مع أهل الطريقة - الموتات الأربع عند أهل طريق الله .شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

مع أهل الطريقة - الموتات الأربع عند أهل طريق الله .شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها أ. محمود محمود الغراب

بسم الله الرحمن الرحيم

فيه ألف شيطان ثم إذا جئت أن تسد ذلك الخلل تراهم قد قطبوا وجوههم ، فإن غفلت ووطئت سجادة أحدهم لكمك لكمة حيث جاءت منك وقد يكون فيها حتفل ، وهذه وأشباهها هي الطريقة التي أهل زمانك عليها ،
ويرحم الله أبا القاسم القشيري حيث أدرك من تحلى بحلية القوم في ظاهره ، وتعرى عنهم في باطنه فأنشد فيه :
أما الخيام فإنها كخيامهم … وأرى نساء الحي غير نسائها
هذا الذي قد اشترك معهم في الزي الظاهر ، وأما اليوم فلا خيام ولا نساء بإجماع من القوم ، وإن الموت الأخضر عندهم طرح الرقاع بعضها على بعض وذلك شعارهم رضي الله عنهم (1) ،
فقام هؤلاء فقالوا إنما لنا نبس مرقعة خاصة ولم يلحظوا ما أريد بها، فتانقوا في الثياب المطرحة ، و الأعلام المشهرة ، وخاطرها على وزن معلوم ، و ترتیب: منظوم ، تساوي مالا عظيما وأفسدوا عليها ثيابا وسموها مرقعة .
فرحم الله سید هذه الطائفة أبا القاسم الجنيد حيث أنشد لما رأى فساد الحال :
اهل التصوف قد مضوا …. صار التصوف مخرقة
صار التصوف ركوة …. سجادة ومدالقه
صار التصوف صيحة … وتواجدا ومطبقة
كذبتك نفسك ليس ذي … سنن الطريق الملحقة
..........................................................................................
(1) الموتات الأربع عند أهل طريق الله
اعلم أن لأهل الله أربع موتات ، موت أبيض وهو الجوع جوع المادة ، وموت أحمر وهو مخالفة النفس في هواها ، وموت أخضر وهو لباس المرقعات لا المشهرات . وهو طرح الرقاع في اللباس بعضها على بعض ، كان لعمر بن الخطاب ثوب يلبسه فيه ثلاث عشرة رقعة إحداهن قطعة جلد وهو أمير المؤمنين،
وموت أسود وهو تحمل في الخلق بل مطق الأذى ،
وإنما سمينه ليس أمر قماش موتا أخضر لأن حالته حالة الأرض في اختلاف النبات فيه والأزهار ، فأشبه اختلاف الرقاع ،
وأما الموت الأسود لاحتمال الأذى فإن في ذلك غم النفس ، والغم ظلمة النفس ، والظلمة تشبه في الألوان السواد .
والموت الأبيض الذي هو الجوع فإن الجوع من الصبر واللون الأبيض مناسب للضياء .
فإنه صلى الله عليه وسلم قال " والصبر ضياء " .
( ف ج 1 / 258 - ج 2 / 187)

"17"

