جلالها اقتضت ذلك، وأرادت أن تعبد في هذه المظاهر؛ ليقهر بذلك فيكمل ظهور قهره وجلاله، ولا معنى لجعلها كالقبلة.
لأن القبلة هي الجهة التي يتوسل بالتوجه إليها في الظاهر إلى توجه الباطن إلى الحق، وليس يحصل ذلك من هذه الأصنام بل عبادتها توجب ظلمات كثيفة نورت الميل إلى المحسوسات مع إنكار الكمالات الحقيقية، كإنكار النبوة والأمور الأخروية على ما هو المشاهد من أهلها، وإن كان المعبود في الكل واحد إذ لا تكثر هذه الصور المعبودة (فإن التفريق والكثرة) في صور المظاهر (كالأعضاء) أي: كتفريق الأعضاء وكثرتها (في الصورة المحسوسة) بجسد الإنسان.
(وكالقوى المعنوية) أي: وكتفريق القوى المعنوية وكثرتها (في الصورة الروحانية) مع أن مرجع الكل هو الإنسان الواحد بالشخص، وإذ كان مرجع الكل هو الله (فما عبد) في الحقيقة (غير الله في كل معبود).
فلذلك أرادت الذات الإلهية أن تعبد في كل معبود، وهو معنى قول أهل السنة: إن الله تعالى يريد الكفر من الكافر، ولكن لا يرضى إلا الإسلام والتوحيد لأنه إنما تكمل حكمته في الظهور لا في الحجاب.
فلذلك قالوا: إن جلاله عاشق لجماله، وإذا كان الكل يرجع إلى الحق الواحد مع التفريق فيه انقسم الناس إلى جاهل أدني يقتصر نظره على التفريق، وعالم أعلى يعلم رجوع الكل إلى الحق، وبينهما مراتب.




شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فجاء المحمّديّ وعلم أنّ الدعوة إلى الله ) لما كانت عبارة عن طلب الإقبال والتوجّه نحو الاسم المهيمن في وقته بالتزام مقتضياته والإعراض عمّا يقابل ذلك الاسم بالكفّ عمّا يستدعيه (ما هي من حيث هويّته ) .
إذ نسبة الهويّة المطلقة مع الكلّ سواء ، ( وإنّما هي من حيث أسمائه ، فقال : "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً " [ 19 / 85 ] ( فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم ) الذي هو قهرمان الوقت ، وإن كان من الأسماء الكلَّية المحيطة بالكلّ ، لكن الاسم من حيث هو له طرف الظهور فالطرف الآخر يقابله ويوجب الأمر للمقبلين إليه أن يجتنبوا عن أحكام ذلك المقابل .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعرفنا أنّ العالم كان تحت حيطة اسم إلهي ) هو قهرمان الوقت كالرحمن في زمان الخاتم ، فله السلطنة على العالمين ( أوجب عليهم أن يكونوا متّقين ) عن أن يقبلوا وجوه كماله نحو غيره ، وينسبوا الصفات الكماليّة والأحكام الوجوديّة إليه ، فإنّ المنتسب إلى غيره إنّما هو النقائص الإمكانيّة والأحكام العدميّة - لا غير ، كما سبق تحقيقه في بيان معنى التقوى   .
ثمّ إنّ نوحا لما أطلق الدعوة والمكر بها إطلاق تفرقة بعدم تقييدها وبالغ في تلك التفرقة حيث قال : " لَيْلًا وَنَهاراً " [ 71 / 5 ] أجاب قومه بما يطابق ذلك في التفرقة والمكر ( فـ " قالُوا " في مكرهم " لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً " ) [ 71 / 23 ] فصرّحوا في صورة تفرقة الآلهة بالعدد الخمس الذي هو امّ التفرقة العدديّة كلَّها ،على ما سبق .
هذا وجه الإجمال ، وأمّا وجه التفصيل منه ، فله مجالي على منصّات التأويل حسب مدارج الأفهام ودخلها في حقائق التنزيل ، وأجلاها أن يحمل على المجالي الخمسة .
ولا يخفى وجه النسبة الدالَّة عليها بترتيبها من الأعلى إلى الأنزل ، فلا نوضحه أكثر من ذلك .
فبهذه الوصيّة مكروا معه مكرا كبّارا ، لأنّهم إنّما تواصوا على عدم تركهم تلك الصور شيئا منها لئلَّا يفوتهم من الجمعيّة شيء.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء ، فإنّ للحقّ في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله ) .
وأمّا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم لما أطلق الدعوة إطلاق جمع بضمّ القيد إليها ، ظهر في قومه الجمعيّة الإطلاقيّة ، وسرت في سائر أحكامه ، ولذلك ترى ما يوازي تلك الوصيّة ( في المحمّديين "وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه ُ " [ 17 / 23 ] أي حكم ) بما مؤدّاه تلك الجمعيّة التي لا يشذّ منها شيء من تلك الصور أصلا ، فأظهر تفرقة التشبيه في صورة جمعيّة التنزيه ، يعني ضمير الغائب في الوصيّة ، كما أظهر جمعيّة التنزيه في صورة تفرقة التشبيه في الدعوة ، يعني الدعوة المقيدة  .
ثمّ إذا تقرّر أنّ المعبود في أيّ صورة كان إنّما هو الحقّ ( فالعالم يعلم من عبد ) في تلك الصور ( وفي أيّ صورة ظهر حتّى عبد ) فإنّ الصور مختلفة في الحيطة والكمال وقبول ظهور الوحدة الجمعيّة وعدمه ( وأنّ التفريق والكثرة ) في أحديّة الجمعيّة الإلهيّة ( كالأعضاء في الصورة المحسوسة ) من الشخص الواحد ، فإنّ له صورة محسوسة ظاهرة ومعنويّة باطنة ، كلّ منهما ذات كثرة ، ولا يقدح ذلك في وحدة الشخص بوجه ، على تخالف مراتب تلك الكثرة في كلّ من تينك الصورتين .
فإنّ الأعضاء المحسوسة : منها ما هي بمنزلة الرؤساء في إنفاذ الأمر ، ومنها ما هي بمنزلة الخدّام في إعداد ما ينبغي لها ، ومنها ما هي بمنزلة الأساس والأعمدة ، ومنها ما هي بمنزلة الزوائد والفضلات .
( وكالقوى المعنويّة في الصورة الروحانيّة ) فإنّ منها ما هو رئيس الكلّ ، إنّما يقوم أمر الوحدة الشخصيّة به ، ولا يشذّ من محيط حكمه شيء منها وهو القلب فإنّ له أمر أحديّة جمع الأعضاء كلَّها ، بحيث لا يمكن بقاء شيء منها إلَّا بوصول المدد الوجودي منه إليه ، ولا ينتهض أحد من الجوارح لإقامة العبادة إلَّا بأمره - أيّة عبادة كانت ، لأيّ معبود كان فهو المعبود حقيقة .
( فما عبد غير الله في كلّ معبود ) إلَّا أنّ العبّاد على اختلاف طبقاتهم فرقتان :
منهم من جاوز أسافل الصور ومهابط كثائفها وما وصل إلى أعالي المعاني ومطالع لطائفها ، فهم المسخّرون تحت سلطان الخيال ، ممتثلين أوامره ، عابدين إيّاه ، فمعبودهم لا يكون إلَّا متعيّنا بالتعيّن التقابلي ، وواحدا بالوحدة المقابلة للكثرة ضرورة ، سواء كان ذلك من الأصنام الصوريّة المحسوسة ، أو العقائد المعنويّة المعقولة .
ومنهم من جاوز ذلك ووصل إلى أعالي المعاني ، وبلغ المرتبة الجمعيّة القلبيّة ، وتحقّق بأحديّة جمعيّتها فمعبودهم لا يكون إلَّا المتعيّن بالتعيّن الإحاطيّ ، والواحد بالوحدة الإطلاقيّة الجمعيّة ، سواء كان قبلة توجّهه الصورة المحسوسة أو المعاني والهيئات المعنويّة المعقولة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من جهله. )
(فجاء) الداعي (المحمدي وأعلم أن الدعوة إلى الله سبحانه ما هي من حيث هويته) السارية في الوجودات كلها حتى يرد أن يقال : ليست هي مفقودة من البداية فيدعى إليها في الغاية (وإنما هي)، أي الدعوة (من حيث أسمائه) فيدعی من اسم إلى اسم آخر كما يدعي من الخافض إلى الرافع ومن المنتقم إلى الرحیم و من المضل إلى الهادي (فقال تعالى: "يوم نحشر") بأحدية جمع أسمائنا التي هي مرتبة الألوهية ("المتقين إلى الرحمن وفدا") [مريم: 85] فجاء بحرف الغاية) التي هي إلى (وقرنها بالاسم) الرحمن المحشور إليه بعدما عبر عن المحشورين إليه بالمتقين.
(فعرفنا) بجميع ذلك (أن العالم كان) قبل حشر المحشورين (تحت حيطة اسم إلهي أوجب) ذلك الاسم (عليهم أن يكونوا متقين) وهذا الإيجاب إما أن يكون الاتفاء فيهم أثر من آثار ذلك الاسم كالاسم الواقي والحفيظ مثلا.
أو يكون أثر ذلك الاسم مما يتقي منه كالاسم المنتقم والقهار وغيرهما، وعلى كل تقدير فحشرهم إلى الاسم الرحمن إنما هو من ذلك الاسم.
فكما أن الحشر لا يكون إلا من اسم إلى آخر فكذلك الدعوة إلى الله تعالى لا تكون إلا كذلك قوله: (فقالوا في مكرهم) عطف على قوله ، فأجابوه مرة ثانية وتفسيرا له، أي قال بعض منهم لبعض آخر منهم حين أجابوا نوحا مكرا: ("لا تذرن آلهتكم" ) ولا تترکن عبادتهم، فأجملوا أولا ثم فصلوا لزيادة التأكيد. فقالوا: ("ولا تذرن  ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" [نوح: 23]) وإنما نهوا عن ترك هؤلاء المعبودين (فإنهم إذا تركوهم)، أي هؤلاء المعبودين (جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء) المعبودين. فقوله : من هؤلاء بيان لما تركوا.
(فإن للحق) تعالى (في كل معبود) منهم (وجها خاصا يعرفه)، أي ذلك الوجه بل الحق من حيث ذلك الوجه (من عرفه)، أي ذلك المعبود (ويجهله)، أي ذلك الجهل بل الحق من ذلك الوجه (من جهله)، أي ذلك المعبود فمن ترك هؤلاء المعبودين جهل الحق من حيث الوجوه التي له سبحانه فيهم فلهذا نهوهم عن تركهم
قال رضي الله عنه : (في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
(و) جاء في المحمديين، ما يؤكد ما ذكرنا من أن للحق سبحانه في كل معبود وجها. وهو قوله تعالى: ("وقضى") يا محمد ("ربك") الذي هو الاسم الله مع ("ألا تعبدوا إلا إياه" أي حكم) وقدر في الأزل فلم يكن لله سبحانه في كل معبود وجه خاص يعيد هذا المعبود لأجله لم يصح هذا الحصر ولا يطابق هذا الحكم الواقع، فإنه قد تعبد آلهة متكثرة متعددة في الواقع (فالعالم يعلم من) الذي (عبد) في صور المعبودين (وفي أي صورة ظهر حتى عبد) فإنه لم يعبد في كل صورة (وأن التفريق والكثرة) في صور المعبودين (كالأعضاء)، أي كتفريق الأعضاء وكثرتها مثل اليد، والرجل والعين والأذن والأنف وغيرها (في الصور المحسوسة) الإنسانية (وكالقوی)، أي کتفريق القوى (المعنوية مثل العقل والوهم والذاكرة والحافظة والمفكرة والمتخيلة وغيرها في الصورة الروحانية الإنسانية أيضا.
فكما أن كثرة الأعضاء والقوى لا تقدح في وحدة الحقيقة الإنسانية كذلك كثرة الصور والمظاهر لا يقدح في وحدة المعبود الحق (فما عبد غير الله) المعبود الحق (في كل معبود).
أي المعبود هو الظاهر في كل معبود بل في كل موجود وإن لم يشعر العابدون بذلك في هذه النشأة.
قال رضي الله عنه في الفتوحات : عبد المخلوق ههنا من عبده وما عبد إلا الله من حيث لا يدري ويسمى معبوده منات واللات والعزى، فإذا مات وانكشف الغطاء علم أنه ما عبد إلا الله .
فالناظرون إلى المعبودين صنفان : أعلى وأدنى.
(فالأدنى من تخيل فيه)، أي في معبوده المفيد (الألوهية)، واستحقاقه بخصوصية العبادة ، وإن كانت للتقريب إلى الحق المطلق (فلولا هذا التخيل)، أي تخيل معنى الألوهية واستحقاق العبادة (ما عبد الحجر ولا غيره) كالشجر والشمس والقمر . 
(ولهذا)، أي لأن عبادة هؤلاء المعبودين مبنية على تخيل الألوهية فيهم.

قال الله سبحانه أمر لنبيه صلى الله عليه وسلم ("قل") إلزاما للكفرة وإقحاما لهم ("سموهم") [الرعد : 33]، أي اذكروا أسماء هؤلاء في أنفسهم "فلو سموهم لسموهم حجرا أو شجرا"
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:05 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 28 أكتوبر 2018 - 0:40 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الخامسة عشرة الجزء الأول.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الخامسة عشرة: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : "فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. ولهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة وشجرا وكوكبا.
ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله ولا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» والأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «وبشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة، «وقد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب."
قال رضي الله عنه : (فالأدنى) من العابدین له سبحانه (من تخيل فيه) عز وجل (الألوهية) فإن كل من عبد شيئا تخيل فيه ذلك (فلولا هذا التخيل) للألوهية في العابد المتخيل ذلك في معبوده (ما عبد الحجر) المنحوت صنم (ولا غيره) من كل ما عبد من دون الله تعالی
ولهذا قال تعالى لنبيه عليه السلام في حق عباد الصنم وغيره : "وجعلوا لله أندادا" [إبراهيم: 30] (قل) لهم ("سموهم") [الرعد: 33].
أي أذكروا أسماء هذه الأنداد  عندكم فإنها في شهودكم مغايرة للحق تعالی.
(فلو سموهم) وأظهروا ما في شهودهم ورؤيتهم من مغايرة ما عبدوه للحق تعالى كما يعلمه الله تعالى منهم حيث أكفرهم بذلك وحكم بأنهم عبدوا غيره (لسموهم حجرا وشجرا وكوكبا) ونحو ذلك كالملائكة وعيسى ابن مريم.
فظهر حينئذ أنهم عبدوا غير الله باعتبارات في نظرهم، واعتقادهم أنهم عبدوا غير الله تعالى وإن سموه عندهم الله تعالی جهلا منهم بمعرفته تعالى.
فإنه بعد الحكم بالمغايرة في إدراكهم لا عبرة بالتسمية، وإن لم يكن ثمة غير الله تعالى في حقيقة الأمر كما سبق، ولكن هذا في شهود المؤمنين الكاملين، وأما الكافرون فإنهم اخترعوا بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة غير الله تعالی وعبدوه من دون الله تعالی.
فستروا الله تعالى باعتبار ما بأنفسهم فكفروا بذلك الستر، فإن الكفر هو الستر فلو عرفوا الله تعالى في كل شيء كمعرفة المؤمنين الكاملين لوجدوا أنفسهم عابدین له تعالى في عین عبادتهم لما سواه حين كانوا جاهلین به تعالی.
(و) مع ذلك (لو قيل لهم)، أي لعباد الأصنام وغير الأصنام (من عبدتم لقالوا) عبدنا (إلها)، أي معبودا والله تعالی معبود كل شيء .
وله ظهور خاص بالنسبة إلى كل شيء فهو إله واحد عند المؤمنين بالغيب من حيث هو غيب غير الكل، وهو آلهة كثيرة متعددة مختلفة من حيث ظهوره المخصوص بالنسبة إلى كل عابد لا يؤمن بالإله الواحد الغيب.
ولهذا قال تعالى لنبيه عليه السلام:" فاعلم أنه لا إله إلا الله" على معنى أن كل إله هو الله يعني من حيث ظهور هذا الغيب المطلق الذي هو معبود أهل الإيمان من حيث إطلاقه.
فإن ظهوره الخاص معبود أهل الكفر (كما كانوا يقولون) عبدنا (الله) لأنهم ما عبدوا الله الذي هو الغيب المطلق وهو الإله الحق، وأما معبودهم فهو ظهور من ظهورات الله تعالی وظهور الله ليس هو الله.
لأنه بحسب استعداد الظاهر له ولهذا قالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" [الزمر: 3] .
وقالوا : "لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا" [الأعراف: 70].
وقالوا :"أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب " [ص: 5].
(ولا) كانوا يقولون: عبدنا (الإله)، لأن الإله بالألف واللام هو الغيب المطلق وهو الله تعالى وهم ما عبدوا الله تعالى بل عبدوا الظاهر لهم في مظهر خاص على حسب استعدادهم .
وهو إلههم الذي عبدوه من دون الله وهو المنحوت لهم بقوة استعدادهم.
قال تعالى : " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون" [الصافات: 95 ۔ 96]. (والأعلى) من العابدین له تعالى (ما تخيل) في الله تعالى شيئا، لأنه لو تخيل شيئا من ألوهية أو غيرها لعبده ظاهرة في مظهر مخصوص مثل عباد الأصنام وغيرهم (بل قال) عن كل معبود ظهر له من كوكب أو حجر أو شجر وغير ذلك.
(هذا مجلى)، أي مظهر لأجل تجل (إلهي) مخصوص (ينبغي) لكل مؤمن بالغيب المطلق الذي هو الله تعالى (تعظيمه) من حيث هو مجلى مخصوص لا من حيث هو أثر مخلوق حقیر .
فإن للحق تعالى في كل شيء وجها مما يلي صفاته تعالى وهو الوجه الباقي وهو توجه الحق تعالى على إيجاد ذلك الشيء من الأزل، وهو الحق تعالى لا غيره في حضرة مخصوصة بحسب استعداد ذلك الشيء.
والوجه الآخر لذلك الشيء مما يلي حضرة الإمكان، وهو الهالك الذي قال تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه " [القصص: 88].
(فلا يقتصر) ذلك الأعلى من العابدین علی مجلى دون مجلى بل يعتقد أن الكل مجالي ومظاهر تبدو وتخفى على ممد الأوقات.
(فالأدنى) من العابدين الله تعالى (صاحب التخيل) المذكور فيما سبق (يقول) كما حكى الله تعالى ذلك عنه في القرآن العظيم بقوله: (وما تعبدهم)، أي الأصنام ("وإلا ليقربونا إلى الله زلفى") [الزمر: 3].
لأن لهم وجوها خاصة إلى ذلك الموجود وهم مأمورون بتعظيم تلك الوجوه فقط من حيث إنها وجوهه تعالى لا مأمورون لعبادتها من دون الله تعالى المطلق عنها. (والأعلى) من العابدین لله تعالى (العالم) بالله تعالی الذي لم يتخيل في الله تعالى شيئا وإن كان التخيل من ضرورته، لأنه معترف بعجزه عن المطابقة لما هو الأمر في نفسه.
(يقول) في ذلك كما حكى الله تعالی عنه بقوله : "أنما إلهكم" ، أي الذي يجب عليكم أن تعبدوه ("إله واحڈ") لا تعدد له غیب مطلق عن جميع القيود الحسية والعقلية ("فله، أسلموا")، أي انقادوا و أذعنوا في بواطنكم وظواهركم بحيث لا تبقى فيكم حركة إلا به وله (حيث ظهر) لكن في جميع مظاهره المحسوسة والمعقولة، فليكن إسلامكم وانقیادكم إلى الظاهر بالمظهر الذي ظهر لكم فيه وعبادتكم للباطن الذي لا يقيده الظهور بذلك المظهر الذي أسلمتم له.
("وبشر") يا أيها المأمور بأن يقول لأمته ذلك (" المخبتين") [الحج: 34] ممن اتبعك في العمل بما قلت (أي الذين خبت)، أي أطفأت وخمدت (نار طبيعتهم) التي خلفت نفوسهم وأجسامهم منها، وحيث خمدت نارهم انقلب نورا (فقالوا) نعبد (إلها) باطنا وننقاد ونذعن ونسلم لنور ظاهر من قبيل قوله تعالى : "الله نور السماوات  والأرض" [النور: 35] .
(ولم يقولوا) نعبد (طبيعة) فننقاد ونذعن ونسلم لها لأن الطبيعة نار الله الموقدة وهم مأمورون بتوقيها كما قال تعالى : "قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها" [التحريم: 6].
وقال عليه السلام: «اتقوا النار ولو بشق تمرة».
قال نوح عليه السلام عن الأصنام المذكورة (وقد أضلوا كثيرا) يعني من أمته (أي حيروهم)، وأوقعوهم في عدم الاهتداء إلى وجه الصواب حيث اندهشوا (في تعداد) الإله (الواحد) الذي هو الغيب المطلق تعداد حاصلا (بالوجوه) الكثيرة التي له تعالى إذلة.
وإلى كل شيء وجه خاص من ذلك الوجه ظهرت صورة ذلك الشيء (والنسب) المختلفة التي من كل شيء إليه تعالى، فلكل شيء نسبة إليه تعالی حقيقية.
وأما نسب الأشياء بعضها إلى بعض فهي مجازية فالله واحد، لأنه الغيب المطلق وکثیر متعدد، لأنه الظاهر بتوجهه إلى كل شيء وبنسبة وجود كل شيء إليه وقال نوح عليه السلام أيضا.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. 
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : (فالأدني) كانت مرتبة العابدین متفاوتة أي فأدني العابدین مرتبة (من تخيل) بالبناء للفاعل (فيه) أي في معبوده (الألوهية).
يعني لا يعلم يقينا أنه مظهر للاسم الإلهي ولا يصدق أنه إله بل تخيل (فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره) إذ لا سبب للعبادة لمثل هذا غير التخيل لأنه جماد لا تأثير له بشيء أصلا يعلم عابده أنه ليس بآلة فما عبد الحجر إلا للتخيل (ولهذا) أي ولأجل كون عبادة الحجر للتخيل لا لغيره (قال الله تعالى لنبيه إلزاما) للعابدين إليه (قل سموهم فلو سموهم السموهم حجرا أو شجرة أو كوكبة ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا "نعبد إلها" ) بالنكرة لعدم علمهم ربهم إلا بالتخيل .
وزعمهم أن الأرباب متفرقة لا مجتمعة في الحضرة الواحدية المعبودة لكل العابدین (ما كانوا يقولون) نعبد (الله ولا إلا إله) فلو لم يتخيلوا الألوهية لقالوا عند السؤال نعبد الله تعالى أو نعبد الله تعالى أو نعبد الإله بالاسم الجامع المعرف والمعين للمعبودية للكل.
فإذا قالوا إلها بالنكرة المجهولة علمنا أنهم ما عبدوهم إلا لتخيل الألوهية (والأعلى) أي وأعلى العابدین (ما تخيل) أي لا يتخيل الألوهية فيه (بل قال هذا مجلي إلهي ينبغي تعظيمه) على كل أحد كما إذا سئلنا: لم صلیتم إلى الكعبة.
قلنا: هذه أعظم مظهر من المظاهر الإلهية فعظمناها لأجل ذلك فأما عبادتنا فلا يكون إلا لله في أي مظهر کان لا من حيث كونه في ذلك المظهر (فلا يقتصر) هذا العابد عبادته للحق في مظهر دون مظهر بل يعبده من حيث ظهوره في جميع المظاهر لعلمه بالله وبأسمائه .
(فالأدنى) أي أدنى العابدین (صاحب التخيل) عطف بيان إذا سئل وقيل : إذا كان حجرة لأي شيء عبدتم (يقول) في جوابه ("ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" [الزمر: 3]) وهم المشركون أي قربا.
(والأعلى العالم) بخبر عن مشاهدته على ما كان عليه الأمر مخاطبة لصاحب النخيل (ويقول: "إنما إلهكم إله واحد" [النحل: 22]) ظاهر في جميع المظاهر لا إلهة متعددة متفرقة (فله أسلموا) أي انقادوا واعبدوا (حيث ظهر) أي في أي مظهر ظهر لا إلى غيره .
إذ لا إله غيره حتى يعبد فلا تقتصروا مظاهره إلى أصنامكم واعلموا أن جميع الأشياء كلها مظاهره واعبدوه من حيث ظهوره في جميع المظاهر.
ولما فرغ عن ذكر ما وجب عليه أراد أن يشرع إلى بيان إشارات نوح في دعائه لقومه وأورد آية مناسبة لما قبلها في المعنى ليبني عليها بيان إشاراته ("وبشر المخبتين" الذين خبت نار طبيعتهم) أي طفئت .
(فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة) يعني كانت طائفة من عباد الله طفئت نار طبيعتهم بحيث لا يصدر منهم من الآثار الطبيعية شيء فظهر لهم من كل طبيعة الصفات الإلهية والأنوار الذائبة فغابوا عن طبائع الأشياء ولم يميزوا الإله.
والمألوه ولم يروا المألوه ولم يدركوا الطبائع فإذا سئلوا عنها أخبروا عن ما شاهدوه من آثار الألوهية فقالوا : "إلها" ولم يقولوا طبيعة أي حجرا أو شجرا أو غير ذلك من الطبائع.
ولا يقولون مجلي إلهي ينبغي تعظيمه إذ لم يروا غير الإله شيئا يغلبه تجلي الذات حتى أخبروا عن أسمائها .
وإذا قالوا : "إلها" أشار نوح في دعائه لقومه إلى هذه الطائفة الشريفة وجمع في الدعوة مع قومه للمناسبة الصورية بينهما في إسناد الألوهية إلى الطبائع فدل دعاؤه بالمفهوم الأول على المشركين . و بالمفهوم الثاني على هذه الطائفة الشريفة .
يعني هذه الدعوة تدل على كليهما بحسب الدلالتين فلما لم يقل المخبتون الطبيعة بل قالوا إنها (وقد ضلوا كثيرا) أي المحجوبين من أهل العالم كإضلال من يعبد الأصنام بقولهم: "لا تذرن آلهتكم" [نوح: 23].
(أي حيروهم) أي أعطاهم حيرة الجهل بقولهم إلهة (في تعداد الواحد بالوجوه والنسب) فلا يعلمون أن إلههم واحد حقيقي والكثرة والتفرقة كأعضائنا في صورنا المحسوسة فتحيروا في علمه فوقعوا في حيرة بسبب استماع كلامهم.
فكانوا أي المختبين ظالمين بوجهين ظلم لأنفسهم بإطفاء مقتضيات أنفسهم من الهوى بالمجاهدة وظلم لغيرهم بإيقاعهم في حيرة الجهل بسبب قولهم إلها، ولم يقولوا طبيعة.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
فالأدنى صاحب التخيل يقول: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " 3 الزمر. والأعلى العالم يقول: "فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) " سورة الحج.  حيث ظهر "وبشر المخبتين"  (الحج: 34).
الذين خبت نار طبیعتهم، فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة. "وقد أضلوا كثيرا" أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب.
فقال: فالأدنى وهو الضعيف النظر من تخيل في الأصنام الألوهة، قال ولولا هذه التخيل ما أقدم على عبادة الحجر ونحوه مع حقارة الحجر عنده ومن أجل الحقارة ورد في الكتاب العزيز توبيخا لهم بما تقرر عندهم أنهم غالطون "خأطئون".
وهو قوله تعالى: "قل سموهم" فإنهم إذا سموهم قالوا حجر أو شجر أو كوكب، فإنهم عبدوا الأصنام المتخذة من الحجارة والأصنام المتخذة من الخشب والأصنام التي هي کواکب، فقد عبدوا هذه الأنواع فطالبهم الرسول بأن يسموهم ليحصل لهم الإفحام لكن عذرهم أنهم تخيلوا أنهم آلهة لا حجارة وخشب وكواكب.
فلو قيل لهم في صنم وأحد مثلا: من عبدتم؟
لقالوا: آلها !. ولا كانوا يقولون الله ولا الإله
إذ ليسوا جاهلين بمرتبة معبودهم الحق الذي هو الله تعالى أو الإله الحق وهو الله تعالی
ثم أخذ يبين حال من هو أعلى مقاما من هؤلاء الذين تخيلوا أن هذه الأصنام آلهة، فقال: والأعلى ما تخیل وهم الذين هم أفضل عقلا من أولئك قال فإنهم ما تخيلوا بل قالوا: هو مجلي " إلهي ينبغي تعظيمه فما اقتصروا على ما اقتصروا عليه أولئك الذين سماهم أدنى.
ثم أخذ يشرح حال هذا الأدنى بقوله: فالأدنى صاحب التخيل لما لم تعبد بالأصنام أنها الله تعالی لكن اعتقد أنها آلهة.
فكأن سائلا سأل فقال إذا لم تعتقد أنها الله تعالى فلأي شيء تعبدها؟
فكان جواب السؤال المقدر أن يقول"ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"(الزمر:3).
ثم رجع إلى الأعلى عقلا من هذا، فقال: والأعلى العالم يقول: "فإلهكم إله واحد له أسلموا وبشر المخبتين" (الحج: 34).
ثم أخذ يبين حال المخبتين، فقال: هم الذين خبت نار طبيعتهم أي خمدت حتى قالوا في كل صنم من الأصنام: إنه إله ولم يقولوا: طبيعة حجر أو خشب أو كوكب.
ثم أخذ يبين حال هؤلاء وهو الأدنون، فعظمهم في تفسير قوله تعالى فيهم: وقد أضلوا كثيرا" (نوح: 24) أي حيروهم إذ كان هؤلاء المذكورون يرون الوحدة في عين الكثرة فصرحوا بما رأوه.
فأضلوا بذلك قوما کثيرين ممن لا يرى الوحدة في عين الكثرة بل يرى الكثرة ولا يرى الوحدة لقصورهم في الإدراك.
فقد حيروهم إذن بالوجوه الثابتة للواحد، فإنه ما يتكثر بالوجوه كما لا يتكثر الشخص الواحد بأنه نصف الإثنين وثلث الثلاثة وربع الأربعة. 
وكذلك إلى غير النهاية وبأنه أب لزيد وأخ لعمرو وولد لخالد وأشباه ذلك، فهذه وأمور أخرى مما لا يتناهى هي وجوه كلها لا تكثر الواحد.
ثم أخذ في اعتبار قوله "ولا تزد الظالمين" ففسر الظالمين بالذين وضعوا أنفسهم في بعض الاعتبارات في غير موضعها وهم خلفاء الله الكمل لأنهم الذين أورثوا الكتاب.
قال: وهم أول الثلاثة ويعني بالثلاثة قوله تعالى: "فمنهم ظالم لنفسه" وهؤلاء هم الأولون لأنهم قدموا على الفريقين الذين ذكروا بعدهم وهم المقتصد والسابق بالخيرات .
ثم أخذ يفسر قوله تعالى: "ضلالا" من قوله: "لا تزد الظالمين إلا ضلالا" فأشار إلى الضلال هنا بأنه الحيرة في الحق تعالى من قوله، عليه السلام: "رب زدني فيك تحيرا " فإن لم يكن هذا حديثا عن محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، فقد قاله المحمديون وهم أمته، عليه السلام.
قال: وقوله تعالى: "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" هو عنوان ما كانوا فيه من الحيرة وهذا هو كمالهم لأنهم محمديون وإليهم انتهى الكمال.
قال: وسبب حيرة المحمديين الدور والحركة الدورية التي ظاهرها الأفلاك وحركاتها، وباطنها دور حركة بواطنهم عليهم إذ ليس ورائهم مطمح يشتاقون إليه لقيامهم بمعاني الاستخلاف الإلهي وذلك هو معنى القطبية الكبرى
قال: وأما صاحب الطريق المستطيل وهو السالك إلى جهة واحدة فإنه مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه كمن ولده على كتفه وهو يسأل عنه.
قال: ومن هذه حاله هو صاحب خيال وإلى الخيال رجوعها فهو غايته فله بداية وله نهاية.
وإلى هذا المعنى أشار، رضي الله عنه، بقوله: فله من وإلى وما بينهما، فإن «من» هي لابتداء الغاية و«إلى» هي لانتهاء الغاية.
قال: وأما صاحب الحركة الدورية وهم المحمديون فليس لهم ابتداء فتلزمهم «من»، ولا لهم غاية فتحكم عليهم «إلى»، فلهم الوجود الأتم ولذلك أوتي، عليه السلام، جوامع الكلم وكذلك ورثته. وتعني بالحكم ما وافق لفظه معناه من غير خلل.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال الشيخ رضي الله عنه : « فالأدنى من تخيّل فيه الألوهيّة ، فلو لا هذا التخيّل ما عبد الحجر ولا غيره .
ولهذا قال : " قُلْ سَمُّوهُمْ " ، فلو سمّوهم لسمّوهم حجرا وشجرا وكوكبا .
ولو قيل لهم : من عبدتم ؟ 
لقالوا : إلها ما كانوا يقولون : « الله » ولا « الإله » .
والأعلى ما تخيّل ، بل قال : هذا مجلى إلهيّ ينبغي تعظيمه ، فلا يقتصر .
والأدنى  صاحب التخيّل يقولون : " ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى " ، والأعلى  يقول : " فَإِلهُكُمْ إِله ٌ واحِدٌ فَلَه ُ أَسْلِمُوا " حيث ظهر " وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ " الذين خبت نار طبيعتهم . فقالوا : إلها ، ولم يقولوا : طبيعة " .
قال العبد : العباد والعبّاد انقسموا إلى عارف بالله حيث تجلَّى وظهر ، عالم به كيف تعرّف وتنكَّر ، مشاهد لوجهه الكريم في كل وجهة وجهة تولَّى ونظر ، " فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه ُ الله " الأكرم الأزهر ، محقّق في شهوده ، متحقّق بمشهوده ، فهو الأعلى ، لأنّه العابد ربّه الأعلى .
والأدنى هو أن لا يشهد الحقّ الظاهر في المعبود المشهود ، ولكن يعبده تخيّلا أنّ فيه الألوهيّة ، فهو غالط جاهل بالإله ، فإنّه ما من إله إلَّا إله واحد ، " أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه ُ " فلمّا لم ير ذلك ، وليس له الكشف بالحق من حيث الشهود العقلي ، فتحيّر وتخيّل تقليدا أنّ فيه الألوهيّة ، فكفر ، أي ستر الألوهية الظاهرة في مألوه ومعبود ، فتخيّل أنّ عبادة هؤلاء في الوجود ليست إلَّا لإلهيّة فيهم ، والحق أنّه ليس من الله في شيء ، وليس هو بكلَّيته فيهم ، فما له تحقيق ولا تحقّق بالحق حيث كان ، فهو الذي عبد تخيّله وتحيّله وعكف على صنمية حجابيّة الطاغوت بالخذلان ، وهو عن الحق المشهود الموجود في الحرمان ، أعاذنا الله وإيّاك بإحسانه إنّه بحسبان .
والأعلى شهوده " أَنَّما إِلهُكُمْ إِله ٌ واحِدٌ " ، فالألوهية رتبة في حقيقتها واحدة لا تقتضيها إلَّا ذات واحدة هي عينها لا زائدة عليها ، فحيث وجدت عبدت ، وأينما شهدت وشوهدت ، شهدت لها بالألوهية ، وسجدت بالهوية اللاهوتية وحكمها من العباد والعبّاد الانقياد الكلَّي والإسلام الجبلَّي والاستسلام الفطري الأصلي .
وكمال الانقياد لله أن نعبده ونطيعه في الكلّ بكل عبادة وطاعة ، ونعرفه ونعرّفه بكل جهد وجدّ واستطاعة ، لكونه لا ينحصر في جهة ، ولا يتقيّد في وجهة ، فمن كان مشهده على هذا الوجه ، فهو الكامل الذي وجهة وجهه وجه الله ، لا يغيب عنه طرفة عين ونظرة ، ولا يحصره ولا يقيّده حضرة دون حضرة تقييد الأدنى صاحب التخيّل ، أو المقلَّد المعتقد الممثّل ، وحصره ، فافهم .
قال الشيخ سلام الله عليه : " وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً " أي حيّروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب"

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه :  ( فالأدنى من تخيل فيه الألوهية ) أي الجاهل المحجوب أي معنى الألوهية فهو أن يصور فيه هيئة مخصوصه متخيلة فإن الخيال لا يدرك إلا مشخصا فعبد ذلك المتخيل ( فلو لا هذا التخيل ) أي تخيل معنى الألوهية فيه ( ما عبد الحجر ولا غيره ولهذا ) أي ولأن الله أراد أن يبصرهم أنهم إنما يعبدون خيالهم .
( قال : " قُلْ سَمُّوهُمْ "  فلو سموهم لسموهم حجرا أو شجرا أو كوكبا ) فافتضحوا وانتهوا عن الشرك ( ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ) بناء على ما تخيلوا فلزمهم تعدد الآلهة لأنهم ( ما كانوا يقولون الله ولا الإله ) إذ لم يرد الله الواحد المتجلى في صورة الكثرة ( والأعلى ) أي العالم العارف الكاشف بالحق ( ما تخيل ) نفى أي لم يتخيل ( بل قال هذا مجلى إلهى ينبغي تعظيمه فلا يقتصر ) أي على ذلك المتعين بل يرى كل شيء مجلى له ، فيرى تعدد المجالى من تجليه الأسمائى وأحدية المتجلى من تجلى وجهه فيها أي ذاته ( فالأدنى صاحب التخيل يقول : "ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى ) لأنه تخيل في كل واحد منها إلها صغيرا وتخيل ما سمى الله إلها متعينا أكبر ، فلم يعبد إلا ما تخيله من الآلهة المجعولة ( والأعلى العالم يقول : فَإِلهُكُمْ إِله واحِدٌ فَلَه أَسْلِمُوا " حيث ظهر ) أي انقادوا أو سلموا وجوداتكم له بالفناء فيه ( وبشر المخبتين الذين خبت نار طبيعتهم ).
أي المتذللين الخاشعين من الانكسار والتواضع لعظمة الله ، وقوله خبت ليس من الإخبات بل من الخبو لأن العلو والتكبر إنما يكون من الطبيعة النارية كما قال إبليس : " أَنَا خَيْرٌ مِنْه خَلَقْتَنِي من نارٍ "  فإذا خمدت الطبيعة النارية فيهم انكسرت الأنانية الحاجبة لله تعالى ( فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة ) لخبوها إذا لم يعرفوا إلا ما هو الغالب فيهم ، فإذا خبت نار الطبيعة ظهرت الإلهية وغلبته ( وقد أضلوا كثيرا أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب ) ولما غلب عليه التوحيد الذاتي المحمدي.
في قوله رضي الله عنه : « عرفت الأشياء باللَّه حين سئل بم عرفت الله » حمل الآية على صورة حاله .
وفسر إضلال الأصنام أي صور الكثرة لمن نظر فيها بعين التوحيد بالتحير لشهود الواحد المطلق الحقيقي متعددا بحسب الإضافات إلى المظاهر حتى ترى أي الوجه الواحد وجوها مختلفة باختلاف المظاهر التي هي مراياه كما قال المحمدي :
وما الوجه إلا واحد غير أنه .....   إذا أنت أعددت المرايا تعددا
فتحير بين أحديته وكثرته .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية) أي، فالأدنى مرتبة من العابدين من تخيل- على البناء للفاعل - في معبوده الألوهية، أي، ما علم يقينا أنه مظهر من مظاهرالحق، بل توهم فيه الألوهية. وأما على البناء للمفعول،
فمعناه: وأدنى مرتبة في مرتبة من مراتب المعبودين من تخيل فيه أنه إله. والأول أنسب لقوله بعده:
قال الشيخ رضي الله عنه : (والأعلى ما تخيل) على النبأ الفاعل. (بل قال: هذا مجلي). (فلو لا هذا التخيل) أي تخيل الألوهية. (ما عبد الحجر ولا غيره) لأنه جماد ظاهر لا حس له ولا حركة، فلو لا أنه تخيل هذا العابد فيه الألوهية، ما عبده أصلا. (ولهذا قال)
أي، الحق لنبيه إلزاما للكفرة وإفحام لهم: ("قل سموهم" فلو سموهم، لسموهم شجرا أو حجرا أو كوكبا. ولو قيل لهم: من عبدتم؟ لقالوا: إلها). أي، ربا من الأرباب المتفرقة، أو إلها من الآلهة المتكثرة.
(ما كانوا يقولون الله ولا الإله). ما كانوا يقولون: نعبد الله الجامع للآلهة والأرباب، ولا نعبد الإله ،أي، المعبود المعين الذي هو معبود الكل.
قال الشيخ رضي الله عنه : (والأعلى ما تخيل، بل قال: وهذا مجلي إلهي ينبغي تعظيمه. فلا يقتصر.) أي، الأعلى من العابدين والأعرف منهم لم يتخيل، كما تخيل الجهال العابد ون بالتوهم.
بل يقول: هذا مجلي إلهي ومظهر من مظاهره، يجب تعظيمه لوجوب تعظيم شعائر الله.
فلا يقتصر أن يعظمه بنفسه ويعبده، بل يأمر غيره أيضا بعبادته وتعظيمه.
أو لا يقتصر الحق في معبوده الذي جعله مجلي إلهيا، بل قال:
إنه مجلى من مجاليه ومظهرا من مظاهره، واجب تعظيمه وعزته. فيجعل هوية الحق متجلية في صور الموجودات المتكثرة.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالأدنى صاحب التخيل يقول: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" والأعلى العالم يقول: "إنما إلهكم إله واحد فله أسلموا". حيث ظهر).
أي، غير العالم من العابدين يقول: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله). ووسائط، نعبدهم ليقربونا عنده تقريبا تاما. والأعلى العالم يقول: (إنما إلهكم إله واحد). وله أسماء ومظاهر مختلفة، فأسلموا له و انقادوه واعبدوه في جميع مظاهره الروحانية والجسمانية، كما قال تعالى: قال الشيخ رضي الله عنه : (فإلهكم إله واحد فله أسلموا، وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.)
("وبشر المخبتين" الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا: إلها، ولم يقولوا: طبيعة).
(خبت) من (الخبو). وخبو النار، خمودها وإطفاؤها.
و (الإخبات)، التواضع وكسر النفس. لما أورد الآية بقوله: (والأعلى العالم يقول: "إنما إلهكم إله واحد".) تممها بقوله : و (بشر المخبتين) وفسر بأنهم هم الذين خبت نار طبيعتهم، أي، بشر الذين أخبتوا أخمدوا نار طبيعتهم بالسلوك والمجاهدة، فإذا خمدت نار طبيعتهم وخبت، تجلت لهم الصفات الإلهية والأنوار الذاتية، فعرفوا الحق وأنواره وآثاره الصادرة من أسمائه وصفاته في العالم بالحق، فقالوا:
إلها. أي، سموه بالاسم الإلهي، وما سموه باسم غيره من الطبيعة، كما يقول المحجوب: إن الطبيعة فعلت كذا وكذا.
والطبيعة وإن كانت مظهرا من المظاهر الكلية، لكنها غير متخلصة عن رق العبودية وسمة الغيرية، فالموحد لا يسند إليها الآثار والأفعال.
قال الشيخ رضي الله عنه : ("وقد أضلوا كثيرا" أي، حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب.) أي، أضل قومه كثيرا من أهل العالم وحيروهم في تعداد الواحد الحقيقي بحسب الوجوه والنسب التي له. فإنهم اتبعوا عقولهم ودرجات عقولهم متفاوتة، فأدرك كل منهم من تلك الوجوه ما يناسب استعداده، ونفى ما أدركه غيره، فوقعوا في الحيرة والضلالة، كما يشاهد اليوم من أحوال أرباب النظر من تخطئة بعضهم بعضا. وكلهم مصيب من وجه ومخطئ من وجه آخر) .

