المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر نشاطاً
البحث في جوجل
تفسير الآيات من "01 - 78 " من سورة الرحمن .كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم ج 4 من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
اتقوا الله ويعلمكم الله :: ديوان الشيخ الاكبر محيي الدين ابن العربى الحاتمى الطائى قدس الله روحه :: كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي :: كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم الجزء الرابع من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
صفحة 1 من اصل 1
08042021
تفسير الآيات من "01 - 78 " من سورة الرحمن .كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم ج 4 من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
تفسير الآيات من "01 - 78 " من سورة الرحمن .كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم ج 4 من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم ج 4 من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي جمع وتأليف محمود محمود الغراب
( 55 ) سورة الرحمن مدنيّة
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 1 ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمنُ ( 1 )
مبالغة في الرحمة العامة التي تعم الكون أجمعه .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 2 ]
عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 )
[ « عَلَّمَ الْقُرْآنَ » الآية : ]
نصب القرآن ، يعني علّم القرآن أين ينزل من الإنسان ، هل في النفس ، أو في الجنان ؟ وفي أي قلب يكون ويستقر ، وعلى أي قلب ينزل ، فالرحمن علّم القرآن النزول إلى قلوب عباده المؤمنين التي وسعته ، فهو نزول منه إليه .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 3 ]
خَلَقَ الْإِنْسانَ ( 3 )
[ ترتيب الخلائق من العقل إلى الإنسان : ]
فعين له الصنف المنزل عليه . اعلم أن اللّه كان ولا شيء معه ، لم يرجع إليه من إيجاد العالم صفة لم يكن عليها ، بل كان موصوفا لنفسه ، ومسمى قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها خلقه ، فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه ، انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية ، انفعل عنها حقيقة تسمى الهباء ، هي بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور ، وهذا هو أول موجود في العالم ، ثم أنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء ، والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية ،
فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده ، كما تقبل زوايا البيت نور السراج ، وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله ، فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم المسماة بالعقل ،
فكان سيد العالم بأسره ، وأول ظاهر في الوجود ، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ، ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية ، وفي الهباء وجد عينه ، وعين العالم من تجليه ، ثم انتهى ترتيب نضد العالم وإيجاده إلى الإنسان ،
فهو آخر المولّدات ، وهو نظير العقل الأول وبه ارتبط ، لأن الوجود دائرة ،
فكان ابتداء الدائرة وجود العقل الأول الذي ورد في الخبر أنه أول ما خلق اللّه العقل ؛
فهو أول الأجناس وانتهى الخلق إلى الجنس الإنساني فكملت الدائرة ، واتصل الإنسان بالعقل كما يتصل آخر الدائرة بأولها ،
فكانت دائرة ، وما بين طرفي الدائرة جميع ما خلق اللّه من أجناس العالم ، بين العقل الأول الذي هو القلم أيضا ،
وبين الإنسان الذي هو الموجود الآخر ،
ولما كانت الخطوط الخارجة من النقطة التي في وسط الدائرة إلى المحيط الذي وجد عنها ، تخرج على السواء لكل جزء من المحيط ،
كذلك نسبة الحق تعالى إلى الموجودات نسبة واحدة فلا يقع هناك تغيير البتة ، كانت الأشياء كلها ناظرة إليه ، وقابلة منه ما يهبها ، نظر أجزاء المحيط إلى النقطة ، واعلم أن اللّه ما خلق العالم الخارج عن الإنسان إلا ضرب مثال للإنسان ، ليعلم
ص 233
أن كل ما ظهر في العالم هو فيه ، فكل مولد يجمع حقائق ما فوقه حتى ينتهي إلى الإنسان ، وهو آخر مولد ،
[ الإنسان الكامل إنسان عين الوجود : ]
فتجمع فيه جميع قوى العالم والأسماء الإلهية بكمالها فسمي إنسانا لعموم نشأته وحصره الحقائق كلها ، وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر ، وهو المعبر عنه بالبصر ، فلهذا سمي إنسانا ، فإنه به نظر الحق سبحانه إلى خلقه فرحمهم ،
فلا موجود أكمل من الإنسان الكامل ، ومن لم يكمل في الدنيا من الأناسي فهو حيوان ناطق ، جزء من الصورة ، لا يلحق بدرجة الإنسان ، بل نسبته إلى الإنسان نسبة جسد الميت إلى الإنسان ، فهو إنسان بالشكل لا بالحقيقة ، فالإنسان هو العين المقصودة ، وهو مجموع الحكم ،
ومن أجله خلقت الجنة والنار ، والدنيا والآخرة ، والأحوال كلها والكيفيات ، وفيه ظهر مجموع الأسماء الإلهية وآثارها ، فهو المنعّم والمعذّب ، والمرحوم والمعاقب ، ثم جعل له أن يعذب وينعم ويرحم ويعاقب ، وهو المكلف المختار ، وهو المجبور في اختياره ،
وله يتجلى الحق بالحكم والقضاء والفصل ، وعليه مدار العالم كله ، ومن أجله كانت القيامة ، وبه أخذ الجان ، وله سخر ما في السماوات وما في الأرض ، ففي حاجته يتحرك العالم كله علوا وسفلا ، دنيا وآخرة ، وجعل نوع هذا الإنسان متفاوت الدرجات ، فسخر بعضه لبعضه ، وسخره لبعض العالم ليعود نفع ذلك عليه ، فما سخر إلا في حقّ نفسه ، وانتفع ذلك الآخر بالعرض ،
وما خص أحد من خلق اللّه بالخلافة إلا هذا النوع الإنساني ، وملّكه أزمة المنع والعطاء ، فالسعداء خلفاء ونواب ، ومن دون السعداء فنواب لا خلفاء ، ينوبون عن أسماء اللّه في ظهور حكم آثارها في العالم على أيديهم ، وقدم اللّه الإنس على الجان في آيات هذه السورة ،
وفي قوله تعالى :« خَلَقَ الْإِنْسانَ »فابتدأ به تقديرا ومرتبة نطقية ، تهمما به على الجن ، وإن كان الجن موجودا قبله ، يؤذن بأنه وإن تأخرت نشأته فهو المعتنى به في غيب ربه ، لأنه المقصود من العالم لما خصه به من كمال الصورة في خلقه باليدين
[ إشارة واعتبار : العوالم أربعة ]
- إشارة واعتبار - اعلم أن العوالم أربعة :
العالم الأعلى وهو عالم البقاء ،
ثم عالم الاستحالة وهو عالم الفناء ،
ثم عالم التعمير وهو عالم البقاء والفناء ،
ثم عالم النسب ،
وهذه العوالم في موطنين :
في العالم الأكبر وهو ما خرج عن الإنسان ،
وفي العالم الأصغر وهو الإنسان ،
( فأما العالم الأعلى )
فالحقيقة المحمدية وفلكها الحياة ، نظيرها من الإنسان اللطيفة والروح القدسي ،
ومنهم العرش المحيط ، ونظيره من الإنسان الجسم ، ومن ذلك الكرسي ،
ص 234
ونظيره من الإنسان النفس ،
ومن ذلك البيت المعمور ، ونظيره من الإنسان القلب ،
ومن ذلك الملائكة ونظيرها من الإنسان الأرواح التي فيه والقوى ،
ومن ذلك زحل وفلكه نظيره من الإنسان القوة العلمية والنفس ،
ومن ذلك المشتري وفلكه نظيرها القوة الذاكرة ومؤخر الدماغ ،
ومن ذلك الأحمر وفلكه نظيرهما القوة العاقلة واليافوخ ،
ومن ذلك الشمس وفلكها نظيرهما القوة المفكرة ووسط الدماغ ،
ثم الزهرة وفلكها نظيرهما القوة الوهمية والروح الحيواني ،
ثم الكاتب وفلكه نظيرهما القوة الخيالية ومقدم الدماغ ،
ثم القمر وفلكه نظيرهما القوة الحسية والجوارح التي تحس ، فهذه طبقات العالم الأعلى ونظائره في الإنسان ،
( وأما عالم الاستحالة )
فمن ذلك كرة الأثير وروحها الحرارة واليبوسة وهي كرة النار ونظيرها الصفراء وروحها القوة الهاضمة ، ومن ذلك الهواء وروحه الحرارة والرطوبة ونظيره الدم وروحه القوة الجاذبة ، ومن ذلك الماء وروحه البرودة والرطوبة نظيره البلغم وروحه القوة الدافعة ،