والله ما أعلم أهل الطريق كذا ، وما كان الطريق إلا بالقعود في مرابض الكلاب مجاهدة ، وتحمل الأذى وكفه رياضة ، والرحمة والشفقة والعطف على الفقراء والمساكين والمسلمين كافة تحقيقة و معرفة ، أين هم من صفة أهل الله ؟
كما نعتهم شيخ الطائفة العالية رضي الله عنهم على ما حدثنا أبو محمد بن يحيى
قال : حدثنا أبو بكر بن أبي منصور (1) وحدثنا أبو الفضل أحمد
قال : ثنا أحمد بن عبد الله قال : ثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن مقسم قال : ثنا عباس بن يوسف الشكلي قال : حدثني محمد بن عبد الملك قال : قال عبد الباري قلت لذي النون المصري رحمه الله : صف في الأبدال ، قال : إنك تسألني عن دياجي الظلم ( لأكشف لك عنها)؟
يا عبد الباري هم قوم ذكروا الله بقلوبهم تعظيما لربهم لمعرفتهم بجلاله ، فهم حجج الله تعالى على خلقه ، ألبسهم النور الساطع من محبته ، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته ، أقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته ، وطهر أبدانهم بمراقبته ، وطيبهم بطيب أهل معاملته ، وكساهم حللا من نسج مودته ، ووضع على رؤوسهم تيجان مسرته ، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب، فهي معلقة بمواصلته ، فهممهم إليه سائرة ، وأعينهم بالغيب إليه ناظرة ، قد أقامهم على بابه النظر من قربه ، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته ، ثم قال عز وجل لهم : إذ أتاكم عليل من فقدي فداووه ، أو مريض من فرقي فعالجوه ، أو خائف مني فأمنوه ، أو آمن مني فحذروه ، أو راغب في مواصلتي فمنوه، أو راحل تحوي فزودوه ، أو جبان في متاجرتي فشجعوه ، أو آيس من فضلي فدوه ، او راج الإحساني فبشروه ، أو حسن الظن بي فبأسطوه ، أو محب لي فواطئوه (2) ،
أو معظم القدري فعظموه ، أو مسيء بعد إحسان فعاتبوه ، أو مسترشد نحوي فأرشدوه ، إلى آخر القصة على حسب ما ذكرناه في كتاب البغية لنا مستوفی ؛ فهذه أحوال العارفين يا ولي وهكذا تكون عمارة القلوب
..........................................................................................
(1) (ثنا ) يعني تحويل السند أو رواية أخرى
(2) وافقوه .

"18"

وأما أهل زمانك فوالله لو اطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى وجوههم عيونا جامدة ، متحر كة غير هامدة ، وإن نظرت إلى نفوسهم رأيت نفوسة سامدة (1)،
وإن نظرت إلى قلوبهم رأيت قلوبا لاهية، من العمارة العلوية والقدسية خالية ، على عروشها خاوية ، آجاما لأسود ضارية ، ومرابض لذئاب عاوية ، فسل الله تعالی عند رؤيتهم العافية (2) ،
این هم یا وليي من قوم وصفهم أبو الفيض رحمه الله تعالى حيث قال : إن الله لصفوة من خلقه وإن الله لخيرة ، قيل له : يا أبا الفيض ما علامتهم ؟
قال : إذا خلع العبد الراحة وأعطى المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة
ثم قال :
..........................................................................................
(1) متكبرة .
(2) الشيخ يصف أهل زمانه
هذا زمان قد ذهب شبابه وخلق إهابه ، بهره حديد وشيطانه مړید ، وقرينه عنيد و جباره عتيد ، حطت فيه اقدار الأحرار وطمس فيه وميض الأنوار ، وانفطرت فيه سماء الأسرار ، وجهلت مقادير الأعيان ، وحجبت القلوب بمشاهدة الأكوان ، جهلت مقادير الشيوخ اهل المشاهد والرسوخ، واستنزلت ألفاظهم جهلا وكان لها شموخ ، جعلني الله ممن أحيا رسمها وعلا منصبها واسمها بمنه
قد تاه غلماننا علينا ..... فما لنا في الوجود قدر
أذنابنا صيرت رؤوسا ..... ما لي على ما أراه صبر
قد أوذي اللّه مثل هذا ..... فالوقت حلو وقتا ومرّ
هذا هو الدهر يا خليلي ..... فمن يقاسيه فهو دهر