.

يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:40 عدل 4 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الأحد 28 أكتوبر 2018 - 0:55 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الخامسة عشرة الجزء الثاني.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الخامسة عشرة: الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.
و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «وبشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية) فعبده لاعتقاد كونه إلها عنده بالحقيقة لا لكونه مظهرا إلها، فإن ذلك من الاعتقاد الأوسط وهو أيضا غالط من حيث تجویز عبادة المظهر، أو جعله قبلة (فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره)؛ لأنه لا يعرف المظهر، وقد بينا غلط من جوز عبادة المظاهر.
قال رضي الله عنه : (وهذا) أي: ولأجل أنه تخيل فيه الألوهية، وأراد الله تعالی بيان فساد هذا التخيل (قال) لنبيه : (" قل سموهم" [الرعد: 33])، أي: اذكروا ما وضع لها واضع اللغة من الألفاظ بإزاء ما فيها من المعاني، وقبل منه ذلك في الإعصار"العصور" كلها لموافقته الواقع (فلو سموهم لسموهم حجرا وشجرا وكوكبا) إذ لم يضع لها الواضع غيرها فدل على أنه ليس فيها شيء من معنى الألوهية.
ولكنهم يعتقدونها فيهم حتى (لو قيل لهم: من عبدتم، لقالوا: إلها) فيقال: قد ناقضتم واضع اللغة بل أنفسكم حيث لم تسموها بالألهة مع أنكم تعتقدون فيها الألوهية فتجعلونها إلها من الآلهة، وما عبدتموها على أنها مظاهر للإله الواحد؛ فلذلك
قال رضي الله عنه : (ما كانوا يقولون: الله) باسم العلم، (ولا الإله) بلام العهد الدال على الواحد المعهود فيما بين الموحدين؛ لأنهم يعلمون أنه ليس المسمى بذلك العلم، ولا ذلك الواحد المعهود فيما بين الموحدين.
(والأعلى) العالم بالله (ما تخيل) فيه الألوهية (بل) غايته إن (قال: هذا مجلي إلهي) كسائر ما في العالم، (يجب تعظيمه) من حيث المظهرية كسائر صور العالم .
(فلا يقتصر) على تعظيمه، كما يفعله عبدته بل إذا رأى منهم تعظیم ذاته ينبغي أن يغار عليه، فیکسر بل غاية تعظيمه أن يعتقد فيه أنه مسبح الله تعالى، وأنه حجاب العزة به احتجب الحق عن أهل الضلال.
فقهرهم بظهور عزته وجلاله (فالأدنى صاحب التخيل يقول: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" [الزمر: 3 ])؛ وذلك لأنهم عندهم آلهة صغار لا يمكن الوصول إلى الإله الأعظم بدون واسطتهم.
وهذا باطل إذ لا دليل على قربهم من الله تعالى مع قصور مظهريتهم، بل هم الأنبياء والأولياء، وكيف يتصور لهم قرب لو ادعوا مشاركته في الألوهية، كما زعم هؤلاء بل ذلك موجب للعداوة والخصومة.
"قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا" [الإسراء: 42]، "ولعلا بعضهم على بعض" [المؤمنون: 91].
قال رضي الله عنه : (والأعلى العالم) بالله (يقول: فإلهكم إله واحد فله أسلموا" [الحج: 34] حيث ظهر) بالانتقال من المظاهر إلى الظاهر، فلا يرون شيئا إلا يرون الله فيه، بل لا يرون في شيء إلا الله.
وسيأتي الكلام عليه عن قريب؛ ولكن لا يعبدون المظاهر، ولا الصور الظاهرة فيها من حيث هي صور، وإن ظهر منها تأثيرات كتأثير صورة الشمس الظاهرة في المرآة، فيما يقابلها من الماء.
والصورة الظاهرة فيه فيما يقابلها من الجدار كاعتقاد الطبائعية تأثيرات الطبائع في الأشياء.
فلذلك قال: ("وبشر المخبتين" [الحج: 34]، الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا) :  نری (إلها ) أي: وجها من وجوهه يؤثر في الأشياء.
(ولم يقولوا: طبيعة) فينسبون الكل إلى الله دون المظاهر بل يجعلونها كالقلم والكاغد لا منة لهما في جوائز السلاطين، بل لا يلتفتون إلى ذلك بالكلية؛ فلذلك حذف لفظة «نری»، كأنهم لا يلتفتون إلى رؤيتهم ولا إلى فنائهم، (وقد أضلوا ‘[نوح:24])، أي: أرواح الماکرین ("كثيرا"[نوح: 24]) من القلوب والنفوس، (أي: حيروهم) مع علمهم بأن الإله واحد، وقد ظهر في هذه المظاهر، فتوهموا أنها المظاهر لا غير، أو أنها المظاهر الكاملة التي تستحق العبادة، أو أنها عين الظاهر من كل وجه حتى وقعوا (في تعداد) الوجود (الواحد) الحق (بالوجوه والنسب) أي: بظهوره في كل مظهر من وجه خاص، وانتسابه إلى كل مظهر بنسبة خاصة، فتوهموا أنه يستحق العبادة فيها فجعلوا كل واحد إلها عن الحيرة المذمومة.
ويمكن أن يقال: ("وقد أضلوا" [نوح: 24] ) . أي: الأصنام المذكورة من حيث هي مظاهر جلالية كثيرا من أهل الحجاب أي: حيروهم الحيرة المذمومة بلسان الحال فأوقعوهم في تعداد الإله الواحد عند ظهوره فيها بالوجوه والنسب فاعتبارهم مظهريتها لما فيها من معرفة الحق المتجلي فيها لم يفدهم فائدة التعريف بل أوقعهم في الضلال والإضلال.
ويمكن أن يقال: "وقد أضلوا" [نوح:24]، أي: المخبتون "كثيرا" [نوح:24]، من العامة أي: حيروهم حين نطقوا بالتوحيد فتوهموا من ذلك إلهية الكل إذ تكلموا في تعداد الوجود الواحد بالوجوه والنسب .
يعني: أنهم أهل البشارة، وإن وقعت منهم هذه العبارة الموهمة عند غلبة التوحيد عليهم فعلی هذا هو ليس من قول نوح المحكي في القرآن، بل هو اقتباس موهم لطيف.
ثم ذكر ما يدل على الحيرة المحمودة بطريق الإشارة مما تدل العبارة على الحيرة المذمومة أخذا بظاهر القرآن وباطنه استيفاء بجميع مفهوماته، فنزل ما هو بطريق الإشارة في حق الكل والذي بطريق العبارة نازل في حق الطغاة فقال: ("ولا تزد الظالمين" [نوح: 28]) .، لم يتعرض للمفهوم الأول، وهو تفسير الظالم بالشرك أو القاطع حق الغير لظهوره، بل فسره بطريق الإشارة بما ورد في نص آخر بطريق التصريح.
وهو قوله تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم؛ لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " [فاطر: 32].
ليكون ما دعا به نوح عليه السلام دعاء شر على الطغاة بعينه دعاء خير للكل؛ لئلا يخلو عن دعاء الخير في ضمن دعاء الشرك لئلا يتوهم كونه من النفوس الشريرة التي لا بدل ما يصدر عنها من الخوارق على صدقها.
فقال: ("المصطفین" [ص: 47]، الذين أورثوا الكتاب) أي: أوتوا أسراره بطريق الوراثة لا الكسب والدراسة صاروا ظالمين لقطعهم على أنفسهم حظوظها من فضول الطعام و المنام والكلام، فصاروا مصطفين بإنباء أسرار الكتب السماوية، (فهم) أي: هذا الظالم المصطفی (أول الثلاثة) المذكورين في الآية المذكورة .
(فقدمه) لمزيد فضله لكونه من أرباب الوصول (على السابق) بالخيرات، وهو المقتصر على الأعمال الصالحة (والمقتصد) وهو السائر في الأقوال والمقامات التي هي الطريقة دعا له نوح عليه السلام بطريق الإشارة ألا يزيده الله (" إلا ضللا" [نوح:24]) فسره بطريق الإشارة بقوله: (إلا حيرة) أراد المحمودة وهي حيرة من كوشف بالأسرار الإلهية التي لا مثال لها في عالم المحسوسات والمعقولات.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.
و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
وأشار إليهما بقوله رضي الله عنه  : ( فالأدنى من تخيّل فيه الألوهة ، ولولا هذا التخيّل ما عبد الحجر ولا غيره ) فمعبودهم إنّما هو المتخيّل الذي تصوّر فيه الألوهة ، لا المحسوس ( ولهذا قال : " قُلْ سَمُّوهُمْ "[ 13 / 33 ] فلو سمّوهم ، لسموهم حجرا أو شجرا أو كوكبا ولو قيل : «من عبدتم ؟» لقالوا : «إلها» ) من الآلهة ( ما كانوا يقولون : «الله» ولا «إله» ) الدالَّان على الذات الواحدة ، ضرورة أنّ معبودهم متعيّن بالتعيّن الفرقي المنكر ، غير المعروف عندهم - وإن كان معروفا في نفسه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والأعلى ما تخيّل) فيه الالوهيّة ( بل قال ) أي أظهر من اليقين القلبي ( هذا مجلى إلهيّ ينبغي تعظيمه ) حسبما يستحقّه من الرتبة التي تليق به ويفصح عنه لسان الشرع في ذلك الزمان بين المجالي ( فلا يقتصر ) على عبادة ذلك المجلى وتعظيمه بالعبادة فقط .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالأدنى صاحب التخيّل ) لما كان معبوده إنّما هو المتخيّل - لا غير - ولا يسمّى الأصنام إلَّا بأسمائهم الطبيعيّة ، ولا يظهر غير ذلك ( يقول : " ما نَعْبُدُهُمْ " ) أي تلك التعيّنات المتقابلة الغائبة عن نظرهم في الحجب الإمكانيّة ( " إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى " [ 39 / 3 ] والأعلى العالم ) الواصل إلى أحديّة الجمع الذاتي ( يقول : * ( فَإِلهُكُمْ إِله ٌ واحِدٌ ) * ) بالوحدة المطلقة ( " فَلَه ُ أَسْلِمُوا " ) قياد عبادتكم ، وإليه أسندوا الوجود وما يتبعه من الأوصاف والنسب ( حيث ظهر ) في المجالي المقيّدة ، فإنّها مظهر الوحدة الإطلاقيّة ، لا غير ( "وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ" [ 22 / 34 ] الذين خبت نار طبيعتهم ) أي خمدت وسكنت فإنّ الخبت : الاطمئنان .
وما قيل : « إنّه من الخبو » فهو خلاف الظاهر ، وذلك وإن كان على قاعدة التحقيق صحيحا إلَّا أنّ الشيخ قلَّما يرتكبه ، سيّما في وجوه التأويل .
فإنّ الذين سكنت فيهم لواعج نيران الطبيعة وانقطعت أحكام تسلَّطها عنهم هم الذين علموا الأمر على ما هو عليه وأظهروا ذلك ( فقالوا : « إلها » ) لتلك الموجودات المعبودات ( ولم يقولوا : طبيعة ) ويسمّوهم بأساميها .
ثمّ إنّ من جملة الحكم التي للكلمة النوحيّة ما نسب إلى قومه من الضلال بقوله : ( " وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً " أي حيّروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب ) حيث قالوا : " فَإِلهُكُمْ إِله ٌ واحِدٌ "[ 2 / 163 ] مع تكثّر المظاهر والتعيّنات.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.)
قال رضي الله عنه في الفتوحات : عبد المخلوق ههنا من عبده وما عبد إلا الله من حيث لا يدري ويسمى معبوده منات واللات والعزى، فإذا مات وانكشف الغطاء علم أنه ما عبد إلا الله .
فالناظرون إلى المعبودين صنفان : أعلى وأدنى.
(فالأدنى من تخيل فيه)، أي في معبوده المفيد (الألوهية)، واستحقاقه بخصوصية العبادة ، وإن كانت للتقريب إلى الحق المطلق (فلولا هذا التخيل)، أي تخيل معنى الألوهية واستحقاق العبادة (ما عبد الحجر ولا غيره) كالشجر والشمس والقمر . (ولهذا)، أي لأن عبادة هؤلاء المعبودين مبنية على تخيل الألوهية فيهم.
قال الله سبحانه أمر لنبيه صلى الله عليه وسلم ("قل") إلزاما للكفرة وإقحاما لهم ("سموهم") [الرعد : 33]، أي اذكروا أسماء هؤلاء في أنفسهم (فلو سموهم لسموهم حجرا أو شجرا او کوکبأ)، لأن أسماءهم في حد أنفسهم ليست إلا هذه.
قال رضي الله عنه : (و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
(ولو قيل لهم: من عبدتم لقالوا إلها) من الآلهة المفيدة الجزئية لأنهم ما عبدوهم إلا لتخيل الألوهية فيهم لا لكونهم حجرا أو شجرا أو غيرهما (ما كانوا يقولون) في الجواب (الله ولا إله) المطلق الظاهر في جميع الآلهة والأرباب لأن قبلة عبادتهم كانت الآلهة الجزئية لا المطلق.
فستروا وجه الحق المطلق بالآلهة المقيدة الجزئية ، فلهذا حكموا بكفرهم، لأن الكفر هو الستر (و) الصنف (الأعلى ما تخيل) في كل معبود مقيد الألوهية.
(بل قال : هذا مجلى إلهي) تجلى فيه الإله المطلق (ينبغي تعظيمه) نظرة إلى من تجلى فيه لا عبادته بخصومه (فلا يقتصر) على المخصوص المقيد بل يعبد الإله المطلق الذي هو المفيد أحد مظاهره (فالأدني) الجاهل (صاحب التخيل يقول"ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" ) [الزمر : 3]، فجعلهم قبلة لعبادته وإن كانت تقربا إلى الله .
("والأعلى العالم يقول "أنما إلهكم إله واحد" [الكهف: 110] "فله أسلموا" ) [الحج: 34]، أي انقادوا واعبدوا (حيث ظهر) لا لمظاهر و مجاليه فيجعل الإله المطلق قبلة للعبادة لا الآلهة المقيدين، ولما أشار إلى صدر الآية الكريمة أراد أن يتمها بقوله : ("وبشر المخبتين"). وفسر المخبتين بقوله :
(الذين خبت)، أي خمدت و هو من الخبوت وهو خمود النار (نار طبيعتهم)، فلم تظهر منهم الآثار الطبيعية بل عرفوا أن طبيعتهم مظهر من مظاهر الأسماء الإلهية. فكل أثر يظهر منها إنما يظهر من الاسم الظاهر فيها (فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة)، أي ذكر و الأسماء الإلهية عند ظهور الآثار وأسندوها إليها ولم يذكروا الطبيعة ولم يسندوا الآثار إليهم .
وأشار إلى قوله تعالى : ("وقد أضلوا") [نوح: 24]، أي قوم نوح ("كثيرا") من أهل العالم (أي حيروهم في تعداد الواحد) الحقيقي (بالوجوه والنسب) الكثيرة الاعتبارية حيث قالوا: "ولا تذرن  ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" [نوح : 32]، فإن كل واحد من هؤلاء وجه من وجوه الواحد الحق تعالی مغاير للباقين بالنسب والاعتبارات. فتحیروا بین وحدته وكثرته.
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:12 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السادسة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال رضي الله عنه : "«ولا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين» الذين أورثوا الكتاب، أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد والسابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه".
قال رضي الله عنه : ("ولا تزد الظالمين") يعني (لأنفسهم) بعدم إيفاء نفوسهم حقوقها مما تطلبه منهم من الحظوظ العاجلة والآجلة رغبة في إطاعة الرب سبحانه وتعالى، وأنها كافي مرضاته تعالى وهم قومه من حيث أسرارهم وأرواحهم لأنهم مطيعون من هذا الوجه إلا من حيث نفوسهم وأشباحهم.
لأنهم عاصون من هذا الوجه باعتبار أن الروح ناظرة إلى تقلب شؤون الرب والنفس ناظرة إلى اختلاف أفعال العبد، فالإيمان والمعرفة في الأرواح والكفر والضلال في النفوس والأشباح.
ونوح عليه السلام ناظر إليهم بعين الحقيقة وبعين الشريعة، وكلامه في حقهم صالح لهم في الحالتين ودعاء لهم وعليهم باعتبار الطورين المذكورين، وحيث كان طور النفوس والأشباح مما لا خفاء فيه على العامة فضلا عن الخاصة.
وكفرهم وضلالهم في هذه الطور معلوم لم يحتج المصنف رحمه الله تعالى إلى التعرض، وإنما تعرض للطور الآخر الخفي عن بعض أهل الخصوص فضلا عن أهل العموم، لأن كتابه هذا في بيان الحقائق والأسرار الإلهية للشرائع والأحكام الربانية لا في بيان الشرائع والأحكام فقط، مثل كتب علماء الرسوم التي علومهم هي علوم المؤمنين لا علوم خاصتهم (المصطفين) نعت للظالمين أنفسهم.
(الذين أورثوا)، أي أورثهم الله تعالى (الكتاب) الجامع للخلق والأمر في رتبة التفصيل والإجمال (فهم)، أي المصطفون الظالمون أنفسهم (أول الثلاثة) الذين اصطفاهم الله تعالى فأورثهم كتابه القديم، فنسب إليهم على حد ما ينسب إليه تعالی لزوالهم عن أنفسهم وأشباحهم وقيامهم في حضرته بأسرارهم وأرواحهم.
أما باعتبار حقائق ذواتهم وإن لم يشعروا بها وهم الصم البكم الذي لا يعقلون الحق الظاهر بهم له لا لهم، أو باعتبار شهودهم ذلك من حقائق ذواتهم، وهم الصم البكم العمى الذين لا يعقلون غير الحق تعالی الظاهر بهم له، ثم لهم وبحسب التفاوت في هذين المقامین انقسموا إلى ثلاثة أقسام.
قال تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " [فاطر: 32] . وهم جميع بني آدم بالاعتبارين المذكورين "فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخير بإذن الله" [فاطر: 32] .
(فقدمه)، أي الظالم لنفسه (على المقتصد والسابق) بالخيرات، لأنه شرفه عليهما باعتبار ظلم نفسه في مرضات الله ، ثم دون المقتصد وهو المتوسط الذي تارة يراعي حقوق الله وتارة يراعي حقوق نفسه، ثم ما دونه  السابق بالخيرات بإذن الله، وهو الذي يراعي حقوق نفسه فقط، فيعمل الخيرات ويسارع فيها لأجل حصول السعادة له في الدنيا والآخرة، وطمعا في النجاة من الله تعالی ورغبة في الثواب.
("إلا ضللا") [نوح: 24] فيك (أي حيرة) وهي الهداية لا جزم فيها بشيء معقول ولا محسوس، لأنه تعالى "ليس كمثله شيء".[الشورى : 11]
ولا حكم فيها بإثبات ولا نفي لأن كل مثبت بالعقل حادث وكل منفي بالعقل حادث أيضا، والحق سبحانه ثابت ثبوتا ليس محتاجة إلى مثبت (و) هذه الحيرة (في مقام الوارث المحمدي) يشير إليها قوله عليه السلام: (زدني) اللهم (فيك تحيرا) حيث كانت الحيرة هداية إليك، لأن الهداية في كل شيء بحسبه فالهداية إلى العظيم الحيرة في عظمته ومنه قوله تعالى: "ووجدك ضالا فهدى" (الضحى  7] أي متحيرا في عظمة ربك فهداك بحيرتك تلك إلى معرفته.
وقال تعالى في مقام الحيرة أيضا: ( و لما أضاء )، أي أشرق ("لهم") بهم من تجلي اسمه الظاهر، فتحققوا به ("مشوا") في عالم وجودهم الحسي والعقلي (فيه) فكانوا معدومین قائمين بموجود ("وإذا أظلم عليهم") فاستتر عنهم من تجلی اسمه الباطن فشهدوا أنفسهم وغفلوا عنه ("قاموا") [البقرة: 20] (له) على قدم العبودية مشتغلين بالعبادة فهم بين هذين المقامين مترددون لا يستقر بهم القرار في أحدهما فيهتدون.
(فالمتحير) الذي حيرته المعرفة الإلهية في ربه عز وجل (له الدور) كلما علم الله تعالی شعر أن الذي علمه حادث مثله من حيث إن الله تعالى قديم والقديم لا يوجد في علم غير القديم فينبغي ما يجده في علمه لشعوره بأنه حادث.
ثم يثبت ما يعلم أنه الله تعالى منزها عن كل تشبيه وتكييف مؤمنا به على حسب ما هو عليه في غيبه المطلق لضرورة إيمانه به.
ثم يشعر بأن الذي أثبته حادث مثله أيضا وإن كان منزهة عن مشابهة الحوادث، فإن هذا التنزيه حكم من حادث فلا يقع إلا على حادث.
فينفي ما ثبت ثم يثبت أعلى منه، ثم يشعر بحدوثه أيضا فينفيه وهذه كيفية السير إلى الله تعالى يضع قدمه ثم يرفعه ثم يضعه أرقى منه ثم يرفعه وهكذا.
كما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
قال لي حسن كل شيء تجلی    ….. بي تملى فقلت قصدي وراكا
فهو ينتقل دائما من حادث إلى حادث وفي زعمه أنه ينتقل من حادث إلى قدیم. فالقديم عنده موهوم والحادث متحقق، وذلك من ضرورة الإيمان بالله تعالى، وهو تشبيه الله تعالى ثم تنزيهه على حسب ما قدمناه.
وهذا معنى الدور المذكور (و) له أيضا، أي لصاحب الحيرة (الحركة الدورية) من كون إلى كون من نفسه إلى ربه  إلى نفسه، ثم يعود فيتحرك من كون إلى كون كذلك.
ولولا طلبه الله تعالى الذي لا يزول عنه ما كانت حركته الدورية مثل حركة الأفلاك العلوية (حول القطب) الراسخ على حقيقة عجزه الواقف على مركز اضطراره، لأنه كعبته التي يجب عليه أن يطوف بها وبيت ربه الذي يستقبله في صلواته (فلا تبرح منه)، لأنه قلبه الذي يدور عليه وحاكمه الذي يولى عليه.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
فدعى لهم نوح بذلك على زيادة حيرتهم بالعلم بقوله: ("ولا تزد الظالمين" [نوح: 28] أنفسهم ) فكل المراد من الظالمين في دعاء نوح هم الظالمون في قوله : فمنهم ظالم لنفسه .
لذلك وصف بقوله : (المصطفين "الذين أورثوا الكتاب") [الشوری: 18].
وهو قوله : "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)" سورة فاطر.
قال رضي الله عنه :. (فهم) أي الظالمون لأنفسهم أكمل الناس وأعرفهم فأشار نوح عليه السلام في دعائه لقومه بلسان الدم إلى هذه الطائفة فقال : "ولا تزد الظالمين " (إلا ضلالا إلا حيرة) في العلم حتى لا يقولوا: إلها ولا يحيروا القوم في تعداد الواحد بالوجوه .
فدعاء نوح عليه السلام لهذه الطائفة ازدياد التحير في العلم بالله تعالى بصورة الضلال وهو ما دعي به (المحمدي) بقوله :( زدني فيك تحيرا) فإن ازدياد التحير في الله تعالى لا يكون إلا عن زيادة علم وهو في حق الظالمين لأنفسهم من أمة محمد عليه السلام بلسان المحمدي .
وجاء ما أشار نوح عليه السلام في حق قوم موسى في قوله : ( لما أضاء لهم ) أي كلما تجلى الله تعالى لهم باسمه النور ("مشوا فيه") أي ذهبوا علما بسبب ضياء هذا النور إلى حضرة جنابه .
("وإذا أظلم عليهم" ) أي إذا قبض منهم ضياءه وخفي عليهم لظهور التجلي الجلالي عليهم ("قاموا") حیاری فكلما ازداد علمهم ازدادت حيرتهم هكذا حالهم إلى آخر عمرهم كان ذلك أول الثلاثة من كل أمة لا تختص أمة دون أمة.
فلما انجر كلامه إلى الحيرة وكان مقام الحيرة أعلى المقامات وأشرفها شرع إلى بيان مرتبة الحائر وأحواله فقال : (فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطبوهو الذي مدار الوجود عليه وهو الحقيقة المحمدية قطب العالم فالوجود دوري فإذا دار الحائر حول القطب (فلا يبرح منه) أي لا يزال ولا ينفك من القطب لأنه أينما تولى يرى وجه الله تعالى في دائرة الوجود ويرى أن مطلوبه معه في كل موجود وهو مقام الواصلين من أهل الله تعالى.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. "المصطفين "الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
"ولا تزد الظالمين" (نوح: 24 ) لأنفسهم. المصطفين الذين أورثوا الكتاب، أول الثلاثة.
فقدمه على المقتصد والسابق " إلا ضلالا" (نوح: 24 ) إلا حيرة المحمدی " زدني فيك تحيرا". "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" (لبقرة: 20).
فالمحير له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.
ففسر الظالمين بالذين وضعوا أنفسهم في بعض الاعتبارات في غير موضعها وهم خلفاء الله الكمل لأنهم الذين أورثوا الكتاب.
قال: وهم أول الثلاثة ويعني بالثلاثة قوله تعالى: "فمنهم ظالم لنفسه" وهؤلاء هم الأولون لأنهم قدموا على الفريقين الذين ذكروا بعدهم وهم المقتصد والسابق بالخيرات .
ثم أخذ يفسر قوله تعالى: "ضلالا" من قوله: "لا تزد الظالمين إلا ضلالا" فأشار إلى الضلال هنا بأنه الحيرة في الحق تعالى من قوله، عليه السلام: "رب زدني فيك تحيرا " فإن لم يكن هذا حديثا عن محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، فقد قاله المحمديون وهم أمته، عليه السلام.
قال: وقوله تعالى: "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" هو عنوان ما كانوا فيه من الحيرة وهذا هو كمالهم لأنهم محمديون وإليهم انتهى الكمال.
قال: وسبب حيرة المحمديين الدور والحركة الدورية التي ظاهرها الأفلاك وحركاتها، وباطنها دور حركة بواطنهم عليهم إذ ليس ورائهم مطمح يشتاقون إليه لقيامهم بمعاني الاستخلاف الإلهي وذلك هو معنى القطبية الكبرى
قال: وأما صاحب الحركة الدورية وهم المحمديون فليس لهم ابتداء فتلزمهم «من»، ولا لهم غاية فتحكم عليهم «إلى»، فلهم الوجود الأتم ولذلك أوتي، عليه السلام، جوامع الكلم وكذلك ورثته. وتعني بالحكم ما وافق لفظه معناه من غير خلل.
ثم أخذ بعظم أقدار من قبل فيهم: مما خطياتهم أغرقوا، وعبر عن الخطيئة بالخطوة التي خطت بهم إلى بحبوحة بحر الفناء في الله فغرقوا في ذلك البحر فحصل لهم العلم بالله تعالى من عين الحياة . فيه فادخلوا نارا في عين الماء وإنما سمي النار عين الماء لأن الشهود يقتضي ذلك.
قال النفري رضي الله عنه: «أوقفني في النار، فرأيت جيم الجنة جيم جهنم، فرأيت ما به يعذب عين ما به ينعم» ، ويجوز أن يحصل العطش الذي يتجدد لأهل الشهود في نفس الري.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال الشيخ رضي الله عليه :" وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم " المصطفين " الذين أورثوا الكتاب ، أوّل الثلاثة ، فقدّمه على السابق والمقتصد " إِلَّا ضَلالًا "  أي "حيرة ".
قال العبد : لمّا عدّدوا الواحد وفرّقوا الجمع ، ظلموا الألوهيّة بتفريقها وتكثيرها ، وهي حقيقة واحدة لربّ واحد تقتضي أن لا يكون إلَّا هو ، وهي له فيه هو ، لا إله إلَّا هو .
فلم تك تصلح إلَّا له    .....    ولم يك يصلح إلَّا لها
ولو رامها أحد غيره      ...... لزلزلت الأرض زلزالها
فلمّا شاهدوا من حيث شعروا ولم يشعروا - أحدية الكثرة وأنّ الواحد هو بحقيقته أوجب العدد ، فقد ظلموا ، أي أدخلوا النور في ظلمات لا تتناهى ، فأنارت بنور الوجود الواحد أعيان الظلمات العدميات ، وعدّل الربّ عند عدولهم بالواحد الأحد إلى الكثرة بعدله صور انحرافات الظلامات ، وظلموا أنفسهم أيضا لتضليلها في صور الفرق الحجابي ، عن أحدية الجمع الكتابي ، والفصل الخطابي.
ولكن إنّما ظلموا أنفسهم لأنفسهم ، لكونهم . ما حصروا الألوهيّة في الوحدة المقابلة للكثرة المضادّة للعدّة ، وما انحازوا بما حازوا ، عمّا ميّزوا ومازوا ولا امتازوا ، ولكن حازوا في الجمع بين كثرة النسب العدمية والوجود ، وبين وحدة العين والذات في الإله والمألوه .
فالظالم على هذا هو العبد المصطفى ، والمجلى الأخلص الأصفى ، أعطى الحقّ في كلّ حقيقة حقّه ، ووفى بالأوفى .
ولما كان المصطفى فردا ، ظهر الاصطفاء في هؤلاء الثلاثة الذين أورثوا الكتاب ، أعني كتاب الجمع والوجود ، لكون الثلاثة أوّل الأفراد .
فالظالم عدّد الأحد ، والسابق وحدّ العدد ، والمقتصد الجامع بين شهود الكثرة في الواحد الأحد وشهود وجود الواحد في أعيان العدد .
فالظالم الذي شهوده يكثّر الواحد له الضلال والحيرة أبد الأبد ، وحقّ الظالمين أن لا يزيدهم الله إلَّا ضلالا لهم في عين عين ، وارتفع من البين البين ، فقد ضلَّوا فيه لا إلى أمد ، بل أبد الأبد ، وهدوا إلى أحدية عين من عبد وعبد .
فذلك العبد الأوحد في زمانه ، المؤيّد من الله ببرهانه ، القائم في عبدانيّة الواحد الأحد في جميع شؤونه ، مقبلا على شأنه ، مقتبلا للأمر في إبّانه
قال رضي الله عنه : " المحمّديّ : زدني فيك تحيّرا " .
قال العبد : لأنّ اللذّة في النظر إلى الوجه الكريم في كل مجلّ وتجلّ ، وتدان
وتدلّ ، وإقبال وتولّ ، فكلَّما ازداده المشهود زاد الشهود ، وازدادت لذّات المشاهدة بذات المشاهد المشهود .
قال رضي الله عنه : " كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه ِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا " فالمحيّرون  لهم الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه " .
يعني رضي الله عنه : أنّ دأب العبد الحقّ المطلق أن لا يبرح عن المركز نظره إلى وجه الحق ، فهو يدور معه حيث دار وتحقّق ، كالحرباء مع الشمس ، والنيلوفر إذا طلعت تفتّح وجنح وصعق ، وإذا غابت أطبق على طبقاته وانطبق ، وكالفرقدين مع القطب يدور حوله أبدا ، فهو كذلك ناظر بعينه إلى عين الحق يضلّ به الناظر ، لكثرة المناظر ، فهو المنظور الناظر ، والمظهر الظاهر ، والأوّل والآخر ، والباطن الظاهر .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
وفسر الظالمين في قوله : " ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ " بالمحمديين الظالمين ( لأنفسهم من جملة المصطفين الذين أورثوا الكتاب ) أي كتاب العقل القرآنى وهو كتاب الجمع والوجود الأحدى وجعلهم ( فهم أول الثلاثة ) في قوله تعالى : " فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِه ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ "  لأنهم شاهدوا الواحد كثيرا فعددوا الواحد فساروا من الواحد إلى الكثير ، ولذلك قال ( فقدمه على المقتصد والسابق ) أي فضله باعتبار سيره ونظره من الواحد إلى الكثير .
بناء على ما أورده الترمذي في صحيحه عن أبى سعيد ، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في هذه الآية « هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة » وإنما فضله على الباقين لأن المقتصد هو الشاهد للكثرة في الواحد .
والواحد في الكثرة جامعا في شهوده بين الحق والخلق .
والسابق بالخيرات هو الذي شهد الكثير واحدا .
فوحد الكثير وسار من الكثير إلى الواحد ، فهما ليسا في الحيرة لكونهما معتبرين للخلق مع الحق ، وأما هذا الظالم فلا يرى إلا الواحد الحقيقي كثيرا بالاعتبار ، فله الضلال أي الحيرة أبد الآباد فمن حقه أن لا يزيده الله ( " إِلَّا ضَلالًا " إلا حيرة المحمدي ) أي إلا حيرة المحمدية بالإضافة في قوله ( زدني فيك تحيرا ) أو إلا حيرة بالتنوين ورفع المحمدي أي قال :
المحمدي زدني فيك تحيرا وهو أصوب وأوفق لقوله ضلالا – (" كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه وإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا ") هذا وصف حيرتهم .
فإنهم إذا تجلى نور الأحدية مشوا أي ساروا سير الله ، وإذا أظلم عليهم بالاستتار وظهور حكم الكثرة والحجاج وقفوا متحيرين ( فالحائر له الدور ) أي السير باللَّه ومن الله وإلى الله ، فسيره سير الله منه المبدأ وإليه المنتهى ، فلا أول لسيرة ولا آخر ( والحركة الدورية حول القطب ) شبه لقرب الحائر وملازمته للحضرة الأحدية ولذلك قال ( فلا يبرح منه ).

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا تزد الظالمين) لأنفسهم المصطفين الذين أورثوا الكتاب (أخذ)
(الظالمين) من قوله: (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا). بمعنى الظالمين في قوله تعالى:
(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات). فاللام للعهد.
ونقل صاحب المعتمد، رحمه الله، عن الترمذي عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: (إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قرأ: "ثم أورثنا الكتاب..." فقال: (وكلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة).
وذلك لأنهم ظلموا على أنفسهم وبإهلاكها ومنعها عن متابعة هواها الذي هو روحها وحياتها لأنفسهم، ليتحققوا بالأنوار والمعارف الإلهية والمكاشفات الروحية، كما قال عليه السلام: (اتبعوا أبدانكم لراحة أنفسكم.)
لذلك قال: (الذين اصطفينا). وأضاف إلى نفسه بقوله: (من عبادنا) تشريفا له وتعظيما لشأنهم.
(فهم أول الثلاثة، فقدمهم على (المقتصد) و (السابق)).
أي، الظالمين لأنفسهم أول الطوائف الثلاث المذكورين في الآية.
(فقدمه) أي قدم الحق (الظالم لنفسه) على (المقتصد) و (السابق بالخيرات)، لأنه ظلم نفسه لتكميل نفسه بعدم إعطاء حقوقها، فضلا عن حظوظها، حتى أوصلها إلى مقام الفناء في الذات، وجعلها موصوفة بكل الكمالات بخلاف (المقتصد)، فإنه متوسط في السلوك، غير واصل إلى مقام الفناء في الذات بل واقف في الفناء في الصفات، وبخلاف (السابق في الخيرات)، لأنه في مقام الأفعال الخيرية و التحلية بالأعمال الزكية، كالعباد والزهاد والمتقين من الأعمال الموجبة للبعد والطرد.
ولا شك أنهؤلاء الطوائف الثلاث كلهم من أهل الجنة وكلهم من المصطفين الأخيار.
فذكره بالظلم إثبات لمرتبة عظيمة، لا ذم في حقه.
("إلا ضلالا" إلا حيرة). (إلا ضلالا) تتمة لقوله: (ولا تزد الظالمين).
وفسره بالحيرة الحاصلة من العلم لا الجهل. (المحمدي: "زدني فيك تحيرا".) أي، كما قال الناطق المحمدي: (رب زدني فيك تحيرا). أي، رب زدني فيك علما، فإني كلما أزداد فيك علما، أزداد فيك حيرة من كثرة علمي بالوجوه والنسب التي لذاتك.
وإنما قال: (المحمدي)، بياء النسبة، ليشمل الأولياء التابعين لمحمد، صلى الله عليه وسلم.
وقلبه الناطق بقوله: (رب زدني فيك تحيرا). فإن للوارثين منه مقام الحيرة، لا يزالون يطلبون الزيادة منها، لالتذاذهمبها وبلوازمها وملزوماتها المعطية إياها.
قال الشيخ رضي الله عنه : (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا.) أي، قد جاء في حق قوم موسى: (كلما أضاء لهم مشوا فيه). أي، كلما ورد لهم التجلي الإلهي الذي هوسبب إضاءة أرواحهم وقواهم الروحانية، سلكوا في المقامات وعرجوا إلى عالم القدس.
وإذا انقطع عنهم ذلك التجلي النوري وأظلم عليهم، قاموا، أي، وقفوا حيارى لظهور التجلي الظلماني عليهم وهو معد لاستعداداتهم لقبول التجليات النورانية مرة أخرى، بحيث لا يشعر المتجلى فيه به إلا عند زوال ذلك التجلي.
وقد خلق الله الليل والنهار آيتين لهذين النورين، قال الله تعالى: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة). فكان نوح، عليه السلام، أول من طلب هذا المقام لأمته، وحصل هذا المقام بكماله لهذه الأمة.
(فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه). أي، الحائر يتحرك بالحركة الدورية، لأنه يرى مطلوبه مع كل موجود يوجد في دائرة الوجود بوجه آخر، فيتحرك إليه، والوجود دوري فتقع الحركة دورية. والحركة الدورية لا يكون إلا حول القطب الذي مدار الوجود عليه، فالحائر لا تزال حركته دورية.
ولما يبرح من القطب، أي، لا ينفك منه لاستفاضته منه دائما وتوجهه إليه سرمدا. كالملائكة المهيمة في الجمال المطلق الإلهي.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال رضي الله عنه : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد والسابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا».)
هي الطريقة دعا له نوح عليه السلام بطريق الإشارة ألا يزيده الله (" إلا ضللا" [نوح:24]) فسره بطريق الإشارة بقوله: (إلا حيرة) أراد المحمودة وهي حيرة من كوشف بالأسرار الإلهية التي لا مثال لها في عالم المحسوسات والمعقولات.
والمذمومة حيرة من غلط في الاعتقاد أو العمل، وهي عين الضلال وليست مطلوبة للكمل، وإنما يطلبون أو يطلب لهم الحيرة المحمودة كما طلبها الداعي (المحمدي) بقوله: ("رب زدني فيك تحيرا").
ثم ذكر أن هذه الحيرة المحمودة كما فهمت بطريق الإشارة من الحيرة المذمومة من الآية المذكورة فهمت أيضا بطريق الإشارة من الآية الواردة في حق المنافقين بطريق العبارة البيان حيرتهم المذمومة.
أعني قوله تعالى: ("كلما أضاء لهم" [البقرة:20])، أي: لأهل الكشف عن مقامات الحق وأسراره في مقام البقاء ("مشوا فيه وإذا أظلم عليهم" [البقرة: 20])، بالفناء التام ("قاموا" [البقرة:20])هذا الطريق الإشارة، ومعناها بطريق العبارة كلما أضاء للمنافقين عن نور الإيمان مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم بظلمات الشبهات قاموا وسكنوا عن المشي في الإيمان وارتدوا.
قال رضي الله عنه : (فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القلب فلا يبرح منه،)
ثم أشار رضي الله عنه : إلى سبب دعاء نوح عليه السلام لهم بالحيرة المحمودة بقوله: (فالحائر له الدور) في سيرة حول الجناب الإلهي، وذلك أن له (الحركة الدورية حول القلب) الذي عليه مدار الموجودات، وهو الحق (فلا يبرح منه) لا في حال مشيه، ولا في حال قيامه؛ لأنه كلما رد إلى البقاء رأى نور الحق فيرد إلى الفناء؛ فهو مع الحق دائما بخلاف من لا حيرة له.