ومن ذلك التراب وروحه البرودة واليبوسة نظيره السوداء وروحها القوة الماسكة ، وأما الأرض فسبع طباق ، أرض سوداء ، وأرض غبراء ، وأرض حمراء ، وأرض صفراء ، وأرض بيضاء ، وأرض زرقاء ، وأرض خضراء ، نظير هذه السبعة من الإنسان في جسمه ، الجلد والشحم واللحم والعروق والعصب والعضلات والعظام( وأما عالم التعمير )
فمنهم الروحانيون نظيرهم القوى التي في الإنسان ، ومنهم عالم الحيوان نظيره ما يحس من الإنسان ، ومنهم عالم النبات نظيره ما ينمو من الإنسان ، ومن ذلك عالم الجماد نظيره ما لا يحس من الإنسان( وأما عالم النسب )
فمنهم العرض ثم الكيف ثم الكم ثم الأين ، ثم الزمان ، ثم الإضافة ، ثم الوضع ثم أن يفعل ثم أن ينفعل ، وكلها تنسب إلى الإنسان ، ومنهم اختلاف الصور في الأمهات كالفيل والحمار والأسد والصرصر ، نظير هذا القوة الإنسانية التي تقبل الصور المعنوية من مذموم ومحمود ، هذا فطن فهو فيل ، هذا بليد فهو حمار ، هذا شجاع فهو أسد ، هذا جبان فهو صرصر وعلم الرحمن الإنسان الأسماء ، والإفصاح عما علمه بقوله :
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 4 ]
عَلَّمَهُ الْبَيانَ ( 4 )
- الوجه الأول - أي القرآن ، وهو عين الهدى ، فإنه قال فيه هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ )
ص 235
وهو القرآن ( وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) فعلم القرآن قبل الإنسان أنه إذا خلق الإنسان لا ينزل إلا عليه ، فينزل على الإنسان القرآن ليترجم عنه بما علمه الحق من البيان ، الذي لم يقبله إلا هذا الإنسان ، فكان للقرآن علم التمييز ، فعلم أين محله الذي ينزل عليه من العالم ،
وكذلك كان ، فإنه نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، ليبين للناس ما نزل إليهم ، ثم لا يزال ينزل على قلوب أمته إلى يوم القيامة ، فهو ينزل على كل قلب تال في حال تلاوته ، فنزوله في القلوب لا يبرح دائما ، جديد لا يبلى
- الوجه الثاني -« عَلَّمَهُ الْبَيانَ »بما بيّن له ، فعلم كيف يبين لغيره ، فأبان عن المراد الذي في الغيب ، وعلمه البيان وهو ما ينطق به اللسان ، وعرفه المواطن وكيف يكون فيها
- الوجه الثالث –" عَلَّمَهُ الْبَيانَ »وهو الفرقان
- الوجه الرابع -« عَلَّمَهُ الْبَيانَ »علّم القرآن تكن نائب الرحمن ، فإن الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ،
فإنه قال فيه هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ ) وهو القرآن ، فعلم اللّه القرآن كما علم الإنسان القرآن ، فخيركم من علم القرآن وعلمه
[ إشارة : قطع اللّه حكم الأسباب : ]
- إشارة - بهذه الآيات الأربع قطع اللّه حكم الأسباب ، فأضاف الكل إليه تعالى .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 5 ]
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ( 5 )
ليجمع للإنسان بين ما يثبت على حالة واحدة وبين ما يقبل الزيادة والنقصان ، وذلك ميزان حركات الأفلاك .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 6 ]
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ ( 6 )
لهذا الميزان ، أي من أجل هذا الميزان ، فالنجم والشجر يسجدان ، وهما ما ظهر وما قام على ساق فعلا ، حكمت بذلك القدمان ، فمنه ذو ساق وهو الشجر ، ومنه ما لا ساق له وهو النجم ، فاختلفت السجدتان ، فإن الشجر كل نبات قام على ساق والنجم هو كل نبات لم يقم على ساق ، بل له الطلوع والظهور على وجه الأرض خاصة .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 7 ]
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ( 7 )
ص 236
« وَالسَّماءَ »وهي قبة الميزان« رَفَعَها »في البنيان ، لما ها من الولاية والحكم في الأكوان ، فهي السقف المرفوع على الأركان" وَوَضَعَ الْمِيزانَ "
[ " وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ " الآية : ]
- الوجه الأول - وضع الميزان في سباحة الكواكب في أفلاكها ، التي هي طرق في السماوات ، لتجري بالمقادير الكائنة في العالم ، على قدر معلوم لا تتعدّاه ، فهي تعطي وتمنع بذلك الميزان الذي وضع الحق لها ، لأنها تشاهد الميزان بيد الحق حين يخفض به ويرفع ،
فإذا نظرت إلى من رفعه الحق بميزانه أعطته ما يستحقه مقام الرفع ، وإذا رأت الحق يضع بميزانه من شاء أعطته ما يستحقه مقام الوضع ،
وذلك هو التسخير الذي ورد في القرآن أنها مسخرات بأمره ، فصاحب الشهود يقول : مطرنا بفضل اللّه ورحمته ؛ بالوزن الذي جعله في سباحة كوكب من الكواكب ، وما قدره اللّه له من المنازل التي ينزل فيها ،
والمحجوب عن هذا المقام يقول : مطرنا بنوء كذا وكذا ؛
فيذكر الكوكب المجبور في ذلك ويضيف ما ظهر من المطر الصائب إليه ، كما يضيف أفعاله خلقا إلى نفسه ، فسمي عند ذلك كافرا باللّه مؤمنا بمن رأى الفعل منه ، ويسمى الأول مؤمنا باللّه كافرا بمن رأى الحسن الفعل صادرا منه ، من حيث ما هو محل ،
ومن المكلفين من ليس له هذا الشهود ، ولا تركه الإيمان يقف مع الحجاب الذي على عينه ، فيقول مثل ما يقول صاحب الشهود : مطرنا بفضل اللّه ورحمته ، تقليدا لا علما ، حتى يتميز المؤمن من العالم ، فإن المؤمن يقول ذلك لورود الخبر الصادق به ،
ويقوله صاحب النظر لما يعطيه دليل عقله مثل المؤمن سواء ، إلا أن له درجة زائدة ، وهذان الصنفان لا يبلغان مبلغ صاحب الشهود في الدرجة ، فإنه يزيد عليهما بالعين - الوجه الثاني -« وَوَضَعَ الْمِيزانَ »في الأرض ،
أي وضع ميزانا عندنا في الأرض ، وهو ميزان الشرع ، لنصرفه بحسب وضع الحق ، فلا يتعدى الميزان الذي يطلبه منه ، وهو الميزان الإلهي المشروع ، فمن عرفه ووقف عنده وتأدب بآداب اللّه التي أدب بها رسله فقد فاز ، وحاز درجة العلم باللّه ، وعلم أن اللّه وضع الميزان ليظهر به إقامة العدل في العالم بصورة محسوسة ، ليرتفع النزاع بين المتنازعين ، لوجود الكفتين المماثلة للخصمين ، ولسان الميزان هو الحاكم ،
فإلى أية جهة مال حكم لتلك الجهة بالحق ، وإن هو بقي في قبته من غير ميل إلى جهة إحدى الكفتين ، علم أن المتنازعين لكل واحد منهما حق فيما ينازع فيه ، فيقع له الإنصاف لما شهد له به حاكم لسان الميزان ، فارتفع الخصام والمنازعة ، فلو أن اللّه يفتح عين بصائر الخصماء لمشاهدة
ص 237
الحق ، ويعلمون أنه بالمرصاد ، وهو الحاكم وبيده الميزان يرفع ويخفض ، لم يصح نزاع في العالم ، فدل وقوعه أن الكل في حجاب عن الحاكم صاحب الوزن والميزان ، فإذا رأيت من ينازع في العالم فاعلم أنه في حجاب عن اللّه ، فإنه تعالى وضع الميزان للنقصان والرجحان ، ليزن به الثقلان.
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 8 ]
أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ( 8 )
لكم بالرجحان وعليكم بالنقصان ، فذلك الإفراط والتفريط من أجل الخسران .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 9 ]
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ( 9 )
" وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ »فإن اللّه وضع لنا في العالم الموازين الشرعية لنقيم بها الوزن بالقسط ، وهو الاعتدال ، مثل لسان الميزان والكفتين ومثل اعتدال الإنسان ،
إذ الإنسان لسان الميزان ، فلا بد فيه من الميل إلى جانب داعي الحق ، فالواجب إقامة الوزن بالقسط ، فإن رجحت الوزن في القضاء فهو أفضل ، فإنك امتثلت أمر اللّه ، فإنه ما رجح الميزان حتى اتصف بالإقامة التي هي حد الواجب ثم رجح ،
والذي يخسر الميزان ما بلغ بالوزن حد الإقامة حتى يحصل الواجب ، مثل ما فعل المرجح ، فما حمدنا المرجح إلا لحصول إقامة الوزن لا للترجيح ، ثم أثنينا عليه ثناء آخر بالترجيح ، فالمرجح محمود من وجهين ، وحمده من جهة الإقامة أعلى لأنه الحمد الوجوبي« وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ »وهو الموزون من الأعيان ، فلا تفرطوا بترجيح إحدى الكفتين إلا بالفضل ، فإنه إذا أقيمت موازين الشرع الإلهي في العالم سرى العدل في العالم .