فالمسخ في القلوب اليوم كثير ، وكان في بني إسرائيل ظاهرا حين جعلهم الله قردة و خنازير ، والمدعون الذين يفترون على الله الكذب في زماننا كثير ، وإرداف النعم مع المخالفة موجود اليوم كثير في المنتمين إلى طريق الله ، وهو أمر عام ، وأما بقاء الحال مع سوء الأدب فهو في اصحاب الهمم وهم قليلون ، على أنا راينا منهم جماعة بالمغرب وبهذه البلاد ، وهو أنهم يمشون الأدب مع الحق بالخروج عن مراسمة مع بقاء الحالة المؤثرة في العالم عليهم ، مكرا من الله ، فيتخيلون أنهم لو لم يكونوا على حق في ذلك التغير عليهم الحال ، نعوذ بالله من مكره الخفي ، وأصحاب الدعاوى في هذه الطريقة المنافقين في المسلمين ،
فإنهم شاركوهم في الصورة الظاهرة وبانوا بالبواطن .
(ف ج 2 / 302 ، 530 ، 553 ، 602 - ج 3 / 328)

"19"

منع القران بوعده ووعیده … مقتل العيون بليلها إن تهجع
فهموا عن الملك الكريم كلامه ... فهما تذل له الرقاب وتخضع
فقال له بعض من كان في مجلسه : من هؤلاء القوم يا أبا الفيض رحمك الله ؟
قال : ويحك، هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادا، والتراب لجنوبهم مهادا، هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم، فعزلهم عن الأزواج، وحركهم بالإدلاج (1)، فوضعوه على أفئدتهم فانسرحت، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، وتصدعت هممهم به فكدحت، فجعلوه لظلمتهم سراجا، ولسبيلهم منهاجا، ولحجتهم إفلاجا (2)،
يفرح الناس ويحزنون، وينام الناس ويسهرون، ويفطر الناس ويصومون، ويأمن الناس ويخافون، فهم خائفون حذرون وجلون مشفقون مشمرون، يبادرون من الفوت، ويستعدون للموت؛ إلى آخر القصة.
كما حدثنا أبو الحسن علي بن موسی سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله قال : ثنا سعد بن عبد الله قال : ثنا أحمد بن أحمد قال : ثنا أحمد بن عبد الله قال : ثنا أبي قال : ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة قال : ثنا أبو عثمان الخياط عن أبي الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري وهو س. كما علمت با وليس من ساداتنا ، فهذا وصفه لأولياء الله وبهذا حلاهم وهكذا شاهدهم ورآهم ،
ولقد لقيت بهذه البلاد من يلبس سراويل الفتيان ، ولا يستحي في ذلك من الرحمن ، لا يعرف شروط السنن والفرائض ، ولا يصلح أن يكون خديما في المراحض ، ومع هذا يا وليي ، فهم و الله الصدف الذي يخفي رفيع الدرر ، والسياج على الروضة البائعة ذات ألزهر ، يدخل بينهم الصادق والصديق فيجهل ، والعارف المتمكن فيترك و يهمل ، فإنه يحمل ما هم عليه لاشتراكهم في المسكن ، وما بينه وبينهم معاملة في شيء ، ولقد وقع بيدي منهم بمصر في الخانقاه بالقاهرة كهل يقربه أن يكون رجيلا لا بأس به ، ففرحت به لما لم أجد غيره
واجتمعت مع شيخ يدعى فيهم شيخ الشيوخ بأربیل (3)
هكذا قال لي بنفسه ورأيته يعطي النصف من نفسه للمتكلم معه رضي الله عنه ، فزعم أن ليس الله في الغرب من يعرف
..........................................................................................
(1) بأناء الليل وأطرافه (2) ظفر و فوزا .
(3) اربل من أعمال الموصل بالعراق .

.

مع أهل الطريقة - الموتات الأربع عند أهل طريق الله .شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

مع أهل الطريقة - الموتات الأربع عند أهل طريق الله .شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

مع أهل الطريقة - الموتات الأربع عند أهل طريق الله .شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها أ. محمود محمود الغراب

مع أهل الطريقة - الموتات الأربع عند أهل طريق الله .شرح رسالة روح القدس في محاسبة النفس من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :: تعاليق