.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:43 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:14 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السادسة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السادسة عشر : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( " وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم ، المصطفين ، الذين أورثوا الكتاب أوّل الثلاثة ) .
بقوله تعالى " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا من عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِه ِ " [ 35 / 32 ] برفع أوصافها الامتيازيّة التي بها يتقوّم ذاتها وقلع مواد تشخّصاتها بالكلَّية ، حيث لا يبقى لها أثر ولا حكم ولا عين أصلا ، فيكون ظالما عليها في عدم إبقاء آثارها وإخفائها في ظلمات أوصافها العدميّة الكونيّة .
ثمّ إنّ ذلك لما كان في المآل ترقّيا لها إلى مراقي كمالها ، استعمل « الظلم » باللام تنبيها إليه ، فلذلك تراه أوّل من يرث الكتاب ( فقدّمه على « المقتصد » و « السابق » " إِلَّا ضَلالًا " [ 24 / 71 ] : حيرة  ) .
وأمّا ( المحمّديّ ) فطلب الزيادة في ذلك حيث قال : « ربّ ( زدني فيك تحيّرا » ) وجعل ذلك مقاما ، حيث حكى عن مثل المنافقين من قوم موسى: ( "كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه ِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا " ) [ 2 / 20 ] .
ثمّ إنّ الإقامة مما لا يمكن في الوجود لأنّه حركة وسير كما قال تعالى : " بَلْ هُمْ في لَبْسٍ من خَلْقٍ جَدِيدٍ " [ 50 / 15 ]
وقال : " كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ"    [ 55 / 29 ] 
لكن الحركة أيضا مما لا يتصوّر للأعلى العالم ، فإنّها تستلزم الإعراض عن جهة ، والإقبال إلى ما يقابلها ، وذلك مما ينافي مشهد الأحديّ الجمعيّ الذي موطنه ، اللهم إلَّا أن يكون ذلك حركة دوريّة ، فإنّ كلّ جهة ونقطة يعرض عنها في تلك الحركة فهي التي يقبل إليها في عين الإعراض عنها ، فهذه الحركة هي المناسبة له .
فلذلك قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالحائر له الدور ، والحركة الدوريّة حول القطب ) ، حيث أنّ المتحرّك لم يختلف نسبته إلى القطب بالبعد والقرب ، وإن كان في كل لحظة معرضا عن جزء من أجزاء تلك المسافة ومقبلا إياها ، ولكن تلك الكثرة ما أثرت في وحدة نسبته إلى القطب ( فلا يبرح منه ) أي لا يتحرّك عنه أصلا ، فهي الجامع بين الحركة والسكون ، كما أنّ الحيرة جامعة بين العلم والجهل فهو معتنق الأطراف .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال رضي الله عنه : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه،)
قال رضي الله عنه :  ("ولا تزد الظالمين" لأنفسهم) بإفنائها في الحق سبحانه (والمصطفين الذين أورثوا الكتاب) كتاب الجمع والوجود (فهم)، أي الظالمون (أول الثلاثة) أراد الطوائف الثلاث المذكورين في قوله تعالى : " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ" [فاطر : 32].
(فقدمه) أي قدم الحق سبحانه الظالم لنفسه في الآية الكريمة (على المقتصد والسابق) بحسب الذكر لنقدمه عليهما بحسب المرتبة فإنه في مقام فناء الذات وهما في مقام فناء الصفات والأفعال ("إلا ضللا") ، أي (إلا حيرة)، هي الغاية القصوى في معرفة الحق سبحانه.
اعلم أن الحيرة على نوعين :
حيرة مذمومة وهي حيرة النظار وإليها أشار الحسین بن منصور الحلاج قدس الله سره بقوله:
من رامه بالعقل مسترشدا   …. أسرحه في حيرة يلهو
قد شاب بالتلبيس أسراره     …. يقول في حيرته هل هو
وحيرة محمودة وهي حيرة أولي الأبصار من توالي التجليات الإلهية ونتالي البارقات الذاتية وإليها أشار من قال :
قد تحيرت فيك خذ بيدي      …… با دليلا لمن تحير فیکا
والمراد ههنا الحيرة الأخيرة المحمودة.
(قال) الكامل (المحمدي) طالبة الزيادة في هذه الحيرة بـ (زدني فيك تحيرا) من توالي التجليات وكثرة تقلبات ذاتك في شؤونك وصفاتك وإلى هذه الحيرة أيضا يشير قوله تعالى: ("كلما أضاء لهم ")، أي برق التجلي فاهتدوا بنوره إلى المطلوب ولكن لا يغنيهم عن وجوداتهم فتخيلوا أن المطلوب مفقود في البداية موجود في النهاية (مشوا فيه)، أي ساروا في ضوء ذلك التجلي على الطريق المستطيل إلى المطلوب ("وإذا أظلم عليهم") ذلك البرق بأن أوقفهم في ظلمة العدم وأفناهم عن وجوداتهم وخلصهم عن حجب أنياتهم فصاروا مستعدين للتجليات الذاتية (قاموا) متحيرين ووقفوا هائمين من توالي تلك التجليات وتتابع بوارق تلك الظهورات.
(فالحائر له) وفي بعض النسخ: فالمحيرون لهم (الدور) يعني الحائر الذي لا يتعين مشهوده في جهة معينة ، حرکته دورية لا تختلف نسبتها إليه بالقرب والبعد فإنه کالقطب أو المركز لحركته الدورية (والحركة الدورية) تكون (حول القطب) أو المركز لا تختلف نسبتها إليه بالقرب والبعد.
وهذا معنى قوله : (فلا تبرح عنه) يعني لا تبعد عنه بعدها كانت قريبة منه.


.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:16 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : "وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من وإلى وما بينهما . وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» ولا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم.
«مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته."
قال رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل) الذي لا رجوع له إلى مبتداه بل هو متوجه إلى غير نفسه ومقبل على ما سواه (مائل) دائمة، أي منحرف (خارج) بسبب میله ذلك عن المقصود الحق، لأن المقصود الحق عين المائل منه الخارج وهو لا يشعر من حيث هو مائل خارج، فداؤه عین دواه ومتمنيه حقيقة مناه (طالب ما)، أي المقصود الذي (هو فيه صاحب خیال) فکري لا کشف ذكري (إليه) أي إلى ذلك الخيال الذي يصحبه غايته التي يرجع إليها ويعول في أقرب أحواله علیها (فله) حقيقة معنی (من) الابتدائية (و) حقيقة معنى (إلى) الانتهائية (وما بينهما)، أي بين من وإلى من المسافة العقلية أو الحسية، لأن عنده المغايرة بينه وبين مطلوبه دائمة، فهو ينتقل من کون إلى كون من نفسه إلى ربه لا من ربه إلى نفسه إذ نفسه عنده من جملة الأغيار لربه (وصاحب الحركة الدورية) وهو الأول (لا بدء له) بشيء في سير، فيبتدىء من نفسه إلى ربه ثم من ربه إلى نفسه .
وهكذا فالمغايرة عنده اعتبارية وهمية، لأنه لو كان له بدء بشيء لكانت المغايرة عنده حقيقة (فيلزمه) حينئذ معنی (من) الابتدائية كما يلزم الأول (ولا غاية) له إلى شيء (لكمال حيرته) بتحقق عجزه (فيحكم عليه) حيث ينتهي إلى شيء معنی إلى الانتهائية
(فله)، أي لصاحب الحركة الدورية (الوجود) الحق (الأتم)، لأن وجوده انجلى عن ظلمة كونه وتجردت حقيقته المتنزهة عن صبغة لونه فهو المعروف وإن أنكره الجاهلون والنور الذي أشرق به كل شيء وإن عميت عنه المغضوب عليهم والضالون، لأن لبس عليهم ما يلبسون (وهو الموتى) من قبل أصله (جوامع الكلم) الإنسانية المركبة من الحروف النورية والنارية (و) جوامع (الحكم) الروحانية في جميع العوالم إذ الكل مخلوق من ذلك النور الواحد المنصبغ بلون كل كون فهم به منه وإليه يرجعون ("مما خطيئاتهم أغرقوا")، أي قوم نوح عليه السلام جمع خطيئة
(فهي التي خطت)، أي مشت (بهم) من أنفسهم إلى ربهم حيث كانت سبب هلاکهم.
(فغرقوا) حين وصولهم إلى ربهم (في بحار العلم بالله) تعالى ولما كان واحد منهم له علم بالله تعالی مخصوص على حسب استعداده كان العلم بالله تعالی بحار الأبحر واحدة (وهو)، أي العلم بالله تعالى حقيقة (الحيرة) في الله تعالی : (" فأدخلوا") ، أي أدخلهم الله سبحانه حين غرقهم ("نارا") [نوح: 25] تتأجج (في عين الماء) الذي يتموج فالذي غرقوا فيه ماء عند أهل الدنيا نار عند أهل الآخرة وحقيقة واحدة منصبغة بالصبغتين على حسب العالمين، فمن خرج عنها وجد الله عنده بمجرد خلع النعلين (و) هذا المقام (في) الوارثين (المحمديين).
قوله تعالى: ("إذا البحار")، أي الحقائق الإنسانية التي هي نفس العلم الإلهي ("سجرت") [التكوير: 6] .
شوقا ومحبة إلى نفسها وهي برد وسلام، فهي نار إبراهيم في خلته التي هي غاية المحبة، وهي نار موسى المكلمة له من حيث هي نور جذبته إليها بصورة حاجته التي هي النار، فأتاهم منها بقبس هو حقيقة ووجد على النار هدى هو معرفته على حسب ما ترجي ذلك.
فسجرت مشتق (من) قولك (سجرت التنور إذا أوقدته) بالحطب ونحوه.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه) أي نفسه في خارج وزعم أنه يوصل إلى مطلوبه مجردة عن المظاهر نهر صارف عمره فيما لا يمكن حصوله (صاحب خيال إليه) أي إلى الخيال (غايته) فهر وأصل إلى ما يتخيله نفسه لا إلى مطلوبه (فله) أي لصاحب الطريق المستطيل (من وإلى وما بينهما) أي له ابتداء وانتهاء ومسافة فابتداؤه من نفسه وانتهاؤه إلى خياله ومسافته ما بينهما .
فلا يصل إلى مطلوبه بهذا الطريق وهو الطريق العابدين من أهل الظاهر فهم ليسوا من الحائرين الذين نحن في بيانه (وصاحب الحركة الدورية لا بدء له) في حركته (فيلزمه) من نصب بإضمار أن (ولا غاية له) لمشاهدة مطلوبه في كل مظهر ولا نهاية للمظاهر فلا غاية لصاحب هذه الحركة (فنحكم عليه إلى) كناية عن الانتهاء (فله) أي لصاحب الحركة الدورية (الوجود الأتم) أي الإحاطة بمراتب الوجود كلها وشاهد مقصوده فيها.
قال رضي الله عنه : (وهو المؤتی جوامع الكلم والحكم) وهو محمد عليه السلام فمقام الحيرة جامع لجميع الحقائق الإلهية والحكم الربانية فأشار نوح عليه السلام في دعائه إلى هذا المقام بقوله : إلا ضلالا ثم رجع إلى الإشارات بقوله تعالى في حق قوم نوح عليه السلام .
(مما) أي من أجل (خطيئاتهم فهي التي خطئت) أي ساقت (بهم) وهي مجاهدتهم في السلوك بالتعدي حدود الله تعالى بأوامر أنفسهم (فغرقوا) بسبب ذلك (في بحار العلم بالله وهو) أي بحار العلم (الحيرة فأدخلوا نارا) أي نار المحبة (في عين الماء) وهو العلم وجاء كون النار في الماء.
(في المحمديين وإذا البحار سجرت. سجرت التنور إذا أوقدته) فكان المحمديون داخلين نارا في بحار العلم بالله فإذا أدخلوا نارا في عين الماء .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته، فله من وإلى وما بينهما، وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه "من"، ولا غاية فيحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتی جوامع الكلم والحكم.
"مما خطيئاتهم" فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، "فأدخلوا نارا" (نوح: 20) في عين الماء وفي المحمديين. "وإذا البحار سجرت" (الصف: 6) سجرت من التنور إذا أوقدته من، فلم يجدوا لهم "من دون الله أنصارا" (نوح: 20 ) فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.
ثم أخذ بعظم أقدار من قبل فيهم: مما خطياتهم أغرقوا، وعبر عن الخطيئة بالخطوة التي خطت بهم إلى بحبوحة بحر الفناء في الله فغرقوا في ذلك البحر فحصل لهم العلم بالله تعالى من عين الحياة . فيه فادخلوا نارا في عين الماء وإنما سمي النار عين الماء لأن الشهود يقتضي ذلك.
قال النفري رضي الله عنه: «أوقفني في النار، فرأيت جيم الجنة جيم جهنم، فرأيت ما به يعذب عين ما به ينعم» ، ويجوز أن يحصل العطش الذي يتجدد لأهل الشهود في نفس الري.
وفي ذلك يقول شيخنا عبد القادر الجيلي فيما نقل لي عنه في قصيدة مذهبة وللأغيار مدهيه وهي شعر:
يرون أمرا أعطى الجمال قياده   …. فأصبح لا يلوى على اللوم والعتب
فلو أضحت السبع البحار مدامة   ….. يطوف عليه كأسها لم يقل حسبي
فهذا المعنى يجوز أن يحمل عليه في مذهب الصوفية قوله تعالى: "مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا" وليس ذلك بجائز على مذهب العلماء، رضي الله عنهم، ولي من جملة قصيدة في هذا المعنى :
وهو الوجود المستمر بذاته    ….. في نهج متفق الشؤون محکوم
يعطيك ریا ضمنه عطش به  ….. اسمعت بالمرحوم والمحروم
قد ضاق من سعة به ذرعا      ….. ففي إقامة الموجود کالمعدوم
قال رضي الله عنه، استشهادا لوجود النار في الماء بقوله تعالى: "وإذا البحار سجرت" (التكوير: 6) والبحار هي ماء وقد وصفها بصفة النار في قوله
"سجرت" والدليل على أنها صفة النار قولهم: سجرت التنور إذا أوقدت فيه النار، فصح قوله: إن قوله: فأدخلوا نارا أنها نار في ماء.
ثم أخذ يبين معنى قوله: "فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا" (نوح: 25) وحمله على أنهم وجدوا الله ناصرا لهم لا سواه تعالى، فكأنه قال إنه نصرهم الله تعالى وهو مخالف لما قاله أئمة التفسير، إذا هو سالك فيما ذكره مسالك أهل الطريق.
ولذلك رأى أن نصره تعالى لهم هو أنهم هلكوا فيه إلى الأبد ومعنى هلاكهم إلى الأبد. أنهم راوه وحده ليس معه غيره أزلا وأبدا، فشهدوا أن ما معه غيره وهم محو فيه وهذا المحو يعرفه أهله.
قال: فلو نزل بهم لحجبهم بطبائع أجسامهم فكانوا بذلك نازلين في سيف هذا البحر وسيف البحر هو الساحل.
ثم أنه أورد على نفسه تقدیر سؤال كأن قائلا قال له: فهذا السيف الذي هو الساحل إذا أنزلهم الحق تعالى إليه هل يخرجون بذلك عنه؟
فقال في الجواب: لا بل هو الله .
واضرب بقوله: «بل» عن قوله الله وبالله فإن ذلك يقال في مراتب محو به وهو هنا سمح بذكر الحقيقة على ما هي عليه.
ثم أخذ يذكر قول نوح، عليه السلام: «رب»، قال: وخص الرب لأنه مضائف للمربوب، وأما الإله المشتق من الوله فما فيه تقييد، فأما لو اشتقه من الإلهة التي هي العبادة لكان بمعنى الرب واشتقاق الآلهة في قوله تعالى في بعض الروايات: ويذرك وآلهتك في موضوع قوله: "ويذرك وآلهتك " (الأعراف: 127) فالاشتقاق من الوله يقتضي التنوع الذي به تحصل الحيرة وهي الوله

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : و صاحب الطريق المستطيل مائل ، خارج عن المقصود ، طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته " .
يعني رضي الله عنه : أنّ طالب الحق في وجهة أو أمر معيّن وجهة مائل بلا شكّ عن المركز إلى المحيط ، فحركته منقطعة لا تحيط ، فيكون له مبدأ حركة ، ونهاية سير وسلوك منه إليها سلكه .
قال رضي الله عنه : فله « من » و « إلى » وما بينهما   .
يعني رضي الله عنه : بداية حركة من الحقّ الحاصل المشهود في الوجود إلى غاية تخيّلها ، والحركة الكلَّيّة لها البركة الأصلية ، فلا غاية ولا نهاية لها ، فالمتخيّل للغاية غايته الخيال المتخيّل ، والحجاب عن المشهود المحصّل .
قال رضي الله عنه : وصاحب الحركة الدوريّة لا بدء له" .
يعني : في شهوده فيلزمه « من » ولا غاية فتحكم عليه " إلى " فله الوجود الأتمّ وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم " .
يعني رضي الله عنه : نبيّنا صلَّى الله عليه وسلَّم والمحمّديين من ورثته ، فإنّ مشهدهم "فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه ُ الله " و "يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ " . " قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ ".
قال رضي الله عنه : " مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ " فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وهو الحيرة"
يعني رضي الله عنه : أنّ العباد هطت بهم الخطيئات عن خطط تعيّناتهم فأضلَّتهم عن حظوظهم وإنّياتهم ، ففنوا في شهود الواحد الأحد حيث تجلَّى وتعرّف ، وحاروا في أحدية التصرّف والمصرّف والمتصرّف ، كيف صرف وانصرف.
فغرقوا في بحار شهود العين ، عن التعيّن في حرف الغين ، الكائن في البين بين اثنين .
قال رضي الله عنه : " فَأُدْخِلُوا ناراً " في عين الماء " .
يعني رضي الله عنه : لمّا أشهدوا الوحدة في عين الكثرة وبالعكس ، فقد حصلوا في نار تجلَّي نور سبحات وجهه ، المحرقة من عين طوفان بحر حيرة شهود النفس .
قال رضي الله عنه : « في المحمّديّين وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ " ، من سجرت التنّور إذا أوقدتها ".
يعني رضي الله عنه : أنّ عين الحق الواحد المحيط وهو عين حياة الكثير وهويّته هي المتجلَّية في إنّيّات الصغير والكبير ، فهي تجيش بنار نور تجلَّيه ، فبحارها به مسجّرة ، وخائضوها غرقى محيّرة لا مخيّرة ومسخّرة مسجّرة " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ "


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
ثم قال رضي الله عنه : ( وصاحب الطريق المستطيل ) . أي الأدنى الجاهل المحجوب الذي تخيل أن الله بعيد منه ( مائل خارج عن المقصود طالب ماهر فيه صاحب خيال ) لأنه تخيل أن الله بعيد خارج عنه فيطلبه من خارج وهو فيه ( إليه ) أي إلى ذلك الخيال ( غايته فله من وإلى وما بينهما ) أي فله ابتداء من نفسه على ما يتوهمه وهو في الحقيقة من الله الحاصل فيه ، وانتهاؤه إلى غاية الخيال الذي تخيله وما بينهما من المسافة التي توهمها وحسبها الطريق إلى الله.
فهو يبعد بسيره عن الله دائما (وصاحب الحركة الدورية لا بداية ) أي لسيرة في شهوده ( فيلزمه من ولا غاية فتحكم عليه إلى فيلزمه ) منصوب جوابا للنفي وكذا فتحكم أي لا ابتداء لسيرة حتى يلزمه من ، ولا انتهاء حتى تحكم عليه إلى ( فله الوجود الأتم ) أي المحيط بكل شيء ، فسيره سير لله في الله باللَّه ( وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم ) يعنى نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام ومن اتبعه من المحبوبين من أمته المحبين الذين أراد الله بخطابه لنبيه " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله " .
فإن مشهدهم الحق – " فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه الله " – " قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ " – " مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ " يريد حيرة المحمديين والجمع باعتبار تعددهم وكثرتهم ولهذا وصفها بقوله ( فهي التي خطت لهم ) أي حازت بهم من خطط تعيناتهم وأنياتهم ( فغرقوا في بحار العلم باللَّه وهو الحيرة ).
أي في الأحدية السارية في الكل المتجلية في صورة الكثرة المحيرة بتعينها في كل شيء مع لا تعينها في الكل وإطلاقها وتقييدها ( " فَأُدْخِلُوا ناراً " في عين الماء ) أي نار العشق بنور سبحات وجهه المخترقة بجميع التعينات والأنيات في عين بحر ماء العلم باللَّه ، والحياة الحقيقية التي يحيا بها الكل من وجه ويفنى بها الكل من وجه ، فلا حيرة أشد من الحيرة في شهود الغرق والحرق مع الحياة والعلم والفناء مع البقاء ( في المحمديين " وإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ " ) من سجرت التنور إذا أوقدته . فإن عين بحار العلم باللَّه في الكل عين إيقاد نار العشق المحرق.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه) أي، إلى الخيال. (غايته: فله (من) و (إلى) وما بينهما. وصاحب الحركة الدورية لا بدأ له، أي لا بدأ له في سيره وسلوكه، فيلزمه (من) ولا غاية) لكماله (فيحكم عليه (إلى)). (فيلزمه)، (فيحكم عليه). منصوبان بإضمار (إن) لوقوعهما بعد (الفاء) في جواب النفي. أي، صاحب الحركة المستطيلة خارج عن طريق الحق مائل عن مقصوده، لأنه ما يرى الحق في المظاهر،بل توهم أن مطلوبه خارج عن هذه المظاهر، فيتحرك بالحركة المستطيلة للوصول إليه، ومقصوده معه وهو لا يشعر.
فهذا المتحرك طالب لما هو معه وفي نفسه، وهو يطلب خارجا من الموجودات، فهو صاحب خيال وتوهم، لأن الحق مجردا عن المظاهر لا نسبة بينه وبين العالم، كما قال: (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار). فلا يمكن إدراكه إلا في المظاهر.
قوله: (إليه غايته). أي، إلى الخيال غايته ومقصوده، فيلزم لصاحب
هذه الحركة (من) و (إلى) وما بينهما، فله بداية ونهاية. ولصاحب الحركة الدورية لا بداية ولا نهاية، لأنه يشاهده في جميع المظاهر الروحانية والجسمانية دنيا وآخرة، ولا نهاية للمظاهر، فلا نهاية لشهوده فيها، فلا يلزمه (من) ولا يحكم عليه (إلى.)
وإنما قال: (صاحب الطريق المستطيل) ولم يقل: المستقيم. لأن الصراط المستقيم يطلق على الطريق المستطيل وعلى غيره، كما يقال: فلان على الطريق المستقيم. 
إذا كان أقواله وأفعاله على سبيل الصواب وطريق السداد. وصاحب الطريق المستقيم، بهذا المعنى، هو الذي يرى الحق في كل شئ ويعظمه تعظيما لائقا بظهور الحق في ذلك الشئ ويعطى حق جهة حقيته وخلقيته، لذلك صارت الاستقامة أصعب الأشياء.
وإليه إشارة النبي، صلى الله عليه وسلم،بقوله: (شيبتني سورة هود). إذ أمر فيها بالاستقامة. قال تعالى: (فاستقم كما أمرت). في السير من الخلق إلى الحق، وإن كان يلزم (من) و (إلى) لكنه غير مذموم، لأن السالك يسلك في الحقيقة من نفسه إلى نفسه وعينه الثابتة التي هي ربه، ليعرفها فيعرف ربها.
فحركته من جهة عبوديته إلى جهة ربوبيته، فليسك المحجوب الطالب لربه خارجا عن نفسه وعن سلسلة الموجودات الممكنة جميعا، كالمتفلسف والمتكلم.
(فله الوجود الأتم وهو الموتى جوامع الكلم والحكم). أي، فلصاحب الحركة الدورية، الإدراك والوجدان التام. ف (الوجود) بمعنى (الوجدان)،كقوله تعالى: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما).
أو فله الوجود المحيط بكل شئ بتمامه، لأنه يشاهد الحقيقة الوجودية في جميع مظاهرها. وهو الذي أوتى جوامع أنوار الكلم الروحانية والحكم الربانية.
("ومما خطيئاتهم" فهي التي خطت بهم، فغرقوا في بحار العلم بالله و هو الحيرة) أي، جاء في حقهم و (مما خطيئاتهم أغرقوا).
(فأدخلوا نارا) (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا). و "الخطيئة"، الذنب.
وفي قوله: (فهي التي خطت بهم) أي، ساقهم وسلك بهم إشارة إلى أنها مأخوذة من (الخطو)، لأنه يخطو ويتعدى أوامر الله، فيقع في الذنب. وواحدة: (خطوة)، وجمعه: (خطوات).
أي، خطواتهم وقطع مقاماتهم بالسلوك هي التي خطت بهم إلى بحار العلم بالله، فغرقوا فيها و حاروا. أو ذنوبهم وخطاياهم هي التي أوجبت عليهم أن يغرقوا. والتأويل الأول لا ينافي ظاهر المفهوم منها، لأنه بالنسبة إلى الكمل من أمته، وما يفهم منه ظاهرا إنما هو بالنسبة إلى الكافرين به و المحجوبين عن دينه.
والضمير في قوله: (وهو الحيرة) راجع إلى (الغرق). أي، ذلك الغرق
هو الحيرة. ويجوز أن يرجع إلى (العلم بالله).
وإنما قال كذلك لأنها يلزم العلم بالله كما يلزم العجز. فحملها عليه مجازا، حمل اللازم على الملزوم، كما حملا لإدراك على العجز مجازا في قولهم: (العجز عن درك الإدراك إدراك). حملا لملزوم على اللازم، لأن العجز عن إدراك الحق على ما هو عليه وحقيقته، إنما يلزم من غاية العلم بالله وجهاته المتكثرة المحيرة للناظر فيها.
("فأدخلوا نارا" في عين الماء). أي، فادخلوا في نار المحبة والشوق حال كونهم في عين الماء. أو نارا كائنة في عين الماء، ليفنيهم عن أنفسهم و يبقيهم بالحق.
وإنما قال: (في عين الماء) لأن نار المحبة المفنية لهم بأنوار سبحات وجه الحق، حصلت لهم واستولت عليهم في عين العلم بالله. و (الماء) صورة العلم.
(في المحمديين: (وإذا البحار سجرت) من سجرت التنور إذا أو قدته.) أي، جاء في حق المحمديين: (وإذا البحار سجرت) أي أوقدت.
تقول: سجرت التنور إذا أو قدته. والغرض، أن بحار الرحمة الذاتية التي هي خاصة بالكاملين يظهر بصورة النار، وهي نار القهارية التي بها يقهر الحق الأغيار و يفنيهم ليبقيهم بذاته، كما جاء: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات). فظاهر الشهوات ماء وباطنه نار، وظاهر الجنة نار وباطنه ماء.
لذلك قال بعض العارفين من الصحابة - حين قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أنا القاسم بين الجنة والنار)(يا قاسم الجنة والنار، إجعلني من أهل النار.)
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (تريد أن تكون من أصحاب القيامة الكبرى.)


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من وإلى و ما بينهما. وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» ولا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
وذلك أن له (الحركة الدورية حول القلب) الذي عليه مدار الموجودات، وهو الحق (فلا يبرح منه) لا في حال مشيه، ولا في حال قيامه؛ لأنه كلما رد إلى البقاء رأى نور الحق فيرد إلى الفناء؛ فهو مع الحق دائما بخلاف من لا حيرة له.
وهو (صاحب الطريق المستطيل) في السير إلى الحق فإنه غلط؛ لأنه (مائل) عن الصراط المستقيم الذي هو رؤية الحق في البداية والنهاية (خارج عن المقصود)؛ لأن المقصود من السير : هو الإحاطة بأسرار الحق وتجلياته في البداية والنهاية، وهو يقصد أمرا يختص بالنهاية، ولا يوجد في البداية.
فهو (طالب ما هو فيه) في البداية لو صدق في طلبه؛ لكنه (صاحب خیال) يتخيل أن بينه، وبين مقصوده مسافة فصار مقصوده غير مقصوده (إليه) أي: إلى ذلك الخيال (غايته) فلا يحصل له من الحق إلا الصورة المتخيلة.
(فله) أي: ابتداء سير (من) غير الحق (وإلى) أي: انتهاء سير إلى ما تخيل من صورة الحق في الغاية، (وما بينهما) من المسافة التي يتوهم أنها مقامات السير إلى الله، ومنازله (وصاحب الحركة الدورية الذي يدور حول الحق في البداية والغاية متحيرا فيه (لا بدء) في سيره من غير الحق (فيلزمه «من») أي: ابتداء سير من أمر ليس معه من الحق شيء.
(ولا غاية) لسيره ينقطع فيه السير (فيلزمه «إلى») أي: انتهاء إلى الحق بحيث ينقطع السير بعده بالكلية مع أنه لا نهاية للسير فيه، وإذا لم يكن له بداية ونهاية فهو مع الحق أبدا (فله الوجود الأتم) لاستنارته بنور الحق في جميع أحواله وصاحب الطريق المستطيل في البداية مع غير الحق فهو في ظلمة من ذلك.
وفي النهاية صاحب خيال فهو في ظلمة الخيال، (وهو المؤتي جوامع الكلم) الدالة على أسرار الموجودات (والحكم) أي: العلوم المحكمة التي تتعلق بذات الواجب وصفاته مما لا يتبدل بتبدل الأزمنة والأحوال وإنما أوتي جوامعها؛ لأن ما يفاض عليه إنما هو من حضرة الجمع.
ثم أشار إلى سبب ذلك بما يفهم بطريق الإشارة في حق الكمل من آية نزلت بطريق العبادة في حق الطغاة منهم، وهي قوله تعالى: ("مما خطيئاتهم" [نوح: 25]). أي: من خطيئات هؤلاء الظالمين المصطفين أرباب الحيرة في سيرهم هذا بطريق الإشارة من الخطوة المناسبة بوجه من الوجوه للخطيئة، وهي المغضبة المفهومة بطريق العبادة في حق الطغاة؛ فلذا قال: (فهي التي خطت بهم) أي: سارت هم وحركتهم حول الجناب الإلهي بالحركة الدورية المفيدة للتنور بالنور التام الإلهي الكاشف عن علمه الشامل للكل شمول البحر أغرقوا في ذلك البحر العلمي كما أغرق الطغاة بخطيئاتهم.
أي: بمعاصيهم في البحر المحسوس.
(فغرقوا) أي: هؤلاء الظالمون المصطفون المتحيرون بالحيرة المحمودة.
(في بحار العلم بالله، وهو) أي: الفرق فيها هو (الحيرة) المحمودة الحاصلة لهؤلاء الظالمين المصطفين المتحركين بالحركة الدورية حول الجناب الإلهي ("فأدخلوا نارا" [نوح:25]). أي: نار المحبة بكشف جمال تلك الحقائق مع عدم الانتهاء في الإحاطة بها فلا ينقطع السوق في تحصيلها أبد الآباد، فالإدخال في تلك النار إدخال (في عين الماء) أي: ماء العلم الذي به حياة الروح.
وهذا أيضا بطريق الإشارة المأخوذة من إغراق الطغاة في البحر المحسوس وإدخالهم نار جهنم، ثم استدل على جعل بحر العلم عين نار المحبة بما ورد في كتاب (المحمديين) من قوله تعالى: ("وإذا البحار سجرت" [التكوير: 6])، أي: أوقدت فجعلت نارا؛ لأنه (من سجرت التنور إذا أوقدته)، وهذا التسجير كما يكون للبحار المحسوسة يوم القيامة يكون في بحار العلم بالله للكمل من المحمديين وغيرهم في الدنيا التي هي مزرعة الأخرة (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا"[نوح: 5]).
وهذا لكونه كالسالبة في صدقها مع وجود الموضوع تارة وعدمه أخرى يدل على عدم وجود الناصر لهم أصلا، وهو في حق الطغاة وعلى عدم غير الله ناصرا، أخرى: وهو في حق الكمل (فكان الله عين أنصارهم) نصرهم لوجوده على وجودهم الباطل فأفناهم عنهم (فهلكوا فيه إلى الأبد) كما هلك الطغاة في جهنم إلى الأبد.



.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:46 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:18 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة السابعة عشر : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وصاحب المستطيل ) يعني الأدنى الذي يتخيّل صورة متعيّنة ويجعلها قبلة التوجّه ، وينتهض إليها معرضا عن الكلّ ، فإنّه إنّما يتصوّر ذلك في الحركة المستطيلة المستلزمة للإعراض عمّا هو المطلوب من التعيّنات والجهات ، فهو أبدا ( مائل ،خارج عن المقصود ،طالب ما هو فيه) ، كما قيل : "أراك تسأل عن نجد وأنت بها "
قال الشيخ رضي الله عنه : ( صاحب خيال ) أي مثال متخيّل من الصور المجعولة له ( إليه غايته ، فله « من » و « إلى » وما بينهما ) ممّا فيه من المدارج والمقامات المختلفة بنسبة القرب والبعد .
( وصاحب الحركة الدوريّة لا بدء ) لسيرة ( فيلزمه « من » ولا غاية فيحكم عليه « إلى » ، فله الوجود الأتمّ ) الذي لا يقبل الزيادة أصلا من حيث الرتبة الذاتيّة التي له ، وجمعيّة الأطراف ، ( وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم ) بما ورثه أولا من الكتاب يعني القرآن الجمعيّ الفرقيّ .
ومن جملة تلك الحكم قوله فيهم أيضا : " مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً " [ 71 / 25 ] ( ممّا خطيئاتهم ) أي صور أعمالهم وأحكام تعيّناتهم الباطلة التي هي الخطاء ( فهي التي خطت بهم ) إمّا من « الخطو » ، أي تلك الصور هي التي ساقتهم ، وإمّا من « خطَّ بالقلم » ، أي الصور الكثيرة المتولَّدة عنهم في طيّ المراتب والمقامات تولَّد الصور الكتابيّة من القلم هي التي أعدّتهم لأن يغرقوا في بحار العلم باللَّه .
وهي الصور الكتابيّة التي أنزلت على الأنبياء وأرسلوا بها ، فإنّها هي التي أوردتهم مخاض العرفان ( فغرقوا في بحار العلم باللَّه ، وهو الحيرة ) التي لا تبقى معها صورة من الصور العلميّة والحقائق أصلا ، فإنّها " لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ " [ 74 / 28 ] ("فَأُدْخِلُوا ناراً " في عين الماء ) .
و ( في المحمّديّين ) من هذه الحكمة ما يؤدّيه قوله : ( " وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ " [ 81 / 6 ] سجّرت التنور : إذا أوقدته ) ولا يخفى على الفطن ما بينهما من التفاوت في الجمعيّة القرآنيّة .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : "و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم.
«مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين".
قال رضي الله عنه (وصاحب الطريق المستطيل) الذي تخیل مطلوبه مفقودا من البداية موجودا في الغاية (مائل خارج عن المقصود) الذي ترکه بحسب خياله في البداية (يطلب ما هو فيه)، أي يطلب الشيء الذي ذلك الشيء فيه هو في ذلك الشيء.
(صاحب خیال إليه)، أي إلى التخيل (غابته)، أي تنتهي غاية سلوكه إلى ما تخيلة في الحق سبحانه من التقييد والتعيين، فلا يتجلى له الحق سبحانه إلا في صورة ما تخيله واعتقده فيه (فله)، أي لصاحب التخيل (من) الدال على المبدأ وفقدان الحق فيه.
(وإلى) الدال على الغاية ووجدان الحق سبحانه فيها (وما بينهما) من المسافة التي سلك عليها في طلب الحق من غیر وجود الحق معه بحسب خيانه (وصاحب الحركة الدورية لا بدء)، أي لا بداية لسيره .
(فيلزمه) حينئذ معنى من الابتدائية (ولا غاية لكماله فيحكم عليه) حيث ينتهى (إلى) معنی الانتهائية (فله)، أي لصاحب الحركة الدورية (الوجود)، أي الوجدان (الأتم) والذوق الأشمل الأعم لأنه دائر مع الحق سبحانه يجده في كل شيء ويشهده في كل نور.
(وهو الموتي جوامع الكلم) الروحانية (والحكم) الربانية ثم أشار رضي الله عنه إلى قوله : ("مما خطيئاتهم أغرقوا" فهي) [نوح: 25] ، أي الخطيئات هي الذنوب والخطايا التي أدتها أولا بصورهم وحثهم إلى الغرق في الطوفان فأغرقوا في الدنيا وأدخلوا نار في الآخرة وهي بعينها الأمور (التي خطت)، أي سلكت (بهم) وساقتهم من حيث نفوسهم وأرواحهم ثانيا إلى الغرق في بحر العلم والشهود إذ بها حصل لهم الخلاص من ظلمات الجثث والأبدان و آثارهم ولو بعد مرور الدهور والأحقاب.
(فغرقوا) بعد خلاصهم بغرق الجثث وحرقها وزوال آثارها (في بحار العلم بالله) و فنوا في شهود أحديته ("فأدخلوا نارا") من نور سبحات وجهه المحرفة حجب أنياتهم (في عين الماء)، أي عين ماء العلم وشهود أحديته سبحانه .
قال الشيخ رضي الله عنه :. ("و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
وفي قوله الشيخ رضي الله عنه : عين الماء إبهام لا يخلو عن عذوبة (وهو)، أي الغرق في بحار العلم بالله هو (الحيرة) وكل ذلك بناء على ما ذهب رضي الله عنه من أن ما آن حال أجل الشفاء إلى السعادة ولو كانوا خالدين في دار الشقاء في قوله : خطت بهم توهمت إشارة أن الخطيئات مأخوذة من الخطو لأن صاحب الخطيئة يخطو وينعدی بارتكابها أوامر الله تعالى فيقع في الخطية .
وإنما يصح ذلك على أحد احتمالي إلى قراءة خطياتهم بتشديد الياء بلا همز فإنه حينئذ يحتمل أن تكون الخطية من الخطو خطيئاتهم بالهمز فذكر لفظة خطت لمناسبة تقطته لا لبيان الاشتقاق .
(وجاء في المحمديين) ما يدل عني إدخالهم النار في عين الحق له تعالى ("وإذا البحار سجرت " [تکویر: 6].
تقول: (من سجرت التنور إذا أوقدت بها)، أي إذا سجرت بحار علمه وشهود وحدته بنار نور سبحات وجهه المحرقة حجب التعيينات.