واعلم أنه ما من صنعة ولا مرتبة ولا حال ولا مقام إلا والوزن حاكم عليه علما وعملا ،
فللمعاني ميزان بيد العقل يسمى المنطق ، يحوي على كفتين تسمى المقدمتين ،
وللكلام ميزان يسمى النحو ، يوزن به الألفاظ ، لتحقيق المعاني التي تدل عليه ألفاظ ذلك اللسان ، ولكل ذي لسان ميزان ، فالأمر محصور في علم وعمل ،
والعمل على قسمين : حسي وقلبي ،
والعلم على قسمين : عقلي وشرعي ،
وكل قسم على وزن معلوم عند اللّه في إعطائه ، وطلب من العبد لما كلفه أن يقيم الوزن بالقسط ، فلا يطغى فيه ولا يخسره ، وميزان العمل حسي وقلبي ، كل من جنسه ، فميزان العمل أن ينظر إلى
ص 238
الشرع ، وكيف أقام صور الأعمال على أكمل غاياتها ، قلبيا كان ذلك العمل أو حسيا ، أو مركبا من حس وقلب ، كالنية والصلاة من الحركات الحسية،
فقد أقام الشرع لها صورة روحانية يمسكها عقلك ،
فإذا شرعت في العمل فلتكن عينك في ذلك المثال الذي أخذته من الشارع ، واعمل ما أمرت بعمله في إقامة تلك الصورة ،
فإذا فرغت منها قابلها بتلك الصورة الروحانية ، المعبر عنها بالمثال الذي حصلته من الشارع ، عضوا عضوا ومفصلا مفصلا ظاهرا وباطنا ،
فإن جاءت الصورة فيها بحكم المطابقة من غير نقصان ولا زيادة ، فقد أقمت الوزن بالقسط ولم تطغ فيه ولم تخسره ، فإن الزيادة في الحد عين النقص في المحدود ،
وقد قال تعالى لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ )وهو معنى( أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ )( وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ )
وهو قوله :« وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ »
فطلب العدل من عباده في معاملتهم مع اللّه ، ومع كل ما سوى اللّه من أنفسهم وغيرهم ، فإذا وفق اللّه العبد لإقامة الوزن ،
فما أبقى له خيرا إلا أعطاه إياه ، وترجيح الميزان في موطنه هو إقامته ، وخفة الميزان في موطنه إقامته ، فهو بحسب المقامات ، فالمحقق هو الذي يقيم الميزان في العلم والعمل ، على حسب ما يقتضيه الموطن ، من الرجحان والخفة في الموزون ، بالفضل في موضعه والاستحقاق ،
فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ندب في قضاء الدين وقبض الثمن إلى الترجيح ،
فقال : [ أرجح له ] حين وزن له ، فما أعطاه خارجا عن استحقاقه بعين الميزان ،
فهو فضل لا يدخل الميزان ، إذ الوزن في أصل وضعه إنما وضع للعدل لا للترجيح ، وكل رجحان يدخله فإنما هو من باب الفضل ، وإن اللّه لم يشرع قط الترجيح في الشر جملة واحدة ، وإنما قال وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ )
وقال وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها )ولم يقل : أرجح منها ،
وقال فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ )ولم يقل : بأرجح( فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )
فرجح في الإنعام[ تنبيه وإشارة : خلق اللّه آدم على صورته : ]
- تنبيه وإشارة - جمع اللّه تعالى في هذه السورة قوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ )وقوله تعالى وَوَضَعَ الْمِيزانَ )فقد خلق الإنسان على صورة الميزان ، وجعل كفتيه يمينه وشماله ، وجعل لسانه قائمة ذاته ، فهو لأي جانب مال ، وقرن اللّه السعادة باليمين وقرن الشقاء بالشّمال ، وأمرنا تعالى في قوله وَوَضَعَ الْمِيزانَ )أن نقيمه من غير طغيان ولا خسران ،
ومن إقامته أن تعلم أن قول اللّه تعالى : [ خلق اللّه آدم على صورته ] فوازن بصورته حضرة موجده ذاتا وصفة وفعلا ، ولا يلزم من الوزن
ص 239
الاشتراك في حقيقة الموزونين ، فإن الذي يوزن به الذهب المسكوك هو صنجة حديد ، فليس يشبهه في ذاته ولا صفته ولا عدده ،
فيعلم أنه لا يوزن بالصورة الإنسانية إلا ما تطلبه الصورة ، بجميع ما تحوي عليه ، بالأسماء الإلهية التي توجهت على إيجاده وأظهرت آثارها فيه ،
وكما لم تكن صنجة الذهب توازن الذهب في حد ولا حقيقة ولا صورة عين ، كذلك العبد وإن خلقه اللّه على صورته ، فلا يجتمع معه في حد ولا حقيقة ، إذ لا حد لذاته ، والإنسان محدود بحد ذاتي لا رسمي ولا لفظي ، وكل مخلوق على هذا الحد ، والإنسان أكمل المخلوقات وأجمعها من حيث نشأته ومرتبته ، فإذا وقفت على حقيقة هذا الميزان زال عنك ما توهمته في الصورة ، من أنه ذات وأنت ذات ،
وأنك موصوف بالحي العالم وسائر الصفات وهو كذلك ، وتبين لك بهذا الميزان أن الصورة ليس المراد بها هذا ، ولهذا جمع في سورة واحدة( خَلَقَ الْإِنْسانَ )( وَوَضَعَ الْمِيزانَ )وأمرك أن تقيمه من غير طغيان ولا خسران ، وما له إقامة إلا على هذا الحد ،
فإن اللّه الخالق وأنت العبد المخلوق ، وكيف للصنعة أن تعلم صانعها ؟ وإنما تطلب الصنعة من الصانع صورة علمه بها لا صورة ذاته ،
وأنت صنعة خالقك ، فصورتك مطابقة لصورة علمه بك ، فاعلم بأي ميزان تزن نفسك مع ربك ، ولا تعجب بنفسك ،
واعلم أنك صنجة حديد وزن بها ياقوتة يتيمة لا أخت لها ، وإن اجتمعت معها في المقدار فما اجتمعت معها في القدر ولا في الذات ولا في الخاصية ، تعالى اللّه ، فالزم عبوديتك والزم قدرك .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 10 ]
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ ( 10 )
من أجل المشي والمنام .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 11 ]
فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ ( 11 )
لحصول المنافع ودفع الآلام .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 12 ]
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ ( 12 )
وهو ما يقوت الإنسان والحيوان .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 13 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 13 )
« فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ »
[ كان الجن أحسن استماعا لسورة الرحمن من الإنس : ]
أيها الإنس والجان ، وقد غمر كما بالإنعام والإحسان ، ولما تلا
ص 240
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة الرحمن - العامة لجميع ما خلق اللّه دنيا وآخرة ، وعلوا وسفلا - على الجن ،
فما قال في آية منها :« فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ »إلا قالت الجن : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ؛ فمدحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه بحسن الاستماع ، حين تلاها عليهم ولم يقولوا شيئا من ذلك ،
فقال لهم : [ لقد تلوتها على إخوانكم من الجن فكانوا أحسن استماعا لها منكم ، وذكر الحديث ]
وفيه [ فما قلت لهم« فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ »إلا قالوا : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ] فكان ذلك المدح في شرف الجن علينا ، ولم يكن سكوت الصحابة عن جهل بأن الآلاء من اللّه ، ولا أن الجن أعرف منهم بنسبة الآلاء إلى اللّه ،
ولكن الجن وفّت بكمال المقام الظاهر حيث قالت : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ؛ فإن الموطن يقتضيه ، ولم تقل ذلك الصحابة من الإنس حين تلاها عليهم ، شغلا منهم بتحصيل علم ما ليس عندهم مما يجيء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ،
فشغلهم ذلك الحرص على تعمير الزمان الذي يقولون فيه ما قالت الجن ، أن يقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما يقول من العلم ، فيستفيدون ،
فهم أشد حرصا على اقتناء العلم من الجن ، والجن أمكن في توفية الأدب بما يقتضيه هذا الموطن من الجواب من الإنس ،
فمدحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما فضلوا به على الإنس ،
وما مدح الإنس بما فضلوا به على الجن ، من الحرص على مزيد العلم بسكوتهم عنده تلاوته ، ولا سيما والحق يقول لهم وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا )والسورة واحدة في نفسها ، كالكلام غير التام ، فهم ينصتون حتى يتمها ، فجمع الصحابة من الإنس بين فضيلتين لم يذكرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وذكر فضل الجن فيما نطقوا به ، فإن نطقهم تصريح بالعبودية بلسان الظاهر ،
وهم بلسان الباطن أيضا عبيد ،
فجمعوا بين اللسانين بهذا النطق والجواب ، ولم يفعل الإنس من الصحابة ذلك عند التلاوة ، فنقصهم هذا اللسان ،
فكان توبيخ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إياهم تعليما بما تستحقه المواطن ، أعني مواطن الألسنة الناطقة ليتنبهوا ،
فلا يفوتهم ذلك من الخير العملي ، فإنهم كانوا في الخير العلمي في ذلك الوقت ، وحكم العمل في موطنه لا يقاومه العلم ،
فإن الحكم للموطن ، وحكم العلم في موطنه لا يقاومه العمل ، فنبّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصحابة على الأكمل في موطنه ،
وهو المعلم فنعم المؤدب ، وانظر ما أعلم الجن بحقائق ما خوطبوا ، كيف أجابوا بنفس ما خوطبوا به ، حتى بالاسم الرب ،
ولم يقولوا : يا إلهنا ولا غير ذلك ، ولم يقولوا : ولا بشيء منها ؛ وإنما قالوا : من آلائك ؛ كما
ص 241
قيل لهم ، لاحتمال أن يكون الضمير يعود على نعمة مخصوصة في تلك الآية ، وهم يريدون جميع الآلاء حتى يعم التصديق .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 14 إلى 15]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ( 14 ) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ( 15 )
فالإنسان ما يفخر إلا بالجان ، وبما في الجان من الضلال كان الصلصال ، وهو الثناء الذميم على من خلق في أحسن تقويم ، فيبقى الإنسان على التقديس ، ويأخذ صلصاله إبليس ، فيرجع أصله إليه ، ويحور وباله عليه ، والجياد على أعراقها تجري ، ونجومها في أفلاكها تسبح ، وتسري
-باب في خلق الجان -
المرج الاختلاط ، والمارج المختلط ، ومنه سمي المرج مرجا لاختلاط النبات فيه ، لأنه يحوي على أخلاط من الأزهار والنبات ، فلما خلق اللّه الأركان الأربعة دون الفلك ، وأدارها على شكل الفلك ، والكل أشكال في الجسم الكل ،
فأول حركة فلكية ظهر أثرها فيما يليها من الأركان وهو النار ، فأثّر فيه اشتعالا بما في الهواء من الرطوبة ، فكان ذلك الاشتعال واللهب من النار والهواء وهو المارج ، فلما اختلط الهواء بالنار اشتعل وحمي واتقد مثل السراج وأحدث اشتعالا ولهبا ، فتح اللّه في تلك الشعلة الجان ، وهو في الأصل من عنصرين هواء ونار ،
كما كان آدم من عنصرين ماء وتراب ، عجن به فحدث له اسم الطين ، كما حدث لامتزاج النار بالهواء اسم المارج ، ففتح سبحانه في ذلك المارج صورة الجان ، فبما فيه من الهواء يتشكل في أي صورة شاء ، وبما فيه من النار سخف وعظم لطفه ، وكان فيه طلب القهر والاستكبار والعزة ،
فإن النار أرفع الأركان مكانا ، وله سلطان على إحالة الأشياء التي تقتضيها الطبيعة ، وهو السبب الموجب لكونه استكبر عن السجود لآدم ، عندما أمره اللّه عزّ وجل ،
بتأويل أداه أن يقول أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ )
يعني بحكم الأصل ، كما في الجان من بقية الأركان ، ولذا سمي مارجا ، ولكن ليس لها في نشأته ذلك السلطان ، فالتكبر في الجان بالطبع للنارية ، فإن تواضع فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من الترابية ، كما أن تواضع آدم للطينية بالطبع ،
فإن تكبر فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من النارية ، وللجن التشكل في الصور كالملائكة ،
وأخذ اللّه بأبصارنا عنهم فلا نراهم إلا إذا شاء اللّه أن يكشف لبعض عباده فيراهم ،
ولما كانوا من عالم السخافة واللطافة قبلوا التشكل فيما يريدونه من الصور الحسية ، فالصورة الأصلية التي ينسب إليها الروحاني
ص 242
إنما هي أول صورة قبل عندما أوجده اللّه ، ثم تختلف عليه الصور بحسب ما يريد أن يدخل فيها ،
ولما نفخ الروح في اللهب وهو كثير الاضطراب لسخافته ، وزاده النفخ اضطرابا ، وغلب الهواء عليه ، وعدم قراره على حالة واحدة ، ظهر عالم الجان في تلك الصورة ، وكما وقع التناسل في البشر بإلقاء الماء في الرحم ،
فكانت الذرية والتوالد في هذا الصنف البشري الآدمي ، كذلك وقع التناسل في الجان بإلقاء الهواء في رحم الأنثى منهم ،
فكانت الذرية والتوالد في صنف الجان ، وخلق اللّه الجان شقيا وسعيدا ،
وكذلك خلق الإنس ، وخلق اللّه الملك سعيدا لاحظ له في الشقاء ، فسمي شقي الإنس والجان كافرا ، وسمي السعيد من الجن والإنس مؤمنا ، وكذلك شرك بينهما في الشيطنة ،
فقال تعالى شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ) فمن ثبت على إغوائه من الجن كان شيطانا ، ومن ثبت على الطاعات لم يكن شيطانا ،
وهذا الثبات على الحالين بما في الجن من الترابية ، وبما فيها من المائية ذهبت حمية النارية ، فمنهم الطائع والعاصي مثلنا ، والتوالد من الجن إلى اليوم باق ، وكذلك فينا ،
فأصل أجسام الملائكة نور ، والجن نار مارج ، والإنسان مما قيل لنا ، ولكن كما استحال الإنس عن أصل ما خلق منه ،
كذلك استحال الملك والجن عن أصل ما خلقا منه إلى ما هما عليه من الصور ،
فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار ،
والجان أرواح منفوخة في رياح ،
والأناسي أرواح منفوخة في أشباح ،
والجن مع كونهم موصوفين باللطافة فهم من نار مركبة ، فيها رطوبة المواد ،
والشياطين من الجن هم الأشقياء المبعدون من رحمة اللّه منهم خاصة ، والسعداء بقي عليهم اسم الجن ، وهم خلق بين الملائكة والبشر الذي هو الإنسان ، فالجن عنصري ولهذا تكبر ، فلو كان طبيعيا خالصا من غير حكم العنصر ما تكبر وكان مثل الملائكة ، فهو برزخي النشأة ،
له وجه إلى الأرواح النورية بلطافة النار منه ، فله الحجاب والتشكل ، وله وجه إلينا ، به كان عنصريا ومارجا ،
ولما غلب على الجان عنصر الهواء والنار ، لذلك كان غذاؤهم ما يحمله الهواء مما في العظام من الدسم ، فإن اللّه جاعل لهم فيها رزقا ،
فإنا نشاهد جوهر العظم وما يحمله من اللحم لا ينقص منه شيء ، فعلمنا قطعا أن اللّه جاعل لهم فيها رزقا ،
ولهذا قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في العظام : [ إنها زاد إخوانكم من الجن ]
وفي حديث : [ إن اللّه جاعل لهم فيها رزقا ]
وأما اجتماع بعضهم ببعض عند النكاح فالتواء ، مثل ما تبصر الدخان الخارج من الأتون أو من فرن الفخار ، يدخل بعضه في بعضه ، فيلتذ
ص 243
كل واحد من الشخصين بذلك التداخل ، ويكون ما يلقونه كلقاح النخلة بمجرد الرائحة كغذائهم سواء ، وهم قبائل وعشائر ، وتقع بينهم حروب عظيمة ، وبعض الزوابع قد يكون عين حربهم ، وما كل زوبعة حربهم ،
[ تشكل العالم الروحاني وكيفية تقييده : ]
وهذا العالم الروحاني إذا تشكل وظهر في صورة حسية يقيده البصر ، بحيث لا يقدر أن يخرج عن تلك الصورة ما دام البصر ينظر إليه بالخاصية ، ولكن من الإنسان ، فإذا قيده ولم يبرح ينظر إليه ،
وليس له موضع يتوارى فيه ، أظهر له الروحاني صورة جعلها عليه كالستر ، ثم يخيل له مشي تلك الصورة إلى جهة مخصوصة ، فيتبعها بصره ، فإذا تبعها بصره خرج الروحاني عن تقييده ، فغاب عنه ، وبمغيبه تزول تلك الصورة عن نظر الناظر الذي أتبعها بصره ، فإنها للروحاني كالنور مع السراج المنتشر في الزوايا نوره ،
فإذا غاب جسم السراج فقد ذلك النور ، فهكذا هذه الصورة ، فمن يعرف هذا ويحب تقييده لا يتبع الصورة بصره ، وليست الصورة غير الروحاني بل هي عينه ، ولو كانت في ألف مكان أو في كل مكان ومختلفة الأشكال ،
وإذا اتفق قتل صورة من تلك الصور وماتت في ظاهر الأمر ، انتقل ذلك الروحاني من الحياة الدنيا إلى البرزخ ، كما ننتقل نحن بالموت ، ولا يبقى له في عالم الدنيا حديث ، مثلنا سواء ، وتسمى تلك الصورة المحسوسة التي تظهر فيها الروحانيات أجسادا ،
وهو قوله تعالى وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ) والفرق بين الجان والملائكة وإن اشتركوا في الروحانية ، أن الجان غذاؤهم ما تحمله الأجسام الطبيعية من المطاعم ، والملائكة ليست كذلك ،
وأعطى الاسم اللطيف الجان أن يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ولا يشعر به ، وأورثت اللطافة الجان الاستتار عن أعين الناس ، فلا تدركهم الأبصار إلا إذا تجسدوا ،
قال تعالى إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ )، ولما تمت نشأة الموجود الأول من الجان واستقامت بنيته ، توجه الروح من عالم الأمر فنفخ في تلك الصورة روحا ، سرت فيها بوجودها الحياة ، فقام ناطقا بالحمد والثناء لمن أوجده جبلة جبل عليها ،
وفي نفسه عزة وعظمة لا يعرف سببها ، ولا على من يعتز بها ، إذ لم يكن ثمّ مخلوق آخر من عالم الطبائع سواه ، فبقي عابدا لربه ، مصرا على عزته ، متواضعا لربوبية موجده بما يعرض له مما هو عليه في نشأته ، إلى أن خلق آدم ،
فلما رأى الجان صورته ، غلب على واحد منهم اسمه الحارث بغض تلك النشأة ، وتجهم وجهه لرؤية تلك الصورة الآدمية ، فظهر ذلك منه لجنسه ، فعتبوه لذلك لما رأوه عليه من الغم
ص 244
والحزن لها ، فلما كان من أمر آدم ما كان ، أظهر الحارث ما كان يجد في نفسه منه ، وأبى امتثال أمر خالقه بالسجود لآدم ، واستكبر على آدم بنشأته وافتخر بأصله ، وغاب عن سر قوة الماء الذي جعل اللّه منه كل شيء حي ، ومنه كانت حياة الجان وهم لا يشعرون ،
وكان أول من سمي شيطانا ، أي مبعودا من رحمة اللّه ، من الجن الحارث ، فأبلسه اللّه ، أي طرده من رحمته ، ومنه تفرعت الشياطين بأجمعها ، وجعل اللّه سماع الجن للقرآن إذا تلي عليهم أحسن من سماع الإنس ،
فلما تلا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة الرحمن ، فما قال في آية منها .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 16 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 16 )
إلا قالت الجن : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ؛ وكيف وفي نعمائك نتقلب ،
ثم تلاها بعد ذلك صلّى اللّه عليه وسلّم على الإنس من أصحابه ، فلم يظهر منهم من القول عند التلاوة ما ظهر من الجن ،
فقال صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه : [ إني تلوت هذه السورة على الجن ، فكانوا أحسن استماعا لها منكم ] وذكر الحديث ،
كما ذكر تعالى عنهم الإنصات عند سماع القرآن ،
فقال تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) إلى آخر الآية ،
وقال عن الجن وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا ) إلى آخر الآية ، ولا روي عن أحد من الإنس أنه قال مثل هذا القول .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 17 ]