.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:21 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
يقول الشيخ رضي الله عنه : " (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، (له ما في السماوات و ما في الأرض)."
قال رضي الله عنه : (فلم يجدوا)، أي الذين غرقوا (لهم من دون الله) سبحانه (أنصارا) ينصرونهم منه تعالى حيث اختطف حقائقهم إليه وأذاب نفوسهم في شهوده بين يديه (فكان الله) سبحانه (عين أنصارهم) إذ به النصر على كل حال في البعيد والقريب (فهلكوا كلهم
فيه)، أي اضمحلت ذواتهم في ذاته وصفاتهم في صفاته ، فلم يقدروا على التميز عنه والانفصال منه (إلى الأبد) فهم يعذبون بشهود جلاله في جماله ويستعذبون العذاب فيتلذذون بشهود جماله في جلاله وهذه حالة أهل النار في جميع الأطوار، فعذابهم لا ينقطع واستعذابهم لا يندفع والألم فيهم متجدد وهو نفس التلذذ المتعدد، يعرف هذا أهل الذوق السليم وأصحاب القلب الذي في عشقه لم يزل يهيم، والله بكل شيء عليم .
(فلو أخرجهم) من تلك البحار التي غرقوا فيها (إلى السيف) بالکسر ساحل البحر وهو كالسيف بالفتح القاطع عن معرفة المقصود (سیف الطبيعة) الذي هو کالسیف المصلت بيد الروح الأعظم (لنزل بهم) حينئذ (عن هذه الدرجة الرفيعة)، أي العالية التي هم فيها فكان الأنفع في حقهم ذلك الإغراق، لأن فيه اللقاء بعد الفراق.
(وإن كان الكل)، أي جميع العالم الموجود في حضرة الروح أو في حضرة الطبيعة (لله) وحده لا لنفسه (و) هو قائم (بالله وحده لا بنفسه شعر أو لم يشعر (بل هو الله) من حيث الحقيقة الفاعلية في الأعين العامية، ومن حيث الحقائق الصفاتية والاسمائية في أعين السالكين، ومن حيث حضرة الذات العلية في أعين الواصلين الواقفين.
قال رضي الله عنه : (قال نوح) عليه السلام ("رب")، أي يا رب (وما قال: إلهي)، أي يا إلهي (فإن الرب) هو الله تعالى المتجلي بمظهر (له الثبوت) الوهمي في عين تنوعه بتكرره بالأمثال في أمره الذي هو كلمح البصر، ولهذا يعرفه كل شيء، ويشهده من حيث لا يعرف أنه يعرفه وأنه يشهده .
(والإله) هو الله تعالى الذي يتنوع) في تجليه (بالأسماء) الحسنى الظاهرة بأثارها المختلفة، فمن شهد الرب لم يتكرر عليه تجليه، ولا اختلف من حيث أمثاله المضروبة ومن شهد الإله تكرر عليه التجلي واختلف اختلاف الأرباب مع المربربين، فالإله هو الرب من جهة كثرة تجلياته الثابتة باعتبار کل مربوب، والرب هو الإله من جهة خصوص كل نوع من التجلي، فالرب بعض الإله، والإله أرباب كثيرة وهذا من حيث الحضرات لا من حيث الذات، لأن الحق سبحانه لا يتجزی ولا يتبعض.
(فهو)، أي الإله المتنوع بالأسماء (" كل يوم ") من أيام أمره الذي هو كلمح البصر ("هو في شأن" ) [الرحمن: 29].
أي أمر وحال باعتبار اختلاف أحوال خلقه وتقلب أمورهم أسرع ما يكون، وذلك الشأن الذي فيه الإله تعالى فيه العبد أيضا.
قال تعالى: "وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) [يونس: 61].
فقوله : وما تتلوا منه ، أي من ذلك الشأن الذي تكون فيه من قرآن، بيان لما تتلو، وهو شأن الله الذي هو فيه كل يوم، فالشأن مشترك بين الحق وبين العبد، والقرآن مخصوص به تعالى، وما تعملون من عمل مخصوص بنا، وجمع الشهود لاختلاف حضرات الموجود، فهو شأن في مقام الاشتراك، وهو قرآن في مقام الألوهية، وهو عمل في مقام العبودية .
(فأراد) نوح عليه السلام (بالرب ثبوت التلوين)، أي استمراره على وتيرة واحدة بحيث يبقى كثيرة واحدة، وهو التمكين في التلوين وهو مقام عالي، ولو أن القائل كل يوم تتلون غير هذا بك أحسن قال مکان ذلك كل يوم تتلون أن هذا بك أحسن لكان أحسن (إذ لا يصح) في الوجود الكوني (إلا هو)، أي التلوين لأنه به قيام الكون، فإن الكون لون متكرر، ولا تكرار لسعة الحضرات والتجليات، فهي ألوان مختلفة وهي أكوان مؤتلفة .
وهذا هو الذي يصح إذ لا يصح الوقوف ولا الثبوت المعروف، فإن الكل حركة وفي الحركة بركة والبركة هي الزيادة، والزيادة خارجة عن الأصل، وقيامها بالحركة الأمرية وهي كلمح البصر وذلك هو التلوين (لا تذر)، أي تترك (على الأرض)، التي هي بعض أجزائها (يدعو عليهم) جزاء لتكذيبه فيما دعاهم إليه مما هم فيه (أن يصيروا في بطنها)، أي الأرض ليطلعوا على حقيقة ما دعاهم إليه (وهو في الوارث المحمدي) قوله (لو دليتم بحبل لهبط) ذلك الحبل (على الله) من حيث إنه تعالی حامل قال تعالى: "وحملناهم في البر والبحر" [الإسراء: 70]، والحبل هو القرآن . ورد الحديث بلفظ : "والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ، ثم قرأ: "هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم 4 [الحديد: 3] "رواه الترمذي والطبراني وغيرهما .
قال تعالى : "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " [آل عمران: 103] . فإن من اعتصم به وتدلى أي تواضع لله رفعه الله إليه، فيفنی وجوده ويبقى وجود الحق سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: ("له ما في السموات") من العوالم العلوية التي هي مدفونة فيها ، أي مندرجة في حقائق سكانها (" وما في الأرض" ) [البقرة: 255] من العوالم السفلية المدفونة فيها، وكونها له ظهوره بها لأنه بكل شيء محيط ، فله الفوق وله التحت من بعض ما له فلا يفيده ذلك.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
قال رضي الله عنه : (فلم يجدوا) هذا القوم في وقت إدخالهم النار في عين الماء (لهم) أي لأنفسهم (من دون الله أنصارا فكان الله) تعالى في ذلك الوقت (عين أنصارهم) .
لأنهم لم يروا في ذلك المقام إلا آثار الألوهية لأنهم يشاهدون الحق في جميع المظاهر فلم يروا غير الله شيئا وهذا هو معنى العينية فإذا كان الله عين أنصارهم (فهلكوا فيه) أي في الله تعالى.
(إلى الأبد) فلم يخرجهم من هذا المقام إلى عالم بشریتهم (فلو أخرجهم إلى السيف) بكسر السين (سيف الطبيعة) أي إلى ساحل طبيعتهم (لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة) لنية محبوبهم بظهور الطبائع (وان كان الكل) أي وإن كان كل واحد من العالم مختصة (لله) .
(و) قائمة (بالله بل) كل واحد منهم في نظر هذا الشخص (هو الله) لغيبة شيئية الأشياء بظهور نور الحق كخفاء النجوم بطلوع الشمس فلا أثر ولا نور ولا وجود للنجوم عند من نظر إلى الشمس لا في الواقع أو بحذف المضاف .
أي هو مظهر الله (قال نوح عليه السلام) في دعائه (رب ما قال إلهي فإن الرب له الثبوت) في الربوبية (والإله بتنوع بالأسماء وهو) أي الإله (كل يوم هو في شأن) الشأن والحال لا ثبوت له.
قال رضي الله عنه : (فأراد بالرب ثبوت التكوين إذ لا يصح إلا هو) أي لا يصح الترقي في السلوك إلا بالثبوت في التكوين وهو التكون في الأسماء وهو أعلى من التمكين فيها .
فالتجاء نوح عليه السلام في دعائه إلى ما يعطى هو هذا المقام له إذ لا يقضي الله تعالی حاجته إلا على أيدي هذا الاسم (لا تذر على الأرض يدعوا عليهم أن يصيروا في بطنها لئلا يضلوا عباد الله ويصلوا إلى مطلوبهم في بطن الأرض وجاء كون الحق في بطن الأرض و في بطون جميع الأشياء في المحمدي لو دليتم بحبل ليهبط على الله له ما في السموات وما في الأرض) .
فإذن كان الحق في باطن الأرض المعنوي والصوري.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.
«قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
فلم يجدوا لهم "من دون الله أنصارا" (نوح: 20 ) فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.
فلو أخرجهم إلى السيف، سیف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله وبالله بل هو الله.
"قال نوح رب" ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن. فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو.
"لا تذر على الأرض" (نوح: 26) . يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها.
المحمدی "لو دليتم بحبل لهبط على الله".
"له ما في السماوات وما في الأرض" (البقرة: 255) وإذا دفنت فيها فأنت فيها وهي ظرفك "وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم" تارة أخرى" (طه: 55) لاختلاف الوجوه.
ثم شرع في تقرير قوله: "لا تذر على الأرض" (نوح: 26) وقصده أن يعظم أقدارهم في دخولهم في باطن التوحيد ثم استشهد بما نقله المحمديون من قولهم: إنه، عليه السلام، قال "لو دليتم بحبل لهبط على الله."
ثم أخذ يبين معنى قوله تعالى: "وفيها نعیدکم" بالغيبة في الوحدانية "ومنها تخرجکم"(طه: 55) بالظهور إلى اسمه الظاهر.
قال: لاختلاف الوجوه، وهو جواب عن سؤال مقدر كأن قائلا قال له : فإذا لم يكن هناك إلا الحق فما معنى تعید کم ونخرجكم، وحقيقة الوحدانية يقتضي أن لا خروج ولا إعادة؟
فقال إن الأسماء الإلهية منها الظاهرة ومنها الباطنة وهذه من الوجوه.
فكأنه قال: إن ذلك إنما كان الاختلاف اعتبارات الأسماء الإلهية وإليها استند؛ الكافرون الذين "استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» (نوح: 7) طلبا للستر لما طلبهم ليغفر لهم أي يسترهم.
ثم أخذ يبين معنى قوله: "لا تذر على الأرض من الکافرین دیارآ" (نوح: 29) أحدا يسكن الديار قال: حتى إذا أخذهم إليه كلهم عمت المنفعة بجميعهم كما عمت الدعوة جميعهم.
ثم أخذ يبين معنى قوله تعالى«إنك إن تذرهم» (نوح: 27) وتتركهم ولا تغمرهم بالوحدانية يضلوا عبادك فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية.
وسبب ذلك أن من غمره التوحيد ينسى الفرق الأسمائي، فأما إن تركهم وشركهم دعوا الناس إلى الفرق، فأضلوهم بإخراجهم عن العبودية إلى تحقق أنهم عين الأرباب بل عین الرب .
وذلك هو نظرهم إلى أنفسهم أي يرون حقيقة أنفسهم، فيجدونها ليست غیر معبودهم، فينتقلون إلى الربوبية من العبودية ولذلك ذکر "عبادك" في قوله: "يضلوا عبادك" ولم يقل: يضلوا خلقك.
ثم انتقل إلى معنى قوله: "ولا يلدوا" (نوح: 27)، معناه: ولا يظهرون إلا فاجرا أي مظهرا من قولك فجرت النهر ونحوه، فإن الظهور يلزمه والكفار هو الذي يتكرر منه الكفر وهو الستر . والمراد هنا ستر خاص وهو ستر ما أظهره بفجوره کالانكار بعد الإقرار .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
قال رضي الله عنه : فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ من دُونِ الله أَنْصاراً " وكان الله عين أنصارهم ، فهلكوا فيه إلى الأبد ، فلو أخرجهم إلى السيف ، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة ، وإن كان الكل لله وبالله بل هو الله " .
يعني رضي الله عنه : إذا قطعت النظر إلى الحق ، فلا يبقى للعابد فيما عبد من ناصر ينصره ، وإذا تحوّل الحقّ في صور اعتقاد المعتقدين العابدين فيما عبدوا واعتقدوا ، فحينئذ يكون الله قد نصرهم ، بما تجلَّى لهم ونظرهم ، وإلَّا فهم في تبار وخسار .
وإن كان عرفان في نفس إنكار ، وإقبال في عين إدبار ، لكون مصير الكلّ إلى الله الواحد القهّار ، ويؤول كالآل مآله إليه عند إمكان الاعتبار ، ومشرب التحقيق يقتضي أن تصير الأمور عين المصير ويؤوّل تأويله عند التحقّق أنّه هو " حَتَّى إِذا جاءَه ُ لَمْ يَجِدْه ُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِنْدَه ُ " .
وهذا شهود فغرق في بحار الحيرة ، الأخيرة للخيرة ، فلو أخرجهم الله عن هذا البحر الزخّار والتيّار الدوّار ، ورماهم إلى ساحل طبيعة التقيّد والتعيّن ، لنزل بهم إلى الفرق الحجابي عن الجمع الكتابي وإن كان كلّ تعيّن عين المتعيّن به وقائما وظاهرا ، بل هو هو ، ولكن تعيّن المطلق في المقيّد ظهور مقيّد وحدّ محدّد ، فافهم .
قال رضي الله عنه : « قال : « ربّ » ما قال : إلهي ، فإنّ الربّ ، له الثبوت ، والإله يتنوّع بالأسماء ، فهو كلّ يوم في شأن .
فأراد بالربّ ثبوت التلوين ، إذ لا يصلح إلَّا هو . " لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ " يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها " .
يعني رضي الله عنه : أنّهم مسهّرون بالظهور في الفرق ، وهو ظاهر الأرض وذلك عين دعوته لهم إلى الباطن الأحدي الجمعي .
قال رضي الله عنه : « المحمّديّ " لو دلَّيتم بحبل لهبط على الله " .
يريد رضي الله عنه أنّ الحق من كونه عين مركز الكلّ ، والمحيط نسبة الفوق إليه كنسبة التحت ، فكما أنّه عين فوقيّة كلّ فوق فكذلك هو عين تحتية كل تحت .
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : « لو دلَّيتم بحبل ، لهبط على الله " .
وقال : " لَه ُ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ " فإذا دفنت فيها فأنت فيها ، وهي ظرفك "وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى " لاختلاف الوجوه  .
يعني رضي الله عنه : ظهورهم في ظاهرية أرض المظهر بالفرق من جهة كثراتهم بتعيّناتهم في صور الخلق والفرق في أحدية عين الحق .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.
«قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
قال رضي الله عنه : (" فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ من دُونِ الله أَنْصاراً " ) لأن الله إذا تجلى بذاته لهم أحرقهم وكل ما في الكون فلم يبق أحد ينصرهم ، لكن الله أحياهم به .
كما قال : ومن أحيانى فأنا قتلته ، ومن قتلته فعلىّ ديته ، ومن علىّ ديته فأنا ديته ولهذا قال (فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد ) لأن هلاكهم فيه عين حياتهم وبقائهم به ، فهو المهلك المبقى وهو الناصر المحيي ( فلو أخرجهم إلى السيف سيف الطبيعة ، لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة ) أي لو أنجاهم من الغرق في هذا البحر إلى ساحل الطبيعة ، وتركهم مع تعيناتهم ، لانحطوا عن هذه المرتبة إلى عالم الطبيعة ، واحتجبوا بتعيناتهم عنه.
( وإن كان الكل لله وباللَّه بل هو الله ) أي وإن كان أهل الطبيعة بائنين لله وباللَّه قانتين ، بل كل ما في الوجود هو الله ، ولكن بحسب الأسماء تتفاضل الدرجات وتتفاوت ، وبين الخافض والرافع والديان والرحمن بون بعيده .
( قال نوح رب ) المراد بالرب الذات مع الصفة التي يقتضي بها حاجته ويسد خلته ، فهو اسم خاص من أسمائه بالأمر الذي دعاه إليه وقت النداء ولذلك خص بالإضافة ( ما قال إلهى فإن الرب له الثبوت ) أي الثبوت على الصفة التي يكفى بها مهمه .
من غير أن يتحول إلى صفة أخرى فيكون اسما آخر ( والإله يتنوع بالأسماء فهو " كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ " فأراد بالرب ثبوت التلوين ) أي ثبوت ظهوره في صورة توافق مراده في دعائه وهو التلوين ( إذ لا يصح إلا هو ) في مقام الإجابة لدعائه .
وهو قوله " لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ " أي حال الظهور في الفوق الذي هم مستهزؤن به وهو ظاهر الأرض (يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها) وذلك عين دعوته لهم إلى الباطن الأحدى الجمعى ( المحمدي : لو دليتم بحبل لهبط على الله ) أي هو التحت كما هو الفوق. وقال : " لَه ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ "  أي الظهور بصورها.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
يقول الشيخ رضي الله عنه : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا"، فكان الله عين أنصارهم، فهلكوا فيه إلى الأبد.) أي، حين ادخلوا في نار القهر والإفناء بتجلي القهار لهم، لم يجدوا لهم ناصرا ينصرهم غير الله. وفي هذا المعنى الجمعي شاهدوا أن أنصارهم في جميع المقامات، الذين نصروهم في سلوكهم من المكملين وأخرجوهم من المضائق، وكانوا مظاهر الله، فكان الله عين أنصارهم دنيا وآخرة، فهلكوا في الحق وفنوا في ذاته أبدا وحيوا بحياته سرمدا، وتبدلت بشريتهم بالحقيقة، كما قال: (كنت سمعه وبصره). فينادون بلسان حالهم:
تسترت عن دهري بظل جناحه  ..... فعيني دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت    ...... وأين مكاني، ما درين مكاني
(فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة، لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة) أي، لو أخرجهم الحق من الجناب الإلهي والحضرة القدسية إلى عالم بشريتهم، مرة أخرى، لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة إلى ساحل بحر الطبيعة.
إذ (السيف)، بكسر السين وسكون الياء، هو الساحل. وهذا حال المهيمين في جمال الله، ليس لهم الرجوع إلى الخلق ثانيا، كما لغيرهم منالكمل المكملين. وإنما قال: (إلى السيف، سيف الطبيعة). ولم يقل: إلى الطبيعة. لأن الكمل الراجعين من الحق إلى الخلق وإن نزلوا إلى الطبيعة ثانيا، لكنهم لهم يظهروا بها وبآثارها كظهورهم قبل سلوكهم، بل يظهرون بالحقفيها، فكأنهم بقوا بمعزل عن الطبيعة وأفعالها، بل واقفين في ساحلها بأمر ربها.
(وإن كان الكل لله وبالله بل هو الله). أي، وإن كان الكل عبدا لله وقائم الله، سواء كان طبيعة أو أهلها. بل الكل، من حيث هو كل، مظهر للإسم
الجامع الذي هو الله، لكن تتفاوت درجات المقامات ومراتب أهلها كما تتفاوت درجات الأسماء الإلهية في الحيطة وغيرها. وإنما قلت: من حيث هو كل. لأن الذات مع جميع الصفات إنما تظهر في الكل، لا في كل واحد، وإن كانت الذات مع كل واحد من المظاهر. والقطب الحقيقي لكونه مظهرا للإسم الأعظم الإلهي، مظهر للذات مع جميع الصفات، وغيره ليس كذلك.
واعلم، أن الكمل بعد وصولهم إلى الحق بفناء ذواتهم، يبقون ببقاء الحق و
يحصل لهم الوجود الحقاني، ثم في رجوعهم من الله إلى الخلق يشاهدون الحق فيكل مرتبة بالحق، لا بأنفسهم، إلى أن يكمل سيرهم في أمهات المظاهر الإلهية ويعلمون أسرار الوجود في كل مرتبة من مراتب عالم الغيب والشهادة بأسرها، فينزل الحق كلا منهم في مرتبة من مراتب الكمل: فمنهم من يجعله غوثا وقطبا، ومنهم من يتحقق بمقام الإمامين الذين هما في يمين القطب ويساره كالوزيرين للسلطان، ومنهم من يبقى من الأبدال السبعة وهم الأقطاب المدبرون للأقاليم السبعة، وغير ذلك من مراتب الأولياء. ومن لم يرجع من تلك الحضرة الرفيعة، يلحق بالملائكة المهيمة.
(قال نوح: رب. ما قال: إلهي. فإن الرب له الثبوت، والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن. فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو). أي، خص اسم (الرب) في دعائه مضافا إلى نفسه، لأن الرب، في أي اسم كان وصفة، لا يقتضى إلا المربوب، فهو ثابت في ربوبيته للعباد، ليقضي حوائجهم ويكفي مهماتهم.
وأما (الإله) فغير مقيد بصفة معينة واسم مخصوص، لأنه مشتمل على جميع الصفات والأسماء، فإذا دعاه الداعي بقوله: يا إله، أو: يا الله، لم يدعه إلامن حيث اسم مخصوص مناسب لما يدعو. فإن المريض، مثلا، إذا التجى إلى هذا الاسم، فإنما يلتجي إليه من كونه شافيا و واهبا للعافية. والغريق إذا قال: يا الله، فإنما يلتجي إلى هذا الاسم من كونه مغيثا و منقذا، ونحو ذلك.
فيتنوع في الأسماء بحسب ظهوراته بالإحياء والإماتة والإيجاد والإعدام، إذ (كل يوم هو في شأن). وإضافة الإله إلى نفسه لا يخرجه عن مقام إطلاقه، إذ هو إله الكل بخلاف الرب، فإن رب موجود معين، ليس ربا لغيره، وإن كان الرب المطلق رب الكل.
فالرب يتقيد بالإضافة والإله لا يتقيد. فأراد نوح، عليه السلام، في دعائه بالاسم (الرب)، ما هو ثابت في ربوبيته كاف لمهماته قاض لمراداته في عين التلوين، أي، في عين تلوينات نوح، عليه السلام، في مراتبه الروحانية والقلبية.
(إذ لا يصح إلا هو) أي، إذ لا يصح في الترقي في الدرجات إلا ثبوت مقامالتلوين، فإنه بالتلوين يترقى من مقام إلى مقام.
قال الشيخ رضي الله عنه في اصطلاحاته: (إن مقام التلوين أعلى من مقام التمكين). ويريد به التلوين في الأسماء بعد الوصول، أو التلوين في مقامات القلب والروح لا النفس فإنه مذموم لظهوره في مقام القلب تارة ومقام النفس أخرى، بل التمكين أيضا قبلالوصول بمعنى الوقوف في بعض المقامات مذموم، لأنه لا يترقى إلى مقام الفناء.
("لا تذر على الأرض" يدعوا عليهم أن يصيروا في بطنها). المراد ب (الأرض) عالم الأجسام كلها.
أي، دعا عليهم أن يدخلهم الحق في باطن عالم الملك الذي هو أرض بالنسبة إلى عالم الملكوت الذي هو السماء، ولا يذرهم على وجه الأرض ليتخلصوا من العوالم الظلمانية الحاجبة للأنوار القدسية والوحدة الحقيقية، أو الأرض المعهودة، فإنها أيضا حضرة من أمهات الحضرات.
أي، لا تذرهم على وجه الأرض، بل أدخلهم في باطنها ليتضح عليهم ملكوت ما يخرج منها، فإن السالك إذا دخل في حضرة من الحضرات الإلهية، يكشف له ما في تلك الحضرة من الأعيان والحقائق وأسرارها.
(المحمدي: "لو دليتم بحبل لهبط على الله". "له ما في السماوات وما في الأرض".) أي، وجاء القلب المحمدي بقوله: (لو دليتم بحبل لهبط على الله.) فأخبر أن الله في باطن الأرض، كما أنه في باطن السماء وقال: (له ما في السماوات) أي عالم الأرواح، (وما في الأرض) أي، عالم الأجسام. وهو نور السماوات والأرض، فلا يخلوا السماوات والأرض منه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.
«قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
قال رضي الله عنه : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد. فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
قال رضي الله عنه : (فلو أخرجهم) أي: الظالمين المصطفين عن هذا البحر المهلك لهم في الله إلى السيف) أي: الساحل (سیف الطبيعة) إذ ليس وراء ذلك البحر سواها (لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة)، وهي الهلاك في الله بغلبة وجوده على وجوداتهم، (وإن كان الكل) أي: وجوداتهم (لله) من مجاليه.
(وبالله) أي: قائما به إذ لا وجود لشيء من نفسه بل من الوجه الذي يليه، (بل هو الله) إذ لا وجود في الحقيقة سواه، ولا تحقق لشيء في الخارج سوی الموجود .
كما قال الإمام حجة الإسلام الغزالي في الباب الثالث من كتاب التلاوة من "الإحياء" بل التوحيد الخالص ألا نرى في كل شيء إلا الله لكن لو أخرجهم عن الطبيعة، وهي من حيث هي طبيعة حاجبة عن الله لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة فإن التجلي الإلهي، وإن عم فهو متفاوت إلى ما لا نهاية له.
ثم أشار رضي الله عنه : إلى ما دعا به نوح عليه السلام في حق أولئك الظالمين المصطفين بطريق الإشارة في ضمن دعائه على الطغاة بطريق العبارة عند رؤية استغراقهم في بحار العلم بالله الموجب للحيرة برؤية الجمع الذي هو رؤية الحق بلا خلق.
فقال رضي الله عنه: ("وقال نوح رټ" [نوح: 26]).  و(ما قال) في الدعاء: (إلهي فإن الرب) من حيث إن له نسبة خاصة إلى مربوب خاص (له الثبوت) على وجه خاص في تربيته لا يتجاوزه إلى غيره، (والإله ) احترز عنه؛ لأنه (يتنوع بالأسماء) التي تحت حيطته في التجليات (فهو) أي: الإله ("كل يوم هو في شأن" [الرحمن: 29])، في تجليه على مألوهه.
قال رضي الله عنه : (فأراد) نوح عليه السلام بالرب أي: باختيار لفظ (الرب) في دعائه (ثبوت التلوين) أي: طلب ثبوت التلوين، وهو الفرق بعد الجمع لأولئك الظالمين المصطفين؛ لئلا يردوا إلى مقام الجمع المحض أو إلى الفرق الأول بعد ذلك.
وإنما قلنا: أراد ذلك مع أنه لم يصرح به (إذ لا يصح) في حقهم طلب شيء (إلا هو) أي: التلوين؛ لأن مقام الجمع موجب للإضلال، ومقام الفرق الأول نزول إلى السفل فلم يبق لهم إلا مقام التلوين.
("لا تذر على الأرض" [نوح: 26])، أي: فوقها، وهي سماء الجمع بل اجعلهم تحتها فهو (يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها) أي: أن يصيروا باطنا، والحق ظاهرا. وهذا هو الكمال في مقام الفرق بعد الجمع.
وإنما قال رضي الله عنه: يدعو عليهم مع أنه دعاء لهم لمشاكلته عبارة القرآن الواردة في الدعاء على الطغاة، ويدل على أن الحق هو الظاهر ، والخلق هو الباطن، ما قال النور (المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله").
ولا شك أن محل الهبوط هو السطح الظاهر من المهبوط عليه، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: ("له ما في السموات والأرض" [البقرة:116]. فخص وجود كل منهما بالحق فهو الظاهر، وما فيهما الباطن .



.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:49 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:22 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثامنة عشر : الجزء الثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.
«قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
قال الشيخ رضي الله عنه : (" فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ من دُونِ الله أَنْصاراً " ) لفناء الكلّ في ذلك البحر ( وكان الله عين أنصارهم ، فهلكوا فيه ) من نفوسهم وأحكامها الامتيازيّة.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلى الأبد ، فلو أخرجهم إلى السيف "سيف الطبيعة " لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة ، وإن كان الكلّ لله وباللَّه ، بل هو الله ) أي وإن كان الساحل وجميع ما ينسب للبحر هو له وبه يوجد ، إذ بدونه لا يقال له ذلك ، بل الكل في نظر الشهود الجمعي هو البحر ،إذ ليس لذلك البحر ساحل.
لا ترم في شمسه ظلّ السوي   ..... فهي شمس وهي ظل وهي فيء
وملخّص ما في هذه العبارة من الإشارة أن في عين الطبيعة ثلاث اعتبارات :
أنزلها كونها أثرا للذات وفعلا لها ، وهو المشار إليه بالطبيعة .
وبعده كونها صفة قائمة بها ، غير متحقّقه بدونها ، وهو المشار إليه بالسيف .
وأعلاها كونها عينها ، كما هو في نظر الأعلى العالم الذي هو الكامل في الإخلاص  فعلم أنّ مشهود الأعلى ليس أمرا خارجا عن الطبيعة ، بل هو عينها ، لكن فيها مواطن بعضها أعلى ، وبعضها أنزل .
ومن جملة تلك الحكم ما ( قالَ نُوحٌ رَبِّ " ) " لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ من الْكافِرِينَ دَيَّاراً " [ 71 / 26 ] ( ما قال : « إلهي » ، فإنّ الربّ له الثبوت ) باعتبار أن لكلّ نوع ربّا يخصّه ، فلا يختلف مقتضياته ويثبت على اقتضاء واحد ( والإله يتنوّع بالأسماء ) باعتبار الجمعيّة التي له. قال الشيخ رضي الله عنه : (فهو كلّ يوم في شأن فأراد بالربّ ثبوت التلوين ) فإنّ الاستثبات والتمكَّن في نظر التحقيق ما هو في عين التلوين والتجدّد ، لأنّ المقامات إنّما تصحّ عند الأعلى العالم إذا جاوز إلى مقابله ، وبه تمّ ظهوره ، فالصحيح من التمكين ما هو في عين التلوين ( إذ لا يصحّ إلَّا هو ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : (" لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ " يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها ) أي يتحقّقوا بحقيقة البطون ، ولا يبقوا على ظاهر أرض الظهور ، عاكفين بمشاعرهم على سنائرمن سنا"  صورها التنزيهيّة وحجبها الإمكانيّة الاعتقاديّة ، على ما هو مقتضى دعوته بقوله لهم " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا " ليشاهدوا الحقّ في أسفل الحقائق ومركز الخفاء ، ولا يخصّوه بالعلوّ الذي في حيطة التقابل وهذا وإن كان دعاء لهم بحسب الحقيقة ، لكن بحسب تعيّناتهم التي بها هم الكافرون يكون عليهم ، ضرورة فنائها بالكلَّية عند هذا التحقّق .
( المحمّديّ ) له في هذه الحكمة وجوه منها قوله: ( « لو دلَّيتم بحبل لهبط على الله » ) .
وقوله : ( " لَه ُ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ " ) [ 2 / 255 ] .
الأوّل يدلّ على ثبوت تلك النسبة للذات ،
والثاني على ما لها من الأفعال .
ثمّ إنّ من شأن من يؤتى جوامع الكلم أن يثلث الدالّ في كل أمر .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.
«قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
قال الشيخ رضي الله عنه : ("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد. فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة،).
("فلم يجدوا")، أي لما أدخلوا قوم نوح نارا في عين الماء لم يجدوا ("لهم ")، أي لأنفسهم ("من دون الله أنصارا") [نوح: 25].
بل وجدوا الله سبحانه متجلية بصور أنصارهم (بل كان الله عين أنصارهم) وإن كانوا يتخيلونه قبل ذلك غيرهم (فهلكوا)، أي فنوا (فيه)، أي في الله سبحانه (إلى الأبد) لا يردون لأنفسهم وطبائعهم قطعا (فلو أخرجهم) الله سبحانه من لجة الهلاك والفناء فيه على سبيل الفرض والتقدير (إلى السيف سيف الطبيعة)، أي الطبيعة البشرية التي هي كالساحل لهذه اللجة فإن السيف بكسر السين وسكون الياء هو الساحل.
(لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة) التي هي الاستغراق في لجة الغناء في الله إلى المرتبة النازلة التي هي الخروج إلى ساحل الطبيعة، وإنما قلنا على سبيل الفرض والتقدير، لأن عادة الله سبحانه ليست جارية على أن ينزل المستغرق في لجة الفناء وبحر الجمع إلى ساحل الطبيعة والتفرقة.  وذلك مرادهم بما قالوا: الفاني لا يرد .
فإن قيل : لعله رضي الله عنه أراد به الإخراج إلى ظاهر الطبيعة لا إلى حقيقتها و ذلك ممکن بل واقع.
قلنا : لا يصح حينئذ قوله : لنزل بهم الخ.
لأن الخروج إلى صورة الطبيعة والتفرقة مقام جمع الجمع والفناء في الله لا خروج إلى صورة الطبيعة. فمقام الجمع الأول أرفع من الثاني.
اللهم إلا أن يقال : هذا بناء على أن صاحب الجمع أشرف حالا وإن كان صاحب جمع الجمع أعلا فضيلة وكمالا .
قال رضي الله عنه :"وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله. «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن.  فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو. «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها."
قال الشيخ رضي الله عنه:  (وإن كان الكل)، أي كل من الطبيعة و غيرها من المراتب الكونية ملكها (لله تعالی) مخلوقا له ليكون مجلى لجماله ومظهرا لشؤونه وأحواله (و) متحققا (بالله) قائمة به، لأنه هو الوجود الحق القيوم المطلق (بل هو الله) لسريانه بأحدية جمعه الإلهي في كل شيء لكنه تتفاضل مراتبه بتفاضل أسماءه وصفاته وتفاوت تقلباته في الصورة وتجلياته فمرتبته من حيث أحدية جمعه الأحدي أرفع من مرتبته باعتبار ظهوره في مرتبة الطبيعة، فمن أخرج من بحر شهود أحذية جمعة إلى ساحل الطبيعة يكون نازلا عن درجة أرفع إلى درجة أخفض وأوضح.
ثم أشار رضي الله عنه إلى قوله تعالى ("قال نوح رب" ما قال : إلهى فإن الرب له الثبوت) [نوح: 21] بحسب المادة والصيغة .
أما بحسب المادة، فلما ذكر رضي الله عنه في جواب السؤال الحادي والثلاثين للترمذي معناه، أي معنى الرب الثابت يقال : رب بالمكان إذا قام فيه وثبت.
وأما بحسب الصيغة فلأنه صفة مشبهة تدل على ثبوت مبدأ الاشتقاق للذات المبهمة من غير دلالة على تجدد وانصرام (والإله بتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن). فتارة يتجلى بالأسماء الربوبية وتارة بخلافها، ولا شك أن مقام الدعاء وطلب الإجابة إنما بطلب الأسماء الربوبية ودوام آثارها، فلهذا اختار نوح عليه السلام اسم الرب لا الإله.
فإنه وإن كانت الأسماء الربوبية متنوعة متلونة، فإن الطالب المستعد بطلب في كل أنية نوع تربية لا يطلبها في أن آخر، وذلك بحسب الظاهر بناء في الثبوت والدوام.
قال رضي الله عنه : (وأراد)، أي نوح عليه السلام (بالرب)، أي بذكر الرب (ثبوت التلوين)، أي تلوين الأسماء الربوبية وتبدلها بحسب تبدل الاستعدادات الجزئية الوجودية للقابل المستعد بأن يكون الرب المطلق ثابتا دائما على التجلي بالأسماء المربربية المتلونة الجزئية المقيدة (إذ لا يصح) ولا يتحقق في الواقع من صور الثبوت (إلا هو)، أي الثبوت في التلوين لا الثبوت الذي يرفع التلوين .
("لا تذر على الأرض")، أي ظاهر الفرق (يدعو) نوح عليه السلام (عليهم)، أي على قومه (أن يصيروا في بطنها)، أي بطن أرض الفرق وذلك عين دعوته لهم إلى الباطن الجمعي الأحد، فهذا الدعاء وإن كان بحسب الظاهر عليهم فهو بالحقيقة لهم القول .
قال رضي الله عنه : (المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض». )
قال الشيخ رضي الله عنه (وهو في الوارث المحمدي) قوله عليه السلام (لو دليتم بحبل لهبط على الله)، أي لو دليتم من ظاهر أرض الفرق بحبل رقيقة حبية إلى باطنها بانقطاع هذه الرقيقة من ظاهرها تهبط على الحقيقة الأحدية الجمعية الإلهية وارتبط بها فإنه ليس للفرق باطن إلا الجمع.
وقال تعالى: ("له ما في السماوات وما في الأرض") [البقرة : 255]، أي له الظهور بصور السموات والأرض وما فيهما. فكما أنه عين فوقية كل فوق، فكذلك هو عين تحتية كل تحت.  