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ( 17 )
- الوجه الأول - لشروق الشمس وغروبها في زمان الصيف والشتاء
- الوجه الثاني -« رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ »في ظاهر النشأتين« وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ »في باطن الصورتين .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 18 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 18 )
يا هذان
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 19 إلى 20 ]
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ( 19 ) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ( 20 )
أي لا يختلط أحدهما بالآخر ، وإن عجز الحس عن الفصل بينهما ، والعقل يقضي أن
ص 245
بينهما حاجزا يفصل بينهما ، فذلك الحاجز المعقول هو البرزخ ، فلو لا ذلك البرزخ لم يتميز أحدهما عن الآخر ولأشكل الأمر ، فهو خط وهمي بين النقيضين لئلا يقع الالتباس .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 21 إلى 22 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 21 ) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ( 22 )
اللؤلؤ هو ما كبر من الجوهر ، والمرجان هو ما صغر منه .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 23 إلى 26 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 23 ) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ( 24 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 25 ) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ( 26 )
بزوال شكله وصورته وانتقال روحه إلى البرزخ ، فإنه سبحانه ما يسوي صورة محسوسة في الوجود إلا وينفخ اللّه فيها روحا من أمره ، لا يزال يسبحه ذلك الشكل بصورته وروحه إلى أن يزول ، فينتقل روحه إلى البرزخ ،
وقال تعالى :« كُلُّ مَنْ عَلَيْها » ولم يقل : كل من فيها « فانٍ » لأنه إذا كان فيها انحفظ بها وإذا كان عليها تجرد عنها .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 27 ]
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ( 27 )
الجلال من صفات الوجه فله البقاء دائما ، وهو من أدل دليل على أن كل ما في الدنيا في الآخرة بلا شك ، قال تعالى :« وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ »فقال قائل : بأي نسبة يكون له هذا البقاء ؟ فقال :« ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » فرفع بنعت الوجه ، فلو خفض نعت الرب ، وكان النعت بالجلال وله النقيضان ، فيبقى الوجه الذي له النقيضان ولا يفنى ، وإنما يفنى ما كان على هذه الأرض فناء انتقال في الجوهر وفناء عدم في الصورة ، فيظهر مثل الصورة لا عينها في الجوهر الباقي الذي هو عجب الذنب ، الذي تقوم عليه النشأة الآخرة
[ نصيحة - للإنسان وجهان : وجه إلى ذاته ووجه إلى ربه]
- نصيحة - اعلم أن للإنسان وجهين : وجها إلى ذاته ووجها إلى ربه ،
ومع أي وجه توجهت غبت عن الآخر ، غير أن هنا لطيفة أنبهك عليها ،
وذلك أنّك إذا توجهت إلى مشاهدة وجهك غبت عن وجه ربك ذي الجلال والإكرام ،
ووجهك هالك ، فإذا انقلبت إليه فني عنك وجهك ، فصرت غريبا في الحضرة تستوحش فيها ، وتطلب وجهك الذي كنت تأنس به
ص 246
فلا تجده ، وإن توجهت إلى وجه ربك وتركت وجهك أقبل عليك ولم يكن لك مؤنس سواه ، ولا مشهود إلا إياه ،
فإذا انقلبت إليه الانقلاب الخاص الذي لا بد لكل إنسان منه ، وجدت من كان لك قبل هذا الانقلاب أنيسا وجليسا وصاحبا ، ففرحت بلقائه وعاد الأنس أعظم ، وتتذكر الأنس الماضي فتزيد أنسا على أنس ، وترى عنده وجه ذاتك ولا تفقده ، فتجمع بين الوجهين في صورة واحدة ، فيتحد الأنس لاتحاد الوجهين ،
فيعظم الابتهاج والسرور ، فالمؤمن الكامل يكون بباطنه مع اللّه في كل حال .
يتبع
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
تفسير الآيات من "01 - 78 " من سورة الرحمن .كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم ج 4 من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي :: تعاليق
تفسير الآيات من "01 - 78 " من سورة الرحمن .كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم ج 4 من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الكريم ج 4 من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي جمع وتأليف محمود محمود الغراب
( 55 ) سورة الرحمن مدنيّة
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 28 إلى 29 ]فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 28 ) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ( 29 )
« يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »بلسان حال ولسان مقال ، وهكذا ينبغي أن يكون الملك يستشرف كل يوم على أحوال أهل ملكه ، فما له شغل إلا بها ،
فيقول تعالى :« كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ »
[ تعريف الأيام كبيرها وصغيرها : ]
اليوم هنا قدر نفس المتنفس في الزمان الفرد ، فإن الأيام كثيرة ، ومنها كبير وصغير ، وأصغر الأيام الزمن الفرد الذي لا يقبل القسمة ،
وعليه يخرج قوله تعالى :« كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ » فسمى الزمان الفرد يوما ، لأن الشأن يحدث فيه ، فهو أصغر الأزمان وأدقها ،
ولا حد لأكبرها يوقف عنده ، وبينهما أيام متوسطة ، أولها اليوم المعلوم في العرف وتفصّله الساعات ، فاليوم في هذه الآية هو الزمن الفرد في كل شيء الذي لا ينقسم ،
وذلك من اسمه تعالى الدهر ، لأن من صفة الدهر التحول القلب ، واللّه هو الدهر ،
وثبت أنه يتحول في الصور وأنهكُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، والشأن هو ما يحدثه اللّه من التغييرات في الأكوان ،
وهو ما نحن فيه وهو يخلقه ، فالشأن ليس إلا الفعل وهو ما يوجده اللّه في كل يوم من أصغر الأيام ، فوصف الحق نفسه أنه كل يوم في شأن ، يعني أنه هو في شؤون ،
وليست التصريفات والتقليبات والعالم سوى هذه الشؤون التي الحق فيها ،
وذلك راجع إلى التحول الإلهي في الصور الوارد في الصحيح ، فمن هناك ظهر التغيير في الأكوان أبد الآبدين إلى غير نهاية ، لتغير الأصل ، ومن هذه الحقيقة ظهر حكم الاستحالة في العالم ، وهو الشؤون المختلفة ، لأنه ما ثمّ إلا اللّه والتوجه وقبول الممكنات لما أراد اللّه بذلك التوجه ،
ص 247
[شؤون الحق أحوال الخلق]
فالحق في شؤون على عدد ما في الوجود من أجزاء العالم الذي لا ينقسم كل جزء منه بهذا الشرط ، فهو في شأن مع كل جزء من العالم ، بأن يخلق فيه ما يبقيه ، سوى ما يحدثه مما هو قائم بنفسه في كل زمان فرد ، وتلك الشؤون أحوال المخلوقين ، وهم المحال لوجودها فيهم ، فإنه فيهم يخلق تلك الشؤون دائما ، وهي الأحوال ،
فهي أعراض تعرض للكائنات يخلقها فيهم ، عبّر عنها بالشأن الذي هو فيه دنيا وآخرة ، فلا يزال العالم مذ خلقه اللّه إلى غير نهاية في الآخرة والوجود في أحوال تتوالى عليه ، اللّه خالقها دائما بتوجهات إرادية ، فشئون الحق لا تظهر إلا في أعيان الممكنات ،
وشؤون الحق هي عين استعدادك ، فلا يظهر فيك من شؤون الحق التي هو عليها إلا ما يطلبه استعدادك ، فإن حكم استعداد الممكن بالإمكان أدى إلى أن يكون شأن الحق فيه الإيجاد ،
ألا ترى أن المحال لا يقبله ، فشئون الحق هي أحوال خلقه ، يجددها لهم في كل يوم ، أي زمان فرد ، فلا يتمكن للعالم استقرار على حالة واحدة وشأن واحد ،
لأنها أعراض ، والأعراض لا تبقى زمانين مطلقا ، فلا وجود لها إلا زمان وجودها خاصة ، ثم يعقبها في الزمان الذي يلي زمان وجودها الأمثال والأضداد ،
فأعيان الجواهر على هذا لا تخلو من أحوال ، ولا خالق لها إلا اللّه ، فالحق في شؤون أبدا ، فإنه لكل عين حال ، فللحق شؤون حاكمة إلى غير نهاية،
ولا بلوغ غاية ، ولنا الأحوال ، فليس في العالم سكون البتة ، وإنما هو متقلب أبدا دائما ، من حال إلى حال دنيا وآخرة ، ظاهرا وباطنا ، إلا أن ثمّ حركة خفية وحركة مشهودة ،
فالأحوال تتردد وتذهب على الأعيان القابلة لها ، والحركات تعطي في العالم آثارا مختلفة ، ولولاها ما تناهت المدد ولا وجد حكم العدد ، ولا جرت الأشياء إلى أجل مسمى ، ولا كان انتقال من دار إلى دار ، فمن المحال ثبوت العالم زمانين على حالة واحدة ،
بل تتغير عليه الأحوال والأعراض في كل زمان فرد ، وهو الشؤون التي هو الحق فيها ، ولا يظهر سلطان ذلك إلا في باطن الإنسان ، فلا يزال يتقلب في كل نفس في صور تسمى الخواطر ، لو ظهرت إلى الأبصار لرأيت عجبا ،
فلو راقب الإنسان قلبه لرأى أنه لا يبقى على حالة واحدة ، فيعلم أن الأصل لو لم يكن بهذه المثابة لم يكن لهذا التقليب مستند ، فإنه بين إصبعين من أصابع خالقه وهو الرحمن ،
ولما كان اللّه كل يوم هو في شأن كان تقليب العالم الذي هو صورة هذا القلب من حال إلى حال مع الأنفاس ، فلا يثبت العالم قط على حال واحدة زمانا فردا ، لأن اللّه
ص 248
خلّاق على الدوام ، ولو بقي العالم على حالة واحدة زمانين لاتصف بالغنى عن اللّه ، ولكن الناس في لبس من خلق جديد ، والخلق الجديد حيث كان دنيا وآخرة وبرزخا .
فمن المحال بقاء حال على عين نفسين أو زمانين للاتساع الإلهي ، لبقاء الافتقار على العالم إلى اللّه ، فالتغيير له واجب في كل نفس ، واللّه خالق فيه في كل نفس ، فالأحوال متجددة مع الأنفاس على الأعيان ، لذلك نزل في سورة الرحمن أنه عزّ وجل كل يوم هو في شأن ،
والشؤون لا تنحصر فلا تقتصر ، واليوم مقداره النفس ، فراقب الصبح إذا تنفس بما تنفس ، واحذر من الليل إذا عسعس ، فإنه أبلس فيه من أبلس ، فإن الحق سبحانه في كل نفس في الخلق في شأن ، وهو أثره في كل عين موجودة بكيفية خاصة ، فمن فاته مراعاة أنفاسه في الدنيا والآخرة فاته خير كثير ، فإن الحق في كل يوم من أيام الأنفاس في شأن ، ما وكّلته فيه ، فإنه لك يتصرف ولك يصرف فيما استخلفك فيه ،
فأنت تتصرف عن أمر وكيلك ، فأنت خليفة خليفتك .
واعلم أن الأسماء الإلهية التي يظهر بها الحق في عباده ، وبها يتلون العبد في حالاته ، هي في الحق أسماء وفينا تلوينات ،
وهي عين الشؤون التي هو فيها الحق ، فكل حال في الكون هو عين شأن إلهي ، فالعالم كله على الصورة ، وليس هو غير الشؤون التي يظهر بها ،
وهذه الانتقالات في الأحوال من أثر كونه كل يوم هو في شأن ، فالشئون الإلهية هي الاستحالات في الدنيا والآخرة ، فلا يزال الحق يخلع صورة فيلحقها بالثبوت والعدم ، ويوجد صورة من العدم في هذا الملأ ، فلا يزال التكوين والتغيير فيه أبدا ،
ويتميز الحق عن الخلق بأنه يتقلب في الأحوال ، لا تتقلب عليه الأحوال ، لأنه يستحيل أن يكون للحال على الحق حكم ، بل له تعالى الحكم عليها ، فلهذا يتقلب فيها ولا تتقلب عليه ، فإنها لو تقلبت عليه أوجبت له أحكاما ، وعين العالم ليس كذلك ، تتقلب عليه الأحوال فتظهر فيها أحكامها ،
وتقليبها عليها بيد اللّه تعالى ، ولولا الأحوال ما تميزت الأعيان ،
فإنه ما ثمّ إلا عين واحدة تميزت بذاتها عن واجب الوجود ، كما اشتركت معه في وجوب الثبوت ، فله تعالى الثبوت والوجود ، ولهذه العين وجوب الثبوت ،
فالأحوال لهذه العين كالأسماء الإلهية للحق ، فكما أن الأسماء للعين الواحدة لا تعدد المسمى ولا تكثّره ،
كذلك الأحوال لهذه العين لا تعددها ولا تكثرها ، مع معقولية الكثرة والعدد في الأسماء والأحوال ، فحصل لهذه العين الكمال بالوجود ، الذي هو من جملة الأحوال التي تقلبت عليها ، فما نقصها من الكمال إلا نفي
ص 249
حكم وجوب الوجود ، للتمييز بينها وبين اللّه ، إذ لا يرتفع ذلك ولا يصح لها فيه قدم ، وهو تعالى في شؤون العالم بحسب ما يقتضيه الترتيب الحكمي ، فشأنه غدا لا يمكن أن يكون إلا في غد ، وشأن اليوم لا يمكن أن يكون إلا اليوم ،
وشأن أمس لا يمكن أن يكون إلا في أمس ، هذا كله بالنظر إليه تعالى ، وأما بالنظر إلى الشأن ، يمكن أن يكون في غير الوقت الذي تكون فيه لو شاء الحق تعالى ،
وما في مشيئته جبر ، ولا تحير ، تعالى اللّه عن ذلك ، بل ليس لمشيئته إلا تعلق واحد لا غير ،
فكل يوم هو في شأن وهو ما يحدث في أصغر يوم في العالم من الآثار الإلهية والانفعالات ، من تركيب وتحليل وتصعيد وتنزيل وإيجاد وشهادة ، وكنّى عزّ وجل عن هذا اليوم الصغير باليوم المعروف في العامة ، فوسّع في العبارة من أجل فهم المخاطبين
وقال :« يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ »فالشأن مسألة السائلين ، فإنه ما من موجود إلا وهو سائله تعالى ،
لكن هم على مراتب في السؤال ، فأما الذين لم يوجدهم اللّه عن سبب فإنهم يسألونه بلا حجاب ، لأنهم لا يعرفون سواه علما وغيبا ،
ومنهم من أوجده اللّه تعالى عند سبب يتقدمه ، وهو أكثر العالم ،
وهم في سؤاله على قسمين : منهم من لم يقف مع سببه أصلا ولا عرّج عليه ، وفهم من سببه أنه يدله على ربه لا على نفسه ،
فسؤال هذا الصنف كسؤال الأول بغير حجاب ،
ومنهم من وقف مع سببه وهم على قسمين : منهم من عرف أن هذا سبب قد نصبه الحق ، وأن وراءه مطلبا آخر فوقه ، وهو المسبب له ،
ولكن ما تمكنت قدمه في درج المعرفة لموجد السبب ، فلا يسأله إلا بالسبب ، لأنه أقوى للنفس ،
ومنهم من لم يعرف أن خلف السبب مطلبا ، ولا أن ثمّ سببا ، فالسبب عنده نفس المسبب ، فهذا جاهل ، فسأل السبب فيما يضطر إليه ، لأنه تحقق عنده أنه ربه ، فما سأل إلا اللّه ، لأنه لو لم يعتقد فيه القدرة على ما سأله فيه لما عبده ، وذلك لا يكون إلا اللّه ، فهو ما سأل إلا اللّه ،
ومن هذا المقام يجيبه الحق على سؤاله لأنه المسؤول ،
ولكن بهذه المثابة ، فعلى هذا هو المسؤول بكل وجه وبكل لسان ، وعلى كل حال ،
والمشهود له بالقدرة المطلقة النافذة في كل شيء ، فما من جوهر فرد في العالم إلا وهو سائله سبحانه في كل لحظة وأدق من اللحظة ،
لكون العالم في كل لطيفة ودقيقة مفتقر إليه ومحتاج ، أولها في حفظه لبقاء عينه ومسك الوجود عليه بخلق ما به بقاؤه ، وليس من شرط السؤال هنا بالأصوات فقط ، وإنما السؤال من كل عالم بحسب
ص 250
ما يليق به ويقتضيه أفقه وحركة فلكه ومرتبته ،
وقد قال تعالى فيما شرّف سليمان به أنه علمه منطق الطير ، فعرف لغتها ، وتبسم ضاحكا من قول النملة للنمل ،
وفي القرآن وفي الأخبار الصحيحة من هذا كثير ، فكلام كل جنس ما يشاكله ، وعلى حسب ما يليق بنشأته ويعطيه استعداد القبول للروحانية الإلهية السارية في كل موجود ، وكل يعمل على شاكلته ، فما من موجود بعد هذا إلا ويتفق منه السؤال ،
فشأنه في كل دقيقة خلق السؤال في السائلين وخلق الإجابة بقضاء الحاجات ، وتنزل على أصحابها بحسب دورة الفلك الذي يخلق منه الإجابة ،
فإن كان الفلك بعيدا أعني حركة التقدير التي بها تنزل على صاحبها بعد كذا وكذا حركة ، فتتأخر الإجابة ،
وقد تتأخر للدار الآخرة بحسب حركتها ،
وإن كان فلكها قريبا أعني حركة التقدير التي خلقت الإجابة فيها ، ظهر الشيء في وقته أو يقرب ،
ولهذا أخبر النبي عليه السلام أن كل دعوة مجابة ، لكن ليس من شرطها الإسراع في الوقت ،
فمنها المؤجل والمعجل ، بحسب الذي بلغ حركة التقدير ،
فلا زال الخالق في شأن ، فلا تزال هذه الأيام دائمة أبدا ، ولا يزال الأثر والفعل والانفعال في الدنيا والآخرة ،
وقد أثبت الحق تعالى دوام هذه الأيام فقال خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ )وخلودهم لا يزال ، هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، والسماوات والأرض لا تزال ، والأيام دائمة لا تزال دائرة أبدا بالتكوين ، فالتنوعات والتبديلات ينبغي للعاقل أن لا ينكرها ،
فإن للّه في حق كل موجود في العالم شأنا ،
فانظر في هذا التوسع الإلهي ما أعظمه ، فقد تبين أن الأيام لا تزال أبدا ، والشأن لا يزال أبدا ، فإن العقل لا يزال أبدا ، فلا بد أن يكون الانفعال لا يزال .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 30 إلى 31 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 30 ) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ( 31 )
[ « سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ » الآية : ]
وفيه ترتيب الفعل ، وقال تعالى ذلك في حق الثقلين خاصة على طريق الوعيد والتخويف ، حيث لم يجعلوا نواصيهم بيده ، وهو أن يتركوا إرادتهم لإرادته فيما أمر به ونهى ، وما سمى اللّه الإنس والجان بهذا الاسم إلا ليميزهما بالثقل عمن سواهما ، دائما حيث كانا ،
فلا تزال أرواحهما تدبر أجساما طبيعية وأجسادا دنيا وبرزخا وآخرة ، فما لهما نعيم إلا بالمشاكل لطبعهما ، وسمانا الحق بالثقلين لما فينا من الثقل ، ثقل الكون ، وهو عين تأخرنا بالوجود ، فأبطأنا ، ومن عادة الثقيل الإبطاء ، كما أنه من عادة الخفيف الإسراع ، فنحن
ص 251
والجن من الثقلين ونحن أثقل من الجن للركن الأغلب علينا وهو التراب ، فالإنسان آخر موجود في العالم ،
فما سمي الإنس والجن بالثقلين إلا لما في نشأتهما من حكم الطبيعة ، فهي التي تعطي الثقل ،
وأما قوله تعالى :« سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ »فمن وجوه
- الوجه الأول - كلمة تهديد للجن والإنسان الحيوان ، لهما يفرغ الحق ليقيم عليهما ميزان ما خلقا له ، والإنسان الكامل لا يتوجه عليه هذا الخطاب
- الوجه الثاني - وصف الحق تعالى نفسه في هذه الآية بأنه لا يفعل أمرا حتى يفرغ من أمر آخر ، مع أنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ،
ولكن لخلقه أصناف العالم أزمانا مخصوصة وأمكنة مخصوصة لا يتعدى بها زمانها ولا مكانها ، لما سبق في علمه ومشيئته في ذلك فقال :« سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ »
أي سنفرغ لكم من الشؤون التي قال فيها كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) في هذه الدنيا ، فيفرغ لنا منا ، ولا شغل له إلا بنا ، فمنا يفرغ لنا ،
وتنتقل الشؤون إلى البرزخ والدار الآخرة ، فلا يزال الأمر من فراغ إلى فراغ ، إلى أن يصل أوان عموم الرحمة التي وسعت كل شيء ،
فلا يقع بعد ذلك فراغ يحده حال ولا يميزه ، بل وجود مستمر ، ووجوده ثابت مستقر إلى غير نهاية في الدارين ، دار الجنة ودار النار ،