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:50 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة التاسعة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه :"و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، ولا الكافر في كفره، و الشخص واحد."
قال رضي الله عنه :" (وإذا دفنت) يا أيها الإنسان (فيها)، أي في الأرض (فأنت فيها) مظروف (وهي ظرفك)، أي دعائك.
قال تعالى: "منها خلقناكم (وفيها نعيدكم )" [طه: 55]، يعني بالدفن فيها، فإذا عادوا إليها التحقوا بها وعادت أبعاضهم التي خلقت منها إليها، فزال عن تلك الأبعاض قيد المغايرة للأرض.
فعند عودهم إليها لم يبق إلا للأرض وحدها، كما هي قبل أن يخلقوا منها فكأنهم لم يخلقوا منها، وكأنها لم يخلق منها شيء، والأرض كذلك خلقت من الماء، فإذا بدلت الأرض غير الأرض، فكأنها ما خلقت من الماء.
وكأن الماء ما خلق منه شيء، وكذلك الماء مخلوق من الدرة البيضاء والدرة من النور المحمدي، وهو من نور الله فعند ذهاب قيد المغايرة من كل طور من هذه الأطوار يرجع الأمر إلى حقيقة الحق تعالی وتنكشف عن ذاته سبحانه حجب الأغيار الاعتبارية .
كما قال تعالى: "وإليه يرجع الأمر كله" [هود: 11]، "وإليه ترجعون " [البقرة: 245]، "وإليه المصير" [المائدة: 18] "وإليه تقلبون" [العنكبوت: 21].
فيظهر قوله عليه السلام: «لو دليتم بحبل لهبط على الله ». وقوله تعالی :" له ما في السموات وما في الأرض" [البقرة: 255].
(ومنها)، أي من هذه الأرض المذكورة ("نخرجكم تارة أخرى") [طه: 55] .
وهذا الخلق والإعادة والإخراج في كل لمحة مع الأنفاس، ومتی کشفه الله تعالی انكشف، ولا ينكشف إلا بعد الموت الاختياري أو الاضطراري.
وإنما اختلفت هذه الأطوار الثلاثة : طور الخلق وطور الإعادة وطور الإخراج (لاختلاف الوجوه) الإلهية، فكل وجه يعطى حالا غير الآخر.
واختلاف الوجود الاختلاف النسب بين الكون والمكون، واختلاف النسب لاختلاف الاستعداد في الممكن، فالتجلي واحد والممكن يستعد للخلق، فتظهر نسبة بينه وبين مكونه، فيتميز بسبب تلك النسبة وجه خاص للمكون يعطي ذلك الوجه خلق ذلك الممكن.
وكذلك الإعادة والإخراج وقوله : ("ومن الكافرين") متعلق بواجب الحذف صفة مقدمة المفعول ولا تذر على الأرض ، وهو قوله بعد ذلك "ديارا" [نوح: 26] (الساترین) بنفوسهم وأجسامهم حقائق أرواحهم، وبأرواحهم حضرات ربهم الحق سبحانه
(الذين "واستغشوا")، أي طلبوا أن تغشاهم أي تسترهم ("ثيابهم ") وهي صورهم العقلية والحسية والمنسوبة عندهم إليهم وإلى كل شيء و("جعلوا أصابعهم في اذانهم ") [نوح: 7] حتى لا يسمعوا وصف الحق تعالی (طلب) منهم (للستر)، أي ستر الحق عنهم حتى تبقى ذواتهم متنعمة بالوجود خوفا من أن تمحق منها ذرة سطوة الشهود، فإن من جعل إصبعه في أذنيه سمع خرير الكوثر كما ورد في الحديث .
وهو نهر الوجود الكوني، وحالهم هذا كان عين إجباتهم لما دعاهم لأجله (لأنه)، أي نوح عليه السلام (دعاهم) إلى عبادة الله تعالى (ليغفر) الله تعالى (لهم) لا اليكشف لهم.
(و الغفر) هو (الستر) فستر الله تعالى لهم بهم حقائقهم التي قام بها ما سترهم به فكفروا الحق تعالی فأغرقهم في طوفانه حتى رجعوا إليه ("ديارا") أي (أحدا حتى تعم المنفعة) كل واحد منهم بأن يصادف حقيقة نفعه في عين ما هو نافر عنه (كما عمت الدعوة)، لكل واحد منهم (إنك) یا رب "إن تذرهم"، أي (تدعهم وتتركهم) من غير إغراق لهم في عين ما نفروا عنه من نفعهم المحض ("يضلوا عبادك ") [نوح: 27] .
الذين هم دونهم في المرتبة (أي يحيروهم) في معرفتك (فيخرجوهم من) ذل (العبودية) الظاهرة منهم (إلى) عزة (ما فيهم)، أي في عبادك
(من أسرار الربوبية) الباطنة عنهم من حيث قيومية الحق تعالى عليهم (فينظرون أنفسهم) حينئذ (أربابا) كل رب له حضرة خاصة، والرب واحد ولكن كثر وتعدد بكثرة مظاهره الآثارية في حضراته الإلهية (بعدما كانوا عند أنفسهم عبيدا) مختلفين بالأحوال والأوصاف.
(فهم العبيد) باعتبار كل معقول منهم ومحسوس وهم: (الأرباب) باعتبار ما غاب عن ذلك من الأسرار (ولا يلدوا أي ولا ينتجون) بتزاوج عقولهم لنفوسهم (ولا يظهرون) من مواليد الخواطر والأقوال والأعمال .
(إلا فاجرا أي مظهرا) بخلقه (ما ستر) في سريرته (کفار) مبالغة في الكفر وهو الستر (أي ساترا) بصورته من الكمال (ما ظهر) من قبح سريرته (بعد ظهوره) منه.
(فيظهرون)، أي هؤلاء الكفار والفجار ما ستر فيهم من قبح السريرة فيشهدونه (ثم سترونه) بكمال خلقهم عنهم فيسمونه حسنا (بعد ظهوره) لهم قبيحا (فيحار الناظر) فيما يرى .
فإنه يرى کمالا مستورا بقبح سريرة وقبح سريرة مستورا بكمال .
(ولا يعرف قصد الفاجر) الساتر كماله بقبحه (في فجوره) ذلك، فإن كل ذي كمال من عادته کشف كماله لا ستره (ولا يعرف قصد الكافر) الساتر قبحه بکماله ماذا قصده (في كفره).
أي ستر قبحه مع تمكنه من كشفه بلا نقصان فيه عند أمثاله (والشخص) الموصوف بالفجور والكفر (واحد) لا اثنان وهو الذي ينتجونه بتزاوج عقولهم لنفوسهم، ويظهرونه بخواطرهم وأقوالهم وأعمالهم على معنى أنه الذي يعرفونه فيما بينهم، ويعرفون بعضهم بعضا موصوفين بذلك، وهو الشخص الكامل المشاكل لهم، فإن المرء مرآة أخيه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : (فإذا دفنت فيها) بالموت الإرادي (فأنت فيها) مع الحق (وهي ظرفك) فأشار نوح عليه السلام إلى هذا المقام الأعلى .
والي أهله من المؤمنين كما أراد بالمفهوم الأول الكافرين وجاء دفنك في الأرض والإخراج منها بعد الدفن في قوله تعالی : "وفيها" أي في الأرض ("نعيدكم") بالموت الإرادي ليوصلكم إلي ("ومنها نخرجكم تارة أخرى ") حتى تظهروني و ترشدون عبادي إلي .
وإليه أشار بقوله: (لاختلاف الوجوه) فإن الإعادة لها وجه والإخراج له وجه فاختلاف الوجوه اقتضى ذلك ثم رجع إلى آية نوح عليه السلام فقال : (من الكافرين) أي "لا تذر على الأرض من الكافرين" (الذين "واستغشوا ثيابهم") [نوح: 27] . أي الذين ستروا وجوداتهم بوجود الحق.
("جعلوا أصابعهم فى أذانهم ") [نوح: 7] و جعل الأصابع في الآذان في حقهم عبارة عن مباشرة أسباب أفنائهم قواهم الظاهرة حتى لا يسمعوا غير الحق.
كما أن الكفار تصامموا حتى لا يسمعوا الحق وإنما فعلوا ذلك (طلبا للستر) أي لأجل طلبهم الستر من دعوة نوح عليه السلام فالمؤمنون طلبوا ستر وجودهم بوجود الحق في الأرض المعنوية وهي باطن الملك كلها .
كما أن الكافرين طلبوا ستر وجوداتهم بوجود الحق في الأرض الصورية فتجلى الله لهم بالنهارية وإنما طلبوا الستر (لأنه) أي لأن نوحا (دعاهم ليغفر لهم والغفر الستر) ففهموا منه كل واحد منهم على حسب ما يليق بحالهم فطلبوا الستر على حسب فهمهم فدعا عليهم على حسب طلبهم.
(دیارا) أي لا تذر من طالب السن من المؤمنين والكافرين أحد (حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة) المؤمنين والكافرين فإن المنفعة الدعوة الإيصال إلى المدعو إليه.
وهذه المنفعة وإن حصلها الكفار لكن لم تنفع لعدم وقوعه في أوانه .
فلما دعا نوح عليه السلام من الله إهلاك قومه عرض على الله تعالی مسببا دعائه عليهم فقال : ("إنك إن تذرهم" أي تدعهم وتترکهم) على حال بشريتهم على الأرض (يضلوا عبادك أي يجبروهم ويخرجونهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم) بسبب خروجهم من عبوديتهم (أربابا بعد ما كانوا عند نفوسهم عبيدا).
فإذا كان كذلك (فهم العبيد الأرباب "ولا يلدوا" أي ما ينتجون ولا يظهرون "إلا فاجرا" أن مظهرا ما ستر) على البناء للمفعول أي مظهرا ما ستره الحق من الربوبية في مظاهره (كفارا أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره فيظهرون ما ستر) من الربوبية (ثم يسترونه بعد ظهوره) بحسب اقتضاء المقامين من الربوبية والعبودية يعني تكلموا تارة عن وحدة الوجود وآثارها وأحكامها من الربوبية ويظهرون للسامعين أسرار الربوبية فيهم وتارة تكلموا من الكثرة والعبودية.
(فيحار الناظر) السامع لكلامهم (فلا يعرف) الناظر (قصد الفاجر) أي قصد المظهر ما ستر الحق من الربوبية (في فجوره) أتي في إظهاره سر الربوبية (ولا الكافر في كفره) ولا قصد الساتر في ستره .
(والشخص واحد) والحال أن المظهر والسائر وأحد كيف يناقض نفسه فلما دعاهم إلى الله تعالى ليغفر لهم أي ليستر لهم ودنا عليهم بالستر دعا لنفسه ولاتباعه بالستر وهو عين ما دعاهم إليهم .
فنوح عليه السلام ما أراد لغيره شيئا إلا ما يريد لنفسه فكان دعاؤه عليهم الله تعالی لا لمراده نفسه من الانتقام وغيره . ولو كان المراد لنفسه لما دعا لنفسه بمثل ما دعا عليهم.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
"وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم" تارة أخرى" (طه: 55) لاختلاف الوجوه.
"من الكافرين الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم" (نوح: 7) طلبا للستر لأنه دعاهم ليغفر لهم والغفر الستر. "ديارا" (نوح: 26) أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
"إنك إن تذرهم" أي تدعهم و تتركهم "يضلوا عبادك" أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب.
وقوله: إن نوحا دعاهم ليغفر لهم وما دعاهم ليكشف لهم، فكأنه قال إن استعدادهم كان يطلب الكشف، والمغفرة مشتقة من الغفر وهو الستر ومنه اشتق المغفر الذي يستر في الحرب فما احبوا الستر لأنه حجاب فمطلوبهم كان الكشف.
"ولا يلدوا" أي ما ينتجون ولا يظهرون "إلا فاجرا" أي مظهرا ما ستر،
"كفارا" (نوح: 27) أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره، فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره، ولا الكافر في كفره، والشخص واحد.
"رب اغفر لي" أي استرني واستر من أجلى فيجهل مقامی وقدری کما جهل قدرك
في قولك: "وما قدروا الله حق قدره" (الأنعام: 91 " ولوالدي" من کنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة.
ثم أخذ يبين معنى قوله : "لا تذر على الأرض من الکافرین دیارآ" (نوح: 29) أحدا يسكن الديار قال: حتى إذا أخذهم إليه كلهم عمت المنفعة بجميعهم كما عمت الدعوة جميعهم.
ثم أخذ يبين معنى قوله تعالى«إنك إن تذرهم» (نوح: 27) وتتركهم ولا تغمرهم بالوحدانية يضلوا عبادك فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية.
وسبب ذلك أن من غمره التوحيد ينسى الفرق الأسمائي، فأما إن تركهم وشركهم دعوا الناس إلى الفرق، فأضلوهم بإخراجهم عن العبودية إلى تحقق أنهم عين الأرباب بل عین الرب .
وذلك هو نظرهم إلى أنفسهم أي يرون حقيقة أنفسهم، فيجدونها ليست غیر معبودهم، فينتقلون إلى الربوبية من العبودية ولذلك ذکر "عبادك" في قوله: "يضلوا عبادك" ولم يقل: يضلوا خلقك.
ثم انتقل إلى معنى قوله: "ولا يلدوا" (نوح: 27)، معناه: ولا يظهرون إلا فاجرا أي مظهرا من قولك فجرت النهر ونحوه، فإن الظهور يلزمه والكفار هو الذي يتكرر منه الكفر وهو الستر . والمراد هنا ستر خاص وهو ستر ما أظهره بفجوره کالانكار بعد الإقرار .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : "فإذا دفنت فيها فأنت فيها ، وهي ظرفك "وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى " لاختلاف الوجوه" .
يعني رضي الله عنه : ظهورهم في ظاهرية أرض المظهر بالفرق من جهة كثراتهم بتعيّناتهم في صور الخلق والفرق في أحدية عين الحق .
قال رضي الله عنه : من الكافرين الساترين الذين " اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ "  و "جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ" ، طلبا للستر ، لأنّه « دعاهم ليغفر لهم » . والغفر :الستر .
" دَيَّاراً " أحدا حتى تعمّ المنفعة ، كما عمّت الدعوة ، " إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ " أي تدعهم وتتركهم " يُضِلُّوا عِبادَكَ " أي يحيّروهم فيخرجوهم من العبوديّة إلى ما فيه من أسرار الربوبيّة ، فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا ، فهم العبيد الأرباب .
قال العبد : عبّاد صور الأسماء في حجابيّات الأشياء من عمرة مواطن الشقاء لو تركوا مع الأهواء فلا يتحرّكون إلَّا إلى الأطراف الحائرة ، ولا يسكنون إلَّا إلى تعمير بقاع يفاع بقاع الحجابية الغامرة ، ولا يعبدون إلَّا الكثرة والتفرقة في صنميات الطواغيت البائرة ، ويدعون أهل الاستعداد من العباد إلى ما هم فيه من المهالك ، ويكونون عليهم أعوان الشيطان في ذلك ، فإذا رأوا داعي الله يدعو إلى التوحيد وتنزيه التحديد.
فلا يدعونهم بل يدعونهم إلى الكثرة التعديد والتفرقة فيضلَّونهم ضلالا بعيدا ويحيّرونهم تحييرا شديدا ، فيهلكون ويهلكون طلبة الحق ، في فيافي حجابية الخلق ، غرقى في بحار الفرق كلّ الغرق ، ويلبسون عليهم وجوه الرجحان والتمييز والفرق ، فصلاحهم وصلاح من بعدهم أن يسترهم في بطون الأرض ، كما استتروا عن استماع نداء العرض .
ويغرقهم في طوفان بحار الكشف والجمع ، فيرأب ما بهم من الفرق والصدع ، والمستعدّون المؤهّلون لإجابة دعائك ، يتفرّغون لإجابة ندائك ، فلا يحارون في الأمر ، ويعبدونك أبد الدهر ، فلا يرون أنفسهم أربابا ، ولا يفتحون في عبادتهم وعبوديّتهم إلى ربوبيّتك أبوابا .
قال رضي الله عنه : " وَلا يَلِدُوا "  أي وما ينتجون ولا يظهرون " إِلَّا فاجِرا " أي مظهرا ما ستر " كَفَّاراً " اي ساترا ما ظهر بعد ظهوره ، فيظهرون ما ستر ، ثمّ يسترونه بعد ظهوره ، فيحار الناظر" ، فلا يعرف  قصد الفاجر في فجوره ، ولا الكافر في كفره والشخص واحد ".
يعني رضي الله عنه : أنّ أولاد الكفّار الساترين بتعيّناتهم الإلهية الواحدة ونتائجهم أي صور أسرارهم التي هي إخراج جمع التوحيد إلى التكثير والتحديد لو عمّرتهم للتعمير أبد الدهور ، وغمرتهم بنور الوجود والظهور .
وغمرت إنّيّاتهم بهويّتك في مواطن النور ، ما زادوا غير الفجور ، وهو شدّة الظهور ، بما يجب ستره من الأمور ، في مواضع إرخاء الستور ، بتظاهر هم بدعوى الربوبيّة المعرضة الكامنة فيهم بالظلم والزور ، وسترهم عن ربوبيّتك الذاتية الحقيقية بعد كمال الظهور ، بأحدية جمع جميع الأمور بالكفور .
والمراد من الخلق هو أن تعرف ولا تنكر ولا تكفر ، بل لتظهر ، فما خلقتهم إلَّا لتعبد لا لتجحد ، وهؤلاء وإن عبدوك فلم يعبدوك إلَّا في أنفسهم وأهوائهم فرقا ، وجحدوك في أحدية جمع لاهوتك في أفكارهم وآرائهم .
وقد تناهوا في طغيانهم بالفجور ، حتى أظهروا النسب العدمية أعيانا وجودية ، وعبدوها أربابا بكلّ عبودية ، وستروا حقيقة أحدية جمعك في أعيان طواغيت صنميّات الظهور ، خلف الحجب الظلمانية والنورانية والكيانية من الستور ، فانهاهم عن هذا التناهي في الطغيان ، ونهاهم عن الفجور والكفر والعصيان .
وتداركهم بنور الكشف وطوفان العيان ، وأدركهم بالغرق ، وخلَّصهم عن درك الفرق ، وأطلع ما غاض في أرض تعيّناتهم من النور ، فهي تفور بالتنّور ، وأنزل عليهم ما فاض من العذاب فاض كالبحر المسجور ، ففتحنا عليهم أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : ( فإذا دفنت فيها فأنت فيها وهي ظرفك ) فأنت فان في باطنيته " وفِيها نُعِيدُكُمْ ومِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى " لاختلاف الوجود ) عند الإعادة فيها بالباطنية .
وهي استهلاك تعيناتهم وكثرة أنياتهم الظاهرة في صورة الخلق بظاهر أرض الفوق ، في أحدية عين الحق ، وعند الإخراج منها بالظاهرية في المظاهر الخلقية ، وصور التعينات المختلفة ( من الكافرين ) أي الساترين وجه الحق بسترات استعداداتهم ( الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم طلبا للستر ) لأنهم فهموا بحكم احتجابهم من الغفر ذلك كما ذكر وهو معنى قوله ( لأنه دعاهم ليغفر لهم والغفر الستر ) .
قوله : ( " دَيَّاراً " أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة ) معناه أنه عليه السلام إنما دعا
المحتجبين بالكثرة الذي هم عباد صور الأسماء عن الوحدة لينقذهم عن مهلكة الشقاء الذي هو اختلاف وجوه الأسماء إلى منجاة السعادة التي هي أحدية وجه الذات ، وعن ظلمانية الجلالية إلى نور جمال الذات.
فلما تحقق أنهم أهل الحجاب الذين لا يعبدون إلا صور الكثرة الأسمائية ، ولا تزيدهم الدعوة إلا زيادة الاحتجاب لقوة الشيطنة ونفاذ حكم الإرادة الإلهية فيهم بالعزة ، دعا ربها الناصر له باسم القهار المنتقم ليستر صور اختلافهم وتعيناتهم الظاهرة في ظاهر أرض الفوق بأحدية اسم الباطن في باطنها .
كما ستروا وجود استعداداتهم واستتروا عن سماع دعائه ، فتعم منفعة أثر الدعوة وهي صلاحهم بالرد عن الكثرة إلى الوحدة والمنع عن التمادي للتفرقة والبعد ، فإن نفاذ الفساد صلاح لهم وصلاح من بقي بعدهم من المؤمنين ، فلا يضلوهم ولا يهلكوهم ويحيروهم كما عمت الدعوة جميعهم.
قال رضي الله عنه : (" إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ " أي تدعهم وتتركهم " يُضِلُّوا عِبادَكَ " أي يحيروهم ، فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية ، فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند نفوسهم عبيدا ، فهم العبيد الأرباب ) أي إن هؤلاء إن تركتهم مع أهوائهم ، تظاهروا بأنياتهم التي هي هوية الأحدية المنصبغة بأنوار مظاهرهم .
فلا يتحركوا إلا إلى الغلو والطغيان ، فيخرجوا عبادك بدعوتهم إلى الأنية الشيطانية من العبودية التي هم عليها إلى ما فيهم من معنى الربوبية مع كونهم عبيدا فيتحيروا ويكونوا شر الناس كما قال عليه الصلاة والسلام « شر الناس من قامت القيامة عليه وهو حى » .
فإن الهادي يدعو إلى طاعة الرحمن ، ليتفانوا عن حياة الهوى وينسلخوا عن رسومهم فيموتوا عن أنياتهم الحاجبة للحق ، فيحيوا بالحياة الحقيقية الأبدية ، والمضل يدعو إلى طاعة الشيطان ، فيمدهم إلى طغيانهم بتقوية أنانيتهم ، فيطلعهم على سر الربوبية .
فهم مع بقاء الهوى وحياة الأنية والأنانية ، أي الأحدية المنصبغة بلون الكثرة وأحكام الإمكان التي هم بها عبيد ، فينظرون أنفسهم أربابا مع كونهم عبيدا ، فيكونون شر الناس عبيدا أربابا عند أنفسهم ، وذلك عين الحيرة والضلال والهلاك ، بخلاف حيرة المحمدي ، فإنها بعد فناء الأنية في الأحدية والموقت الحقيقي والنظر إلى نفسه بأنه لا شيء محض.
(" ولا يَلِدُوا " أي ما ينتجون ولا يظهرون " إِلَّا فاجِراً " أي مظهرا ما ستر "كَفَّاراً " أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره) أي لأنهم فاجرون بإظهار أنانيتهم الشيطانية ودعوى الربوبية ، كفارون بستر الحقيقة الإلهية بأنانياتهم فلا يكون أولادهم إلا على صور أسرارهم .
كما قال عليه الصلاة والسلام « الولد سر أبيه » فلا يلدوا إلا مظهرا لأنانيته بدعوى الربوبية المستورة فيه زورا وكذبا ، ساترا بأنانية الحقيقة الإلهية التي ظهرت بصورته بعد ما ظهرت ، فيكون متلبسا على عباد الله في دعواه.
( فيظهرون ما ستر ثم يسترونه بعد ظهوره ) أي فيظهرون بالدعوى ما ستر من الربوبية المستورة ، ويدعون بأنانيتهم أنهم الرب ، يعنى يدعون أن الأنانية الظاهرة هو الرب المستور فيهم زورا وكذبا.
ثم إنهم على الحقيقة لا يرون الذي يدعون ظهوره بعد ظهورهم في صورهم على الحقيقة ( فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ولا الكافر في كفره والشخص واحد ) أي يحار الناظر الطالب للحق في الإظهار والستر .
ولا يعرف أن الفاجر في إظهار الربوبية بدعواه إياها ساتر لها في سترها هو ذلك المظهر كذبا وزورا والحال أن الشخص المظهر الساتر واحد وهو عين الضلال والتحير .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
يقول الشيخ رضي الله عنه : (فإذا دفنت فيها فأنت فيها وهي ظرفك). أي، فإذا دفنت في الأرض بالموت الإرادي، فأنت في الأرض مع الحضرة الإلهية. كما قال، صلى الله عليه وسلم: (موتوا قبل أن تموتوا).
وبالموت الطبيعي أيضا، إذا كنت ممن عرف المقامات وظهورات هوية الحق. كما قال: (الموت تحفة المؤمن). وتلك الأرض ظرفك و ساترك عن عيون أهل العالم.
(وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى). إشارة إلى قوله تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى).
أي، كما أخرجناكم من عالم الملكوت إلى عالم الملك، كذلك نعيدكم إليه ونخرجكم تارة أخرى ليوم القيامة وابتداء الدورة الأخروية من البقاء بعد الفناء فيه بالوجود الحقاني السرمدي. هذا على الأول من معنيي (الأرض).
وعلى الثاني، أي نعيدكم إلى ملكوت الأرض بالموت الإرادي أو الطبيعي، ومنها نخرجكم تارة أخرى مكتسيا خلع الأعمال الحسنة و ملتبسا بهيئات العلوم الحقيقية التي صارت ملكة في نفوسكم، وذلك (ليقضى الله أمرا كان مفعولا). فيستقر كل من السعداء والأشقياء مكانه.
(لاختلاف الوجوه) أي، يخرج كل واحد منكم من الأرض، تارة أخرى، على صورة تقتضيها هيئاته الغالبة على نفسه حال انتقاله إلى باطن الأرض، لاختلاف الوجوه والهيئات التي بها تستحق النفس صورة من واهب الصور وتستعد لها. ولاختلاف وجوه الحق وأسمائه المقتضية للإحياء والإماتة والإعادة في النشأة الأخروية. ويجوز أن يكون تعليلا لقوله: (يدعو عليهم أن يصيروا في باطنها) .
أي، دعا على أممه كلهم، العامة منهم والخاصة، بدعاء واحد يشملهم ليعطى الحق كلا منهم حقه، لأن الكافرين منهم من عرف الله وستره، ومنهم من أنكره وجحد، فاختلف وجوههم.
ولما كان الأمر كذلك، دعا عليهم بدعاء واحد يستر الخواص منهم، كما ستروا الحق عن أعين الأغيار، جزاء لهم، ويستر العوام المنكرين بالإفناء في وجوده وصفاته، ليتيقنوا الإلهية ويقروا بوحدانيته.
يقول الشيخ رضي الله عنه : ("من الكافرين" الذين "استغشوا ثيابهم".) أي، لا تذر على الأرض من الكافرين الذين ستروا بوجوداتهم وجود الحق و بصفاتهم صفاته وبافعالهم أفعاله. (وجعلوا أصابعهم في آذانهم) وما قبلوا كلام الأنبياء ودعوتهم.
(طلبا للستر) أي، لأجل طلبهم منه ستر وجوداتهم وإفناء ذواتهم في وجوده وذاته، لتبقوا بالبقاء الأبدي. (لأنه "دعاهم ليغفر لهم" والغفر، الستر). تعليل لقوله: (طلبا للستر.)
(ديارا) أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة). تتمة من الآية. أي، لا تذر أحدا في دياره، ودياره أنانيته ووجوده وما يصير به هو هو، حتى تعم المنفعة على أنواع الكافرين والساترين وجه الحق ووجوده بوجوههم، ووجودهم ليكون لكل منهم نصيب، ولا يحرم أحد منها، كما عمت الدعوة عليهم.
يقول الشيخ رضي الله عنه : ("إنك" إن"تذرهم" أي، تدعهم وتتركهم "يضلوا عبادك" أي، يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية).
أي، إن تذرهم على حالهم يضلوا عبادك ويحيروهم فيك وفي ظهوراتك، فيخرجهم من مقام عبوديتهم بإظهار أسرار الربوبية لهم، كما ظهر لنفوسهم، فيظهرون بالأنانية و يتفرعنوا بظهورهم بأنفسهم.
(فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند نفوسهم عبيدا) فيدعون الألوهية، ويظهرون بالربوبية لغلبة مقام الوحدة عليهم وهم عبيد بالنسبة إلى تعيناتهم. ولا يجوز للعبد دعوى الربوبية مطلقا، لذلك يظهر شرف نبينا، صلى الله عليه وسلم.
بقوله: (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله). وقال عيسى: (إني عبد الله آتاني الكتاب والحكم والنبوة).
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا تدعني إلا بـ " يا عبدها "، فأنه أشرف أسمائي).
(فهم العبيد الأرباب) أي، فهم حينئذ عبيد من حيث تعينهم وتقيدهم للحق المطلق، وأرباب لما تحت حيطتهم وأحكامهم، فهم العبيد والأرباب بالاعتبارين.
("ولا يلدوا" أي، وما ينتجون ولا يظهرون "إلا فاجرا" أي، مظهرا ما ستر).
(مظهر) اسم فاعل من (الإظهار). (ستر) على البناء للمفعول. أي، مظهرا ما ستره الحق من أسرار ربوبيته في مظاهره.
("كفارا" أي، ساترا ما ظهر بعد ظهوره) كما يعلمون اليوم في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).
فإنه صريح في أن ما في الوجود غيره، و يأولونه على مبلغهم من العلم بحسب عقولهم، كتأويلهم قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم). وأمثال ذلك.
(فيظهرون ما ستر) من الأسرار الإلهية. (ثم يسترونه بعد ظهوره). مرة أخرى. إما خوفا من الجهلاء، أو غيرة على الله.
(فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ولا الكافر في كفره). أي، يحار الناظر في كلامهم، ولا يعرف مقصود المظهرين في إظهارهم ولا مطلوب الساترين في سترهم، كما يصدر اليوم من العرفاء.
وذلك الإظهار إنما يحصل من غلبة الوحدة عليهم، والستر لا يكون إلا عند رجوعهم إلى أنفسهم وغلبة الكثرة عليهم. ولا بد أن يكون الأمر كذلك إلى أن يظهر خاتم الأولياء وينكشف الأمر على الكل.
(والشخص واحد) أي، والحال أن الفاجر المظهر هو الذي يستر ما أظهره ويكفر نفسه في زمان آخر. كما هو مشهور عن أبى يزيد في قوله: "لا إله إلا أنا"، و"سبحاني ما أعظم شأني " فكيف إذا كان المظهر غيره قد كما أفتى الجنيد بقتل الحلاج، رضى الله عنهما. ويحار الناظر، إذ لو كان المظهر غير الساتر، ربما كان لم يقع الناظر في الحيرة.



.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 15:52 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:53 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة التاسعة عشر الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة التاسعة عشر : الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : (وإذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر)
قال رضي الله عنه : ثم أشار إلى ترتيب التجليات ليتضح أن هذا آخر المقامات فقال: (فإذا دفنت فيها) أي: في الأرض يعني: علقت روحك بهذا الجسد الترابي (فأنت فيها) لا ترى الحق أصلا كيف، (وهي ظرفك) فتكون حجبها الظلمانية محيطة بك، وليس معك عقل بالفعل فتدرك به الحق مع الحجاب النوراني فهذا مقام الفرق الأول، وهو رؤية الخلق بلا حق،(" وفيها نعيدكم" [طه: 55]).
إلى الجمع الذي كنتم فيه حال الفطرة الروحانية،("ومنها نخرجكم"  [طه:55]).  
إلى الفرق بعد الجمع ("تارة أخرى" [طه:55])لأنه نسبة من وجه الفرق الأول، وليس هذا من القرآن بل هو اقتباس لطيف موهم، وكل ذلك (لاختلاف الوجوه).
أي: وجوه التجليات الفرق الأول، ثم الجمع.
ثم الفرق الثاني ربما ألا يذر على الأرض ("من الكافرين" [الشعراء: 19]).
أي: السائرين للخلق بنفيهم إياهم بالكلية في مقام الجمع.
ولذلك بينهم بقوله: (الذين "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم "[نوح: 7] طلبا للستر) عن المبصرات والمسموعات، بل عن عالم الخلق إجابة لدعوة نوح عليه السلام .
قال رضي الله عنه : (لأنه دعاهم ليغفر لهم، والغفر) في أصل اللغة: (الستر)، وهذا أيضا بطريق الإشارة فأوجب عليهم أولا أن يطلبوا الستر؛ ليحصلوا في مقام الجمع، ثم دعا أن يحصلوا في مقام الفرق بعد الجمع لترتبه عليه فدعا ألا يذر على الارض منهم ("ديارا" [نوح: 26]).
أي: (أحدا حتى تعم المنفعة) أي: منفعة حصول التلوين للكل (كما عمت الدعوة) إلى جميع وجوه التجليات، وهذا كله بطريق الإشارة، ومفهوم العبارة إنما هو الدعاء على الطغاة بالاستئصال الكلي.
ثم بين تعليل ذلك بطريق الإشارة أيضا في ضمن تعليل دعاء الاستئصال على الطغاة بطريق العبارة بقوله: ("إنك إن تذرهم" [نوح: 27] أي: تدعهم وتتركهم) في مقام الجمع المحض ("يضلوا عبادك" [نوح: 27]، أي: يحيروهم) بعبادتهم الموهمة لإلهية الكل (فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعدما كانوا عند نفوسهم عبيدا)، مع أن انقلاب الحادث قديما، وغير خالق السماوات والأرض خالقا لهما من المحالات الصريحة.
وإذا امتنع الانقلاب، (فهم العبيد الأرباب) عبيد من حيث الحدوث، والتعدد أرباب من حيث ما فيهم من سر الربوبية مع أن الحدوث مناف للقدم، والتعدد مناف للوحدة .
فيتحيرون عند ذلك فدعا أن يزول عنهم ما يوجب هذه الاتهامات الفاسدة المفيدة لحصول مقام الفرق بعد الجمع("ولا يلدوا" [نوح: 27]، أي: ما ينتجون) في اعتقاداتهم عن استغراقهم في مقام الجمع.
قال رضي الله عنه : (ولا يظهرون) في كلماتهم عن ذلك ("إلا فاجرا" [نوح: 27]، أي: مظهرا) على العامة (ما ستر) عنهم من أسرار الربوبية (" كفارا" [نوح: 27] أي: ساترا ما ظهر) من تلك الأسرار منهم .
(بعد ظهوره) في كلماتهم (فيظهرون) أولا على العامة (ما ستر) أي: ما يجب ستره عنهم لقصورهم.
قال رضي الله عنه : (ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، ولا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
ولذلك قال العارفون: إفشاء سر الربوبية كفر، (ثم يسترونه بعد ظهوره) عليهم بإظهار تأويل لما صدر عنهم من تلك الكلمات . مع أنهم لقصورهم لا يقدرون على التطبيق بينهما. (فيحار الناظر) من العامة إلى كلماتهم، (ولا يعرف قصد الفاجر) المظهر (في فجوره ولا الكافر) أي: الساتر (في كفره) أي: لا يعرف لم يظهره، ثم يستره.
أخذ الفاجر من الفجر، وهو الصبح لما فيه من الإظهار.
والكافر من الكفر وهو الستر بطريق الإشارة.
وكذا معنى الولادة على ما هو دأبه لقصده بيان سائر المفهومات بعد المفهوم اول، ويزيده تحيرا أن (الشخص) المظهر الساتر (واحد) ""أي بالذات وإن تعدد بالاعتبار، وهذا عين الإضلال والتحير"" ، إذ لو كانا اثنين لربما ظن أن في اعتقادهما اختلافا فإذا رآه من شخص واحد يحار في شأنه هل هو مجنون؟ أم له في كل من ذلك قصد؟.
ولما فرغ عن دعاءه طلب الكمال لكمل أمته في ضمن دعاء الاستئصال على الطغاة دعا لنفسه ما هو غاية الكمال فقال("ربي اغفر لي " [نوح:28]). ولما كان المفهوم الأول طلب غفران الذنوب، وهو عليه السلام معصوم فسره بقوله : (أي: استرني) أي: استر ذاتي بحيث تصير باطني، والحق ظاهري.
(واستر من أجلي) كمالاتي بغاية ظهورها فإن الشيء إذا جاوز حده ما ورث ضده (فيجهل مقامي) منك، (وقدري) في كمالاتي.
(كما جهل قدرك) مع غاية ظهورك إذ لا تحقق لشيء بدون إشراق نورك عليه، وفي كل شيء آية تدل عليك , على ما أشرت إليه (في قولك: "وما قدروا الله حق قدره" [الأنعام: 19])أي: ما عرفوه حق معرفته.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
لذلك قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإذا دفنت فيها ، فأنت فيها ، وهي ظرفك )
كما قال تعالى : ( " وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى " ) [ 20 / 55 ] فالأرض لها جامعيّة نسبة المبدئيّة والمعاديّة مع ما ذكر .
كلّ ذلك لأنّها وقعت مركزا ، والمركز مستجمع لوجوه الكثرة التي على محيط الظهور والإظهار جملة ، فإنّه أصل تلك الكثرة .
ثمّ إنّ نوحا إنّما دعي عليهم بتلوينهم من ظاهر أرض الظهور إلى باطن خفائها ، ( لاختلاف الوجوه من الكافرين ،الذين " اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ " و " جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ " طلبا للستر) على ما هو مقتضى دعوته لهم ( لأنّه دعاهم ليغفر لهم ) السرائر الإلهيّة وأسرار الربوبيّة في صور الشرايع وشعائرها حتّى يتحقّقوا بالجمعيّة الكماليّة ، لا ليغفر عليهم ويستر عنهم ذلك ، ( والغفر :الستر ).
(" دَيَّاراً " : أحدا ) ، أي إنّما دعي عليهم بعدم إبقاء ربّه على ظاهر أرض الظهور منهم أحدا ، ويصيّرهم في باطنها ( حتّى تعمّ المنفعة ) للأمم الآتية ( كما عمّت الدعوة ) لأمم زمانه ، فإنّ الدعوة إنّما هو إلى ما يطلبه ألسنة استعداداتهم بقوله : " وَما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِه " [ 14 / 4 ] ، وهو ما عليهم من الستر .
ثمّ إنّ وضع الصور الشرعيّة وإخفاء الحقائق الإلهيّة كما أنّه يتضمّن الرسالة بلسان قومه خاصّة ، يتضمّن المنفعة لسائر الأمم الآتية ، لبقاء تلك الصور بعد واضعيها ، وأمّا المنفعة ووجه عمومها للأمم فبما يعدّهم للترقي عمّا يعتكفون عنده ، وعلم من هذا سبب التعبير عن الدعاء بالمنفعة ، ووجه مقابلتها للدعوة .
قال الشيخ رضي الله عنه : (" إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ " أي تدعهم وتتركهم ) فيما هم فيه من مجاورة أرض الظهور وسرائر الصور الإلهيّة ( " يُضِلُّوا عِبادَكَ "، أي يحيّروهم ) لأنّها موطن الحيرة والضلال بما اشتملت عليه من الجمعيّة والكمال وآيات الالوهيّة من العزّة والجلال .
(فيخرجوهم من العبوديّة إلى ما فيهم من أسرار الربوبيّة) فإنّ الظاهر الذي هو موطن شهودهم له السلطنة والخلافة ، باشتماله على المراتب وكماله وانقهار الكل تحت قهرمان قوّته وجلاله ، (فينظرون أنفسهم ) عند ضلالهم ( أربابا ) بإراءة المتحقّقين به إيّاهم ذلك المقام ( بعد ما كانوا عند نفسوهم عبيدا ) على ما هو مشهود كل أحد بنفسه ( فهم العبيد الأرباب ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : (" وَلا يَلِدُوا ") أي ما ينتجون ولا يظهرون (" إِلَّا فاجِراً " أي مظهرا ما ستر) يعني أسرار الربوبيّة ( " كَفَّاراً " أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره ) ، يعني أحكام العبوديّة ، فإنّهم ستروها بعد ظهورها عندهم ، ( فيظهرون ما ستر ) من العبوديّة وأحكامها ، لأنها عدميّة ممحوّة العين ، (ثمّ يسترونه بعد ظهوره) عندهم بإظهار أسرار الربوبيّة .
وهذا ممّا يوجب الحيرة للمسترشدين ، فإنّ العبوديّة لممحوّة مختفية بنفسها ، لا سبيل لظهورها ، وبعد ظهورها عند أنفسهم تراهم يسترونها (فيحار الناظر) الطالب حينئذ (ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، ولا الكافر في كفره ، والشخص واحد) لا يقبل ورود الأحكام المتقابلة عليه .
ومن جملة تلك الأحكام ما قال نوح دعاء له ولقومه مفصّلا.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : (وإذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر.)
قال الشيخ رضي الله عنه (فإذا دفنت فيها) بالدخول من ظاهرها إلى باطنها (فأنت فيها) مع الحضرة الأحدية الجمعية (وهي ظرفك) لإستتارك فيها عن عيون العالمين کاستتار المظروف بالظرف.
قال تعالى: ("وفيها نعيدكم") (طه: 55] من جهة استهلاك كثراتكم الخلقية الفرقية في الأحدية الجمعية ("ومنها نخرجكم") من جهة ظهوركم بالتعيينات الخلقية والكثرات الفرقية .
(تارة أخرى) في النشأة الأخروية (لاختلاف الوجوه) المقتضية لإعادتكم فيها وإخراجکم منها (من الكافرين)، أي لا تذر على الأرض من هؤلاء الكافرين (الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم طلبا للستر).
وانما طلبوا الستر (لأنه)، أي نوح عليه السلام (دعاهم ليغفر لهم) الله سبحانه (والغفر الستر) فسارعوا إلى ما طلب لهم من الله ، ثم دعى عليهم بأن يصيروا في باطن الأرض طلبة للستر بعد الستر .
قال رضي الله عنه : («ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر) .
و للإشارة إلى ذلك وصف رضي الله عنه الكافرين ههنا بالوصفين المذكورين اللذين هما تفسيرا لكفرهم ("ديارا") يعني (أحدا)، وإنما عمم نوح عليه السلام الدعاء وما خص بعضها دون بعض (حتى تعم المنفعة) يعني الدخول في بطن الغرق والاستغراق في الباطن الأحدي الجمعي (كما عمت الدعوة) كلى أحد إلى الباطن الأحدي الجمعي
("إنك إن تذرهم " [نوح: 27]. أي تدعهم وتتركهم) إلى ظاهر أرض الغرق ولم تعدهم إلى باطنها ("يضلوا عبادك") المفطورين على عبوديتك (أي يحيروهم) بين العبودية والربوبية .
(فيخرجوهم من العبودية) مطالعة (ما) أودع (فيهم من أسرار الربوبية) والصفات الفعلية الوجوبية من حيث أنها لهم بالأمانة (فينظرون أنفسهم أربابا) لأنصافهم بالأوصاف الربوبية (بعدما كانوا عند نفوسهم) عدميتهم الأصلية.
(عبيدا فهم العبيد) باعتبار عدميتهم الأصلية (الأرباب) باعتبار ما فيهم من أسرار الربوبية ، فإذا نظروا إلي ذواتهم علموا أنهم عبيد وإذا طالعوا ما ظهر فيهم من أسرار الربوبية وتوهموا أنها لهم.
تخيلوا أنهم أرباب فتحيروا في أمرهم، ولم يعلموا أنهم عبيد وأرباب ، وأيضا إذا توهموا أنفسهم أربابا وطولبوا بمقتضيات الربوبية، ولم يتأت منهم الإتيان تحیروا بها في دعواهم الربوبية .
وأما إذا لم يدعهم الله سبحانه على ظاهر أرض الغرق وأعادهم إلى باطنها اشتدت أسرار الربوبية إلى الحقيقة الجمعية وانقطعت ألسنتها عنهم فتحققوا بعبوديتهم وتخلصوا من توهم الربوبية .
("ولا يلدوا") ، أي ما ينتجون ولا يظهرون"إلا فاجرا" [نوح : 27]، أي (مظهرا) اسم فاعل من الإظهار (ما ستر) على البناء للمفعول، أي مظهر ما ستره الحق سبحانه فيه من أسرار الربوبية بأن يظهرها بين الخلق ("كفارا" ، أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره فيظهرون ما ستر) فيهم من تلك الأسرار (ثم يسترونه بعد ظهوره)، إذا طولبوا بمقتضياته وعجز عن الإتيان بها (فيحار الناظر) في حالهم (ولا بعرف قصد الفاجر) المظهر (في فجوره) وإظهاره وأنه لم أظهر ما أظهر (ولا قصد الكافر) الساتر (في كفره) وستره وأنه لم كفر ما ستر.
قال رضي الله عنه : (في فجوره ، ولا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
(والشخص) الفاجر الكافر (واحد) بالذات وإن تعدد بالاعتبار. وهذا عين الإضلال والتحیر.
.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:56 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة العشرين الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة العشرين : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره».
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام)
قال رضي الله عنه : («رب اغفر لي» أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «وما قدروا الله حق قدره». «و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام . و الله يقول الحق.)
قال رضي الله عنه : ("رب")، أي يا رب ("اغفر لي") [نوح: 28]، أي استرني) عن غيري فلا يشهدني إلا أنا الذي هو أنت (واستر) عني (من أجلي) غيري من حيث إنه غيرك فيجهل)، أي يجهل غيري الذي هو غيرك (مقامي) الكريم (وقدري) العظيم (كما جهل) عند الأغيار (قدرك) العظيم، فجعلوه قدرك وهو قدري (في قولك : "وما قدروا" )، أي جميع الأغيار ( الله ) لانتفائهم عنه بمغایرتهم في دعوى نفوسهم جهة ضرورية ("حق قدره") [الزمر: 67] . بل دون قدره وهو إيمانهم به على الحجاب ("ولوالدي") تثنية والد غلب على الوالدة فثني بلفظ المذكر كالقمرين للشمس والقمر وهما (من کنت في هذا العالم (نتيجة عنهما) من حيث النفس والجسم.
وهما العقل الكلى الطالع في منزلتی عقلا جزئية وهو الوالد (والطبيعة) الكلية الطالعة في منزلتي طبيعة جزئية وهي الوالدة، وهذه الولادة الثانية عن هذين الأبوين والولادة الأولى قبل ذلك عن أبوين هما العالم والمعلوم، وذلك قول عیسی عليه السلام: من لم يولد مرتين لم يلج ملكوت السموات والأرض.
(ولمن دخل) باطلاعه (بيتي أي قلبي) المملوء بالوحي والإلهام (مؤمنا أي مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية) التي أخبرتهم بها عنك (وهو ما حدثت به أنفسهم) لهم فظهر منها تكذيبة لي وهو تصديق من حيث هي قلوب لا نفوس ("وللمؤمنين" من العقول) التي لهم في عين كفرها من حيث إنها مصدقة مذعنة منقادة للحق الظاهر لها في صورة ما عقلته، فاشتغلت بإيمانها عن بقية الصور له مما لا يتناهى في الغيب (والمؤمنات من النفوس) الكاشفة منه عما نزل في منزلتها وظهر في مرتبتها وقد قصرت عن معرفة إطلاقه فتقيدت بشهود خلق من أخلاقه .
("ولا تزد الظالمين") من العقول والنفوس والظلم مشتق (من الظلمات) وهو النور الأسود، وهم (أهل الغيب) عن كل معقول و محسوس، لأن العقل هو النور الأبيض والحس هو النور الأحمر فلا يعرفان النور الأسود، لأنه فوقهما .
وبهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس العمامة السوداء إشارة إلى الغيب الذي فوقه، وإنما كان العقل نورة أبيض، لأنه كلما أشرق على شيء كشفه بل کشف عن إشراقه على ذلك الشيء لا عن ذلك الشيء.
فلا يعرف إلا قدر استعداده من كل شيء كالشمس إذا تجلت على الأرض وكشفت عما فيها إنما كشفت عن نورها الذي أشرقت به الأرض عند تجليها عليها لا عن الأرض عما هي عليه.
لأن كل شيء هو النور الأسود الذي فوق النور الأبيض، فلا يعرف النور الأبيض منه إلا قدر استعداده .
وإنما كان الحس هو النور الأحمر، لأنه أدرك النفس المنصورة في صورة الدم فلها اللون الأحمر، لأنه أحب الألوان للنساء والنفوس نساء العقول لأنها مخلوقة منها كحواء من آدم. ولأن الحمرة أشهر الألوان ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المياسر الحمر. قال : دعوا هذه البراقات للنساء».
(المكتنفين)، أي المحاط بهم من جهة ربهم (خلف الحجب الظلمانية) التي هي عوالم الحس والشهادة ("إلا تبارا"[نوح: 8]، أي (هلاكا) واضمحلا لا بحيث يخرجون عن الحجب الظلمانية التي هي جميع المحسوسات ، والحجب النورانية التي هي جميع المعقولات.
ويدخلون في حقيقة سيئاتهم الهالكة إلا وجه الحق (فلا يعرفون نفوسهم) المحاط بها المحجوبة بنظرها إليها (لشهودهم) بربهم (وجه الحق) سبحانه وتعالى (دونهم) حيث يتحققون بهلاكهم في وجوده تعالی فيزول عنهم كونهم أهل الغيب ويصيرون أهل الشهادة فينتقلون من مقام الإيمان إلى مقام الإحسان.
(و) مقامهم هذا (في) الورثة (المحمديين) أنزل على محمد في القرآن قوله تعالى: ("كل شيء") معقول أو محسوس (مالك)، أي فان ومضمحل (وإلا وجهه) [القصص: 88]، أي الحق جل وعلى بمعنی توجهه إلى كل شيء.
فإنه الموجود لا غير (والتبار) الواقع في آية نوح عليه السلام معناه (الهلاك) فهذه الآية نظير تلك الآية (ومن أراد) من المریدین (أن يقف)، أي يطلع ويشرف (على أسرار) حقيقة (نوح عليه السلام) .
وفيه إشارة إلى أن كلام الشيخ رضي الله عنه على معنى هذه الآية النوحية من حيث ما تعطيه أسرار حقيقة نوح عليه السلام في حق حقائق قومه ، لا من حيث ما يعطيه ظاهره في شأن ظواهر قومه.
فمن اعترض على الشيخ رضي الله عنه من أهل الظاهر فقط الذين هم طائفة الحشوية المتمسكون بالظاهر وحده وهم منكرون للباطن لجهلهم به وبمقداره، ظنوا أن كلام الشيخ من جهة ما يعطيه ظاهر نوح عليه السلام في ظواهر قومه وعموا عن قوله أسرار نوح عليه السلام، وعلم الأسرار هو علم البواطن لا الظواهر، وليس الشيخ رضي الله عنه يجحد الظواهر بل للظواهر أهل يتكلمون فيها، وليس السكوت عن الشيء جحودة له فلكل مجال رجال ولكل مقام مقال.
(فعليه بالترقي)، أي الصعود من نفسه إلى عقله ومن عقله إلى روحه (في فلك يوحالذي هو اسم الشمس وهي هذا الكوكب النهاري المعلوم في عالم الأجسام هي الروح الكلية المنبعثة عنها جميع الأرواح الجزئية في عالم العقول.
فالعقول للأرواح الجزئية كالأجسام للنفوس الجمادية والنباتية والحيوانية، والإنسانية في فلك يوح بالكشف عن مراتب الخلقة البشرية والفطرة الإنسانية.
فإنها درجات بعضها فوق بعض للمترقي، دركات بعضها تحت بعض للهلاك الشقي كما قال تعالى فيه ظلمات بعضها فوق بعض، فإن الفريقين من فريق في الجنة وفريق في السعير كما قال تعالى: "قل كل من عند الله" [النساء: 78] ولكن فريق الجنة رجعوا إليه بعد هبوطهم منه، فصعدوا إليه، فكانت أطوارهم درجاته .
كما قال: "رفيع الدرجات ذو العرش" [غافر : 15]، لأنه منتهى الدرجات العرش، وهو سقف الجنة ، وعندها سدرة المنتهى التي قال تعالى : "عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى" [النجم: 14 - 15].
وفريق السعير استمروا هابطين منه ناظرين إلى أنفسهم غير راجعين إليه ولا مقبلين عليه، فكانت أطوارهم دراکاتهم.
فكما أن درجات الجنة سبعة، دركات النار سبعة، وفي الجنة درجة ثامنة ليست للنار، وهي الغيب المطلق والنور المحقق والوسيلة العظمى التي لا تنبغي إلا لرجل واحد، قال رسول الله : «وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل» ، فإنها مخصوصة بالمقام المحمدي، والإرث الذاتي العلي ومعلوم أن الشمس في السماء الرابعة، وكذلك الروح في الدرجة الرابعة بعد درجة الجسم ودرجة النفس ودرجة العقل في الصاعد وهي دركات في الهابط، فمن قطع هذه الدرجات الثلاث ووصل إلى الدرجة الرابعة عرف أسرار نوح عليه السلام،
ووقف على حقيقته التي أخذ منها الشيخ رضي الله عنه كلامه في هذه الآية، وعلامة المترقي في كل درجة من هذه الدرجات الثمانية أن يرى ذاته عين تلك الدرجة ، فالواقف في درجة الجسم يرى ذاته جسما، ولا يسمى الجسم درجة إلا إذا كان صاحبه متوجهة منه إلى الأعلى وإن كان متوجها إلى الأسفل، فالجسم دركة لا درجه وهكذا ما فوقه من الدرجات في الصعود والدركات في الهبوط.
(وهو)، أي الترقي في فلك يوح مذكور على الوجه البيان الأتم (في) کتاب (التنزلات الموصلية) المنسوبة إلى بلاد الموصل، لأن الشيخ رضي الله عنه صنفها فيها (لنا)، أي من جملة تصانيفنا هذا الكتاب وهو كتاب عظيم المقدار جعله الشيخ رضي الله عنه على خمسة وخمسين بابا في أسرار علوم وحقائق وفهوم، ذكر هذا الترقي فيه بما يطول شرحه في الباب السادس والأربعين منه، والله الهادي لا سواه.
تم فص الحكمة النوحية