هكذا هو الأمر في نفسه ، فإن الفراغ الإلهي إنما كان من الأجناس في الأيام الستة التي خلق فيها الخلق ،
وأما أشخاص الأنواع فلا ، فبقي الفراغ بالأزمان لا عن الأشخاص ،
وهو قوله تعالى :« سَنَفْرُغُ لَكُمْ »ففي هذه الآية نسبة الزمان إلى الحق ،
وهو انقضاء المدة التي سبق في علم اللّه مقدارها ، وهو زمان الحياة الدنيا في كل شخص شخص
- إشارة - في هذه الكلمة« سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ »إشارة للحوق الرحمة بهما ، وذلك في فتح اللام الداخلة على ضمير المخاطب في« لَكُمْ »
وإن كان الفتح الإلهي قد يكون بما يسوء كما يكون بما يسر ، ولكن رحمته سبقت غضبه ، وجاء بآلة الاستقبال وهي السين ،
وآخر درجة الاستقبال ما يؤول إليه أمر العالم من الرحمة التي لا غضب بعدها ، لارتفاع التكليف واستيفاء الحدود ، ولما جاء بضمير المخاطب في قوله« لَكُمْ »
وعلمنا من الكرم الإلهي أبدا أنه يرجح جانب السعداء وجانب الرحمة على النقيض لذلك ،
جاء بحرف الخطاب ليفتح اللام ، وليعلم بآلة الخطاب أنهم قوم مخصوصون ،
لأنه لا يفقد من العالم ضمير الغائب ، فلا بد له من أهل ،
مثل قوله في السعداء لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي )فأتي بضمير الغائب فغابوا عن هؤلاء المخاطبين ، وفتح اللام فتح رحمة تعطيها قرائن الأحوال
ص 252
[تحقيق : من أي حقيقة نودي محمد ص قف إن ربك يصلي]
- تحقيق - من هذه الحقيقة نودي صلّى اللّه عليه وسلّم لما طلب الدنو في معراجه : يا محمد قف إن ربك يصلي ، أي لا يجمع بين شغلين ، يريد بذلك العناية بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، حيث يقيمه في مقام التفرغ له ، فهو تنبيه على العناية به .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 32 إلى 37 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 32 ) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ ( 33 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 34 ) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ( 35 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 36 )
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ( 37 )
أي مثل الدهن الأحمر في اللون والسيلان ، فهو ذهاب صورة لا ذهاب عين ، فعادت دخانا أحمر كالدهان السائل ، مثل شعلة النار كما كانت أول مرة.
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 38 إلى 54 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 38 ) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ( 39 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 40 ) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ( 41 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 42 ) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ( 43 ) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ( 44 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 45 ) وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ( 46 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 47 ) ذَواتا أَفْنانٍ ( 48 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 49 ) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ ( 50 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 51 ) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ ( 52 )
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 53 ) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ ( 54 )
ص 253
" جَنَى الْجَنَّتَيْنِ " الحسية والمعنوية للعارفين « دانٍ ».
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 55 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 55 )
ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 56 ]
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ( 56 )
« فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ »لا تشاهد في نظرها أحسن منه ، ولا يشاهد أحسن منها ، قد زينت له وزين لها ، وطيبت له وطيب لها« لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ »أي أبكار لم يفتضهن أحد .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 57 إلى 60 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 57 ) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ ( 58 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 59 ) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ ( 60 )
« هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ »الآية الإحسان رؤية أو كالرؤية ، فالإحسان من الحق رؤية ومن العبد كأنه ؛
قال جبريل عليه السلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ ما الإحسان ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : الإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإنك إن لا تراه فإنه يراك ]
وفي رواية [ فإن لم تكن تراه فإنه يراك ] فأمره أن يخيله ويحضره في خياله على قدر علمه به ، فيكون محصورا له ،
وقال تعالى :« هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ »هل جزاء الإحسان وهو أن تعبد اللّه كأنك تراه ، إلا الإحسان وهو أنك تراه حقيقة ،
فالصورة الأولى الإلهية في العبادة مجعولة للعبد من جعله ، فهو الذي أقامها نشأة يعبدها عن أمره عزّ وجل له بذلك الإنشاء ،
فجزاؤه أن يراه حقيقة ، جزاء وفاقا في الصورة التي يقتضيها موطن ذلك الشهود ، كما اقتضى تجليه في الصور الإلهية المجعولة من العبد في موطن العبادة والتكليف ، فإن الصور تتنوع بتنوع المواطن والأحوال والاعتقادات من المواطن ، فلكل عبد حال ، ولكل حال موطن ،
فبحاله يقول في ربه ما يجده في عقده ، وبموطن ذلك الحال يتجلى له الحق في صورة اعتقاده ، والحق كل ذلك ، والحق وراء ذلك ، فينكر ويعرف ، وينزّه ويوصف ، وعن كل ما ينسب إليه يتوقف .
ص 254
[سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 61 إلى 70 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 61 ) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ( 62 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 63 ) مُدْهامَّتانِ ( 64 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 65 ) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ ( 66 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 67 ) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ( 68 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 69 ) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ( 70 )
الخيرات جمع خيرة ، وهي الفاضلة من كل شيء ، والفضل يقتضي الزيادة على ما يقع فيه الاشتراك ، مما لا يشترك فيه من ليس من ذلك الجنس .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 71 إلى 72 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 71 ) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ( 72 )
[ من باب الإشارة : « حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ]
مقصورات أي مصونات ، فهن في ستر ، فالقصر هنا صيانة لا سجنا ، فالحياء حبس المقصورات في الخيام ، لئلا تدركهن أبصار الأنام ، وذلك حجاب الغيرة على من يغار عليه من ذوات الخدور ، وهن المحتجبات
- من باب الإشارة لا التفسير -
هم العارفون المجهولون في العالم ، فلا يظهر منهم ولا عليهم ما يعرفون به ، وهم لا يشهدون في الكون إلا اللّه ، لا يعرفون ما العالم ، لأنهم لا يشهدونه عالما ، وهم طبقة الملامية أهل مقام القربة في الولاية ، وما فوقهم إلا درجة النبوة ، فنبّه تعالى بنعوت نساء أهل الجنة وحورها على نفوس رجال اللّه الذين اقتطعهم إليه وصانهم ، وحبسهم في خيام صون الغيرة الإلهية في زوايا الكون أن تمتد إليهم عين فتشغلهم .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : الآيات 73 إلى 76 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 73 ) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ( 74 ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 75 ) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ ( 76 )
الاتكاء : الاعتماد .
ص 255
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 77 ]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ( 77 )
فإن عطايا الحق كلها نعم ، إلا أن النعم في العموم موافقة الغرض ، وعطايا الحق كلها عند العارف إنما هي معارف باللّه جهلها غير العارف وعرفها دون غيره ، وعوارف الحق مننه ونعمه على عباده ، فما أطلعك منها على شيء إلا ليردك منك إليه ، فهو دعاء الحق في معروفه لما رأى عندك من الغفلة عنه ، فتحبب إليك بالنعم .