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره».
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام. )
بقوله رضي الله عنه : ("ربي أغفر لي" أي استر لي واستر من أجلي) ولو كان المراد لنفسه لما دعا لنفسه بمثل ما دعا عليهم عطف تفسير لقوله :
استر لي أي استر ذاتي من أجلي بأنوار ذائك حتى تهلك فيك أبدأ كما يهلك القوم فيك أبدأ بدعائي عليهم .
فدعا كلهم بالستر لئلا يضلوا عباده ودعا لنفسه بالستر كي يجهل قدره لأن مجهول القدر من أجل علو المرتبة (فيجهل مقامي وقدري) بحيث لا يطلع أحد غيرك على مقامي ولا يصل إليه (كما جهل قدرك في قولك "وما قدروا الله حق قدره") [الأنعام: 91] .
فدعا لنفسه من الله تعالی مقاما مختصا لله حثی اتحد معه فيه بحيث لا يسعه غيره وذلك من علو همنه لنفسه ("ولوالدي" من کنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة ولمن دخل بيتي أي قلبي) وهو القوي الروحانية .
قال رضي الله عنه : (مؤمنا أي مصدقا بما يكون فيه) أي في القلب (من الإخبارات الإلهية وهو) أي ما يحصل في القلب (ما حدثت) أي أخبرت به (أنفسها) أي أنفي النفوس وتأنيث الضمير باعتبار النفوس (وللمؤمنين من المعقول والمؤمنات من النفوس "ولا تزيد الظالمين) [نوح: 74] . مأخوذا ( من الظلمات أهل الغيب) عطف بيان للظالمين (المكتشفين خلف الحجب الظلمانية "إلا تبارا") أي هلاكا فيك .
فإذا هلكوا (فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم) أي من دون أنفسهم وما أشار إليه نوح عليه السلام في دعائه بالتبار (جاء في المحمديين في كل شيء هالك إلا وجهه [القصص: ۸۸]. و التبار الهلاك) .
فالظالمين ههنا غير ما ذكر في الأول، وهذا أعلى من الأول لذلك دعا في حق الأول بزيادة الحيرة بقوله :"إلا ضللا " أي حيرة فهم المتحيرون والحيرة من بقاء الوجود.
في الثاني بزيادة الهلاك بقوله : "إلا تبارا" فهم الهالكون المتخلصون عن قيد الحيرة إذ لا وجود لهم بسبب هلاكهم في الله .
فهم أعلى من الأول في مقام الفناء وإن كان الأول أعرف في مقام العرفان (ومن أراد أن يقف بتمامه على أسرار نوح عليه السلام فعليه بالترقي في فلك نوح) وهي الشمس .
(وهو) أي الوقوف على أسرار نوح عليه السلام أو فلك نوح مذكور (في النزلات الموصلية لنا) فإن ما ذكرته من أسراره ثم لم يذكر ههنا.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره».
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام. )
" رب اغفر لي" أي استرني واستر من أجلى فيجهل مقامی وقدری کما جهل قدرك
في قولك: "وما قدروا الله حق قدره" (الأنعام: 91 " ولوالدي" من کنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة.
"ولمن دخل بيتي" أي قلبي " مؤمنا" مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية وهو ما حدثت به أنفسها. وللمؤمنين من العقول "والمؤمنات" من النفوس.
ولا تريد الظالمين من الظلمات أهل الغيب المكتنفین خلف الحجب الظلمانية.
إلا "تبارا" (نوح: 28) أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم. وفي المحمديين. وكل شيء هالك إلا وجهه (القصص: 88) والتبار الهلاك.
ومن أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالترقي في فلك يوح، وهو في التنزلات الموصلية لنا والله يقول الحق.
ثم شرع في معنى قوله تعالى: "رب اغفر لی" (نوح: 28) ففسره بمعنی استرني، لأن الغفر هو الستر وفسر الوالدين بالعقل والطبيعة، أما العقل فللأسماء الإلهية، وأما الطبيعة فلعالم جسمه، ومجموعهما هو والده، وفسر البيت بالقلب، وفسر المؤمن بالمصدق وهو على وفق اللغة، وخص المؤمنين بالعقول لأنها أعلى والمؤمنات بالنفوس لأنها دونها والعقل فاعل في النفس فهو الذكر وهي الأنثى کنسبة القلم الأعلى من اللوح المحفوظ.
وأردف ذلك ببيان حال الظالمين، واشتق أسمائهم من الظلمات، وفسر حالهم بأنهم حجبوا بالحق عن ادراك نفوسهم، فهو هلاك لهم لأنهم لا يعرفون نفوسهم.
واستدل بحال بعض المحمديين في نزول الآية فيهم مخبرة لهم أنه "كل شيء هالك إلا وجهه" (القصص: 88) .
والهالك: المعدوم، والمستثنى من العدم يكون موجودا، فالموجود هو وجهه الكريم وقال: "إن في فلك يوحوهي الشمس أسرار نوح وفلك يوح هو السماء الرابعة والله الهادي.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره». «و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي.
«مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام)
قال رضي الله عنه : « " رَبِّ اغْفِرْ لِي " أي استر لي واستر من أجلي فيجهل مقامي وقدري ، كما جهل قدرك في قولك : " وَما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه ِ ". " وَلِوالِدَيَّ " : من كنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة .
" وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ " أي قلبي . " مُؤْمِناً " أي مصدّقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهيّة وهو ما حدّثت به أنفسهم " وَلِلْمُؤْمِنِينَ  " من العقول " وَالْمُؤْمِناتِ " من النفوس ".
يعني رضي الله عنه : أنّ النفوس الجزوية البشرية نتائج العقول والنفوس العلوية ، والأمّهات الطبيعية السفلية ، فاستر حقائق القوى الطبيعية وحقائق القوى الروحانية في أحدية جمع قلبي الداخلة تحت حيطته مؤمنا مصدّقا بما ورد عليّ من أسرار الجمع ، وأنوار الخير والنفع ، ممّا يحدث في من الوحي والإلهام ، وتحدّثني بذلك في مناجاة التعليم والإعلام ، وللمؤمنين من القوى العقلية والروحية ، والمؤمنات من القوى النفسانيّة .
قال رضي الله عنه : وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانيّة " إِلَّا تَباراً " أي هلاكا ، فلا تعرفون نفوسهم بشهودهم وجه الحق دونهم ".
يعني رضي الله عنه : إذا غرقوا في طوفان نورك الموّاج ، مستغرقا بهياجه لنار الفرق الهيّاج ، فاضمحلَّت معرفتهم بغيريّاتهم ، ودعاويهم في طواغيت صنميّاتهم ، وحجابيّات عرفهم وعاداتهم ومعتقداتهم ، فعادوا غيّبا خلف حجب عزّ عينك كما كانوا في مظهريّاتهم.
قال رضي الله عنه : « في المحمّديّين كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه ُ " . والتبار :الهلاك.
يعني رضي الله عنه : في المشرب المحمدي شهود كلَّي لاضمحلال كل شيء في عين الحق ، ووجه كل شيء حقيقته وحقيقته عينه الثابتة ، فهي وجه الحق الذي ظهر به وفيه وله ، وهو الباقي منه في قوله : " وَيَبْقى وَجْه ُ رَبِّكَ " ، وتبور الحجب والستور ، ويبقى وجه نور النور ، وإلى الله عاقبة الأمور .
قال رضي الله عنه « ومن أراد أن يقف على أسرار نوح عليه السّلام فعلية بالرّقيّ في فلك يوح وهو في "التنزّلات الموصليّة"  "لنا" .
يعني رضي الله عنه : أنّ أكثر أسرار ما يتعلَّق بكلمة نوح عليه السّلام من الحكمة والمشاهد الغريبة لمن يعرج بروحه إلى فلك الشمس ، فإنّ طوفان انفهاق النور ، من تنّور عينها يفور .
وقد ذكر رضي الله عنه أكثر أسرار مقام نوح في كتاب « التنزّلات الموصليّة » وهو كتاب جليل القدر ، فلتطلب الأسرار النوحيّة منه إنشاء الله تعالى.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره».
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا.)
قال رضي الله عنه : " رَبِّ اغْفِرْ لِي " أي استرني واستر من أجلى ، فيجهل مقامى وقدرى كما جهل قدر الله في قولك " وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه " أي استر بنور ذاتك أنانيتى .
واستر بنور صفاتك رسومى وآثارى ، وقوى نفسى وطيعتى لأجلي ، أي خلصني من التلوين بظهورها لأكون محوا بكليتى فيك ، فأينا مجهول القدر كما وصفت ذاتك.
قال رضي الله عنه :  ( ووالدى من كنت نتيجة عنهما وهي العقل والطبيعة ) أراد بالعقل والطبيعة الروح والنفس ، أو ردهما على اصطلاح الحكماء.
وأراد بالنتيجة القلب الحاصل منهما ، فإن الحقيقة الإنسانية المعبر عنها بأنا وسرها من حملة السر لأجله ، حتى لا يبقى منه أصل واسم ورسم فلا ينعت فلا يعرف ( " ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ " أي قلبى " مُؤْمِناً " مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية وهو ما حدثت به أنفسهم ) ولما استجيب دعاؤه بالفناء باللَّه أقام أنية الله مقام أنانيته ، وكان بيته قلبه لقوله عليه الصلاة والسلام «قلب المؤمن بيت الله » .
وقوله حاكيا عن ربه « لا يسعني أرضى ولا سمائى ويسعني قلب عبدى المؤمن » ومن حق التجلي الإلهي أن يفنى ما تجلى له فلم يبق إلا هو ، فكان أحاديث قلبه إخبارات إلهية وكان من دخله مصدقا بها عارفا واصلا مثله ، فيلزم أن تكون أحاديث أنفسهم من تلك الإخبارات الإلهية .
لأن القلب ومن دخله في مقام الفناء في عين أحدية الجمع.
فكل ما هجس ببال منهم كان إخبارا إلهيا ، وضمير الجمع وصيغته في أنفسهم لمن دخل محمول على المعنى ، وفي بعض النسخ : أنفسها على تأويل النفوس والأعيان ( وللمؤمنين من العقول والمؤمنات من النفوس ) ظاهر  (ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ " من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية ) أول الظالمين بذوى الظلمات من قوله عليه الصلاة والسلام « الظلم ظلمات يوم القيامة » وفسرهم بأهل الغيب بحسب ما عليه من الحال والاستغراق في الغيب .
وقوله أهل الغيب بيان لهم ، المكتنفين أي المتخذين أكنافهم والمتوطنين خلف الحجب الظلمانية وراء الأستار الحجابية والأطوار الجسمانية الظلمانية ، المحتجبين في حظائر القدس عن أعين الناظرين ( " إِلَّا تَباراً " أي إلا هلاكا ) في الحق ( فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم ) .
قوله ( في المحمديين " كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه " والتبار : الهلاك ) يجوز أن يكون صفة للظالمين : أي الظالمين الكائنين ، أو حالا أي كائنين في المحمديين والمراد ظالمو أمة محمد عليه الصلاة والسلام من المصطفين .
أو صفة لهلاكا أي هلاكا واقعا في المحمديين أو في زمرتهم ، او متعلقا لشهودهم أي لشهودهم وجه الحق ، وقوله " كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه " بيان لمشرب المحمديين أي فيهم شهود كلى باضمحلال الرسوم وفناء كل شيء عند طلوع الوجه الباقي المحرق سبحانه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
ويجوز أن يكون قوله في المحمديين منقطعا عما قبله ، على أن الكلام مبتدأ في المحمديين خبره أي فيهم هذا الشهود ، والوجه هو الذات الموجودة مع لوازمها ، ووجه الحق هو عين الوجود الأحدى الجمعى أي المطلق ( ومن أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالترقى في فلك نوح ، وهو في التنزلات الموصلية لنا ) أكثر أسرار الكلمة النوحية من الحكم والمعارف والمشاهدات لا تنكشف.
إلا لمن يترقى بروحه إلى فلك الشمس ، ونوح اسم الشمس لأنه المكان العلى الذي هو منشأ القطب ومبدأ تنزله ، ومن نور روحانيتها إمداده ، والتنزلات الموصلية كتاب من تصانيفه رفيع القدر ، ذكر فيه الأسرار النوحية والتنزلات الروحية لسائر الأنبياء والأولياء .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره». «و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام. )
يقول الشيخ رضي الله عنه : ("رب اغفر لي" أي، استرني) أي، أستر ذاتي. (واستر من أجلى). أي، أستر صفاتي وكمالاتي من أجلى ليكون ذخيرة للآخرة.
(فيجهل مقامي و قدري) على البناء للمفعول. أي، أستر كمالاتي لئلا يطلع الخلق على مقامي و قدري عندك فيحسدونني ويهلكوني كما (جهل قدرك في قولك :و"ما قدروا الله حق قدره".) ولما كان هذا أيضا مقاما من المقامات الإلهية، طلب الاتصاف به أيضا للمضاهات بينه وبين الحق.
("ولوالدي" من كنت نتيجة عنهما، وهما العقل والطبيعة). وإنما فسر الوالدين بالعقل والطبيعة، لأنهما مظهرا حقيقة آدم وحواء في العالم الروحاني. ولكون العقل فعالا والطبيعة منفعلة، خص العقل بالأبوةوالطبيعة بالأمومة.
والمراد بالعقل ها هنا، هو الروح، كما هو اصطلاح أهل التصوف، لا القوة النظرية والمفكرة، وبالطبيعة، النفس المنطبعة، ونتيجتها القلب.
يقول الشيخ رضي الله عنه : ("ولمن دخل بيتي" أي قلبي). حين فنى عن نفسه وهواه. وجعل (القلب) مستقر الحق ومأواه. ("مؤمنا" أي، مصدقا بما يكون فيه) أي، بما يحصل في القلب.
(من الإخبارات الإلهية) إنما جعل الواردات القلبية والإلهامات الروحية (إخبارات إلهية)، لأن القلب والروح مطهر عن الأجارس البدنية ومقدس من الكدورات الجسمانية، وكلما يرد عليهما مطابق لما هو الأمر عليه في نفسه، فهو رباني.
لذلك قيل: إن الخواطر الأول كلها ربانية حقية، وإنما يتطرق إليها منتعملات النفس وتصرفاتها أمور تخرجها عن الصواب، فتصير أحاديث نفسانية ووساوس شيطانية.
(وهو) أي، ما يكون وما يحصل فيه من الإخبارات الإلهية. (ما حدثت به أنفسها.)
(أنفسها) فاعل (حدثت). وفي بعض النسخ: (أنفسهم.)
والضمير للمذكرين في الآية أنثه باعتبار (النفوس). فهو تعريف ما للخبر الإلهي الذي لا يكون بواسطة الملك.
ولا ينبغي أن يتوهم أن كل ما يحصل في النفوس هوكذلك، بل هذا المقام لمن تطهر من الأدناس نفسه، وأجاد وأسلم شيطانه وانقاد، ولا يوسوس الخناس في صدره وعرف جميع مكائد نفسه، فإذا خطر في قلبه خاطر أولا، يكون ذلك حديثا ربانيا، والحق ناطقا بلسانه، كما نطق بلسان غيره.
("وللمؤمنين" من العقول "والمؤمنات" من النفوس).
وإنما فسر (المؤمنين) بالعقول، أي المجردات، لأن نفوسهم فعالة في نفوس غيرهم مؤثرة بالهمة فيها،بل في العالم على قدر قربهم ونصيبهم من الاسم (القادر) وكمالهم من الله، كالعقول.
و (المؤمنات) بالنفوس، أي المنطبعة المطمئنة، إذا (النفس) في اصطلاح هذه الطائفة لا يطلق إلا بها، لا بالناطقة المجردة، كاصطلاح الحكماء، لأنها هي المنفعلة عن الروح أولا، ثم بواسطتها ينفعل الطبيعة الجسمية والبدن.
("ولا تزد الظالمين") أي، المستترين بالغواشي التي توجب الظلمات، لذلك قال: (من الظلمات) أي، مأخوذة من الظلمات.
كما قال عليه السلام: (الظلم ظلمات يوم القيامة). (أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية) منصوب على أنه عطف بيان (الظالمين). والمراد منه العارفون بالغيب وإن كانوا ظاهرين بالحجب الظلمانية التي يسترهم كالملامية. وهؤلاء هم الذين جاء في حقهم: (أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري) ("إلا تبارا" أي، هلاكا) أي، هلاكا فيك.
(فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم). أي، إذا هلكوا فيك، فلا يعرفون نفوسهم ولا يشعرون بذواتهم ولا يظهرون بإنياتهم، لشهودهم وجه الحق الباقي أبدا دون أنفسهم، لئلا يحتجبوا بها عن الحق.
(في المحمديين:"كل شئ هالك إلا وجهه" وذاته. و "التبار" الهلاك.)
أي، كما جاء في حق المحمديين وفي كتابهم: (كل شئ هالك إلا وجهه). و ذاته، و التبار الهلاك، فطلب نوح، عليه السلام، الهلاك فيه بقوله: (ولا تزد الظالمين إلا تبارا.)
(ومن أراد أن يقف على أسرار نوح، فعليه بالترقي في فلك يوح). (يوح)، بالياء والواو الساكنة والحاء، هي (الشمس).
وإنما أحال الطالب السالك بالترقي إلى فلك الشمس. لأن الغالب على أملاك فلكها التنزيه. و روحانية فلك الشمس قلب عالم الأرواح المنزهة، فحصلت المناسبة بينهما.
(وهو في التنزلات الموصلية لنا، والسلام). أي، الوقوف عليها وبيانها مذكور في كتاب التنزلات الموصلية. فإنه بين هناك وجه المناسبة بينهما، وكشف بعض أسراره الذي لم يذكره هاهنا. والله أعلم بالصواب.ٍ
.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 16:09 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 14:58 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة العشرين الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة العشرين : الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره». «و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي.
«مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية.
«إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام. )
قال رضي الله عنه : («رب اغفر لي» أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري ومقامي كما جهل قدرك في قولك: «وما قدروا الله حق قدره». «ولوالدي»: من كنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة. «ولمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية وهو ما حدثت به أنفسها. «وللمؤمنين» من العقول «والمؤمنات» من النفوس. «ولا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» والتبار الهلاك. ومن أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، وهو في التنزلات الموصلية لنا والسلام . )
. وفي كل شيء آية تدل عليك , على ما أشرت إليه (في قولك: "وما قدروا الله حق قدره" [الأنعام: 19]).
أي: ما عرفوه حق معرفته، واغفر ("ولوالدى" [نوح: 28]).
ولما كان قصد الشيخ رضي الله عنه  بیان غير المفهوم الأول فسره بقوله (من كنت نتيجة عنهما وهما العقل) المنتج لروحانيتي، (والطبيعة) المنتجة لجسمانیتي طلب لهما الستر بغاية ظهورهما في تصرفاتهما. واغفر ("لمن دخل بيتي" [نوح: 28]).  
ولما كان قصده أيضا بیان غير المفهوم الأول فسره بقوله (أي: قلبي) والداخل فيه النفس الحيوانية طلب لها الستر عن إمارتها؛ بأن تصير مطمئنة متنورة بنور القلب.
ولذلك قال رضي الله عنه : ("مؤمنا" [نوح:28]. أي: مصدقا بما يكون فيه) أي: في القلب (من الإخبارات الإلهية وهو) أي: ما يكون فيه من الإخبارات الإلهية (ما حدثت) القلوب (به أنفسها)، وفي نسخة أنفسهم , بما أخذته القلوب عن الأرواح عن الله تعالى، واغفر ("للمؤمنين" [نوح: 28]). ، من العقول "والمؤمنات" [نوح: 28]، من النفوس).
بغاية الظهور لها في تصرفاتها، وهذا كله بطريق الإشارة ثم طلب لمن يستر أحواله ومقاماته عن الخلق مزيد الستر بطريق الإشارة في ضمن دعائه على الطغاة فقال: ("ولا تزد الظالمين") [نوح: 28]، أي: الجاعلين أنفسهم في حجاب عن الخلق أخذ الظالم بطريق الإشارة (من الظلمات).
ولما أوهم أنهم أهل الحجب الظلمانية فسره بقوله: (أهل الغيب) أي: الغائبين عن نظر العامة لقصور نظرهم عن إدراكهم .
(المكتنفين خلف الحجب الظلمانية)، التي للخلق، فلا يبصرونهم دعا في شأنهم ألا يزيدهم ("إلا تبارا"  [نوح:28] أي: هلاگا). في ذاته  بحصول الفناء لهم حتى يقطعوا الالتفات إلى نظر الخلق، فلا يشتغلوا بالاستتار عنهم؛ لأن ذلك عن بقاء نفوسهم، فإذا فنوا في الله (فلا يعرفون نفوسهم)، فكيف يطلبون ستر أحوالها ومقاماتها عن نظر العامة (لشهودهم وجه الحق دونهم).
ثم أشار إلى أن هذا التبار مشيرا إلى الفناء كالهلاك (في) كتاب (المحمديين) في قوله تعالى: ("كل شيء هالك إلا وجهه " [القصص: 88]) .، وكيف لا؟
(والتبار: الهلاك) فقد عرفت بما ذكرنا أن هذه المعاني بطريق الإشارة بحيث لا تنافي المفهومات الأول فإنها لو أديت بطريق العبارة فليس فيها إنكار المفهومات الأول لهذه العبارات كفعل أهل الظاهر من الصوفية.
وفعل الباطنية من الشيعة قال ذلك: إنما كان إلحادا وكفرا لإنكار المفهومات الأول لهذه العبارات؛ وإلا فلا شك أن للقرآن ظاهرا وباطنا، وحدا ومطلعا، كما نطق به الحديث: «إن للقرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا» أخرجه ابن حبان في صحيحه.
قال رضي الله عنه : (ومن أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالترقي في فلك نوح) أي: الشمس تحصيل المعارف المتعلقة بروحانيته الغالب عليها التنزيه کروحانية نوح؛ فهي متعلقة بها (وهو) أي: بيان ذلك الترقي مذكور (في) کتاب ("التنزلات الموصلية" لنا) .
ولما فرغ عن الحكمة السبوحية المنزهة عن النقائص الإمكانية شرع في الحكمة القدوسية المنزهة عما يعد كمالات في الممکنات، وليست بکمالات على الإطلاق.




شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره». «و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام. )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( " رَبِّ اغْفِرْ لِي " أي استرني ) على أن يكون اللام صلة ( واستر من أجلي ) على أن يكون لام الأجل .
ومن جملة تلك الأحكام ما قال نوح دعاء له ولقومه مفصّلا. وإنّما جمعهما لأنّ مؤدّاهما واحد ، وهو ستر حقيقته وحقيقة الكلّ من الذين في حيطة دعوته بأحكام تعيّناتها ، حتّى يتمّ الأمر الذي يترتّب عليه المراد ، على ما هو مقتضى منصب النبوّة والرسالة من وضع الصور وتربيته الحقائق في ضمنها ، سيّما ما اختصّ به الكلمة النوحيّة ، فإنّها مؤسس هذا البنيان وممهّد قواعده.
وذلك لأنّ الحقائق لو لم تكن مختفية بصورها ، متلبّسة بأحكامها الساترة بل كانت ظاهرة للكل  لم ينتظم أمر الوجود ، لعدم التفاضل حينئذ ، فلا ينقاد المأمور للآمر ، ولا المألوه للإله ، وإليه أشار الشيخ رضي الله عنه بقوله : ( فيجهل قدري ومقامي ، كما جهل قدرك ) ومقامك ( في قولك : " وَما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه " ) [ 6 / 91 ] .
قال الشيخ رضي الله عنه : ("وَلِوالِدَيَّ " من كنت نتيجة عنهما ، وهما العقل ) المجرّد الذي له التأثير ( والطبيعة ) القابلة المتأثرة عنه دائما ، والطبيعة هاهنا مستعملة على العرف المتعارف .
قال الشيخ رضي الله عنه : (" وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ " أي قلبي ، " مُؤْمِناً " ، أي مصدّقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهيّة ، وهو ما حدّثت به أنفسهم) وفيه تنبيه على أنّ من انتسب إلى أحد من الكمّل واستحكم رقائق الانتساب بروابط المحبّة التي هي الطريق إلى مستفاض الاتّحاد ، ودخل بها قلبه وأخذ منه مكانا لنفسه ، فكلّ ما حدّثت به نفسه هو من الإخبارات الإلهيّة الواردة عليه ، وذلك لظهور سلطان الاتحاد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( "وَلِلْمُؤْمِنِينَ " من العقول ) المنتسبة إلى المواد ("وَالْمُؤْمِناتِ"من النفوس ) المنطبعة فيها .
("وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ" ) يعني المستهلكين في غياهب غيب الهويّة التي لا تميّز فيها أصلا ، (من الظلمات : أهل الغيب ، المكتنفين خلف الحجب الظلمانيّة ) يعني وراء أحكام البطون ومقتضيات غيب الذات ، فإنّهم يعبّرون عن تلك الأحكام بالظلمة ، كما قال الشيخ في اصطلاحاته: " يسمّى العلم بالذات ظلمة " .
(" إِلَّا تَباراً " [ 71 / 28 ] أي هلاكا ، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحقّ ) ومحيا إطلاقه الذي الكلّ فيه عينه ، لا تحيّر فيه أصلا (دونهم).
وما يدلّ على هذه الحكمة ( في المحمّديين ) بأجمع كلمة : (" كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه ُ") [ 28 / 188 ] .
( ومن أراد أن يقف على أسرار نوح ) وتفاصيل حكمه ( فعليه بالرقي في فلك نوح ) يعني فلك الشمس ( وهو في التنزّلات الموصليّة لنا - والسّلام ) .
فإنّه قال فيها :
« اعلم أنّ فلك الولاية هو الفلك الأعظم المحيط الأتمّ العقلي
وفلك النبوّة هو الفلك الأتمّ النفسي ،
وفلك الرسالة هو الفلك القريب الهيولاني ،
وفلك الجهل هو فلك الزحل ،
وفلك العلم هو الفلك المشتري ،
وفلك الشك هو الفلك المرّيخي ،
وفلك النظر هو الفلك الشمسي ،
وفلك الظنّ هو الفلك الزهري ،
وفلك التقليد هو الفلك العطاردي ،
وفلك الايمان هو الفلك القمري " .
وقال في موضع آخر منها: « لمّا طلب عقلي الرئاسة على العقول والتقديم قرع بهمّته باب القديم ، فنزل إليه الروح ، ملتفّا في بردة يوح » إلى هنا كلامه .
وتحقيق ذلك أنّ النظر العقليّ موطن التمييز الذي هو عبارة عن ستره الأعيان بصورها الخاصة الظاهرة بها عند المدارك ، المخفية إيّاها في المشاهد ، كما أن الشمس هي المظهرة للمحسوسات بصورها الكونيّة ، المخفية للأعيان بصورها الوجوديّة ، ولما كان لنوح نوع اختصاص بهذا الموطن الإظهاري النظري قال : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً " [ 71 / 28 ] حسبما مرّ من التأويل   .
وذلك لأنّ النظر العقليّ وإن كان موطن الحصر والتنزّل ، ولكن إذا ايّد بالقوّة القدسيّة السماويّة التي للأنبياء صار بجمعيّته للطرفين معدن الكمالات الحقيقيّة .
وفي طيّ عبارته من جمعيّة الترقّي والتنزّل إشارة إليه - فلا تغفل .
ثمّ هاهنا تلويح حرفيّ لا يبعد ذلك من قصد الشيخ في هذا التعبير ، وهو أن التركيب من الواو والحاء الذي هو صورة الوجه الباقي وفيه لسان الوحي الذي منه وصول الأنبياء إلى بساط الاستكمال والتكميل .
قد ابتني ذلك في الكلمة النوحيّة ، على ما هو أقصى نهاية التنزلات العشريّة الشعوريّة ، كما أنّه في « يوح » قد ابتنى على مبدأ تلك المرتبة .
وأمّا في « الروح » فقد ابتني على ما ترقى مرتبة أخرى في أمر الإظهار ، وهي المترتّبة على القدرة والاختيار ، كما لا يخفى على الواقف بالأصول الإحصائيّة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («رب اغفر لي» أي استرني و استر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره». «ولوالدي»: من كنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة. «ولمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية وهو ما حدثت به أنفسها. «وللمؤمنين» من العقول «والمؤمنات» من النفوس. «ولا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية.
«إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» والتبار الهلاك. ومن أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا.)
قال رضي الله عنه : («رب اغفر لي» أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره». «و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي. «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. )
("رب أغفر لي" ، أي استرني) على أن تكون اللام لتكميل معنى الفعل، أي أستر ذاتي وما يتبعها من صفاتي وأفعالي في ذاتك وصفاتك وأفعالك (واستر من أجلي)، على أن تكون اللام للتعليل وإنما عطف بالواو وتنبيها على ما سبق من أن مفهوم أحل الخصوص مما نطقت به ألسنة الشرائع كل ما يفهم من وجوه اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان فكلا المعنيين مراد معا.
أي جعل ذلك الستر المطلوب لي لا على بأن يكون الاتصاف به سبب للمضاهاة بيني وبينك وسيلة للغرب لا للبعد (فبجهل مقامی وتدري) عند الخلق فلا يطلع أحد عليه (كما جهل قدرك) عندهم .
كما ذكرته (في قولك : "وما قدروا الله تم قدره" . "ولوالدي") ، أي (من کنت نتيجة عنهما وهما العقل) يعني الروح المجرد (والطبيعة) يعني النفس المنطبعة ونتيجتهما القلب الحاصل عنهما ، وإنما قال : من کنت نتيجة عنهما فإن الحقيقة الإنسانية هي القلب لا غير .
("ولمن دخل بيتي" ، أي قلبي) بل مقام فلبي هو الفناء في الله والبقاء به (مؤمنا أي مصدقا بما يكون فيه) بل في مقامه (من الإخبارات الإلهية وهو)، أي الإخبار الإلهي (ما حدثت به أنفسهم)، أي أنفس الداخلين في مقام القلب، فإن أحادیث
نفوس أرباب القلوب لا تكون إلا حقانية إلهية سواء كانت بواسطة ملك أو بغير واسطة ولا تشوشهم الهواجس النفسانية والوساوس الشيطانية.
وفي بعض النسخ نفسها، والظاهر أن التأنيث حينئذ إنما هو حكاية لما صح في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل"و "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست، أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم" صحيح البخاري.
" فالمعنى أن الأخبار الإلهي ما يفهم من قوله عليه السلام: «: إن الله تجاوز عن أمتي "ما حدثت به أنفسها" ما لم تعمل أو تتكلم ".
قال رضي الله عنه : («و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس. «و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية. «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا وجهه» و التبار الهلاك. و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا والسلام.)
فالحديث المذكور : ("والمؤمنين" من العقول) المجردة، أي الأرواح لأن من شأنهم التأثير فلهم مرتبة المذكورة ("والمؤمنات" من النفوس) المنطبعة لأن من شأنهم التأثير فلهم مرتبة الأنوثة ("ولا تزد الظالمين") مأخوذا (من الظلمات) كما قال صلى الله عليه وسلم : "الظلم ظلمات يوم القيامة" (أهل الغيب) منصوب على أنه عطف بيان للظالمين (المكتنفين) أي المستترين مع كمال نورانيتهم (خلف الحجب الظلمانية) و وراء الأستار الجسمانية ("إلا تبارا" أي هلاكا) [نوح : 28] بالفناء فيك (فلا يعرفون) بواسطة هذا الهلاك (نفوسهم) ولا يشعرون بذواتهم (لشهودهم وجه الحق) الباقي أزلا وأبدا (دونهم)، أي دون أنفسهم فلا يحتجبون بها عن الحق تعالی .
(و) جاء (في المحمديين) قوله تعالى : ("كل شيء هالك إلا وجهه"  و التبار : الهلاك) [القصص: 88] .
فما جاء في النوحيين موافق لما جاء في المحمديين (ومن أراد أن يقف على أسرار نوح) عليه السلام وحكمته المنطوية في كلمته (فعليه بالرقاء في فلك يوح وهو)، أي بيان أكثر أسرار نوح ووجه توقف انکشافها على الرقي في فلك يوح مذكور (في كتاب التنزلات الموصلية لنا).
قال بعض الشارحين : هو کتاب جليل القدر فلتطلب الأسرار النوحية منه والسلام علی من اتبع الهدی واجتنب عن أن يتطرق إليه الضلالة والردي.
إذا ظهر عليه الحق فيما سمع وأقبل عليه بالقبول والإذعان والأسرار إلى بقعة الإمكان.
انتهي الفص النوحي
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 15:19 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 15:00 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الحادية والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الحادية والعشرون :
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
03 -  نقش فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
قال رضي الله عنه : (التنزيه من المنزه تحديد للمنزه، إذ قد ميزه عما لا يقبل التنزيه . فالإطلاق لمن يجب له هذا الوصف تقييد. فما ثمة إلا مقيد أعلاه بإطلاقه.)
03 -  فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
" السبوح" المسبح والمنزه عن كل نقص وآفة ، ك «القدوس بمعنى المقدس . ولما كان بعد المرتبة الإلهية والمبدئية عالم الأرواح، التي هي العقول المجردة ، ولهم تنزيه الحق سبحانه من النقائص الإمكانية - لأن جميع كمالاتهم بالفعل موجودة ، ونقصانهم إنما هو احتياجهم وإمكانهم بحسب وجوداتهم المتعينة وذواتهم المتقيدة؛ وكل منه إنما هو ينزه الحق عما فيه من النقص - أردف الحكمة النفثية بالحكمة السبوحية، ولما كان الغالب على نوح عليه السلام تنزية الحق سبحانه ، لكونه أول المرسلين .
ومن شأن الرسول أن يدعو أمته إلى الحق الواجب المنزه عن النقائص الإمكانية وينفي الإلهية عن كل ما وقع عليه اسم «الغيرية ؛ وإن كان يعلم أنه أيضا مجلي إلهي - وكان الغالب على قومه عبادة الأصنام، وهو ينزه عنها، قارن الحكمة السبوحية بالكلمة التوحية، ولما كانت الحكمة السبوحية عبارة عن علوم و معارف متعلقة بتنزيه الحق سبحانه، صدر النص المشتمل عليها بالبحث عن التنزيه .
فقال: (التنزيه) ، أي تنزيه الحق سبحانه، الصادر (من) العبد (المنزه) عن أمور بموجب استحسانه واستقباحه بفكرة العادي وعقله العرفي (تحديد) وتخصیص منه (للمنزه) الحق سبحانه بما عدا ما يثبت له تلك الأمور، (إذ قد میزه) أي العبد المنزه الحق المتره، (عما لا يقبل التنزيه) عن تلك الأمور، ولا تكون تلك الأمور منتفية عنه. ولا شك أن تمييزه عنه تحديد وتخصيص له بما سواه، فيكون التنزيه عين التحديد، وعلى قیاس ذلك.
(فالإطلاق) أيضا (لمن يجب له هذا الوصف)، أي الإطلاق، ويتقيد بها (تقييد) له بالإطلاق. (فما ثمة)، أي عند التقييد بالإطلاق، (إلا) إله (مقيد) بالإطلاق، (أعلاه) العبد المنزه (بإطلاقه) ، أي جعل رتبته فوق رتبة المقيدات بسبب تقييده له بالإطلاق.
ولم يتنبه أن ذلك أيضا تقیید مناف للإطلاق الحقيقي، إذ الإطلاق الحقيقي يشترط فيه أن يتعقل بمعنى أنه وصف سلبي، لا بمعنى أنه إطلاق ضده التقيد بل هو إطلاق عن الوحدة والكثرة المعلومتين وعن الحصر أيضا في الإطلاق والتقييد وفي الجمع بين كل ذلك أو التنزه عنه - فيصح في حقه كل ذلك حال تنزهه عن الجميع .
فنسبة كل ذلك إليه وغيره وسله عنه على السواء؛ ليس أحد الأمرين بأولى من الآخر.
وكما أن المنزه بالتنزيه العقلي ناقص المعرفة لكونه مقيدا للمطلق ومحددا لما لا حد له .
فكذلك المشبه من غير تنزيه غالط، لأن التشبيه تقييد وتحديد أيضا للمطلق الذي لا حد له يقيده ويحصره.
وذلك لأن المشبه يشبهه تعالى بالجسمائيات ويحصره فيها، والمنزه ينزه عنها كذلك.
فكل واحد منهما يقيده إذن بمفهومه ويحدده بمعلومه.
وحقيقته تعالی تقتضي الإطلاق واللاحصر .
لا تقل دارها بشرقي نجد        ….. كل نجد للعامرية دار
ولها منزل على كل ماء       ……. وعلی کل دمنة آثار
قال الشيخ رضي الله عنه :
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا     …… وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين کنت مسددا  …… وكنت إماما في المعارف سیدا
قال قدوة المحققين الشيخ صدر الدين قونيوي رضي الله عنه في كتاب "مفتاح الغيب" باعتبار مرتبة التنزيه: «كل ما يدرك في الأعيان ويشهد من الأكوان بأي وجه أدركه الإنسان وفي أي حضرة حصل الشهود , ما عدا الإدراك المتعلق بالمعاني المجردة والحقائق في حضرة عينها بطريق الكشف.
ولذلك قلت : «في الأعيان»، أي ما أدرك في مظهر ما، كان ما كان  فإنما ذلك المدرك ألوان وأضواء وسطوح مختلفة الكيفية ، متفاوتة الكمية ، أو أمثلتها تظهر في عالم المثال المتصل بنشأة الإنسان أو المنفصل عنه من وجه على نحو ما في الخارج أو ما مفرداته في الخارج.
وكثرة الجميع محسوسة، والأحدية فيها معقولة أو محدوسية.
وكل ذلك أحكام الوجود أو قل : "صور نسب علمه"، أو "صفات لازمة له من حيث اقترانه بكل عین موجود بست ظهوره فيها وبها ولها وبحسبها"، كيف شئت وأطلقت ليس هو الوجود، فإن الوجود واحد، ولا يدرك بسواه من حيث ما يغایره".
وقال في تفسير الفاتحة باعتبار مرتبة التشبيه : «كل ما يرى ويدرك بأي نوع كان من أنواع الإدراك، فهو حق ظاهر بحسب شأن من شؤونه القاضية بتنوعه وتمدده ظاهرة من حيث المدارك، التي هي أحكام تلك الشؤون.
مع كمال أحديته في نفسه ، أعني الأحدية التي هي منبع لكل وحدة وكثرة وبساطة وتركيب وظهور وبطون. فافهم".
قال رضي الله عنه : (واعلم أن الحق الذي طلب أن يعرفوه هو ما جاءت به ألسنة الشرائع في وصفه . فلا يتعداه عقل. وقبل ورود الشرائع ، فالعلم به سبحانه تنزيهه عن سمات الحدوث) .
(واعلم أن) الطريق (الحق الذي طلب) الله سبحانه بمثل قوله : «أحببت» أو "أردت أن أعرف، فخلقت الخلق"، (أن يعرفوه) به (هو ما جاءت به ألسنة الشرائع) المنزلة على الرسل صلوات الله عليهم أجمعين .
كما يشير إليه قوله، "وتعرفت إليهم"، أي بألسنة الشرائع، "فعرفوني"، أي على ما عرفتهم فيما تعرفت إليهم .
(في وصفه الجامع بين التنزيه والتشبيه ؛ لأنه تعالى نزه وشبه وجمع بينهما في آية واحدة ، فقال: «ليس كمثله شيء" [الشورى : 11]، فنزه، "وهو السميع البصير" [الشورى: 11]، فشبه.
وهو جمع بينهما، بل في نصف هذه الآية - "وهو قوله: "ليس كمثله شيء" [الشورى: 11] ۔
جمع بين التنزيه والتشبيه على قول من يقول : "إن الكاف غير زائدة"، فإن فيه نفي مماثلة الأشياء لمثله.
فمثله المنزه، وهو إثبات للمثل المنزه. وهو عين التشبيه في نفس التنزيه .
بمعنى أن المثل إذا نزه . فبالأولى أن يكون الحق منها عن كل ما ينه عنه مثله، لأن تنزيه المثل المثبت في هذه الآية موجب لتنزيهه بالأحرى والأحق.
وكذلك النصف الثاني : فإنه صريح في التشبيه ، ولكنه في التحقيق وتدقيق النظر الدقيق عين التنزيه الحقيقي في صورة التشبيه.
لأن قوله : "وهو السميع البصير" [الشورى : 11]، يفيد تخصيصه بإثبات السمعية والبصرية، بمعنى أنه لا سميع ولا بصير في الحقيقة إلا هو.
فهو السميع بعين سمع كل سميع والبصير بعين بصر کل بصير.
فهو تنزيهه تعالى عن أن يشاركه غيره في السمع والبصر ، وهو حقيقة تنزيه المحققين.
(فلا يتعداه)، أي لا يتجاوز ما جاءت به السنة الشرائع في وصفه تعالى، (عقل) منور و فهم کامل.
بل يؤمن به على الوجه الذي أراده الله من غير تأويل بفكره.
فتنزيهه الفكري يجب أن يكون مطابقا لما أنزله على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم وفي كتبه المنزلة عليهم؛ وإلا ، فهو منزه عن تنزيه العقول البشرية بأفكارها.
فإن العقول المتعينة في القوى المزاجية المقيدة الجزئية مفيدة جزئية كذلك بحسبها . وأني للمقيد الجزئي أن يدرك الحقائق المجردة المطلقة من حيث هي, كذلك إلا أن ينطلق عن قيودها، أو يتقيد المطلقات بحسب شهودها ووجودها؟
قد علم مما ذكر أن معرفة الحق سبحانه بعد ورود الشرائع و إرسال الرسل إنما هي بالجمع بين التنزيه والتشبيه على وجه يطابق ما جاءت به الشرائع .
وأما قبل ورود الشرائع وأخذ العلم والمعرفة منها، (فالعلم به سبحانه تنزيهه عن سمات الحدوث). والتركيب والافتقار .
قال رضي الله عنه : (فالعارف صاحب معرفتين: معرفة قبل ورود الشرائع ومعرفة تلقاها من الشارع. ولكن شرطها أن يرد علم ما جاءت به إلى الله سبحانه . فإن كشف له عن العلم بذلك، فذلك من باب العطاء الإلهي الذاتي، وقد تقدم في شيث.
وهو التنزيه المشهور عقلا، ولا يتجاوزه العقل بمقتضى فكره أصلا (فالعارف) حقيقة (صاحب معرفتين) :
إحديهما (معرفة) يقتضيها العقل والدليل (قبل ورود الشرائع) وأخذ العلم والمعرفة منها.
وثانيتهما (معرفة تلقاها) العارف وقبلها من قبل (الشارع).
(ولكن شرطها)، أي شرط المعرفة المأخوذة من الشارع، (أن يرد) العارف (علم ما جاءت) الشرائع (به) عن الدليل العقلي (إلى الله سبحانه) ويؤمن به وبكل ما جاءت به الشرائع على الوجه الذي أراده الله سبحانه ، من غير تأویل بفكره ولا تحكم على ذلك برأيه وأمره، لأن الشرائع إنما أنزلها الله سبحانه لعدم استقلال العقول البشرية بإدراك الحقائق على ما هي عليه في علم الله سبحانه .
(فإن كشف) الله سبحانه (له)، أي للعارف، (عن العلم بذلك)، أي بما جاءت به الشرائع، ووهبه علما بمراده من الأوضاع الشرعية ومنحه اطلاع على حكمه من الأحكام الدينية الأصلية والفرعية بالإخبارات الإلهية التي يحيلها العقل بقوته الفكرية.
(فذلك) الكشف والاطلاع (من باب العطاء الإلهي) والفيض الرحماني (الذاتي).
وقيد "الذاتي" لم يوجد في بعض النسخ. وقد تقدم بيان العطاء الإلهي وأقسامه في فص شيث عليه السلام؛ فمن أراد الوقوف عليه ، فليرجع إليه .
اعلم أن المعرفة الحاصلة للعقلاء توجب باتفاقهم وتقتضي بإجماعهم وإطباقهم تنزيه الحق سبحانه عن صفات المحدثات و الجسمانيات و سلب النقائص عن جنابه ونفى النعوت الكونية الحدوثية عنه. فالعقول مطبقة على ذلك.
ولو كان المراد الإلهي من معرفته هذا القدر، لكان بالعقول استغناء عن إنزال الشرائع والكتب وإظهار المعجزات والآيات لأهل الحجب.
ولكن الحق سبحانه وتعالى غني عن تنزيه العقول بمقتضى أفكارها المقيدة بالقوى الجزئية المزاجية ويتعالى عن إدراكها ما لم تتصل بالعقول الكلية .
فاحتاجت من حيث هي كذلك في معرفته الحقيقية إلى اعتناء رباني وإلقاء رحماني يهبها استعدادا لمعرفة ما لا يستقل العقول البشرية بإدراكه مع قطع النظر عن الفيض الإلهي.
فلما جاءت ألسنة الشرائع بالتنزيه والتشبيه والجمع بينهما، كان الجنوح إلى أحدهما دون الآخر باستحسان فکري تقييدا أو تحديدا للحق بمقتضى الفكر والعقل من التنزيه عن شيء أو أشياء أو التشبيه بشيء أو أشياء.
بل مقتضى العقل المنصف المتصف بصفة نصفة أن يؤمن بكل ما وردت به الشرائع على الوجه المراد للحق من غير جزم بتأويل معين ولا جنوح إلى ظاهر المفهوم العام، مقيدة بذلك، ولا عدول إلى ما يخرجه عن ظاهر المفهوم من كل وجه، محددة لذلك.
ولكن الأحق والأولى أن نأخذ القضية شرطية، فنقول، إن شاء الحق سبحانه ، ظهر في كل صورة ؛ وإن لم يشأ، لم تنضاف إليه صورة .
بل الحق أن الحق منه في عين التشبيه ومطلق عن التقيد والحصر في التشبيه والتنزيه .
وذلك لأن التنزيه عن سمات الجسمانيات وصفات المتحيزات تشبيه استلزامي وتقييد تضمني بالمجردات العارية عن صفات الجسمانيات من العقول والنفوس التي هي عارية عن سمات المتحيزات، برية عن أحكام الظلمانيات.
وإن نزه الحق أيضأ منزه عن الجواهر العقلية والأرواح العلية والنفوس الكلية ، فذلك أيضا تشبیه معنوي بالمعاني المجردة عن الصور العقلية والنسب الروحانية والنفسانية.
وإن نزه عن كل ذلك، فذلك أيضا إلحاق للحق بالعدم، إذ الموجودات المتحققة الوجود والحقائق المشهودة على النحو المعهود منحصرة في هذه الأقسام الثلاثة ؛ والخارج عنها تحكم وهمي وتوهم تخيلي، لا علمي؛ وذلك أيضا تحديد عدمي بعدميات لا تتناهى . وعلى كل حال، فهو تحديد وتقييد.
وذلك تنزيه ليس له في التحقيق وجه سدید، وحقيقة الحق المطلق تأباه وتنافيه . ولا سيما وقد نزلت الشرائع بحسب فهم المخاطب على العموم، ولا يسوغ أن يخاطب الحق عبيده بما يخرج عن ظاهر المفهوم.
فكما أمرنا أن نكلم الناس بقدر عقولهم، فلا يخاطبهم أيضا كذلك إلآ بمقتضی مفهومهم ومعقولهم.
ولو لم يكن المفهوم العام معتبرة من كل وجه، لكان ساقطة، وكانت الإخبارات كلها مرموزة . وذلك تدليس، والحق تعالی يجل عن ذلك.
فيجب الإيمان بكل ما أخبر به من غير تحكم عقلي ولا تأويل فكري، إذ لا "يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به" [آل عمران: 7]
وحيث أقرت العقول بالعجز عن إدراك الحقائق، فعجزها عن إدراك حقيقة الحق أحق؛ فلا طريق لعقل عاقل ولا وجه لفكر مفكر أن يتحكم على الذات الإلهية بإثبات أمر لها أو سلب حكم عنها إلا بإخباره عن نفسه.
فإن الذات المطلقة غير منضبطة " لا يحاط بها ولاتدرك " في علم عقلي ولا مدركة بفهم فكري، ولا سيما لا وجه للحكم بأمر على أمر إلا بإدراك المحكوم به وبالمحكوم عليه وبالحكم حقيقة وبحقيقة النسبة بينهما.
وهذا مقرر عقلا وكشفا وإيمانا ؛ فليس لأحد أن يتحكم بفكره على إخبارات الحق عن نفسه ويأولها على ما يوافق غرضه ويلائم هواه .
فإن الإخبارات الإلهية مهما لم يرد فيها نص بتعيين وجه وتخصيص حکم، فهي متضمنة جميع المفهومات المحتملة فيها من غير تعيين مفهوم دون مفهوم.
وهي إما تنزل في العموم على المفهوم الأول وفي الخصوص على كل مفهوم يفهمه الخاصة من تلك العبارة.
والحق إنما ذكر تلك العبارة عالما بجميع المفهومات، محيطة بها.
وجميعها مراد له بالنسبة إلى كل فاهم؛ ولكن بشرط الدلالة اللفظية بجميع وجوه الدلالة المذكورة على جميع الوجوه المفهومة عنها في الوضع العربي أو غيره، أي لغة كانت تلك الإخبارات بها.
لأن للحق ظهورة في كل مفهوم و معلوم و ملفوظ و مرقوم، وفي كل موجود موجود، سواء كان من عالم الأمر أو من عالم الخلق أو من عالم الجمع. فهو الظاهر في الكل بالكل، وهو عين الكل والجزء وكل الكل.
فهو الظاهر في كل مفهوم بحسبه، غير منحصر فيه ولا في غيره من المفهومات.
وهو الباطن عن كل فهم ومفهوم، إلا من رزقه الله تعالى فهم الأمر على ما هو عليه : وهو أن يرى أن العالم صورة الحق، وهوية العالم هوية الاسم الظاهرة، وصورة العالم هو الاسم "الظاهر"، وهوية العالم هو الاسم «الباطن».
وهو من حيث هو المطلق عن التقييد بالظاهر والباطن والحصر في الجمع بينهما .
وهو الغير المتعين المطلق مطلقا في عين تعينه بعين كل عين من أعيان العالم. فافهم، والله الملهم.
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 16:14 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 15:05 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثانية والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثانية والعشرون : 
كتاب تعليقات د أبو العلا عفيفي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 1385 هـ :
03 - الفص الثالث فص حكمة سبُّوحيَّة في كلمة نُوحِيَّة
(1) حكمة سبُّوحيَّة في كلمة نُوحِيَّة
(1) فليس المراد بالتشبيه و التنزيه هنا ما أراده المتكلمون عند ما تحدثوا في الصفات الإلهية فنفوها أو أثبتوها، و على أي نحو أثبتها المثبتون أو نفاها النافون، بل المراد بهما معنى آخر لم يسبق ابن عربي إليه سابق، و هو المعنى الوحيد الذي يتمشى مع نظريته العامة.
أما المتكلمون فقصدوا بتنزيه اللَّه أنه يتعالى عن كل وصف و كل حد.
لأن الصفات التي يمكننا أن نصفه بها إما منتزعة من صفات المحدثات أو سلوب لها، فإذا وصفناه بصفات المحدثات ألحقناه بها و هذا محال، و إن وصفناه بسلوبها لم نصفه بشي ء، فالأوْلى بنا ألّا نصفه بوصف ما.
فإن ورد في القرآن من الآيات ما يصف اللَّه بصفة تشعر بالتشبيه أو التمثيل وجب تأويله. و كذلك فعل المعتزلة أكبر المدافعين عن التنزيه مستندين إلى قوله تعالى «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ». فاللَّه يجب ألّا يوصف بصفة من صفات المخلوقات، و إن وصفه واصف فيجب ألا يكون ذلك إلا بصفة المخالفة للحوادث و ما يلزم عنها لزوماً منطقياً كالقدم و البقاء و الضرورة و الإطلاق و ما شاكل ذلك.
أما التشبيه فكان قولَ أهل السنة الذين أخذوا آيات التشبيه على ظاهرها سواء منها ما أشعر بالتمثيل أو التجسيم، و لو أنهم- تحاشياً للوقوع في تجسيم صريح- قالوا إن اللَّه يتصف بهذه الصفات، و لكن على نحو لا نعرفه- بلا كيف.
أما ابن عربي فيستعمل كلمتي التنزيه و التشبيه بمعنى «الإطلاق» و «التقيد».
فاللَّه منزه بمعنى أنه إذا نظر إليه من ناحية ذاته فهو يتعالى عن كل وصف و كل حد و تقييد. و هو بهذا المعنى غني عن العالمين يحيط بكل شي ء و لا يحيط به شي ء و لا عِلْم، سار في كل موجود غير متعين في موجود دون آخر. فلا يصدق عليه وصف إلا الإطلاق، و في الإطلاق تنزيهه.
و لكن اللَّه من ناحية أخرى مشبه، و ذلك إذا نظرنا إليه من حيث تعينات ذاته في صور الوجود. فهو يسمع و يبصر مثلًا- لا بمعنى أن سمعه و بصره يشبهان سمع المخلوقات و بصرهم، بل بمعنى أنه متجل في صورة كل من يسمع و ما يسمع، و كل من يبصر و ما يبصر، أو أنه جوهر كل ما يسمع و يبصر. و هذا تفسير للتنزيه و التشبيه يخرجهما لا شك عن معناهما الأصلي، و لكنه تفسير لا غنى عنه- لابن عربي- في تكوين فلسفته العامة في طبيعة الوجود. هذا التفسير هو أساس قوله بأن الحقيقة وحدة و كثرة، ظاهرة و باطنة، و حق و خلق، و رب و عبد، و أنها قديمة و حادثة، و خالقة و مخلوقة إلى غير ذلك من المتناقضات التي لا يكل قلمه عن ترديدها.
و التنزيه و التشبيه بهذا المعنى متضايفان متكاملان لا يقوم أحدهما بدون الآخر. هذا إذا قلنا بثنوية الصفات: حق و خلق، إله و عالم، وحدة و كثرة.
أما إذا وقفنا عند الوحدة الوجودية فقط، فليس هنالك ما يقال!. و هذا ما يدفع بنا إلى ذكر نوع آخر من التنزيه تكلم عنه ابن عربي، و هو التنزيه الذي تتصف به الذات الإلهية في ذاتها، بعيدة عن كل تعين، مجردة عن كل نسبة إلى الوجود الخارجي. و لكن هذا التنزيه- و يظهر أنه يشير به إلى التنزيه المطلق الذي أشرنا إليه- لا يدركه عقل، و لا يمكن أن يدركه عقل، بل إن مجرد إدراك العقل له تحديد، و هو فوق كل تحديد. و لهذا قال: «اعلم أيدك اللَّه بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد و التقييد». و ليس هذا التنزيه الذي يشير إليه إلا التنزيه المطلق. لأن التنزيه حكم، و الحكم تقييد و تحديد للمحكوم عليه. و غاية المنزِّه أن يقول إن اللَّه تعالى
مخالف لجميع الحوادث، و هذا القول في نفسه تحديد و تقييد.
و لذلك لم يرتض من معاني التنزيه إلا المعنى الذي شرحناه.
و المنزه في نظره- إذا فهم التنزيه بالمعنى الثاني- إما جاهل و هو الفيلسوف الذي ينكر الشرائع و ما ورد فيها، و إما سيِّئُ الأدب و هو المعتزلي الذي يقول بالتنزيه المطلق و كأنه يتجاهل ما ورد في القرآن من آيات صريحة تشعر بالتشبيه.