[ سورة الرحمن ( 55 ) : آية 78 ]
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ( 78 )
[ مناسبة الإكرام للجلال : ]
الجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة وتعظيما ، وبه ظهر الاسم الجليل ، وهو يدل على الضدين ، فيعطى حكمه نعوت التنزيه والتشبيه ، ولحضرة الجلال السبحات الوجهية المحرقة ، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا ، لكن يتجلى في جلال جماله لعباده ، فهو« ذُو الْجَلالِ »أي صاحب الجلال الذي نجده في نفوسنا« وَالْإِكْرامِ »بنا ،
فالكرم يتبع أبدا الجلال من حيث ما يعطيه وضع الجلال ، فإن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط ، لعدم الوصول إلى من له العظمة ، لما يرى نفسه عليه من الاحتقار والبعد عن التفات ما يعطيه مقام العظمة إليه ،
فأزال اللّه عن وهمه ذلك الذي تخيله بقوله :" وَالْإِكْرامِ »
أي وإن كانت له العظمة ، فإنه يكرم خلقه وينظر إليهم بجوده وكرمه ، نزولا منه من هذه العظمة ، فلما سمع القانط ذلك ،
عظم في نفسه أكثر مما كان عنده أولا من عظمته ،
وذلك لأن العظمة الأولى التي كان يعظّم بها الحق كانت لعين الحق عن انكسار من العبد وذلة ، فلما وصف الحق نفسه بأنه يكرم عباده بنزوله إليهم ، حصل في نفس المخلوق أن اللّه ما اعتنى به هذه العناية إلا وللمخلوق في نفس هذا العظيم ذي الجلال تعظيم ،
فرأى نفسه معظما ، فلذلك زاد في تعظيم الحق في نفسه إيثارا لجنابه لاعتناء الحق به على عظمته ، فزاد الحق بالكرم تعظيما في نفس هذا العبد أعظم من العظمة الأولى ،
فإن كرامته بنا إعطاؤنا الوجود ، وهو تعالى كريم بما وهب وأعطى وجاد وامتن به من جزيل الهبات والمنح ، والتزام الجلال والإكرام التزام الألف واللام ، فكان الجلال للتنزيه عن التشبيه ، وكان الإكرام للتنويه به في نفي التشبيه بالشبيه .
ص 256
.
عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 2 مارس 2024 - 1:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» فإن الكلام الحق ذلك فاعتمد عليه ولا تهمله وافزع إلى البدء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 23:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» وما تجليت إلا لي فأدركني عيني وأسمعت سمعي كل وسواس من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة التلقينات الأربعة من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأربعاء 28 فبراير 2024 - 0:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» عقيدة الشيخ الأكبر محي الدين محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» رسالة حرف الكلمات وصرف الصلوات من مخطوط نادر من رسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
الأحد 25 فبراير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرعد وابراهيم والحجر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة الفاتحة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المصنف لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المحقق لكتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الرحمن والواقعة والملك كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النبأ والنازعات والبروج كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:38 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة العصر والهمزة والفيل كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:37 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس موضوعات كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» وهب نسيم القرب من جانب الحمى فأهدى لنا من نشر عنبره عرفا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 25 فبراير 2024 - 3:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلم نخل عن مجلى يكون له بنا ولم يخل سر يرتقى نحوه منا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 23 فبراير 2024 - 23:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما في الوجود شيء سدى فيهمل بل كله اعتبار إن كنت تعقل من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 1:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن كنت عبدا مذنبا كان الإله محسنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن المهيمن وصى الجار بالجار والكل جار لرب الناس والدار من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ويقول العقل فيه كما قاله مدبر الزمنا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 18 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الدخان والجاثية والفتح كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 18 فبراير 2024 - 2:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» فهرس المواضع كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» فعاينت آحادا ولم أر كثرة وقد قلت فيما قلته الحق والصدقا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 20:15 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل يتضمّن نبذا من الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الزمر وغافر وفصلت كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 16 فبراير 2024 - 19:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» عشريات الحروف من الألف الى الياء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأحزاب ويس وفاطر كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 21:10 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الفرقان والشعراء والقصص كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:44 من طرف عبدالله المسافربالله
» خواتم الفواتح الكلّيّة وجوامع الحكم والأسرار الإلهيّة القرآنيّة والفرقانيّة وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 20:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» حاز مجدا سنيا من غدا لله برا تقيا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:29 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 2:05 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة مريم وطه والانبياء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 1:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة يونس وهود ويوسف كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 18:41 من طرف عبدالله المسافربالله
» قال الشيخ من روح سور من القرآن الكريم من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 17:47 من طرف عبدالله المسافربالله
» مراتب الغضب مراتب الضلال كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» صورة النعمة وروحها وسرّها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الإثنين 12 فبراير 2024 - 16:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ومما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة الأنعام وبراءة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من علوم سورة النساء كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الإثنين 12 فبراير 2024 - 0:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» في الإمام الذي يرث الغوث من روح تبارك الملك من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الأحد 11 فبراير 2024 - 19:43 من طرف عبدالله المسافربالله
» بيان سرّ النبوّة وصور إرشادها وغاية سبلها وثمراتها كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 18:50 من طرف عبدالله المسافربالله
» فاتحة القسم الثالث من أقسام أمّ الكتاب كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأحد 11 فبراير 2024 - 12:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة آل عمران كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الأحد 11 فبراير 2024 - 0:42 من طرف عبدالله المسافربالله
» وصل العبادة الذاتيّة والصفاتيّة كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» حروف أوائل السور يبينها تباينها إن أخفاها تماثلها لتبديها مساكنها من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
السبت 10 فبراير 2024 - 21:20 من طرف عبدالله المسافربالله
» مما تنتجه الخلوة المباركة من سورة البقرة كتاب الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والمعلوم
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» نبدأ بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 16:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» علمت أن الله يحجب عبده عن ذاته لتحقق الإنساء من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 9:26 من طرف عبدالله المسافربالله
» كل فعل انسان لا يقصد به وجه الله يعد من الأجراء لا من العباد كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 1:04 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشرقت شمس المعاني بقلوب العارفينا من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الجمعة 9 فبراير 2024 - 0:52 من طرف عبدالله المسافربالله
» المزاج يغلب قوّة الغذاء كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 7:11 من طرف عبدالله المسافربالله
» ذكر الفواتح الكلّيّات المختصّة بالكتاب الكبير والكتاب الصغير كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» تفصيل لمجمل قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الخميس 8 فبراير 2024 - 4:09 من طرف عبدالله المسافربالله
» فلله قوم في الفراديس مذ أبت قلوبهم أن تسكن الجو والسما من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الخميس 8 فبراير 2024 - 0:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» التمهيد الموعود به ومنهج البحث المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن الشيخ صدر الدين القونوي
الأربعاء 7 فبراير 2024 - 2:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» مقدمة المؤلف كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن العارف بالله الشيخ صدر الدين القونوي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 23:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 19:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب الأوبة والهمة والظنون والمراد والمريد من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 2:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» في باب البحر المسجور من ديوان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» الفهرس لكتاب ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» قصائد ودوبيتات وموشّحات ومواليات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 6 فبراير 2024 - 1:02 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية الحروف بالمعشرات ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 4 فبراير 2024 - 22:17 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ألف والياء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 23:31 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهاء والواو ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 21:57 من طرف عبدالله المسافربالله
» كتاب أخبار الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
السبت 3 فبراير 2024 - 17:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف النون ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 3 فبراير 2024 - 1:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الميم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 18:48 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف اللام ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 1 فبراير 2024 - 1:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الكاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 30 يناير 2024 - 17:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الغين المعجمة والفاء والقاف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 29 يناير 2024 - 1:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الظاء المعجمة والعين ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 28 يناير 2024 - 2:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الشين والصاد والضاد والطاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
السبت 27 يناير 2024 - 3:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الزاي والسين المعجمة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الجمعة 26 يناير 2024 - 14:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» ديوان الحلاج لابي المغيث الحسين بن منصور الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:25 من طرف عبدالله المسافربالله
» لئن أمسيت في ثوبي عديم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:16 من طرف عبدالله المسافربالله
» سبحان من أظهر ناسوته من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:08 من طرف عبدالله المسافربالله
» ما يفعل العبد والأقدار جارية من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 22:03 من طرف عبدالله المسافربالله
» العشق في أزل الآزال من قدم من ديوان الحلاج
الخميس 25 يناير 2024 - 21:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الذال المعجمة والراء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الخميس 25 يناير 2024 - 20:33 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الخاء والدال ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 23:22 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الحاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 16:59 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الثاء والجيم ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 23:49 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف التاء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 18:35 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الباء ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الثلاثاء 23 يناير 2024 - 0:58 من طرف عبدالله المسافربالله
» تمهيد كتاب المهدي وقرب الظهور وإقترب الوعد الحق
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:18 من طرف عبدالله المسافربالله
» أنتم ملكتم فؤادي فهمت في كل وادي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 23:01 من طرف عبدالله المسافربالله
» والله لو حلف العشاق أنهم موتى من الحب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:51 من طرف عبدالله المسافربالله
» سكرت من المعنى الذي هو طيب من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:45 من طرف عبدالله المسافربالله
» مكانك من قلبي هو القلب كله من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» إن الحبيب الذي يرضيه سفك دمي من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:30 من طرف عبدالله المسافربالله
» كم دمعة فيك لي ما كنت أُجريها من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» يا نَسيمَ الريح قولي لِلرَشا من ديوان الحلاج
الإثنين 22 يناير 2024 - 22:12 من طرف عبدالله المسافربالله
» قافية حرف الهمزة ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الإثنين 22 يناير 2024 - 14:24 من طرف عبدالله المسافربالله
» ترجمة المصنّف ومقدمة المؤلف ديوان الحقائق ومجموع الرقائق الشيخ عبد الغني النابلسي
الأحد 21 يناير 2024 - 15:19 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي النون والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:36 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي القاف واللام والعين شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
السبت 20 يناير 2024 - 21:27 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي السين والضاد والعين والفاء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:39 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الجيم والدال والراء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الجمعة 19 يناير 2024 - 16:28 من طرف عبدالله المسافربالله
» أشعار نسبت إلى الحلّاج قوافي الألف والباء والهمزة شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:40 من طرف عبدالله المسافربالله
» القوافي في ديوان الحلّاج الهاء والواو والياء شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي
الخميس 18 يناير 2024 - 20:28 من طرف عبدالله المسافربالله