(2) «فإن للحق في كل خلق ظهوراً ... فالحق محدود بكل حد».

(2) هذه الجملة من أصرح ما قال به ابن عربي في التعبير عن وحدة الوجود و عن ناحيتي التنزيه و التشبيه اللتين أسلفنا ذكرهما.
 يقول: فهو (أي الحق) الظاهر في كل مفهوم (أي مدرك بالفهم) و هو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته و هويته». فظهور الحق تقييده و هذا هو التشبيه، و بطونه إطلاقه و هو التنزيه. و لذلك إذا أردنا أن نضع له تعريفاً وجب أن يؤخذ في التعريف الظاهر و الباطن جميعاً. و قوله «فيؤخذ في حد الإنسان مثلًا ظاهره و باطنه» يمكن أن يفسر بمعنى فإن أريد تعريف الإنسان مثلًا وجب أن يؤخذ في التعريف ظاهره (أي الإنسان) و باطنه، بأن يشير التعريف إلى حيوانيته و عقله.
و يمكن أن تفسر على أن الضمير في ظاهره و باطنه يعود على الحق: أي يؤخذ في تعريف الإنسان ما بطن فيه من الحق و ما ظهر.
و على الاعتبار الأول يكون تعريف الإنسان بأنه الحيوان الناطق مثالًا لما يجب أن يكون عليه تعريف الحق أو تعريف أي شي ء من أنه يشمل الظاهر و الباطن.
و على الاعتبار الثاني يكون تعريف الإنسان مثالًا يتبين فيه كيف تدخل صفات الحق الظاهرة و الباطنة في تعريفات الأشياء، إذ أن النطق في الإنسان مظهر من مظاهر الاسم «الباطن» و الحيوانية مظهر من مظاهر الاسم «الظاهر»: و هما من الأسماء الإلهية. هذا هو التفسير الذي ارتضاه كل من القيصري و بالي في شرحهما على الفصوص. راجع الأول ص 82 و الثاني ص 68. و إذا أخذ في تعريف الشي ء ظاهره و باطنه، وجب أن نأخذ في تعريف الحق ظاهره و باطنه أيضاً.
أما باطنه فهو الذات الأحدية، و أما ظاهره فالعالم بجميع ما فيه. فيلزم منه أن يحتوي تعريف الحق جميع تعريفات الموجودات.
و إلى ذلك الإشارة في قوله «فالحق محدود بكل حد» أي أن حدّه مجموع حدود الأشياء.
و لكن لما كانت صور العالم لا تتناهى و لا يحاط بها، و لا تعلم حدود كل صورة إلا بقدر ما حصل لكل عالم من العلم بصورته، استحال الوصول إلى حد للحق، كما استحالت المعرفة الكاملة به. فعلى قدر علم العالم بنفسه يكون علمه بربه، و على قدر معرفته بحده لنفسه و لغيره يكون حده لربه. و هذا معنى العبارة المأثورة: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»
و معنى قوله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ». 
يقول ابن العربي: «من حيث إنك صورته و هو روحك» فيفهم «الحق» على أنها اللَّه لا الحقيقة: أي حتى يظهر للناظر في الآفاق و في نفسه أن الذي رآه هو الحق.


(3) «و صور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلًا ... لا بالمجاز» .
(3) يقول: «و صور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلًا» لما سبق أن ذكرناه من أن الصورة لا تقوم بذاتها، و أن كل صورة في الوجود تفتقر إلى الحق. 
فلا يمكن أن يزول الحق عن العالم و يبقى العالم عالماً، كما لا يمكن أن تزول الحياة عن الإنسان و يبقى إنساناً، أو يقال فيه إنه إنسان إلَّا على سبيل المجاز فقط. و قوله:
«فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز» يمكن أن تفهم على وجهين، فإن الهاء في له إما أن تعود على العالم و إما أن تعود على الحق. فإن أعدنا الضمير على العالم كان معنى الجملة أن العالم له صفة الإلهية من جهة أن الحق فيه على الدوام لا يزايل صورته، و أن صفة الإلهية تطلق على العالم بطريق الحقيقة لا المجاز، لأن الحق موجود بالفعل في صورة العالم يدبرها كما تدبر الروح جسم الإنسان و هو حي.
فإن زالت الحياة عن الإنسان لا يقال فيه إنه إنسان على الحقيقة.
و كذلك إن زال الحق عن صورة العالم لا يقال إنه عالم على الحقيقة. و لكن الحق لا يمكن زواله عن صورة العالم أصلًا، لذلك كان وصف الإلهية- الذي هو للحق بالأصالة- وصفاً للعالم أيضاً على طريق الحقيقة لا المجاز.
و يظهر أن هذا هو المعنى المراد لأنه يتمشى مع ما يلي من النصوص.
و يمكن أن يعود الضمير في «له» على الحق، و يكون معنى الجملة أن الحق لما كان موجوداً بذاته في صور العالم لا يُزَالُ عنها أصلًا، و لما كان العالم صورة له تتجلى فيها صفاته و أسماؤه، كان وصف الحق بالألوهية وصفاً حقيقيًّا لا مجازياً، لأن العالم مألوه يفتقر في وجوده إلى إله و وجود المألوه يفترض وجود الإله لا محالة.
غير أن معنى الحقيقة و المجاز لا يظهر في هذه الحالة ظهوره في الحالة الأولى.
و الواقع أنه لا فرق في مذهب يقول بوحدة الوجود كمذهب ابن عربي أن تنسب الألوهية للحق من وجه أو إلى العالم من وجه آخر، فإن الحقيقة واحدة في الحالين و إن اختلفت بالاعتبار. يؤيد ذلك ما يقوله في الفقرة التالية مباشرة من أن اللَّه هو المثنِي و المثنَى عليه. فإن جميع ما في الوجود من كائنات ناطقة و غير ناطقة روحية أو مادية، حية أو غير حية، تلهج بالثناء على اللَّه بمعنى أنها مظاهر تتجلى فيها عظمته و كماله، و لكنه ثناء صامت لا يدركه الإنسان عادة- و لذلك قال: «وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (قرآن س 17 آية 46). و لكن إلى الحق ترجع عواقب ذلك الثناء. فالثناء منه و عليه: منه لأنه الظاهر في صورة المثني: و عليه لأنه الباطن الذي يوجه كل الثناء إليه.

(4) «فإن قلت بالتنزيه ... الأبيات».
(4) هذه الأبيات تلخص لنا مذهب ابن عربي في التشبيه و التنزيه، و قد شرحنا معناهما فلا داعي للمزيد في هذا الشرح.
و لكنا سنجمل معنى الأبيات إجمالًا في صورة أبسط و أدنى إلى الفهم.
إن قلت بالتنزيه المطلق وحده قيدت الحق لأن كل تنزيه فيه معنى التقييد.
و إن قلت بالتشبيه وحده، قيّدت الحق و حصرته.
و الصحيح أن تقول بالتنزيه و التشبيه معاً من وجهين مختلفين، و هذا هو ما تقتضيه المعرفة الصوفية.
إن الذين يثبتون وجود الحق و الخلق- اللَّه و العالم- على أنهما وجودان مختلفان و حقيقتان منفصلتان مشركون. و الذين يقولون بوجود حقيقة واحدة مفردة موحدون.
فإن قلت بالاثنينية فاحذر التشبيه و إلا وقعت في التجسيم.
و إن قلت بالفردية، فاحذر التنزيه المطلق، لأن في ذلك إغفالًا لوجود العالم الذي هو أحد وجهي الحقيقة الفردية.
و إذا فهمت من التنزيه الإطلاق، و من التشبيه التقييد، و نظرت إلى الحق على أنه في عين الوجود مسرَّحاً و مقيداً، أدركت أنك هو من وجه، و أنك لست هو من وجه. قارن ما ورد في الفص السابع في الصلة بين الحق و الخلق.
و يلتمس ابن العربي- كعادته- أساساً من القرآن يبني عليه نظريته في التنزيه و التشبيه فيقول: إن قوله تعالى «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» تعبر عن هذا المعنى أحسن تعبير. فإننا إما أن نعتبر الكاف في قوله «كَمِثْلِهِ» زائدة و بذلك يصبح معنى الآية ليس مثله شي ء و هو تنزيه- و باقي الآية و هو قوله «وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» تشبيه لأنه وصف للحق بأوصاف المحدثات التي تسمع و تبصر. و إما أن نعتبر الكاف في قوله «كَمِثْلِهِ» غير زائدة، و بذلك يصبح الجزء الأول من الآية ليس مثل مثله شي ء، و هذا تشبيه لأنه أثبت المثل للَّه و نفى مثل المثل. و قوله «وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» تنزيه بمعنى أنه وحده الذي يسمع و يبصر في صورة كل من يسمع و يبصر. فالآية- في نظره- تجمع بين التنزيه و التشبيه في كلتا الحالتين.

(5) «فإن القرآن يتضمن الفرقان».
(5) استعملت الكلمتان في القرآن للدلالة على التنزيل الحكيم، أما ابن العربي فيستعملهما هنا بمعنى التفرقة و الجمع، كما لا يفهم الصوفية عادة من مقامي التفرقة (أو الفرق) و الجمع - بل بمعنى أن الفرقان هو الدعوة إلى تنزيه اللَّه تعالى دون تشبيهه، و أن القرآن هو الدعوة إلى الجمع بين التنزيه و التشبيه. 
فمن يدعو إلى تنزيه اللَّه- كما فعل نوح- و لا يلتفت إلى التشبيه، كان فرقانياً.
و من يدعو إلى تنزيهه و تشبيهه معاً- كما فعل محمد- كان قرآنياً.
و لا أظن أن ابن العربي استعمل كلمة القرآن بهذا المعنى لأن المنزَّل عليه القرآن جمع في دعوته بين التنزيه و التشبيه، بل وجد أن من معاني «قرأ» الجمع و الضم فاستعمل كلمة القرآن هذا الاستعمال الغريب.
و يدور هذا الجزء من الفص- من قوله: «لو أن نوحاً عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين» إلى الآخر حول مشكلة التنزيه و التشبيه مستخلصة من الآيات القرآنية الواردة في سورة نوح من الآية 5 - 28، بعد أن يلجأ المؤلف في تفسيرها إلى نوع غريب حقاً من التأويل يشهد له بالعبقرية، و لكنه كان في غنى عنه- هنا و في أي مقام آخر استشهد بالقرآن ليؤيد نظريته في وحدة الوجود- لو أنه فضل الصراحة في القول و جهر به بدلًا من الدوران حول النصوص و تأويلها إلى غير معانيها و تحميلها ما لا تحتمل.
يتمثل لنا نوح في هذه الآيات في صورة الرجل الذي يدعو قومه إلى مطلق التنزيه فيتصامون عنه و لا يعيرونه التفاتاً، لأنها دعوة إلى مستحيل- إلى شي ء مجرد لا يمت لهم بصلة و لا يعرفون عنه شيئاً، بل لا يمكنهم أن يعرفوا عنه شيئاً.
دعاهم إلى «الفرقان» - إلى إله منزَّه مخالف لجميع المحدثات- فلم يفهموا دعوته، و لو دعاهم إلى «القرآن» فجمع في دعوته بين التنزيه و التشبيه، و بيَّن لهم وجهي الحقيقة للبّوا دعوته و فهموا مقصده.
و يلتمس ابن العربي كل سبب ليجعل من الإسلام مذهباً في وحدة الوجود و ينسب إلى نبي الإسلام القول بهذه النظرية.
و هنا موقف من المواقف التي أراد أن يسجل فيها على القرآن و صاحب القرآن الدعوة إلى الحقيقة الواحدة التي هي من وجه منزهة و من وجه مشبهة.
و لكن القرآن و إن قال بالتنزيه و التشبيه، لا يستعملهما في المعنى الذي يقول به أصحاب وحدة الوجود. فقرآن ابن عربي الذي يقابله بالفرقان غير قرآن المسلمين، و إن كان التلاعب بالألفاظ قد يؤدي إلى الخلط بينهما.
يقول: «و لهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى اللَّه عليه و سلم و هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. فليس كمثله شي ء يجمع الأمرين (أي التنزيه و التشبيه) في أمر واحد». و لكن المعنى ليس بخاف الآن بعد الذي ذكرناه.

(6) «دعاهم ليغفر لهم».
(6) معنى الآية دعاهم نوح إلى اللَّه ليغفر اللَّه لهم ذنوبهم. و لكن «يغفر» هنا مأخوذة بمعناها الحرفي من غفر بمعنى ستر. و الستر ضد الكشف و الظهور.
و على ذلك يفهم ابن عربي الآية على معنى أن نوحاً عليه السلام دعا قومه إلى الستر المطلق لا إلى مقام الكشف و الظهور، لأن الحق المنزَّه سترٌ أو غيب محض لا تدركه العقول و لا الأبصار- و لم يَدْعُهُمْ إلى مقام الظهور و هو تجلي الحق في صور الموجودات.
و لذلك كان جوابهم سلسلة من أعمال الستر، فإنهم وضعوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم إلخ، فكانت إجابتهم من مثل دعوته.

(7) «و هو في المحمديين «وَ أَنْفِقُوا ... » إلى قوله: كما قال الترمذي.
(7) الفرق بين قوم نوح و قوم محمد في نظر ابن عربي هو أن النوحيين ادعوا لأنفسهم الحق في المُلك الذي هو العالم و اعتبروا اللَّه وكيلًا عنهم متصرفاً فيهم.
و هذا ما جعل نوحاً يدعوهم إلى التنزيه. لأنهم من العالم و العالم منهم: أما الحق فهو الوكيل المنزه عن شئونهم. أما المحمديون (فيما يزعم ابن العربي) فادعوا أن المُلك للَّه و أن الإنسان خليفة اللَّه على المُلك أو وكيل اللَّه عنه فيه.
و هذا ما دعاهم إلى القول بالتنزيه و التشبيه. أما التنزيه فمن ناحية نسبة الملك إلى اللَّه على الحقيقة، و أما التشبيه فلنسبة الخلافة إلى الإنسان في مُلك اللَّه. قال تعالى «وَ أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ».
و إذا عرفنا معنى الخلافة الانسانية في مذهب ابن عربي، أدركنا الإشارة بها إلى التشبيه.
فالإنسان خليفة اللَّه في العالم بمعنى أنه وحده هو الموجود الذي تتجلى فيه صفات اللَّه و أسماؤه في صورة كاملة كما شرحناه في الفص الأول.
أما الإشارة الواردة عن الترمذي فمذكور في الفتوحات المكية أيضاً (ج 2 ص 66) في إجابات ابن عربي عن المائة و الخمسة و الخمسين سؤالًا التي سألها الحكيم محمد بن علي الترمذي المتوفى سنة 285.
و السؤال الخاص بمالك الملك هو السؤال السادس عشر و نصه: «كم مجالس ملك الملك؟»

(8) «فأجابوه مكراً كما دعاهم».
(8) معنى هذه العبارة أن نوحاً لما دعا قومه إلى عبادة اللَّه على سبيل التنزيه قد مكر بهم و خدعهم. و يرى ابن عربي أن كل من يدعو إلى اللَّه على هذا الوجه يمكر بمن يدعوه و يخدعه. و ذلك أن المدعو مهما كانت عقيدته و مهما كان معبوده لا يعبد في الحقيقة إلا اللَّه، لأنه لا يعبد إلا مجلى من مجالي الحق في الوجود.
فدعوته إلى اللَّه مكر به، لأنها تحمله على الاعتقاد بأنه يعبد شيئاً آخر سوى اللَّه و ما في الوجود سوى.
أما مكر قوم نوح فظاهر من عبارتهم: «لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ، وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً»: لأنهم إن تركوا هذه الآلهة، فقد جهلوا من الحق على قدر ما تركوا. ذلك لأن للحق في كل معبود وجهاً لا يُعبَد المعبود إلا من أجله.
و هنا يفهم ابن عربي نصاً آخر من القرآن على أنه تقرير لوحدة الوجود من حيث صلتها بعبادة اللَّه فيقول في (مذهب) المحمديين: «وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» أي حكم: بمعنى قدَّر أزلًا أنكم لن تعبدوا إلا إياه، لا بمعنى أمر أ لا تعبدوا سواه.
يدل على ذلك قوله في العبارة التالية «فالعالِم يعلم من عُبِدَ، و في أي صورة ظهر حتى عُبِدَ».

(9) «وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا».
(9) هنا خلط عجيب بين الآيات القرآنية و تخريج أعجب. يقول المؤلف: «وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ» لأنفسهم المصطفين الذين أوتوا الكتاب- أول الثلاثة».
أخذ الظالمين في قوله: «وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا» (سورة نوح آية 25) بمعنى الظالمين في قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ» (سورة فاطر آية 29).
و لذلك وصفهم بأنهم أول الثلاثة الذين أورثهم اللَّه الكتاب و اصطفاهم من بين عباده.
فهم ليسوا ظالمين على الإطلاق فتحقق عليهم الدعوة بالضلال، و لكنهم ظالمون لأنفسهم، لأنهم حرموا نفوسهم متع الحياة و زهدوا في الدنيا و ما فيها و وصلوا إلى مقام الفناء في اللَّه.
و جعلهم أول الثلاثة المصطفين لأن الذي وصل إلى مقام الفناء في الذات و اتصف بجميع صفات الكمالات أفضل من المقتصد و هو المعتدل الذي يلزم طريق التوسط في الأمور، و من السابق بالخيرات.
هذا هو المعنى الذي أراد ابن عربي أن يفهمه من كلمة «الظالمين» الواردة في الآية. أما كلمة الضلال، ففهمها على أن المراد بها «الحيرة»، و الحيرة التي هي نوع خاص، هي حيرة الصوفي يرى الحق في كل شي ء، و يرى الواحد كثيراً، و الكثير واحداً، و الأول آخراً و الآخر أولًا، و الظاهر باطناً و الباطن ظاهراً إلى غير ذلك من الأمور المتناقضة التي توقع في الحيرة.
و لكنها ليست حيرة الارتباك و قصور الفهم، بل حيرة النفس الهائمة على وجهها الدائبة الحركة في دائرة الوجود. من أي نقطة بدأت حركتها على محيط الدائرة وصلت إلى «الحق» الذي هو مركزها.
و لذلك يقول ابن عربي: «فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب»، و ليس القطب سوى اللَّه.
أما تسمية هذه الحيرة بالحيرة المحمدية فلسببين:
الأول ما ذكرناه من أن ابن عربي يعتبر القول بالتنزيه و التشبيه بالمعنى الذي يفهمه منهما في مذهبه في وحدة الوجود عقيدة محمدية.
و الثاني استناداً إلى الحديث الذي أورده الصوفية من أن النبي صلى اللَّه عليه و سلم قال: «رب زدني فيك تحيراً».
ظهر إذن أن الحيرة حيرتان :
حيرة الجهل التي تورث الارتباك و الألم و تولد اليأس و هي حيرة الفلاسفة الذين يعتمدون في فهم الوجود على العقل وحده.

و إليهم أشار ابن العربي بقوله: أصحاب الطريق المستطيل أي غير الدائري. و لم يستعمل كلمة المستقيم بدلًا من المستطيل لاحتمال أن يفهم من كلمة المستقيم معنى الصواب.
و الحيرة الأخرى حيرة العارف باللَّه- و هي التي طلب النبي الزيادة منها، لأن العارف بالحق، المشاهد لتجليه في مرآة الوجود، يفيض قلبه نوراً إذ تنعكس على صفحته تلك التحليات و يستولي عليه نوع من الحيرة، و لكنها حيرة العجب و الدهشة، و حيرة السعادة العظمى، و حيرة الوصول إلى المأمول لا حيرة الحرمان لعل لحظة من لحظات تلك الحيرة هي التي أنطقت الحسين بن منصور الحلاج حينما قال شطحته المشهورة: «أنا الحق! فإنني ما زلت أبداً بالحق حقاً».

(10) «قال نوح رب ما قال إلهي ... ثبوت التلوين».
(10) الربوبية صفة للَّه من حيث كونه رباً يُدعى و يستعان به و يتوكل عليه، و من حيث أفعاله و آثاره في الإنسان و في العالم برمته.
و الألوهية صفة للَّه من حيث كونه إلهاً يعبد و يقدس و يجل و يكرم و يخشى إلخ.
و أخص صفات الربوبية أن الرب مسئول و المربوب سائل، و أخص صفات الألوهية أن الإله معبود و المألوه عابد.
و لهذا جاءت الشريعة في العبادة باسم اللَّه و في السؤال باسم الرب.
فيقول المصلي:
«اللَّه أكبر» «سبحان اللَّه» «لا إله إلا اللَّه».
و يقول في الدعاء: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا» «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ» «رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ» إلخ.
هذا هو الاصطلاح العام، أما اصطلاح ابن عربي الخاص فالرب هو الحق في صفة من صفاته. و لهذا يطلق على الأسماء الإلهية اسم الأرباب.
أما اللَّه فاسم يطلق على الذات العلية متصفة بجميع الصفات.
و على هذا التعريف يفرق بين الربوبية و الألوهية فيقول إن الألوهية دائمة التلوين- أي دائمة التغير لأن اللَّه دائم التجلي في الصور. أما الربوبية التي لكل اسم من الأسماء الإلهية فثابتة له لا تتغير.
و لهذا وجب علينا في السؤال أن ندعو اللَّه باسم خاص يتصل بقضاء حاجاتنا.
فيجب على المريض مثلًا أن يدعوه باسم الشافي، و على المذنب أن يدعوه باسم العفوّ أو الغفور، و على المحتاج أن يدعوه باسم المعطي و هكذا.
«فثبوت التلوين» إذن من صفات اللَّه الرب، لا من صفات اللَّه إطلاقاً. و المراد بالتلوين هنا الحال.
و هذا الجُزء من الفص رمزي إلى أقصى حد. و قد أشار المؤلف إلى بعض معاني ألفاظه، و بيّن أنه يستعملها في غير ما وضعت له عادة، و لكن المعنى الإجمالي لا يزال غامضاً.
لذلك أردنا تلخيصه ليعطي الصورة المرادة منه.
كان قوم نوح عبدة أوثان، فدعاهم إلى عبادة إله واحد منزه عن صفات المحدثات. و لكنهم أعرضوا عن دعوته لأنهم كانوا محجوبين عن الحقيقة المطلقة- اللَّه- بمعبوداتهم التي لم تكن في واقع الأمر سوى مجالي أسماء اللَّه.
فدعا عليهم نوح بالهلاك و الدمار بقوله: «لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً». و معنى هذا في أسلوب المؤلف الرمزي أنه دعا اللَّه أن يحرر هؤلاء القوم من قيود الوثنية التي تحصر «الحق» في هذا المجلى أو ذلك «و أن يمن عليهم بشهوده في كل مجلى معبود أو غير معبود. فكأنه دعا عليهم بالفناء الصوفي- لا بالدمار و الهلاك.
دعا عليهم بفناء الحجب لتنكشف لهم الحقيقة في إطلاقها. و قال: «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ» أي إن تتركهم و شأنهم أوقعوا الحيرة في قلوب الناس- و هي الحيرة المحمدية التي أشرنا إليها- بأن يدلوهم على ما في نشأتهم من عبودية و ربوبية، و ما فيها من خَلْقية و حقية. و هذه هي الحيرة التي
ينشدها كل صوفي يدين بوحدة الوجود. و هؤلاء الذين يوقعون الناس في الحيرة لا يلدون «إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً». و الفاجر من فجر بمعنى خرج و ظهر- أي الذي يظهر أسرار الربوبية بأن يظهر في مجاليها.

و الكافر من كفر بمعنى ستر و أخفى:
أي الذي يستر بصورته الخارجية ما استتر فيها من الذات الإلهية. و الواقع أنه ليس في الوجود إلا فاجر و كافر بهذا المعنى!
«وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً». سبق أن ذكرنا أن «الظالمين» فهمت على أن المراد بها الظالمون لأنفسهم (راجع هامش 9) و نذكر هنا أنها مشتقة من الظلام.
و الظلام أو العماء اسم لعالم الغيب: و الغيب المطلق هو اللَّه. فقوله لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً أي هلاكاً أو فناء و هذا دعاء لهم لا عليهم.

(11) «و من أراد أن يقف على أسرار نوح ... »

(11) هذه العبارة تشير إلى أن ابن عربي يؤمن بنظرية أرواح الكواكب، و أن لكل كوكب روحاً خاصاً به و علماً لا يشاركه فيه غيره. و لقد كان فلك الشمس دائماً منبع الأسرار يمد بها روح من اتصل بروحه من الكائنات الأرضية.
و قد ذكر المؤلف هذه المسألة في كتابه المعروف باسم التنزلات الموصلية، و أشار إلى المعارف و الأسرار التي استمدها نوح من روح فلك الشمس و هي التي يسميه «يوح».
يوجد كتاب التنزلات مخطوطاً بدار الكتب المصرية رقم 340 مجاميع.

.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 16:21 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 15:07 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة والعشرون : الجزء الأول
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:
03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب. ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه و وقف عند التنزيه و لم ير غير ذلك فقد أساء الأدب و أكذب الحق و الرسل صلوات الله عليهم و هو لا يشعر، و يتخيل أنه في الحاصل و هو من الفائت.
وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان. فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل )

1 - المناسبة في تسمية هذه الحكمة
في أن الحكمة تبحث في العقائد بما فيها من التنزيه ونوح عليه السلام هو أول الرسل فهو أول مبلغ وموضح للعقائد ، قال الله تعالى " وإن من شيء إلا يسبح بحمده " والتسبيح تنزيه فناسب التنزيه الرسالة فنسبت الى نوح عليه السلام ، لمقام الأولية .
وأعلم أن هذه الحكمة لا يفهمها القارئ إلا أن علم ما يقصده الشيخ بالتفسير من باب الإشارة ، كما جاء في الجزء الأول من الفتوحات الملكية في الباب الخامس في ص 115:  لأهل الجمال وأهل الوصال ، ويوضح بذلك حظ الأولياء من إطلاق الذم كما جاء في:
الفتوحات ج1 ص 226 , 358 , 359 . ج2  ص 135 , 136 , 482 , 687. وقد أوضحنا ذلك كله في كتابنا شرح كلمات الصوفية من ص 392 إلى ص 418 - فليراجع هناك
يبدأ الشيخ رضي الله عنه هذه الحكمة ببحث في العقائد يتناول فيها ملخصا رأي المنزهة ورأي المشبهة والمجسمة .
وقد تناول رضي الله عنه هذا البحث في الفتوحات المكية بالتفصيل والإفاضة ، فذكر قولا جامعا مختصرا. في ج2  ص 219 ،
ثم توسع في ذكر العقيدة في الفتوحات المكية :
ج1 ص 34 , 36 , 88 , 89 , 90 91, 92 ,93 ,95 ,96 ,345 ,349 .
ج2 ص ,175 ,288 290, 292 ,306, 432 ,483,555, 665 .
ج3  ص 58 ,81 90, 483 ,484, 536 .
ج4  ص 3 ,7, 73, 175 ,209  , 319, 350 409 , 411 .
ولقد غاب كل من حاول فك رموز هذا الفص عن نص الشيخ فيه وهو قوله « "والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الأفكار » فإذا أردت أن تعلم ما هي المشاهدة فيراجع كلام الشيخ في الفتوحات المكية :
ج1 ص 609 , 610 , 621 , 650 .   ج2 ص 48 , 132 , 496 , 567 .  ج3 ص 213 , 396 .     ج4 ص 192 , 396 .
وكتاب التدبيرات الإلهية .. وكتاب ذخائر الأعلاق ..   وكتاب مواقع النجوم .
والفرق بين الرؤية والمشاهدة في الفتوحات المكية ج 4 ص 369 ، 373.
وأختصر لك بعض ما جاء في هذه المعاني من قول الشيخ رضي الله عنه إذ يقول : إعلم أن المكاشفة متعلقها المعاني والمشاهدة متعلقها الذوات ، فالمشاهدة للمسمى والمكاشفة لحكم الأسماء ، فالمكاشفة تلطف الكثيف ، والمشاهدة تكثف اللطيف .
فما من أمر تشهده إلا وله حكم زائد على ما وقع عليه الشهود لا يدرك إلا بالكشف ، فإن أقيم لك ذلك الأمر في الشهود من حيث ذاته صحب ذلك المشهود حكم ولابد يدرك إلا بالكشف ، هكذا أبدا ، فالمكاشفة إدراك معنوي ، فهي مختصة بالمعاني ، فيدرك بالكشف ما لا يدرك بالشهود ، ويفصل الكشف ما هو مجمل في الشهود ، ولذلك فإن المكاشفة أتم من المشاهدة .
لذلك فان هذا الفص مختص بمشاهدة تجليات أسماء التنزيه والتشبيه في مجالي ممثلة في حضرة التمثيل .
وما يعقب ذلك من أثر في العقيدة عند الأولياء على اختلاف طبقاتهم وميراثهم من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومعلوم أن الشيخ يستخدم الرمز واللغز لأقرب مناسبة في الاعتبار ، فنجده يشير إلى هذه التجليات وأثرها من باب الإشارة والرمز في قول نوح عليه السلام لقومه ، فجعل دعوته إسرارا والليل لمجلى التنزيه في صورة مثالية ، وجعل دعوته قومه جهارا والنهار لمجلى التشبيه في صورة مثالية ، وجعل كلمة البيت من قوله عليه السلام د لمن دخل بيتي ». إشارة إلى القلب ، إلى غير ذلك من الرموز والألغاز التي لا يفهمها إلا أهلها ، وكذلك جعل حظ الأولياء من الصفات المذمومة في هذه الحكمة.
ولا يعرف هذا إلا من قرأ ما أورده الشيخ في مثل هذه الصفات:
للكافرين والظالمين الفتوحات المكية ج2 ص 136
والضالين الفتوحات المكية  ج2 ص 137 .
ثم أخذ الشيخ يقارن بين الأولياء ورثة الأنبياء من حيث التنزيه والتشبيه وبين الأولياء المحمديين الذين ورثوا محمدا مع من حيث التنزيه في عين التشبيه ، والتشبيه في عين التنزيه ، مستدلا على ذلك بقول الله تعالى فيما أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم " ليس كمثله شيء".
وهي جزء من آية جمعت التنزيه والتشبيه في عين واحدة ، وإن شئت قلت في لفظة واحدة .
وقد ذکر شرحه مطولا في الفتوحات المكية في الجزء الأول في ثلاثة عشر موضعا وفي الجزء الثاني في أربعة عشر موضعا.
وفي الجزء الثالث في خمسة عشر موضعا .
وفي الجزء الرابع في ستة مواضع ، واختصر ذلك كله في هذا الفص . .
وزاد الشيخ في لغز هذا الفص بأن جعل وصف الأولياء وارثي الأنبياء متداخلا مع وصف الأولياء المحمديين ، مما زاد في تعقيد هذه الحكمة وغموضها ، ولو قرأ القارىء الفص مفصلا حظ كل واحد منهما كان الرمز واللغز أقل تعقيدا .
وقد أشرنا إلى ذلك بوضع ما للأولياء غير المحمديين بين قوسين ( ) وأشرنا إلى الجمل المعترضة ، فلو قرأها القاريء برفع ما بين الأقواس ، لاتضح له أسلوب الشيخ في الرمز مبسطا .
وعلاوة على ما نذكره في شرح هذا الفص فلكي يفهم ما رمزه الشيخ في هذا الفص يجب على الطالب أن يقرأ ما ذكره الشيخ من أمور تتعلق بهذا الفص :
مثل العلم بالإلهيات ( راجع کتابنا ترجمة حياة الشيخ ص 171)
وغرض الشيخ من مصنفاته ( نفس المصدر ص 201 )
ومعنى الحيرة عند الشيخ ( راجع کتابنا الرد على ابن تيمية من ص 50 الی ص 59 )۰
يقرأ القارىء ما بين ( ) القوسين ما يخص ورثة الأنبياء وما هو خارج عن القوسين متصلا للأولياء المحمديين .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة. فيؤخذ في حد الإنسان مثلا ظاهره وباطنه، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد.)
(وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته.
فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة، وهذا محال حصوله: فحد الحق محال. وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه.
ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».
وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك.
فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل. ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه».
(وقال تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظرين «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك.
فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك.
والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة. ولا ينطلق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة.)
(وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا. فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا. وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور. فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. "2"
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه )

2 -  کل نطق في العالم ثناء على الله تعالی  
يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية ج3  ص 266 ، ج4 ص 221.
من حضرة الفتاح يعلم العبد أن كل نطق في العالم كان ذلك النطق ما كان ، مما يحمد أو يذم ، أنه تسبيح بوجه الله بحمده ، أي فيه ثناء على الله لا شك في ذلك ومثل هذا العلم بحمد الله حصل لنا من هذه الحضرة ، ولكن ما يعرف صورة تنزيله علما بحمد الله والثناء عليه إلا من اختصه الله بوهب هذه الحضرة على الكمال ، فیسب إنسان إنسانا ، وهو عند هذا السامع صاحب هذا المقام تسبيح بحمد الله ، فيؤجر السامع ، ويأثم القائل والقول عينه.

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو"3": بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
(قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد.)

3 - « فما أنت هو » من حيث عينه وهويته « بل أنت هو » من حيث أنه خلقك على صورته - راجع فص (1) هامش (4)۔ « وتراه في عين الأمور مسرحا » وهو قوله تعالى : « ليس كمثله شيء » « فعال لما يريد » « ولو شاء » فهي حضرة الإطلاق « ومقيدا » يريد قوله تعالى : « کتب ربكم على نفسه الرحمة » « أوفوا بعهدي أوف بعهدكم » وما جاء من صفات التشبيه .
قال تعالى : « ليس كمثله شيء » فنزه وذلك باعتبار الكاف هنا زائدة ، أي ليس مثله شيء ، فنزه ، " وهو السميع البصير" فشبه ، فإن السمع والبصر معلوم لنا ، ومن وجه آخر "ليس كمثله شيء" ، فشبه وثني باعتبار الكاف هنا كان التشبيه، أي ليس مثل مثله شيء ، فشبه بالمثل وثني أيضا بالمثل .
هو قوله : "خلق الله آدم على صورته " « وهو السميع البصير » فنزه وأفرد ، أي لا سميع ولا بصير إلا هو، فنزهه عن سمع وبصر المحدثات ، وأفرد نفسه بالسمع والبصر ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله .
راجع الفتوحات المكية :
ج1 ص  43 , 64 , 90  , 97 , 194 , 220 , 271 , 290 , 351 , 366  ,405 , 609 , 626 .
ج2 ص 141 , 167 , 174 , 211 , 219 , 290 , 291 , 470 , 618  ,537 , 588 , 661 , 662 , 692 .
ج3 ص 35 , 55 , 109 , 121 , 149 , 165 , 290 , 298 , 312 , 325  ,371 , 387 , 384 , 453 , 534 .
ج4 93 , 94 , 95 , 135 , 350 , 411 .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
(فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم،  وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، و الأمر قرآن لا فرقان، و من أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان و إن كان فيه. فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن.
ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. «فـ ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد.
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
(ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم.
فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
(فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه  يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم. "5" «وولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر.
(«إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: و هو في المحمديين «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، و في نوح «ألا تتخذوا


5 - العين واحدة والحكم مختلف
ما يعرف الله إلا الله فاعترفوا    …… العين واحدة والحكم مختلف
                                                    الفتوحات ج1 / 185 .
فالله والرب والرحمن والملك     ….. حقائق كلها في الذات تشترك
فالعين واحدة والحكم مختلف     …… لذا بدا الجسم والأرواح والفلك
                                              الفتوحات ج3 / 310.
فالعين واحدة والحكم مختلف       ….. وذاك سر لأهل العلم ينكشف
                                          الفتوحات ج3 / 430
والعين واحدة والحكم مختلف      ….. إذا تنوعت الأرواح والصور
                                               الفتوحات ج2 / 392
فالعين واحدة والحكم يختلف      ….. والقائلون بذا قوم لهم نظر
                                             الإسفار عن نتائج الأسفار ص 55
فالعين واحدة والحكم للنسب   …… والعين ظاهرة والكون للسبب
                                                 الفتوحات ج3 ص 525  
والعين واحدة والحكم مختلف    ….. والعبد يعبد الرحمن معبود
                                                الفتوحات ج2 ص 484
من الزوائد أن تعلم أن حكم الأعيان ليس نفس الأعيان ، وأن ظهور هذا الحكم في وجود الحق، وينسب إلى العبد بنسبة صحيحة، وينسب إلى الحق بنسبة صحيحة فزاد الحق من حيث الحكم حكما لم يكن عليه ، وزاد العين إضافة وجود إليه لم تكن يتصف به أزلا .
قال تعالى : « كل يوم هو في شأن » أحوال إلهية في أعيان کيانية بأسماء نسبية عينتها تغييرات كوئية ، فتجلى أحدي العين في أعيان مختلفة الكون ، فرات صورها فيه ، فشهد العالم بعضه بعضا ، في تلك العين ، فمنه المناسب وهو الموافق . ومنه غير المناسب وهو المخالف.    الفتوحات المكية ج2 ص 521 , 305 .
راجع وحدة الوجود - المرايا - فص 2 هامش رقم 4  

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم و الوكالة لله فيهم. فهم مستخلفون فيه. فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف.)
(وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله. "6"
«ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية. «أدعوا إلى الله»)

6. ملك الملك
تسمية الحكيم الترمذي الحق « ملك الملك ، راجع « کتابتا شرح كلمات الصوفية من ص 359 - 362، واقتبس بعض ما قاله الشيخ في ذلك وهو قوله :
لا تصح هذه الإضافة إلا بتحقق العبد في كل نفس أنه ملكه الله تعالى من غير أن يتخلل هذا الحال دعوى تناقضه .
فإذا كان بهذه المثابة حينئذ يصدق عليه أنه ملك عنده، فإن شابته رائحة من الدعوى وذلك بأن يدعى لنفسه ملكا، عريا عن حضوره في تمليك الله إياه ذلك الأمر الذي سماه ملكا له وملكا .
لم يكن في هذا المقام ولا صح له أن يقول في الحق أنه ملك الملك .
وإن كان كذلك في نفس الأمر : فقد أخرج هذا نفسه بدعواه بجهله أنه ملك لله وغفلته في أمر ما ، فيحتاج صاحب هذا المقام إلى میزان عظيم لا یبرح بیده و نصب عينه
إذا خلص القلب من جهله       ….. فما هو إلا نزول الملك
تملكني     وتملكته       ….. فكل لصاحبه قد ملك
فكوني ملكا له بيتن       ….. وملكي له قوله هيت لك
تملكني من حيث أني مقید به ، وتملكته من حيث أنه ليس للأسماء ظهور إلا في الممكن .
فإني لو لم آخذها لم يظهر لها أثر إذ لا أثر في القدم ولا في القديم.


يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :.  ( فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم "مكرا ". )
(فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين. "7"
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله. "8"  في المحمديين: «وقضى

7 - حشر المتقين إلى الرحمن
سمع أبو يزيد البسطامي قارئا يقرأ هذه الآية «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فبکی حتی ضرب الدمع المنبر ، بل روى أنه طار الدم من عينيه حتى ضرب المنبر ، وصاح وقال د یا عجبا كيف يحشر إليه من هو جلیسه .
إن المتقي ما هو جليس الرحمن ، إنما هو جليس الجبار المريد العظيم المتكبر ، فيحشر المتقي إلى الرحمن ليكون جليسه ، فيزول عنه الإتقاء ، فإن الرحمن لا يتقى بل هو محل موضع الطمع والإدلال والأنس ، فليس العجب إلا من قول أبي يزيد ؛ لأن المتقي جليس الجبار فيتقي سطوته ، والإسم الرحمن ما له سطوة من كونه الرحمن .
إنما الرحمن يعطي اللين والعطف والعفو والمغفرة ، فلذلك يحشر إليه من الاسم الجبار الذي يعطي السطوة الإلهية ، فإنه جليس المتقين في الدنيا ، مع كونهم متقين ، فالمتقي ذاكر الله ذكر حذر ، فلما حشر الى الرحمن ، وهو مقام الأمان مما كان فيه من الحذر ، فرح بذلك واستبشر ، فكان دمع أبي يزيد دمع فرح ، کیف حشر منه إليه ، حين حشر غيره إلى الحجاب.
الفتوحات ج1 ص 511 .  ج2 ص 212 , 213.


8 - مشاهدة الحق في كل اعتقاد
لله رجال أعطاهم الله الفهم والاتساع وحفظ الأمانة أن يفهموا عن الله جميع إشارات كل مشار إليه ، وهم الذين يعرفونه في تجلي الإنكار ، والشاهدون إياه في كل اعتقاد ، والحمد لله الذي جعلنا منهم إنه ولي ذلك
قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " أي حكم ، وقضاء الحق لا يرد . والعبادة ذلة في اللسان المنزل به هذا القرآن ، قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ، فإن العبادة ذاتية للمخلوق لا يحتاج فيها إلى تكليف .
فكما قال : « يا أيها الناس أتم الفقراء إلى الله » ولم يذكر افتقار مخلوق .لغير الله ، قضى أن لا يعبد غير الله ، فمن أجل حكم الله عبدت الآلهة ، فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله ، فما عبد شيء لعينه إلا الله .
وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق ، فشقي لذلك .
فإنهم قالوا في الشركاء « ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله » فاعترفوا به وأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم .
وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم ، فكان قوله تعالی : « وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه » من الغيرة الإلهية حتى لا يعبد إلا من له هذه الصفة .
فكان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله ، وحينئذ عبدوا ما عبدوا ، مع أنهم ما عبدوا في الأرض من الحجارة والنبات والحيوان ، وفي السماء من الكواكب والملائكة ، إلا لاعتقادهم في كل معبود أنه إله لا لكونه حجرا ولا شجرة ولا غير ذلك .
وإن أخطأوا في النسبة فما أخطأوا في المعبود ، فعلى الحقيقة ما عبد المشرك إلا الله ، وهو المرتبة التي سماها إلها ، لأنه لو لم يعتقد الألوهية في الشريك ما عبده .
فإنه ما عبد من عبد إلا بتخيل الألوهية فيه ، ولولاها ما عبد.
ولذاك قال تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " فما عبد أحد سوى الله ، حتى المشركون ما عبدوه إلا في الهياكل المسماة شركاء ،فما عبدت إلا الألوهية في كل من عبد من دون الله.
لأنه ما عبد الحجر لعينه ، وإنما عبد من حيث نسبة الألوهة له ، فإن المشرك ما عبد شيئا إلا بعد ما نسب إليه الألوهة ، فما عبد إلا الله ..
فالكامل من عظمت حيرته و دامت حسرته ، ولم ينل مقصوده لما كان معبوده ، وذلك أنه رام تحصیل ما لا يمكن تحصيله ، وسلك سبيل من لا يعرف سبيله .
والأكمل من الكامل من اعتقد فيه كل اعتقاد ، وعرفه في الإيمان والدلائل وفي الإلحاد ، فإن الإلحاد ميل إلى اعتقاد معين، من اعتقاد ، فاشهدوه بكل عين إن أردتم إصابة العين ، فإنه عام التجلي ، له في كل صورة وجه ، وفي كل عالم حال .
الفتوحات ج1 ص  238 , 405 , 589 .  ج2 ص 92 , 212 , 326 , 498.  ج4 ص 100 , 101 , 415 .
ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة .
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.) "9"
(فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.
و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
(«و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
(و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله،وهو الحيرة."10"

9 - جملة معترضة - راجع رقم 8


10 - الحيرة
راجع الفرق بين فهم الشيخ الأكبر وبين ابن تيمية في الحيرة - كتابنا الرد على ابن تيمية من ص 50 إلى ص 59 - نقتبس من كلام الشيخ الأكبر ما يلي :
"رجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل (الدلائل المتعارضة للتنزيه والتشبيه) واستقصوها غاية الاستقصاء إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز والحيرة فيه ، من نبي أو صديق .
قال : « اللهم زدني فيك تحيرا » فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة "فيه ، من نبي أو صديق" .
""وقال الشيخ : "اللهم زدني فيك تحيرا " ، فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة ، ولا سيما أهل الكشف لاختلاف الصور عليهم عند الشهود ، فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة ، بما لا يتقارب.""
ويقول في كتاب التراجم - الحيرة لا تكون إلا فيمن لا يتكيف ، والحيرة قبل الوصول، والحيرة في الوصول ، والحيرة في الرجوع .
كيف لا تحار العقول والأسرار فيمن لا تقيده البصائر والأبصار ، لو جلى الحق نفسك لك لحرت.
ويقول في الفتوحات ج2  ص 661 - حيرة العارف في الجناب الإلهي أعظم الحيرات ، لأنه خارج عن الحصر والتقييد.
للزيادة راجع الفتوحات ج1 ص 270 , 420 .  ج2 ص 607 , 661 . ج3 ص 490 .
ج4 ص 196 , 197 , 245 , 28. , ديوان ص 71 .


.
يتبع


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في السبت 13 يوليو 2019 - 16:31 عدل 2 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 15:09 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثالثة والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الثالثة والعشرون : الجزء الثاني
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : ( «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
("فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.  فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله و بالله بل هو الله.  «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن. فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو.
«لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها. المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»، «له ما في السماوات و ما في الأرض».)
(و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب.
«و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره.
فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
(«رب اغفر لي» أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري و مقامي كما جهل قدرك في قولك: «و ما قدروا الله حق قدره».
«و لوالدي»: من كنت نتيجة عنهما و هما العقل و الطبيعة. «و لمن دخل بيتي» أي قلبي.
«مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية و هو ما حدثت به أنفسها. «و للمؤمنين» من العقول «و المؤمنات» من النفوس.
«و لا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية.
«إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين. «كل شي ء هالك إلا  وجهه» و التبار الهلاك.
و من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح "نوح"، و هو في التنزلات الموصلية لنا "11"و الله يقول الحق)


11 - يشير هنا إلى الباب السادس في اختصاص الإمام بيوم الأحد وما يظهر فيه من انفعالات.
فإن فلك يوح ، هو ذلك الشمس ، وهي السماء الرابعة ، وهذا يؤكد ما أشرت اليه في أول شرح هذه الحكمة من أن القارىء يجب عليه أن يعلم غرض الشيخ من مصنفاته ، نقتبس من ذلك قوله : متى ذكرت حادثا من حوادث الأكوان ، فانما غرضي أن أثبته في سمع السامع ، وأقابله بمثله في الإنسان .
فنصرف النظر فيه إلى ذاتنا الذي هو سبيل نجاتنا ، فأنشئه بكليته في هذه النشأة الإنسانية على حسب ما يعطيه المقام ، إما جسمانية وإما روحانية .
فإياك أن تتوهم أيها الأخ الشفيق أن غرضي من كتبي كلها الكلام فيما خرج عن ذاتي من غير أن تلحظ فيه سبيل نجاتي . (کتاب عنقاء مغرب).
وهذا ما نص عليه في ص (67) من الفص بقوله : « وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري »۰
ويشير الشيخ إلى ما جاء في التنزلات الموصلية في الباب المذكور إلى ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة حيث يقول : الحمد لله الذي كان ولا شيء معه ، وهو على ما عليه كان ، ثم أبدع العالم واخترعه ولم يرجع إليه أثر من خلقه الكيان .
أوجد ما علم من ذاته لا من شيء ، وأخرجها من غير شيء كانت فيه ولا خښء ، وكان موصوفا بالوجود قبل كل موجود ، ولا قبل من حيث العبارة ، ولا كان إلا من حيث الإشارة .
والمنهج القويم ، في معرفة ارتباط المحدث بالقديم ، فليس بينهما بينية ولا قبلية ، إذ القبل مخلوق إضافي ، وامتداد زماني ، ولو حققتم مراتب الموجودات ، لاستحال عندكم وجود الأزمان والتقدم بالکان، وقضيتم فيها بالإحالة بعد الإمكان، فمن ثبت قدمه ، استحال عليه إطلاق صيغ الأزمان ، والإشارة بصيغ المكان ، إلا من طريق المجاز ، على الجواز .
لما في عالم العبارة من العجز والقصور ، في ذلك المقام من العلو والإعزاز ، فتطلقها عليه العقول المعقولة بأفكارها ، لتجوز منها إلى إدراك المعاني المقدسة المؤسسة في فطرها .
ولولا الإمداد لهذه العقول المتعطشة لمعرفة باريها الحائرة ، لما احتجنا إلى استعمال هذه العبارات القاصرة ، فله الصفات العلى ، والأسماء الحسنى ، والنبأ الأسنى ، وحجاب العزة الأحمی ، تجلى اسمه الحي فحييت الموجودات ، والقيوم فقامت به الأرض والسموات ، ومن فيهن من عوالم البقاء والاستحالات ، فعنت لحياته الوجوه، وسجدت لقيوميته الجباه ، وأقنعت لعظمته الرؤوس ، وتحركت بذكره الشفاه .
أما الرمز واللغز في هذا الفص فهو ما جاء من باب الاشارة بكلام نوح عليه السلام لقومه ويعني به الشيخ رضي الله عنه حظ الأولياء من الصفات المذمومة وذكر منهم ثلاثة أصناف:

وهم الكافرون ، وهم الساترون مقامهم مثل الملامية ، فالكافر من أهل الشقاء من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة .
والكافر من الأولياء  "الساتر من الأولياء والمختفي بين خلقه" من كان ختم الحق على قلبه لأنه اتخذه بيتا فقال «ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي» والله غيور فلا يريد أن يزاحمه .أحد من خلقه فيه .
فإن الله لا ينظر إلا إلى قلب العبد ، فلما ختم الله على قلب هذا العبد لم يدخل في قلبه سوى ربه.
وختم على سمعه فلا يصغي الى كلام أحد إلا إلى كلام ربه ، فهم عن اللغو معرضون .
وعلى بصره غشاوة ، وهي غطاء العناية ، فلا ينظرون إلى شيء إلا ولهم فيه آية تدل على الله.
فكان هذا الحفظ غشاوة تحول بين أعينهم وبين النظر في غير دلالة ولا اعتبار ، وحالت بينهم وبين ما لا ينبغي أن ينظر إليه ، فهي غشاوة محمودة .

الظالمون ، قال تعالى : «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» و المصطفی هو الولي ، ثم قال في المصطفين "فمنهم ظالم لنفسه" ، وهو أن يمنعها حقها من أجلها ، أي الحق الذي لك يا نفسي علي في الدنيا نؤخره لك إلى الآخرة ، وبادر هنا الى الكد والاجتهاد وأخذ بالعزائم واجتنب الميل إلى الرخص ، وهذا كله حق لها ،فهو ظالم لنفسه نفسه من أجل نفسه.
ولهذا قال فيمن اصطفاه "فمنهم ظالم لنفسه "و أي من أجل نفسه ليسعدها، فما ظلمها إلا لها .

الضالون : هم التائهون الحائرون في جلال الله وعظمته ، كلما أرادوا أن يسكنوا فتح لهم من العلم به ما حيرهم و أقلقهم ، فلا يزالون حيارى لا ينضبط لهم منه ما يسكنون عنده ، بل عقولهم حائرة ، فهؤلاء هم الضالون الذين حيرهم التجلي في الصور المختلفة .
الفتوحات ج2 ص 136 , 137 .
"" والضالون – قد تأتي بمعنى الضالة وهى الهدف أو الغرض الذي نبحث عنه أو نسافر اليه " وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى" إليك ودل عليك الناس التي تبحث عن الإيمان بالله يا رسول الله و يا ولي الله "".


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الجمعة 5 يوليو 2019 - 15:18 عدل 1 مرات

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عبدالله المسافربالله

مُساهمة الجمعة 5 يوليو 2019 - 15:11 من طرف عبدالله المسافربالله

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الرابعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر فى الله

الفقرة الرابعة والعشرون :
كتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحكم عبد الباقي مفتاح 1417هـ :
03 -  لفص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
المرتبة 03 – لفص حكمة نوحية في كلمة توحية من الاسم الباطن ومرتبة الطبيعة وحرف العين ومنزلة الثريا بين برجي الحمل و الثور
ليس بعد غاية الظهور عند الاسم الآخر إلا الباطن. فظهر الاسم الباطن في المرتبة الثالثة متوجها على إيجاد الأم الكبرى أي الطبيعة.
والثلاثة أول الأفراد الجامعة بين الوتر الفاعل والشفع المنفعل هي مرتبة الإيجاد كما فصله الشيخ في فصي صالح وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام.
فالثلاثة في تمام المناسبة للطبيعة التي هي محل الانفعالي للأمر الإلهي وفي هذا المعنى يقول الشيخ في الباب 510 من الفتوحات: ... وتمم بقوله: (فقنا عذاب النار) (آل عمران، 191) وليست إلا الطبيعة في هذه الدار فإما محل الانفعال فيها الأفا لأمر الحق بمنزلة الأنثى للذكر ففيها يظهر التكوين أعيني تكوين كل ما سوى الله. وهي أمر معقول فلما رأى من رأى قوة سلطانها وما علم أن قوة سلطانها إنما هو في قبولها لما يكونه الحق فيها فنسبوا التكوين لها وأضافوه إليها ونسوا الحق فأنساهم أنفسهم إذ صرفهم عن آیات نفوسهم .
وهو قوله: "سأصرف عن آياتي الذين" (الأعراف، 146) ووصفهم الحق.
فانقسم الخلق إلى قسمين :
قسم إلى الحق الصرف
وقسم إلى الطبيعة الصرف
وظهر بينهما برزخ ظهر فيه عالم ما هو ولا واحد من هذين القسمين فرأي ما يستحقه الحق فأعطاه حقه ولو لم يعطه فهو له ورای ما تستحقه الطبيعة فأعطاها حقها ولو لم يعطها فهو لها فإن الطبيعة ليست مجعولة بل هي لذاتها في العقل لا في العين كما هو الحق لذاته في العقل والعين" ...".
وذلك ليكون الحكم في الخلق بين الوجود والعدم فيقبل العدم من حيث الطبيعة ويقبل الوجود من جانب الحق"... " فللطبيعة القبول وللحق الوهب والتأثير في الأم العالية الكبرى للعالم الذي لا يرى العالم إلا آثارها لا عينها.
كما أنه لا يرى أيضا من الحق إلا آثاره لا عينه فإن الأبصار لا تدر که والرؤية ليست إلا بها فهو المجهول الذي لا يعلم سواه وهو المعلوم الذي لا يمكن لأحد الجهل به وإن لم يعلم ما هو.
من هذا النص يفهم لماذا اقترنت الطبيعة بالباطن إذ كلاهما ترى آثاره لا عينه.
ومن جهة أخرى لأن بطون الأرحام الطبيعة هي محال التكوين حسبما ذكره الشيخ في حضرة البطون من الباب 558 من الفتوحات حيث يقول ما خلاصته.
البطون الذي وصف نفسه به إنما هو في حقنا فلا يزال باطنا عن إدراكنا إياه حسا ومعنى فإنه ليس كمثله شيء.
ولما كانت البطون محال التكوين والولادة و عنها ظهرت أعيان المولدات اتصف الحق بالباطن فظهر العالم عنه فنحن مبطونين فيه فخذ ذلك عقلا لا وهما لأنك إن أخذته خيالا ووهما رد عليك قوله:" لم يلد" (الإخلاص، 3) إلى آخر ما فصله. وحيث أن في الطبيعة تظهر أعيان الأجسام والمولدات فأنسب الحروف لها هو الحرف اللفظي الثالث حرف العين.
ولحكم الاسم الباطن على هذه المرتبة العينية الطبيعية الثالثة تكرر في هذا الفص الثالث الاسم الباطن مع أخيه الظاهر .
كما تكررت كلمة الطبيعة عدة مرات وكذلك ترددت الألفاظ المتعلقة بالبطون وعناصر الطبيعة .
مثل: الستر، الغيب، الليل، الغفر، النار، الماء.
فهو يقول مثلا: "وبشر المخبتين الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة...
فلو أخرجهم إلى السيف سیف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة رب اغفر لي ولوالدي من کنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة".
وحيث أن الباطن هو الذي ليس كمثله شيء فلا تدركه الأبصار فإن حكمة هذا الفص سبوحية لأن التسبيح تتريه.
هذا التنزيه الذي ظهر به نوح عليه السلام لانحراف قومه نحو التشبيه المطلق.
فنوح عليه السلام  هو مظهر التسبيح في الإنسان الكامل وقطب مرتبة الطبيعة المتحقق بالاسم الباطن.
وقد ورد في الحديث الشريف ما يدل على هذا المقام النوحي وذلك في وصيته لابنه سام حيث لم يرشده إلا إلى التوحيد والتسبيح فقد روى الإمام أحمد (إن نبي الله نوحا الا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك وصية , آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين: أمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة و وضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله. وسبحان الله وبحمده فإن بها صلاة كل شيء وما يرزق الخلق. وأنهاك عن الشرك والكبرانتهى، وسمي الشيخ نوحا في الباب 14 من الفتوحات بالبكاء أي كثير البكاء والنوح، الموافق لاسمه نوح . وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أن اسم نوح عبد الغفار لقوله في آخر آية من سورته "رب إغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا " (نوح: 28) والغفر هو الستر والإبطان.
وكان الغالب على نوح عليه السلام الجلال كما غلب على إبراهيم عليه السلام الجمال .
لأن مدد نوح من الباطن أي جلال التنزيه ومدد إبراهيم كما سبق في فصه من الظاهر أي جمال الخلة، و لنوح حرف العين ولإبراهيم حرف الغين.
وظهر حكم الطبيعة جليا في نوح بفيضان دموعه كما فاضت الطبيعة في زمنه بالطوفان الأكبر.
والطبيعة تتميز بعدم الاعتدال أي غلبة بعض الأركان على الأخرى، ولهذا تكلم الشيخ في هذا الفص عن غلبة التنزيه أو غلبة التشبيه وبين أن الكمال هو في الاعتدال أي فهود البطون التنزيهي في عين الظهور التشبيهي والعكس أيضا.
لكن عدم الاعتدال هو نفسه مظهر لازم من مظاهر الكمال وهذا هو مقام الطبيعة النوحية.
يقول الشيخ في الفصل 13 من الباب 198 وهو فصل الطبيعة ما خلاصته: (الطبيعة للكائنات الطبيعية كالأسماء الإلهية تعلم وتعقل وتظهر آثارها ولا عين لها من خارج.
كذلك الطبيعة تعطي ما في قوتها من الصور ولا وجود لها من خارج فما أعجب مرتبتها وما أعلى أثرها فهي ذات معقولة بمجموع أربع حقائق يسمى أثرها في الأجسام حرارة ويوسة وبرودة ورطوبة كالحياة والعلم والإرادة والقول في النسب الإلهية.
فالحياة تنظر إلى الحرارة.
والعلم ينظر إلى البرودة.
والإرادة تنظر إلى اليبوسة.
والقول ينظر إلى الرطوبة.
والطبيعة تعطي من أنفاس العالم ما تقع به الحياة في الأجسام من نمور حس لا غير ذلك.
وأما حياة العلم فمن عين النور الإلهي والنفس الرحماني.
ولما كان لها وجود أعيان الصور كان لها من الحروف العين لأن الصور الطبيعية لا روح لها من حيث الطبيعة وإنما أرواحها من الروح الإلهي، وكان لها وجود الثريا وهي سبع كواكبه لأن الطبيعة في المرتبة الثالثة وهي أربع حقائق فكان من المجموع سبعة وظهرت عنها الثريا وهي سبعة أنجم، كما كان للعقل ثلاث نسب ووجوه فوجدت عنه الكثرة وظهرت عنه الشرطين ثلاثة أنجم .
والنفس مثل العقل في ذلك وظهر عنها البطين ثلاثة أنجم و من كون النفسي ثانية كان البطين في المرتبة الثانية من الشرطين. وعن هذه السبعة التي ظهرت في الطبيعة ظهرت المسبعات في العالم وهي أيضا السبعة أيام في الجمعة.
والطبيعة لا تثبت على حالة واحدة في الصور فلا سكون عندها.
ولهذا فالاعتدال في الأجسام الطبيعية العنصرية لا يوجد ولو كانت الطبيعة تقبل الميزان على السواء لما صح عنها وجود شيء ولا ظهرت عنها صورة.
بل لا بد من ظهور بعض حقائقها على بعض لأجل الإيجاد ولولا ذلك ما تحرك فلك ولا سبع ملك ولا وصفت الجنة بأكل وشرب وظهور في صور مختلفة ولا تغيرت الأنفاس في العالم جملة واحدة.
وأصل ذلك في العلم الإلهي كونه تعالى كل يوم هو في شأن واليوم الزمن الفرد والشأن ما يحدث الله فيه فمن أين يصح أن تكون الطبيعة معتدلة الحكم في الأشياء وليس لها مستند في الإلهيات) انتهى.
وهكذا ظهرت الكلمة النوحية في فصل الطبيعة فظهر عدم الاعتدال في إدراك الحقائق عند أمته.
فغلب عليها التشبيه فكانوا أول أمة عبدت الأصنام وقالوا: "لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " (نوح، 23) فهذه خمسة أصنام لهم جعلوها على صور خمسة رجال صالحين وظنوا أنهم يتقربون إلى الله تعالى بعبادتهم.
وعددهم على عدد الأركان الطبيعية ومظاهرها العنصرية أي:
النار والهواء والماء والتراب والركن الخامس الذي هو أصل هذه الأربعة ويسميه البعض: الأثير، ويسميه آخرون الأم الأصلية كناية عن الطبيعة.
وهو الاسم الذي اختاره الشيخ حيث يقول في الباب 11 من الفتوحات ما خلاصته: (فالأرواح كلها آباء والطبيعة أم لما كانت محل الاستحالات. وجاء شرعنا أكمل الشرائع حيث جرى مجرى الحقائق الكلية فاقتصر الرجل على أربع نسوة في النكاح الموقوف على العقد كعدد الأركان الطبيعية .
وأباح ملك اليمين في مقابلة الأمر الخامس الذي هو أصل تلك الأربعة وهو المسمى بالطبيعة فإنها معقول واحد عنها ظهرت المتنافرات كالنار مع الماء والهواء مع التراب).
وقول الشيخ في هذا الفص عن المخبتين أنهم هم الذين (خبت نار طبيعتهم فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة) يشير إلى غلبة نار الطبيعة على قوم نوح وللنار شدة الظهور فمالوا إلى التشبيه المطلق.
والمنافر للنار الماء أي غلبة التنزيه البطوني ولهذا كان هلاكهم بالماء والنار، لأن هلاك كل شخص هو عين انحرافه.
قال تعالى: "مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا" (نوح، 25) ، ولإخراجهم من نار التشبيه المطلق دعاهم نوح إلى ماء التنزيه من الاسم الباطن الغفار .
فقال: " استغفروا ربكم إنه، کان غفارا" (نوح، 10) و قرنه بالماء الذي يطفي النار فقال :"يرسل السماء عليكم مدرارا" (نوح، 11) إلى قوله :"ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" (نوح، 12).  
فلغلو القوم في التشبيه والشرك دعاهم نوع إلى التسبيح والتوحيد، ولكن حيث أن الحكم في هذه المرتبة للطبيعة وهي غير معتدلة، لم يستجيبوا له.
فدعا عليهم بالهلاك وهو عدم اعتدال أيضا، لكنه لازم .
وأغرقوا بما به کفروا أي بماء التنزيه فأدخلوا نار شركهم والتشبيه...
ولا يذوق العبد حقيقة الأمر إلا بانعتاقه من عقال فرقان زوجية الظاهر والباطن إلى قرآن جمع الضدين في عين الأحدية.
ولن يصل هذه الدرجة الرفيعة إلا من تجاوز سيف الطبيعة حسب تعبير الشيخ وجمع الضدين في نفس العين تجلى عند نوح بفوران التنور الناري ماء.
يقول الشيخ في سفر نوح من كتاب "الإسفار" ما خلاصته: (لما عرف نوح أن الطوفان الذي قدره الله قرب وقته وأنه يكون في برج السرطان وهو مائي وهو الذي خلق الله الدنيا به وهو منقلب غير ثابت أخذ ينشىء السفينة.
ولم تكن آيته في الطوفان فإنه ربما أدرك ذلك بعض أصحابه من العلماء فشورك فيه، وإنما آيته التنور حيث أنذر قومه بأنه سيفور بالماء فسخروا منه لتحققهم أن النار لا تستحيل ماء أصلا.
وذلك لجهلهم بجوهر العالم وصوره فلو علموا أن النار صورة في الجوهر والماء كذلك أيضا لما سخروا.
ولما كان الماء يماثل العلم في كون الحياة منهما حسما ومعنى أهلكوا بالماء لردهم العلم .
وكان من التنور لأنهم ما كفروا إلا بماء التنور وما ردوا إلا العلم الذي شافههم به على لسان تنور جسمه وما علموا أنه مترجم عن معناه الذي هو النور المطلق.
فانجبوا بماء التنور عن التنور وما علموا أنه النور ودخلت عليه تاء تمام النشأة بوجود الجسم فعاد تنورا أي (نورا تام الملك فهو نور النار مظهره) انتهى.
ولعلاقة المقام النوحي بالتنزيه اللاهوتي والتشبيه الناسوني فإن له نسبة خاصة مع عيسى عليه السلام الذي غلبت روحانيته على طبيعته العنصرية بحكم نشأته من نفخ جبريل عليه السلام.
فنوح هو أول الرسل إلى البشر وعيسى آخرهم قبل خاتمهم عليهم الصلاة والسلام. ونوح هو فاتح دورة الإنسانية بعد الطوفان لقول الله تعالى عنه : "وجعلنا ذريته هم الباقين" (الصافات، 77) وعيسى هو خاتمها عند نزوله آخر الزمان.
ومن هذه المناسبات نجد الشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه "الإنسان الكامل" يقول إنه اجتمع بنوح عليه السلام في السماء الثانية التي هي سماء عيسى، وهي سماء المزج الجامعة لكل الطبائع.
ويقول إن اسم رئيس ملائكتها: نوحائيل. ولهذا نجد أيضا الشيخ الأكبر في كتاب "العبادلة" في الباب الذي عنوانه: "عبد الله بن شيث بن عبد العظيم".
يقول: آدم و محمد أخوان.
ونوح وعيسى أخوان.
وإبراهيم وسليمان أخوان.
وموسى وداود أخوان.
هكذا تم الأمر لنا في الكشف وما عرفت المناسبة. فبالقلب طولعت به وأطلعت عليه) انتهى.
فنوح وعيسى أخوان لحكم الاسم الظاهر الباطن عليهما.
أو لحكم فرقان التشبيه والتريه عند أمهما.
و لعلاقتهما بالطبيعة من جهة و بالمقام الشيثي من جهة أخرى...
فعلاقة عيسی بشيث سيأتي ذكرها في الفص التالي وهي تتعلق بنفث الأرواح في الأجسام.
وأما علاقة نوح بشبث فلان لشيث مرتبة اللوح أي النفس الكلية، و لنوح مرتبة الطبيعة التي هي البنت المباشرة للنفس.
والطبيعة هي الأم الكبرى مثلها مثل المرأة الكاملة مريم عليها السلام، فمريم هي المثل الإنساني للطبيعة المنفوخ فيها نفس الرحمان.
وفي الطبيعة ظهر المقام النوحي كما ظهر عیسی من مریم فكأن أمهما واحدة.
وكما أن هناك علاقة أخرى روحانية بين عيسى و إدريس قطب السماء الرابعة. فكذلك هناك علاقة تاريخية مباشرة بين نوح وإدريس كعلاقة التوأمين الطبيعة و الهباء المتولدین من النفس والعقل .
أو كعلاقة الاسمين الأخوين الحاكمين على حكمتي فصيهما أي السبوح القدوس. ولهذا ختم الشيخ هذا الفص بقوله: (من أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح) أي فلك الشمس في السماء الرابعة حيث إدريس صاحب الفص التالي الرابع.
وفي الجملة إشارة أخرى للطبيعة وهي أن حكم الطبيعة يتكرر كل سنة بانتهاء دورة شمسية بتعاقب الفصول الأربعة، أي من أراد أن يقف على أسرار الطبيعة فعليه بالرقي إلى فلك الشمس ونتبع دورتها خلال سنة كاملة.
وهو ما قام به الشيخ خلال معراجه الروحاني واجتماعه بإدريس كما فصله في كتاب "التنزلات الموصلية".


03: سورة فص نوح عليه السلام
" أول جملة في هذا الفص تلوح مباشرة لسورته. فالفص الوحيد الذي افتح بقوله:
( اعلم أيدك الله بروح منه) هو هذا الفص.
يشير بذلك إلى الآية " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم " (القدر، 4) سورة القدر .
فسورة القدر هي سورة هذا الفص الحاكم عليه الاسمان "السبوح" و "الباطن" المتوجه على إيجاد الطبيعة و منزلة الثريا وحرف العين.
فمناسبة سورة "القدر" مع "السبوح الباطن" مرجعها لليل الذي يرمز عند الشيخ للغيب . أي "الباطن وإلى القرية الذي عليه مدار حكمة هذا الفص.
والتسبيح تعظيم للقدر. فليلة القدر لها نسبة تامة مع الاسمين.
وللنهار الظهور والتشبيه. ولهذا نجد الشيخ يكثر في هذا الفص من الكلام حول الستر والغفر والكفر والغيب والحجب.
(حول العلاقة بين "الغفار" و"الباطن" أنظر الباب "559 - فتوحات " فصل: "حضرة إسبال الستور وهي للاسم الغفار و الغافر والغفور".
ومناسبة سورة "القدر" للطبيعة هي أن الطبيعة عند الشيخ هي الأم الكبرى لجميع الصور الوجودية .
والفاعل فيها هو روح الأمر الإلهي بالتكوين، فهي کليلة القدر الي: " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ".
ولهذا تجد الشيخ في الباب "446"  الفتوحات يقرن الليل بالطبيعة فيقول:
(فمن كان خلقه القرآن من ورثته وأنشأ صورة الأعمال في ليل طبيعته فقد بعث محمد صلى الله عليه وسلم من قيره) .
ولهذا أيضا نجد الشيخ في الباب "287" الفتوحات  المخصوص .بمنزل سورة القدر: يشبه ليلة القدر بالمرأة الرائعة الجمال ويقرنها بعالم الأمر الباطن فيقول:
شخص الزمان له نفس تديره   ….. غيدا معطرة من عالم الأمر
جيم وعين وفاء من منازلها   ….. جاءت به رسله في محكم الذكر
لها صلاتان من علم الغيوب وما  …. للظهر والعصر ذاك الفخر والفجر
فشخص الزمان هو السنة، والنفس التي ندبره في ليلة القدر" أي الغيداء المعطرة بأنفاس الروحانيين والرحمة.
و الصلاتان هما المغرب والعشاء . وأشار بعلم الغيوب لليل أي ليلة القدر وليل الهوية الباطنة المنزلة بالإنية الإلهية الظاهرة في أول آية هو إنا أنزلته في ليلة القدر )
وهذا بدأ الشيخ هذا الباب" "بالكلام عن الإنية ثم ذكر الهوية فقال: (فهذا منزل من منازل الغيوب لا ظهور له في الشهادة). فالإنية لها الظهور والفرقان والتشبيه والنهار، والهوية لها البطون والقرآن والتنزيه والليل، فلتلك الإنية من سورة "القدر" ليلة النصف من شعبان فلها التشعيب والتفصيل الفرقان.
ولتلك الهوية ليلة القدر فلها الجمع القرآني لأن القدر في اللغة هو التحديد والجمع. وإلى كل ذلك يشير الشيخ في هذا الفص حين يقول: (... والأمر قرآن لا فرقان... وهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس). فأشار بكلمة الأمر قرآن الأمر ليلة القدر التي خصت بها الأمة المحمدية لأن نبيها في الكمل کليلة القدر في الليالي فهي أي أمته كذلك بالنسبة إلى الأمم الأخرى .
كما عبر عن ذلك البوصيري رحمه الله في البردة: (بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم).
فقوله: (خير أمة أخرجت للناس) يشير إلى الآية: (خير من ألف شهر).
قوله في هذا الفص: (فالحق محدود بكل حد... إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته) يشير إلى القدر أي الحصر والحد.
وكلام الشيخ حول تدبير الروح للصورة، وتدبير الروح للجسد وتدبير الحق تعالى للعالم مناسب لقوله في الأبيات السابقة: (شخص الزمان له نفس تديره) لأن أمور التصريف في السنة كلها تعطي للمدبرات أمرا في هذه الليلة.
وهذا المعنى وضحه الشيخ في الباب "م34" المخصوص بسورة الدخان التي أولها "حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)" سورة الدخان، 1-6.  
فقال: (سورة القدر تجمع ما تفرقه سورة الدخان). وسورة الدخان تفرق ما تجمعه سورة القدر.  فمن لا علم له بما شاهده يتخيل أن السورتين متقابلتان و لم يتفطن للمنزل الواحد الذي جمعهما ولم يتفطن لنشأته التي قامت من جمعها للمتقابلات الطبيعية...
فسورة القدر كالجابيه لسورة الدخان إلى آخره. يشير إلى أن ليلة قدر كل شخص هي عين نفسه، وليلة القدر العظمى هي نفس "الإنسان الكامل" انظر هذا المعنى في باب "سفر القرآن العزيز" من كتابه "الأسفار " .
وقوله: "قامت من جمعها للمتقابلات الطبيعية" يشير مرة أخرى إلى جمعية ليلة القدر وعلاقتها الرمزية مرتبة الطبيعة التي لها هذا الفص.
ويؤكد الشيخ هذه العلاقة في الوصل الثامن عشر من الباب "369" -وهو الوصل الخاص بسورة القدر - فيجعل عنوانه "الوصل الثامن عشر من خزائن الجود يتضمن فضل الطبيعة على غيرها وذلك الشبهها بالأسماء الإلهية... " إلى آخر الوصل، يشير إلى الآية في ليلة القدر خير من ألف شهر) القدر، 3)
وفي الفص إشارات أخرى للجمعية القرآنية لليلة القدر كقوله: "ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال... فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل..."
وختم الفص بقوله: "ومن أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك يوح" أي من أراد أن يقف على أسرار هذا الفص المتعلق بسورة القدر وبالطبيعة ومنزلة الثريا وحرف العين فعليه بالرقي في فلك الشمس لأن ليلة القدر، وطبيعة الليل والنهار والفصول والشهور، متعلقة بدورها، وبطلوعها تنتهي ليلة القدر، ولهذا ختم الشيخ الأبيات السابقة بكلمة الفجر إشارة إلى آخر كلمة من سورة القدر.
وموقع ليلة القدر مرتبط بالدورتين الشمسية والقمرية وإليه أشار في الباب الخاص بالصوم.
وفيه يقول: "وجعل سبحانه إضافة الليل إلى القدر دون النهار لأن الليل شبيه بالغيب.
والتقدير لا يكون إلا غيا، لأنه في نفس الإنسان ... فهي ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم. فيتزل الأمر إلينا عينا واحدة، ثم يفرق فيها بحسب ما يعطيه من التفاصيل... وعلامتها محو الأنوار بنورها، وجعلها دائرة منتفلة في الشهور وفي أيام الأسبوع".
وفي فصل: "الغسل يوم الجمعة من باب الصلاة - الباب 69" يقول عن ساعة الإجابة يوم الجمعة وهي آخر ساعة فيه: "وهذه الساعة في يوم الجمعة ليلة القدر في السنة سواء" وهي إشارة في غاية النفاسة كرر الشيخ التلويح إليها في آخر الباب 32.
والاسم "الباطن" كما هو متوجه على إيجاد الطبيعة، فهو أيضا متوجه إلى منزلة الثريا التي ثلتها الأول يقع تحت برج الحمل وهو برج شرف الشمس، وموقع هذا الشرف في دائرة الفلك هو أشرف موقع فله نسبة كاملة مع شرف ليلة القدر، وقد حقق بعض علماء الفلك أن مولد رسول الله وقع لما دخلت الشمس تلك الدرجة الشريفة والله أعلم.
وللعلاقة بينه صلى الله عليه وسلم وبين ليلة القدر بعد الشيخ في الباب: 432 الخاص بمنازلة فاتحة الكتاب التي هي سورته لا يتكلم عن جمعية ليلة القدر وعلاقتها بالطبيعة يقول: "فأنت ليلة القدر لأنك من طبيعة وحق... فهي جامعة لكل أمر فهي العامة في جميع الموجودات".

علاقة هذا الفص بسابقه ولاحقه

ختم الشيخ فص شيث السابق بقوله عن بشر آخر الزمان: "يتصرفون بحكم الطبيعة" ورأينا من رموز الطبيعة ليلة القدر. 
فهذا القول تمهيد للدخول في فم نوح أو فص سورة القدر التي تتنزل فيها الروح.
 فبدأ فص نوح بقوله: "أعلم أيدك الله بروح منه".
والفقرة الأخيرة منه مشحونة بكلمات تفيد الستر والظلام كقوله: "ولا تزد الظالمين من الظلمات أهل الغيب المكتشفين خلف الحجب الظلمانية".
فهي تلويح للدخول إلى فلك يوح حيث إدريس قطب فلك الشمس أم الليل والنهار، أي تلويح بالدخول إلى منزل سورة الليل التي منها مدد فص إدريس التالي

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة
» السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر الثالث والعشرون فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
» السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي
» خطبة الكتاب "السفر الثامن والعشرون" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى